-
رد: مــــائة مصباح من مشكاة النبــــوة
الحلقة الواحدة والاربعون
أخرج الشيخان أنه عليه السلام قال " الرؤيا ثلاث : رؤيا صالحة من الله يبشر بها عبده ورؤيا تحزين من الشيطان ورؤيا مما يحدث المرء نفسه ".
ــــــــــــــــ
موضوعه : من أعظم مكارم الايمان الامن النفسي ومن أعظم محاسن التوحيد قوة الارادة : دعني في البداية أقص عليك ماجرى لي بالامس ورب الكعبة إذ رن جرس الهاتف في بيتي فإذا المتكلم جارة كريمة لنا تربطنا بها روابط الدين والوطنية تطلب مني تدارك أمر قريبتها المفزوعة في إثر رؤياها في نومها لجارتها الميتة منذ سنوات بعيدة تزورها في بيتها لتأخذها معها ومما قالته الجارة أن الرائية تحولت حياتها إلى جحيم لا يطاق منذ هذه الحادثة فهي تبكي صباح مساء وهي تفكر في أمر جنينها وقد أزفت ساعة نزوله من يكفله من بعدها فهي ميتة لا محالة . ومن أقداره سبحانه أني كنت أنوي الحديث في أمر الرؤى ضمن هذه السلسلة فكانت تلك الحادثة مبعث تعجيل من ناحية ومصدر حزن عميق من ناحية أخرى حتى أني لم أزد جوابا لجارتي المكلفة من لدن قريبتها بالبحث عن " رجل دين " يؤخر هذا القدر المحتوم بالموت المشؤوم إلى حين نزول الجنين بقولي " لاتزيدي على قولك لها آمني بالله سبحانه " والحقيقة أني كنت أنوي إضافة شئ لم أقله وهو " لاشك أن إيمانك به مدخول إلى درجة سافلة لا تصدق ". وليست هذه هي المرة الاولى التي أتعرض فيها إلى مثل هذه المضحكات المبكيات وخاصة من لدن النساء في مسألة الرؤى ولو كانت دنيانا على غير النظام السائد اليوم لعقدت لمثل هذه الفاجعات مؤتمرات وطنية ولعدها الناس في برنامجهم اليومي القضية الوطنية الاولى وليس ذلك سوى لفرط ما تشتت به الاسر وتحطم بها الانسان وتؤخر به العمل وتهدد به الطفولة وقضايا التعليم والتربية غير أن الذي لايجعلها كذلك هو تأخر ما يسميه الملحدون إستهزاء بالميتافيزيقيا ويرتبون على ذلك إلغاء الاهتمام العقلي بالجانب النفسي والغيبي والروحي والعاطفي من الانسان فيتحول الانسان في إمبراطوريتهم إلى بغل قوي العضلات يلهث صباح مساء من أجل دكتاتورية البروليطاريا والصراع الطبقي أما أحاسيسه ومشاعره وعواطفه ونفسه وهمومه الداخلية وأشواقه المداسة فليس له سوى معالجتها بالفرار منها إن إستطاع أو تكذيب نداء الاديان جملة أو التردد على العيادات النفسية التي لا يؤمن أهلها بالله أصلا وفاقد الشئ لا يعطيه كما تقول العرب واليوم أحتكرت تلك العيادات من لدن طبقة العرافة والكهانة والدجل فلا تزيد العائذ إليها سوى وهنا.
الحل واحد وهو فقه رسالة الاسلام النفسية ثم تمثلها إرادة : لوجاز لنا أن نقول ما أصدق هذه الاية بما لا يفيد نفي ذلك عن غيرها أو التهوين منه لقلت ألا ما أصدق قوله سبحانه " ياحسرة على العباد " فهي حسرة وزفرة وشعور عميق والله بالحزن يغشاني كلما إستحضرت حالة ملايين مملينة من النساء خاصة اللائي يحملن الاسلام رسما كابرا عن كابر غير أن فعله فيهم تغييرا إلى الاحسن أمنا وسعادة وقوة وثقة ويقينا وأملا كمتدثر بثوبي زور أو كمتشبع بما لم يعط كما قال التعبير النبوي في مواضع أخرى ولو جاز لنا أن نقول ما أروع هذا الجانب في الاسلام بما لا يفيد نفي ذلك عن غيره لقلت لو لم يأت الاسلام بسوى تعمير النفس البشرية بالامن النفسي الذي يغمرها بالشكر في السراء والصبر في الضراء والايمان تسليما بالقضاء لكفاه فخرا بين الاديان وبين النظريات البشرية التي تحاول إلغاءه أو التهوين من شأنه وياحسرة على العباد الذين لا يوقنون بأن الامن والسلام والسعادة والرخاء والهناء والعيشة الطيبة الكريمة الحسنة والامل وكل ما ينتمي إلى تلك العائلة إنما ينبع منهم هم أولا فإن فقدوا ذلك فيهم فلن والذي نفسي بيده يجدوا له ريحا وياحسرة على العباد حقا حين لا يفهمون الاسلام على أنه مرفأ دافئ تحن إليه النفس المتعبة المنهوكة المكدودة المهدودة الشقية المحاصرة المطاردة وياحسرة على العباد الذين تجمع أفئدتهم ـ رغم أن القانون الطبيعي يقول بأنه ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه ـ بين الايمان وبين الخوف والفزع والجزع والهلع والتمزق إربا إربا بسبب رؤيا ليلا أو حادثة يوما فهل يصلح هؤلاء للدنيا أم أن الدنيا تصلح لهم وهل يرتقب منهم حسن سفارة عنه عليه السلام وهل يهابهم عدو وهل يحررون وطنا وهل ينشؤون أسرة ويربون ولدا ويبعثون أمة ؟
أهم ما جاء به الوحي الكريم في شأن الرؤى : أما القرآن الكريم فلم يتناول الشأن إلا قليلا وذلك في معرض القصة فحسب وأكبر ما جاء ذلك في قصة يوسف وهو يمتن عليه بتعليمه تأويل الاحلام وقد قام بتأويل ثلاثة رؤى إثنتين لصاحبيه في السجن وواحدة للملك ثم ما جاء في رؤيا إبراهيم في ذبح إسماعيل ومعلوم أن رؤيا الانبياء حق فهو إما أمر أو واقع لا محالة فهي جزء من الغيب الصحيح والقضاء المقدور. أما السنة فقد ورد فيها بضعة أحاديث في ذلك منها ما يفصل مستويات الرؤيا كما هو الحال اليوم ومنها ما يعلمنا الادب حيال كل نوع منها كما أخرج البخاري عن أبي قتادة " الرؤيا من الله والحلم من الشيطان فإذا رأى أحدكم شيئا يكرهه فلينفث حين يستيقظ ثلاث مرات ويتعوذ من شرها فإنها لا تضره " ومنها ما يميز بين رؤى المؤمن وغيره كما أخرج البخاري عن أبي هريرة " إذا إقترب الزمان لم تكد تكذب رؤيا المؤمن وهي جزء من ستة وأربعين جزء من النبوة " وتعدد رواته فمنهم عبادة بن الصامت وأنس ومنها ما يختص برؤياه هو عليه السلام كما أخرج البخاري عن أبي هريرة " من رآني في المنام فسيراني في اليقظة ولا يتمثل الشيطان بي " ومنها ما يخص العلاقة بين صدق الرؤيا وبين سلوك المؤمن " أصدقكم رؤيا أصدقكم حديثا " وسماها مبشرات لم يعد بعد النبوة سواها للمؤمن ومنها ما يرهبنا من الكذب في الرؤيا " من حدث بما لم يركلف أن يعقد بين شعيرتين ولن يفعل ".
السلوك الاسلامي حيال الرؤى وقاية وعلاجا : أما وقاية فلابد من تحقيق الايمان في النفس تحقيقا يعسر معه تسلل الشيطان إلى حصونه بغير الوسوسة التي لا يتخلص منها كائن من كان من غير المعصومين لانها ضربة لازب للابتلاء مقصد الخلق ومادة الامتحان وليس كوسيلة النظر شئ لتحقيق الايمان العاصم من الاهتزاز النفسي الكفيل بجعل أكبر وأول عدو للانسان أي الشيطان يسرح ويركض حرا طليقا ومما يوطد عرى تلك القوة الايمانية الاقبال على العبادات المفروضة وخاصة منها التلاوة والذكر والتفكر وبوجه أخص أدعية المناسبات كالدخول والخروج ومباشرة الامر والانتهاء منه وإستصحاب مقاطع قرآنية معلومة وخاصة أية الكرسي وخوايتم البقرة والاخلاص والمعوذتين وليس كالاخلاص عدوا لدودا للشيطان فهو لايبرح يفسده ومن وسائله إفساد الاخلاص بالاخلاص ولا نتكلم الان فيه لضيق المجال وأما علاجا فلابد من تحقيق أصح الفهم بداية وبخاصة أن الاسلام الذي تقلدته ليس له من وظيفة سوى عداوة الجهل والمرض ومنه النفسي والفقر ومنه فقر الارادة الكفيلة بإذنه سبحانه بدفع الفقر المادي وتلك الوظائف تتحقق عبر تقوية النفس وتأهلها للامل واليقين والثقة والامن الداخلي الذي يوفر التوكل والعزم والمضاء ومعافسة المصاعب وليس أصدق من قولة الامام علي " إذا هبت أمرا فقع فيه فإن الوقوع فيه أهون عليك من الخوف منه " فالاسلام يعمر الدنيا بتعمير النفس الداخلية للانسان فإذا فشل مشروعه في محطته الاولى فلن يثمر بعد ذلك شيئا وبعد المعالجة بحسن الفهم يكون حسن التنزيل ومنه أن صدق الكلام في النهار يؤدي إلى صدق الرؤيا في الليل وهو معيار صحيح دقيق لصدق الرؤيا ثم يحدث الرائي برؤياه التي إستحسنها من يحبه ويثق فيه ولايكون ذلك بالضرورة لتعبيرها أو تأويلها فذلك فن وموهبة وعلم تخصص فيه رجال من مثل إبن سيرين ولايكون الرجل صادق التعبير في الرؤيا له ولغيره حتى يكون من أقرب الناس إلى الله لانه يتكلم بإسمه ويحدق في غيبه ويستلهم من علمه وهو قضاء لما يقدر أي لما يقع فهو غيب لا يطلعه سبحانه سوى على من أحب وليس هو دنيا يصيب بها من آمن وكفر سواء بسواء وبعد تأويل الرؤيا يجب أن يعتقد الناس أن ذلك لا يعدو أن يكون إجتهادا من الرائي في صحة النقل وإجتهادا من المعبر في صحة التأويل فإن جزم بذلك فقد قدم بين يدي الله وقال عليه بغير علم وتعدى حدوده كما عليه أن يؤمن دوما أن ذلك حتى على فرض صحته نقلا وتعبيرا غيب مقضي عنده سبحانه مالم يصبح قدرا مقدورا بين الناس فإن ألف صارف وصارف مأذون له منه سبحانه في إبطاله ومنه الدعاء ومنه قوله " يمحوالله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب "أما حال تحزين الشيطان فالواجب العمل بسنته عليه السلام في ذلك أي التفل والاستعاذة أي ضمان عدم الضرر بإذنه سبحانه .
فالخلاصة هي إذن أن الرؤيا سواء كانت صالحة أو تحزين شيطان أو حديث نفس لا تصلح أن تكون في عقيدة المؤمن المتيقن من ربه والواثق برسالته والمملوء أملا وتوكلا وقوة بربه مصدر غيب شرا كان أو خيرا محققا لايطاله شك كأنه قضاء مقدور أو حياة معيشة ولامصدر تشريع فهي إذن محطة إبتلاء سواء بالبشارة التي قد تتحقق لو لم يمحها سبحانه بسبب لا نعلمه أو بالتحزين الشيطاني الذي يلاحق الانسان حتى في نومه ليزداد إيمانا بأن أعدى الاعداء ليس هو سوى الشيطان أو بحديث الاماني رغبا ورهبا وهو الجزء الذي توصل إليه العلم الحديث في شأن الرؤى المنامية كما قال بذلك فرويد وغيره وذلك هو مبلغهم من العلم ظاهرا من القول أما ساحة الحرب الحقيقية فهي ساحة اليقظة بسائر مسؤولياتها .
-
رد: مــــائة مصباح من مشكاة النبــــوة
الحلقة الثانية والاربعون
أخرج مسلم والترمذي عن أبي هريرة عليه الرضوان أنه عليه السلام قال " أتدرون ما المفلس ؟ قالو المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع فقال : إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ويأتي وقد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفلك دم هذا وضرب هذا فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار ".
ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــ
من شواهده " يوم لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت أو كسبت في إيمانها خيرا ".
موضوعه : شر الازمات في هذه الدنيا : الافلاس القيمي والتضخم الديني وهما سببا العجز الاخلاقي والمديونية الحادة .
هذا حديث من الاحاديث المزعجة بسبب ما تقذفه في القلب الحي من خوف ورعب وهو ما سماه القرآن الكريم وجلا وإمتدح الوجلين بقوله " الذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون " حتى أن الام الكريمة عائشة عليها الرضوان فهمت من الاية معنى آخر بعيدا فقالت له عليه السلام مستعجبة : كيف يجلون بعد ما أتوا ما أتوا من المعاصي فقال عليه السلام مصححا بل هم الذين أتوا الخير والطاعة غير أن خوفهم من الجليل سبحانه جعلهم لا يأمنون مكره ولذلك كان خير ما قال العلماء قديما بأن خير القلوب ما كان كالميزان الثابت المعتدل بين كفتي الخوف والرجاء في آن واحد معا مصداقا لقوله سبحانه " إنه لا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون " وقوله كذلك سبحانه " إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون " . فهذا من الاحاديث التي تبعث الوجل في القلوب الحية وهو وجل مطلوب لتعتدل كفة ميزان القلوب بين الخوف والرجاء أبدا وليس القلب سوى صناعة رحمانية لابد لها من معدل مقدر من الاملاح والمعادن فهو كذلك مضغة تصيبها التضخمات الدموية والتصلبات في الشرايين والاطباء لها وهو كذلك لطيفة ربانية رحمانية كريمة تستقبل الايمان وتحث على العمل الصالح وتقود غرفة القيادة إلى جانب العقل في جهازنا البشري فإن أنخرمت موازين تلك المعادن والاملاح فيها فإن صيدلية القرآن الكريم ومشفى محمد عليه السلام لها .
البيان النبوي البليغ يبدع في فن التصوير وتلوين المجاز بالحقيقة وفي ذلك مالا يحصى من دروس الدعوة والبلاغ والاعلام :
لوتوقفنا عند هذا برهة لعل الحس الفني والبلاغة التصويرية يشداننا إلى الوحي الذي كان من أغراضه الاولية الكبرى يوم نزوله إحداث التحدي الاعجازي ضد من طغوا في شركهم طغيانا رهيبا فلم يمنعهم ذلك من إدعاء النسبة لابراهيم عليه السلام إفتراء لا يساويه سوى إفتراء بني إسرائيل وهو تحد لم يكن صامتا ولا خافتا ولا حييا بل عبر عن نفسه في مواضع صريحة في القرآن وليس ذلك سوى ليعلمهم أن بلوغهم الشأو الاعلى في السحر البياني والبديع البلاغي لا يبرر كفرهم ولا عنادهم فهزمهم من حيث لم يكونوا يحتسبون وتلك في الحقيقة سنة ماضية في الرسالات لم تتوقف ولن تتوقف وهاهي تباشير إستعلاء الحكمة الاسلامية في مجالات العلم الكوني تصعد يوما بعد يوم ولست سوى مملوء يقينا ومفعما ثقة بأن منتهى ذلك هو إحداث الهزيمة بمن إستعبدوا الناس بإسم العلم والتقنية والاختراع والاكتشاف فكان طغيانهم أشد من طغيان قريش ودوما بذات السلاح الذي يزهو به الناس المعاندين لارادته سبحانه تنزل بهم الهزيمة ولكن على أيدي بعض أهلهم أم أنك لم تذكر قوله دوما عنه عليه السلام أنه " من أنفسكم " أو " من أنفسهم " تلك سنة ماضية حسم الرحمان سبحانه بإرادته الماضية أمرها غير أن قدرها المقدور يخضع لقوله " لكل أجل كتاب " فأرقبها في الانفس وفي الافاق وأوص بها البنين والحفدة وأعمل لها وأوص بالعمل بها لمن هم في حقل العلم الكوني .
وبما أنه عليه السلام عربي قح رتبت له الاقدار الرحمانية كل أسباب العربية القحة من شهامة وكرامة وشجاعة ونجدة وبيئة ولهجة ومرضعة وبادية أوتي جوامع الكلم فإن رضاعته من مشكاة البيان القرآني الساحر الباهر كانت تلون خطابه كيف لا وهو حامل التحدي مبنى ومعنى لا بل كيف لا ولو وجد منه العرب وهم ينحتون لغتهم يومها كما ينحت النجار قطعة من الخشب يشكلها كيف يشاء شيئا يسيرا من الهنة أو زيغانا عن مقتضى البلاغة ولو بقيد أنملة لانهار البناء من أسه وخر من سقفه .
وفي هذه اللوحة البيانية الجميلة المملوءة روعة ونحن بصددها اليوم مثال بارز على جمال إحتضان المبنى ممشوق القوام لمعنى ينطف سمنا وعسلا وبمثل هذه الجدارة تنتصر الدعوات وتفحم المعاندين وتشرب النفوس معاني الجمال ومعالم الزينة فالافلاس الذي لم يكن يعرف عنه الناس كافرين ومؤمنين سوى جانبه المادي حوله عليه السلام بريشته الادبية الباهرة إلى قيمة معنوية تصيب النفوس والقلوب تماما كما تصيب الاجسام ومظاهر الجمال في ذلك الربط بين الحقيقة والمجاز في لوحته الشاطرة المعروضة أمامنا الان لا تحصى ومنها إيحاؤه عليه السلام بأن دنيا المعاني والارواح محكومة بذات السنن والاسباب التي تحكم دنيا المادة وهو بذلك يضيف للانسان الغافل بعدا أصيلا من أبعاد شخصيته تكريما وتحريرا وتأهيلا لامانة الاستخلاف والتعليم وإن شئت قلت بلغة الاقتصاد اليوم أنه عليه السلام يزاوج بين الحقيقة والمجاز في دنيا المال والاقتصاد ونحن اليوم تشنف أسماعنا وتلون حياتنا بكلمات الافلاس وما في حكمها ولو حدثت قارونا من قوارين زماننا ممن يصلون معنا ربما ويدفنون عن الافلاس القيمي الذي تحدث عنه الرسول الاكرم عليه السلام منذ أربعة عشر قرنا لعدك من المخبولين فالافلاس في قاموسه هو لا يتعدى مجال المال ودنيا الاقتصاد أما الافلاس الديني على فرض وجوده فإن الحديث فيه دوما مؤجل حتى تكون سكرات الموت وغرغراتها وحينها لات حين مناص .
فبالخلاصة هنا فإن على أدباء الدعوة الاسلامية إنتاج خطاب إسلامي معاصر مملوء بشتى الفنون والاداب وسائر ما يغذي الذوق السليم والفطرة الحليمة والحكمة الكريمة والعاطفة الدفاقة جمعا بين الحقيقة والمجاز الذي ينقسم إلى تسعة عشر صنفا فالعصر هوعصر الاعلام القائم علىحسن العرض وهو عصر الفن القائم على حسن النفاذ إلى شغاف القلوب ورب لوحة أو قطعة فنية في أي مشرب كانت تمثيلا أو أدبا أو شعرا أو نحتا أو عرضا حيا أحيا الله بها القلوب الغافلة الصماء ورب موعظة من دميم اللسان أخرق المعنى نفرت ففر منها المتدينون قبل غيرهم كما يفر الاصحاء من الاجذم فهلا أحسنا العرض لخيرمعروض ؟
تدبر هذا الدرس من الحديث مليا : مادة الافلاس القيمي القاذفة للمؤمن في النار هي الاعتداء على حقوق الناس من لدن مؤمن :
دروس الحديث كثيرة ولا شك ولئن أطلت القول في مبناه الساحر فلانه شدني إليه شدا قويا لم يجد قلمي بدا من الاستجابة لنزهة خفيفة بين جنبات حدائقه الغناء ومن ذاق عرف ومن طعم إشتاق كما يقال غير أن أبرز درس في معنى الحديث هو أن المؤمن الذي من المفترض أن يصيب الجنة بإيمانه قد تقذف به بعض معاصيه في النار ولا يهمنا إختلاف العلماء هنا هل يخلد فيها أم لا رغم أن عدم خلود النار أصلا فضلا عمن فيها هو الاكمل برحمته سبحانه التي سبقت غضبه . الدرس الاكبر هنا هو أن تلك المعاصي التي تقذف بالمؤمن لا بغيره في النار تنتمي جميعها إلى مادة حقوق الانسان ولا تنسى أنه مؤمن أتى بصلاة وصيام وزكاة وسائرما يفترضه عليه دينه من أوامر وهل أثقل من الايمان ومن الصلاة والزكاة والصيام والحج في الميزان ؟ فماهو السر الذي جعل مؤمنا كامل الايمان مقيمالسائر العبادات تبتلعه النار بصيغة الطرح فيها أي أنه مهان فوق ذلك ومن يهن الله فما له من مكرم كما قال القرآن الكريم ؟ والجواب البليغ الوحيد ليس هو سوى أن الاعتداء على الانسان نفسا وبدنا ومالا وعرضا مورد لصاحبه المعتدي النار على الرغم من إيمانه وصلاته وصيامه وزكاته وحجه وبالتأكيد على الرغم من كثير من الاعمال الخيرية الاخرى . ولذلك يجوز لنا القول بل يفرض علينا فرضا بإطمئنان كبير بأن أرعى دين لحقوق الانسان أيا كان دينه ولونه مالم يكن ظالما باغيا معتديا هو دين الاسلام وذلك لسبب واضح بسيط مفاده أن العقوبة التي رتبها على المؤمنين قبل غيرهم وعلى الطائعين قبل غيرهم في الاخرة التي هي المستقبل الابدي للانسان ومن لدنه هو سبحانه وهو أشد عذابا هي النار لمن تورط في الاعتداء على الانسان بالضرب أو بالقتل أو بأكل المال أو بالشتم والقذف وهو درس بليغ لابد لكل مسلم ومسلمة ومتدين ومتدينة من تمثله لان الافلاس المالي عبر التضخم أو عبر ثقل المديونيات الذي يخشاه التجار والحكومات والشركات هو ذاته في الجانب المعنوي الذي يدهس الشركات الانسانية بحكم تضخم فهم سقيم في التدين مفاده أن حقوق الناس ليست شيئا أمام حقوق الله سبحانه والاسلام يعلمنا أن العكس تماما هو الصحيح إذ عبر العلماء عن ذلك بقولهم أن حقوق الله مبناها المسامحة أما حقوق الناس فمبناها المشاحة أو بحكم ثقل مديونية عبر عنها عليه السلام بقوله " فإن فنيت حسناته تطرح عليه من سيئاتهم " فهي مديونية قيمية يحكمها ذات القانون الذي يحكم الماديات وهو ما عبر عنه القرآن الكريم بالرهن وهو رهن في الدنيا على أمل أن الانسان يجد ما يعوض به عن مديونيته أما في الاخرة فإن العملة بالحسنات والسيئات . إني أقول في نفسي والله لو أن كل مؤمن تمثل هذا الحديث المزعج وصرع هوى نفسه للعمل بما تيسر منه لاخطأه الافلاس شر مصير يلقاه المؤمن العابد الطائع ولو قصر الناس الذين تصرعهم أهواؤهم في جنب الله سبحانه وكانوا أشد حراسة لحقوق الناس كلهم أن تطأها أيديهم أو ألسنتهم إلا بحق لكان مصيره أفضل من مصير من لم يقصر في حقه سبحانه كمؤمن قام بكل العبادات فلما كان بجانب حقوق الناس وطأها غير مبال .
هل من طريق لاعادة بناء الميزان التجاري للانسان على أسس تجاوز آثار الافلاس بعد وقوعه ؟:
قبل الممات كل شئ ممكن غير أن المشكلة معقدة إذ لايعرف الانسان موعدا لاغلاق حسابه الجاري عند ربه فيحتاط لذلك من ناحية وهي أشد تعقيدا من الناحية الثانية بحكم أن العدوان على حقوق الانسان لا تتجاوز آثاره وتمحى مديونياته وتضخماته بسوى غفران أولئك الناس الذين وقع الاعتداء عليهم كفارا كانوا أم مسلمين ولعل أبلغ تعقيد في المسألة من ناحية ثالثة هو موت أولئك الذين كانوا محل إعتداء منك ورغم ذلك فإن باب التوبة مفتوح دوما رغم كثرة الموانع والحواجز في هذه الحالة كما ترى .ذلك أن العدوان علىحقه سبحانه لا يتطلب منك سوى ندما وإستغفارا بينك وبينه ليس لاحد أن يعلم ذلك وبقدر حسن ظنك برحمته يكون عطاؤه لك فالكرة في مضربك أنت لا غير فإن ظنتت به الرحمة كلها والغفران لكل ذنب بينك وبينه جاءك ذلك وعلى قدر ظنك تكون الرحمة والمغفرة .أما كيف تعيد بناء ميزانك التجاري تجاوزا لحالة الافلاس التي أرهقته فالجواب مركب متكون من إستصحاب ذات الاساليب كماأن الذنب بينك وبينه أولا ثم رد الحقوق إلى أهلها إن كانت مادية مالية وكانوا هم أحياء وتسنى لك التعرف عليهم وإن كانت الحقوق معنوية فيكفيك طلب الغفران منهم مباشرة مع تقدير المصلحة في ذلك لعدم ترتب جرم أكبر من الجرم الذي جئت تطلب محوه فلا تخبر زوجا مثلا أنك زنيت بحليلته يوما وقد ستركما الله فإذا كان أصحاب الحقوق قد ماتوا حقيقة أو قدرت المصلحة خلاف طلبك الغفران منه مباشرة فإن الحل يكون إما برد الحقوق المادية المالية لاوليائه وورثته أو برد الحقوق المعنوية له بالتصدق عنه من مالك والاستغفار له وفعل كل ما يقربك في ظنك من تخوم الاستبراء من حقوقه فإن لم تعلم له إسما ولا رسما فيكفيك فعل ذلك وربك سبحانه أعلم به منك ومني وربما من نفسه أيضا وهو يحول مبالغك المالية والمعنوية التي بذلتها بإسمه إلى حسابه . الطريق بعد التورط في حقوق الناس كما ترى معي طويل ومعقد ومحاط بمعوقات لاحصر لها وهي ضريبة من لم يؤمن منذ البداية بأن الاسلام دين حقوق الناس جنبا إلى جنب مع كونه دين حقوق الله لا بل قبل ذلك لو إستثنينا التوحيد فحسب وعرفنا بأن غفار رحمان تواب أما عباده فهم في الغالب أهل مشاحة ومماكسة . فليحذر المبتدئ وليتب المتورط وفق الصيغة المطروحة آنفا في محو حقوق الناس من عنقه وإلا فالنار للمؤمن المصلي المزكي الصائم الحاج فاعل الخير .
الخلاصة : أمسك لنفسك في بيتك ميزانا لتجارتك مع الله سبحانه وأبق عمود المداخيل أبيض فلن تظلم منه حبة خردل بل ستجد فيه ما لم تفعل بل نويت أو فعل لك ولدك من بعدك أو من علمت أو سننت من الخير أما عمود المصاريف فسجل فيه مع مغرب كل شمس أو أفول كل شفق بشح وعسر حساب سائر المديونيات التي أصبتها في حق الناس ثم أرسمها أولويات على جدول أعمالك لليوم الموالي وبادر بقضائها لاصحابها مالا أو إستغفارا وبذلك تتجنب الافلاس الديني إن كنت مبتدئا وإن كنت مثلي مسنا متورطا في حقوق الناس طاعنا في كرائمهم عرضا فتعال نؤسس مشروع العمر نسميه مشروع جدولة الديون أو التحلل منها فلا أقل من أن نموت بعد العدوان على توبة.
-
رد: مــــائة مصباح من مشكاة النبــــوة
الحلقة الثالثة والاربعون
أخرج البخاري والترمذي عن النعمان بن بشير أنه عليه السلام قال " مثل القائم في حدود الله والواقع فيها كمثل قوم إستهموا على سفينة فصار بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها فكان الذين في أسفلها إذا إستقوا من الماء مروا على من فوقهم فقالوا لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا ".
ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــ
موضوعه : الارض التي حولتها ثورات الاتصال إلى حجرة صغيرة هي سفينة تقل 6 مليارات:
عود آخر مرة أخرى إلى موضوع البلاغة النبوية في حسن التصوير الفني الكفيل بحسن عرض البضاعة الاسلامية مرغب جلاب مبنى ومعنى وإنه مما يوحى إلي من مثل هذه اللوحة النبوية الجميلة وغيرها كثير أن الدعوة الاسلامية المعاصرة مطالبة بتخير الفنون الجميلة التي تحمل رسالتها إلى الناس بيضاء ناصعة تلبي سائر نداءات فطرتهم وليست العقلية فحسب والتي تكفل بها القرآن الكريم وهو يخاطب العقل الانساني العالمي في كل زمان ومكان وحال فلا يلفى سوى الاستجابة سواء مشى خلفها القلب فكانت طاعة أو جحد بها بعد إستيقان فكانت كفرا وإنما عرضا دعويا فنيا جميلا بسائر ألوان التعبير الذوقي الخلاب يلبي داعيات العاطفة والروح والجسد وسائر مكونات الانسان المتكامل ففن البلاغة القرآنية والنبوية التي سحرت عتاة الشرك ودهاقنة الظلم في عقر دارهم وعقر دارهم هي ناصيات البلاغة وفرسان البيان لكفيل كفالة أمر في حقنا وليس كفالة إستحباب بتكرار فعل الهداية الانسانية شريطة التوسل إلى ذلك بلغات الناس أجمعين وليس ترجمات جامدة ميتة بل فنونا معاصرة جميلة أما دون ذلك فلا ينطبق علينا سوى قولة القائل " علىمن تقرأ زبورك يا داوود ".
النبي الاكرم عليه السلام أول من قرر أصالة وضرورة الاجتماع الانساني العالمي ومقتضياته:
ربما لا يكون ذلك مثيرا بالنسبة لنا اليوم والارض تزدحم بنا عددا فاق ستة من المليارات فضلاعن ملايين مملينة من الملل والنحل والاعراف والتقاليد ناهيك أن حتى صيحات الموضة في أدق تفاصيل الحياة البشرية خصوصية أرهقت الناس بعدما وصل هديرها الساحر إلى أدغال كنا نخالها قبل ذلك موطن الذئاب والسباع المفترسة لفرط قحطها ومرارة جدبها . ولو أرجعت هذا الفقه النبوي العظيم للحياة البشرية إلى مكانه وزمانه وحاله في الجزيرة العربية وما حولها لالفيت ثورة بليغة الاصلاح في دنيا الفكر والثقافة والحضارة فالمخاطبون يومها لا يجتمع أغلبهم سوى مرة واحدة في السنة بمناسبة سوق عكاظ ومهما كانت إجتماعاتهم وإتصالاتهم صاخبة ومدوية فلن تتجاوز بضع مئات أو آلاف وقساوة المناخ الطبيعي وإنصراف الناس إلى شؤونهم القبلية وقيام حضارتهم على تواصل بدائي وغير ذلك كثير كلها عوامل تجعل من هذا النداء النبوي ضربا من التشريع المحكم لهم وبخاصة لمن سيعمر الارض بعدهم تعميرا يحول الدنيا بأسرها إلى مجرد حجرة صغيرة ضيقة بفعل ثورات ثمان في حياتنا اليوم ربما أقواها على الاطلاق ثورة الاتصالات التي لن تزال تسجل تطورات متقدمة لا تخطر لنا على بال . وبإختصار شديد فإني مملوء شعورا بأن هذا النداء النبوي موجه إلينا نحن اليوم لفرط حاجتنا إليه في حالة غير مسبوقة من سرعة التأثير والتأثر بين الناس جميعا في دنيا القيم وعالم المادة على حد سواء وحالة عمرانية شهدت تكدس الناس في المدن والعواصم على غير مثال سابق ولا تجد اليوم عاصمة لبلاد وخاصة في دنيا العرب والمسلمين لا تستحوذ على ما بين الخمس والعشر من السكان وهو زمان شهد تقاربا مريعا حتى أن الزلزال الاخير في جنوب شرق آسيا في أيامنا هذه هدد بتغيرات كبيرة في خارطة الارض وأصابت أثاره القارة الافريقية التي تبعد عليه آلافا مؤلفة من الاميال . فلا شك إذن أننا بملياراتنا الستة نمتطي صهوة سفينة صغيرة واحدة تمخر بنا عباب الكون لانعرف إتجاه سيرها سوى أن ربك سبحانه جعل لها ولنا معها أجلا لا ريب فيه وملياراتنا الستة تزداد يوما بعد يوم وتقاربنا يقطع مسافات لا قبل لنا بها والسفينة بذلك تصغر يوما بعد يوم ولوإقتربنا من عالم التصوير الساخر لقلنا بأنه أوشك زمان يصطلي فيه بحر نار موقدة في شمال أمريكا طالب للدفء قابع في جنوب اليمن.
أمراض معدية تهدد سفينتنا اليوم بالهلاك :
قبل المرور إلى ذلك ألمس برد المعاني الغزيرة من هذا الحديث تنقدح في ذهني في إزدحام شديد ومنها أنه عليه السلام ينبه إلى أن البشرية في حالة سفر دائم من خلال إستخدامه لمثال السفينة وهو سفر بعد ذلك محدق بأخطار الغرق وهل من خطر يتهدد راكب البحر سوى الغرق ومنها كذلك أن الناس فيها مختلفون متعددون متنوعون وذلك من خلال كونهم على متنها بعضهم فوق بعض وكذلك من خلال كونهم منهم العقلاء ومنهم السفهاء الذين لا ينظرون إلى مستقبل السفينة بأسرها وراكبيها حال جلبهم للماء ولسائر مصالحهم .
داء الارهاب الدولي : وذلك من خلال ما تمارسه أمريكا وإسرائيل ترغيبا وترهيبا ضد كل من لا ينخرط في سياساتهما التي إنما تقوم على عقدة الحروب التي أسموها هم صليبية حتى وصل الحد إلى تجميد عشرات من كبرى المنظمات الاغاثية الخيرية في السعودية وغيرها وبذلك يزداد الفقراء فقرا وتتعمق الهوة بين جنبتي السفينة الصغيرة الواحدة وكذلك إلى حد الارساليات الرسمية المحققة في مدى ملاءمة التشريعات الاسلامية والتربية الدينية في المؤسسات التعليمية للتوجه الصليبي الصهيوني تجفيفا لمنابع الحرية والتدين والاغاثة واليوم يسأل كبار التجار عن مآل زكواتهم أما عن محض صدقاتهم فلا تسأل .
داء العولمة : وهي عولمة يفرضها المنتصر بقوة الحديد والنار علىمدى النصف الثاني من القرن الميلادي المنصرم ومخها هو إتاحة الفرصة أمام الثقافة الغازية بعجرها وبجرها وحلوها ومرها لتحطيم دفاعات الخصوصيات الانسانية لسائر الشعوب والامم وخاصة الاسلامية منها وهي عملية دولية يسخر لها الاقتصاد ومؤسساته ومنها معاهدة التجارة الحرة والاستراتيجيا العسكرية ومعاهداتها ومنها توسيع دائرتي الناتو في إتجاه المسلمين في الجمهوريات السوفياتية المستقلة وفي حوض المتوسط .
مهمة مقاومة أسباب هلاك السفينة هي مهمة المسلمين تعاونا مع كل الاحرار المسالمين :
بقدر تصاغر السفينة وتكاثر أهلها بحكم الثورات العلمية وخاصة ثورة الاتصالات تكون أصداء أسباب الهلاك فيها عظيمة مؤثرة وهذا اليوم لا يحتاج إلى دليل ومما قرره العلماء أن رحمة الله سبحانه تكون خاصة بالمؤمنين أما غضبه وإهلاكه للناس فيصيب المؤمنين والكافرين والظالمين علىحد سواء تماما كما وقع أو سيقع لغزاة الكعبة في حديث عائشة عليها الرضوان ويوم يعرضون عليه سبحانه يوفى كل هالك حظه غير منقوص . وإذا كانت مقاومة الفساد في كل سفينة من لدن ركابها جميعا إنجاء لانفسهم لا لغيرهم فطرة توجبها غريزة حب البقاء فإن الاسلام لم يكتف بذلك بل عد الامر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة مفروضة إلى جانب الصلاة والصيام والزكاة والحج ورتب على بني إسرائيل الهلاك بسبب تأخرهم عنه " كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه " بل وصل الامر خطورة إلى حد قوله عليه السلام " لتأمرن بالمعروف ولتنهن عن المنكر أو ليسلطن الله عليكم عذابا ثم يدعو خياركم فلا يستجاب لهم " أما قولنا أن المسلمين أولى بحفظ أسباب نجاة السفينة من كل هلاك مادي أو معنوي فلتوفرهم على الدواء الشافي لكل أسباب الهلاك ضمن منهجهم الاسلامي وليس لهم سوى الارتقاء إلى درجة الاطباء والصيادلة أما قولنا أن عليهم التعاون مع غيرهم من الاحرار المسالمين من ركاب السفنية الصغيرة الواحدة فلان هؤلاء كثر عددا وعدة وما يجمعنا بهم أكثر من أن يحصى ومنه إستهداف الطاحونة الصليبية الصهيونية اليوم لسائر ركاب السفنية بالجملة في حملة فرعونية جديدة والمؤمن والكافر المسالم في حالة الدفاع هذه عن السفينة الانسانية الوحيدة الصغيرة إخوة في الانسانية وفي رسالة الدفاع عن الوجود وتقرير مصير السفينة ضد الظالم حتى لو كان من أعبد المسلمين أو من أوفى الكافرين يدا بيضاء على الناس إختراعا وإكتشافا وسبب سعادة بدنية فإن ظن المسلمون اليوم أنهم يقاومون الطغيان العالمي دون عزير من غيرهم فإن المعركة خاسرة .
الخلاصة هي إذن أن الناس بأسرهم اليوم وغدا بحكم القضاء الالهي في حركة سفر دائم على ظهر سفينة صغيرة وحيدة لا يسع أهل الخير فيهم سوى مقاومة كل محاولة فساد تعرض السفينة بأسرها وبمن فيها للغرق والعذاب والمسلمون أول المستامنين على سلامة السفينة بركابها والمتعاونون معهم من غيرهم كثر وذلك هو معنى الجهاد الاصيل : السعي لخير الناس عامة .
-
رد: مــــائة مصباح من مشكاة النبــــوة
الحلقة الرابعة والاربعون
أخرج البخاري عن المغيرة بن شعبة أنه عليه السلام قال " لايزال ناس من أمتي ظاهرين حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون" وفي رواية معاوية " لايزال من أمتي أمة قائمة بأمر الله لايضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتيهم أمر الله وهم على ذلك ".
ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــ
موضوعه : الصحوة الاسلامية قدر الامة وملح قصعتها ومحرار الخير فيها وجند الرباط ضد الغزاة : ثمة بضعة ثوابت في حياتنا الاسلامية ما ينبغي الغفلة عنها يوما لا تمثلا عقليا ولا تشربا نفسيا ولا تحريكا للارادة وهي محل تواص دائم مستمر لا ينضب بيننا جميعا لانصلح بغيرها ولا بغير التواصي بها وهي بعد توحيده سبحانه وبعد تكريم الانسان بأمره سبحانه : أن الامة واحدة في قواطعها العظمى فكرا وممارسة متنوعة في ما دون ذلك وأن الامة لا تموت أبدا طال ما طال بها المرض وإدلهمت ما إدلهمت في وجهها الخطوب لانها إرادته سبحانه التي يعدل بها سننه وأسبابه وأقداره في الارض وإرادة الله سبحانه لا تموت وأن الامة هي خير الامم وهي خيرية مشروطة من ناحية بالقيام الجماعي على ثوابت ثلاث وهي الايمان والامر بالمعروف والنهي عن المنكر وهي خيرية إنسانية عالمية عامة لا تفوح منها رائحة القومية النتنة لانها خيرية أمة لاتقصر الهداية على نفسها بل تجعل من المسرح البشري والكوني بأسره حقل عمل لها وتلك هي إحدى أكبر عوامل الدفاعات الذاتية الحية التي تكفل للامة حياتها حتى حال المرض الوبيل وخيريتها حتى حال الانحطاط وعالميتها حتى حال الاحتلال والاذلال . تلك هي إذن ثلاثة ثوابت عظمى متعلقة بالامة لابد من العض عليها بنواجذ النواجذ وهي : وحدة الامة وحياتها الدائمة وخيريتها الانسانية العالمية . وهي ثوابت يقينية مطلقة محكومة بثابتين كبيرين وهما : التوحيد له سبحانه والتكريم لعبده في الارض وما من مخلوق إلا وهو له عبد .
ماهو سر عدم موت الامة رغم الضربات القاسية جدا من الداخل ومن الخارج على مدى القرون؟
بعض الناس سيما من الشباب المبتدئ في التدين تذهب به الحرقة على حاضر الاسلام ومستقبل الامة مذاهب بعيدة يفارق التوازن فيها ويجانب الاعتدال وهذا صنف لا خلاف في صفاء طويته وسلامة قلبه وحياة إيمانه غير أن الجهاز الانساني لا يقوده القلب المفعم بالحب فحسب دون عقل مؤهل لحسن التعامل على المحيط والتاريخ وكثيرا ما يحضر القلب ويغيب العقل والله سبحانه قضى في محكم تنزيله أن الانسان لا يصلح بغير حضورهما معا في غرفة القيادة كرباني سفينة تمخر عباب الامواج العاتية . ولو نظر هؤلاء في تاريخ الامة الذي تناوله القرآن بإطناب من خلال القصص الغزوي فضلا عن القصص النبوي العام الذي يهم أمة التوحيد عامة من لدن آدم عليه السلام لالفوا أن الامة تعرضت لمحن وشدائد أكبر مما تتعرض لها اليوم رغم أن كل ذلك ضمن سياقاته المعروفة التي ما ينبغي على كل دارس حصيف منصف إغفالها ولكن الدرس الباقي بعد كل ذلك ليس هو سوى أن الامة التي نجت يوم بدر ويوم أحد ويوم الخندق ويوم الحديبية ويوم بغداد يوم هجوم التتار الذين عاثوا فيها فسادا وهي العاصمة العباسية حتى تغيرت مياه دجلة لفرط ما ألقي فيها من كتب ومجلدات .. لا يستعصي عليها بإذنه سبحانه النجاء من الهجمة الصليبية الصهيونية الراهنة كيف لا والامة إزدادت قوة بعددها وعدتها وصحوتها فعلت حركات ومؤسسات وقيادات وكتائب جهاد ومقاومة وفكرا وثقافة وعلوما ومعارف يساهم اليوم فيها المسلمون في الصف الاول وأحيانا كثيرة في صف القيادة لا بل كيف لا وما إحتل العدو اليوم وطنا إلا وأخرج منه صاغرا يجر أذيال الخيبة من أفغانستان إلى الشيشان إلى كشمير إلى فلسطين والعراق وما بقي محتلا ليس سوى لترتيب إراقة ماء وجه داعر شوهته الظلمات لا بل كيف لا والصحوة المعاصرة صرعت الاستبداد في أكثر من بلاد وتاخمت أبواب السلطة ونالتها فمن أفغانستان إلى إيران إلى السوادان إلى تركيا وهي تشارك اليوم في أكثر من حكم فمن الكويت إلى لبنان إلى ماليزيا إلى الجزائر والمغرب ومصر وبلدان أخرى كثيرة لا بل كيف لا وهي اليوم أمل الشعوب حقيقة لا رجاء فقل لي بربك في أي موقع من الكرة الارضية لم يقبل الناس على تزكية الصحوة بسائر مشاربها ومبانيها سواء محليا وبلديا أو ولائيا وجهويا أو برلمانيا بنسب عالية لا بل كيف لا ولم يحشر الصوت الشيوعي والمادي والعلماني يوما منذ قرن كامل في أضيق زاوية حتى إنسلخ عن إسمه وجلده في أحيان كثيرة إلا بعد صعود الصحوة والحقيقة أنه لو تماديت في تسجيل إنجازات الصحوة المعاصرة لحبرت مجلدات وأفنيت آبار مداد وما بلغت عشر معشار ذلك ولا يعني ذلك عدم تعلق السلبيات بها بل هي أحيانا قاتلة مؤذية ثقيلة ولكن العبرة بالميزان الختامي عند كل تقويم منصف حصيف وأختم ذلك بالقول بأن سر الاسرار وراء الهجمة الراهنة ليس هو سوى تنامي الصحوة إلى حد تهديدها للتوازنات الدولية القائمة ولم تكن الصحوة وما ينبغي لها أن تكون عامل تهديد لاستقرار قائم على العدل والحرية .
هذه دفاعات الاسلام الحية ضد كل داء عضال فأحفظوها في أنفسكم أما فيه هو فهي محفوطة:
ــ الاسلام إرادة الله سبحانه يقيض له المسلمين يفحفظونه بإذنه فلا جزع عليه أبدا .
ــ إنبناء عقيدته رغم غيبيتها على الوضوح واليسر والبرهنة العلمية وملاءمة الفطرة والسنن .
ــ إنبناء شريعته بإجمالها وتفاصيلها على العلية والمقصدية والعقلانية واليسر ومصلحة الانسان.
ــ إنبناء منهجه العام تفكيرا وتغييرا على الوسطية التي هي مظنة كل صواب وحق .
