الرسم العثماني يفرق بين ضعفاء الدنيا وضعفـؤا الآخرة

بسم الله الرحمن الرحيم
(ضعفاءُ) الدنيا و(ضعـفــؤا) الدنيا والآخرة
هذه وقفة أخرى مع أسرار الرسم العثماني، وإن كنت أعرض هذه المسائل وأنشرها إنما أؤدي أمانة حملتها لنفسي بالبحث فيها، لتكون أمانة عند كل من يطلع عليها، ويكون عالمًا بها، ليقوم هو بأداء الواجب بعد ذلك، فيؤدي هذه الأمانة إلى من يتصل بهم، أو يتمكن من الوصول إليهم، أو دعوتهم للاطلاع عليها، في مجال التعاون على الخير والدعوة بالمعروف0
الضعف في الدنيا أسبابه عديدة وأكثرها قابل للزوال؛
فإن كان الضعف بسبب صغر السن فإن هذا الضعف يزول إذا شب الصغير وأصبح رجلاً كبيرًا، ومثاله في قوله تعالى: (وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاء (266) البقرة، وقوله تعالى: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً (54/الروم)0
وإن كان الضعف بسبب المرض؛ فإذا صح المريض زال هذا الضعف عنه ، وإن كان الضعف بسبب الفقر؛ فإن أصاب غنى قوي بما أصاب وزال ضعفه، وإن كان الضعف سببه ضعف الهمة أمام قوة العدو، فهذا يزول بالجرأة والصبر، ووجود الناصر والمعين0
وهناك ضعف بسبب كبر السن كالذين في قوله تعالى: (لَّيْسَ عَلَى الضُّعَفَاء وَلاَ عَلَى الْمَرْضَى وَلاَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُواْ لِلّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (91/التوبة)0
هذه أمثلة لأنواع من الضعف وكلها متعلقة بالحياة الدنيا0
وإذا أردنا أن نكتب كلمة الضعفاء نراعي في كتابتها كيفية الابتداء بها والوقوف عليها، (والقاعدة لا يبدأ إلا بمتحرك، ولا يوقف إلا على ساكن)، ونراعي في كتابة الهمزة في آخر الكلمات حركة ما قبلها، لأننا نسكنها عند الوقوف عليها، فلا تُعرف حركتها، ولما كانت همزة الضعفاء قبلها حرف مد ساكن، وهي ساكنة حال الوقوف عليها، فإننا نكتبها منفردة على السطر0
ولما كان هذا النوع من الضعف قابل للتوقف والانقطاع، وتسكين آخر الكلمات هو قطع لحركتها ناسب كتابة (ضعفاءُ) في البقرة، و(الضعفاءِ) في التوبة، حال هذا الضعف القابل للانقطاع0
أما المستضعف الذي قبل الضعف ورضي به، وذل للمستكبرين فتبعهم في كفرهم وضلالاتهم، ومات على ذلك، فلا عذر لهم عند ربهم؛ قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَـئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيرًا (97/النساء)
فهؤلاء الضعفاء يستمر ضعفهم في الآخرة لأن كل من يدخل النار لا يكون فيها إلا ضعيفًا، لذلك اختلفت كتابة الضعفاء فيها عن السابقين، فكتبت الهمزة على أصل الوصل لا الوقف، ولما كانت الهمزة مضمومة وما قبلها ساكن وجب كتابتها على الواو، وكذلك كتبت في الرسم العثماني، لتدل صورة الكلمة وطريقة كتابتها على واقع هؤلاء التعساء، إذ استمر ضعفهم في الدنيا والآخرة، ولم ينقطع ضعفهم، وينتهي بنهاية الدنيا، كما انتهى ضعف الضعفاء والمستضعفين من المؤمنين، وأكثر أهل الجنة هم من الفقراء والضعفاء، لكن إيمانهم أخرجهم من هذا الضعف فنجاهم من النار، وأدخلهم الجنة ليتنعموا بنعيمها0
فقد جاء ذكر هؤلاء الضعفاء في الدنيا والآخرة في آيتين :
(وَبَرَزُواْ لِلّهِ جَمِيعًا فَقَالَ الضُّعَفَـؤُا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللّهِ مِن شَيْءٍ (21/إبراهيم)
(وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَـؤُا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِّنَ النَّارِ (47/غافر)
انظر إلى طريقة كتابة الضعفاء في الآيتين -أعتذر عن عجزي عن كتابة كل الآيات برسم المصحف في هذا المقال- وقبل الهمزة على الواو ألف محذوفة تكتب صغيرة فوق السطر تعذر إظهارها0 والحديث يطول في هذا الباب الذي لا يتسع للمزيد