ــ إنبناء دعوته على التبشير والواقعية والعالمية والانسانية وضمان السعادة والدفء المفقودين.
ــ إنبناء خلقه على الرحمة الكفيلة بتأليف كل القلوب مهما كانت متنافرة أو قاسية غليظة .
ــ قدرته العجيبة على التسلل إلى الناس في وقت عصيب وسريع بحركة أخلاقية بسيطة صغيرة .
ــ قدرته العجيبة على الجمع بين كل الثنائيات التي يظنها الناس أضدادا كالدين والدنيا.
ــ قدرته العجيبة على صناعة الانسان من سجين لذة إلى شهيد حر يقتل نفسه بيده أملا في الجنة .
ــ قدرته العجيبة على تأمين أشد حاجات الناس في الحرية والعدل والامن النفسي والتآخي .
تحرير القول في الظهور والطائفية وإنتفاء الضر بالخذلان والمخالفة وإتيان أمر الله : الظهور هنا ليس معناه تحقق النصر المادي الكامل على سائر الاعداء ولكن معناه هو ظهور الدين بسائر رموزه ومؤسساته وعباداته أو بماتيسر منها فكرا وسلوكا ظهورا يستعصي على محاولات الاستئصال ولك أن تسأل اليوم هل نمت حركات البذل المالي والتوحد الاسلامي والمقاومة المسلحة لما صعدت أمريكا من حملتها ضدها أم إستجابت ولو مكرهة للمكر فتدنت والجواب أمامك مبسوط ومن حولك مبثوث . وهو ظهور لا يهون لانه صمام الامن الحامي لاخر قلاع الاسلام والصائن لاخر حصونه فلا أمل لعدو فيها يوما وما حصل بعده مكاسب تجنى لرساميل ثابتة غير مبددة . أما الطائفية التي عبر عنها الحديث في روايات أخرى بقوله " طائفة " بدل " أمة " هنا فمعناها أن تلك الطائفة هي أمة من الامة وأن الامة هي كل من تلك الاجزاء الصغيرة فالعلاقة ما ينبغي لضمان الظهور والخيرية أن تكون عدائية بين أمة أو طائفة صغيرة أو كبيرة تقوم على أمر الله وبين أمها الاصيلة الاصلية الكبرى أي أمة الاسلام وإلا إنتفت معاني ظهور هذه وخيرية تلك فالتبعيض اللغوي هنا يبسط معناه الروحي على العلاقة الحميمية بين الام وسائر طوائفها ومظاهر الصحوة فيها وهي لا تحصى ولا تنجمع في مجمع واحد وعنصر قوتها الاكبر هو تعددها وتنوعها وإختلافها .أما إنتفاء الضرفهو معنى أكد عليه القرآن كثيرا ومعناه أن الضر الكفيل بإستئصال الشأفة محوا للوجود لا وجود له وخاصة من خلال الهجوم الخارجي فهو على فرض وجوده من خلال إتساع الخرق الداخلي وتمزق الصفوف وحتى في هذه الحالة فهو غير موجود إذ إستبدله سبحانه بإستبدال أمة بأمة أما الامة كيانا ودينا ووجودا فلا تنقرض أبدا على أن حصول الاذى وهو دون الضرضربة لازب علىكل جهاد ومقاومة . أما إتيان أمره سبحانه فمعناه إما يوم القيامة وإما أمر نصره ولو جزئيا بجعل الغد خيرا من الامس .
فالخلاصة هي إذن أن هذا الحديث يثبت بعض ثوابتنا المتعلقة بالامة وهي بعد التوحيد لله والتكريم للانسان وحدتها وحياتها وخيريتها ويبشر بالصحوة بعد كل وهدة ويعلمنا أن الاسلام يحوي في جهازه الداخلي دفاعاته الخاصة به تحول دون إلغائه أبدا وهي دفاعات مطلوب منا التسلح بها في معركتنا المعاصرة لتثبيت الوجود وإعلان التجديد فهو حديث بشارة كفيل بدهس بائسات اليأس وواقعنا المعاصر رغم الجراحات ناطق حي صريح بنبوءات الحديث .
-
رد: مــــائة مصباح من مشكاة النبــــوة
الحلقة الخامسة والاربعون
أخرج أبوداود والبيهقي والحاكم عن أبي هريرة عليه الرضوان أنه عليه السلام قال " إن الله يبعث لهذه الامة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها ".
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــ
شواهده كل الايات المحرضة على الاحسان وتقلد مواقع الامامة .
موضوعه : تجديد التدين فريضة وهو شرط لحماية الوجود وهو في الخطاب القرآني إحسان :
في بعض الروايات نجد كلمة " تدينها " بدل " دينها " وهو خلاف لفظي لا يؤثر على المعنى وذلك على معنى أن الدين في أسسه العظمى الثابتة لا يأتي عليها التجديد إلا بمعنى إحسان الفهم والعمل سواء بما يتناسب مع المتغيرات نشدانا للتوسع الكمي أو بما يلبي حاجات الضرورة الفردية والجماعية للناس وكذلك على معنى أن الدين في ظنياته وسائر حقوله القابلة لتعدد الافهام تتجدد شعبه كثرة تبعا لحاجات الناس ويتوالد بعضها من بعض مشدودة إلى أصلها الاصيل كما تتجدد تقديما لفهم مناسب لعصردون آخر أو لقوم دون آخرين . فسواء إعتمدنا لفظ الدين أو التدين فإن النتيجة واحدة هنا وفق ما سلف من المعاني وغيرها كثير إذ من معاني الدين النص الثابت وهو المعنى العلمي المجرد ومن معانيه كذلك التطبيق العملي تفاعلا مع ذلك النص الثابت .
من العلماء كذلك من جادل في مسألة المائوية هنا هل هي للحقيقة أم للتعبير عن الكثرة وهو أمر محتمل يؤيده دأب القرآن خاصة دون السنة على مثل ذلك الاستخدام العددي الدال على الكثرة لا على الحقيقة غير أن معنى الحقيقة هنا أرجح وأوفى والله أعلم ناهيك أن كثيرا من العلماء رتبوا على ذلك أسماء من المصلحين والمجددين على رأس كل مائة سنة فمنهم الخليفة الراشد الخامس عمر ومنهم في زماننا المعاصر الامام الشهيد البنا و ذلك بطبيعة الحال من باب الاجتهاد .
ومن العلماء كذلك من حمل حرف " من " وهو إسم موصول على الجماعة والعربية تتسع لذلك ولا ريب وذلك بدل أن يكون المجدد شخصا واحدا ومنهم من قال بتعدد أوجه التجديد الديني فيشترك فيه زمرة كبيرة أو صغيرة من المصلحين كل فيما يليه وليس من شرط ذلك إتفاقا مسبقا . وفي بعض الروايات " أمر دينها " أو " أمر تدينها " وينسحب عليها ما ينسحب على ما سلف من إستواء النتيجة سواء كان المجدد الدين أو التدين وسواء كان المجدد أمر الدين أو أمر التدين .
البعث الالهي لحركة التجديد الاسلامي معنيان : نفاذ الارادة الرحمانية والتكليف الانساني بذلك :
كثير من الناس يخطؤون في فهم الامور التي يعبر عنها سبحانه بالنسبة إليه كماهوالحال في قوله في سورة الانفاق عقب غزوة بدر " وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى " وهو خطأ منشؤه الخلط بين ما أسماه إبن تيميه وغيره عليهم الرحمة جميعا الارادة الكونية أو المشيئة الالهية وبين الارادة القدرية أي بين القضاء وبين القدر وهوخلط منشؤه كذلك قصور في فهم دور الانسان حيال إرادة ربه سبحانه والخلاصة السريعة المكثفة المركزة في ذلك ليست هي سوى أن الانسان منفذ لارادة ربه سبحانه في حال طاعته وعصيانه علىحد سواء وليس هنا مجال لبسط الفهم الصحيح لضيق الحيز . ولو سحبنا ذلك على هذا البعث الالهي الذي وعد به ربنا سبحانه منة للامة لقلنا بإطمئنان كبير بأن ذلك يعني أمرين لا ثالث لهما أولهما أن ذلك البعث الذي قضته إرادته سبحانه تنفيذ لمشيئته ولا راد لمشيئته ولو توسعنا قليلا لقلنا بأن ذلك من مقتضيات ثوابت الامة الثلاث التي تحدثنا عليها في الحلقة الفارطة من هذه السلسلة وهي الحياة والوحدة والخيرية ولتحقيق تلك الثوابت الثلاث للامة لابد من رعايتها إلهيا أما المعنى الثاني لذلك البعث الالهي لحركة التجديد الاسلامي فهو أن الناس المستجيبين لرسالة الاسلام مكلفون بمقتضى قدر ذلك القضاء الالهي في البعث التجديدي للامة بترجمة ذلك عمليا لذلك قلت هو فرض وليس مستحبا وهو فرض عين قبل أن يكون كفاية وذلك على معنى أن كل مسلم مكلف بالاحسان بعد الايمان وبعد الاسلام وليس الاحسان سوى التعبير القرآني لكلمة التجديد النبوية وذلك هو أول معاني التجديد أي ملامسة الاحسان الذي كتبه الله على كل شئ كما أخبر الصادق المصدوق في الحديث الصحيح ولم يضرب مثل الذبح سوى لكثرة ما يرد فيه من مجانبة للاحسان بإعتبار أن المفعول به هنا عجماء أما أصل الحديث فهو " أن الله كتب الاحسان على كل شئ " . فالمؤمن بقلبه المسلم بجارحته مكلف بتمثل الاحسان في إيمانه وفي إسلامه بقدر الوسع فهما وعملا إحسانا ماديا ومعنويا وكميا وكيفيا ومعنى ذلك أن التجديد أي الاحسان بخطاب القرآن فرض عين على كل مسلم . فإذا ما تعلق الامر بالامة بأسرها فإن تلك الفريضة تكون أشد فرضية لان الاحسان أي التجديد بالخطاب النبوي كلما كان متعلقا بالنوائب الكبرى والتحديات العظمى للانسانية وبخاصة لامة الاسلام كانت مقاربته أشد فرضية لان تجنبه يعرض الامة بأسرها للعنت والمشقة ومعلوم أن مصلحة الامة مقدمة على مصلحة الافراد فلا ضير من قولنا إذن أن التجديد الاسلامي بسائر مظاهره ومعانية بقدر الوسع فرض عين على كل مسلم وفرض كفاية على الامة بأسرها وهي كفاية لا يحسن سوى إعادة التذكير بأهم جنبات معانيها وهي أن فرض الكفاية مطلقا يأثم الكل لو تقاعس عنه الكل ولا يأثم سوى أصحابه في تلك الحال وإثم الكل مبرره أن من لم يكن بوسعه القيام به كان يسعه التحريض عليه والتيسير له والحقيقة أن أمتنا سيما في العصور الاخيرة وخاصة قبل إنبلاج فجر الصحوة أي قبل حوالي ثلاثة قرون تضررت كثيرا من سوء فهم الناس فهما صحيحا لمسألة واجب أو فريضة الكفاية إذ ظن الناس أن فرض الكفاية لا يعنيه فوقع التفريط من الغالبية العظمى فأثم الكل ولو دون وعي أو قصد والان حان أوان التصحيح فأول خطوات التجديد الاسلامي إحسان الفهم . لابل إن إرتباط مثل هذه المعاني كمسألة التجديد الاسلامي مثلا بالارادة الالهية مباشرة قبل الارادة الشرعية مؤذن بثقل تلك الفرائض وذلك قياسا على أمره سبحانه نبيه وليس الناس بعدم العدوان في الطلاق في أول آيات سورة الطلاق .
مطلب التجديد مطلب إسلامي أصيل لا ينقص قدره أن أغمض عبيد التقليد فيه : ماالذي جعل الناس يقرؤون ألف مرة ومرة الحديث الصحيح " ألا إن الايمان يبلى كما يبلى الثوب فجددوا إيمانكم بملاقاة بعضكم بعضا " أو " بقول لاإله إلا الله " ثم لا يثبتون التجديد الاسلامي قيمة ثابتة في الفهم الاسلامي ومثلا دائبا في العمل الاسلامي ؟ وما الذي يجعلهم بعد أن أمروا بالتجديد حتى في أول الحقول أي رساميل الانسان التاجر المضارب في الدنيا كدحا إلى الله يفرون إلى التقليد ؟ وإذا كان الايمان يتجدد وإلامات أو قاد إلى الظلم والجور فما الذي يند عن التجديد ؟ وإنا اليوم حيال التجديد نواجه قوتين كبيرتين عتيدتين وهما قوة المروق من الدين بإسم التجديد من لدن إنتحال المبطلين والمهزومين وقوة التقليد الاسن والتدين الفردي والتخلف عن التصدي لقضايا الانسان الكبرى كالعدل والتحرر وهما أكبر معوقات التجديد الاسلامي المطلوب منا شرعا وعقلا وضرورة ولا يقوم بذلك سوى أهل الوسطية الاسلامية القائمة على الجمع بين النقل والعقل والدين والدنيا والايمان والقوة والفردية والاخوة والرضى والنقد والالوهية والانسان .
أكبر الحقول المحتاجة إلى التجديد الاسلامي المعاصر :
ــ تجديد الايمان فرديا وجماعيا عبر الجمع بين العقل والقلب والعلم والدين تجديد فهم وعمل .
ــ تجديد الفهم للاسلام فرديا وجماعيا عبر تثبيت الثوابت في النفوس والواقع .
ــ تجديد الفهم للسنن والاسباب فرديا وجماعيا عبر تثبيت قوانين العلية والمقاصدية .
ــ تجديد الفهم لسنة الزوجية والتعدد والتنوع والاختلاف خدمة لوحدانيته سبحانه وفسحا للتعدد.
ــ تجديد الفهم لكرامة الانسان ذكرا وأنثى كثابت ثان مباشرة بعد التوحيد له سبحانه .
ــ تجديد الفهم لمنزلة المرأة في الحياة دينا ودنيا على أساس ثابت التكريم وثابت المسؤولية .
ــ تجديد الفهم للاخوة الانسانية عامة وللاخوة الاسلامية خاصة على أسس التعارف والتعاون .
ــ تجديد الفهم للثوابت المتعلقة بالامة وحدة وخيرية وحياة وتنظيم المؤسسات الحاضنة لذلك .
ــ تجديد الفهم لمنزلة الكسب المادي والغنى المالي في حياة الناس والمسلمين على أسس التوازن.
ــ تجديد الفهم لمنزلة الاسرة وقضاياها التربوية ومسؤولياتها حيال الطفولة والشباب والدعوة .
ــ تجديد الفهم للوسطية الاسلامية المنشودة الكفيلة بالشهود على الناس والادنى للحق دوما .
ــ تجديد الفهم للمحيط وللتاريخ وخاصة تراثنا وتراث البشرية ومحيطنا ومحيط البشرية .
ــ تجديد الفهم لفريضة الدعوة والامربالمعروف والنهي عن المنكر ولقضايا الصحوة والحركة .
ــ تجديد الفهم لقضايا العلم الكوني والتعمير المادي تحريرا للعقل وتكريما للنفس والبدن .
ــ تجديد الفهم لقضايا الفنون الجميلة وإحسان العرض الحياتي والدعوي وتربية الذوق .
ــ تجديد الفهم لقضايا الجهاد والمقاومة والوطنية الاسلامية ومسائل التغيير الاجتماعي .
فالخلاصة هي إذن أن التجديد الاسلامي فريضة شرعية وضرورة حضارية لاغنى عنها لتثبيت أركان الوجود الاسلامي في النفوس وفي الواقع ولتحقيق فريضة الشهود على الناس ولاحسان العرض الدعوي على العالمين تنفيذا لارادته سبحانه وتوحيدا للامة وتحقيقا لخيريتها وحياتها.
-
رد: مــــائة مصباح من مشكاة النبــــوة
الحلقة السادسة والاربعون
أخرج إبن ماجة والحاكم عن إبن عمر عليهما الرضوان أنه عليه السلام قال " يا معشر المهاجرين خمس إذا أبتليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهن : لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والاوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين ولولا البهائم لم يمطروا ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدوا من غيرهم فأخذوا بعض ما في أيديهم ومالم تحكم أئمتهم بكتاب الله ويتخيروا مما أنزل الله إلا جعل بأسهم بينهم " .
ـــــــــــــــــ
موضوعه : الاعراض عن الاسلام جملة أو تفصيلا مهلكة عامة جامعة في الدنيا قبل الاخرة :
لم يدرك المهاجرون ذلك لانه عليه السلام تعوذ بربه من شرها وهو مستجاب الدعوة والمهاجرون هم أهل خير القرون ولكن الحديث نبوءة صادقة تتحقق اليوم بين أيدينا وهل تنكر العين ضوء الشمس سوى من رمد أما إذا كان فينا اليوم من لا يشعر بحقيقة هذه النبوءة ونحن جميعا نتلظى بسعارها صباح مساء فإن المصيبة أعظم لان أجهل الخلق طرا من كان لا يعلم ولايعلم أنه لا يعلم والاطباء يعلمون حياة بعض الاعضاء في الجسم البشري عند المشلولين أو المدعين لذلك مثلا بعد وخز تلك الاعضاء بالابر فإن إستجابت شعيراتها العصبية بالالم فإن العضو حي وإن إستوى الوخز مع عدمه فإن العضو ميت وقياسا على ذلك يأتي حديثنا .
من أول معاني الحديث : جماعية العذاب وشمول الاهلاك بسبب فردية الجريمة وسلبية الجماعة:
الدليل الاول على ذلك هنا هو الخطاب بصيغة الجمع والدليل الثاني هنا كذلك هو الطبيعة الجماعية العامة لاسباب الهلاك المذكورة وذلك فضلا عن أدلة القرآن الحاكمة القاطعة الصريحة في أن كل مخالفة لقطعي من الدين يجاهر بها صاحبها فلا يجد صدا ولا إثناء من لدن الجماعة بأسرها أو جزء منها على الاقل مآلها العذاب من الله سبحانه وصور العذاب في هذه الامة مختلفة كثيرا عن الصور السابقة التي حكى عنها القرآن في حق الاقوام المكذبة والمعرضة وإن شئت قلت هو عذاب أغلبه نفسي ومعظمه روحي ومنه قوله عليه السلام في الحديث ا لصحيح للترمذي " أول علم يرفع علم الخشوع " ورفع الخشوع عذاب غليظ لان الخشوع المقصود في الحياة لا في الصلاة التي هي ليست سوء جزء يسير من الحياة وفقدان الخشوع في الحياة معناه ذهاب الحياء وذهاب الحياء معناه تحول الناس إلى قطعان همجية من السباع المفترسة الجائعة النهمة يعدو بعضها على بعض فيأكل الغني الفقير والقوي الضعيف والحاكم المحكوم وعندها تتوقف سنة الله سبحانه في التسديد والتوفيق وإنزال البركة ويصبح القانون السائد لكسب الدنيا والاستمتاع بها هو التنافس فيها بتغليب القوة على الاخوة وفي حالنا فإن هذا متوفر عند أعداء الامة أكثر مما هو عندنا بقرون سحيقة والنتيجة " إلا سلط الله عليهم عدوا من غيرهم فأخذوا بعض ما في أيديهم ". ومن مظاهر ذلك العذاب النفسي الذي يصيب هذه الامة صورة خاصة بها لو فسقت فلم تجد رادعا هو داء الاكتئاب .
من أول معاني الحديث : العذاب دنيوي معجل بغرض الانذار ودق نواقيس الخطر عند الامة :
نزول العذاب ولو بصوره النفسية الروحية على الامة قاطبة دون أصحاب الجرائم فيها فحسب بسبب ما ظهر في الارض على أيديهم من فساد في البر والبحر ليس له من معنى عند الامة سوى معنى النذير وهو أمر خاص بالامة من جهة بلغ الاسفاف فيها ما بلغ وهي رسالة موجهة إلى طوائف ثلاث في الامة : طائفة الفساد والافساد لان الجسم فيهم عادة ما زال يحمل حياة بحكم وجود ولو نزر يسير جدا من الايمان ولو كانوا كفارا لتبدل القانون الالهي إلى درجة المد والاستدراج وطائفة الصلاح والاصلاح لان وسائل عملهم تسللت إليها أدواء خاصمت الاخلاص أو أمراض أصابت عقلها الذي لم يتجدد وطائفة الربوة المنقطعين إلى خويصات أنفسهم يجمعون بين لذائذ موائد طائفة الفساد و الافساد ليلا وبين منابر طائفة الصلاح والاصلاح نهارا .
تحرير القول في الخلاف الظاهري بين هذا الحديث وبين حديث " سألت ربي ثلاثا ..." :
يعجبني من الناس قولهم حال الاطلاع على هذا الحديث أنه مخالف لحديث آخر يقول بأنه عليه السلام سأل ربه ثلاثا فأعطاه ثنتين ومنعه واحدة : سأله ألا يسلط على الامة عدوا من غيرها يستأصل شأفتها فأعطاه وسأله ألا يهلكها بما أهلك به الامم السابقة فأعطاه وسأله ألا يجعل بأسها بينها شديدا فمنعه . والحال أن حديثنا اليوم يقول " إلا سلط عليها عدوا من غيرهم " و" جعل بأسهم بينهم " . وملاحظة ذلك ينبئ بأن آنية الحفظ في الذاكرة مرتبة منظمة بدقة وذلك يساعد على الفهم وأول شروط الفقه في الحياة فضلا عن الدين هو بناء العقل الاسلامي المعاصر. وتحرير القول في ذلك هو أن العدو المسلط هنا يأخذ بعض ما في أيدينا من نفط العراق ومعادن الجزيرة العربية وذهب السودان ولايستأصل شأفتنا بالكلية والشأفة روحية بالاساس قبل أن تكون نفطا بدده المترفون من الحكام على شهوتهم فسلط عليهم ذئاب أمريكا والصهاينة يحركون به دباباتهم وطائراتهم لحصد أفغانستان وفلسطين .
أركان النبوءة أربعة تحققت اليوم فينا بالكامل فما العمل ؟:
الركن الاول : إعتداء منا على منظومتنا القيمية ومنهجنا الخلقي وعقابه الحاضر هو ظهور وتفشي الامراض البدنية والنفسية الحديثة .
الركن الثاني : إعتداء منا على العدل الاجتماعي في أقوات الناس وعقابه الحاضر هو تطور مديونياتنا العربية والاسلامية عاما بعد عام للبنوك الدولية الظالمة الغاصبة وليس ثمة فقر أقسى علينا اليوم من كون كل عربي وكل مسلم مدين لتلك البنوك المتربصة تضخ القروض والمساعدات تمهيدا لاحتلال أرضنا بعد إحتلال قرارنا بعدد شعر رأسه من الدولارات وهو عليه السلام يقول " الطمع هو الفقر الحاضر ".
الركن الثالث : الاعتداء منا على عهد الله وعهد رسوله عليه السلام أي على القرآن والسنة أي على الاحكام المتعلقة بالحياة فيها في سائر شعابها إعتداء عدم إيمان أو عدم تنزيل وعقابه الحاضر يجده كل واحد منا اليوم إلى جانبه في بيت نومه عولمة تحول بيته الطاهر إلى مرقص صهيوني وملعب أمريكي بالجسد العاري القاتل لروح الدين فينا وهو خلق الحياء وبالفكرة التي ما نلبث نستحسنها بعد إلفها سنوات وهو عدو يجده كل واحد منا في سياسة حكومته في سائر المجالات وخاصة المجالات السيادية والقومية وفي الاقتصاد والقانون والثقافة والتربية التي بدأت ترتب ساحاتها للتخلي عن كلمات الجهاد والقتال والحد والرجم والايمان والطاعة لصالح كلمات الحرية والاخوة والكفر .
الركن الرابع : الاعتداء منا على كتاب ربنا سبحانه ومنه الاعتداء ب" ويتخيروا مما أنزل الله " أي ما عبر عنه في موضع آخر " يؤمنون ببعض ويكفرون ببعض " وعقابه تسلط البأس الداخلي واليوم هي حقيقة فتسلط الحكام ومن والاهم بالسيف وبحرية الكفر دون حرية الفكر على طائفة من دعاة الاصلاح فرد بعض من هؤلاء على ذلك التسلط السياسي بقوة السيف وموالاة المرتدين والمنافقين بتسلط عليهم تمثل في عدم التمييز بين الناس في العقاب وفي سلوك سبل التفجير والرهن وأخذ البرئ بجريرة المعتدي فتعرضت صفوفنا الداخلية إلى ضربات عنيفة .
ما العمل : هل ندع حبلا على غاربه يائسين أو غير مبالين أم نمتلا يقينا في فرضية الاصلاح:
الحديث لا يبعث على اليأس لا من الامة ولا من الاسلام ولا من الاصلاح ولا من الناس بل هو على العكس تماما يبعث أهل الغيرة على مضاعفة جهود التغيير حسن فهم للدين وللواقع معا وحسن سلوك حيال الدين وحيال الواقع معا وفي المستويات الفردية والاجتماعية معا وأضرب لك مثلا بسيطا : لو مرض أحد أفراد أسرتك هل تلقي به في البحر أم تبحث له عن دواء ينجده ولو كان عافاكم الله جميعا السرطان الذي سرعان ما يدلف صاحبه إلى القبر مهما طال به المرض ؟.
فالخلاصة هي إذن أن النبوءة منه عليه السلام لا تزيد على وصف الواقع الذي قد يكون مؤلما أما الخلود إلى اليأس أو خويصة النفس تحت دعوى فساد الزمان وبإسم مثل هذه النبوءات فهي إستجابة غير إسلامية لا عقلا ولا روحا وإذا كنت لا ترقب من الناس سوى الايمان الكامل دون فساد فلم كتب الله علينا إذن الدعوة والاصلاح ولو إنقطع الشر عن الدنيا فكيف ينمو الخير وينبعث ولو لم تجاهد اليوم سائر الشر بمالك ونفسك وعلمك وجهدك وراحتك حتى تنصب وتتعب وترهق وينال منك وتؤذى فكيف تحلم بالجنة ؟
-
رد: مــــائة مصباح من مشكاة النبــــوة
الحلقة التاسعة والاربعون
أخرج أبوداود و الترمذي والنسائي عن إبن عباس وأحمد عن أبي هريرة أنه عليه السلام قال " من بدا جفا ومن تبع الصيد غفل ومن أتى السلطان إفتتن " وفي رواية " إتبع " بدل " تبع " وأخرى " ومن أتى أبواب السلطان " بدل " أتى السلطان " وأخرى فيها زيادة " وما إزداد عبد من السلطان قربا إلا إزداد من الله بعدا ".
ـــــــــــ
من شواهده " الاعراب أشد كفرا ونفاقا وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله " و" ياأيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فأسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ..."
موضوعه : المجتمع هو حاضن الايمان والوصي عن دعوة الاسلام وهو الاصل والمربط وهوحارس الناس والمسؤول عنهم وعن أمنهم في كل مظاهره :
بدا معناه قطن البادية حيث يقل الناس أو ينعدم وجودهم بالكلية فتنعدم المرافق الاجتماعية المفروضة كصلاة الجماعة والجمعة والاعياد ومناسبات التكافل في الافراح والاتراح ويسود الانقطاع عن بقية الناس آمادا طويلة فيؤول الوضع إلى هجران مفروض أو منفى إختياري ونتيجة ذلك حصول جفاء في الخلق وإنزواء في الطبع وعجرفة غليظة في التعامل لا يشعر بها صاحبها لفرط جبوله عليها ولكن يشعر بها أول حضري يلتقيه فسرعان ما يحدث التنافر بينهما وهو تنافر تحتمه البيئات المختلفة وهوأمر معيش ومجرب والانسان إبن بيئته كما تقول العرب .
أما إتباع الصيد المورث للغفلة فمعناه الافراط في ذلك ليل نهار صباح مساء على إمتداد رحلة العمر القصيرة يورث بطبيعة الحال الغفلة عن الرسالة التي من أجلها خلق الانسان وهي العبادة وخاصة في حدها الادنى من صلاة وذكر وتلاوة ومواساة محتاج وملاقاة جار وصلة رحم .
وأما إتيان السلطان الجالب للفتنة ففيه تفصيل أكبر وأكثر مما هو في الحالين السابقين إذ يختلف الامر بين الاتي العالم الفقيه المصلح الخبير بشؤون الدنيا والسياسة والحكم والناس المخلص القوي وبين الاتي ببضاعة مزجاة سواء من العلم بالدين والدنيا أو من الاخلاص ورقابته سبحانه فسرعان ما تتبخر أمام بطش السلطان كما يختلف الامر كذلك بين سلطان جائر ظالم باغ معتد وبين آخر أدنى من ذلك بقليل أو بكثير أو يغلب عليه العدل على الاقل في أثناء التعامل مع الناصحين . غير أن المؤكد أن النهي هنا منه عليه السلام خوفا من الفتنة وسدا لذرائعها على طبقة الصلاح والاصلاح في المجتمع يشمل أساسا وبدرجة أولى الاكثار من الاتيان وبخاصة دون حاجة وكل عمل من لدن الانسان دون حاجة إليه مضيعة وقت سرعان ما تتطور إلى فتنة لان الطبيعة تتأبى عن الفراغ كما يقولون فمن لم يشغل نفسه بالحاجة وعلى قدرها دون طغيان أو إخسار لم يشغله الفراغ ولكن كان الفراغ مطية للاشتغال بغير الحاجة .
في البداية لابد من نظرة مقاصدية حيال الحديث نظرا لتبدل الاوضاع ولصلاحية الحديث :
ليس كل ما ورد في الشرع الحكيم يحسن بنا تناوله مقاصديا إلتقاطا لمراده سبحانه منه وليس كل ما ورد فيه يحسن تناوله حرفيا دون الالتفاف إلى المرادات ولكن الجمع بين هذا وذاك مطلوب وضروري ومفيد ثم بالامثلة الحية يتأكد هذا ونعفي أنفسنا من اللجاج اللفظي والحجاج الطفولي وفي حديثنا اليوم خير درس لالتقاط المقصد المراد منه عليه السلام إذ في عصرنا الحاضر لم يعد للبوادي شأن يذكر مع تكدس الناس في العلب الضيقة بالمدن المكتظة إلى حد الاختناق وما عمر من البوادي اليوم على قلة سكانها فإنها مملوءة بالمرافق الواصلة للناس عبر الاثير من هاتف وتلفاز فهل نقول أن الحديث إنتهت مدة صلاحيته لانه جاء لمن يعمرون البوادي خوفا عليهم من جفاء القلوب أم نبحث عن ملاءمته مع واقعنا المعاصر فنبحث عن مصدر جفاء القلوب اليوم هل هو من البادية أو من غيرها ونداويه فنصيب المراد لان النهي ليس عن قطن البادية لو قطنها كل الناس أو أغلبهم ولكن النهي عن جفاء القلب ولذلك نقول أن من قطن في يم المدينة والحضر حيث يتكدس الناس غير أنه يقاطع إجتماعاتهم سواء الدينية المفروضة وخاصة الجمعة والاعياد أو التي تحتمها حالاتهم من فرح وترح ونائبة عامة هو رجل لم يخالف نص الحديث وحرفه ولكنه وقع فيما حذر منه عليه السلام وهو جفاء القلب الناتج عن إنقطاع المعاملة أو قلتها علما أنه ليس ينكر من أهل البادية أسلوب خطابهم الغليظ وقلة الادب فيه وفي التعامل عامة فحسب ولكن ينكر منهم وعليهم في آن واحد عدم الاهتمام بأمر المسلمين الذي عده عليه السلام خروجا من الامة فبالخلاصة فإن البادي الجافي اليوم ليس هوساكن البادية الذي لا يتخلف عن جمعة وعيد ونائبة وصلا لاخوانه فضلا عن الوصل الذي تحققه وسائل الاعلام والاتصال ولكن البادي الجافي اليوم هو الجار في الحضر المختار للعزلة المنقطع عن الناس عبادة ودنيا . والامر ذاته ينسحب على الصنف الثاني أي المتبع للصيد الوارث للغفلة منه فالصيد اليوم منظم بإتفاقيات دولية وحكومية ولم يعد يسيرا سوى لامراء النفط في الخليج يقتطعون الفيافي الواسعة في كل مكان حكرا عليهم في مواسم الصيد الذي يتحول عندهم إلى مواسم نزهة وإستجمام فهل نقول أن الحديث لم يعد صالحا لزماننا بحكم ندرة الصيد وندرة أهله أم نبحث عن مصادر الغفلة وهي بيت القصيد في الحديث ولذلك نقول أن الصيد ليس منهيا عليه سوى أنه يومها كان لفرط الاتباع يورث الغفلة واليوم الغافل فينا حقا ليس من يتبع الصيد وحاله كما تعرفون قانونيا وسياسيا ولكن الغافل من يتبع سائر الملاهي ومنها ما لابد منه ولكن الافراط في كل شئ إلىحد الغفلة منهي عنه ومحرم فمن إتبع لقمة عيشه إلىحد الغفلة عن الحد الادنى المطلوب من الصلاة والذكر والتلاوة وصلة الناس هو غافل ومن توارى وراء الشاشات التلفزية والالكترونية وسائر شاشات اللهو أو شاشات العلم والبحث إلى حد الغفلة عن عباداته وحقوق الناس عليه فهو غافل وعلى ذلك قس كل عمل حلال أو حرام يورث الغفلة عن الحد الادنى المطلوب حتى لو لم يكن صيدا . والامر ذاته في الدخول على السلاطين لا يحرم ولا يكره ولا يوجب ولا يستحب ولا يفرض ولا يباح سوى بقدر ما يجلب من مصلحة للمجتمع أو ما يدفع عنه من مفسدة والامر هنا مقيد بالاخلاص من جهة وبقوة الداخل من جهة أخرى وليس أحفظ لدفع الافتتان وضمان الاخلاص والقوة سوى أن يكون الداخل مفوضا من المجتمع متحدثا بإسمه ويكون المجتمع مراقبا له محاسبا لسائر تعاملاته مع السلطان فإن السلطان لا يخشى شيئا في هذه الدنيا وقد نزع خشية الله من قلبه وأحل محلها خشية أمريكا والصهيونية إلا من رحم ربي وقليل ما هم بين حكامنا خشيته لنقمة المجتمع وتململ الناس وإندفاعهم في حركة غير محسوبة من قبله في إتجاه عرشه لذلك تجده دوما يجمد بقدر المستطاع التجمعات التي تعمل على تحريك المجتمع وتأطيره وتحشيده وتبصيره بحقوقه حتى حل السلطان في بعض الاوطان مباشرة بعيد وصوله إلى السلطة الروابط القبلية بما سمي بتذرر البنية القبلية وبذلك نزع من المجتمع سلاحه الجمعي وما دون ذلك يسيرعليه وبإختصار فإن مسألة إتيان السلطان هي الاخرى تخضع لقانون المقاصدية والمصلحية سيما بإسم المجتمع .
الدرس الاكبر من الحديث : الجماعة هي الحصان ضد أمراض الجفاء والغفلة والافتتان :
لفرط جولاتي الكثيرة في الكتاب والسنة وعلى الرغم من بضاعتي العقلية المزجاة فإنه أول ما إنقدح في ذهني منذ سنوات طويلة أن قيمة الجماعة في هذا الدين ليس فوقها سوى قيمة التوحيد وذلك علىمعنى أن الجماعة وسيلة ومقصد في الان ذاته فهي وسيلة لكل العبادات من صلاة وصيام وزكاة وحج ودعوة إلى الخير ولكل الاعمال الاخرى التي يأتيها الناس وهي أي الجماعة مقصد في الان ذاته لتلك العبادات وتلك الاعمال وقديما قال علماؤنا وسائل المقاصد مقاصد وليس هنا محل الاستطراد في تبيان دور الجماعة وقيمتها في التدين ولو تمحض واحد لذلك لجنى خيرا ولسود صحائف لا تعد ولكن المقصد الاسنى من هذا الحديث حتى بعد إندثار البادية والصيد هو إلتزام الجماعة لكونها حصانا منيعا ضد أخطر الامراض التي تصيب الانسان في روحه ونفسه وهي جفاء القلب وجفاء السلوك والغفلة من الانسان عن أصله الالهي ونفخته الرحمانية ولو قدر لهذا إتيان السلطان فإنه يسجنه لاول إتيان إما لكونه جلفا غليظا لا يحسن أدب الحديث والسلطان اليوم ذات مراسيم مقدسة في كل شئ لا يطأها سوى أهلها بعد تربية وتكوين وليس لخارقها ولو خطأ سوى التعذيب وإما لكونه غافلا عن شؤون مستقبله بعد موته فهو لقمة سائغة لفتنة السلطان .
فالخلاصة هي إذن أن المجتمع حصان منيع ضد الامراض الروحية والادواء النفسية للانسان وهو بعد التوحيد لله سبحانه أول مطلب وسيلة إلى حفظ مطالب الوحدة والتضامن والاخوة ومقصدا إليها في الان ذاته وكل عمل لتقوية المجتمع بنبذ الجفاء والغفلة كفيل بنبذ فتنة السلطان.
-
رد: مــــائة مصباح من مشكاة النبــــوة
الحلقة الخمسون
أخرج البخاري ومسلم أنه عليه السلام نهى عن صبر البهائم .
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــ
موضوعه : تجفيف منابع العنف والظلم والارهاب يبدأ من صغائر الحياة ويشمل سائر شعبها :
الصبر معناه الحبس فإذا ما تعلق بالانسان خلقا معناه دعوته إلى حبس شهوته وقمع غضبه لئلا ينفجر فينفلت ويؤذي نفسه وغيره لذلك قال عنه تعالى دون سواه " إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب " وعد الكاظمين الغيظ من المحسنين لانهم إرتقوا بأنفسهم فوق درجات الايمان والاسلام إلى درجة الاحسان . أما صبر البهائم فمعناه حبسها وضربها حتى الموت بالنبل والصبر وهو أشنع القتلات يتخذ له المجرمون ضد الانسان والبهائم مالايحصى من الصور .
مانهى عنه عليه السلام هو من أكثر الرياضات البدنية اليوم دوليا إقبالا وتنظيما ومالا وفرجة :
لاشك أن كل الناس اليوم أحبوا أم كرهوا يتفرجون من الشاشات المنتصبة في بيوتاتهم على هذه الرياضة البدنية المنقولة إليهم من ساحات إسبانيا ولاشك أن تلفزتاتنا الوطنية تنقل ذلك تماما كما تنقل سائر الالعاب الرياضية ككرة القدم واليد والعدو والسباحة ويحدث ذلك منذ سنوات بعيدة فهل سأل واحد منا عن ذنب ذلك الحيوان المسكين المستثار بقطعة قماش حمراء ثم يتقدم إليه فرسان تلك الرياضة البدنية ممتطين لصهوات جيادهم وستائر الحديد تحميهم من كل جانب فيعملون في الحيوان المسكين أسيافهم ونبالهم ونصالهم دون أدنى شفقة ولا رحمة حتى تسيل الدماء منه من كل جانب مهراقة كأنها شآبيب غيث من السماء هطولا وإمعانا في قسوة التعذيب ضد ذلك الحيوان المسكين يظل النبل مغروزا فيه ينزف دما وما يلبث سوى برهة حتى يعود إليه حامل القماش المستثير فيهتبل الرياضي الفارس المغوار الفرصة فيغرز فيه نصلا آخر ويتوالى المشهد المؤلم القاسي على كل نفس حية مازالت تنبض حياة رغم المادية الجارفة العاوية حتى يسقط الحيوان المسكين لفرط ما نزف جسمه الدامي من دماء غزيرة وعندها يجهز عليه البطل القوي الذي لا يقهر ويعلن إنتصاره وتصفق العجماوات المكتظة على مدارج الملعب فرحا وإبتهاجا بإنتصار الادمي المدجج بالفرسان والنبال والرماح على ثور أعزل ثم يدلف لاعب آخر وثور آخر وإنتصار آخر وتعذيب آخر وتصفيق حار آخر ولاتنس أن المصفقين المبتهجين في بيوتاتهم أكثر عددا وحماسة وطربا من أولئك الذين يحتلون المدارج ثم تهدى الميداليات والجوائز وتسجل أسماء الابطال في سجلات دولية معروفة كيف لا وهم لفرط شجاعتهم وبطولتهم هزموا الثيران العزلاء بنصالهم الحادة لا بل كيف لا وقد برهنوا لسائر المتفرجين على سطح الارض أن الرحمة أنتزعت بالكامل والكلية منهم أليست تلك مقتضيات الرياضة البدنية ؟
السؤال الكبير هو : لم نهى عليه السلام عن تعذيب الحيوان والجواب الاكبرهو: لنزع فتائل العنف والارهاب والظلم فينا :
بودي أن أسأل يوما واحدا من هؤلاء سؤالا واحدا : ماالذي يجعله يتلذذ بتعذيب الحيوان وهل يشعر حقا بالنصر والزهو والنشوة وهو يعذب الحيوان المستثار وهل يصدق نفسه ويصدق الناس أنه بالفعل بطل من أبطال الرياضات البدنية لما قتل الثور الهائج قتلا مريعا شنيعا بشعا لا يفعله به عدوه من جنسه لوإختصما ؟ لا بل بودي أن أسأل المتفرجين المتلذذين بتعذيب الحيوان المسكين : ماالذي يجعله يطرب ويصفق وينتشي والمشهد المعروض أمامه تستنكف عنه أشد السباع الضارية إفتراسا فقل لي بربك هل رأيت سبعا مفترسا يمثل بفريسته قبل أكلها وقل لي بربك هل رأيت سبعا يعدو في إثر فريسة قبل أن يعضه الجوع بنابه ؟
الجواب عن السؤال لا يتطلب في الحقيقة إستشهادا واحدا من النصوص الدينية التي لا تحصى ناهية عن مجرد إستخدام مدية غير محدودة بما فيه الكفاية لذبح الحيوان بل ناهية عن مجرد صيد حيوان لا حاجة لصائده بلحمه بل آمرة بالاحسان إلى الحيوان حتى لو كان كلبا مخبرة عن أن الاحسان إليه سبيل إلى الجنة تسلكه بغي وعن أن الاساءة إليه سبيل إلىالنار تسلكه عابدة . الجواب لا يتطلب إستشهادا واحدا لسبب واحد بسيط وهو أن الجواب كامن في فطرة كل واحد منا لاننا نشترك نحن أهل الاكباد الحرى الرطبة أناسي وعجماوات في غريزة حب البقاء والشعور بالالم فلا يسأل مثلا يوم القيامة كافر لم عذب حيوانا بإعتبار أنه لايسأل عن تفاصيل دين هو كافر بأصله وأمه ولكن يسأل عن ذلك إحتجاجا بفطرته وعجينته وخميرته والحقيقة أن القسم الاكبر من التكاليف الشرعية هي من هذا الضرب وذلك هو معنى قول المقاصديين من مثل الامام المرحوم بن عاشور أن الاسلام دين الفطرة . وكل منكر لكون فطرته لا تتحرك ألما وهو يعذب الحيوان فضلا عن الانسان هوإما كاذب وهو الاقرب فإن كان صادقا وهو نادر جدا فلا معنى لذلك سوى أن ذلك المجرم بلغ درجة من الاجرام والعنف والارهاب والظلم والكفر بنعمة ربه عليه حتى لو كان كافرا ملحدا على نحو طبع الله على قلبه فماتت الفطرة فيه وهي دركة يندر جدا أن ينحدر إليها بشر في هذه الدنيا ولو كان فرعون العصر أشقاها من أباد العراق وفلسطين .
مقصد الاسلام من النهي عن تعذيب الحيوان هو نزع فتائل العنف والارهاب والظلم من الانسان:
الانسان مزدوج التكوين وكما يقول الغزالي الاول عليه الرحمة بأن في كل واحد منا شيطان يقول أنا ربكم الاعلى لذلك تظل الحرب سجالا بين التقوى وبين الفجور فينا وليس واقعنا سوى إنعكاس لتلك المعركة السجالية الازلية ومن أبلغ الاسباب التي جعلها الله سبحانه فينا لنزع فتائل العنف والارهاب والظلم للانسان وللحيوان وكل ذات كبد حرى رطبة هي الفطرة ثم الدين وبذلك لا ينهى الاسلام ناعقا من بعيد عن الارهاب والظلم والعنف كما يفعل المهزومون اليوم من ضحايا الارهاب ومن الارهابيين سواء بسواء بل يعمل على تجفيف منابع العنف والارهاب والظلم فينا فإذا ما علمنا الاحسان إلى الحيوان فإن الاحسان إلى الانسان من باب أولى وأحرى وإذا ما علمنا أن تعذيب الحيوان حتى لحاجة ذبحه ولو تعذيبا نفسيا ينهي فيه عن قود الشاة المراد ذبحها أمام أختها والسكين في اليد ... ظلم ما ينبغي التورط فيه فإن ظلم الانسان من باب أولى وأحرى .
الحضارة الغربية الحولاء العرجاء اليوم برياضة تعذيب الحيوان هي مصدر الارهاب الدولي :
مقاومة الظلم والعنف والارهاب فن يتطلب العلم والدراسة والاحاطة الثقافية الشاملة وهي فلسفة الاسلام في معالجة القضايا التي لا يعالجها بسوى تجفيف منابعها ثم بحشد المرغبات لها ثم بتربية الناس عليها ثم بإحداث المؤسسات الحامية لها ثم بحراستها بمؤسسات العقاب والردع أما الحضارة الغربية التي تعتبر تعذيب الحيوان رياضة بدنية وفن بشري راق وإنجاز ثقافي كبير ترصد له سائر ما يرصد للمشاريع الانسانية الكبيرة فلا شك أنها تزرع بذور العنف والقتل والتعذيب والارهاب والظلم في الناشئة رضاعة مع ألالبان الاصطناعية أما ألام فهي أجمل وأرشق وأغنى من إرضاع وليد وهذا معطى نفسي صحيح وبليغ فالطفل خاصة والانسان عامة وهو يتربي على أن الحيوان لا روح فيه جدير بالتعذيب ليضحك المتفرج وأن الرياضي الغارز لانصاله بكل وحشية وقسوة في جسم الحيوان الجريح المفعم أنا والمملوء ألما هو بطل وقدوة ترفع صوره وترسم فوق الثياب وفوق الصدور ... الانسان المتربي على ذلك يظل عاملا لتوفير أول فرصة لمحاكاة بطله المفضل فإن لم يجد حيوانا يعذبه فالانسان ليس بعيدا عن ذلك كلما كان ذلك ينفس عن المخزون النفسي المكبوت والذي يكاد يتفجر وينفلت من جراء ما ملات أوعيته بحب الاعتداء وحب الظهور وحب البطولة ولو على حساب حيوان جريح مسكين . إن الشعوب وهو تتربى على ذلك لعقود طويلة لا يرتقب منها سوى محاكاة ذلك ثم يتساءل الناس بكل بلاهة وحماقة عن أسباب الارهاب الدولي الذي يعصف بكوننا وليس هذا السبب سوى واحدا من آلاف الاسباب الاخرى الكثيرة في سائر المستويات الحضارية للحياة ولكن ليس هنا مجال لعرضها .
بعيدا عن دور رياضة التعذيب في بعث الارهاب : أين التشدق بالرأفة بالحيوان ؟:
آذنت هذه المساحة بالانقضاء ولكن دعنا نسأل عن الكذب الصراح من لدن معذبي الحيوان جهرا في المباريات الرياضية الدولية في الرأفة بالحيوان التي أسسوا لها جميعات ورابطات وميزانيات وجيش لجب من الناس أم أن الحرية تقضي بأن يعذب من شاء ما ومن شاء ألا فليعلم الناس أن أرأف الناس بالحيوان طرا ليس هو سوى من سرح ناقة لاجل أن راكبتها لعنتها فيما روى جابر وأخرج مسلم ولايتسع المجال لعرض حقيقة الرحمة النبوية حيال الحيوان والانسان سواء بسواء.
فالخلاصة هي إذن أن الارهاب الذي يدعون حربه ليسوا سوى هم من يوقدون أخاديد ناره من خلال الرياضات البدنية النبيلة في تعذيب الحيوان الذي يؤسسون للرأفة به في المقابل جمعيات ومنظمات وتلك هي أزمة الحرية عندما تند عن فطرة الانسان وذلك هو الغرب الاحول عندما يخاصم الاسلام في نبيه حتى يجمع ضده مليون إمضاء . أليست تلك حال داعية للشفقة ؟
-
رد: مــــائة مصباح من مشكاة النبــــوة
الحلقة الواحدة والخمسون
أخرج الترمذي وإبن حبان والحاكم عن أبي هريرة أنه عليه السلام قال " ثلاث حق علىالله عونهم : المجاهد في سبيل الله والمكاتب الذي يريد الاداء والناكح الذي يريد العفاف ".
ـــــــــــــــــــــ
موضوعه : عقبات ثلاث على الامة إقتحامها تحررا من فتنة الظلم ومن فتنة الفاحشة :
قال الحاكم بأن الحديث على شرط مسلم وهو ما يقويه فضلا عن تحسين الترمذي له . وقال العلماء بأن عبارة " حق على الله " معناها أن الله أوجب ذلك على الامة وهي محل الخطاب والمنادى دوما تكليفا غير أنه ثقيل في الميزان لغزارة حيويته في الدنيا لذلك عبر عنه بما يفيد أنه حق عليه سبحانه ومعلوم أن الانسان مكلف بتنفيذ إرادة الله سبحانه فيما يليه إذ لا يتصور سوى أحمق أن الانتصار للمجاهد في سبيله أو تحرير الرقيق وتحصين من تربص به العنت يحصل بمعجزة رحمانية على غرار ما كان يقع في الامم السابقة أحيانا دون أن يكون ذلك بيد الانسان وإلا لتدحرجت منزلة الانسان إلى أسفل سافلين ولم يعد لمقصد الابتلاء من معنى . ولاشك أن عون الله سبحانه يتمثل هنا في أمرين أولهما تيسير سبل الاعانة لعباده من أهل البر والفضل والاحسان حتى يؤدوا دورهم وفق ما يسر لهم وثانيهما تيسير سائر الاسباب الاخرى المحيطة التي لا قبل لاولئك العباد بها سواء بعمل إخوانهم ممن يعرفون أو لا يعرفون أو بحشد ما لايحصى من الاسباب الاخرى التي لا يراها الانسان فيسميها صدفة أو إتفاقا أو ينسبها والعياذ بالله من الشرك إلى قوى أخرى لا تملك لنفسها نفعا ولا ضرا . وبهذا نخلص إلى المعنى الاخر للحديث الذي نسب العون له سبحانه بالرغم من أن العامل فوق الارض لاعانة المجاهد والمكاتب والناكح هو إنسان وهو ذات المعنى الذي حرص القرآن دوما تقريبا دون أدنى إستثناء على غرسه والتربية عليه وهو معنى رد الامر إليه سبحانه ليس في القضاء الغيبي الذي لا يعلمه الانسان فضلا عن القدرة على تنفيذه ولكن كذلك في كسبه الذي عمله بيده وهو معنى يلتقي بالتمام والكمال مع المطلب الاسلامي الاول من إنزال الكتب وإرسال الرسل وهو مطلب العبودية من الانسان العابد المملوك ولكنه عابد مريد لا مسير ومملوك حر لا مكره وكلما كان الانسان عاملا رادا للفضل لولي النعمة سبحانه كان حرا من إستراقاق نفسه له ووقوعه في حبائل الشيطان ولو لم يك كذلك لوقع في المن على المجاهد والمكاتب والناكح ومن شأن المن الانقطاع ولو بإرادة الممنون عليه . فبالخلاصة فإن لك أن تجمع بين هذين المعنيين في صياغة الحديث قبل الخوض في لجه وهما : الحق على الله هو عمليا حق منه سبحانه على الامة المكلفة رضوانا منها وإختيارا بطاعته وعبادته فما ينبغي لها التأخر عن ذلك غير أن نسبة الحق إليه سبحانه هو للتعبير عن ثقل الامانة ثم إن الامة وهي تسعى لاقتحام تلك العقبات لابد لها من عونه سبحانه في البدء بالهداية وفي الختام بالقبول وبينهما بتيسير الاسباب وهل ينسب عبد مملوك لنفسه من الامر شيئا ؟
رسالة الحديث هي : تحرير الاوطان وتحرير الانسان مسؤولية الامة :
أمران لابد لنا من تثبيتهما في النفوس تثبيتا لا تدركه الزلازل فإن حيينا فلا حياة لنا سوى بهما وإن متنا يرثانهما عنا شطء الزرع بهما يتآزر ويستغلظ ويستوي على سوقه وهما : الاسلام رسالة تحريرية شاملة للانسان ولسائر ما يتقوم به الانسان وأول ذلك الاوطان محاضن الاسلام وكل من لم يتعلم من الاسلام أنه رسالة تحريرية وسفينة تكريمية للانسان فهو أكمه البصيرة وثاني الامرين هو أن الاسلام لم يأت لاصلاح الافراد بل لاصلاح الجماعات مقصدا وليس إصلاح الافراد سوى وسيلة لذلك المقصد وكل من ركن بدينه إلى نفسه يصلحها ولم يأبه بغيره صلح أم فسد فليس له من حظ يذكر في هذا الدين . فقيمة الجماعة إذن وقيمة التحرير والتكريم للجنس الانساني ثابتان لا حياة لنا بدونهما وليس لجيل لم تسعفه الاسباب لترجمة قيم الجماعة والتحرير فوق الارض التخلي عن توريث ذلك للجيل التالي ولم يكن دعاء الانبياء ومنهم شيخهم إبراهيم سوى ألا يذروا فرادى دون ولد وارث يأخذ عنهم الرسالة ويبلغ الامانة .
العقبة الاولى من عقباتنا اليوم : جلب العون للمجاهدين في سبيل الله :
أظن أن الله سبحانه وهو يبتلي أجيال الامة جيلا بعد جيلا مجددا ضروب الابتلاء يمتحننا اليوم بمدى إيماننا بفريضة الجهاد في سبيله عقيدة وسلوكا وظني ذلك أستوحيه من شدةالحملة ضد هذه الفريضة بالذات ولست أراهم سوى فاهمين لفقه الحياة وفقه الانسان وإلا لما إختاروا تلك الفريضة بالذات موضوع معركة دولية وفقهم لفقه الحياة والانسان يتمثل في كونهم يدركون أن الانسان الفارغ الذي ليست له رسالة يحيا من أجلها هو لقمة سائغة لا يساوي حبر مقال فضلا عن خرطوشة ترديه وليس أمامهم سوى المسلمين سيما بعد تخلصهم من الدب الشيوعي أمة صاحبة رسالة ومجد وليس من المنتظر أن يشنوا ذات الحرب علينا في الصلاة والذكر ولا تضيرهم صلاتنا لو رضينا بإحتلال أوطاننا ونحن اليوم طوائف مختلفة في مسألة الجهاد إن في الفهم حيث نخلط بين الجهاد وبين القتال والمؤمن مجاهد أبدا أو لا يكون وحيث نهون من شأن كل صورة من الجهاد ليس فيها قتال وإن في السلوك حيث يمرق بعضنا من الاسلام بأسره إذ ينكر الجهاد وهو ماض إلى يوم القيامة فالمؤمن مجاهد أبدا أو لايكون وحيث يطغى بعضنا الاخر فيه على نحو يضطهد فيه غير المقاتلين ويأخذ الابرياء بجريرة من لم يستطع الوصول إليهم وحيث يقف البعض الاخر وهم الاغلبية الغالبة منا على ربوة الفرجة أو منصة الحياد فيكف الحياد ومسرح الحرب نحن ؟ وليس من ترجمان عملي لنا اليوم لهذه العقبة الاولى بسوى مناصرة المقاومة لطرد الاحتلال من فوق أرضنا المحتلة وأضعف الايمان لمن رضي بذلك التحريض سيما ضمن المؤسسات والمنظمات على أوسع نطاق ممكن ضد التطبيع بكل أشكاله وأخرها معاهدات " كويز" التي إبتدأت بمصر وهي الان تحاك ضد الاردن ثم السعودية ثم شمال إفريقية .
العقبة الثانية من عقباتنا اليوم : التعاون لتحرير الاسرى والمعتقلين والمساجين :
المكاتب الذي يريد الاداء معناها أن العبد المسترق يطلب من سيده تحريره مقابل مال وحرض القرآن على ذلك بقوله " فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا " وحث السيد المالك على إتاحة الفرصة لعبده المكاتب لعله يكسب مالا فيحرر به نفسه وبما أن الحديث يتناول مسألة جفف الاسلام منابعها فلم يعد لها اليوم وجود فإن صلاحية الحديث تمتد فيما أفهم والله تعالى أعلم إلى الصور المعاصرة التي يحتاج فيها مسلوب الحرية إلى إستعادة حريته فهي مناط تكليفه وبمقتضى القياس العقلي فإن هذه العقبة لم تسقط ولكن تبدلت صورتها وصورتها هي الملايين المملينة التي تموت ببطء في السجون العربية والمعتقلات الاسلامية فضلا عن الاسرى بيد العدو وبخاصة من الذين سلبت حريتهم بسبب آرائهم أو عبادتهم أو جهادهم وتكون مكاتبتهم سواء بعقد المصالحات الممكنة مع السلطات المعنية تقديرا للمنافع أو بدفع الاموال لو إقتضى الامر أو بسلوك السياسات الحاملة على تحريرهم حقوقيا وإعلاميا أو ضغطا وشدا وإرخاء فإذا كان الاسلام لم يرض للرقيق سوى التحرير عبر خطوات تشريعية وتربوية طويلة ومتتالية رغم أن الرقيق يومها معطى ثقافي وإجتماعي وإقتصادي وسياسي وعمراني لا يقبل التجاهل فضلا عن الالغاء بجرة قلم فكيف يرضى للاسرى اليوم وكلهم تقريبا من المسلمين المجاهدين في سبيل الله دون التحرير وليست سوى الامة برواحلها وطلائعها مؤتمنة على ذلك التحرير إجتهادا وجهادا وحسن تدبير .
العقبة الثالثة : التعاون لتحرير الانسان من رق الفاحشة وتكريم المجتمع بخلية حية جديدة :
الانسان بحاجة إلى وطن يأوي إليه لذلك كانت العقبة الاولى هي تحرير الاوطان وهو بحاجة بعد ذلك إلى أمن وحرية ييسران له مناخ العبادة والعمارة والخلافة لذلك كانت العقبة الثانية هي تحريره من فتنة الاسر وداء العضل وهو بعد ذلك بحاجة إلى أسرة تحصن فرجه وتغض من بصره وتقيه من فتن الفواحش المدمرة للابدان والنفوس والعقول والاموال وهي اليوم مصيدة كل الاجهزة الاستخباراتية الدولية طعمها فاجرة عاهرة جميلة تستولى على عقول أهل القرار فينا فتسحرهم بجمالها وبغائها ومالها وعلاقاتها على أنها صديقة نصوحة وعاشقة ولهانة والنتيجة هي هتك حرمة الامن القومي برمته فالبلاد بعبادها وثرواتها وقواتها لعبة صغيرة في يد ذئب حقير في البنتاغون والبيت الاسود ومزرعة فرعون العصر . تقول الاحصائيات العربية أن سن الزواج يرتفع عاما بعد عام وأن المجتمعات تشيخ وتهرم عاما بعد عام وأن نسب الطلاق في إرتفاع مخيف وأن معدلات الفاحشة المرتبطة بتعاطي المخدرات تناولا وتجارة وبالجريمة كبيرة وأن الثروة القيمية والارصدة الاخلاقية في مجتمعاتنا الاسلامية وخاصة العربية تحديدا في تدهور مستمر ولا مناص لمواجهة هذه الفتن العاصفة بسوى تعاون أهل الخير فينا رأيا ومالا وتنظيما على ترتيب مؤسسات إغاثية تقوم على تزويج الشباب ضمن حملات دورية منتظمة وبالجملة ترشيدا لمصاريفها فالكارثة أكبر من أن يتصدى لها كل شاب مطحون بنفسه .
فالخلاصة هي إذن أن هذا الحديث يرسم خطة نظرية وعملية في الان نفسه لفعاليات الصحوة الاسلامية المعاصرة تقوم على إستنئاف عملية التحرير الكبرى للاوطان وللانسان من فتنة السلطان وفتنة الفاحشة على حد سواء وأن تلك الخطة لابد لها شروطا للنجاح من الجهد الجماعي لا الفردي تخطيطا وإنفاقا وتنفيذا وليس دون ذلك سوى طوفان مبيد للخضراء
-
رد: مــــائة مصباح من مشكاة النبــــوة
الحلقة الثانية والخمسون
أخرج مسلم عن أبي هريرة أنه عليه السلام قال " صنفان من أهل النار لم أرهما : قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات رؤوسهن كأسمنة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا "
ــــــــــــــ
موضوعه : الظلم والفساد مؤذنان بخراب العمران :
ربما تجد في بعض الروايات أن الصنفين " من أمتي " بدل " من أهل النار" .
أما قوله " لم أرهما " فهي نفي للماضي أي في عصره لا ينفي وجود ذلك بعده عليه السلام وهي من نبوءاته . والحديث فيه من التغليظ الشديد ما ترى مما يفيد بأن أرباب الظلم وربات الفساد من الامة أتوا من أسباب الخراب والتدمير ما أغضب الرحمان الحليم سبحانه فلم يكتف بالقول بأنهم من أهل النار في بداية الحديث بل عرج على ذلك تأكيدا في آخره بأنهم لا يدخلون الجنة بل لا يجدون ريحها لفرط البون الشاسع بينهم وبينها وهو ترهيب حقيق بزلزلة القلوب التي مازالت تنبض حياة .
لوكان إبن خلدون حيا لقال : الظلم والفساد مؤذن بخراب العمران :
سطر عليه الرحمة قاعدة كبيرة عظيمة من قواعد الاجتماع فقال " الظلم مؤذن بخراب العمران " ولو كان بيننا اليوم لعدل قولته بإضافة الفساد إلى الظلم . وقد تقول الظلم يشمل كل مظاهر الفساد حتى أنه سبحانه عد الظالم لنفسه ممن أورث الكتاب ومن المصطفين من عباده ووعده بالجنة إلىجانب المقتصد والسابق بالخيرات وذلك صحيح على وجه الاجمال أما عند التفصيل كما يفعل هذا الحديث فإن الظلم مقصود به إيقاع الضر بالاخر حيفا وجورا لا عدلا وقسطا سواء كان ذلك بالاسراف في العقوبة وهو ظلم " وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به " أو كان تعديا على الانفس والاموال والاعراض المحرمة دونما أدنى جريرة سوى تشفيا ونكاية وتشهيا أما الفساد وخاصة الاخلاقي منه كما يقصد هذا الحديث فهو عادة ما يتخذ له مسرحا خبيثا الشهوات الجنسية العارمة المضطرمة تخبيبا وتهييجا في الملا لعل المجتمع بأسره ينخرط في الاوحال القذرة . فالظلم إذن في بناء هذا الحديث هو التعدي على الحقوق البدنية والنفسية للانسان البرئ أما الفساد فهو التعدي على الحقوق العرضية نسبة إلى الاعراض وما يليها من القيم الاخلاقية المكرمة للانسان فإذا ما فقد الانسان الكرامة في بدنه بالضرب وفي نفسه بالاهانة المترتبة على الضرب ثم فقد الحرية في حفظ عرضه الشخصي والجمعي لنفسه ولبني جنسه فلم يبق له سوى ماله ولكن ذلك ليس سوى نظريا أما عمليا فإن من فقد بالظلم وإشاعة الفساد الحرية والكرامة في بدنه ونفسه وعرضه فإن ماله كلا مباح خصب للظالمين وللمفسدين ولو بقي له مال بعد ذهاب النفس والعرض فإنه يتحول إلى وحش كاسر لا يحرص سوى على تبديد ماله في أرضاء شهوته فيتحول هو بدوره إلى ظالم وفاسد ثم إلىمفسد .
السبب الاول في خراب عمراننا اليوم هو: الاستبداد الحكومي العربي المنظم :
السياسة في زماننا لم تعد مجرد مجال من مجالات الحياة تعنى بمحيطها وتنسج حبال العلاقة مع غيرها كالاقتصاد والاجتماع والثقافة بل توسعت وتضخمت وتمددت حتى تغولت فهيمنت على سائر الحياة الانسانية فوق الارض فإذا أضفت إلى ذلك أن الدولة العربية خاصة حيث تنعدم أو تكاد مناخات الحرية والكرامة ورثت عن الاحتلال الغربي في منتصف القرن الميلادي المنصرم كيانا هزيلا ضعيفا عبر نخب لا تختلف عن المحتل سوى في كونها ترطن لسانا غير لسانه ومراسم طقوسية دينية ميتة جامدة غير مراسمه فلم تأل خبالا في بناء دولة الحداثة المغشوشة دولة التجزئة والالتحاق بركب الامم المتحضرة والمتقدمة ومن شروط ذلك إحكام القبضة الامنية وتأميم كل شئ يتحرك فوق الارض لسلطانها حتى زينة بيت نوم العروسين حيث لابد لصورة الزعيم القائد الملهم أن تدنس الجدران فكان التغريب الثقافي والتعليمي والتربوي والاعلامي من جهة وكان توسيع دائرة الظلم السياسي الملتهم لسائر دوائر الحياة من جهة أخرى دافعا للشعوب إلى الاحتجاج والثورة .. كانت النتيجة دعوة المحتل الغربي القديم ورهن مصير البلاد بين يديه بغرض حماية الدولة الجديدة من عدم الاستقرار وعندها إجتمع على المواطن المسكين نصيبه من قوات الحماية والقمع : عون إما بالزي الرسمي أو المدني يضرب بشرته في الشارع وفي المخفر وزميله من الاستخبارات الاجنبية يضرب بعصا أخرى لاتراها أنت وليس اليوم من حكومة عربية من حكوماتنا إلا وأضخم ميزانية فيها لهي ميزانية وزارة الامن ولو كشفت لك الايام يوما عن عدد وأسماء وعلاقات ومهام الفرق الامنية المختصة المدربة في الغرب بكلابها وأدوات تعذيبها والاموال المنفقة عليها لصعقت حقا .
السبب الثاني في خراب عمراننا اليوم : الفساد الاخلاقي الحكومي المنظم :
قد تعاجلني بالقول بأن تنظيم الحكومة للاستبداد حفظا للامن وضربا على أيدي الشغب أمر مفهوم أما أن يكون الفساد الاخلاقي هو الاخر سياسة حكومية منظمة فهو تجن ولو سقت مثالا واحدا عن ذلك وهو تبني كثير من الحكومات العربية اليوم لخطة تجفيف منابع التدين لما كفيتك لان الفساد الاخلاقي الذي تئن تحت وطأته شعوبنا اليوم لا تحميه وترعاه وتنظر له وتسوقه بعصا الارهاب وطعم الصيد اليوم سوى الوزارات الحكومية فقل لي بربك لمن تخضع السياسات المعتمدة في المجال الاعلامي المرئي والمسموع والمكتوب في بلداننا المؤممة لحرياتنا المؤممة هي بدورها للمصالح الغربية لا بل قل لي بربك كم من زعيم ملهم اليوم من قادتنا لم تتعلق به قضية أخلاقية واحدة على الاقل فاح ريحها الخبيث من قصر هجره أهل العلم والنصيحة بعدما فتحت لهم السجون أفواها فاغرة وأصبح قبلة أهل الفساد وبؤرة التخطيط للافساد بإسم تكريم الفنانين والتقريب بين الاديان والاخوة الانسانية حتى أن قدوة شبابنا اليوم رجالا ونساء ليس سوى هذا الامريكي المخنث العابث بفطرته عبث الاطفال بأكوام الرمال جاكسون وما حل بأرض إلا كان الملك المبجل المفدى فيها كأنه نبي مرسل إلى قوم مؤمنين به قبل بعثته وبإسم الفن اليوم تستباح كل القيم وتنتهك كل الاعراض ولا هم لشبابنا سوى اللهث وراء الشهرة والمال ولو ببيع الحياء رخيصا مهراقا على أرصفة الخجل والحاصل أن الراعي الاول لذلك الفساد الاخلاقي الحائم حول جسد المرأة واللذة المحرمة ليس هو سوى الحكومات العربية .
الظلم السياسي والافساد الاخلاقي عنصران متكاملان في خطة عربية ماكرة :
لاتحسبن أن الظلم إقتضته ظروف وأن للفساد ظروفه المختلفة فألتقيا صدفة بل هما عمادا خطة عربية شاملة متكاملة تعمل على تحطيم القوة الدفاعية للامة فتستسلم قيميا عبر الكرع من معاطن الدعارة حتى الثمل ثم تستسلم نتيجة لذلك سياسيا عبر خنوع الارادة وذلك مبغى أرباب الظلم العربي والغربي وربات الفساد والافساد الاخلاقي .
فالخلاصة هي إذن أنه عليه السلام رحمة بالامة ورأفة بالناس يحذر من أسباب إنهيار العمران البشري ويرسم خطة إبتلاع الامة أمامنا لمقاومتها وإلا ساقنا أرباب الظلم وربات الفساد معهم إلى النار طوعا أو كرها فلا تحقر نفسك فالنهضة بيدك.
-
رد: مــــائة مصباح من مشكاة النبــــوة
الحلقة الثالثة والخمسون
أخرج البخاري ومسلم عن عبادة إبن الصامت أنه قال " بايعنا رسول الله عليه السلام على السمع والطاعة في اليسر والعسر والمنشط والمكره وعلى أثرة علينا وألا ننازع الامر أهله إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم فيه من الله برهان وعلى أن نقول الحق أينما كنا لا نخشى في الله لومة لائم ".
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــ
موضوعه : بين كل مسلم وبين رسوله عليه السلام عهد من أربعة أركان لابد فيها من الوفاء :
عبادة يتحدث عنا عن بيعة الانصار قبيل الهجرة بينهم وبينه عليه السلام . وقبل الخوض في البيعة وأركانها لابد لنا من إلقاء نظرة عجلى على موقع الامة والجماعة وسائر متطلباتها في الاسلام وأول أمر لابد أن يعلم في البداية هو أن الاسلام بخلاف الاديان السماوية الاخرى جاء لاقامة أمة قوية مهابة وليس مجرد أفراد أو جماعات لا يتعدى تدينهم الاحوال الشخصية وذلك نابع من كون الاسلام خاتم الرسالات ورسوله خاتم الرسل وكتابه مهيمنا على ما سبقه من كتب ومن كونه رسالة للعالمين في كل زمان وفي كل مكان حتى يرث الارض ومن عليها ولذلك جاءت تشريعات الاسلام عامة مطلقة شاملة أي للناس كافة وغير قابلة للمراجعة في أصولها ومبادئها ومعاقدها وفي سائر ما لا يخضع منها للتغير وهو إطلاق يشمل الزمان والمكان وحال الانسان في كل حال وشاملة لسائر مجالات الحياة فكانت من أجل ذلك تلك التشريعات جامعة بين الثبات والتغير من جهة وبين الصلاحية العامة والمرونة من جهة أخرى وكل من يطلع على الناطق بإسم الاسلام أي الكتاب والسنة يكتشف أنه يدعو بقوة إلى التمكين وإعداد القوة ورص الجماعة ووحدة الامة والاخذ بأسباب العلم والشورى والحرية والعدل والعمران بل تجاوز ذلك إلى تنظيم العلاقة العسكرية والسياسية بين الامة وبين جيرانها في حالات الحرب والسلم وإنطلاقا من ذلك قال سائر أهل السنة والجماعة وكثير ممن سواهم بأن إقامة السلطة الاسلامية وفق قيم العدل والحرية والشورى والقوة واجب لا يتم إقامة الواجبات الدينية والدنيوية للناس إلا به بينما إعتبر ذلك من لدن فرق إسلامية أخرى فريضة كالصلاة والصيام والزكاة والحج وهو خلاف ليست له آثار عملية كبيرة ولو عبرنا عن ذلك بلغة معاصرة لقلنا بأن الاسلام كلف الامة بإقامة السلطة الاسلامية التي كانت تسمى قديما خلافة والتي عرفها الفقهاء ومنهم إبن خلدون بقولهم بأنها حمل الكافة على إقامة الدين وإصلاح الدنيا به وقال الغزالي الدين أس والسلطان حارس وغدا هذا ثابتا يقينيا من ثوابت الاسلام عرفوا وظيفة السلطان أو الخليفة ولك أن تسمه بما شئت بخدمة الامة خدمة أجير لصاحب ملك فالامة هي صاحبة القضية وهي الاصل وليس الحاكم سوى خادم مقابل أجر غير أنه يصطفى لذلك وفق قاعدة أولانا قوة وأمانة عبر بيعة شعبية عامة لذلك قال الفقهاء بأن الامامة عقد بالتراضي بين الامة وبين خادمها ولئن جاءت عهود طرحت كثيرا من معاني البيعة والحرية والشورى والرضى وعقد الاجارة والامة والجماعة والعدل فإن حفظ الحد الادنى من ذلك في الكتاب وفي السنة وفي الخلافة الراشدة وفي الثقافة السياسية الشعبية هو من حفظ الذكر الذي تكفل به هو سبحانه وذلك كفيل بإنبعاث صحوة تجدد الدين على رأس كل مائة سنة وهو ما لم يتخلف عن الامة يوما والحمد لله رب العالمين .
السؤال الحيوي الكبير : هل بينك وبينه عليه السلام عهد ماض أم أنقرض بموته وموت خلفائه:
لن نتوسع في الاجابة بحكم أن القرآن الكريم صريح بما فيه الكفاية في ذلك حتى أنه قال " ومن أطاع الرسول فقد أطاع الله " و" ما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم " والايات والاحاديث الصريحة الثابتة وإجماعا عمليا متيقنا من لدن المسلمين على مدى خمسة عشر قرنا كاملة لا تحصى ولم يقل واحد يوما أن الامر مرتبط بحياته عليه السلام وإلا لكانت حروب الردة في فاتحة عهد خليفته عليه السلام وهي إجماع صريح عملي من لدن خير خير القرون المبشرين بالجنة لاغية بل إنه عليه السلام أكد ذلك بقوله " من أطاع أميري فقد أطاعني " وكل أمير إستجمع شروط الامارة الاسلامية الصحيحة الصريحة في الكتاب والسنة هو أمير له عليه السلام يطاع في المعروف لا في المنكر تماما كطاعته هو عليه السلام ولو لم يكن الامر على ذلك النحو لانقرض أمر الاسلام مبكرا .
الركن الاول من أركان البيعة الاسلامية بينك وبينه عليه السلام : الطاعة والاتباع :
وطاعته عليه السلام تعني طاعة سنته وإتباعه تعني إتباعها والطاعة والاتباع له يعني طاعة القرآن والسنة وإتباعهما وتفصيل ذلك بين الكبير والصغير والمقدم والمؤخر والتشريعي والخاص والبشري مبسوط في غير هذا الموضع ولكن يهمنا هنا تثبيت الاصل وهو أصل يتطلب تثبيتا تقرأه أنت بنفسك من خلال قوله " في العسر واليسر وفي المنشط والمكره " والطاعة تعني التدين على نحو ما أمر ونهى عليه السلام أما الاتباع فيعني بسط ذلك التدين علىنحو ما بسط عليه السلام على سائر شعب الحياة مع مراعاة فارق الزمان والمكان والحال والعرف وسائر المتغيرات وتفصيل ذلك مبسوط في مظانه فالحاصل أن الركن الاول من أركان بيعتك له عليه السلام هو الطاعة والاتباع في الدين وفي الحياة طاعة لا تتخلف في العسر وإتباعا لا يتخلف في المكره ولو كان المكره هو الموت دونه عليه السلام أي دون خضد شوكة سنته في عصرك .
الركن الثاني من أركان بيعتك له عليه السلام : الولاء له أي لسنته ولاء ود وحماية وإيثار:
كلمة الولاء تعني دوما الجانب السياسي أي الولاء للحكم إعترافا بالشرعية وخضوعا لقانونه وذلك بحكم كونه لا ينسحب على المسلمين فحسب بل على سائر المواطنين داخل الدولة ولو كانوا غير مسلمين والولاء السياسي للحكم السائد يختلف عن الطاعة والاتباع فهذا لابد منه من المؤمن غير أنه لايكفي ضمانا لوحدة الصف الداخلي وإشاعة للحرية بين الناس وسدا لذريعة الفتنة الجالبة للعدو الخارجي وإدارة للخلاف الداخلي عبر أسس الحوار الاخوي السلمي ولابد من الولاء من المؤمنين وخير مثال على ذلك كما أسفلنا أعلاه حروب الردة ولما إشترط عليه السلام على الانصار الولاء السياسي رغم إيمانهم ونصرتهم فهو يعلم أن أمر الطاعة والاتباع وهو مضمون من جانب الانصار لا يكفي لترتيب الهجرة وبناء الدولة الجديدة بما يفيد أن الولاء للمشروعية السلطانية العليا أمر سرت عليه علاقات القبائل العربية ولاشك أن عنصر الولاء في تلك المشروعية لا يترجم سوى في الروابط والجامعات وأعلاها جامعة الامة ولا يتأتى لي ذلك ولك بسوى العمل الجماعي مني ومنك على بعث رابطة جامعة لما تيسر من المسلمين ثم تعمل تلك الجامعات في واقع التجزئة على تنفيذ حد أدنى من التنسيق سعيا وراء إعادة بعث الكيان العام للامة بإذن الله ومفهوم الولاء ضروري بعد الطاعة والاتباع ولا يغني أحدهما عن الاخر .
الركن الثالث من أركان بيعتك له عليه السلام : حراسة الوحدة الداخلية للامة فريضة مقدسة:
جاء هذا الركن الثالث معقوبا بإستثناء " إلا أن تروا كفرا بواحا لكم فيه من الله برهان " فالاصل هنا بخلاف الركنين الاوليين قد تخترمه الاستثناءات وهو إستثناء يؤكد إحدى قواعد البيعة الاسلامية الصحيحة وهي قاعدة أن السلطان أو الحاكم أجير في مضاربة الامة مقابل أجر غير أنه أجير قوي أمين بويع بالرضى لا بالقهر فالاستثناء يؤكد ذلك من خلال تنبيهه عليه السلام إلى أن الكفر البواح الصراح من لدن الاجير إنشاء أو إقرارا أمر ناقض للبيعة فالمنازعة على الامر وهو أمر الحكم بالطرق غير المشروعة إسلاميا مذهب للريح مبدد للوحدة مغر للعدو والاعتراف بمشروعية الحكم عبر الولاء السياسي فريضة على كل مؤمن طاعة وإتباعا للسنة ولكنه مشروط بإقامة الدين وإقامة الدين وظهور الكفر الصراح البواح لا يلتقيان ولا يتسع لنا هنا المجال لضرب الامثلة على ذلك غير أن التشديد قوي على إقامة الميزان المعتدل المقسط من لدن الامة بين فريضتين لابد لنا منهما : حراسة الوحدة بعدم التنازع على أمر الحكم بالطرق غير المشروعة إسلاميا من جهة وحراسة الدين بإعلان الحرب على مظاهر الكفر الصراح البواح وهنا محل تقديرات مختلفة كثيرة من لدن أهل النظر والرأي فالميزان هنا يخضع للكتاب ولميزان العقل على حد سواء لانه أمر لابد فيه من المصالح والمفاسد والاجتهادات وتغير الواقع وكل من يفرض على نفسه الحول فلا ينظر لسوى الكتاب أو الواقع فلن يظفر بالصواب .
الركن الرابع من أركان بيعتك له عليه السلام : حراسة حرية الناس :
قول الحق في الاسلام يعني في خطابنا المعاصر حرية الرأي وما يقتضيه من حرية التفكير وحرية الاعتقاد وحرية العبادة وحرية العمل وحرية المساهمة في رسم مصالح الناس وهي حرية شدد عليها بقوله " أينما كنا " تماما كما شددفي الركن الاول " في العسر واليسر" .
حوصلة مركزة لنظام البيعة : أربعة أركان هي الطاعة في الدين والاتباع في الدنيا أولا والولاء السياسي للحكم إعترافا بالمشروعية ثانيا وحراسة الوحدة الداخلية بميزان يحفظ للولاء السياسي مشروعيته من جانب ويحفظ لحق الامة في التغيير من جانب آخر ثالثا وحراسة الحريات الخاصة والعامة للناس رابعا .
-
رد: مــــائة مصباح من مشكاة النبــــوة
الحلقة الرابعة والخمسون
أخرج الشيخان عن إبن عمر أنه عليه السلام قال " من أكل من هذه الشجرة (يعني الثوم ) فلا يقربن مسجدنا ".
ـــــــــــــــــــــــــ ــــــ
من شواهده " يابني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا وأشربوا ولاتسرفوا ".
موضوعه : من كرامة الانسان عند ربه أنه يمنع إيذاءه ولو بالرائحة تنبعث من ساجد إلى جانبه:
عجيب أمر هذا الدين عجبا لا يلمسه سوى من درسه بتأن ووله بالعلم وإشتياق إلى المعرفة بأكثر مما تشتاق الابل المثقلة بالاحمال تطوي بها البيداوات طيا إلى قيلولة في فيء ممدود ولذلك تجد أن أصدق الناس ذاك اليهودي الذي قال للفاروق عمر عليه الرضوان لقد نزلت في كتابكم آية لو نزلت علينا لاتخذنا من يوم نزولها عيدا لنا فلما تساءل عنها الفاروق قال له " اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا " فقل لي بربك هل تجد دينا من السماء أو نظرية من الارض خالها الناس دينا يحيط بحياتك يزينها بسائر أوسمة الفضل تكريما وتحسينا أينما أنخت سوى دين الاسلام ؟ فليس من خير مطلقا مهما يكن مغمورا في حياة الناس إلا أشار إليه ولو قمت بتجربة عملية لاختبار صدق هذا الكلام فخذ إليك مثلا موضوع الزينة والجمال والنظافة وحسن السمت وسائر ما يتعلق بمظهرك الخارجي حسنا وريحا ولونا وكذا بمظهر بيتك وفنائه ودابتك فأبدأ بجمع ما فيه من القرآن الكريم والسنة النبوية وإن شئت زد عليه فعل الصحابة ومن بعدهم ممن فقه رسالة الاسلام فإن فعلت فإنك لاف أن كتابك سيما لو ترجم إلى اللغات المعاصرة الاكثر إنتشارا كتاب موضة الاسلام في أبهى حللها اللائقة بالانسان ولست أشك في أن كل من سيتناوله من الغربيين خاصة سيندهش لشدة ما حفل الاسلام نظرية وتطبيقا بما يكرم الانسان جسدا ومنزلا ومرفقا ويحسن هيئته ويزين منظره وإني لا أكتمك أن من بين المئات الكثيرة من الكتب التي قرأتها لم أعثر من بينها على ما أثار دهشتي وغير كثيرا في مجرى حياتي تفكيرا على الاقل وهو الاهم لفرط ما أصاب أصحابها بتوفيق منه سبحانه في تلبية نداء الفطرة سوى على مالا يتجاوز عدد أصابع يديك ومنها كتاب تحرير المرأة في عصر الرسالة .
ألم يأن لنا أن نكرم الانسان ببعده المحرم عندنا : الذوق والعاطفة والوجدان ؟:
يحق لنا أن نصف هذا البعد الاصيل من أبعاد الجهاز الانساني بأنه الحلقة المفقودة أو الفريضة الغائبة كما يحق لنا الاعتراف جميعا بأن تربيتنا في سائر البيئات الخاصة والعامة أهملت هذا البعد الانساني الاصيل أصالة القرآن والسنة اللذين زينا الانسان به إهمالا شديدا وصل أحيانا إلى حد الانكار عن حمق وطيش وكلنا يذكر أن ما تعلمناه ونحن نتربى هو أن الانسان مكون من ثلاثة أبعاد وهي الروح والعقل والارادة وفي أحيان قليلة يضاف إليها البدن غير أنه لا يرتقي إلى أن يكون بعدا ثابتا سوى أن الممارسة عبر الترويض النفسي بالصيام مثلا أو العملي بتمرين العضلات لم تكن دوما غائبة غير أن الغائب الاكبر فيها هو الجانب الثقافي منها ولم يكن يومها واحد منا يفقه كثيرا من القرآن والسنة حتى يسأل عن غياب البعد العاطفي والوجداني والذوقي ولم تكن المادة التربوية تتناول ذلك مطلقا إلا لماما لا يسمن ولا يغني من جوع ولاهو مؤصل في الثقافة كما هو الحال بالنسبة للابعاد الثلاثة الاخرى وخاصة الروحية والفكرية والحركية وهي متعلقة بالارادة ولايعني ذلك أن الواحد منا نشأ مشوه التكوين ولكنه الجمال الذي لا يفقده سوى من تثقف عليه فكرا وعملا وفاقد الشئ لا يعطيه كما تقول العرب أما إذاما وجد بيننا اليوم من مازال يهون من هذا البعد الاصيل فطرة في القرآن والسنة نظرا وعملا فكبر عليه أربعا لفرط ما إنتقص من كينونة الجهاز الانساني كما أراده باريه سبحانه ولم يكن يومها عدم تحلينا بالبعد العاطفي الذوقي الوجداني بما فيه الكفاية ليثير أحدا من غيرنا لسبب واحد وهو أن هذا البعد وقع التفريط فيه من أغلب المسلمين دون سائر الابعاد الاخرى منذ قرون بعيدة سيما أن العرب عموما لم يكونوا قبل الاسلام في أسمى درجات العناية بهذا البعد لظروف جغرافية وحياتية معروفة فما إن نقضت عروة الاسلام الاولى عروة الحكم حتى سرى التفريط إلى سائر الجوانب الاخرى بأقدار فالاسلام بنيان واحد لا ينصدع منه عضو حتى يتداعى له ما يليه .
مطالب الجمال والزينة في الاسلام ليست ثانوية :
لايتسع المجال لتتبع مواضع الزينة والجمال في القرآن والسنة ولكن أنصحك بفعل ذلك لتقف على الدهشة التي تغير حياتك بنفسك وليس من رأى كمن سمع كما تقول العرب ولكن لامناص من التذكير بشئ منها ومنها قوله لنبيه بعدما حرم عليه النساء سوى اللائي في عصمته " ولاأن تبدل بهن من أزواج ولو أعجبك حسنهن .." ومنها زينة الاكوان التي كرر الاشارة إليها كثيرا ومنها كما في الشاهد أعلاه أن المصلي مأمور بالتزين عند كل مسجد والمسجد هو موضع السجود مطلقا ومنها قوله عليه السلام " إن الله جميل يحب الجمال " غير أن كثرة ورود ذلك في القرآن والسنة وشموله لسائر الحياة من السجود إلى فناء البيت إلى غير ذلك لايليق به سوى أن نقول عنه إنه البعد الخامس من أبعاد الفطرة البشرية بعد أبعاد الروح والعقل والارادة والجسم وهو بعد العاطفة والذوق. ولم يعد اليوم ذلك غريبا بعد ما أكده خبراء النفس البشرية ولكن المشكلة الكبرى فينا حيال ذلك هو غياب الثقافة الاسلامية التي تربي الانسان منذ نعومة أظافره على ذلك البعد ولو تتبعت سيرته عليه السلام وهو لا يخرج من بيته سوى مصحوبا بمشطه ومرآته وسواكه وعطره وحسن هيئته التي لا تتخلى حتى عن لحيته متوسطة الكثاثة ولاعن شعر رأسه الذي يغطي شحمة أذنيه لزادك ذلك إحساسا مرهفا بالبعد الذوقي للحياة .
الاسلام صاحب نظرية خلال الفطرة السوية ونبيه مثال باهر على الانسان السوي الكامل :
الاسلام دين الفطرة تلك هي أكبر الحقائق الكونية ولو لم يكن له من خير سوى أنه موافق للفطرة السوية لكفاه فخرا ولو كان إبن القيم بيننا اليوم لقال " كل ما خالف الفطرة فليس من الاسلام حتى لو أدخل فيه " وذلك بعد أن قال " الاسلام دين العدل والرحمة وكل ما خالف ذلك ليس منه .." ولو علمت اليوم نفسك درسا لا تلفاه سوىعندك لقلت لها عليك بتلبية كل نداء ينبع من فطرتك ولا حاجز يحجزك دون ذلك سوى أن تكون التلبية مشوبة بالاخسار أو الطغيان أما التلبية العادلة المتوازنة فلن تجد في الاسلام سوى ما يدعو إليها . والاسلام لفرط تكريمه للانسان في بعده البدني والنفسي والذوقي والعاطفي رسم له منهج خلال الفطرة وسمى بعضها من مثل تقليم الاظافر ونتف الابطين وقص الشارب وغسل البراجم وحلق العانة وتطهير الفم والاسنان والانف وغسل اليدين وتخليل الاصابع والشعر وترجيل الشعر وتطييبه وغسل الجمعة وسائر اللقاءات الجماعية والوضوء والختان وقائمة أخرىكثيرة لا تحصى .
كيف يحرم الاسلام على الناس أنفع الخضر لهم كالثوم والبصل وهو يدعي تحليل الطيبات لهم؟:
بداية لابد من تعدية حكم الثوم وفي رواية أخرى البصل على سائر ما تنبعث منه رائحة كريهة تؤذي الناس وليس ذكر الثوم والبصل سوى إيرادا للغالب كما يقال ولابد كذلك من تعدية حكم حرمة ذلك عند صلاة الجماعة إلى سائر مناسبات الاجتماع بين الناس ولو كانت إجتماعات أفراح أو أتراح أو رفقة سفر أو على متن حافلة أو على مقاعد الدرس أو زمالة شغل وبذلك نكون قد جنينا المراد الالهي من المنع وإلا كنا أحمرة تحمل أسفارا كما ينسحب كل ذلك على الجشاء ويكثر ذلك عندنا نحن المسلمين المصلين في صلاة التراويح في رمضان لفرط التخمة شماتة ناكية في الصوم والحاصل أن الله لفرط تكريمه للانسان مؤمنه وكافره إلا ظالما حماه من سائر الروائح الكريهة التي تؤذيه فتفسد عليه ذوقه وعبادته وسعيه في الدنيا ولقياه لاخوانه في الدين والانسانية حتى لو كانت منبعثة من ساجد إلى جانبه هو أقرب ما يكون إلى ربه فلو آذى عبده فهو أبعد ما يكون من ربه فهل من مبلغ فقها أفقه من حامله ؟ واليوم إكتشف الاطباء أن هذه الاشجار التي نهى عنها عليه السلام قبل الصلاة عامة لتأذي الملائكة وصلاة الجماعة خاصة لتأذي المصلين وسائر اللقاءات لتأذي الناس عامة هي ذات ثمار عظيمة الفائدة من مثل الثوم والبصل وللناس اليوم وقد تقدمت العلوم تناول ذلك حتى قبل الصلاة بدقائق ثم إستخدام مزيلات الروائح الكريهة في الفم ولمن لا يقدر على ذلك فلا يتخلف عن لقاء الناس في مساجدهم ومنتدياتهم وسائر مرابضهم بل عليه أن يفعل ذلك بعد أن يكون قد مضت عليه ساعات قليلة من أكله لتلك الثمار.
فالخلاصة هي إذن أن الاسلام حفل كثيرا بذلك البعد الخامس من أبعاد جهازنا النفسي المفطورين عليه وهو البعد العاطفي الذوقي من جمال وزينة وطيب وذلك حرصا على تكامل شخصيتنا بسائر أبعادها في توازن عادل والمسلم شامة بين الناس حتى المسلمين منهم إنما يرغبهم فيه بعد منطقه العذب وصدقه المخلص وحجته القوية ريحه الطيب وهيئته الجميلة وفناؤه النظيف ويكفيك أن الرسل هم أجمل الناس خلقا فضلا عن خلق وليس منهم صاحب عاهة ربما يعسر عليه معها تزكية نفسه بالطيب وتطهير بدنه بالتنقية والعصر اليوم عصر الجمال والزينة وحسن العرض ولا يليق بالمسلم التاجر بين الناس بدعوة الاسلام سوى أن ينجذب إليه الناس لطيب ريحه وسمته وهيئته وسائر ما يتعلق به فإذا رضوا منه ذلك فإنهم بما بعده أرضى وليس التاجر القذر كالتاجر الطيب ومن يظن أن دعوة الاسلام اليوم لا تسوقها الاشهارات والدعايات فليزم بيته.
-
رد: مــــائة مصباح من مشكاة النبــــوة
الحلقة الخامسة والخمسون
أخرج الشيخان وأهل السنن الاربعة عن إبن مسعود أنه قال " لعن عليه السلام الواشمات والمستوشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات لخلق الله " كما أخرجوا كلهم عن إبن عمر " أنه عليه السلام لعن الواصلة والمتستوصلة والواشمة والمستوشمة " كما أخرج الشيخان وإبن ماجة عن أسماء أنها قالت " لعن عليه السلام الواصلة والمستوصلة "كما أخرج أبوداود مثله عن إبن عباس والشيخان عن عائشة وأخرج الستة مثله عن حميد بن عبدالرحمان بن عوف.
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــ
موضوعه : الانسان لا يملك نفسه ولا بدنه بل المالك هو الصانع الخلاق ـ الاعتداء على البدن والنفس دون إذن من الصانع هو إعتداء على الفطرة وعلى حق الصانع ـ التغيير في الخلق قائل بأن الصنعة ينقصها الجمال والكمال :
هذا حديث متعلق بالمرأة ولا يحسن بأهل العلم سوى التريث في قبول نصوص الحديث المتعلقة بالمرأة فيكتفي بما صح سنده وليس ذلك سوى ما تخيره أهل الحديث سيما الشيخان وأصحاب السنن الاربعة والموطأ والمسند فإذا ما إتفق على ذلك الشيخان فضلا عن أصحاب السنن وهو ما يعبر عنهم جميعا بالجماعة غير أنه قليل أو إنفرد بذلك شيخهم جميعا البخاري فإن طالب العلم يطمئن قلبه ثم يطمئن عقله بحسن التأويل بما ينسجم مع محكمات القرآن وليس ذلك من قبيل النبذ فضلا عن التخير الشهواني والعياذ بالله ولكن من قبيل إطمئنان القلب وإكتساب العلم الصحيح والفقه السليم فوجود المرويات الواهية الضعيفة ورواجها على ألسنة الناس عالمهم وجاهلهم علىحد سواء معلوم لدى طالب العلم وبعد ذلك كله لابد لنا من مداواة الواقع الانحطاطي عندنا أهل الشرق ومعالجة سهام التغريب فينا وبث الدعوة في صفوف أجيال غربية كثيفة تربت عقدا بعد عقد على ثقافة مادية لاتكاد ترى لنا معها سوى علاقة الادمية البعيدة جدا وكل تلك المهمات ليست رحلة مشوقة محفوفة بالورود والبسط بل هي عزائم تحتاج إلى العلم الصحيح والفقه الاحسن والبصيرة بالدنيا من حولنا بصيرة تامة ودون ذلك ليس سوى تقحم أمواج عاتية بسفينة مهترئة قديمة فيهلك ويهلك من معه ويعرض للناس أسوأ بضاعة إسلامية ينتجها عصر فينفر عن الدين الحق ويجرئ الناس عليه ويزيد إنبهار الناس بكل تفث الثقافات ويتخلف الاسلام الذي أريد له أن يقود القافلة ويشهد على الناس والسبب تفريط في العلم الصحيح والفقه الاحسن .
الحديث كما ترى معي لم يجتمع لغيره ما إجتمع له من أركان القوة سندا على الاقل أفلا يكفي أن يرويه الشيخان وأصحاب السنن الاربعة أي الجماعة فضلا عن الطبراني وغيره مما لم أورد هنا ثم ألا يكفيه أن يكون فيه إبن مسعود وإبن عمر وإبن عباس أي ثلاث من العبادلة أحدهم ترجمان القرآن وأسماء وعائشة وغيرهم ؟ ومما يشهد له من القرآن الايات الناعية على المغيرين لخلق الله سبحانه خاصة في سورة الانعام سورة التوحيد الكبرى وفي غيرها .
وقفة مع بعض مفردات الحديث :
الوشم هو غرز البدن بالابر وملء ذلك بالاثمد بغرض تثبيت صورة أو كتاب أو علامة أما النمص فهو نتف بعض شعر الحاجبين بغرض حسن الهيئة في نظر الفاعل وقال بعضهم هو نتف الشعر من الوجه ولكن الاول أولى أما الفلج أو التفلج فهو إحداث فاصل صغير بين الاسنان الامامية العليا لذات الغرض لمن ليس له ذلك خلقيا أما الوصل فهو ربط شعر الرأس كليا أو جزئيا بشعر آخر مجلوب سواءكان مصنوعا أو حقيقيا .
ملاحظات أولية مهمة بين يدي الحديث :
لاشك في صحة الحديث سندا وفق ما أسفلت سوى أن من خبر سنته عليه السلام لا يكاد يعثر على ألفاظ اللعن إلا يسيرا جدا فإذا ما إجتمعت لنا هنا الصحة مع اللعن فلا يليق بنا سوى رفع هذه الاعمال إلى مستوى يفوق الكبائر. كما أن شمول اللعن للفاعل والمفعول به سواء بسواء يرفع من خطر تلك الاعمال والشأن في ذلك كما تعلم هو شأن الخمر والربا أي أن اللعن فيهما وصل إلى حد عشرة . وبطبيعة الحال يستثنى من كل ذلك بمختلف ضروبه صاحب الضرورة وهي درجة فوق مجرد الحاجة ولاجلها تباح المحرمات لذاتها بينما تباح الاخرى للمحرمات لغيرها والضرورة المتعلقة بتلك الضروب من تغيير الخلق هي إما لازالة معلم شائه في الجسم سيما في الوجه معقد المحاسن وهو عادة ما يكون إستثناء نادر الوجود جدا والنادر لايقاس عليه غالبا وإما لضرورة طبية صحية .
رسالة الحديث وعلاقتها ببعض أسبابه :
من خلال مختلف الروايات يكتشف طالب العلم بيسر أن ضروب تغيير الخلق تلك كانت مألوفة في المجتمع الجاهلي وإنتقل بعضها إلى بعض نساء المجتمع الاسلامي وذلك مفهوم جدا لمن له معرفة بفقه الحياة وفقه التغيير حتى أن بعض العلماء ومنهم العلامة المرحوم إبن عاشور قال بأن ذلك نزل بقصد تطهير التوحيد الصافي من معافسة عادات المشركين كما هو الحال في بعض التشريعات الاخرى كزيارة القبور بين المنع والاباحة وغير ذلك ولاشك في أن ضروب التجميل المزيف تلك مألوفة عند المشركين ولكن قصر تحريمها سدا لذريعة الشرك فحسب لا أرى له وجها وجيها وهذا ينقلنا إلى الحديث عن رسالة الحديث وهي أن التميز من لدن المؤمنين حتى في وجوههم وجمالهم وزينتهم وسائر حياتهم فريضة من شأنها إكتساب التوحيد الصافي ومخالفة كل ضروب الشرك الظاهر والخفي وذلك من باب قوله " لكل أمة جعلنا منسكا " أولا ثم إن الرضى بصنعة الخلاق العظيم سبحانه وهي صنعة على أتم صور السواء وحسن التقويم مادة ومعنى من شأنه كذلك توطيد أركان ذلك التوحيد الصافي ثانيا ثم إن طموح الانسان عامة والمرأة خاصة بحكم غلبة غريزتها الفطرية في ذلك على الرجل حكمة منه سبحانه إلى الجمال والزينة في أعين الناس إثباتا للذات وتفاضلا ما يجب أن يتعدى الحدود الفطرية المعقولة ثالثا فمن ذلك مثلا أن وصل الشعر لغير حاجة ملجئة أو ضرورة صحية سوى إشباعا للنزوات تباهيا وإستكبارا تزييف خادع للناظر وكذب على الرائي سيما لو كان خاطبا أو ناويا للخطبة ومن عادة الشعر الخلقي الطبيعي إسباغ ما يكفي من الجمال على المرأة وأن النمص من الحاجب لا من الوجه لان ذلك ضرورة لابد منها للمرأة هو في الحقيقة نبذ للصنعة الاصلية الطبيعية ورفض لهيئتها سوى كون شعيرات ندت ونشزت عن السياق العام الجميل فذلك من باب التزيين المطلوب وهو بعد ذلك إعتداء على الفطرة الجمالية عند الانسان وحمل له على الاعتقاد بحكم الالف والعادة بأن الحاجب المنمص أجمل وهو غير صحيح وأن الفلج أو التفلج لمن لم تحظ بذلك خلقة هو كذلك تزوير وكذب على الناظر وترسيخ لمظهر خادع من مظاهر الجمال الذي هو عند المتفلجة خلقة وغيرالمتفلجة خلقة واحد وهو بعد ذلك مرتبط بالشفتين وهيئة البسمة والضحكة وسائرمكونات المشهد من الوجه معقد المحاسن أما الوشم فهو أشد الضروب إرتباطا بالشرك الجاهلي القديم والحديث سواء بسواء وهو أمر لم تسلم منه حتى العجماوات لاقديما ولا حديثا سواء شركا أو وسما توقيا للضياع وسواء كان الوشم إعتقادا أو تجملا فلا يشك أحد في كونه تشويه للوجه خاصة وللجسم عامة سيما أنه لا يزاح مع الايام إضافة إلى أنه تعذيب للانسان ومعلوم أن الجاهلية المعاصرة إستصحبت من ذلك مصيبتي الوشم والنمص والوصل على نطاق واسع عند المسلمات وعند غيرهم سواء بسواء ولايعلم سوى الله وحده الاثار الصحية للوشم والوصل وخاصة النمص وسيقول الطب يوما كلمته في ذلك وعندها يقلع الناس عنه مصلحة لا دينا .
فالخلاصة هي إذن أن الحديث جمع كل أسباب الصحة وبذلك يغدو اللعن ثابتا ضد النساء المسلمات اللائي يفعلن الوصل والوشم والنمص في أجسادهن أو في أجساد غيرهن سواء إعتقادا شركيا وهو الانكى والاخطر أو تجملا وتزينا بشئ مصنوع أو طبيعي والسر في ذلك هو أن ذلك يكرس عقلية مضادة لخلوص التوحيد والرضى بقضاء الله أو إستنقاصا من كمال الصانع وجمال الصنعة وإعتداء على حقه في النسخ والطبع والاخراج وهي حقوق معترف بها للمخلوقين فما بالك بالصانع الخلاق أو تنمية لغرور بارز ودعارة متبرجة تغرس الاستعلاء على الناس وتعلي من شأن المظاهر المادية على حساب الحقائق الروحية أو إمعانا في الاغواء والاغراء وتدليسا خاصة في حق الخاطب ومن يحدث نفسه بذلك وبكلمة فإن النمص والوصل والوشم إفتئات على حق الصانع وتدليس في حق الناظر وتشويش ضد النفس معل للمادة ومطمر للروح .
أما خلاصة الخلاصة فإنه ينبغي على المرأة المسلمة تحرير نفسها بنفسها من الاستلاب الحضاري الغابر والحاضر نشدانا للتميز الذي يحقق لها الوسطية بين الناس ومن ثم تقوم بدوها في الشهود عليهم باليقين والعلم والفقه وحسن السلوك وحسن المعاملة والقوة في سائر مظاهرها.أما الامة ( مؤنث العبد ) أو الجارية فلا يطلب منها تحرير غيرها قبل تحرير نفسها
-
رد: مــــائة مصباح من مشكاة النبــــوة
الحلقة السادسة والخمسون
أخرج الشيخان عن أبي هريرة عليه الرضوان أنه عليه السلام قال " قال الله تعالى : يسب بنوآدم الدهر وأنا الدهر أقلب ليله ونهاره " وفي رواية " وأنا الدهر بيدي الليل والنهار وإذا شئت قبضتهما" وفي رواية لمسلم " يؤذيني إبن آدم يقول يا خيبة الدهر ".
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــ
من شواهده " وتلك الايام نداولها بين الناس " و " يقلب الله الليل والنهار..." وغيره
موضوعه : تعليق فشلنا على مشاجب الدهر لا يليق بحرية إرادتنا وحملنا للامانة :
أشكل قول الحديث القدسي هذا " وأنا الدهر " على بعض العلماء وذلك بإعتماد الفهم الحرفي المقتضي لكون الدهر إسم من أسمائه سبحانه وهو ما لم يرد مطلقا بل يتعارض مع القرآن الكريم حاكيا عن الملاحدة قولهم " وما يهلكنا إلا الدهر " فأول بعضهم ذلك بنصب كلمة الدهر فيصبح المعنى أنا الدهر أقلبه وأقبضه . ومعلوم أنه سبحانه أقسم بالعصر وهو الدهر في رواية في سورة العصر أما قسمه بمكونات مشهد الدهر من شمس وقمر ونجم وليل ونهار وضحى وفجر فهو كثير وإيراده لها ولغيرها مما يغرس التوحيد الصافي في النفوس فهو أكثر والدهر لغة هو العصر في سائر أزمنته الماضية والحاضرة والمقبلة فالدهر هو الزمان مطلقا ولاشك أن المعنى الاقرب إلى الصواب هنا هو قولنا أنه سبحانه لايرضى للناس سب الزمان والمكان وسائر ما هم ليسوا بمخيرين في فعله لان من شأن ذلك تعويدهم على تبرير فشلهم وإنغماسهم في حياة السلبية وعدم تحمل المسؤولية والركون إلى تعليق الاخفاقات التي ليسوا سوى هم سببها الاول على مالا ناقة له ولاجمل فيها كالزمان والمكان والحال والعرف وسائر المتغيرات وكافة الجامدات وغير المكلفات بصفة عامة وهو ما يتناغم مع تكريم الله للانسان وتأهيله بالعقل وبالحس لحسن الخلافة عنه ولو إنغرس هذا الشعور من سب الدهر ولعن المكان والتطير والتشاؤم في قوم إلى حد بعيد لانتقلوا إلى ما إنتقل إليه إخوانهم من المشركين الاوائل الذين نزل عليهم القرآن يصحح عقائدهم ونظرتهم إلى أنفسهم وإلى الحياة والوجود ومعلوم أن بعض المشركين يعبدون الشمس وهي من أبرز مشاهد الزمان والدهر والعصر وبعضهم يعبد القمر وبعضهم يعبد الليل وبعضهم يعبد النهار وبعضهم يخاف الجن فيعبده في القفار ولم يسلم واحد منهم من عقيدة شركية تخضد العقل وتحط من قدر الانسان فراحوا يعبدون مختلف مظاهر الطبيعة من زمان ومكان ومعالم حتى قال شاعر مصححا الامر " نعيب زماننا والعيب فينا وما لزماننا عيب سوانا ".
فالحاصل أن الله هو الدهر بمعنى أنه هو الاول والاخر والظاهر والباطن كما ورد في فاتحة سورة الحديد وكذلك الدهر بالنسبة للانسان قصير النظرة هو أول وآخر فالانسان ولد والدهر كائن ويرحل عن الدنيا وهو دوما كائن لا ينقضي والله هو الدهر بمعنى أنه يقضي فيه ما يشاء ويقلب ليله ونهاره ويخلق ما يشاء في كل حقبة منه من الانسان ومن سائر ما شاء سبحانه فالدهر هو وعاء عبادتنا ومناخة إبتلائنا ومسرح خلافتنا فلا يسبه سوى متهرب من مسؤوليته ومتفص من أمانته وعاجز متواكل عن عمله وخائر الارادة فاقد للامل بظنه أن الدهر يمكنه أن يغير من حاله دون عمل منه وهو قريب مما يفعله السحرة والمشعوذون والكهان وقارئو الفنجان والكف والمتعلقون بطوالع النجوم فهؤلاء يعبدون الدهر ومعالمه ورسومه ومشاهده ويعلقون فلاحهم وطلاحهم عليها والاسلام لم يأت سوى لمحاربة هذا الوهن العقلي والكسل النفسي .
نحن اليوم أيضا نسب الدهر فهل وعينا وإنتهينا ؟:
السب والشتم واللعن وسائر ما في حكم ذلك هي بنات لام واحدة هي الانتصار للنفس بغير حق والحط من قيمة المسبوب وفيه ما فيه من التطير والتشاؤم وكل كلمة تؤذي غيرك عاقلا كان أم جمادا هو سب سواء كان المسبوب يحمل ذلك أو لا يحمله ومن أروع ما ورد في ذلك من الحكمة النبوية العظيمة نهيه عليه السلام المؤمن من لعن الشيطان الرجيم معللا ذلك بأن اللعن بالنسبة للشيطان يقويه ويجعله ينتفش ويفتخر دالا عليه السلام إلى إستبدال ذلك اللعن بالبسملة وهوأمر خاص بالشيطان فلا يوجد مخلوق في هذه الدنيا يزيده اللعن زهوا سواه والحكمة في ذلك هي أن اللاعن ولو لشيطان رجيم عادة ما يكون سلبيا خائر الارادة يعتقد ولو خاطرة دقيقة رقيقة لا ترصدها أشد المجاهر النفسية قوة في الرصد أن للشيطان قوة وحولا وذلك الاعتقاد هو الذي يجعل الشيطان يزهو ويفتخر أما العدول عن ذلك وإستبداله بذكر إسم الله سبحانه فإنه يعكس إرادة قوية ونفسا سوية لا تأبه بالمعوقات والحبائل بل تمضي دوما قدما رغم كثرة الحواجز . فالسب إذن بالخلاصة هي خصلة العجزة حتى لو كان ذلك ضد الشيطان الرجيم والسب مكروه عنده سبحانه بشكل لا يصدق حتى أنه نهى عن جرالانسان السب لوالديه فلما إستعجب الصحابة ذلك قال بأن سب الوالدين هو سب الناس الذين يسبون والديك والامر ذاته ورد في القرآن في شأنه سبحانه " فيسبوا الله عدوا بغير علم " فليس السب ممقوت فحسب بل سائر الذرائع المفضية إليه مهما كانت بعيدة أو خفية وليس ذلك سوى أن السب خلق العاجزين وهو مورث للتواكل والكسل ونبذ العمل ولسائرما يهين الانسان الساب .
أمثلة حية من سبنا للدهر :
قولنا " زمان نكد " وسائر ما يدخل تحت ذلك وليس معنى ذلك أن كل قائل لذلك يعي حقيقة ما يقول منتبها غير غفلان ولكن أغلب المسلمين اليوم الذين يستعملون مثل تلك العبارات إنما تجري على ألسنتنا جميعا بحكم الالف والعادة وإضافتنا النكد للزمان هو سب له لا يشفع لنا أننا نقصد أن زمانا تنفذ فيه الظالمون وبرز فيه المنافقون وغمط فيه أجر المخلصين والمؤمنين هو زمان نكداء أهله من أهل الظلم وليس هو نكد .
قولنا " من سخرية الاقدار " وهذا يسري على ألسنة الاعلاميين سريان الماء والهواء وللامانة فلم أر ناكية أنكى على اللغة العربية مباني ومعاني من الاعلاميين ولا يزيد تلك الناكية نكاء سوى أن الناس اليوم يتأثرون بالاعلاميين في كل شئ تقريبا حتى في أسلوب الخطاب وطريقة اللكن والرطن وكلمة سخرية الاقدار سب للاقدار والاقدار هي من الله سبحانه سواء كان للانسان فيها ناقة أو جمل أو لا ناقة له فيها ولا جمل كما وقع في تسونامي أخيرا سوى ناقة بعيدة خفية لا نتعرض لها الان فكلمة سخرية الاقدار هو سب لله سبحانه وهو أعظم من سب الدهر فالاقدار لا تسخر ولا تقع صدفة ولكن كل شئ عند ربك سبحانه بقدر مقدر .
قولنا " تهود الزمن أو تصهين أو تنصر أو تعس الدهر ..." وغير ذلك كثير وفي ظني أنه يلتحق بسب الدهر وعادة ما تسرح أقلام الادباء بعيدا وتند بهم ريشاتهم الساحرة طويلا فينسبون مثل ذلك وغيره للزمان والدهر والليل والنهار ولا ينكر الناس عنهم ذلك بفعل سحره البياني وبديعه البلاغي ولكن الفن في الاسلام محكوم بالاسلام وليس حاكما عليه وليس ذلك من باب الحجر على الابداع الفني في كل ضروبه ولكن ذلك من باب تهذيبه لان رسالة الفن الاولى هي تهذيب الاذواق وتنمية العواطف وترشيد الحس بالجمال والزينة ولابأس ربما باليسير من تلك العبارات لماما أما أن يدندن حولها الاعلامي والاديب والشاعر بإسم الابداع وحرية التعبير حتى ينغرس في عقله وفي عقل من هو به متيم إلى حد تحول الشخصية من التوكل إلى التواكل ومن القوة إلى العجز ومن أخذ الامانة والمسؤولية بقوة إلى التفصي والتهرب فذلك هو عين ما جاء الاسلام لحربه والكلمة بمختلف فنونها بالامس واليوم وغدا هي التي تصنع الناس وليس غير الكلمة يصنع الناس في كل زمان وفي كل مكان لذلك لابد من تسديد الكلمة وترشيد العبارة .
قولنا " فسد الزمان " وما في حكم ذلك وهو شبيه برواية مسلم " يا خيبة الدهر " وهو كذلك في ظني من باب عدم ضبط التعبير وفق المنهج القرآني بدقة وذلك رغم أن كلمة فساد الزمان سارية على ألسنة كثير من خيرة العلماء والفقهاء والصلحاء والدعاة ولكن الحق أحب إلى كل مؤمن من كل صاحب حق فالزمان لا يفسد ولكن يفسد أهله وهو لا يتصهين ولا يتهود ولايتنصر ولكن يفعل ذلك كله وأكثر منه أهله .
ملاحظة ختامية مهمة :
ليس فيما سلف كدر عيش على أحد علا كعبه في العلم والحكمة أو في الادب والفن أو فيهما معا سوى أن من تمام كمال المنهج الاسلامي قرآنا وسنة أنه علمنا حتى كيف نتكلم ونخاطب ونشيد الفنون والاداب ولكن بالجمع في ذلك بين الكلمة الصادقة البليغة الهادية الحكيمة المبينة في مبناها ومنزلتها ووزنها حسب سائر الظروف المحيطة بها وبين غرس معاني الاسلام وخاصة التوحيد الصافي في قلوب كل الناس فالقرآن مثلا وهو يحدثنا عن الحياة الجنسية وكثير من جوانب الحياة الخاصة جدا بالانسان بلغ حد الكمال في التعبير عن المقصود الذي لم يخطئ فهمه أحد بكلمة مجازية تربي الناس على الطهر مقرونا بالفقه في آن واحد وقس على ذلك سائر ما تناوله المنهج البياني الاسلامي جمعا بين خير مبنى وخير معنى ولنا في ذلك ولاريب درس بليغ في إختيارعباراتنا في كل حال ونحن جديرون بالحكمة وفصل الخطاب
-
رد: مــــائة مصباح من مشكاة النبــــوة
الحلقة السابعة والخمسون
أخرج إبن ماجة وإبن حبان عن إبن عباس والترمذي عن إبي أمامة أنه عليه السلام قال " ثلاثة لاترفع صلاتهم فوق رؤوسهم شبرا : رجل أم قوما وهم له كارهون وأخوان متصارمان وإمرأة باتت وزوجها عنها ساخط ".
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــ
موضوعه : حسن العلاقة مع الله لا سبيل إليها سوى بحسن العلاقة مع عبادالله :
هذا كغيره من بعض الاحاديث الاخرى تهديد مزعج وتأنيب شديد وتوبيخ كبير لا يملك قلب فيه بقية من حياة عند المرور به سوى الانحناء حياء والامتلاء خوفا كيف لا وهو يرسم طريق القبول عند الله سبحانه بمنهج آخر غير ذلك الذي درج عليه العلماء والفقهاء الذين حبروا طويلا في نواقض الصلاة فلم يتجاوز مبلغ علمهم ظاهرا من الامر لا يغني ولا يسمن من جوع يوم يخرب الباطن وتتعفن الرئى لا بل كيف لا ولا يكاد يسلم واحد منا اليوم من الاصطدام بواحدة على الاقل من تلك العثرات التي نصبها محمد عليه السلام بوحي من ربه سبحانه في طريق السالك إلى الله سبحانه فالتصارم بيننا أصبح خبزا يوميا يندر جدا أن تجد مسلما اليوم في نجاء من ذلك الداء الوبيل وأندر منه من يتهم نفسه في ذلك بحضرة المصارم أو المصروم أما عن حال الاسر والبيوتات فلا تسأل . أظن أن من لم يزلزله حديث من هذا فليس له سوى أن يعود طبيبا نطاسيا مختصا في شفاء النفوس وإبراء القلوب وهو طبيب واحد وعيادة واحدة تسندها صيدلية واحدة ويعمرها صيدلاني واحد فأما الطبيب فهو القرآن الكريم وأما العيادة فهي التلاوة فجربها يرحمك الله ولكن ليس على أساس أنه ورد يومي تتخلص منه ثم تتباهى عند نفسك بل لا تبرح آية واحدة طال ما طال الزمان بك كلما وجدت وقعها في نفسك مسيلا للدمع واعظا للقلب مداويا للنفس نادما على ذنب ولو كان ذنب الغفلة والتفريط في الانس بقربه سبحانه فالعبرة بعيادة طبيبك هي بتأثير الدواء فيك وتحسن حالتك الصحية وأما العيادة فهي السنة والصيدلاني لهو محمد عليه السلام فعش معه في سنته وسيرته طويلا متوقفا متأنيا متريثا جامعا بين حسن الفهم وحسن التأثر دون إستعجال الناقرين وفرار المذعورين وجرب هذا أيضا . إذا ما إطلعت على هذا الحديث اليوم فلا يحسن بي وبك سوى تفقد الحال ومحاسبة النفس بشرح وصرامة وعبسة لعل السبيل إلى ربك عبر معراج الصلاة التي تتباهى مع نفسك بإقامتها موصدا مذ صارمت فلانا أو صرمك فلان أو مذ أممت الناس بكل أشكال الامامة المعروفة عند الناس وهم لك أو لامامتك كارهون أعني في أغلبهم أو مذ ولول السخط في جنبات البيت الدافئ فألجأ زوجة إلى رد فعل غاضب أو مرد به الزوج على جلب موجبات السخط الالهي والعياذ بالله سبحانه إلى زوجته ثم إستأنف صلاتك وعبادتك وراجع أمرك وفق هذا المنوال مرة بعد مرة ألست تزيح حاجزا من أمام سيارتك أودابتك ينغص عليك سلامة الدرب أو يهدد حياتك جيئة وذهابا إلى عملك أو مدرستك ؟
هذا مجال حي لتجديد التدين وتجديد الفقه فدونكه :
مر بنا فيما مضى حديث عن تجديد الدين من خلال حديث فيه واليوم نلتقي مع مثالين عمليين لذلك أحدهما لن أتوقف عنده وهو ما شرحت منه آنفا ما تيسر لي وملخصه أن تجديد التدين يعني هنا محاسبة النفس ومراقبة السلوك عبر تنظيم عيادات دورية لجهازي القلب والعقل لدى طبيب القرآن وصيدلية السنة وهو تجديد عملي يصقل الروح ويشحذ الارادة وتحتاجه النفس إحتياج الجسم لحمام بارد يقضي عنه قحط الهجير أو لحمام دافئ يسكن لوعة البرد فيه فالتجديد سنة كونية وإجتماعية ماضية مطردة ألست ترى شمسك وهي هي تتجدد لك مع كل صبح متزينة بضحى جديد وشعاع جديد وكذلك ليلك ونهارك وقمرك بل وخلايا جسمك وعمرك لولا أنه يتجدد ليهرم فكيف تمنع التجديد عن تدينك ؟ أما المجال الثاني للتجديد هنا فهو تجديد الفقه أي تجديد العلم بمسالك التدين وهو أمر لم يأخذ منه تراثنا حظه الاوفر وخاصة فيما يهم فقه القلوب وفقه النفوس أي البعد الباطني من الانسان ولكم أرجو من كل مسلم ومسلمة على وجه هذه البسيطة أن يجمعوا إلى جانب تفقهم في التدين من خلال مادة الفقه المعروفة بكتبها الكثيرة فقها آخر لم يهمله القرآن ولا السنة لا نظرا ولا عملا بل ركزا عليه كثيرا وهو مبثوث في القرآن من خلال القصة والمثل والكون والموت والقضاء والقدر لا يفارق صفحة واحدة تقريبا من صفحات القرآن الكريم وإذا كان من كتب في ذلك قليل فإن ذلك لا يدعو لاهماله كلما كانت أسفارا جليلة من مثل إحياء الغزالي وكثير من كتب إبن القيم موجودة بيننا ومما دعا إليه أكثر من فقيه معاصر منهم الدكتور عبد المجيد النجار وغيره كثير منذ سنوات بعيدة هو إعادة التأليف الفقهي ضمن موجهات ثلاث وهي : الحكم الفقهي و علته ومقصده و معناه الروحي وبذلك يكتمل لطالب العلم الغذاء النفسي والوجبة القلبية التامة فهل من فقيه نحرير أو مجمع علمي أو ثلة من الفقهاء يتصدون لعمل كبير عظيم جليل الفائدة مثل هذا .
أليس من الغمط إيصاد الباب أمام صلاة الناس نحو ربهم وربها :
سؤال مشروع لو كنا مسيحيين أما ماهو مقرر في ديننا بما فيه الكفاية فهو أن الطريق إلى الله إبتغاء غرفة آمنة هادئة مطمئنة تجبى إليها ثمرات كل شئ في طور المستقبل الحقيقي الابدي بعد الموت الذي يتخطفنا صباح مساء شبانا أصحاء فضلا عن شيوخ هرمين .. تحرسه بوابات في يد ملائكة تماما كما هو الحال عندنا في الدنيا في بعض الطرق السيارة في أوربا لا تدع سالكا يمر دون الاستظهار بما يثبت دفع الاداء والاداء نحو السماء هو ما ذكره عليه السلام في هذا الحديث من إمامة مزكاة من الناس وأسرة ينأىعنها السخط وأخوة لا صرم فيها والهوية هي الاسلام والصلاة . وليس في تلك الحراسة والاجراءات المفروضة على الطريق إلى السماء من غمط لان صاحب السماء ( وهو الذي في السماء إله وفي الارض إله ) أراد بناء كونه على ذلك المنوال فهل يسأل مالك عن فلسفة تنظيم ملكه لا بل مالكك هذا شرح لك بما فيه الكفاية علة ذلك ومقصده منه وقال لك بصريح العبارة بأن ذلك لمصلحتك أنت وحدك اليوم وغدا فلم الاعتراض بينما تبكت ألسنتنا تكبيتا لو كان الامر متعلقا بتنظيم بشري فيه ما فيه من الحيف والجور ؟
الحديث يرسم المقصد الاسنى من الصلاة وهو : الصلاة منهج لبسط الامن والسلام في الارض :
لو إستخدمنا آلية معروفة عند الفقهاء إسمها مفهوم المخالفة أو قرأنا الحديث قراءة عملية لقلنا بإطمئنان بأن الحديث يرسم مقصد الصلاة الاسنى منها وليس هو كما ترى معي سوى أن كل تلك التشديدات في قبولها وفتح الابواب أمامها إلى السماء لاقتناء تذكرة إلى الجنة إنما المقصد منها إعادة إقامتنا جميعا للصلاة وهو تصاحبنا بمعدل أربع ساعات على مدار الحياة على أساس أن تكون منهجا لبسط السلم والامن والطمأنينة والحب والتعاون والتضامن والاخوة بين الناس أجمعين سواء في إمامة الصلاة أو إمامة الدنيا أو في البيت من باب أولى وأحرى أو في المجتمع.
المركز الاول للتفتيش على الطريق إلى السماء هو : مركز الامامة الشورية لا الاغتصابية :
ليس ثمة دليل واحد يقصر الحديث على إمامة الصلاة دون غيرها بل إن منهج الاسلام يقول بأن الامامة في الدنيا أخطر من الامامة في الصلاة واليوم أخطر الامامات هي الامامة السياسية تبعا لمعطيات معروفة عندكم جميعا ولكن لك أن تسألني قبل ذلك هل يصلي حكامنا حتى تقبل منهم الصلاة أصلا ؟ وسائرالامامات في الدنيا وفي المساجد هي معنية بالتفتيشات في هذا المركز الحدودي الاول حتى أن الامام القرضاوي أفتى بجواز إنتخاب إمام الصلاة لو كانـت أيلولة أمر حسن التعامل والادارة والاخوة والتفاهم في المسجد وخاصة في الغرب لايتم بسوى ذلك على ألا يكون ذلك أسلوبا دارجا عاما ولكن للخروج من سوء تفاهم يعصف بالمؤسسة بأسرها .
المركز الثاني للتفتيش على الطريق إلى السماء هو : مركز المجتمع المتآخي لا المتصارم :
الحد الادنى المطلوب من الاخوة حتى لا يكون إنعدامها ناقضا من نواقض الصلاة هو إفشاء السلام عند اللقاء إنشاء وردا سواء بسواء ثم يليه التدخل حال الترح والفرح تعزية وتهنئة ولو بكلمة وليس لحدوده القصوى حد سوى حد الايثار بمثل ما فعل الانصار مع المهاجرين أما الحب والكره ودرجاتهما فهي عادة ما تكون من الامور التي لا يملكها الانسان كثيرا رغم مسؤولية عنها إنشاء وتغذية وقتلا غير أن ذلك يمكن أن يفضي إلى ماهو أنكى من رفض قبول الصلاة وهو الحسد والناس في ذلك قلبا وقالبا درجات كثيرة وبقدر ما تكون درجة تلك الاخوة الاسلامية متعززة بمقومات أخرىمن مثل الرحم والجيرة والحاجة وسبق الفضل تكون المصيبة أو النعمة .
المركز الثالث للتفتيش : مركز الاسرة المتآلفة رغم المشاكل لا المليئة سخطا بعضها على بعض:
للزوج على زوجته حقوق عظيمة تماما هو الشأن بالنسبة إليها عليه والقاعدة في ذلك هي " ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف " و" النساء شقائق الرجال " غير أن الحديث يشير إلى أمر عادة ما تقع فيه بعض النساء وهو إستخدام بعض ماوقع في اليوم من سوء تفاهم تعلة لهجران زوجها ليلا وهو تخبيل وخلط فإذا ما أوى الزوجين إلى فراش الزوجية الدافئ ليلا فإنه أحرى بهما سوية تبادل التسامح أو تأجيل الثارات للغد أما أن يبيت كل واحد منهما ساخطا على الاخر سواء على ذات الفراش أو متفرقين فلن يزيد المشكلة سوى تعقد سيما إذا كان الزوج يهم بسفر طويل أو تغشى الزوجة ما يغشى بنات جنسها من ألم دوري .
فالخلاصة هي إذن أن ناقض الصلاة الاكبر الذي لم يتعرض له الفقهاء وتناساه كثير من المسلمين هو حجز الصلاة عن تأدية مقصدها في الحياة وهو بسط الامن في الاسرة والمجتمع والمسجد والحياة بأسرها عبر التشاور والتراضي وتلك هي بوابة القبول وتأمين المستقبل الارغد ليوم غد.
-
رد: مــــائة مصباح من مشكاة النبــــوة
الحلقة الثامنة والخمسون
أخرج البخاري عن أبي هريرة أنه عليه السلام سئل عن الساعة فقال " إذا ضيعت الامانة فأنتظر الساعة " فقال السائل " وكيف إضاعتها ." فقال عليه السلام " إذا وسد الامر لغير أهله ".
ــــــــــــــــــــ
من شواهده " يسألونك عن الساعة أيان مرساها فيم أنت من ذكراها " و" يسألونك عن الساعة قل إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلاهو ثقلت في السماوات والارض لا تأتيكم إلا بغته " و" يسألك الناس عن الساعة قل إنما علمها عند الله ". و" إن الله يأمركم أن تؤدوا الامانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل " الخ ...
موضوعه : الانسان رسول ذو أمانة حياته في أدائها وموته بتضييعها وتلك هي الساعة:
أورد القرآن الكريم في مواضع لا تزيد عن ثلاثة أسئلة الناس عن الساعة أي القيامة فكان كل مرة يوجه السائل وسائر من بعده إلى الجانب الايجابي الذي عليه أن يتحلى به لمواجهة حسابه يوم تقوم الساعة وعدها من المغيبات التي لا يعلمها حتى أقرب الناس إليه من مثل محمد عليه السلام " إن الله عنده علم الساعة ..." فيما سمي بالمغيبات الخمس وبذات الطريقة سار عليه السلام مع السائلين عن الساعة فقال لاحدهم " وما ذا أعددت لها " وقال لاخر " ساعتك يوم مماتك " وقال للاخر ما نحن بصدده الان .
الانسان ذلك المجهول أو لم الحرص من الناس على معرفة المستقبل ؟:
إذا كان الدكتور ألكسيس كاريل وصف الانسان بأنه مجهول بحكم تخصصه الطبي في كتابه البديع القيم ليقف الانسان الغربي المتمرد المتأله المزهو المتبطر ببعض ما كشف الله له من مكنون غيبه وما من عليه بملكة عقله .. فإنه آن لعلماء النفس من المسلمين وضع مؤلف شبيه يقف على مجاهيل الانسان النفسية ويشرح جهازه النفسي تشريحا يساعد على فهم لحسن تربيته وتنشئته طفلا وحسن التعامل معه مراهقا وحسن سياسته راشد مكلفا مسؤولا كما يساعد المؤمنين على كسب خير في إيمانهم ويساعد غيرهم على الايمان به سبحانه ومن تلك المجاهيل التي كشف عنها القرآن في الطبيعة النفسية البشرية حب الانسان لمعرفة المستقبل القريب والبعيد على حد سواء سواء ما تعلق به هو أو ما بعد عنه وهو حب ينبع من غريزة حب البقاء وعبر عنه القرآن بصيغة أخرى غير بعيدة من هنا وهي " وكان الانسان أكثر شئ جدلا " وليس الجدل دوما مذموما ولكن المذموم منه ماكان مفسدا للاخوة أو متعلقا بما لا يعنيه أو مالا يقوىعلى علمه والحكمة أظنها ظاهرة جلية لكل إنسان من إخفاء ميعاد الساعة وليست هي سوى البرهنة على قدرته وعظمته وألوهيته ووحدانيته سبحانه من جهة وصرف الناس إلى الايجابية العملية بدل الانتظارية التي أهلكت يهودا وكادت تؤدي بغيرهم ممن عطل العمل وبعض الشرائع بدعوى غياب الامام أو المهدي لولا إصلاحا حديثا نسأل الله له الثبات والسداد وذلك فضلا عن أن معرفة الانسان لميعاد موته أو الساعة لاغ لمقصد الابتلاء غير أن ذلك لا يمنع الانسان من حسن التخطيط في سائر مجالات حياته كأنه يعيش أبدا شريطة أن يقابله إستعداد للرحيل بالتوبة والعبادة والانفاق وفعل الخير ونصرة المظلوم كأن الانسان يموت الان كما ذكرت الحكمة .
وقفة قصيرة مع الحكمة النبوية في تغيير التفاعل بتغير موجباته :
ليس عندي أدنى شك في أن أكثر ما ينقص الناس اليوم مؤمنهم وكافرهم هو الحكمة فبها يغدو الكافر مسلما أو مسالما على الاقل غير ظالم وبها يغدو المؤمن إماما وليس إمعة وأشهد أني لم أر بعد دراسة لما تتخطى الشطآن أحكم منه عليه السلام وفي تغير إجاباته في هذا المقام عن الساعة وفي كثير من المواطن الاخرى دليل على أنه يعامل كل سائل بما يستحقه بما يعني أنه لا يعلم الاجوبة الصحيحة فحسب بل يعلم حال السائلين من جميع الجوانب نفسيا وفكريا وما إلى ذلك وليس من ضرورة ذلك أن يكون علم الواقع هنا بتعبيرنا المعاصر وحيا منزلا بل لما إتسم به عليه السلام من إهتمام وحنكة وحكمة وذكاء وفطنة وحضور بديهة كيف لا وقد إختير معلما للبشرية بأسرها وتلك هي الحكمة التي يحتاجها خلفاؤه من السائرين على دربه علاجا للمشكلات وهداية للناس أما التمترس وراء أريكة الافتاء توزيعا لصكوك الغفران بأجوبة معدة سلفا لا صلة لها بدنيا الناس ولا بواقع الحياة فذلك لا يليق بسوى الدغمائية الكنسية .
ماالعلاقة بين الامانة وبين الساعة :
الامانة بحسب القرآن أقرب إلى الامانة الكبرى أي أمانة الاستخلاف والقيام بالقسط وذلك واضح من خلال السياقات ولا ينفي ذلك شمولها تأدية للامانة الصغيرة الخاصة بزيد أو بعمرو رغم أن هذه تناولتها السنة كثيرا فالكتاب والسنة يتبادلان أدوار الهداية والتوجيه فعادة ما يقوم القرآن بدور الكليات الكبرى والسنة تعتني بتفاصيل الحياة فالامانة في القرآن جاءت مشروحة بقوله " وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل " كما جاءت مجتمعة مع العهد " والذين هم لاماناتهم وعهدهم راعون " وجاءت صريحة في تعينها بالامانة الكبرى أمانة الحياة " إنا عرضنا الامانة على السموات والارض ... وحملها الانسان " وجاء هذا الحديث ليثبت تلك الصراحة فذكر بأن توسيد الامر لغير أهله مؤذن بقيام الساعة والامر يعني دوما في القرآن والسنة ما لم يحدد أمر الخلافة ومسؤولية الانسان عن حياته وحياة بني جنسه في الدنيا وهو هنا أمر الحكم والمسؤولية في كل رتبة ومستوى من الاسرة إلى الامامة السياسية مرورا بالمسجد وسائر مكونات المجتمع في سائر مناشطه فكل مسؤولية هي أمانة صغيرة كانت أم كبيرة .
هل هي ساعة معينة محددة أم الساعة العظمى :
قال بعض العلماء معنى ذلك أن ساعة إندثار كل مجموعة كبرت أم صغرت ولو كانت أسرة أو صلاة جماعة فضلا عن دولة وشعب ومجتمع وأمة مرتهن بتضييع الامانة فيها أي بتولى الامر فيها كبيره وصغيره مقرونا أم مفروقا من لدن غير أهله قوة وأمانة بتعبير بنت شعيب عليه السلام وقال آخرون معنى ذلك أن من العلامات الكبرى لقرب الساعة هو تضييع الامانة في الناس أي تولي غير الامناء ولا الاقوياء أمرهم والمعنييان لا يتناقضان بل يتكاملان وما ينبغي ذلك أن يشغلنا كثيرا إنما الذي لا بد له من شغلنا فهو الجانب الايجابي من الحديث أي كيف نتدارك إندثار تجمعاتنا من الاسرة إلى الامة إلىما بعد ذلك إن أمكن وذلك بمحاصرة مسلسل إضاعة الامانة بتولية سائر أمرنا الاقوياء الامناء وليس هم سوى من نختار نحن أهل الامانة لان الساعة يوم تقوم لا تقوم على من ظلم منهم وتعفينا نحن المستضعفين من الحساب بل يقال لنا كما قيل لمن قبلنا الذين تذرعوا بالاستضعاف " ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها " ثم توعدتهم بالنار والعياذ بالله لاهمالهم أمر الامانة العظمى وتذرعهم بأن القوى الدولية المحيطة أقوى من أن تناصب العداء رغم ظلمها الذي لا يطاق وليست اليوم الهجرة سوى آخر أسلوب المقاومة لرد الامانة وتوسيد الامر فينا للاقوياء الامناء والمهاجر كما عرفه محمد عليه السلام ليس هو سوى " من هجر ما نهى الله عنه " والله نهى عن توسيد الامر لغير أهله وهجران ذلك بالعمل الجماعي الدائب المخلص وليس ذلك يؤتي أكله سوى بعد عقود بل قرون فليس هو حقلا يبذر فيه صباحا ليجنى مساء بل هي عزيمة أمة لما بصر الفاروق بتراحم أجيالها أجل من أجل ذلك تقسيم أرض السواد في إجتهاد غير مسبوق في الكون بأسره سوى من معلمه معلم الناس الخير عليه السلام .
ملاحظة صغيرة في الاثناء :
ليس من حسن الفقه عن الله وعن رسوله عليه السلام الاشتغال من لدن طلبة العلم بأمارات الساعة وخاصة الصغرى منها لاسباب منها أولوية غيرها عليها بما لايحصى من الدرجات ومنها غلبة الروايات الواهية فيها على الصحيح وهي غيب مغيب لا يصلح معه سوى صحيح الصحيح ومنها بضاعتنا المزجاة في اللغة وفي عمليات الترجيح والرد والتعليق والتصحيح وليس هذا مطلوبا منا ومنها أن المنهج الاسلامي في ذلك واضح صحيح صريح : العبرة بالايمان بها والاستعداد لها ودون ذلك شغب مشاغبين أو لهو برئ من صبية ومنها أنه في زماننا هذا ربما دون غيره لا تزيدنا تلك الامارات سوى يأسا من أنفسنا ومن الناس ومن عزائم التغيير والاصلاح وهو خلاف ما تريده تلك الامارات بالمطلق وذلك حتى نتهيأ لذلك على جميع الجبهات وعندها لكل حادث حديث .
فالخلاصة هي إذن أن إجتناب ساعة تجمعاتنا القريبة والبعيدة والصغيرة والكبيرة من أسرة ومسجد ورابطة ومجتمع وحكومة وأمة بما يفرق شملها ويلغي دورها إنما يكون بالحرص منا جميعا على أن نتولاها نحن عبر إستخدام الاقوياء كفاءة مهنية الامناء إخلاصا لله فيها ودون ذلك لاوريب موت زؤام وعذابات شديدة ومحن تفت من عواتق الجبال أما الانسان فيتحملها بتضامن الاجيال والروابط . الخلاصة هي أننا أحياء في سائر مواقعنا بالشورى والاخوة والتضامن والتناصح والعدل أو أموات بدون ذلك فهلا إخترنا الحياة حتى لومات منا الكثير أو ترانا نختار الموت حتى لو عشنا ولكنها عيشة ضنكا وحشرا أعمى .
-
رد: مــــائة مصباح من مشكاة النبــــوة
الحلقة التاسعة والخمسون
أخرج البخاري ومسلم ومالك عن أبي هريرة عليه الرضوان أنه عليه السلام قال " تجدون الناس معادن خيارهم في الجاهلية خيارهم في الاسلام إذا فقهوا وتجدون خيار الناس في هذا الشأن أشدهم له كراهة وتجدون شر الناس ذا الوجهين الذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه ".
ــــــــــــــــ
موضوعه : ليس بعد النفاق خسة وهوانا والانسان عجينة تربيته والاسلام زينة :
الحديث كما ترى معي متفق عليه بين الشيخين وبعد ذلك ضم الموطأ ضلوعه غيرأن ذلك لا يغني من حسن فقه متنه وهو من الاحاديث القليلة التي تتحدث عن الجهاز النفسي للانسان أو البنية الروحية له والانسان بذلك مكرم أما الجسم فسرعان ما ينهكه الهرم وتفترسه الديدان.
الناس هنا بحسب الحديث أصناف ثلاثة ومن الطريف أن الحديث إستخدم فعل المضارع تجدون مرات ثلاث بما يعني أن الامر ثابت من ثوابت النفس البشرية وفق ما تلهمها معطياتها سواء الفطرية أو المكتسبة وبذلك يغدو القول من لدن الجهلى بأن التطور يأتي على الانفس في بنيتها النفسية العظمية الاصلية ضغث أحلام من أحلام اليقظة أو لغو من أحداث الاسنان . كما أن لفظ الناس تكرر في هذا الحديث القصير ثلاثا مصاحبا لكل ضرب من ضروب الناس هنا بما يفيد بأن الامر متعلق بالانسانية جمعاء غير محصور بكفر أو بإيمان أو عصر أو مصر وهو مايسمى في أصول الفقه العموم المطلق . كما يثبت الحديث حقيقة علمية نفسية مفادها أن الناس معادن تسري عليها الاختلافات واالتنوعات والتعدديات وذلك مصداقا لقوله " ومن الناس والدواب والانعام مختلف ألوانه كذلك إنما يخشى الله من عباده العلماء " وحصر الخشية وهي مقصد الخلق والحياة طرا على العلماء في هذا السياق المحدد لا يعني سوى أن أكبر علم موصل إلى أكبر سنة كونية وإجتماعية تفضي بدورها إلى أعلى فقه وهو فقه التوحيد رسالة الوجود الانساني هو علم قانون الزوجية الساري المطرد دليلا على وحدانية الصمد سبحانه وميسرا للحياة في تصريف ثنائياتها ذلك أن إختلاف الالوان لا يعني ألوان البشرة فحسب بل يتعداه إلى ألوان النفوس وسائر مكونات الجهاز الانساني وهو إختلاف لا يفلت عن ناموسه نعم ولا دابة ولا إنسان فسبحان الواحد الاحد .
والمعادن معناها المصادر الاصلية من كلمة عدن التي تعني الاقامة الدائمة كما هي جنات عدن فالمعدن هو الاصل ولكل شئ أصل كما هو للذهب مثلا وللفضة وللنعم والشجر ومن طبيعة المعادن تلك كلها سواء عند الانسان أو عند غيره أن تكون مختلفة ضمن عائلتها إختلافا يميز بعضها عن بعض وكلما تباعدت النسبة تباعد الاختلاف ووكاء ذلك كله مصدر الخلق ومدبر الكون بأسره سبحانه . فالحديث إذن يثبت المعادن بمعنى قانون الاختلاف والتنوع والتعدد في الكون وفي الاجتماع البشري كما يثبت تأثير تلك المعادن أي أصول الاختلاف والتنوع في فروعها وراثيا كما يثبت بالمناسبة إكتمال تلك الشخصية من خلال تلك المعادن من جهة ثم من خلال الفقه المكتسب حال الاسلام وهو مكتسب من جهة أخرى فالحديث إذن يثبت دور التكامل بين الارث وبين الاكتساب في بناء الشخصية . كما يثبت الحديث من خلال إشارته إلى الصنف الاخير من الناس أن البنية النفسية العظمية الثابتة للجهاز الانساني لا تحتمل الازدواج التالف أو التكامل الكاذب ذلك أن الوجهة لتلك البنية النفسية هي وجهة واحدة هي في الاصل وجهة توحيدية ويمكن لها إختيارا منها لا قسر فيه أن تحول الوجهة إلىغير التوحيد ورغم ما في ذلك من الاضرار على تلك البنية فإن الضررالاكبر ليس هو سوى إزدواجية تلك الوجهات في ذات البنية وهو ماعبر عنه بقوله " يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه " ولم يأت التوحيد من ربك سبحانه سوى لحفظ البنية النفسية للانسان من داء التنازع بين تلك الوجهات حتى أنه كان أدنى وعيدا على من بدل وجهته وهو المشرك أوالكافر في حين كان أشد توعدا على من تفعل إزدواجية الوجهات في ذات البنية ظلما وعنتا وزورا وهو حال المنافق الذي أعد له الدرك الاسفل من النار دلالة على أن شره في حق نفسه التي حطمها بإزدواجية الوجهات وفي حق غيره بالختل والغرر والكذب والزور والتحايل والاغراء والاغواء كان شرا مستطيرا فاق شر الكافر غير المنافق أو المشرك غير المنافق .
النبي الاكرم عليه السلام يضرب مثالا عمليا على الصنف الاول من الناس :
المثال معروف لديكم جميعا وهو كونه عليه السلام كان يدعو ربه قائلا في الايام الاولى من الدعوة " اللهم أيد الاسلام بأحد العمرين " وهو يقصد عمر إبن الخطاب وعمرو بن هشام أي أباجهل فكان أن أيد الله الاسلام بالاول فكان فاروقا مفتاحا في الفقه وفي الجهاد سواء بسواء وكان الاخر من حطب جهنم والعياذ بالله وهو مثال عملي حي لمعرفة القائد بالناس الكافرين المحاربين معرفة نفسية موثقة فكيف تكون معرفته إذن بالمؤمنين ؟وهو مثال حي لهذا الحديث ومغزاه أن للجاهلي في كل زمان وفي مكان خير والخير والانسان كالماء ومكوناته لا ينفصلان ولكن خير الخير هو من يكتشف خير الناس فينميه وشرهم فيخضده فيهم وهم لا يشعرون ومعلوم أن خير العمرين هنا هو خير الشجاعة والكرم وهما خلتان إنما إختار الله رسالته بناء على وجودهما في العرب يومها دون تكلف ولا تصنع ولو بشئ من التزايد والتنافس غير المشروع فإن ذلك سيهذبه الاسلام فيما بعد كما كانت لهم خلة أخرى على أساسها وضع فيهم ربك سبحانه رسالته وهي بعد الكرم والشجاعة : الفطرية البدوية التلقائية التي لم تختلط بمجون الحضر ولم تفسدها مراسم الملوك وطقوس الاديرة لذلك فإن من أفضل ما قيل فيهم بأن الله سبحانه زين بهم الاسلام وزينهم بالاسلام وهل الاسلام سوى نفس جريئة لا تقعد عن طلب المعالي تننصر للمظلوم والمكروب ولوبالموت وهل الاسلام سوى يد سحاء ندية تنفق على المحتاج والضيف والمضام إنفاق من لا يخشى الفقر ومن ضمن ذلك فلم يفسده تفث الترف كما هو الحال يومها لجيران العرب من فرس وروم فلم يعد لاستكمال إنسانية بحاجة سوى إلى فقه الاسلام كماعبر الحديث هنا .
الانسان يهب جينات الخيرية لولده :
لا يسعف الانسان صاحب الارث المجانف ـ من الجنف وهو الميل ـ لخصلتي الشجاعة والكرم والسليقة الفطرية الطبيعية التلقائية البعيدة عن مراسم النفاق وطقوس التعظيم الكاذب أن يكتسب ذلك في شبابه ولا بعده ولكن يسعفه تعويض ذلك النقص بالتربية الاسلامية ولكن يسعف الانسان ولده بجينات بنية نفسية كريمة شجاعة طبيعية صاحبة فقه في الاسلام وذلك عبر التربية التي تبدأ قبل الزواج حسن إختيار للام التي تحوي أمشاجها النفسية والبدنية على أكثر تلك الجينات ثم حسن إختيار للاسم ثم حسن إختيار للتربية والبيئة بل سائر البيئات بل حتى لو لم يسعف الانسان ولده بسوى الارث الابوي ـ أما وأبا وتربية على الشهامة والكرامة والبعد عن النفاق ـ لكان قد هيأه لحسن تلقي فقه الاسلام وذلك بإختصار شديد هو من مقتضيات الفهم الايجابي للحديث حتى لا ييأس واحد منا من أرث أبوي فاته أو كونه نبت في منبت أقرب إلى السوء .
ليس بعد النفاق خسة وهوانا فكيف تسعف نفسك وولدك من وهدة الازدواجية النفسية المقيتة؟:
لم يحذرنا عليه السلام من النفاق السلوكي بنبذ الكذب وإخلاف الوعد وسائر ما تعرفون من إمارات النفاق سوى لضمان إبتعادنا عن تخوم النفاق الاعتقادي بأكثر ما يمكن ولنفر منه فرارك من المجذوم أو من الاسد كما يقال ولم يرخص لنا عليه السلام ترخيصا تكريهيا تفرضه الجينات لا الاختيارات في الجبن وفي البخل في حين منع علينا الكذب مطلقا ولو مزحا وفي كل الاحوال سوى حال الاصلاح ... سوى لان الكذب هو مطية النفاق السلوكي وهذا هو مطية النفاق الاعتقادي والنتيجة بنية نفسية ساقطة خسيسة تحركها العقد والضغائن وتسعي بالدسيسة فتفسد ثم تفسد ثم تهلك إجتماعيا وفي الاخرة ليست في النار بل في دركها الاسفل وما هو النفاق إذا لم يكن إتيانك هؤلاء بوجه وأولئك بآخر وهو صنيعة عدد كبير اليوم من المسلمين والمسلمات حيال الحكومات الجائرة بعضها يهزها الطمع وبعضها يقتلها الجزع وبعضها ماتت آخر نبضات الحرية والكرامة في دمائهم فأصبحت نفوسهم ذات حساسية بالغة ضد طعم الحرية كعبد أو أمة قضى عمره في خدمة سيده فلو خلى سبيله وملكه خزائن الدنيا لا يلبث أن يحن إلى العبودية ومن أجل ذلك عمل الاسلام في أسرع وقت قياسي ممكن على تجفيف منابعها وحررنا جميعا من سرطانات الاستعباد حتى لاهوائنا المعتملة في جنبات أنفسنا فله الحمد والمنة سبحانه .
القوة مطلب الاسلام دوما حتى في الجاهلية :
" وتجدون خيار الناس في هذا الامر أشدهم له كراهة " معناها مشكل وربما تحتمل منه كثيرا غير أن الاوفق بسياق الحديث هو القول بأن أشد الناس كراهة للاسلام قبل إسلامه هو خيارهم بعد ذلك شريطة الفقه دوما وبذلك لا يسعنا سوى القول بأن الاسلام دين قوي وهو يبحث عن القوة وعن القوي بسائر مظاهر القوة أينما كان ولو كان في الجاهلية وذلك لان القوي في الجاهلية سواء جاهلية كاملة كالكفر أو جزئية كالانحراف والعصيان صاحب نفسية قوية فعالة متوثبة متحركة لئن إهتدت إلى النور الرحماني كما فعل أكثر الصحابة وسيما الفاروق والسيف المسلول خالد وغيرهم كثير في التاريخ وفي الحاضر فإن قوتها النفسية تلك ستخدم بها الاسلام أما المسالم عن خوف والمتواري عن جزع والساكن عن جهل فلا يؤخر ولا يقدم إسلامه كثيرا سوى أنه ينجيه من النار وليس ذلك بصغير طبعا ولكن تفوته الدرجات العلى .
فالخلاصة هي إذن أن الدعوة الاسلامية المعاصرة بحاجة اليوم إلى إلتقاط الاقوياء كرما وشجاعة وذكرا ونفسا والتركيز عليهم بخصوصية لعل الله يقلب القلوب منهم إليه سبحانه فينتصر الاسلام بهم غير أن إنتقاء أولئك ليس متروكا لسوى علماء النفس الكبار فينا فهم صيارفة النفوس ولايعني ذلك إستحماق الناس بالجملة ولا الازراء بالبسطاء ولكن ذلك يعني القدرة على الجمع والتكامل والاختيار والاصطفاء وحسن التخطيط كما أن على الدعوة عدم اليأس من الناس عامة وخاصة من أولى الجينات الوراثية الطيبة أو سليلة المجد حتى في غير الاسلام وعليها أيضا نبذ كل إحترام للمنافقين الذين مردوا على النفاق طويلا فهؤلاء سواء حسن إلتزامهم أو نبذوا الكفر لن تجني منهم الدعوة شيئا يذكر فاللهم أيد الاسلام بمن ينصر شوكته ويخضد شوكة الظلم .
-
رد: مــــائة مصباح من مشكاة النبــــوة
الحلقة الستون
أخرج البخاري عن إ بن سعد والترمذي عن أنس أنه عليه السلام قال " أحد جبل يحبنا ونحبه ".
ــــــ
موضوعه : الوطنية الاسلامية وطنية مؤمنة وفية أخلاقية لا يأتيها النفاق :
لايملك المرء بادئ ذي بدء سوى الصلاة والسلام على من أوتي جوامع الكلم : حديث لاتزيد حروفه عن خمسة عشر حرفا وكلماته عن أربع يكتنز مالا يحصى من غزير المعاني لن يزال ثرا ينبض فيضا كعين جارية تخلع الحياة وتبسط الرونق على ما يليها فلم الفرار من لدن كثير من الناس إلى القفار الموحش فيغدو لقمة سائغة للذئاب المفترسة زاعما أن حرية عقله وإستقلالية فكره وإستنكافه عن التقليد والببغاوية هو ما ألجأه إلى ذلك وكأن سائر من لزم من الناس عيون الماء الصافي اللذيذ وينابيع الزرع الداني باعوا عقولهم في أسواق النخاسة . إنه الكبر يا صاح ألا فأعلم أن أعدى عدوك ليس من يسل عليك سيفه الناضل مهددا متوعدا بل هو من يزين لك عهرك وجفوك رابضا فيك لا حيلة لك عليه سوى بالحزم والعزم والتوكل وقوة العقل وليس الاعداء سواء هذا يمكر به خفيا لا تخضد شوكته صرعتك مهما إستكعبت ولكن يحصده صبرك اللاجم لشهواتك أما ذاك فلا يملك عليك من سلطان لو قهرك سوى أذى سرعان ما تندمل جراحاته . إنه الكبر يا صاح لن يرضى لك بأوهن وأهون دركات الاستعباد حتى يغرك بربك وبسنة مبعوثه رحمة للعالمين . إنه الكبر يا صاح لئن عجز العدو الخارجي عن إستضعافك به فإن عدوك الخانس فيك يكفيه مؤنته . إنه الكبر يا صاح يسري فينا سريان الدماء في الشرايين . إنه الكبر يا صاح ووالذي نفسي بيده إني لك لناصح أمين فأدرك نفسك قبل أن يدركك الموت وأهمس في نفسك في خلوة منك : هل ضاقت عليك يا صاح مناكب الدنيا بما وسعت طنبا على ما تهدربه من سوءات فلم تجد سوى الاسلام كتابا أو سنة أو تاريخا تتهجم عليه فهلا فعلت ذلك يوم عزته . غلبك للخاضع الكسير المهزوم في أحضان أهله وفي بطحاء عدوه وخصمه ليست سوىخسة لم يأتها العرب يوم كانوا عتاة حرب ضد الاسلام . من كان اليوم يأنس في نفسه قوة وشجاعة وجرأة وشهامة ورجولة فعليه بالصلف الصهيوني الاميريكي ومن شايعه فينا حربا ضروسا تارة بالقلم وأخرى باللسان ومرة بالقوة المادية والمالية والاعلامية . أما الاسلام يا صاح فلا يحاربه سيما من أهله فضلا عن غيرهم سوى عديم شهامة لانه دين أسير متهم مزجوج به في مليون قفص إتهام يحاكمه خصمه الظاهر عليه فلا يجد له محاميا ولا نصيرا . ألا فأغمد نصالك عنه إلى حين يطلق سراحه . أما اليوم فشهامة العرب تأبى منك ذلك .
الدرس الاول من الحديث : الوطنية الاسلامية وطنية فطرية جبلية وراثية لا مكتسبة :
غريب أمر كثير من الناس الذين لم يجدوا سوى سلاح الوطنية يسلونه ظلما وزيفا ضد خصومهم وكأن الوطنية من هؤلاء ذيل كلب أسود عقور لا يبرح الحر عاملا على التخلص منه في أول فرصة سانحة أما من أولئك فهي مجد تالد وعرق عارق وأرث سافر كابرا عن كابر فلو رجع الناس إلى النهى والحجى منهم قليلا أفلا يذكرون أن الوطن بترابه وأشجاره وأنهاره وأطلاله وربيع طفولته وضحى صباه لم يكن من واحد منا محل إختيار وهل إختار الواحد منا أن يكون تونسيا أو شاميا أو ملغاشيا أو أسود أو أبيض أو لسانا عربيا أو أعجميا أم أنه هو كذلك سوى لان والده إختار له ذلك أو أكره عليه وبناء على هذه الحقيقة الساطعة فكيف أستخدم سلاح الوطنية سيفا بتارا ضد خصمي ؟ فالوطنية بهذا المعنى وطنية فطرة مفطورة وجبلة مجبولة لا يأنف عنها إنسان فضلا عن حيوان لا بل إن الكلب أوفى من الانسان لوطنه حتى إن الشعراء من قبل يشبهون أمراءهم وفاء بالكلب فلا يغضب أمير ولا يحبس شاعر ولا يأنف مشبه بكلب وإذا إستوينا في الفطرة فذلك برهان على أن العبرة بعد ذلك بالوفاء للوطن ومن أوفانا للوطن : العامل على تحريره من الاستبداد والظلم أم المنافق لعربدة الجور ؟ أم المكافح من أجل هوية وطنه أم الغريق في لجج من التقليد الاعمى للمحتل الذي كان بالامس يجوس خلال ديارنا يبغينا ذلا؟ وهذا نبي الانام عليه السلام يحرق سفن الادعياء من الوطنيين الكذبة فيؤصل الوطنية الاسلامية الحقة ويعرفها بأنها الوفاء بالحب لكومة من التراب الصلدة والاحجار الكلدة فإذا كان الوفاء حبا لجبل هو في نظرنا لا يعي شيئا وهل يعي الجبل عندنا نحن شيئا فكيف يكون الوفاء حبا لوطن حافل بالحياة ؟
الدرس الثاني من الحديث : الوطنية الاسلامية وطنية مفتوحة إنفتاح الفطرة الانسانية :
لك أن تلاحظ أول ما تلاحظ بأنه عليه السلام عبر عن حبه بإسمه وبإسم المسلمين يومها لجبل أحد رغم أن جبل أحد ليس هو وطنه ولكن وطنه هو مكة أما أحد والمدينة يثرب عامة فهو مهجره الذي لم يختره راضيا لولا هربه من الظلم وبحثه عن الامن والحرية وهو تعبير يفيض حبا حتى ليجعل المؤمن اليوم يرجو أن لوكان ذرة من تراب جبل أحد فيشمله الحب النبوي فيسعد في داريه وليس لغير المؤمن سوى القول بأن هذا هو محض التعصب الاسلامي الذي لم نقف له على أثر من قبل ولا من بعد فقل لهم " ليت قومي يعلمون ". هو تعبير يفيض حبا لم يحب به عليه السلام ولا جبلا واحدا من جبال مكة الكثيرة سوى قوله عنها أنها أعز البلاد إليه ولولا أن قومها أخرجوه ما خرج وهو يؤكد الفطرة الاسلامية الفطرية الجبلية التي ليس لابن آدم فيها ملك بالانشاء أو الالغاء شأنها شأن سائر الفطريات . هو تعبير يفيض حبا لوطنه الثاني عليه السلام وطن الامن والحرية وليس كثيرا على الانسان أن يكون له أكثر من وطن سوى أن ترتيب الاوطان في نفسه لا يبوأ الصدارة إلا للحبيب الاول وليس ذلك كما أؤكد ألف مرة ومرة فضلا منه بل هي فطرة يستوي فيه مع الكلاب بل الكلاب أوفى منه غير أنه أكرم منها . وخذها إليك ياصاح حكمة ممن مسته نار الغربة المفروضة : إذاكان المواطن في وطنه وطنيا بضرورة الفطرة فإن من أبعد عن وطنه قسرا لاشد منه وطنية مليون مليون مرة غير أن تلك الحكمة يصدق فيها قول الشاعر : لايعرف الشوق إلا من يكابده ولا يدرك الصبابة إلا من يعانيها .
الدرس الثالث من الحديث : الوطنية الاسلامية وطنية مؤمنة لا تعرف التطير ولا العجز:
لك أن تدرك معي يا صاح أن جبل أحد هذا الذي أغدق عليه عليه السلام من الحب ما يغبط قلبك وقلبي هو ذات الجبل الذي شهد تحت سفوحه عليه السلام هزيمة عسكرية كبيرة قتل فيها مالايقل عن السبعين من خيرة أصحابه فكان لقريش خير ثأر جاهلي لولا أن منحة الله سبحانه حولته بعد الهزيمة إلى نصر ظل يطارد فلول المشركين حتى تخوم مكة فسجل الشاهد الدولي يومها نتيجة المعركة وفق ذلك النحو فكانت أحد بالنتيجة رصيدا بعد بدر لا عامل تثبيط . وكان من فرائض منطق الاشياء عندنا نحن اليوم أن يكف عن خلع الحب عن جبل شهد تحت سفوحه هزيمة ثقيلة لا بل كان يقتضي الحال أن يسبه ويشتم أهله ويتطير منه ويتعامل معه كما يتعامل مع ديار عاد وثمود بعد إنقراضها لا يدخلها غير مطأطئ الرأس مخافة العذاب الالهي لا بل كان يسعه أن يصمت فلا يذكر أحدا لا بخير ولا بشر . فلم إختار إذن الجبل الذي شهد هزيمته دون سائر الجبال والوهاد والنجاد في المدينة وما حولها من بدر والحديبية والخندق وغيرها ليحبوه بهذا الفضل العظيم ؟ هذا السؤال هو مربط فرسنا اليوم : والجواب لا يبعد دوما عن خدمة الايمان وهوما سميناه عقيدة فأضحى بعدها مجالا ليس أكثر من حياتنا محصورا محسورا . الجواب لا يبعد عن الايمان وما ينبغي له أن يبعد والايمان بحاجة إلى دفع عدوه وهو التطير وتعليق الهزائم على مشاجب المكان والزمان والانسان وسائر ما يعمر الدنيا اليوم . الجواب لابد له أن يعيد الاعتبار للانسان المتوكل العامل القوي الحازم العازم الواثق المتيقن الامل فلا مجال للتطير من جبل هزمنا تحت سفوحه ولا مجال لبغض وطن أطردتنا زبانيته ولا مجال لكره وطن حمانا ولو مع الاذى ولا مجال سوى لتكريم الانسان بالامل وبتعليمه أن الوطنية الاسلامية القحة القمينة بالانسان هي الوطنية الانسانية المنفتحة المؤمنة غير الكافرة بمعالم الارض ومرافقها وهي وطنية ليست عاجزة بل مملوة أملا وعملا تتخذ لها من أرض الله الواسعة وطنا يوم يضيق الوطن الام عنها : تتخذه مسرحا للعبادة والتعمير والخلافة أما النفس فلن تزال أكثر وفاء لارض الصبا ومهد الطفولة وأطلال الجهاد ونجاد الاخوة تماما كما هو الحب عند الشعراء فليس هو سوى للحبيب الاول وتعدد الاحبة كما تعدد الاوطان ليس عيبا إنما العيب في نسيان الحبيب الاول.
الدرس الرابع من الحديث : الاوطان كيانات حية تحب وتكره بلغتها الخاصة :
هذا درس يسخر منه غير المؤمنين فإذا إستوى في ذلك معهم مؤمن فإن الحريق حصد كل شئ ولا فائدة من دعوة فريق الاطفاء وليس قوله عليه السلام " يحبنا " حلم شاعر رغم بديع البلاغة النبوية العظيمة ولكنها الحقيقة التي تحجبها عنا كسوف الغفلة وكهوف النسيان ومدافع الجهل المركب فالجبل يحب ويكره وسائر المرافق المادية التي نراها تألفنا سواء ألفناها أم لا فالوطنية هي إذن بإختصار شديد علاقة حب وطيدة شديدة بين الوطن بسائر معالمه وأطلاله وبين الوطني أم هل تعتقد أنك تحب وطنا لا يحبك رغما عنه أم تظن أن بائعي الاوطان نخسا بخسا لاعدائه تحبهم أوطانهم أم أن تحسب أن الادعاء الطويل العريض اليوم ليس له أمد إليه ينتهي وأجل فيه يختبر ؟ وربك يخبرنا أن الظالمين لما لاقوا مصيرهم " فما بكت عليهم السماء والارض " لا بل لاوطاننا التي هجرنا عنها غصبا علينا مآقي لن تجف من البكاء ودموعا تؤز الظالم أزا.
فالخلاصة هي إذن أن الوطنية الاسلامية هي وطنية فطرية جبلية وهي وطنية حب متبادلة وهي وطنية إنسانية منفتحة تعشق الحرية وتحارب الاكراه وهي وطنية مؤمنة لا متطيرة
-
رد: مــــائة مصباح من مشكاة النبــــوة
الحلقة الواحدة والستون
أخرج أحمد عن عبدالله إبن عمرو أنه عليه السلام سئل " أي المدينتين تفتح أولا : قسطنطينية أو رومية ؟ " فقال " مدينة هرقل تفتح أولا " . وصححه شيخا الحديث في عصرنا المرحومان شاكر والالباني كما أورده الهيثمي في المجمع ورجاله رجال الصحيح .
ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــ
من شواهده "هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله " وهي آية تكررت حرفيا في كل من التوبة والفتح والصف .
موضوعه : الاسلام دين الانسان في كل زمان ومكان ريحه الامل وعماده العمل ومظهره الله:
شواهد الحديث في القرآن كثيرة و في السنة من مثل ما أخرج أحمد عن النعمان بن بشير في إستعادة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة بعد ملكين عضوض و جبري ومثله لاحمد عن تميم الداري في أن الاسلام لن يدع بيت مدر ولا وبر إلا دخله ومثله ما أخرجه مسلم وثلاث من أهل السنن عن ثوبان في أن الاسلام سينتشر في المشارق والمغارب في الارض كلها الخ...
وواضح أن الصحابة أخبروا من قبل ذلك منه عليه السلام بفتح قسطنطينية أي إسطنبول اليوم في تركيا عاصمة الخلافة العثمانية حتى نهاية الربع الاول من القرن الميلادي المنصرم .
هات نبدأ من البداية : الاسلام هو الدين الخاتم وصاحبه وحده ناصره ولكن بالمؤمنين :
في البداية كان عليه السلام وحده قافلا من غار حراء خائفا يرتعد طالبا من الزوج الحنون خديجة الدثار والتزميل وظل يدعو سرا ثلاث سنوات فآمن له أربعون ثم صدع بدعوته فهاجر بعض أصحابه إلى الحبشة مرتين فآمن حاكمها ثم هاجر إلى المدينة وبنى دولته وإنتصر في حروبه الدفاعية والهجومية على حد سواء ثم إنداحت رقعة الاسلام بعد الحديبية ثم فتح مكة وأجلى الروم في شمال الشام ودانت له العرب قاطبة وبعث رسله إلى ملوك الجوار ثم مات عن ما يناهز مائة وثلاثين ألفا صحابي ثم واصل خلفاؤه من بعده مشوار الدعوة فأنداحت كلمة الله سبحانه مطوحة بعيدا في أواسط أروبا الغربية مطوقة أقصى شرقها بأقصى غربها متوغلة في أقصى شرق وشمال آسيا وذلك بعد فتح مصر وأفريقية والسودان وأجزاء واسعة كبيرة من القارة السوداء فما ذا بقي من الارض ؟ ثم داهمتنا الظروف المعروفة من تراجع داخلي مخيف سرعان ما عاجله الاحتلال الخارجي واليوم نعيش عصر النهضة الاسلامية الجديدة رغم جراحات العراق وفلسطين وطعنات الخيانات الحكومية وشبه الحكومية الداخلية . تلك هي تطواحة تاريخية موجزة فلو عزرناها بعالم الافكار لما جاز لنا سوى أن نقول بأن الاسلام هو الدين الخاتم المهيمن كتب الله له النصر والاندياح هداية للانسان وتحريرا له من سائر الطواغيت المادية والمعنوية وهو سبحانه وحده ناصره لانه دينه الذي إرتضاه لعباده أجمعين فهل يعجز سبحانه عن ذلك بفعل الظروف الدولية المحيطة وهل يتراجع عن وعده وهو أرحم بعباده حتى أعتى الملاحدة والمشركين والظلمة منهم بأنفسهم أم هل يحق لنا اليوم وقد آلت حالنا إلى ما تعلمون أن نحاسبه على عدم إتمام وعده أو نيأس منه أو يتهول شر الظلمات المطبقة علينا من كل صوب وحدب في أنفسنا فنهرع إلى الفزع ونقول بما قال به النبي الامريكي الكاذب " نهاية التاريخ " ؟ كلا وألف كلا إنما لا يليق بنا سوى فهم أمرواحد وهو أن ظهور الاسلام ظهورا لا يخلف بيت وبر ولا مدر قدر إلهي مقدور جفت منه الصحف ورفعت الاقلام وهو ظهور يرعاه هو سبحانه ويقيض له الاجيال تلو الاجيال تعمل ناصبة دائبة لاجله ولا يحققه سوى على أيدي من يريد هو سبحانه في الزمن الذي يريد وإنطلاقا من المكان الذي يريد وإنتهاء بالذي يريد وأن جحافل الظلم المعربدة اليوم فينا تعمل الخناجر المسمومة في أجداثنا لهي أقدار من أقداره سبحانه ينصر بها دينه وفق أسباب معلومة ثم يخزيها ويظهر من شاء من عباده أمامن سواهم فيستبدلهم بتقلب الزمن .
برقية عاجلة سريعة في الاثناء لاهل الحجى :
لابد لكل عاقل بنور الايمان لا بظلمة الكفر مراجعتي قائلا بأن ظهور الاسلام ظهورا كاملا تاما لا يدع بيت مدر ولا وبر لا يعني سوى قيام الساعة فساعة الدنيا تقوم حين يندحر الشرأو الخير بالكلية المطلقة ولا مساغ لحياة إنسان إبليسي أو ملائكي ونعمت المراجعة . ذلك الظهور إما أن يكون بين يدي الساعة لو صحت الاثار الدالة على ذلك رغم ورود أضدادها بالكلية وإما أن يكون ظهورا لا يلغي سنة الابتلاء بمقتضيات التدافع والزوجية وكلاهما وارد الحدوث والله أعلم .
الدرس الاول من الحديث : الاسلام والدعوة والقوة والامل هي أركان الحياة الانسانية :
ما آمن بالاسلام من أسلمه لخصومه أو أستحيا من تكاليفه أو ضن بكومة لحمه وشحمه وصرة درهمه عليه وما آمن بالاسلام سوى من عاش له وبه لا بل له قبل به لان العيش به لا يتطلب سوى ساعة واحدة يتعلم فيها كل ماجاء به أما العيش له فيتطلب صقل الروح وشحذ الارادة وقمع الهوى والجهاد بالنفس وبالمال أما من كان الاسلام في حياته لا يساوي سوى مهنة وضيعة رخيصة لا يتكسب منها كثيرا يزهد فيها ويبيعها بثمن بخس لاول طالب فلا يعنيه هذا الحديث وليست الدعوة من لدن المؤمنين سوى قوة ضاربة يتقوى بها الاسلام والدعوة وحدها هي التي تفرض على المسلمين العاملين المخلصين التفكير في سائر مظاهر القوة جلبا ورصدا أما الاستكانة بالاسلام فلا تصنع قوة بل تصنع ذلا لا يرفع حتى يستعيد الناس مجدهم بالجهاد تلك هي أركان الحياة الانسانية الكريمة الحرة وأفرد لركن الامل فقرة خاصة تالية .
الدرس الثاني : أليس من الجنون والغباء التبشير بروما والاسلام يتهاوى بلدا بعد آخر ؟:
لا مناص من تقبل الرمي بالجنون والحمق من الذين قتلهم اليأس قتلا ولو جادلتهم لاحتموا منك بقولهم نحن لا نيأس من الله ولكن الظروف الدولية صعبة إلى درجة أن تحديث الناس اليوم والاسلام يتهاوى بلدا بعد آخر على يد الصهاينة والامريكان بفتح رومية لهو ضرب من القفز على الواقع والسباحة في غياهب الخيال المحلق الحالم وما أكثر ما تسمع الناس بمثل هذا يرطنون ولكن قل لي بربك إذا كان الامل بعيدا عن أن يعافس أفنيتنا وكبيرا علينا أن يطأ بسطنا اليوم والاسلام يتهاوى بلدا بعد بلد والعدو يعربد في قعر الدا رفمتى إذن نأمل أيوم ينداح الاسلام ويظهر في كل بيت مدر ووبر ؟ من قتله اليأس اليوم فلا حاجة لله في أمله غدا يوم يدخل الناس في دين الله أفواجا أو يندحر الطغاة . حلاوة الامل يا صاح التي تقوم ركنا من أركان شخصيتك وحياتك إلى جانب الاسلام والدعوة والقوة لا تصنعها الانتصارات بل تؤججها في صدور الموقنين الضربات الثخينة ولك في الطبيعة إن شئت درسا فالفجر من كل صبح جديد لا يولد سوى من رحم عسعسة بهيمة والانسان لا يولد سوى من بطن أم يعصف بها الالم المبرح ولك في السنة إن شئت درسا فهذه الاحزاب في الخندق تحيط بالمدينة إحاطة السوار بالمعصم حتى يقول الناس عنه عليه السلام هذا مجنون يعدنا بقصور اليمن وكسرى والواحد منا لا يأمن على نفسه وهو يقضي حاجته فلا تقل اليوم سوى ما قاله أولئك الذين تحدثنا عنهم في الفقرة الاولى أولئك الذين جعلوا الاسلام ودعوته منداحا في المشارق والمغارب" هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله " ما يقع لنا اليوم في العراق وفلسطين وفي غيرهما علنا وسرا وظاهرا وباطنا هو عين ما وعدنا الله ورسوله بين يدي فتح رومية .
الدرس الثالث من الحديث : فتح رومية فتحان: فتح بحرية العبادة وفتح بحرية الكلمة :
أولئك الذين يقتلهم اليأس أو يستبد بهم الاستحياء من مثل هذه النصوص يستكثرون على الاسلام بل على ربه الذي حمى كعبته أمام أبرهة بعدما تخلى الناس عنها أن يظهر ظهورا لا يتخلف عنه بيت مدر ولا وبر ولو جادلتهم يوما فقل لهم هل تصدقون أن مدينة هرقل فتحت يوما أم أن ذلك أيضا أضغاث أحلام لا بل قل لهم هل مات رب أولئك الفاتحين لها أم إندثر الدين الذي به فتحوها قال الامام القرضاوي بأن فتح رومية يغلب أن يكون فتحا علىغرار فتح الحديبية أي فتحا لحرية الدعوة والكلمة وهو فقه عظيم وحكمة بالغة ورغم الظلمات المحيطة فلا يعدم اليوم المرء المراقب المنصف إرهاصات مضيئة بين يدي ذلك الفتح فحرب الاستئصال الشاملة التي يشنها أعداء الاسلام اليوم في ظني أنها تمكن لحرية الدعوة الاسلامية المتوسطة في أروبا عقدا بعد عقد فهي لم تزد أغلب المسلمين الاروبيين سوى تشبثا بالوسطية الاسلامية المنشودة والحريات الاروبية لا ينتهي بها التضييق أبدا إلى الالغاء السافر كما هو الحال عندنا والعامل الثالث هو أن السنن الالهية بيد الانسان كافره ومؤمنه ومسالمه وظالمه لا تعمل لسوى إرغام الظلم البالغ حدودا قصوى لا يتحملها الناس الاقل ظلما فضلا عن الاحرار وعن المسلمين والعامل الرابع هو أن الاسلام ينتعش ويتقدم حتى لو لم يسمح له بسوى العبادة الشخصية الطقوسية المختفية تلك هي طبيعته فهل نملك خصمها وهل تملك أنت أن تكون شيطانا أو ملكا ؟
الدرس الرابع من الحديث : لا يبغي الاسلام غير الحرية والزمان معيار لا يخطئ :
ليس أغلى عندي من الحكمة القائلة بأن الحرية والاسلام صنوان لايفترقان فالاسلام المكره هو نفاق والحرية الكافرة هي حرية البهائم لا حرية الانسان المكرم ولم يثبت التاريخ من لدن آدم إلى يومنا سوى أن الاسلام لا يتقدم سوى في مناخ الحرية واليوم يثبت مرة أخرى حكمة بالغة تالية لتلك وهي أن الحرية حتى الكافرة منها لا تلد في دنيا الانس سوى الاسلام فالجهاد في سبيل الحرية هو جهاد في سبيل الاسلام بالضرورة وما تبغي أنت لو خلي بينك وبين الناس ؟ أما النصف الثاني من هذا الدرس الرابع والاخير من الحديث فهو أن الناس الذين لا يعملون للاسلام يقعدون ملتزمين للدعة ثم يتساءلون من أرائكهم : ولكن متى ينتصر الاسلام ؟ وكأنهم يستبطؤون ذلك . ولكن هل سألوا متى يشفى المريض ؟ أليس هو متى يتناول الدواء أو الحمية الموصوفة ؟
الخلاصة إذن هي : كن عاملا للاسلام حاملا له على عاتقك لا متسلقا له لبلوغ مآربك الخسيسة ولا تجادل في مبشرات الاسلام ودع ذلك للقاعدين والساخرين ولكن إمتلا أملا وعلما وعملا وقوة ومت على ذلك ويوم تفتح رومية يكن لها من غنمها نصيب يصيبك في قبرك
-
رد: مــــائة مصباح من مشكاة النبــــوة
الحلقة الثانية والستون
أخرج البزار عن أبي سعيد الخدري أنه عليه السلام قال " نضر الله إمرء سمع مقالتي فوعاها فرب حامل فقه ليس بفقيه ثلاث لا يغل عليهن قلب إمرئ مؤمن : إخلاص العمل لله والمناصحة لائمة المسلمين ولزوم جماعتهم فإن دعاءهم محيط من ورائهم ". وأخرجه إبن حبان عن زيد بن ثابت والبيهقي وأبوداود والترمذي والنسائي وإبن ماجه ورواه كذلك إبن مسعود و معاذ إبن جبل والنعمان بن بشير وجبير بن مطعم وأبو الدرداء وغيرهم ...
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــ
موضوعه : رسالة الدعوة عمادها ثلاثة هي إصلاح الفرد وإصلاح الحكم وإصلاح المجتمع :
تفاصيل الحديث كثيرة ولابد لنا من الاتيان عليها بعد حين بإذنه سبحانه غير أن طريقتي هي دوما محاولة إلقاء نظرة عامة إجمالية واسعة يمكنها إستيعاب سائر التفاصيل والجزئيات إذ أن لكل توجيه من توجيهاته عليه السلام رسالة محددة يريد نفثها في روعنا وتلك الرسالة لا تتحصل من النظرفي الجزئيات قبل الكليات وفي هذا الحديث مثلا لابد لنا من ربط أولي بين شطريه أولهما الذي يحث على العناية بسماع المقالة ثم وعيها وفقهها ثم إبلاغها وثانيهما الذي يحدد فيما أرى رسالة الدعوة الاسلامية في كل زمان وفي كل مكان في معاقدها العظمى وهي أي رسالة الدعوة تقوم على دعائم ثلاث لابد منها : إصلاح الفرد بالاخلاص وإصلاح الحكم لما له من أثر على الناس بالمناصحة وإصلاح المجتمع باللزوم ودون ذلك الوصل الضروري بين شطري الحديث فإننا سنظل نتحدث عن كل شطر منه لوحده وكأنه منزوع من سياقه لا صلة له بما بعده فإن سئلنا يوما : فلم وصل عليه السلام بينهما ؟ أجبنا بما لا يليق لا بحكمته وبلاغته عليه السلام ولا بما يليق بعظمة رسالة الدعوة إلى الاسلام ولا بما يليق بعقولنا التي كلفنا بإستخدامها في النظر . والامر ذاته ينسحب حين نتناول أي الشطرين بالتفصيل بعد وصل الرسالة العامة للحديث ببعضها بعضا فلو ظلننا نؤكد على الاخلاص لاصلاح الفرد دون الحديث عن علاقته بإصلاح الحكم وإصلاح المجتمع فإننا سنرث ثقافة ليس أبلغ مبلغها من العلم سوى أنها تربي الانسان على الاهتمام بخويصة نفسه وإعتزال الناس حكما أو حقيقة كما تفعل اليوم وبالامس وغدا فرق كثيرة لئن نجت ربما أنفسها من الضياع أو من النار فإنها أسلمت أجيالا وشعوبا واسعة كثيفة لذلك ولو ركزنا على الاصلاح السياسي مثلا إصلاحا للحكم بالمناصحة كما هو المطلوب منا هنا دون وصل ذلك بالاخلاص وإصلاح الفرد فإن المصلح السياسي يظل كالشمعة يضئ منيرا لغيره الطريق حتى يقضي هو تحت النار وعلى ذلك المنوال في تناول الحديث أي حديث قس حتى تظفر بحسن الفقه ثم بحسن البلاغ ثم بحسن الاصلاح ثم بحسن الثمرة .
الدرس الاول من الحديث : الانسان ليس إسطوانة تسجيل ببغاوية تحكي دون فقه :
الدعاء بالنضارة هنا في مكانه المناسب دون أدنى زيادة ولا نقصان كيف لا وقد أوتي من الحكمة عليه السلام ما به تستقيم الدنيا بأسرها ذلك أن الوجه غير النضر يوصف دوما بأنه وجه غير أن النضارة لسوء تغذية أو لذنوب كثيفة سودته نائية عنه والمرء هو كذلك كالحقل والزهرة والغصن فالحقل الاجدب حقل غير أن الزهرة الغضة أ والغصن الطري يخلب الانظار فمن سمع فلم يفقه أو لم يبلغ أو بلغ لمن هو أفقه منه هو مؤمن غير أن من أحسن السمع فأحسن الفقه فأحسن البلاغ يتميز عنه بالنضارة وهي هنا حياة القلب وذكاء العقل وتحفز الارادة . وكثير من الناس اليوم يستعجبون كيف أن فقيها ما أفتى بأمر أو حكم به إنطلاقا من حديث صحيح بينما خالفه الاخر سواء في زمنه أو غير معاصر له وقبل ذلك يستغربون كيف يقع الاختلاف بين الصحابة والفقهاء في سائر الاعصار والامصار ودون الوعي بحقيقة الامر فإن البعض منهم أثرا لذلك لا تفصلهم عن الردة غير خيط رقيق دقيق وسواء كانت ردة في إتجاه العلمانية أو في إتجاه الشبهات الكثيفة كما نقرأ اليوم على صفحات بعض المواقع الالكترونية فإن النتيجة واحدة وهي بضاعة مزجاة من العلم سببه الاول عدم العناية بما فيه الكفاية بالفقه أي حسن الفهم دقة وإحاطة ومواقعة أي نظرا إلى الواقع المعيش ومن أخطأ حسن الفقه فلن يصيب في حسن البلاغ .
الدرس الثاني : رب مبلغ أوعى من سامع أو الحد الادنى لحسن البلاغ : صحة الرواية :
مما قال الاولون " إذا كنت مدعيا فالدليل أو ناقلا فالصحة " ولا يليق بخلف أمة تفردت دون العالمين شرقا وغربا في علوم نخل الرواية كلمة بكلمة إرسال الكلام على عواهنه لادليل يسنده ولا صحة تقومه . وفي رواية أخرى من روايات هذا الحديث الكثيرة قال عليه السلام " فرب مبلغ ـ بتشديد اللام وفتحها أي أسم مفعول ـ أوعى من سامع " وهي حقيقة تاريخية كشف عنها عليه السلام لحمتها فرضية الاجتهاد وسداها فرضية التجديد وكأنه يريد أن يحث سائر الناس الذين يتلقون عن الرواة من بعده بألا يتحولوا إلى مقلدين جامدين حسبهم القول ببلادة بأن الاولين لم يتركوا للاخرين شيئا بل عليهم أن يتعاملوا مع ما وصلهم على ضوء معطيات واقعهم فإن كان ما وصلهم ثابتا ثبوت الجبال الرواسي كالعقائد والاخلاق وسائر ما تعرف عملوا به رغم العوادي وعلموه وإن كان مما يقبل التطوير لا يسعهم سوى ذلك وذلك هو أكبر معنى يمكن لنا إستخلاصه من قوله " رب مبلغ أوعى من سامع " فالاجتهاد حتى المخطئ منه شريطة أن يكون من أهله في محله ليس جريمة بل هو وصية نبوية كريمة وإذا لم يستطع الواحد منا فعل ذلك فلا أقل من نقل الرواية إلى من يليه من الاجيال صادقة صحيحة وهذا تكفل به رجال التحقيق حامي تخوم الحديث أهل نخل النقل وغربلة الرواية ولولا الاسناد كما قال أحدهم لقال كل من هب ودب ما شاء . أما إذا إجتمع فينا تصحيف الرواية أي تزويرها مع عي في الفهم فإن الفتنة على الابواب.
الدرس الثالث : أولى العلم الجدير بحسن الفقه وحسن البلاغ هو فقه رسالة الدعوة ودعائمها ال3:
لامناص لنا من وصل شطري الحديث ببعضهما بعضا حتى ندرك لم لم يؤطئ عليه السلام لمئات الالاف من الاحاديث الاخرى التي قالها بمثل ما وطأ لحديثه هذا . فمن فقه هذا الوصل هنا وأجاد الجواب عن هذا السؤال فقد ملكه الله نصف الفقه وثلثي العلم . والجواب في رأيي هو أن أولى ما تحتاجه الامة دوما وأبدا هو فقه رسالة الدعوة حسن سماع وحسن فقه وحسن بلاغ وحسن إصلاح وحسن الاصلاح لم يدعه عليه السلام مرسلا بل حدد دعائمه الثلاث الكبرى وهي إصلاح الفرد بالاخلاص وإصلاح الحكم بالمناصحة وإصلاح المجتمع باللزوم وهو الفقه الجامع بين فقه القلوب أي كيف تتشرب الاخلاص وبين فقه الشؤون العامة من سياسة وثقافة وإقتصاد وغير ذلك وبين فقه الاجتماع البشري أي فقه التغيير وتأهيل المجتمع لمواطن القوة والوصاية وسائر ما يمكن أن ينفث في روعك من أبواب الفقه هو بالضرورة تحت إحدى تلك الدعائم الثلاث
الدرس الرابع : شمول الرسالة الاصلاحية شرط في إتيان الاصلاح أكله :
الشمول الاصلاحي تناوله الحديث كما بينت الفقرة السابقة غير أن الشمول ليس مشروطا أن تقوم به طائفة واحدة وخاصة في عصرنا. لابد من تعدد الهيئات الداعية لاصلاح تلك الدعائم الثلاث الكبرى والعاملة على ذلك نظرا وتحقيقا بحكم تشعب الحياة وتعقد مسالكها وليس لذلك التعدد الاصلاحي سوى الالتزام بشرط التكامل بدل التنافي وهو تعدد يمكن أن ينسحب بعد إنسحابه على موضوع الدعوة على الزمان والمكان تبعا للحاجة دوما أما القيام من لدن الامة بأسرها على دعامة واحدة من دعائم الاصلاح الثلاث وتعطيل البقية تحت أي ذريعة كانت فذلك هو عين ما عمق أزمتنا الراهنة وزاد من شططها وشرخ نكئها لان الحياة والانسان لا يقبلان التجزئة .
الدرس الخامس : إصلاح الفرد بالاخلاص فقه متقدم على كل ضروب الفقه والاصلاح :
يظن بعض الناس أن عاقبة عدم الاخلاص لله سبحانه مسرحها الاخرة فحسب أما في الدنيا فإن عدم الاخلاص بما أنه لا يعمله إلا الله وصاحبه فلا عقوبة عليه وبصفة أخص لا ضرر منه وهو تصور مشوب بسحب كثيفة من المادية وإذا كان المجال هنا لايسمح بالاسهاب فإني أحيلك على مشهد واحد من مشاهد سنته وهي أن جثة شهد لها الناس بالجنة وأخرى بالنار فقال عليه السلام لكليهما وجبت والشاهد في ذلك أن الاخلاص وعدم الاخلاص لله حتى إن كان محله القلب فإنه يعلم منك بعد العيش مع الناس لفترة قصيرة فإما تحب لذلك وتؤول إلى الجنة وإما الاخرى ذلك أن للقلوب حديثا لانسمعه نحن ولكن الحفظة من حولنا يديرون خطابه بين قلوبنا وهل علمنا نحن سائر ما يتعلق بالغيب حتى ننفي أثر الاخلاص في الدنيا .
الدرس السادس : إصلاح الحكم وسائر مواقع الامامة والقيادة بالمناصحة فقه متقدم :
طالما إشتكى الفقهاء المعاصرون فينا من غياب الفقه السياسي وحملوه مسؤولية أوضاعنا الراهنة وهو صحيح بقي أن نقول بأن المناصحة لا ينقطع لها حبل حتى لو بلغ الخصام بين المجتمع وبين مؤسسات الحكم مبلغا كبيرا فالصلح دوما خير لتحاشي شح النفوس وليس ما تفرزه مجتمعاتنا اليوم من أحزاب ومنظمات في سائر الشؤون العامة سوى مظاهر لتلك المناصحة المطلوبة والدين النصحية كما قال عليه السلام لا بل حتى لو تقاتل المسلمون كما ورد في سورة الحجرات وكما وقع حقيقة في الفتنة الكبرى فإن الصلح دوما أبقى لحياة المجتمع وخير المناصحة اليوم بيننا وبين حكامنا ما كانت بإسم المجتمع وبإسم سائر مكوناته وجمعت إليها من الوسطية والاعتدال والتوازن قولا وعملا شيئا كثيرا أما دون المناصحة بسائر صورها المعاصرة فهو إما إستقالة مرفوضة بأي مبرر كانت أو يأس لا داعي له أو إنصراف إلى إستخدام القتل أو الاستنجاد بالعدو الخارجي وكل تلك الصور يأباها الاسلام لانها لا تنسجم مع طبيعته السمحة .
الدرس السابع : إصلاح المجتمع باللزوم فقه عظيم :
تلك قاعدة أساسية في فقه التغيير الاجتماعي سنها عليه السلام مفادها أن الاصلاح لا يكون سوى باللزوم واللزوم له صورتان لزوم ثقافي بمعنى أن إصلاح أي مجتمع لا يكون بسوى إستخدام ثقافته التي تداوي أمراضه ولزوم مادي وهو كذلك يتخذ له صورتين صورة بمعنى الحياة فيه واقعيا لاصلاحه وهي الامثل وصورة بمعنى عدم الخروج عنه لا خروجا ثقافيا ولا خروجا بالسيف والقوة والقتل أما إصلاحه من خارجه بالمعنى المادي فما ينبغي أن يكون أصلا إلا خادما مهما تقدمت ثورة الاتصالات المعلوماتية .
-
رد: مــــائة مصباح من مشكاة النبــــوة
الحلقة الثالثة والستون
أخرج مسلم عن جابر وعن أنس أنه عليه السلام قال " إذا سقطت لقمة أحدكم فليأخذها وليمط عنها الاذى وليأكلها ولا يدعها للشيطان "
ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــ
من شواهده " وكلوا وأشربوا ولا تسرفوا " وغيرذلك كثير ...
موضوعه : الكبر والاسراف خلتان لامكان لهما في الاسلام :
قد يقول بعض السذج من الناس بأن مثل هذا الحديث يتعلق بحياة بدو الجزيرة العربية الذين بعث فيهم محمد عليه السلام وربما ينسحب الحكم على سائر من في حكمهم اليوم من فقراء المسلمين ومساكينهم من ساكني أدغال آسيا ومجاهيل إفريقيا أولئك الذين مازالوا بعيدين عن الحضارة والتقدم وإستخدام الموائد والشوكات والملاعق لا بل أولئك الذين ما زالوا لا يقدرون سوى على الطعام الذي لابد له من إستخدام الايدي لتناوله أولئك الذين لو سقطت من يد أحدهم لقمة واحدة من طعامه لاخترمته أنياب الجوع لفرط قلة يده أولئك الذين مازالوا يعتقدون أن الشيطان قابع بجانب كل مائدة يقتله الجوع يرقب كل لقمة ساقطة يلتهمها أولئك الذين لا يعلمون شيئا عن عالم الجراثيم التي ينوء بها عالمنا الفضائي فهي لفرط جهلهم ونهمهم وراء لقمة لفتها الاتربة والاوساخ تستبد بهم الامراض وتفتك بهم الاوبئة ... أما نحن أهل تقدم العلوم الطبية والموائد الفاخرة والاطعمة الجاهزة والمشروبات الكثيرة اللذيذة الذين لم نعد بحاجة إلى الايدي القذرة لتناول الطعام فقد أغنتنا الملاعق والشوكات والسكاكين عن ذلك ... فإننا لا يزيدنا هذا الحديث سوى أننا نؤمن به في أحسن الاحوال أما معالجته لشؤوننا المتطورة المتقدمة فهو أمر بعيد .
الدرس الاول من الحديث : الانسان لا يأنف عن تربية نفسه حتى على مائدة الافطار:
التربية حيال الانسان صغيرا وكبيرا وقويا وضعيفا وحاكما ومحكوما وفي كل أحواله أمر لا يفارقه أبدا ومن أعجب ما قرره الكاتب الاسلامي الكبير مالك بن نبي عليه رحمة الله سبحانه هو أن قيم الحضارة والتقدم والرقي والثقافة التي نروم سلوكها والتغني بها تبدأ من صغائر حياتنا الشخصية في طريقة أكلنا وقعودنا وقيامنا ونومنا وتحيتنا وسائر ما يلي ذلك فإذا فاتنا ذلك فإن بلوغ أكابر مراقيها ومعاظم مراميها لعسير وأنت تلفى في دراستك للسنة والسيرة محمدا عليه السلام له في كل شأن دعاء أو ذكر أو مراسيم معينة يذكر فيها ربه شكرا وحمدا أو يصل فيها غيره بحسن ومعروف أو يعافس فيها مرفقا من مرافق الدنيا حتى لو كان خلاء يقضي فيه حاجته البشرية بأدب جم فهل يفعل ذلك تضييعا للوقت أم لزوما لطقوس لا تغني ولا تسمن من جوع ؟ كلا بل يظل عابدا في كل آن وأوان لولي نعمته سبحانه وفي كل لحظة تغفل فيها عن ربك سبحانه فأعلم علم اليقين أن الطبيعة تأبى الفراغ فالشيطان رابض بجانبك يرقب كل غفلة منك ليملاها بذكره وأول ما يلقي في نفسك أنك أنت ولي النعمة الجدير بالحمد أو بأن فلانا أو فلانة من الاموات أو الاحياء هو ولي ذلك فيوقعك في عبادة ذاتك أو غيرك دون الله سبحانه فتهلك .
الدرس الثاني من الحديث : أول ما نتربى عليه هو أن التواضع له سبحانه طريق العلا:
ليس أقسى على القلب البشرى من خلة الكبر حتى أنه عليه السلام قال " لايدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من كبر" وكأن الكبر لتطاير شرره عقيدة لا يرضى سبحانه فيها بسوى التمام والكمال حتى أن ذبابة واحدة قربها رجل إتقاء شر قطاع الطرق أودت به إلى قعر جهنم بينما رفض ذلك رفيقه فضربت عنقه فأودت به ذات الذبابة إلى فراديس الجنان وسائر خلال الاسراف والتبذير وما في حكمها جميعا لا ترتد عند سبرات التحقيق سوى إلى داء الكبر وليس الكبر خلة نستوردها من الخارج بل خميرتها فينا أصيلة لان مبعثها الهوى الساري فينا سريان الهواء في الفضاء وكل الخلال السيئة التي لا نستوردها من الخارج بل نذعن لها عبادة للشهوة رتب الله عليها جزاء موفورا في الاتجاهين حلاوة إيمان لمن قمعها أو لباها في الحلال المباح وشقاء للاخر والكبر كما تعلم ليس معصية عادية بل هي معصية مركبة كيف لا وهي التي أودت بإبليس إلى النار وظاهر الامر أنه لم يزد على أنه عصى ربه تماما كما عصى آدم ربه وجاء في الحديث " ثلاثة أقسم عليهن : منهم ماتواضع عبد لله سبحانه إلا زاده به عزا" والعلاقة بينك وبين ربك هي علاقة بين مالك ومملوك فالمملوك يرفعه مالكه يوم يتواضع له ويخفضه يوم يتكبر عليه ولك أن ترى في حياتك فيمن حولك أي الناس اليوم أقرب إلى قلوب الناس ومن ثم إلى الرحمان سبحانه هل هم المتكبرون حتى لو أضطر الناس إلى مصانعتهم أم المتواضعون حتى لو كانوا سجناء أبد الدهر ؟ مثلك مع التواضع والتكبر أي مع العز والذلة هو مثل السحاب يرتفع وهو وضيع والقمر يتواضع حتى لتراه في الماء الصافي ليلا وهو رفيع كما قالت حكمة الشعر وأعلم أن الذي تسقط من يده اللقمة فيهملها أو يتجاهلها سواء كان غنيا أم فقيرا وجائعا أم شبعا فيه من الكبر ما فيه والعجيب أن خلتي التواضع والكبر لا تحكمها المظاهر كما هو معروف اليوم في حياتنا بل تحكمها تلك التصرفات الصغيرة التي لا نلقي لها بالا كلقمة ساقطة ذلك أن بعض عتاة المستكبرين يملؤون الشاشات كذبا يظل طول حياته متلفعا بما حاكى ملابس العامة وأكل مثلهم وهو يكفيه كبرا ومقتا أنه سخر من إمام المتواضعين محمد عليه السلام وفي المقابل تجد الرجل جميلا أنيقا جاوز إزاره أسفل كعبه وهو يحكي سيرة الصديق أبي بكر في صدق التواضع لله .
الدرس الثالث من الحديث : اللقمة نعمة قيض لها الرزاق سبحانه مالا تحصيه من الخدم:
من تمام إيمان الانسان أن يظل متفكرا ذاكرا بقلبه وعقله على الاقل متدبرا في كل ما يقع له وعليه وبجانبه فإن التفكر في كل شئ سوى في ذاته سبحانه لا يأتي سوى بالعقل والحكمة ولو تدبر الواحد منا في لقمة لا تزن عشرة غرامات تسقط منه فيهملها لالفى أن ما لا يحصيه هو ولاغيره من العملة والخدم والالات والعمليات التي قيضها الرزاق سبحانه مذ كانت بذرة في يد فلاح بسيط فقير يبعد عنه ألاف الاميال حتى تجهزت له لقمة سائغة يسد بها رمقه ولو ذكر الانسان ذلك فأستحى إهمالها لكان وفيا مخلصا فيكف لو زاد على ذلك أن الرزاق سبحانه من عليه هو بذلك رغم عصيانه وكفره ومنعه عن كثير من عباده الذين يتضورون جوعا فيعمدون إلى تمضية الوقت في الركوع والسجود والتضرع والتلاوة والعبادة ولايسألون الناس إلحافا.
الدرس الرابع من الحديث : لو عمل كل واحد منا بهذا الادب لمات الفقر ومامات أحد جوعا:
كثيرا ما أكون في حاجة لي في بعض شوارع ألمانيا فألفى في كل يوم مرة على الاقل رغم الخدمات البلدية التي لا توصف جودتها قطعة من الخبز ملقاة تكفي لاعالة نفر واحد على الاقل يوما كاملا في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية أما لو حدثتك عن جودة وكمية الاطعمة والاشربة التي يلقى بها في الفضلات من البيوت الخاصة فضلا عن المطاعم المخصصة للمآوي والنزل وغيرها وأقف على ذلك بنفسي بحكم إشتغالي في مجال التنظيف ربما لعسر عليك التصديق ولن يزال خبر إلقاء كثير من الدول المحتكرة لكميات رهيبة من القمح وسائر الاطعمة في البحر لعبا بالاسواق والاسعار وحرمانا للفقراء منها يجعل كل مؤمن بالله سبحانه في شك مريب من الشعارات التي ترفعها هذه الحضارة الدجالة الكاذبة من كرامة الانسان والعدالة والحرية ولعلك تهمس إلي الان أن أمر الاسراف والتبذير في دنيا المسلمين يضاهي كل منافس في التبذير وهوحق غير أن السفهاء سيما فينا كلما ذكر الفقر لا يتهمون سوى الاسلام وثقافته المحرضة على التناسل والتوالد أما إتهام أخلاق الكبر والاثرة والاسراف والتبذير وجحود نعمة ولي النعمة مما يولد تفاوتا رهيبا بين الفقراء والاغنياء فوق هذه البسيطة فهو أمر دونه سيف الحجاج وذهب المعتز كما يقولون ولاعاشت الجبناء كما قال سيف الله المسلول سيدنا خالد عليه الرضوان .
الدرس الخامس من الحديث : حسبنا عالم الشهادة نفهمه أما عالم الغيب فحسبنا الايمان به :
لتجدن كثيرا من الناس إذا ما عرض عليهم مثل هذا الحديث يهرعون إلى إتهامك وإتهام محمد عليه السلام بعد ذلك بمعاداة العقل وحرية التفكير وذلك لان الشيطان عندهم لا يأكل فلا يجب عليك سوى عدم التطرق إلى كل ما يمت بصلة إلى الغيب حتى لا تثير حفيظتهم . قتل الانسان ما أكفره . وهل أحطت أيها الانسان بسائر مشاهد عالم الشهادة حتى تستخف بالغيب وها أنت مجهول إبن مجهول في نفسك تكوينا بدنيا ونفسيا فلم الكبر ولم الغرور ولم عدم التسليم لربك الذي خلقك فسواك فعدلك بعالم الغيب وما يضيرك أن الشيطان يأكل لقمتك التي منعك كبرك عن إلتقاطها وما يضيرك أن يكون ذلك حقيقة لا نعلم كنهها أو مجازا يتوسل فينا إلى نبذ خلق الكبر والاسراف والغفلة عن الرزاق وعمن سخرهم الرزاق لاطعامك فقل لهؤلاء هل تنكر حياتك فإن قال لا فقل لي أين هي حياتك وأين هي روحك وأين هي نفسك وأين هو عقلك وأين أين ...؟
الخلاصة: الحديث رسالة مؤداها أن الانسان كائن أخلاقي أو لا يكون وأسمى خلقه التواضع لله والشكر لعباده الذين قيضهم لخدمته وأرذل خلقه الكبر والاسراف والتبذير وأن طريقه إلى العلا في الدنيا والاخرة يمر حتما عبر إلتزام الخلق الاسلامي النبيل في صغائر حياته الخاصة مهما كان في منأى من الملا فالله دوما معه يراه وأن حسن الاقتصاد وإطعام الفقراء وتحرير الناس من ذل السؤال والموت جوعا لا يحتاج شعارات كثيرة بل يحتاج إيمانا بالله سبحانه ينبذ عنك الكبر ويزينك بالتواضع والشكر كما يحتاج سلوكا يوميا يدخر للمسكين لقمة وأن جمع كل تلك اللقمات الساقطة يسد رمق ملايين من الاطفال يقضون جوعا ومرضا أما مسالك الكبر والاسراف فضلا عن التبذير والاحتكار فلا تعود على البشرية سوى بنكد المفارقات .
-
رد: مــــائة مصباح من مشكاة النبــــوة
الحلقة الرابعة والستون
أخرج مسلم وأحمد والترمذي والنسائي وإبن ماجة عن جرير أنه عليه السلام قال " من سن في الاسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أجورهم شئ".
ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــ
من شواهده " وإفعلوا الخير " و" ونكتب ما قدموا وآثارهم " وسائر الايات الداعية إلى السعي في الارض والضرب في مناكبها وغير ذلك كثير لا يأتي على حصر ...
موضوعه : لاقيام للحياة الاسلامية بدون الاجتهاد والتجديد بغرض العبادة والابتداع :
ليس مفهوما كيف أن سائر ما يحرض من الدين على التقيد والاتباع وإجتناب البدع والاحداث شاع بين الناس في أحاديثهم ومروياتهم وأسلوب تعاملهم مع التدين وفي المقابل غاب سائر ما يحرض من الدين ذاته على الابتداع والاختراع والاكتشاف والنظر والتأمل والاجتهاد والتجديد والاحداث والنقد والمراجعة والنخل وحسن الفقه وتحمل المسؤولية الشخصية في تعمير الدنيا بالدين غير أن المفهوم هو أن ذلك الاختلال الرهيب كان ولن يزال المسؤول الاكبر عن تخلفنا وتأخرنا وإنحطاطنا فأنت لو قمت الان بتجربة بسيطة بين من حولك من الناس طارحا سؤالا : هل يكره الاسلام الاحداث في الدين ونبذ البدع لحصلت على حديث محدد صحيح واحد على الاقل عن كل مسؤول ولو طرحت السؤال : هل يحث الاسلام على الابتداع في الدنيا والاجتهاد والتجديد والنظر وشق تجارب الحياة بالمحاولة والاستقراء لما ظفرت بسوى الصمت المطبق ولو كان بحضرة عملك ذلك سؤالا وإجابة نفر من غير المسلمين لما نفث في روعهم سوى أن الاسلام هودين الجمود والاتباع والتقليد بإمتياز شديد فهل أنت معي في أن نهضتنا المنشدوة يحدونا إليها مليون مليون أمل ورجاء ويقين فيه سبحانه وفي عبده الانسان تاج صنعته إنما معضلتها الراهنة المؤلمة ليست سوى المعضلة الثقافية الفكرية بمعناها العقلي العام الواسع فإذا ما تحرر العقل من الاوهام والاساطير وعبادة الاوثان بما فيها أوثان التقليد والجمود وتركة الاباء وإرث الاجداد كان ما كان صلاحهم وإصلاحهم أينعت أفجارها وحان قطافها أما دون ذلك فمسكنات لا تسمن ولا تغني من جوع يمنحها طبيب لمريضه الميت سريريا كما يقال .
عمل كبير ينتظر المصلحين : إحداث التوازن الثقافي في الغذاء المقدم للبنية العقلية :
كلمة لن أنساها من المرحوم الغزالي عليه رحمة الله سبحانه حيث قال إنه ألفى يوما كتابا قديما جمع فيه صاحبه سائر ما يزهد الناس في الدنيا ويرغبهم في إعتزالها من القرآن والسنة فخشي أن يتأثر بهذا الكتاب صحيح المادة من تهفو نفوسهم إلى إعتزال الناس والفرار إلى الكهوف ونبذ العلم والحرف والصنائع فتحدث فتنة وينشأ هلاك فعمد إلى إعادة التوازن المفقود في ذلك الكتاب وذلك بجمع سائر ما يرغب في الدنيا ومخالطة الناس والترغيب في الانفاق والجهاد والعلم والاجتهاد والتجديد من ذات القرآن وذات السنة لعل طالب العلم يجد ما ينشده هو وتنشده حياتنا من توازن . وليس سوى ذلك مطلوب اليوم من طبقة واسعة من العلماء والفقهاء والدعاة والمصلحين رتقا لخروقات الانخرام في ميزاننا بين الاتباع والابتداع فأولئك مسؤولون عن الغذاء العقلي الذي يكون الشخصية الاسلامية المعاصرة لا بل إني أدعو الازهر وغيره من المؤسسات العلمية التي لا تحسن سوى الرقابة على الاغذية العقلية التي سرت فيها جراثيم العلمانيين فتنصرهم من حيث لا تشعر هي ولاهم يطمحون إلى فرض الرقابة على تراث واسع ضخم كبير مترامي الاطراف يتهافت عليه اليوم شبابنا وليست جراثيم الفساد التي تفعل فعلها الخبيث فيه بأقل شأنا ولا أهون خطرا من تلك التي يقدمها أعداء الاسلام سيما أن هذه سرعان ما تلفى الرفض والتجاهل بينما تلك سرعان ما تستقبل بالحفاوة والترحاب فهل من صاحب عزمة؟
بين يدي الحديث :
كغيره من أحاديث أخرى كثيرة يفتتح الحديث ب" من " العامة الصالحة لان يتقمصها الفرد والثلة سواء بسواء والعابرة لقارات الزمان والمكان أما السنة هذه الكلمة المظلومة فينا اليوم لاننا لانرى فيها سوى معناها الاصولي وهو ليس سوى معنى واحد مما لا يقل عن سبعة معاني أخرى وهو إختزال شنيع للدنيا بأسرها وللدين بأسره وللغة بأسرها وتعسف وتحكم لا مثيل له فالسنة يا صاح لا يجب أن تصرف عن معناها اللغوي وهو الاصلي وهي السبيل والطريق والمنهج والمسلك مادة ومعنى إلى معانيها الاخرى الكثيرة سوى بقرينة ثابتة وهي هنا لا تعني سوى معناها اللغوي مثلها في ذلك مثلها في قوله " من رغب عن سنتي ..." أي عن منهجي وليس عن جزئية صغيرة واحدة من منهجه فالعبرة دوما حتى في الدنيا وهي معيار لنظام الدين بالاغلب وليس بالاصغر لا بل يجب على كل طالب علم اليوم أن يتساءل في نفسه سؤالا هو ورب الكعبة مدخل عظيم إلى الفقه النبوي العظيم وهو : كيف يشنع في مواضع أخرى من شأن الاحداث في الدين والارتداد عنه والرغبة عن سنته ويحرض هنا على الابتداع في الاسلام ؟ فلو هرعت يا صاح خلف كل نص وحده أتعبتك النصوص وأرهقتك المعاني وما ظفرت بسوى عي وحمق . ولعل السقف الواقي هنا هو قوله " في الاسلام " بما يعني أن سائر الاتباعات في الدين وسائر الابتداعات في الدنيا ما يجب عليها حتى تكون مقبولة نافعة سوى أن تستظل بظل الاسلام وهنا يجب علينا معرفة الهيكل العظمي للاسلام بسائر مكوناته الكلية والمقاصدية رأسا وذروة وعمودا فإن التغاضي عن ذلك إتباعا للذيول التي لا تحصى تبديد للطاقة وتضييع للجهد وقبل ذلك وبعده إهمال للبوصلة الهادية في مسالك الحياة ودروب العبادة وليست السنة المقصودة هنا سوى كونها حسنة والحسن بعيدا عن مذاهب الناس أهو بورود الشرع أو بحكم العقل فينا مفطور لابد من التقوي عليه بمربع الفطرة والعقل والدين والتجربة المعضدة بالجماعة والشورى والمحاسبة وبذلك نتجنب جدلا نظريا عائقا أمام مباشرة سن السنن الحسنة في الاسلام في واقعنا فكيف نفرط في أجر مضاعف مليون مليون مرة حتى إن صاحبه الاول فردا أو جماعة يكونون في قبورهم وحنفيات الحسنات عليهم هطالة بوابل من الرحمة بعدد ما عمل الناس من بعدهم بإحداثهم الذي أحدثوا لا بل إن المانع من ذلك هو إنبناء عقلنا الاسلامي على الخوف من البدعة فظللنا أسرى السلبية والانتظارية التي أهلكت يهودا والنصاري وتكاد تفعل بفرقة منا اليوم ذات الامر.
نظام الاسلام التشريعي عماده طريق ذي إتجاهين : ذريعة للفتح وأخرى للسد :
من المصائب الفكرية التي ورثناها أن الناس كلهم اليوم بدون أدنى إستنثاء تقريبا سوى من رحم ربي لا يذكرون حين يذكرون الذرائع سوى بالسد حتى عدوها أصلا من أصول التشريع وكأن التشريع إنما جاء علىخلاف طبيعته تماما بالسد والاغلاق والتحريم والتجريم وهو ما لم يشكل سوى جزء يسير جدا لا يكاد يذكر في نظامه العام القائم على الاباحة والتحليل لا بل على الدفع نحو التعمير وتحمل المسؤولية في ذلك والنظام التشريعي الاسلامي يقوم على طريق سيار في الاتجاهين وليس بسوى ذلك تصلح الحياة يا صاح فلو سدت سائر الذرائع المفضية إلى الشر سيما بالتوسع الفقهي الذي نراه بإسم الحيطة من الفتنة خاصة في قضايا المرأة والحرية الانسانية دون فتح الذرائع المفضية إلى الخير علىمصراعيها فإننا نحفر قبورنا بأقلامنا وعقولنا تماما كما يحفر المترفون النهمون الجشعون قبورهم بأسنانهم وكذلك الامر اليوم هنا فما من بدعة في الدين إلا لها بديل من سنة حسنة فيه أما في الدنيا وهو ما عبر عنه هنا بالاسلام ولذلك ألف ألف دلالة لو يتسع لها المجال فإنه لا مجال للقول بالبدعة الحسنة كما يروج لذلك الانحطاط وأذنابه بل لا بد من إستصحاب قولنا السنة الحسنة وهو القول النبوي الصحيح الصريح هنا فهل نتعبد نحن بأقوال العلماء والفقهاء أم بقول خاتم الرسل سيد البشر عليه السلام ؟ أمرنا عجيب عجاب ورب الكعبة.
السنة الحسنة في الاسلام هو منهج المبشرين بالجنة فهل نتبعهم في ذلك أم نرميهم بالابتداع ؟:
لا يعرف تاريخنا الاسلامي مبتدعا مثل الفاروق عمر عليه الرضوان حتى إنه اليوم محير لعقول طائفتين فينا لا منا أحداها تتبناه لهدم الدين بالكلية ولها فيه مرتع وأخرى لوضع الحياة في سجن الريبة ومحابس الشك والتعطيل ولها فيه مرتع . عمر هو صاحب الاوليات كما يقال فقد إبتدع يوم أحدث في ديننا صلاة التراويح ويوم مصر الامصار ودون الدواوين وأرخ بالهجرة وإبتدع أخ له في ديننا يوم جعل أذان الجمعة ثلاثا بدلا عن واحد والبدع في الدين من جانبهم لا تحصى فكيف كان الامر إذن بالبدع في الدنيا ويكفيهم أنهم ملؤوها بدعا محدثة حتى فتحوا الارض وحرروا الملايين المملينة من العقول الحائرة ومكنوا للاسلام ولولاهم لكنت اليوم عبدا من عبيد الروم .
سنن حسنة لابد لنا منها اليوم في الاسلام يتوقف علينا حسن تديننا فقها وعملا :
تولي جمع الزكاة مالا وفطرا ـ شراء المساجد في الغرب ـ دارترجمة ـ تكوين الهيئات الجامعة للكلمة ـ تفعيل سلاح المقاطعة ـ تكوين الهيئات الاغاثية ـ التمكين للاعلام الفضائي ـ إجتماع الجيران في الاعياد على موائد الاكل ـ التمكين للهيئات الحقوقية والنقابية والانسانية ـ التمكين للمصالحات في سائر مجالاتها فكرا وعملا ـ التمكين للحوار في سائر مجالاته ـ الاحتفاء بالحج إرسالا وإستقبالا ـ الاحتفاء بسائر الاعياد والذكريات الاسلامية ـ ملء الساحات والطرق بما يذكر بالله سبحانه ـ إحياء سنة الاعتكاف ـ القيام الجماعي في الثلث الاخير من الليل ـ إختيار الاسماء الحسنة لمواليدنا بدل التقليد الاعمى ـ وما لا يحصى من السنن الحسنة في سائر المجالات ...
الخلاصة : لابد لنا من تجديد ثقافتنا الاسلامية على أسس إحداث الموازنة بين تجنب الابتداع في الدين الموقوف الصحيح الصريح وبين القيام الجماعي على الابتداع في سائر ما هو دون ذلك في سائر مناحي الحياة إذ لا مطمح لنا في تحقيق النهضة الاسلامية المنشودة بسوى التعبؤ الثقافي أولا ثم المبادرة إلى ساحات الاجتهاد وليكن خاطئا ألف مرة ومرة وساحات التجديد فتحا لذرائع الخير وسدا لذرائع الشر وبذلك نعرض بضاعتنا الاسلامية نقية تحت الشمس ونكسب له زبائن أكفاء في الاجتهاد الدنيوي والتجديد العلمي لا ينقصهم سوى هداية رحمانية دعانا وأهلنا لتقديمها هدية بالمجان للناس إذ لا ينتظر منهم أن ينام الواحد منهم ليلا فيصحو مسلما ولا ينتظر منهم أن يغرى بالاسلام الواحد منهم وسائر حالنا تدعو إلى الجمود والتقليد ونبذ العلم والمعرفة والتعمير والقوة وليس من شأن الضعيف سوى إستدرار رحمة الناس أما النسج علىمنواله فلا أظنه.
-
رد: مــــائة مصباح من مشكاة النبــــوة
الحلقة الخامسة والستون
أخرج البخاري ومسلم والنسائي وإبن ماجة والترمذي عن أبي هريرة عليه الرضوان أنه عليه السلام قال " إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها يزل بها في النار أبعد ما بين المشرق والمغرب" وفي بعض الروايات " لا يرى بها بأسا يهوي بها سبعين خريفا ".
من شواهده " وقولوا قولا سديدا " و " وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن ".
موضوعه : سعر الانسان يحدده لسانه سفير قلبه واللسان هو أوسع مناطات التكليف :
حكم الله سبحانه في الخلق لا تعد ولا تحصى فهي نعم لا شطآن لها " وإن تعدوا نعمة الله لاتحصوها " وهي حكم لايقف عندها عاقل حتى يطفق مسبحا بحمده سبحانه وأبلغ مواطن التسبيح ذخرا هي في إثر التدبر في ملكوته والنظر في عجيب خلقه وتصاريف آياته ولاشك أن لكل عبادة ذكر محلها الخاص بها دون غيرها سيما إذا إنفردت فهل تصف الانسان بالعبادة والعقل والخشوع والطاعة لو سبح بدل الحمد في إثر الفراغ من الاكل مثلا أو لو حوقل قبله ولذلك تجده عليه السلام وهو الحكيم الراضع من حكمة المشكاة الرحمانية ينهى صحابيا صرعه أخوه في مقابلة بيضاء ودية عن الحسبلة قائلا له " إستعن بالله ولا تعجز " فقد إعتبر الحوقلة هنا وهي ذكر محبب هي من غراس الجنة في مواضع أخرى إهراقا للذكر الحكيم في غير موضعه وليست الحكمة سوى وضع كل شئ وكل أمر في كل زمان وفي كل مكان وفي كل حال في موضعه المناسب له من جميع الجوانب وحتى الذكر والتسبيح وسائر ما في حكمه له مظانه ومحكماته في الزمان والمكان والحال والشاهد هنا هو أن هذا الحديث الذي ربما يغفل عنه كثير من الناس علما وعملا يورث التسبيح حقا في إثر النظرفي ملكوت حكمته سبحانه ودنيا بدعته عز وجل . والحكمة هنا أن الانسان وفيه بعدد أيام السنة مفاصل وعضلات وعظام وعصب وماء ودم تجد أن أشد مواطن الخطر فيه هي أقلها حجما حتى قال عليه السلام " المرء بأصغريه قلبه ولسانه " فهذا العضو الصغير الذي لا يزيد عن رطل من اللحم مستترا قابعا في جوف الفم ليس فيه عظم واحد هو المسؤول عن حياة الانسان ومستقبله في الدنيا والاخرة سواء بسواء وهو سفير القلب في الحقيقة لذلك يكذب كل من أراد أن يزين لنفسه أو لغيره بأن قول كذا من فلتات اللسان ففلتات اللسان تحدث عندما يتعثر اللسان في نطق كلمة ما أو حرف ما وهذا يحدث للانسان في كل أحواله والناس من حوله يعرفون منه ذلك فلا يؤاخذ وهي تحدث كذلك عندما يخطئ اللسان في إختيار كلمة مناسبة وسائر من حوله يعرفون كذلك ذلك منه دون فرصة للاتهام أما حين يقال مثلا حروب صليبية بدل تعبير آخر فذلك ليس من باب فلتات اللسان بل هي من باب سفارة اللسان بوفاء عن مكامن القلب وليس معنى ذلك أنه مطلوب من الناس عدم إختيار العبارات والافصاح عما تكنه القلوب بحياد عقلي فإزاء من نكره مثلا كثيرا ما تقتضينا مصالح الدعوة لتعديل تلك المكنونات والتعبير بدلها بما لا يثير حفيظة المكروه غير أن الحكمة النبوية في ذلك تجمع بينه وبين الالتزم بقول الحق بشكل لا يضاهى من مثل قوله عن رجل " بئس أخو العشيرة" فلما وفد عليه أكرمه وألان له الكلام . والحكم كثيرة في الحقيقة ليس هنا محل تتبعها فهذا العضو الصغير المستتر منوط به قول الحق الذي يملا الضلوع أحيانا وتعديل ذلك في أحيان أخرى وكذلك إلانة الخطاب حينا وبذات العضو يغلظ القول ربما لذات الرجل في موقع آخر وحينا يطلب منه التغزل بما رق من الشعر والادب وربما بعد لحظة واحدة صب سائر ما يملك من أقذع الكلام وأبذئه وربما على ذات من كان به يتغزل قبل لحظة واحدة وهو ذات العضو المطلوب منه حينا لزوم الصمت المطبق حتى لو تعرض صاحبه إلى حرب ضرام تقشعر لها أبدان الوحوش الكاسرة فضلا عن المشاعر الانسانية وربما بعدها بلحظة واحدة تحريض ملايين من الناس على الجهاد مثلا أو الانفاق لساعات طويلة يضل فيها يرعد ويزبد كأنه لم يكن ساكنا منذ قليل ولصمته عند الناس والفقهاء حكم " السكوت في معرض الحاجة بيان " ولنطقه عندهم من لدن السفهاء بما لو مزج به البحر لمزجه حكم آخر فلا يؤبه له وأحيانا يتكلم اللسان بشطر كلمة تزج بصاحبها مدى حياته في السجون والمنافي وأسباب الشقاء وربما نطق بشطر ذلك على نحو آخر فهشت الدنيا في وجهه وبشت وحمل محمل الملوك الظافرين ورب لسان إمتلك ناصية الحيلة فنجى صاحبه من موت محقق في شر قتلة وربما أجاد النطق الخلاب فعاش بين ظهراني عدوه عيشة الملوك ولا يسع المرء تتبع حكمته سبحانه في هذا العضو الصغير فسبح بحمده سبحانه .
الكلمة التي تهوي بصاحبها في النار سبعين خريفا نوعان : إزاء الله وإزاء الانسان :
ليس مطلوبا منا إنجاز قائمة إسمية في تلك الكلمات سواء حيال الله سبحانه أو حيال عبده الانسان تاج صنعته لان ذلك ليس ممكنا ولكن المطلوب منا حصر الاطار العام الذي تندرج فيه تلك الكلمة وليس إطارها سوى إلتزام حكمة اللسان حيال ما يحيط به أي بصاحبه فاللسان كائن لابد له من حسن التعامل مع محيطه ومحيطه هو الله خالقه سبحانه وولي نعمته وهو من جانب آخر الانسان ذاته مثيله في الخلق وأخوه في الدين كما قال علي كرم الله وجهه ومحيط الانسان يجمع الانسان ذاته صاحب اللسان إذ له على نفسه ولنفسه عليه حقا .
الكلمة الهاوية بصاحبها في النار سبعين خريفا إزاء الله سبحانه ثلاث :
أولها كلمة الكفر وما في حكمها وهي وإن لم تكن ضارة ضررا مباشر بالانسان أي غير صاحبها كلما كان كفرا مسالما فإنها صارفة للانسان عن طريقه المعبد تماما كما ينصرف قطار طويل يحمل مئات من الناس عن سبيله فيهلك ويهلك وللانسان في هذه الدنيا طريق معبد هدي إليه بعقله فإن إلتزمه شكرا لولي النعمة سبحانه سعد وإلا شقي وكفي بالكفر بعد تبين الرشد من الغي أنه لظى يستعر على النفس بالشقاوة في هذه الدنيا حتى لو رؤي صاحبه سعيدا في مظهره فلا يغرنك ذلك فأنت لا تعيش معه نفسه حتى تؤكد لنا سعادته لا شقاوته أما في الاخرة فالمصير معلوم .
ثاني تلك الكلمات هي ما شدد عليها القرآن كثيرا وسماها القول على الله سبحانه بغير علم وهي كلمة لا تشمل الكافرين دون سواهم بل تضم إليها كثيرا من المسلمين الذين يتجرؤون على الله سبحانه بغشيان غيبه الذي لم يكلفنا بغشيانه بل أوضح لنا أن غشيانه لا يظفر بسوى الندم لسبب بسيط واضح وهوأن أجهزتنا النفسية خلقت على نحو آخر لا تقدر على الاحاطة به تماما كما هو الحال مع عيوننا التي لا ترى سوى لامد معين وأسماعنا وسائر حواسنا فلم يكون الاستثناء خاصا بحواسنا العقلية والنفسية والروحية والباطنية ويكفي هذه شرفا ومزية أنها عرفت الله سبحانه وما دون ذلك وبعده فتطفل بغير عناء وتتبع القرآن بنفسك فستجد أنه شدد على هذا الضرب من الكلمة التي تهوي بصاحبها في النار سبعين خريفا كثيرا وعلل ذلك بأن القول عليه أي على سائر ما أخفاه ولم يرد إظهاره بغير علم وأنى للعلم بذلك دون الوحي مضل للناس وهو مضادة لرسالة الاسلام بتمامها وكمالها ولا تستوي درجات القول على الله بغير علم طبعا فهي عادة تكون عند المؤمن أخف وطأة قياسا لما هو عند غيره ولكنها في كل الاحوال مهلكة لانها تنشئ البدعة في العبادة والشبهة في الفكر وعادة ما تؤول بصاحبها إلى أصحاب الكلمة الاولى أي كلمة الكفر .
الكلمة الثالثة هي التألي عليه سبحانه وهي قولك بأن الله لا يغفر لفلان أو فلانة وهو أمر يغضب الله غضبا شديدا لانه إستيلاء بغير حق على أخص خصوصياته وهي تصريف عباده بين الكفر والايمان والقبول والغضب وهي كلمة كثيرا ما يقع فيها المتدينون المتحمسون المبتدؤون زيادة في الاخلاص المغرور والتقوى الكاذبة والقلوب لا يملكها سوى باريها فرب قلب هدى الله به ملايين من الناس ثم أضله على علم ورب قلب ضلل مثل ذلك من الناس ثم هداه على علم .
وسائر الكلمات الاخرى التي تهوي بصاحبها سبعين خريفا في النار والمتعلقة به سبحانه تندرج تحت إحدى هذه الكلمات الثلاث والله تعالى أعلم .
الكلمة الهاوية بصاحبها في النار سبعين خريفا إزاء الانسان تاج صنعته أيضا ثلاث :
الكلمة الاولى هي كلمة القذف بمعناها الواسع جدا تبدأ من التكفير والتفسيق والتبديع وبخاصة إذاكان الامر على غير ما يرى القاذف وبصفة أخص لو كان المقذوف مؤمنا أو مؤمنة حتى أنه لم يرض سبحانه بسوى العقوبة في الدنيا جلدا وإهانة ونبذ شهادة إنتقاما لعبده المظلوم .
الكلمة الثانية هي كلمة الظلم بمعناها الواسع جدا تبدأ بالسب والنم والشتم والقت والبهت والسخرية والهمز واللمز والغمز وما في حكم ذلك وأوسع منه وكلما كان المظلوم بريئا كانت الكلمة أبشع مكانا وهي كلمة تتوسع لتشمل العمل الذي ينشأ من كلمة تقال ثم يتولى الزبانية بتنفيذ ذلك عيثانا في العرض والمال والبدن بغير حق .
الكلمة الثالثة هي كلمة الفتنة والصد عن سبيل الحرية أمام الانسان تبدأ من الكذب والاحتيال والزور وسائر ما يتوسل إلى الشر والباطل بغير الطرق التي يسلكها الظالم الوقح الصريح المستند إلى قوته وتمر بالنفاق وتنتهي بنصب سائر العوائق أمام الانسان لئلا يختار سبيله الذي رآه حقا كان أو باطلا حتى أنه سبحانه عد الفتنة أشد وأكبر من القتل .
كل ذلك لا يلغي مسؤولية هذا العضو على خط منهج سليم لحياة إسلامية صحيحة :
تلك هي من بعض مصائبنا التي جعلتنا نعتقد أن اللسان الساكت دوما حتى عن قول الحق هو أفضل من اللسان الضليع في الكلام أبدا بحق وبباطل وهي مفارقة لمنهج التوازن والاعتدال فكل عضو فينا هو مؤهل فطرة لفعل الخير ولفعل الشر سواء بسواء وليس مطلوبا من الانسان سلبية تمنع لسانه من قول الباطل في حق الله وفي حق الانسان بالصور الست التي بينا آنفا بل مطلوبا منه بعد ذلك قول الحق في كل آن وأوان ولكل وقت حقه الذي لابد منه ولابد لنا في هذا الجانب كذلك من تصحيح ثقافتنا على ضوء القرآن والسنة .
الخلاصة : أصغر عضو فينا سفير لنا عند الناس وهو سفير محايد يصلح لحسن السفارة عند الله سبحانه ولحسن السفارة عند عباده وليس على الانسان سوى إستخدام سفيره في الخير دوما مع الله ومع الناس فإن ذلك يكفر عنه سفارة الشر التي لابد له منها ولو لمما وليس البكم بديلا حسنا عن ذلك سوى عند السفهاء من الناس اليائسين من رحمته سبحانه .
-
رد: مــــائة مصباح من مشكاة النبــــوة
الحلقة السادسة والستون
أخرج الترمذي والحاكم عن عبدالله إبن عمرو أنه عليه السلام قال " إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده ".
ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــ
من شواهده " وأما بنعمة ربك فحدث " و" إذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه ...".
موضوعه : إلتزام الشكر لولي النعمة نعمة لا يلقاها سوى الشهم الكريم الحيي :
كلما إزددت علما بالاسلام لم أزدد سوى يقينا بأن الاسلام هو نظام الفطرة ودين الانسان وأن منطقه في سائر مواضعه هو منطق حياتنا هذه ذاته لا بل إني لاحسب أن الفقه في الحياة يؤدي بالضرورة إلى الفقه في الاسلام ومؤدى ذلك أن الاسلام ليس ظاهرة غريبة ولا جسما لقيطا في حياتنا بل هو مصمم بحسب ملاءمة الحياة الانسانية في سائر أطوارها وملابساتها وإذا تراءى لك هذا الحديث ناشزا أو غير ذي موضوع لفرط بداهته فإني أحيلك إلى الانساق الفكرية التي يصدر عنها كثير من المتدينين اليوم لا بل أكثر الذين يحدثون أنفسهم توبة بذلك فإنك لاف لا محالة أن تعاملهم مع التدين شبيه بمن يتعامل مع جهاز جديد غريب حديث تأنفه بعض جوانب الحياة على الاقل أو قل هو ضريبة باهظة الثمن سرعان ما تضع النفس في سجن مظلم ضيق وفي تقديري فإن تلك الرؤية العدمية للاسلام من لدن أهله فضلا عن غيرهم هي المسؤولة عن تصيد المتدين لاول فرصة فسوق يزينها التدين زورا وخذ إليك أمثلة عديدة اليوم من أبرزها قضايا الربا وأختلاط الفتاوي حوله وطرائق تناول الناس لها حتى لكأنك لا تكاد تقف على منطق ناظم يطمئن إليه ضميرك وغير ذلك كثير كما أن تلك الرؤية العدمية للتدين بحسبانه ضريبة عالية أو صرما لحبال الحياة دون مقصد معقول سوى مقصد الطاعة العمياء لطقوس تتجاوز الحالة الشخصية إلى الحياة الاجتماعية مسؤولة أيضا عن تصيد المتدين لاول فرصة تشدد ومغالاة لا تفسر نفسيا بسوى ضرورة تفريغ شحنات غضب ماردة رد فعل على حاجة عملية التدين بمعناها المتمحل إلى عملية ولادة قيصرية عنيفة فيها ما فيها من العسف والتحكم بغرض إحداث الملاءمة المطلوبة بينها وبين الحياة وفي رأيي فإن المعالجة الكفيلة بتجنب الايلولتين سواء نحو الفسوق أو نحو الغلو من قبل التدين لا بد لها من تجديد فهم الاسلام بسائر مظاهر تدينه ولكنه تجديد للفهم ينصب على فهم الوجود فالحياة فالانسان فالدين فالتدين فالظروف المحيطة وبدون فهم الاسلام ضمن فهم الحياة فإن عوائق ذهنية عسيرة تظل تلازم كل متدين سرعان ما تفخخ مسيرته فتؤدي به نحو الفسوق ومن ثم الشبهة أو نحو رفض الواقع المستعصي عن تقبل التدين .
من شروط إظهار أثر النعمة فقه النعمة :
ليس مستغربا أن تجد عبدا غير شاكر أو قليل الشكر فضلا عن الكفور الجاحد بالمعنى اللغوي أو الجزئي على الاقل دون الديني الشرعي الباهظ عذره في ذلك أنه عديم الفقه بمادة الشكر أو حسن الفهم لاسبابه وداعياته لذلك لا يحسن بالدعاة سوى التذكير بالنعمة قبل المطالبة بأداء شكرها كما أن عليهم قبل ذلك أيضا رسم الامثلة العملية الحية في حياتنا وهي خير مساعد على فقه النعمة ثم الاندفاع نحو أداء شكرها فأسلوب التمثيل فن قرآني ونبوي عظيم أناط الوحي به جزء كبيرا من عملية الهداية وبذلك ينخرط الدعاة في الاتجاه الواقعي للدعوة وهو الاتجاه العامل دوما على الانطلاق من الفطرة الانسانية والرجوع إليها ولابأس بغرض التمثيل والتقريب من الاستشهاد بنعمة الام وفطرية الشكر من لدن الوليد والامر ذاته ينسحب على المعلم وطالبه والدال إلى الخير مادة أو معنى والمرشود إلى ذلك وعندها يعسر على الموعوظ أن يكابر في أن ولي النعمة بأسرها بسائر تفاصيلها ومظاهرها هو الخلاق سبحانه من عدم وتظل عمليات التذكير التي تتابعه كلما حل في مسجد أو عثر على واعظ كفيلة برده إلى ولي نعمته سبحانه لا بل لابد قبل ذلك وبعده للدعاة من تسخير المعطيات العلمية التي أضحت اليوم ملكا مشاعا لسائر الناس دون حد محدود وذلك بغرض تفصيل الاثر المادي للنعمة أمام الابصار والبصائر كما لا بد لهم من إعتماد فقه المقارنة بين المنعم وبين غيره وكذلك بين المتمتع بالنعمة وبين المحروم منها وخاصة عبر الدربة العملية التي تشترك فيها الابصار مع البصائر والاسماع والافئدة وبذلك تنغرس يوما بعد يوم عملية فقه النعمة وردها إلى صاحبها الاول سبحانه فإذا تم ذلك فإن أداء شكرها لا يتطلب بعد ذلك لا قبله جهدا جهيدا ولو شئت تلخيصا حسنا لكل ذلك فلك أن تقول بأن شكر النعمة عملية ذهنية عقلية بالاساس سرعان ما يلتقطها القلب بنياطه الحساسة فتعمره بالرحمة والرفق .
أثر النعمة وجوه ثلاثة تتكامل تكامل النعمة :
من عجيب ما عثرت عليه أن جل من كتب في أثر النعمة في القديم والحديث في حدود إطلاعي لم يتجاوز أثرا واحدا وهو المتعلق بحسن الهيئة المعبر عن شكر الانسان ربه لنعمته سبحانه فكأن الله سبحانه لا يحب من المنعم عليه من عبيده وكل عبيده محل نعم لا تحصى سواء كفروا أم آمنوا سوى أن يحسن هيئة جسمه وملبسه ومطعمه ومشربه ومسكنه وبذلك يكون قد أظهر أثر نعمة ربه عليه ولا يخفى على أحد أن ذلك ليس سوى مظهر صغير وليس هو قبل ذلك الاولى والاجدر ولست أرى سوى أن وجوه النعمة التي لابد لنا من إبراز أثرها علينا ثلاث وسائر ما دونها أو يليها هو بالضرروة جزء منها وهي :
أثر الشكر: وليس كالشكر من كل منعم عليه حيال ولي نعمته تعبيرا عن سلامة الفطرة وزكاة النفس وكرم الشهامة حتى أنه عليه السلام قال " لم يشكر الله من لم يشكر الناس " لا بل حتى سمى سبحانه نفسه شاكرا وشكورا فهل سأل واحد منا علام يشكر ربنا ومن يشكر وهو ليس سوى الشكر المرتد أي أنه سبحانه لفرط رحمته بعبده وغيرته عليه وحنوه بأكثر من حنو المرضعة على وليدها يشكر عبده الذي إستجاب له بعبادة الشكر لا بل حتى إنتهى المحققون إلى أن عبادة الشكر أعظم أجرا وأجزل عطاء من عبادة الصبر وعللوا ذلك بأن ملازمة الشكر في كل الاحوال وخاصة في حالة الضيق والشدة التي يتوقف فيها المؤمنون تحت مظلة الصبر هو أرفع منازل القلب فالشاكر حال العطاء منسجم مع فطرته سواء كان الشكر حيال الانسان صاحب الفضل عليه أو حيال ولي النعمة الاكبرسبحانه أما الشكر حال الحرمان والمصيبة والشدة والالم بدل الصبر فلا يستريب عاقل في أن صاحبه بلغ درجة الصديقين والشهداء وليس مجرد الصالحين فضلا عن المؤمنين والمسلمين ومن أروع ما قال إبن عطاء " ما بسقت أغصان ذل إلا على بذر طمع " ومؤدى ذلك عمليا أن من أراد بلوغ مرحلة الشكر إلتزاما دائما في سائر الحالات فعليه بإلتزام الطمع المورث للذل ولكنه طمع لا تتوجه عيونه لسوى الواهب الاول وذل لا تستكين غصونه سوى تحت سقف الرحمان سبحانه ويقول العلماء أن ذلك يورث الرضى ولست في مقام نفسي يؤهلني عن الحديث عن الرضى والرضى لا تنفع فيه الكلمات لاستنباته ولكن تحدثك عنه مسالك الشاكرين دوما حتى في مقام الصبر فعليك بهم إن عثرت بهم سوى أن الشكر لا بد له من مستويات ثلاث تتكامل ولا تتعارض وهي شكر القلب وهو أهمها وأغلاها سعرا وشكر اللسان بإدامة الحمد ولو مع الغفلة اليسيرة وشكر الجارحة أي بالعمل عبادة وإنفاقا.
أثر الجمال والقوة : وهو المستوى الذي قصر الناس حديثهم عنه كما أسلفت آنفا حسن هيئة في البدن وقوة في النفس وعزمة في الارادة وطهارة ثوب ورحابة مسكن ومركب وفق قاعدة " وكلوا وأشربوا ولا تسرفوا " و" كل وألبس ما أخطأتك خصلتان : سرف ولا مخيلة " و" إن الله جميل يحب الجمال " وهو الذي من أجله أعفي أبوبكر وسائر من تبعه في ذلك من حرمة إسبال الازار وسائرما في حكمه حتى لو جاوز الكعبين كلما كان جميلا في عين صاحبه وعين الناس عرفا معروفا وتطهر القلب من السرف والمخيلة حتى أنه عليه السلام قال "إن لله عبادا يحييهم في عافية ويميتهم في عافية ويطيل أعمارهم يضن بهم عن القتل ويعطيهم منازل الشهداء " فالعافية بإختصار هي وجه آخر من وجوه الابتلاء بالخير والفائز في إختبارات إمتحانها شهيد .
أثر تسخير الكون علما وبسطا للعدل : وأظن أن هذا المستوى من إبراز أثر النعمة هو الاكثر قصدا منه سبحانه من هذا الحديث مباشرة بعد أثر الشكر قلبا ولسانا وعملا والسبب في ذلك هو أن هذا الاثر ينسجم مع طبيعة الاسلام التي تعلمنا أن الله أشد حبا لعباده الاكثر نفعا للناس وهل ينتفع الناس أكثر بحسن هيئتك وقوة بدنك وعافيتك أم ببسط أسباب العدل بينهم نصرة للمظلوم وقمعا للظالم ودوحا للقوة العلمية التي تسخر لهم الكون ومرافقه سعادة في حياتهم عقلا ومادة غير أن هذا لا سبيل له بسوى ذلك لذلك قال عليه السلام " المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير " .
النعمة والنعمة :
النعمة بفتح النون وتشديدها لم ترد سوى في معرض النكير على المترفين الذين دخلوا النار بسبب غفلتهم عن شكر نعمة ربهم عليهم " ونعمة كانوا فيها فاكهين " و" وذرني والمكذبين أولى النعمة " أما بكسر النون فترد في معرض الادلاء من لدنه سبحانه بنعمته " وأما بنعمة ربك فحدث " ولذلك تناسب لغوي ساحر فتناسب الكسر مع ذل الانكسار من المنعم عليه حيال ولي نعمته الاول سبحانه لا يضاهيه سوى تناسب الفتح المشدد بما فيه من تعقيد ولجلجة وحجاج مع تبرج جحود النعمة وناكر الفضل المتمرد على فطرته والماسخ لنفسه فأبشر بكتاب جمع بين تحدي الالسنة مهما سحرت ببيانها الانام وبين تحدي العقول مهما وفرت بعلومها لهم السعادة .
الخلاصة هي إذن أن إظهار أثر نعمة ولي النعمة علينا سبحانه مؤمنين وكفارا فريضة وهي قبل ذلك خلة من خلال الفطرة لا تند عنها العجماوات البكم وهي ميراث الرضى الحائل دون كل الامراض النفسية التي تضج بها كرتنا الارضية في زمن البذخ وعصر الترف ودهر العلم وأثر النعمة أثر شامل لا يقتصر على حسن الهيئة بل يشمل أثر الشكر حتى حال الصبر على الفاجعة وأثر الفرد في حياته الخاصة وأثر تعدية النعمة إلى عباد الله كلهم بسطا للعدل ودوحا للقوة.
-
رد: مــــائة مصباح من مشكاة النبــــوة
الحلقة السابعة والستون
أخرج أبوداود عن جابر وإبن ماجة عن إبن عباس أنه عليه السلام قال "قتلوه قتلهم الله فهلا سألوا إذ لم يعلموا إنما شفاء العي السؤال وإنما كان يكفيه أن يتيمم ".
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــ
شواهده سائر الايات الناعية على القائلين على الله بغير علم .
موضوعه : ليس بعد إثم القول على الله بغير علم إثم يستوجب الدعاء على صاحبه بقتل الله له:
إختلف الرواة في ما إذا كانت المسألة متعلقة بجنابة أو بجراحة وحوصلة القصة أن ثلة من أصحابه عليه السلام كانوا في حاجة لهم فلما أدركهم الليل وباتوا أصبح أميرهم جنبا على رواية بعضهم أو مريضا مرضا معتادا أو من جراحة على رواية آخرين فأشاروا عليه بالطهارة المائية رغم البرودة الشديدة للماء ففعل فمات فبلغ ذلك النبي الاكرم عليه السلام فقال الذي قال أعلاه .
الحديث يرفع العملية إلى أقصى درجات حالات الطوارئ ويكاد يساوي بين المؤمن والكافر:
أعرف أن ما قلته في هذا العنوان الفرعي كبير فمهلا علي وتدبر معي الحالة القصوى التي عليها الحديث وأولها إتهامه لزمرة العلماء الذين إستشيروا في قضية فقهية فأشاروا بما عندهم من زاد علمي بالقتل وكان يمكن له عليه السلام أن يقول " سامحهم الله " أو " تسببوا في قتله " أو شيئا من ذلك بما يوحي بالتخفيف كما كان يمكن له أن يعد ذلك من باب الاجتهاد الخاطئ قياسا على ما جرى في صلاة العصر في الطريق إلى بني قريظة بعد الخندق ومما يرجح ذلك أن الصحابة ـ وأرجوك تدبر معي أنهم صحابة وليسوا إخوانا ولا أحبابا مثلي ومثلك إن كنا نصلح للاخوة أو الحبة نسبة إليه عليه السلام ـ لم يكونوا يقصدون قتل أميرهم ولا إيقاع أي ضرر به ولكن إجتهدوا بما عندهم من فقه فأخطؤوا. كما أرجوك إلى عدم نقض الشريعة بالافراط في إستخدام المجاز سيما عند تخلف شروطه اللغوية والشرعية والعرفية ولعلك تدرك معي جيدا أنه عليه السلام أفضل من تكلم بلغة الضاد فإذا كان بعض الانبياء من قبله أوتي الحكمة وفصل الخطاب فلا ريب أنه وهو خاتمهم وناسخ شرائعهم والمهيمن عليها لم يؤت لا حكمة ولا فصل خطاب بل هو ليس سوى الحكمة عينها وفصل الخطاب ذاته ولذلك يغدو قوله على أصحابه المجتهدين هنا " قتلوه " بريئا من كل مجاز محكما خطابه . ثم نمضي كماترى معي فلا نجد بعد ذلك سوى ما يجزم ويؤكد ما قلناه وذلك عندما دعا عليه السلام عليهم أي على أصحابه المجتهدين بالقتل من لدن الله ولا تظنن أنه عليه السلام في حالة غضب فهو لا يقول سوىحقا محقوقا في سائر حالاته من غضب وفرح وفقر وغنى ويسر وعسر ولعلك كذلك تعلم أن كل ذلك بما فيه الدعاء عليهم بإعتبارهم صحابة مجتهدين بالقتل من لدن الله وليس من لدن واحد آخر سواه هو وحي يوحى فلعلك تطمئن الان إلى أن القتل من جانب الاصحاب المجتهدين لاميرهم كان حقيقة لا مجال للتخفيف من أثر وطأتها وأن القاتل لهم ليس هو سوى الله سبحانه وهو دعاء تردد كثيرا في القرآن ولكنه ضد الكافرين . ثم مضى الحديث يعلل سبب إتهام الصحابة المجتهدين بقتل أميرهم وينسب إليه سبحانه قتلهم جزاء ما فعلوا فبين أنهم إستحقوا ذلك بسبب أنهم " لم يسألوا لما لم يعلموا " وبسبب أنهم " أعياء – ( جمع عي أي أحمق جاهل أخطل أخرق ) لم يبحثوا لهم عن شفاء "وهو شفاءعقلي يتحصل بالعلم الذي كان على الصحابة المجتهدين القاتلين بإجتهادهم الخاطئ وهو التيمم سواء كان الماء يضر أميرهم بسبب مرضه أو جراحته أو جنابته .
الدرس الاول من الحديث : الاسلام بسائر تكاليفه رحمة مهداة للانسان وليس نقمة :
وددت والله لو أن العلماء والمصلحين اليوم تجندوا لحشد مظاهر كرامة الانسان في الاسلام من خلال نصوصه وتراجمه العملية نبويا وراشديا وإني والله مرة أخرى لعلى يقين لا يضاهيه يقين بأنهم لافين من ذلك ما تضج به الارض أسفارا مسفرة وتجف منه البحار والانهار ولو جاء ربك بمثل ذلك مددا والسبب بسيط : تلك من كلمات الله " قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد..." لابل وددت لو أن العلماء والمصلحين بسطوا تلك الاثار كلها فنخلوها وسبروها تماما كما يفعل بالمادة الخام ثم إستخلصوا خمسا من الثوابت العظمى التي على الناس أجمعين أن يحفظوها عنا ونحفظها نحن كما يحفظ تلاميذ المدارس نشيدا أو مثلا وتكون تلك الثوابت هي نشيدنا الرسمي وزينة أعلامنا ومعالم أرضنا وبيتنا حتى لا تندرس تحت أقدام الطغاة ولا تحت دبابات المحتلين ولو فعل المصلحون ذلك لزعمت بأن ثابت كرامة الانسان قبل الاسلام وفي الاسلام وبعد الاسلام هو الثابت الثاني مباشرة بعد توحيده سبحانه وقبل ثابت الجماعة والامة حياة وشهادة وخيرية وبعدها لن تبقى لي سوى أمنية واحدة وهي أن يترجم كل ذلك إلى لغات العالم ثم يترجم في واقعنا. وهذا الحديث يعلمنا درسا لن ننساه مفاده أن الانسان سواء كان مجنبا أو مريضا أكرم على الله حتى من دينه وكعبته وقبلته وسائر ماخلق حتى الملك المسبح بحمده لا يفتر والسبب : من يتدين بالدين المنزل من السماء لو قتلنا الانسان بفقه أعمى أو بفتنة صارمة أو بدبابة محتل لا بل لمن الجنة لو فعل به ذلك وكان يمكن له عليه السلام أن يقول كما نقول نحن اليوم الذين نزعم إتباعه وحبه " قضاء وقدر " بلى نقول اليوم نحن ذلك ببلادة غير مسبوقة متجاهلين أن قتل الانسان بالفقه البليد الذي نسميه دينا هوكفر بالقضاء والقدر وهل الانسان سوى قضاء الله وقدره يسلط صالحه على طالحه فيهديه ومجاهده على ظالمه فيردعه .
الدرس الثاني : لامجاملة ولامهادنة على حساب الثوابت الكبرى :
كثير من المتدينين لا ينتظرون منه عليه السلام هذا الموقف الصارم فهم يجهلونه وكم منا من يجهله اليوم عليه السلام سوى أن دثارا من الله يواري سوءاتنا وكثير من أولئك يودون ألا يوصف الصحابة الذين دعا عليهم هنا بالقتل من الله سبحانه بالعياء وهم يجهلون طبيعة هذا الدين الذي لا يعرف المجاملة في الحق فهاهو الوحي يعاتب صاحب القلب الذي وعاه وبلغه في مواضع بعدد أصابع يمناك وفي ذلك درس بليغ لنا اليوم جميعا حتى نتوسط في خلق المجاملة فنحفل بها خلقا ساميا نبيلا تأليفا للقلوب وننبذها يوم تطغى على الموازين القسط وأي ميزان أقسط قبل ميزان تكريم الانسان فحتى التوحيد وهو الميزان الاعلى لم يعلمنا إياه سوى تكريما لنا وإلا فهو سبحانه لغني عنا لا تنفعه طاعة الطائعين ولا تضره معصية العاصين .
الدرس الثالث : الفقه المتعفن ضار بالعقول ضرر الغذاء المتعفن بالاجسام وكلاهما قتل للانسان:
بلى قتلوهم قتلا إستوجب دعاء المؤيد بالوحي عليهم بالقتل من لدن رب الحياة ورب الموت بلى قتلوهم بفقهم الجاهل ولو أخطأ أحدهم فقتل هذا الامير المقتول هنا بسيفه لاستغفر له الرسول ولوجد الله توابا رحيما أما حين أخطؤوا في الاجتهاد خطأ يصل إلى حد قتل الانسان فإنه لا يليق بهم سوى الدعاء عليهم بقتل الله لهم وأي نكير غفر الله لهم ولنا جميعا وهذه هي المعضلة التي طالما يقف عندها الناس اليوم حيارى : كيف يعامل عليه السلام أصحاب صلاة العصر في الطريق إلى بني قريظة على غير ما عامل به هؤلاء وكلاهما مجتهد وحل المعضلة هو أن الاجتهاد المأجور صاحبه حتى لو أخطأ مليون مليون مرة له حدود لا يتعداها حتى يستحق ما إستحق هؤلاء وتلك الحدود هي عدم تأدية ذلك الاجتهاد مهما كان خاطئا إلى قتل الانسان قتلا ماديا أو معنويا والسبب هو أن الانسان هو تاج صنعة من أحسن الصنعة سبحانه والله أشد منا جميعاغيرة .
الدرس الرابع : أمثلة حية عملية معاصرة من الفقه القتال للانسان بحكم إنتهاء صلاحيته :
بعض الاحكام وإن شئت أن تكون أكثر تحديدا ودقة فقل بعض الفتاوى إنتهت صلاحيتها فكيف نداوي بها أنفسنا بينما نرمي عرض الحائط بمثيلاتها من الاغذية البدنية ومنها : ـ منع السفارة السعودية بباريس في موسم الحج الفارط 1425 كل إمرأة فرنسية مسلمة من تأشيرة حج بدعوى عدم توفرها على محرم فقل لي بربك من أين تأتي المرأة الفرنسية المسلمة بمحرم وهي شريدة طريدة في مجتمع يحارب الله ورسوله والحريات لا بل قل لي بربك هل يخاف على عرض هذه المرأة المسافرة من بيتها إلى المطار في سيارة ثم في طائرة مليئة بالحجيج ثم تزاحم إخوانها في الطواف والرمي كرها بحكم الكثرة ثم ترجع في طائرة ـ منع مفت سعودي على إحدى الفضائيات سمعته بنفسي يفتي إمرأة سورية مات والدها في دمشق وهي لم تره ولا عائلتها لاسباب سياسية منذ عقود بعدم جواز سفرها بالطائرة من ألمانيا إلى سوريا لهذا الغرض لعدم وجود محرم رغم صحبة إبنها وهو صبي مميز كما يقولون ـ إصدار مفتي السعودية قبل شهرين لفتوى سمعها العالم بأسره على الفضائيات تقول بحرمة المقاومة والجهاد في العراق المحتل ضد الامريكان ـ إفتاء كبير أساقفة الازهر ورئيس كردينالاته السيد طنطاوي بحلية الربا بسائر أصنافه حتى ربا النسيئة ذي الصورة البدائية المعروفة وهو محل التعامل اليومي الاقتصادي البنكي ـ إفتاء جلول جريبي كبير قساوسة تونس قبل عام ببطلان صلاة الجمعة التي لا تتضمن دعاء لفخامة الرئيس .
الخلاصة : ليس الاحتلال الصهيوني والامريكي ولا الشيوعية وبناتها من مادية وعلمانية ولا الاستشراق الصليبي المتدثر بدثار البحوث الدراسية ... ليس كل ذلك ولا غيره كثير بأشد عداوة للاسلام ودعوته المعاصرة من مؤسساتنا الدينية الرسمية والدليل قوله " إتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله ..." ولما قال عدي بن حاتم له عليه السلام وهو ينزع عنه سوارا أحاط بعنقه " إنهم لم يعبدوهم " قال عليه السلام " أليس أحلوا لهم الحرام فأستحلوه وحرموا عليهم الحلال فأستحرموه" قال عدي " بلى" قال عليه السلام " فتلك عبادتهم إياهم ".
-
رد: مــــائة مصباح من مشكاة النبــــوة
الحلقة الثامنة والستون
أخرج البخاري ومسلم ومالك والترمذي وغيرهم عن أبي هريرة عليه الرضوان أنه عليه السلام قال " ينزل ربنا كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الاخير فيقول من يدعوني فأستجيب له من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له ؟".
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــ
من شواهده " قم الليل إلا قليلا .." و" وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا " الخ ...
موضوعه : لا سبيل لتحقيق نهضتنا المنشودة بسوى إستمطار المدد الرحماني ساعة إنهماره :
ستجد الغافلين منا أولئك الذين تصيدهم الشيطان في حبائله بإسم العلم والفقه يظلون يعكفون على قوله " ينزل ربنا " فيفتحون للمعارك حامية الوطيس جبهات مستعرة لواؤها الجدل الفارغ حول غيب لسنا مؤهلين فطرة لكنه سوى ما يفيدنا في حياتنا منه وبذلك يورون نار حروب الكلام المشتعلة في صدر تاريخنا لاسباب كانت يومها ربما مقبولة والويل لك إن لم تكن في مستوى مضارعة مثل هذه العلوم فأنت في حساب هؤلاء بطن الارض خير لك من ظهرها . حوقل بلى لقد آن لنا أن نحوقل عشرا حسرة وأسفا على ما أصاب العقل الاسلامي حوقلة مندهش آمل لاحوقلة يائس . لا بل آن لنا إستعادة الحكمة المالكية فإذا كان الاستواء معلوما وكيفيته مجهولة فالنزول هو كذلك سوى أن الايمان به واجب والسؤال عنه بدعة تمكن للظلم فينا .
القوة الروحية هي التي هزم بها سلفنا الاعداء المدججين فهلا ولجنا حماها ؟:
يتجه بعض الوعاظ والمصلحين إتجاها غريبا يخلط بنيان الانسان خلطا مريبا وذلك حين يندفعون في إبراز جانب على حساب آخر كلما كانوا بصدد ذلك الجانب فإذا كان الموضوع يقتضي التعبئة الروحية فإنهم يحدثونك بخطاب مؤداه أن سائر ضروب القوى الاخرى لا وزن لها كلما كانت تلك حاضرة جاهزة وهكذا يدورون مع كل دورة جديدة وليس ذلك سوى مثال باهر من أمثلة إختلال التوازن في تربيتنا فحتى هذه لا ينصرف ذهنك منها سوى إلى التربية الروحية وكأننا لسنا في حاجة إلى تربية أبعادنا الانسانية الاخرى وهو منهج مخالف للقرآن ولكم جنت النظرة الجزئية قولا وعملا على المنهج القرآني الشامل الكامل المتكامل المتوازن المعتدل الوسطي .
غير أنه لابد لنا من التقرير منذ البداية بأن القوة الروحية المقصودة ليست هي تلك العاطفة المشبوبة التي تجعل الواحد منا يحب الله ورسوله ودينه وكتابه وأمته وغيبه وهو صادق في ذلك سوى أنه لا يحرك بذلك ساكنا فيظل يراوح مكانه وهو يحسب ويحسب الناس معه من حوله أنه قوي روحيا فإن سألت عن بقية ضروب القوة التي فرط فيها فلا يتردد بالقول بأن القوة الروحية تكفيه مؤنة ما فرط فيه وهو حمق طائش فالقوة الروحية الاسلامية الصحيحة هي التي تجعل القلب دوما موصولا بربه سبحانه ولكنه وصل عبر ما قررت الشريعة ذاتها وليس وصلا بما إبتدعته العقول المنحرفة التي إختارت الهروب والانسحاب وليست وسائل تلك الوصل غيبية ولا غريبة ولا يعرفها سوى أهل الدين بل هي مبسوطة يقوم عليها البناء الاسلامي وأولها الصلاة والصيام والزكاة والحج والذكر بسائر أنواعه المادية والمعنوية ولذلك لك أن تقرر بطمأنينة كبيرة بأن كل من سلك ذلك بإخلاص وإتباع صحيح حسن وداوم على ذلك فإن قوته الروحية كبيرة والاهم من كونها كبيرة فهي معتدلة متوازنة متوسطة صالحة لتعمير القلب والحياة في آن واحد فأسلافنا الذين هزموا الاعداء المتطاولين عليهم في كل زمان ومكان لم يكونوا يسلكوا للقوة الروحية الكفيلة بصنع التوازن بين القوة العددية والحربية للعدو وبين دونيتها عند الاسلاف بالذكر والتلاوة والتفكر مثلا دون الزكاة التي فيها مصلحة الفقير ووحدة المجتمع ولا دون الحج المحرض على التعارف والتعاون لا بل كانت جل إنتصاراتهم رغم إختلال التوازن بينهم وبين عدوهم المحارب في موسم الصيام في رمضان كما لنا أن نقرر أمرا آخر وهو أن المداومة على مزاولة تلك العبادات بإخلاص وإتباع وتوازن بين حاجة الروح منها وحاجة العقل وحاجة البدن وحاجة الجماعة كفيل بغرس تلك القوة الروحية الكفيلة بالتوكل والثبات والصمود وغرس سائر المعاني التي يحتاجها كل مكروب وملهوف ومظلوم من يقين وثقة وأمل وهو الامر الذي حرمت منه أجيال كثيرة تالية حتى مع إلتزام العبادات وبالخلاصة فإن إكتساب تلك القوة الروحية وفق تلك المقررات الانفة الذكر هوالحد الادنى المطلوب لتجاوز إختلال توازن القوى بين الظالم والمظلوم ولنا اليوم في معركة الفصائل الجهادية في فلسطين خير درس وعبرة فالقوى لا تقارن غير أن القوة الروحية الاسلامية الصحيحة هي التي ذللت فارق ذلك الاختلال لصالح المقاومة ومن قبل كان الامر ذاته في الجزائر واليوم في العراق وكلما أعتدي على مسلم .
الحديث يعدد الحاجات الثلاث للقوة الروحية : الدعاء والسؤال والاستغفار :
القوة الروحية معناها المبالغة في التذلل من لدن الضعيف في حضرة القوي إلى حد إستمطار رحمته وهو ما يتكفل به الدعاء وهي الالحاح في سؤال الحاجة كل حاجة من لدن المحتاج الفقير بحضرة الغني الكريم إلى حد إستمطار عطائه وهي إظهار الندم على كل تفريط من لدن المملوك في حق المالك ولي النعمة بسائر مظاهر الندم إلى حد إستمطار هبة العفو الرحمان وتجاوزه عن عبده فالقوة الروحية إذن هي قوة عاطفية قلبية باطنية داخلية تتغذى بالدعاء وبالسؤال وبالاستغفار وفي الان ذاته هي تعبر عن مدى العبودية والدينونة والافتقار من لدن العبد المملوك في حضرة سيده ومالكه وولي كل نعمه وسر تلك القوة الروحية الكفيلة بتعديل موازين القوى المنخرمة دوما لصالح العدو المحتل يكمن في كونه سبحانه يملك سائر أسباب النصر والسعادة للعالمين غير أنه لا يهبها سوى لعباده المعترفين به وبقوته الخاضعين لجبروته المقرين بضعفهم العاملين على تغذية قلوبهم بسؤاله ودعائه وإسترحامه كما يكمن سرها في كون القلب الذي هو قائد الجهاز البشري كلما كان موصولا بأصل قوته وخلقه كان مضيئا منيرا يسري النور في شرايينه والله سبحانه نور السماوات والارض لا يمد نوره سوى للقلب الموصول تماما كما هو الحال في الدنيا وأنوارها الاصطناعية .
القوة الروحية سلاح فرطنا فيه كثيرا فهلا تداركنا وهل من خطة عملية لذلك ؟:
لست أعني وما ينبغي لي أن التعويل على القوة الروحية كاف وأن التفريط في سائر القوى الاخرى بكل أنواعها مغفور كلما كان التركيز على القوة الروحية كبيرا أو مؤت أكله لا بل إن المنهج الاسلامي لا يرضى سوى التكامل والكمال والشمول والصدق والجماعة وكرامة الانسان ولكن أرى أن جهودا كثيرة طيبة في مجال إكتساب سائر القوى للامة رغم الخذلان الصهيوني والغربي عامة سوى أن ذلك لا يقابل منا جميعا بإستنبات قوة روحية تقوم على الصبر والانتصار واليقين والثقة والامل والشكر والتوحد والكرامة والجماعة والحرية وإكتساب القوة الروحية ليست مسؤولية فردية صرفة بل هي جماعية بالاساس ولولا ذلك لما فرضت صلاة الجماعة والجمعة وسائر العبادات الجماعية وإكتساب القوة الروحية ميسور لنا دوما رغم كل حالات الاحتلال والظلم والتشريد والتفقير والتجهيل وذلك من فضل الله سبحانه وكأنها رسالة إلينا مؤداها أن القوة المادية قد تعسر عليكم لظروف ماكرة من عدوكم أما تقصيركم في جنبي فليس له عذر وليس له من سعر سوى تأخر نصري وتوفيقي وسندي ومددي وتلك هي الحالقة .
ـ صلاة الجماعة في المساجد وأحياء سنة الاعتكاف والقيام الجماعي المنتظم .
ـ الالحاح في الدعاء والاخلاص فيه وصلاة الحاجة وقنوت النوازل وتجديد التوبة دوما.
ـ ملازمة الذكر وخاصة التلاوة والتفكر والاذكار المأثورة في مظانها زمانا ومكانا وحالا .
ـ الاقبال على مدارسة القرآن والسنة والسيرة فهما وتدبرا ووصلا بالواقع .
ـ الاقبال على مدارسة التاريخ الانساني والاسلامي إلتقاطا للعبرة النافعة لمعركة اليوم .
ـ تفعيل أطر التحابب والتهادي والتزاور والتناصح قولا وعملا بمقصد صنع المؤاخاة .
ـ بناء الاسر الاسلامية الصالحة تمهيدا لتربية نشء صالح .
ـ إعلان الشعائر وخاصة العبادات المعروفة والمناسبات المعلومة بحسب ما تسمح به الاعراف .
ـ إنشاء المدارس القرآنية والاسلامية عامة من البيت إلى الحي وسائر البيئات الممكنة .
ـ فهم المقصد الاسلامي من العبادات وسائر التكاليف والعكوف على سلامة القلب وحياته .
ـ تعهد المحتاجين بإنتظام وقوة وإنشاء روابط الاغاثة لكل ملهوف ويتيم وضيف ومعسر وناكح .
ـ صلة الرحم والجار وخاصة حال الخصام .
ـ الحرص على غرس مكارم الشكر والصبر والحياء مع الله ومع الناس عمليا .
ـ الانخراط في معركة الحياة ونبذ العزلة والصبر على لاواء الحياة صبرا جميلا .
ـ إنتاج القدوات الاسلامية العملية رجالا ونساء وشبابا .
ـ النهل من العلوم والمعارف بنجاح وتفوق في سائر التخصصات .
ـ الانخراط في حركات الاصلاح والتغيير تسديدا للرأي وبذلا للمال وتعاونا مع الناس .
فالخلاصة هي إذن أن الحديث يرشد إلى منابع القوة الروحية الكفيلة بحياة القلب وبتغذية سائر جوانب القوة الاخرى وتسديد سيرها تحصيلا وإنفاقا كما يرشد إلى أن مبنى القوة الروحية على الدعاء والسؤال والاستغفار وبخاصة في مظانها " إن ناشئة الليل هي أشد وطئا وأقوم قيلا " وليس لنا سوى التعاون على بناء الاطر الكفيلة بتكسب القوة الروحية وتجديدها لاحداث التوازن في موازين القوى المنخرمة لصالح عدونا المحتل المحارب أو المنافق اللئيم ولايظنن أحد أشقته المادية الكافرة أن تأييد الله سبحانه لعباده الصادقين بالملائكة في حروبهم حكرا عليهم .
-
رد: مــــائة مصباح من مشكاة النبــــوة
الحلقة التاسعة والستون
أخرج البخاري عن أبي هريرة أنه عليه السلام قال " قال تعالى : من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب وما تقرب إلي عبدي بشئ أحب إلى مما إفترضته عليه ولا يزال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها ولئن سألني لاعطينه ولئن إستعاذني لاعيذنه ".
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ
من شواهده " ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون " و" إن الله يدافع عن الذين آمنوا"
موضوعه : عقد الولاية مع الله هو السبيل إلى القوة التي لا تغلب والعزة التي لا تذل :
هذا حديث قدسي يفتح فيه ربنا سبحانه أقصر وأضمن السبل إلى القوة التي لا تغلب والعزة التي لا تذل والغنى الذي لا يفقر غير أن الاختلاف عليه مازال يفعل فعله في عقول كثير من أبناء المسلمين اليوم وذلك بالنظر إلى تعبيره عن قوته سبحانه وكيف يمنحها عبده ووليه إذ أشكل ذلك على بعض الناس وليس أيسر على المرء من سبيل فهم المقصود من كل حديث فيعفي نفسه من عناء وضنك كان في غنى عنه فلكل شئ كما يقول المناطقة جوهر وعرض أو حقيقة ووعاء والحديث لا يزيد على تأكيد أن الله سبحانه يدافع عن وليه كما جاء القرآن بذلك كلما كان مستقيم الايمان والعمل محسنا يتحرى الاحسان في كل أمر وشئ إرضاء لربه سبحانه وهو دفاع لا حدود له حتى أنه يتحول به الولي إلى قوة لا تقهر في هذه الدنيا فإذا ما إنصرف الناس إلى الاغضاء عن رسالة الحديث بوضوحها وجلائها هذا وظلوا يتخاصمون حول سمع الله وبصره ويده كيف يستخدمها وليه فإن ذلك ليس مطلوبا منهم أبدا وليس ذلك مقصد الحديث .
الحرب المشنونة منه سبحانه تستهدف صنفين من الناس : المرابون وأعداء أوليائه :
لم يستخدم الوحي قرآنا وسنة كثيرا مصطلحات الحرب سيما حربا مشنونة منه سبحانه وذلك لان رحمته سبقت غضبه وصفات الرحمة أكثر من صفات الغضب حتى قال محققون منهم إبن القيم بفناء النار بخلاف الجنة وذلك في سوى موضعين أحدهما في القرآن " فأذنوا بحرب من الله ورسوله " ويقصد المرابين أما الموضع الثاني فهو في السنة في هذا الحديث والسبيل إلى فقه رسالة الاسلام هو السؤال لم إختار سبحانه إثمين فحسب من سائر الاثام فشن عليهما أقصى عقوبة وهي عقوبة الحرب المشنونة منه وهل يتصور واحد منا كيف أن مرابيا أو محاربا لاوليائه واقفا في ساحة وغى وخصمه هو الخلاق العظيم القوي ويكفي ذلك مبلغا من الاثم ولاشك أن في الامر سرا كبيرا لو خطونا خطوة لكنهه لتجلى لنا بأن الله يحابي في هذه الدنيا محاباة عدل وإحسان صنفين من عباده أولهما الفقراء والمساكين والضعفة الذين يتضورون جوعا أما الصنف الثاني فهم أولياؤه الذين جاوزا منطقتي الايمان والاسلام إلى الاحسان وهل جزاء الاحسان إلا الاحسان في حسابه سبحانه كما أن الوجه الاخر لذلك السر هو أن من عادة الدنيا أن يكون المرابون وأعداء أوليائه حزبا واحدا كحال فرعون الظالم السياسي وقارون الظالم الاقتصادي والسحرة قبل إسلامهم شعراء البلاط وكلهم مشاهد حية ضمن رقعة مسرح واحد وهذا اليوم جلي فتحالف رساميل السحت مع مغتصبي الحكم جسم واحدا ينخر كيان الامة .
القرآن يعرف أولياء الله سبحانه : الذين آمنوا وكانوا يتقون :
يرجى الرجوع إلى ما كتبه إبن تيمية وخلاصته أن ولاية الله سبحانه متوزعة على المؤمنين بحسب قربهم وبعدهم منه سبحانه وليس الاولياء كما وقر في العقول المشركة قديما وحديثا طبقة من العرافين والدجالين أو التقاة والعباد وأصحاب الاحوال المريبة والطرق البعيدة عن الكتاب والسنة وليس للتقوى حدود كما تعلم ولاشك أنه سبحانه أغير على وليه الاقرب إليه من وليه الابعد عنه وكذلك أعداؤه ينالون من وليه الاقرب إليه أكثر نيلا من الابعد عنه .
لم يعادي الظالمون أولياء الله سبحانه ؟:
لا يعادونهم سوى لان وجودهم وحركتهم يعملان على تحرير الناس وتكريمهم بكلمة الله سبحانه وبالعبودية له والافتقار إليه وهو الامر الذي لو إنداح بين الناس فإن مآله ثورتهم على طبقة الظالمين الذين عادة ما يكونون مغتصبين لحق الامة في الحكم وفي الثروة وفي تصريف أمرها حيث تريد وهي ذات القصة التي عكف عليها القرآن كما لم يعكف علىغيرها وهي قصة موسى فإذا عرفنا أن الاسلام جاء لتحرير العبيد من الارباب الكاذبة وتخليصهم لعبادة ربهم الحق سبحانه فإن الصدام حتمي بين أولياء الله وبين أعدائه وتلك هي قصة الوجود الانساني دوما من لدن آدم عليه السلام إلى أن يرث الله الارض ومن عليها .
ساحة المعركة بين الاولياء والاعداء يفصح عنها الحديث وهي : رسالة الانسان في الحياة :
لو قرأت الحديث قراءة شاملة تصل فيها أوله بوسطه وآخره لادركت أن موضوع المعركة هي العبادة وخاصة المفروضة من صلاة وصيام وزكاة وحج وما إلى ذلك في سائر المجالات فالتقرب من لدن الولي إلى ربه سبحانه بالايمان والعبادة والاحسان من شأنه صرف وجهه ووجوه الناس من حوله عن الخضوع لظلم العدو المغتصب لسلطة السياسة أو الدين أو المال وعندها ليس للظالم من حيلة سوى صرف الولي ومن تبعه عن الدين الذي يصرف وجوه الناس عنه ويجرؤهم عليه بعد قليل وربما يطردونه شر طردة وبدون إدارته لتلك المعركة فإن عرشه إلى زوال ولو بعد حين ومن يأمن ثورة المستضعفين ضد المستكبرين لا تأتيكم إلا بغتة وهو الامر الذي فصله القرآن في قصة أصحاب الاخدود " وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله .." ولك أن تشفق على إيمان هؤلاء الذين يقولون اليوم وما شأن الايمان والعبادة بالمعركة بين الظالمين والاولياء ذلك مبلغهم من الايمان ومن العلم سواء بسواء وأولئك لا ينالهم من الاذى نائل .
الطريق إلى تحرير الناس وتحرير الاوطان وإقامة العدل ونصرة الاسلام : الالتزام بالفرائض :
لو أن الناس لم يزيدوا على الايمان والفرائض الاربعة المعروفة حسن فهم وحسن إقامة في جماعة ومداومة وإخلاص فإن سائر ما بقي من حياتهم تنصلح لا بل إن ذلك لكفيل بطرد سائر ما يخشون من حولهم ذلك أن أصول الاسلام هي عماد الحياة لو أقيمت عقلا وقلبا وجارجة وجماعة حق الاقامة فالطريق إلى النصر والقوة يقوم حتما محتوما على تلك الاعمدة وبذلك تفهم كيف أن الحرب اليوم مسلطة على الايمان في بعض جوانبه على صلاة الجماعة وخطب الجمعة وعلى مظاهر المسلم رجلا وأمرأة في اللباس ساتر العورة ولو تعرف كم يتربص الظالمون بالملايين المملينة التي تؤم المساجد في البردين و في رمضان سيما من الشباب ذكورا وإناثا ولو تعرف كم يتبرمون من شعيرة الحج ولو تعرف كم يربح المسلمون لو فعلوا تلك العبادات لضخ الروح في حياتهم ولو تعرف كيف يضيقون بالقرآن وحلاله وحرامه وكثير من آياته ومن السنة ومن الخلفاء الراشدين ومن كلمات الجهاد والقوة والجماعة والشورى والعدل ... لوتعرف كل ذلك ما فرطت أنا ولا أنت يوما واحدا في فرض مفروض " يكادون يسطون بالذين يتلون عليهم آياتنا ".
الاحسان طريق القوة التي لا تقهر والعزة التي لاتذل والوحدة التي لا تفرق والعدل الذي لا يظلم:
رجائي هو ذكرك للحديث مرة بعد مرة بتدبر لان فيه قوة لا تقاوم ومعاني لا تضاهى فما ذا عساه يكتب القلم ويخطر بالقلب يوم يقول الرحمان سبحانه لعبده بأن قوته وعزه وسائر أسباب سعادته متوقفة على إحسان عبادته له بإقتراف النوافل و النوافل ليست مقصورة على العبادات المعروفة فلكل عبادة نوافلها بدء من الايمان حتى إماطة الاذى عن الطريق ولكل شأن فريضته ونافلته لا يملك المرء سوى أن يبشر نفسه بذلك ويبشر غيره ويحض على الاحسان والنوافل وفعل الخير لانه بصريح منطوق الحديث الصحيح طريق إلى القوة بسائر مظاهرها وهل نحن اليوم بحاجة إلى اللبث طويلا في سفوح الذل ومهاوي الفقر ومرادي الظلم لا لقد طال المقام بنا هنا فلنرحل . الاحسان يجعلك تبصر بنور الله وتسمع بسمعه وتبطش بيده وتمشي برجله فكيف نتوانى ونتردد ؟ وليس معنى ذلك تحولا في تكويناتك البيولوجية فيمتد أمد بصرك وسمعك بأكثر مما هو معتاد منك ومن الناس ولكن معنى ذلك القدرة الفائقة على فقه الحياة بسائر وقائعها وفقه السبيل الاوفق للتعامل معها والقدرة على إكتساب أسباب القوة بسائر مظاهرها دون حصول قوة غير إنسانية في اليد ولا في الرجل ولكن القوة المقصودة قوة إنسانية مؤمنة عزيزة تحمي الضعيف المظلوم وتبطش بالظالم وهذا يتطلب علما ومعرفة وإجتماعا وحرية وعدلا وتسخيرا للارض وللفضاء .
الولاية طريق النصر وحب الله طريق القوة وكلاهما طريق إلى أسباب العطاء وصرف البلاء:
لابد لك من ذكر الاشعث الاغبر المدفوع بالابواب ذي الطمرين لو أقسم علىالله لابره حتى نفهم معا أن الولاية طريق النصر وأن حب الله طريق القوة وأن الولاية والحب طريق إلى أسباب العطاء وصرف أسباب البلاء والشقاء وشماتة الاعداء كما ورد في آخر الحديث .
الخلاصة : على طلائع الامة المجاهدين في سبيل تحررها وعزتها ومجدها العلم بأن الطريق إلى كل ذلك وأكثر منه عددا وعدة هو الاخبات إلى ولي النعمة سبحانه بالاحسان زيادة في الايمان وتواضعا في الاسلام وذلك كفيل بصرف نفاذ عداوة الاعداء وكفيل بكسب القوة التي لا تقهر وهل يقدر عدو فضلا عن صديق على قهر قوة الله سبحانه وهو كفيل بجلب أسباب العطاء وصرف أسباب الشقاء والذلة . فهل نتأخر بعد اليوم عن الاحسان والعز على مرمى حجر؟
-
رد: مــــائة مصباح من مشكاة النبــــوة
الحلقة السبعون
أخرج إبن ماجة والنسائي وأبوداود والحاكم عن إبن عمر أنه عليه السلام قال " من تطبب ولم يعلم منه طب فهو ضامن ".
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــ
من شواهده " فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ..." و" وأسأل به خبيرا " وغيره كثير...
موضوعه : العدوان على العلم بمختلف تخصصاته عدوان على الانسان دونه الضمان :
لابد لنا لحسن فقه هذا الحديث سيما برسالته العامة المؤكدة من تنزيله في سياقه التاريخي أي قبل خمسة عشر قرنا وسياقه المكاني أي شبه الجزيرة العربية حيث تمتد كثبان الجبال الصخرية السوداء أو تنبطح الوهاد تعانق النجاد فلا يكاد يظفر الحاضر فضلا عن البادي بجرعة ماء تطامن من غلواء رمضائه ولا مجال لحديث يومها عن تخصصات علمية متقدمة بمثل ما هو عندنا اليوم فيجئ هذا الاعلان النبوي يومها نقلة نوعية في الوعي العلمي من جهة والفقه الانساني من جهة أخرى وهو وراء سائر النبوغات العلمية التي ظهرت من بعد على يد إبن سيناء وإبن النفيس وإبن الهيثم والرازي والقائمة طويلة لا تحصى بل لا دعني أهمس إليك بأن ذلك كان وراء التقدم العلمي الذي يرهب به اليوم الغرب أمتنا ويوظف هناك شر توظيف حينا لقتل البشرية وحينا لمساومتها على إرادتها وحريتها ولكن دعنا من هذا الان فلسنا بصدده .
الدرس الاول : التخصص لا يقتصر على الطب بل يتعداه لسائر العلوم الكونية والاجتماعية :
لا أظن أن أحمقا يتجرأ على القول بأن الحديث فرض التخصص في مجال الطب وليس ثمة ما يدعو سواء شرعا أو لغة أو عرفا إلى تعديته إلى سائر المجالات سواء كانت كونية أو إجتماعية لان ذلك ضرب من الحمق الطائش بل إن هذا الحديث لدليل ساطع باهر على ضرورة بناء وتشييد المعاهد والكليات والمدارس العلمية المتخصصة في سائر المناشط الانسانية بإعتبار أن الانسان هو غاية التشريع ووسيلته في الان ذاته وبإعتبار أن التطور العملي ضربة لازب على حركة الكون بحكم أن الباري سبحانه بناه وشيده على سنن الحركة والتغير والكدح التقدمي تنفيذا لارادته ومشيئته سبحانه وربما يعترض بعض الناس على أن التخصصات الكونية لابد فيها من التخصص لئلا يتعرض الناس إلى القتل العمد أو شبه العمد أو الخطأ أما العلوم الاجتماعية أو الانسانية إن شئت فإن التخصص فيها يلغي حرية الرأي والتفكير والواقع أن حالنا اليوم هو كذلك بالضبط والتحديد ولكن دعني قبل المرور إلى ذلك أذكر بأن التخصص المفروض هنا في هذا الحديث على سائر العلوم الكونية والاجتماعية بقصد تكريم الانسان لا قتله وتحريره لا إستعباده لا يقتصر على الناحية العلمية الفنية الاجرائية التقنية بل يتعداها إلى الجانب الاخلاقي أم أنك ترى أن الطبيب الماهر الشاطر الباهر في صنعته لا حرج عليه لا إستتباعا قانونيا ولا أخلاقيا لو غش المريض بأي صفة من صفات الغش وطرائقه المتعدده وهل تغني مواثيق الشرف في المجال الطبي وفي سائر المجالات لو داسها طبيب أو عالم آخر في أي مجال بقدميه فجنى على البشرية وماذا لو عمدت الدول الغنية بدفن نفاياتها الكيمائية في البلدان المحتلة الفقيرة طوعا أو كرها وماذا لو أحرقت التجارب النووية والاسلحة الجرثومية الفتاكة فدادين لا حصر لها من الاراضي الصالحة للزراعة في بلد يقتات على الزراعة لا بل ما ذا لو نكبت البشرية بما نكبت به ومازالت آثاره إلى اليوم في المواليد أي القنابل المسلطة على هيروشيما وناكازاكي في اليابان وماذا لو إستخدمت الاسلحة الكيميائية وقنابل النابالم لابادة عرق كالاكراد أو شعبا كالعراق أليس كل ذلك يدخل في نطاق التطبب وحذق مهنة الطب أو سائر العلوم التي ترجع بالفائدة أو بالضرر على الانسان أم أن التطبب عملية فنية علمية لا يعترف المجتمع الدولي بسوى تخصصها العلمي أما الاخلاقي فقضية شخصية بين الطبيب وبين نفسه أو ضميره أو ربه إن كان مؤمنا أو هواه إن كان ملحدا أرأيت معي كيف أن قضية التطبب أو التخصص العلمي في كل مجال كوني وإجتماعي لا يجب أن يقتصر على الجانب العلمي بل لابد له من الجانب الاخلاقي والان نمر إلى قضيتنا الاولى ومؤداها أن فرض التخصص على العلوم الاجتماعية ملغ لحرية الرأي فعلوم النفس والاجتماع والسياسة والفن والدين والاقتصاد والثقافة والتغيير وسائر ما يتعلق بالجوانب العاطفية والروحية والذوقية والمعنوية من الانسان مزدوج التركيب ليست حكرا على المتخصصين سيما أن مدارسها أكثر من أن تحصى ففيها إتجاهات وإجتهادات وكل محاولة لضبطها هو إلغاء بالنتيجة لحرية الرأي والحقيقة أن القضية نسبية بدرجة عالية غير أن لكل قضية نسبية حماية لها من الرجوع بالضرر على الانسان سيما في جوانبه الانسانية المعنوية لا المادية التي هو بها إنسان من فلسفة عامة تؤطرها وتضبط حدودها وتضع لها خطتها العامة ومشروعها الكبير وفي داخل تلك الفلسفة بخطتها ورؤيتها ونظرياتها ومشاريعها لا بد من التنوع والاجتهاد والاختلاف والتعدد أما خارجها فلا لان الانسان هو المختبر الذي سيخضع لسائر تلك الفحوصات والتجارب التي لا تقل خطورة في حالة الفشل والخطإ عن التجارب النووية لا بل هي أخطر لان النووي يقتل المادة من الانسان والارض والعمران أما النووي الروحي والنفسي والمعنوي عامة فهو يقتل القيم والمثل وأسس الانسانية في الانسان فيغدو وحشا كاسرا لا تليق به سوى الغابات والمجال كما ترى لا يتسع لتفصيل أكثر ولكن كثر الحديث منا جميعا اليوم على أن الدين مثلا وهو علم إجتماعي إنساني بوجه ما وبمعنى ما كعلوم النفس والاجتماع والسياسة والاقتصاد والتاريخ ما ينبغي أن تحتكر علومه الشرعية كأصول الدين وأصول الفقه وعلوم القرآن والحديث واللغة مثلا لطبقة من العلماء فهو كلا مباح يقول فيه كل قائل برأيه ولاحرج وهل يقبل ذلك حيال سائر العلوم الاجتماعية فضلا عن الكونية والمثال ذاته قسه على علوم النفس والاجتماع والتاريخ والاقتصاد والفلسفة والسياسة فكلها لابد لها من فلسفة عامة ونظرية واضحة المعالم لها خططها ومشاريعها وأهدافها ومهامها وضوابطها ووسائلها وعنوانها الاعظم الانسان والحرية والوحدة والاجتماع وقبل ذلك كله التوحيد ولابد ـ وليس لابأس فحسب ـ من تعدد سائر ما هو دون ذلك إلى حد التقابل لا التنافي والتضاد وهو تقابل تقتضيه سنة التعدد الكونية والاجتماعية ففي الدين مثلا لم يكن تعدد المدارس الاصولية عقيدة وفقها سوى عامل إثراء وتخصيب للفكر الاسلامي رغم التنافر أحيانا ولم يكن ذلك ليكون لولا وضوح الفلسفة العامة محل الاجماع وعلى ذلك النحو لابد لسائر العلوم والتخصصات العلمية والمعارف في المجالين الكوني والاجتماعي أن تسير وإلا إنقلبت داء وبيلا على الانسان في حين أن العلم شرف له وخادم
الدرس الثاني : الضمان مسؤولية المجتمع بسائر مؤسساته تكريما للانسان وصونا لحياته :
الضمان معناه أداء قيمة مالية مقدرة للضحية أو ولية مقابل الضرر الذي أصابه والضامن هو المتسبب في الضررأوعاقلته وهي اليوم رابطته التأمينية والضمان إجراء عادل تعمل به سائر التشريعات قبل الاسلام وبعد الاسلام إلى يومنا هذا غير أن حرص التشريع الاسلامي على حياة الانسان ومتقوماتها ومتعلقاتها بلغ شأوا كبيرا حتى عرف الفقه مسألة تضمين الصناع وهو مخالف للقياس ولكن تقتضيه مصلحة الناس وليس هنا مجال التفصيل في الامر وإذا كان المجتمع يومها ليس له مؤسسات علمية يتخرج منها الاطباء وسائر أهل الفنون والمهارات سوى عبر التجربة والدربة فإن الحديث إكتفى بالاشارة إلى الضمان وليس من عادة مجتمع السماح لمتطبب لم يعلم عنه طب ثم غرم بالضمان بالعودة إلى سالف عهده أما اليوم فإن المجتمع مسؤول عن تخريج ما يحتاج من العلماء في شتى المعارف الكونية والاجتماعية عبر العلوم في المؤسسات المرصودة لذلك ثم إخضاع أولئك لفترة تجربة تصقل فيها مهاراته عمليا وهو معمول به خاصة في مجال الطب ثم لو حصل خطأ من لدن ذلك الطبيب أو العالم فإنه معرض لدفع الضمان وربما لعقوبات أخرى تصل حد الحبس والتغريم وربما التجميد والفصل وكل ذلك هو عين ما شدد عليه النبي الاكرم عليه السلام إقتضاء كما يقول العلماء غير أنه يجب أن يعلم من الجميع أنه عليه السلام لم يفعل ذلك سوى تكريما للانسان وتحريرا له . كما أن الضمان هنا قد يصل إلى حد دية شبه العمد أو الخطأ فإذا كان المجتمع غير غافل عن مسؤوليته فإن له أن يعتبر الضرر الناتج عن سوء الخلق من لدن الطبيب أو العالم بصفة عامة عنصرا قارا في كل قضية .
مثال حي معاصر عن عدم تحمل المجتمع لمسؤوليته في قضية الطب النفسي :
الامثلة كثيرة ولكن لامجال الان لسوى واحدة منها فحسب وهي منتشرة اليوم في سائر مجتمعاتنا العربية والاسلامية وهي المسؤولة عن تكريس التخلف العلمي والانحطاط النفسي والفرار إلى مجاهيل القرون المظلمة وإفراز طبقة من الدجالين وأدعياء العقلانية مستفيدة من سحتها وهي ما يسمى اليوم بالعيادات القرآنية أو النفسية وكثير منها تحت الارض وكثير منها فوق الارض وكثير منها بإسم القانون وكثير منها برعاية العقلانيين التقدميين من الحكام وملئهم وحاشيتهم وكثير منها بل ألاغلب إن لم تكن كلها تخاصم الاسلام في أسمى رسائله وأخص خصائصه وهو قدرته العجيبة عبر الايمان الصحيح السليم الحي على صيانة الانسان في كل أحواله من سائر الامراض النفسية سواء التي يسببها الجن أو الانس أو الفقر أو الظلم وأغلب تلك المصحات والعيادات تنخر جسما إسلاميا بالكاد يتماثل للشفاء عبر ثقافة الغش والدجل والكذب والناكية الناكية أن ذلك يتم بإسم القرآن والسنة وبإسم القانون والتقدم والتحضر وبإشراف الدولة الحديثة العقلانية التقدمية التي قامت مشروعيتها على الديمقراطية وحقوق الانسان والحضارة والمدنية وتحرير فلسطين وتحقيق الوحدة العربية فأبشر أيها المواطن العربي لقد أنجزت الدولة الحديثة سائر ما وعدت به وهي اليوم تقاوم الامراض النفسية المتفاقمة جراء السعادة التي تزكم الانوف بالقرآن والسنة حينا وحينا آخر بتجفيف منابع الهوية العربية والاسلامية . بلى فأبشر بالعمى .
الخلاصة : المجتمع بأسره مسؤول عن مراقبة نتائج العلوم بشتى أنواعها ومراقبة إستخداماتها ومسؤول قبل ذلك عن تشييد المؤسسات والمناخات العلمية الكفيلة بإسعاد الانسان تكريما وتحريرا وعن فرض عقوبة الضمان وغيرها ضد كل عابث عبثا أخلاقيا أو علميا بصحة الانسان سواء النفسية أو البدنية أو الروحية والعاطفية والذوقية والعقلية ومسؤول عن حسن إدارة التعدد العلمي والفكري سيما المعارف الاجتماعية ضمانا لتماسك هوية الانسان ونبذ سائر مظاهر التيه والضياع عنه .
-
رد: مــــائة مصباح من مشكاة النبــــوة
الحلقة الواحدة والسبعون
أخرج أحمد عن إبن عوف أنه عليه السلام قال " شهدت حلف المطيبين مع عمومتي وأنا غلام فما أحب أن لي حمر النعم وأني أنكثه ".
ــــــــــــــــــــــــ
من شواهده " وتعاونوا على البر والتقوى ..." و" إفعلوا الخير .." ولتكن منكم أمة يدعون ..."
موضوعه : بناء تحالفات العدل والتحرر مهمة الانسان مؤمنا مع كافر فالظلم عدو كل إنسان :
دعني قبل الخوض في يم هذا الحديث العظيم وكل حديثه عليه السلام عظيم أسرد سائر رواياته الاخرى فمنها ما رواه إبن عباس أنه عليه السلام قال " كل حلف كان في الجاهلية لم يزده الاسلام إلا شدة أو حدة " وعند إبن هشام أنه عليه السلام قال " لقد شهدت في دار عبد الله إبن جدعان حلفا ما أحب أن لي به حمر النعم ولو أدعى به في الاسلام لاجبت ".
ثم تعال معي الان نقف على أسباب حلف الفضول : إجتمع بنو هاشم وبنو عبدالمطلب وبنو أسد وبنوزهرة وبنو تيم في دار إبن جدعان وكان معهم محمد عليه السلام لايزال غلاما فتعاهدوا وتعاقدوا على ألا يدعو مظلوما في مكة أو وافدا إليها إلا إنتصفوا له من ظالمه وسمت قريش ذلك الحدث حلف الفضول لانه ينمي فضائل الخلق بين الناس وسببه أن رجلا من زبيد قدم مكة ببضاعة فأشتراها منه العاصي بن وائل وهو ذو قدر وشرف فحبس عنه حقه فصاح المظلوم وأنشد شعرا وتداعى الناس إلى نصرته وكان ذلك في الشهر الحرام ذي القعدة ومعلوم أن إبن جدعان مستضيف قمة حلف الفضول مشرك سألت عنه عائشة فيما أخرج مسلم عنها أنها قالت " إبن جدعان كان يطعم الطعام ويقري الضيف فهل ينفعه ذلك يوم القيامة " فقال عليه السلام " لا إنه لم يقل يوما رب إغفر لي خطيئتي يوم الدين ".وسمي حلف المطيبين لان أصحابه كانوا يتمضخون بالطيب وحمر النعم هي الابل أغلى ما يملك الناس يومها ويومنا.
الدرس الاول من الحديث : رسالة الاسلام هي بسط العدل بين الناس أجمعين مؤمنهم وكافرهم:
لامندوحة لي ولك سوى التأني في تدبر هذا الحديث الذي لا يلقى اليوم بين المسلمين الزاعمين بذل الحياة رخيصة للتمسك بالسنة سوى الاهمال أما أولئك الذين لا يهملونه فإن مرجعية بناء التحالفات البشرية العاملة لبسط العدل والحق والحرية وسائر شمائل الخير وفضائل الخلق ليست هي هذا الحديث وأضرابه وقبل ذلك ليس هو القرآن الذي خصص لقيم العدل والحق والتحرر وتكريم الانسان مخه ولبه ويمه وعظمه الذي يقوم عليه وأنت تعلم أن المرجعية اليوم هي مواثيق حقوق الانسان في أمريكا وفرنسا وليس هذا منكور بل هو مطلوب إذ العبرة بالنتيجة وهي أن الناس يتحالفون متعاونين من أجل قيم الحق والعدل والحرية وكرامة الانسان والاوطان ولكن بالنسبة للمسلم الملتزم فكرا وسلوكا فإن في ما ورد في كتاب ربه وسنة حبيبه عليه السلام لما يغني عن كل تلك المواثيق وزيادة وهي زيادة تاريخية أي زيادة السبق التاريخي قولا وعملا وزيادة الاحكام الذي بلغ تمامه وكماله تساوقا مع فطرة الانسان وثوابت الحياة المستقيمة ومرونة تستجيب لسائر تغيرات الزمان والمكان والعرف والحال ولقد مرت علينا عقود الستينات والسبعينات من القرن الميلادي المنصرم ونحن لا نرى في الاسلام سوى دينا يأمر بالصلاة وهمهمات من الذكر لا تتقدم الحياة بها ولا تتأخر كلما كان الناس لا يرون في الاسلام ثورة إصلاحية شاملة كاملة متكاملة تعمل على تغيير حال الانسان روحا وعقلا وبدنا ونفسا وعاطفة وذوقا وفردا وأسرة ومجتمعا إنسانيا كاملا وفي المقابل كنا نرى أن الشيوعية وسائر النظريات اليسارية المادية بعضها ملحد وبعضها أقرب إلى الالحاد منه إلى الايمان مشاريع في التحرر ولسنا نعدم جهود الناس غير المسلمين ولا نهون من كفاحاتهم وما ينبغي لنا سيما أن كثيرا منهم برهن بالفعل والتضحية على أن إنخراطه في التحرير الوطني والقومي تساوي جهود آلاف مؤلفة من المسلمين الغافلين أو المغفلين أو مسلوبي الارادة ولكننا لن نزال نعتقد بأن رسالة التحرير للانسان وللاوطان لابد لها من فلسفة تحتضنها وتحميها من سائر ما يتعرض للثورات الاصلاحية بعد نجاحها فيقلب لها ظهر المجن أي الخلافات الداخلية كما تحميها من التساقط على قارعة طريق الاصلاح وليست تلك الفلسفة التحريرية مشيدة بتمامها وكمالها في سائر الجوانب سوى في الاسلام وهي فلسفة مجربة وآثارها مازالت بادية في الاطلال وفي الافاق وفي الانفس رغم العوادي الكبيرة المتعاقبة على تلك الاثار وهي فلسفة إسلامية في التحرير كما يبين الحديث الكريم لا تحتكر التحرير بل تشترك فيه بالقول وبالعمل وبالتقدم وبالبذل وبالتضحية وبالتآخي الانساني والتعاون البشري مع كل حر في هذه الدنيا لصالح الانتصاف من كل ظالم ولو كان مسلما قحا عابدا متبتلا يهدي به الله الملايين المملينة وترد المظالم لاهلها كائنا من كانوا ولو كانوا ملحدين فضلا عن كتابيين وليس من شرط تضعه تلك النظرية الاسلامية التحريرية في تعاونها مع كل حر فوق هذه الارض سوى : نبذ الظلم مهما كان منبعه ورد المظلمة مهما كان صاحبها ولن يزال القرآن الكريم خالدا مخلدا صالحا لاستئناف الحياة التحريرية للناس أجمعين كلما كان يحوي بين أضلعه في سورة النساء قصة اليهودي المظلوم في درع .
الدرس الثاني من الحديث : نحن اليوم ندعى لالاف من أحلاف التحرير فهلا لبينا ؟:
ليس ثمة أصرح من هذا النداء النبوي وهو يقول "كل حلف في الجاهلية لم يزده الاسلام إلا شدة" لا بل ليس ثمة أصرح منه وهو ينادي المسلمين في كل زمان وكل مكان وفي حالي الضعف والقوة سواء بسواء " لو دعيت في الاسلام لمثله لاجبت " وهاهو دعا إلى مثله في دستور المدينة وهاهو يعلم الناس أجمعين دروسا في الوفاء بالعهد تنقطع دونها الرقاب " من آذى ذميا فقد آذاني" و" من قتل ذميا لم يشم رائحة الجنة " و" أوفوا بالعقود " و" أن تؤدواالامانات إلى أهلها"
وفي التاريخ الحديث يجب أن يسجل لحركة النهضة التونسية سبق تجديد الثقافة الاسلامية البيضاء الناصعة المسؤولة عن غرس معاني الوطنية والتعاون والتضامن والمشاركة والحرية والديمقراطية وكرامة الانسان وذلك عبر سعيها لضم سائر فصائل التغيير في البلاد قبل ثلاثة عقود ومنذ نعومة أظافرها وهي ثقافة بسطت معاني العمل الوطني المشترك فتحالف الاسلامي مع الشيوعي مع القومي وجلسوا جميعا لسنوات طويلة حول مائدة الحوار والتشاور فماذا كان رد الفصائل الاسلامية العربية التي لم تتعود هذا الضرب من العمل السياسي ؟ سوى التجهم والنبذ مع الاسف الشديد . ومما يثلج الصدر حقا أن سائر تلك الفصائل تبنت سائر تلك الثقافة المستهجنة منها قبل عقود وتنافح عنها ولكن دون رد الفضل لاهله وليس يدري الانسان هل كان ذلك من موقع الاختيار المتأخر أو من موقع الاضطرار الذي فرضته الاحوال الكونية وفي كل خير .
الدرس الثالث من الحديث : الانخراط من لدن المسلمين في أحلاف الحرية خير إنتصار للدعوة:
تلك هي من أولى قواعد فقه الحياة من لدن المسلمين أجمعين أي مشاركة الناس مهما كانوا موغلين في الالحاد والكفر إلا الظلم في سائر مناشطهم الاجتماعية العامة سيما أن معظمهالا يتعارض مع الاسلام الذي جاء بكليات عامة ومقاصد كلية في الشأن العام .. تلك هي من أولى قواعد فقه الحياة من لدن المسلمين حال قوتهم وعزتهم فهي يوم ضعفهم وتعرضهم للظلم أولى وأحرى وهو الامر الذي يتضمنه حديث السفينة الذي مر بنا أما القاعدة الثانية فهي أن الاسلام لا أمل له في الانتصار على الظلم الذي يتعرض له سوى بالدعوة التي هي فريضة من فرائضه بل هي مقصد فرائضه الاولى فالصلاة بشعائرها المعلنة عبر المصادح والاحتفالات نداء دعوة والصيام كذلك والزكاة التي يعطى ثمنها للمؤلفة قلوبهم من غير المسلمين وجزء من الاسباع الاخرى للكفار غير المحاربين مصلحة مقدرة تخدم ذات الرسالة الدعوية أما فريضة الحج فكلها متمحضة للدعوة كماتعلم أما الفكرة الخاطئة المسؤولة عن وهدتنا اليوم وهي أن الدعوة نمكن لها يوم قوتنا أم يوم ضعفنا فلا أحد يسمعها فهي فكرة منحطة أو خبيثة وليس كأنخراط المسلمين اليوم في سائر أحلاف الحق والحرية والعدل وكرامة الانسان وتوحيد الناس ومقاومة الاحتلال عملا ينصر الدعوة فينتصر به الاسلام ويوما بعد يوم تتغير الموازين بإذنه سبحانه .
الدرس الرابع من الحديث : أمثلة حية معاصرة عملية للاشتراك في أحلاف البر والتقوى :
ـ الاحزاب السياسية والنقابات العمالية والمهنية والجمعيات الحقوقية والاغاثية والانسانية
ـ المنابر الثقافية والمراكز الفكرية ودور النشر والتأليف والترجمة
ـ الاعلام بسائر مظاهره وخاصة الفضائي منه لعظمة تأثيره العابر للقارات والمشكل للعقول.
ـ الجمعيات النسائية بسائر تخصصاتها والمنظمات الشبابية وجمعيات الطفولة
ـ مراكز الحوار الدينى والحضاري والسياسي التي تنفتح على كل إنسان ودين وملة ونحلة .
الدرس الخامس : على الوسطية الاسلامية المعاصرة التميز الواعي ضمن الفسيفساء الاسلامية:
هذا درس مهم جدا لحياتنا الاسلامية الاصلاحية المعاصرة لولا أن المجال ضاق به وهو ناطق بأن النبي الاكرم عليه السلام من لا ينطق عن الهوى يسطر نهج التغيير الاصلاحي الاسلامي لكل زمان ومكان وإنسان وحال وينتصر للمنهج الوسطي الاسلامي دون الحاجة إلى تكفير سائر مكونات الفسيفساء الاسلامية كما يروج لذلك المغالون فينا أو المبطلون والجاهلون من غيرنا وكذلك دون الحاجة إلى إسبال رداء المشروعية على نظم وحكومات ودول عربية وغير عربية لم تقم سوى على سحق الحريات وقتل الانسان بناء الرحمان سبحانه وليس على تيار الوسطية الاسلامية المعاصرة سوى التمسك بذلك الخيط الرقيق الفاصل بين كلا الغلوين الانفين وتحقيق تميزها النبوي عبر الجهاد المدني السلمي الديمقراطي ضد الحكم المستبد عندنا وعبر الجهاد العسكري ضد الاحتلال أينما أينعت جرثومته وعبر معارضة تيار التكفير والغضب فينا الاخذ للناس الامنين ولو كانوا ملحدين وكفارا بجرائر حكامهم وعبر مد يد التعاون والتضامن لسائر الناس طرا إنشاء لتحالفات البر والتقوى معهم وحشد الدعم لها والمراهنة على الاخلاص والمثابرة والفقه الواعي والصبر لتغيير موازين القوى لصالح قوى الخير والبر والمعروف .
الخلاصة : حال الاسلام اليوم تتطلب أول ما تتطلب منا جميعا دون أدنى إستثناء الاشتراك في سائر أحلاف الحق والعدل والحرية تعاونا مع المظلومين من كل ملة وإنتصارا لهم من كل نحلة وقمعا للظلم من كل دين وعرق ولون ولغة وحسب ونسب وذلك هو سبيل إندياح الدعوة للعالمين.
-
رد: مــــائة مصباح من مشكاة النبــــوة
الحلقة الثانية والسبعون
أخرج أحمد عن بن شهاب أنه عليه السلام قال " دخل الجنة رجل في ذباب ودخل النار رجل في ذباب قالوا وكيف قال مر رجلان على قوم لهم صنم لا يجوزه أحد حتى يقرب إليه شيئا فقالوا لاحدهما قرب فقال ليس لي عندي شئ أقرب قالوا قرب ولو ذبابا فقرب ذبابا فخلوا سبيله فدخل النار وقالوا للاخر قرب فقال ما كنت لاقرب شيئا لاحد دون الله فضربوا عنقه فدخل الجنة ".
ـــــــــــــــــــــــ
موضوعه : التوحيد بوصلة الحياة والبوصلة رائد لا يكذب أهله والتوحيد لا يقبل الغش ولو بذرة:
هذا حديث عجيب لا يصنف ضمن الاحاديث المفزعة التي تملا الجوف خوفا والفؤاد وجلا وقد مر بنا بعض منها ولكن يصنف ضمن الاحاديث الجالبة للسعادة وكل كلامه عليه السلام سعادة فتملا القلب حبا وتغمر المهجة عزا فإذا لمست في نفسك منه شيئا من مثل قولك ولم كل هذا التضييق ولم يدخل الرجل النار في ذبابة أو بعوضة ولم لا ينسحب على التوحيد والايمان والاعتقاد ما ينسحب على سائر التكاليف الاخرى أي لاحرج على المقل غير المكثر الطائف باللمم غير الجشع النهم أو العبرة بحصيلة الميزان النهائية عند الموت أو لم يدخل الناس النار في حشرة صغيرة لايلقى لها اليوم بالا سوى بالطرد والقتل لكثرة نقلها للجراثيم والحال أن مقرب الذبابة لم يكن يخطر بباله أن التوحيد مفرط الحساسية إلى هذا الحد سيما أنه لم يجلب لغيره ضرا مطلقا أليس هذا تحكم وتعسف وورود لتكليف غير مفهوم ولا مبرهن ولا تكنه العقول سره ؟ ... لو لمست في نفسك من ذلك شيئا وأعوذ بالله أن أجد وتجد منه فليس علي وعليك سوى إعادة تفكيك الاسلام لفقه نظامه الداخلي الخاص به ولفهم رسالته في سائر مستوياتها تقدما وتأخرا ثم إعادة تركيبه تماما كما نفعل مع المعادلات الرياضية المركبة المساعدة على فهم المشكلة أو مع الالات حتى لا نتسبب في التحكم فيها على نحو تأباه وفق ما صممت له فالاسلام ليس سوى تصميما رحمانيا معقولا تجد العقول فيه ما يلبي أشواقها .
ولعلك تلاحظ معي مرة أخرى أنه عليه السلام لم يشر لا من بعيد ولا من قريب إلى الملابسات الزمانية والمكانية وسائر مكونات المشهد الذي يصفه لاصحابه ولا هم واحد منهم بالسؤال عن شئ من ذلك فكلهم وعى درسه جيدا : القصة لا تساق دوما سوى لالتقاط العبرة وما عدا ذلك مشوشات عقلية لو إهتم به الاريب الحصيف وهي الطفيليات المغتصبة لرحيق النبتة لو إهتم بها من ليس له من الاربة والحصافة سوى ما للحمار وذات الدرس ما ينبغي لنا سوى وعيه لعلنا نكون على ذات الدرب الذي قادهم لما سلكوه إلى الفتوحات العقلية والارضية.
ليس كالقرآن الكريم معينا صافيا لذيذا يغرس في وفيك خالص التوحيد ويجدده :
القرآن الكريم كتاب توحيد بالدرجة الاولى وهو أكبر محاوره وهومحور توسل إليه الوحي بالقصة أولا ثم بالكون ثانيا ثم بالمثل ثالثا وكلها محاور إن شئت قلت مستقلة وهي كذلك وإن شئت قلت خادمة للمحور القرآني الاكبر وهو التوحيد وهو أيضا صحيح وهو المنهج الذي عليك إنتهاجه لغرس التوحيد فيك فإن كان فيك فيصلح ذات المنهج لتجديد التوحيد فيك وهاك أمثلة ولكن دعني قبل ذلك أذكرك بأمر كبير هنا وهو أن جل القصص التوحيدي في القرآني لم يكن بطله سوى شيخ الانبياء وجد المرسلين إبراهيم عليه السلام ولك أن تعرف لم ذلك ؟ والجواب هو أن الاسلام لما جاء وجد فرقا ثلاثا تدعي التوحيد الابراهيمي واحدة منها تستخدم ذلك للاستكبار والاستنقاص من الامم الاخرى الذين يسمونهم إهانة " أميين " " ليس علينا في الاميين سبيل " والفرق الثلاثة هي اليهود والنصارى والمشركين فأما اليهود فلفرط تعمق عقدة الاستكبار فيهم فإنهم يمسكون بمونوبول التدين الابراهيمي ويخضعون الناس من دونهم إلى الاعتراف لهم بذلك وهو الاستكبار الديني الذي جاء الاسلام لمحاربته تماما كما يحارب الاستكبار المالي والسياسي وأما النصارى فينتسبون إلى إبراهيم ولكن بروح تغلب عليها المسالمة وأما المشركون فيفعلون ذلك كذلك وتمنعهم بيئاتهم وظروفهم عن مضارعة الاستكبار اليهودي والموادعة النصرانية ومعلوم أن اليهود أقرب إلى إبراهيم من الفرقتين غير أن التوحيد الحق الخالص لا يحتمل أدنىتزوير وغش ولو كان بمقدار ذبابة أو بعوضة فجاء الاسلام به نقيا صافيا وإنتصر للمسلمين الجدد ونسبهم إلى التوحيد الابراهيمي وهي رسالة مازالت ولن تزال محل خصومة بين كل تلك الفرق الاسلامية واليهودية والنصرانية والشركية إلى قيام الساعة :
ــ إبراهيم والنمرود " ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه ..." في البقرة .
ــ صاحب الحمار " أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها ..." في البقرة .
ــ إبراهيم وإحياء الموتى " وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى ..." في البقرة .
ــ موسى ورؤية الله " رب أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن أنظر إلى الجبل ..." .في الانعام.
ــ مثل الذبابة " إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو إجتمعوا له ...".في الحج.
علىأن شرطا لابد منه لنجاعة البلسم القرآني ضد سائر أنواع الشرك كبيره وصغيره وهو: كسبك للتوحيد الصافي الخالص الموجه لبوصلة حياتك في خط مستقيم لا يتأتى سوىبالنظر العقلي من لدنك والقرآن لايزيد على تذكيرك بذلك ودفعك إليك ومن ثم تنداح في روحك أنوار التوحيد .
ماهوالسر في حساسية التوحيد حتى أنه لايقبل الغش أو التقصير بمقدار ذبابة أو بعوضة ؟:
هذا سؤال لابد لك منه والجواب يهديه لك حبيبك عليه السلام بالمجان وذلك فيما أخرجه الترمذي عن الحارث الاشعري في حديث طويل لن نقتطف منه سوى ما نحن بصدده الان حيث قال عليه السلام " ...فإن مثل من أشرك بالله كمثل رجل إشترى عبدا من خالص ماله بذهب أو ورق وقال له هذه داري وهذا عملي فأعمل وأد إلي فكان يعمل ويؤدي إلى غير سيده فأيكم يرضى أن يكون عبده كذلك ..." ودونما الحاجة لاي تعليق من أي أحد فإن ذلك التعليل النبوي كاف بجعل عبادة التوحيد دون سائر العبادات حتى الصلاة ذات حساسية مفرطة لا تقبل التهاون مطلقا .
التوحيد بوصلة الحياة الهادية أو مجال الجاذبية والشرك تيه وضياع وفرار إلى الخطر المجهول:
ألست إذا سافرت تحمل معك زادا وبوصلة ؟ ماالذي يهدي الطائرات والبواخر في الجوو البحر؟ ماالذي يهدي المركبات الفضائية الواطئة لاديم القمر والمريخ خاصة بعد مفارقتها لجاذبية الارض؟ ماالذي يجعل التفاحة كما لاحظ نيوتن تسقط إلى أصلها أي الارض ولاتواصل رحلتها في الهواء؟ بقدر فقهك لذلك علميا يكون التوحيد فيك خالصا كالابريز صالحا كالماء الزلال لذيذا كالعسل المصفى أي أن لكل شئ بوصلة هادية وجينات تميز الهوية ومنها بصمة البنان مثلا وأصل إما أن يفيئ إليه أو يضيع والتوحيد هو بوصلة الانسان وجينات هويته وأصله المفطور عليه. وحتى نتعرف على قيمة التوحيد لابد لنا من معرفة ضده وبضدها تتميز الاشياء وهو الشرك وخاصة الاكبر المخرج من الملة رغم أن الشرك هو الشرك حتى لو كان خائنة عين يسرقها منك شيطان عدو وتمعن معي جيدا في مصير المشرك وهو مصير دنيوي وليس أخروي لان المصير الاخروي هو النار وذلك في قوله في سورة الحج " ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق " والسماء هي كل ما سما عنك كجبل شاهق مثلا والخار لا يخر بمحض إرادته ولكن يخر بفعل خارجي ولو كان دورانا ألم برأسه أفقده وعيه ولا يسمح له بالوقوع على الارض ولو جثة هامدة بل لابد له من ملاقاة مصير الضياع الكامل والتيه الذي لا يعرف له مستقر ولو تجمعت سائر شرط الانتربول بإنسها وجنها والطير لاتخطفه سوى لتضعه في حواصلها والريح الموارة الدوارة في الاجواء العالية تهوي به لا إلى مكان سحيق بل فيه فهل من أمل في العثور على هذا الخار سواء وقع في حواصل الطير أو إلتهمته المرادي السحيقة ؟ والمشرك ولو بذبابة يأكل ويشرب ويعيش وربما يحكم ويوجه الثقافة ولكنه في الحساب الحقيقي لا المزيف الذي نتعامل به نحن اليوم في عداد المفقودين الذين لاأمل في العثور عليهم ولو جثثا هامدة لا بل ولا ريحا يغشى الانوف لا بل ولا ذكرى تعز علىحبيب . فهل سمعت يوما أن مركبة فضائية فارقت الجاذبية الارضية ثم تاهت فلم تلتقطها شاشات الرادار وطأت أديم القمر أو عثر على حطامها في الارض ؟ ذلك هو مثل المشرك.
الخلاصة : بلى لك إن شقى عليك هواك يوما أو طغى الشيطان فيك ليلة أن تعصيه سبحانه بإقتراف ذنب كبرت ماكبرت جريرت أو بالتهاون في فريضة وليس لاحد أن يوئسك من رحمة الرحمان سبحانه غير أنه عليك أن تكون متربعا على قمة عرش الاعتقاد بأن من مات به سبحانه مشركا ولو بمقدرا ذبابة أو بعوضة ... فقد ضاع ضياعا لا وجود بعده في الدنيا ... ويوم القيامة يخلد المشرك في النار . عليك بالتوحيد الصافي الخالص من القرآن إتباعا لما يوجهك إليه من النظر وعليك بتجديده بذات النظر وذات القرآن فإن مت عليه فلا خوف عليك ولا كرب بلغت ما بلغت ذنوبك ولست أهون كبائرها ولكن أحملك على إحسان المادة الكفيلة بنجاتك وبغرقك وهي مادة التوحيد فإن فزت فيها فأنت الفائز وأن كانت الاخرى كانت الاخرى جزاء وفاقا.
-
رد: مــــائة مصباح من مشكاة النبــــوة
الحلقة الثالثة والسبعون
أخرج مسلم والترمذي عن أنس أنه عليه السلام قال " من عال جاريتين حتىتبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو " وضم إصبعيه عليه السلام .
ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ
من شواهده " ولا تقتلوا أودكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم ..."
موضوعه : الانسان ذكرا وأنثى رأسمال إسلامي منتج مكرم وليس معرة للدفن :
لابد لنا كالعادة دوما لحسن فقه هذا الحديث العظيم الكريم وكل ما يصدر عنه عليه السلام مبعث كرامة وإعتزاز لدينا من فقه ملابسات قوله وهي ملابسات تناولها القرآن الكريم كثيرا لا بل من أجل تصحيحها نزل شانا حملة ضارية غير مسبوقة على العادة الجاهلية القاضية بقتل الاناث تجنبا لتعرض الاباء العربي الكاذب للمعرة في مجتمع يستعبد فيه الذكر والانثى بإسم الفحولة والقوة البدنية والوفرة المالية وهذا وجه من وجوه الثورة الاسلامية التحريرية للمرأة والمتابع لسائر الوحي الكريم فإنه يلفى أن الاسلام لم يكتف بالنهي عن قتل الاناث فضلا عن تصحيح العقل الكامن والمسؤول عن سائر عمليات الاهانة والابتذال ولكنه تجاوز ذلك إلى الايجابية التي تحتمها الحياة الانسانية فوق الارض عبورا إلى الحياة الاخرة وذلك في مثل ما ورد هنا في هذا الحديث الحاض على أن الاحتفال بالاثنى بل بالاناث ميلادا وتربية وإعالة بسائر ما تعنيه الاعالة نفسيا وعقليا وماديا وماليا وعاطفيا سبيل ليست نهايته سوى بلوغ مرتبة النبوة لبوثا في الجنة لا بل في فراديس فراديسها فهل تجد في الفطرة الانسانية السوية ما يدفع إلى تكريم الانثى في مثل ماتجد هنا أي ضمان المستقبل الابدي السرمدي الخالد في أحسن الظروف المادية والنفسية لا بل هل تجد من يبلغ تحريره للمرأة وتكريمه لها هذا المبلغ ؟
فبخلاصة أولى مقررة فإن المناخ الاولي الذي ظهر فيه مثل هذا الحديث الذي يرفع المرغبات إلى أقصاها أملا صادقا يعطينا فكرة صحيحة عن مدى حفل الاسلام بالانسان عامة والمرأة خاصة غير آبه بالعوائق المنتصبة يومها عادات وتقاليد وثارات قبلية وإباءات مستكبرة كاذبة وتلك هي عادة الاسلام دوما حيال القضايا الحيوية الكبرى المتعلقة بالانسان آدمية مكرمة لا تقبل الضيم والهون والقتل والمداهنة على حساب القيم النبيلة والمثل العظيمة وكان يمكن ربما في منطق بعض القاصرين لنبيه عليه السلام التغاضي عن إعلان حرب حامية الوطيس شيد لها العرب يومها من ساحات الوغى ما به تتلظى سائر القيم والمثل التي بها يكون الانسان إنسانا لا بل كان له ربما عليه السلام أن يسلك كما جرى في بعض التكاليف الاخرى سنة التدرج رعاية لواقع صاغته العادات والتقاليد العربية المكابرة بإحكام غدا معه قتل الاناث مفخرة عربية يحتفى بها ويعد صاحبها فارس حرب مغوار أو شاعر قبيلة نحرير لا يشق له غبار .
هل إختفت فينا العادات العربية الكريهة أم زادت تأججا وما علاقتها بالفطرة ؟:
لابد لنا منذ البداية من التقرير بجلاء ووضوح بأن تلك العادة العربية الكريهة ليست سوى تعبير عن غريزة مغروزة فينا غرزا مكينا وهي غريزة حب البقاء وهو غريزة مشروعة وكل غريزة فطرية هي مشروعة لا صلاح لحياة الانسان فوق الارض بدونها تماما كمثل كل آلة أو جهاز يرجع إلى صانعه لمعرفة الحكمة من ذلك كلما كان يحتفظ بحق الاختراع التي تضمنه سائر القوانين الوضعية اليوم سوى أن الاعتداء اليوم منا على ذات تلك الحقوق في جنب الصانع الاول عز وجل سبحانه سواء بإسم النمص أو محاولة تغيير الجنس أو الاستنساخ لا يلقى معارضة وكأنه سبحانه لا يعترف له بحق الاختراع أو بحق الصنعة أصلا . غير أن غريزة حب البقاء وهي ضرورية لعدم إقدام الانسان على إتلاف نفسه عبر الانتحار بسائر الطرق والصور أو التعرض للقتل المجاني ليس متروكا لنا أن نلبيها كيفما أتفق ولو إقتضى الامر وأد البنات وإستحياء الذكور بل لابد لها من ضوابط تعصم سائر المصالح الاخرى ومعلوم أن تلك الطريقة العربية الموغلة في الجريمة الحاملة على تلبية غريزة حب البقاء عبر وأد الاناث شكلها الواقع المستحكم يومها وهو واقع يجعل الرجل يمتلك سائر مظاهر القوة جلبا للمال ومنافحة عن العرض وردا للثارات صاعا بصاعين تربية نفسية وعملية من المهد بينما تكون المرأة كائنا مستعبدا لا يصلح سوى لما تصلح له الكائنات المسترقة في أسواق النخاسة العربية اللئيمة ولذلك فإن المرأة بحكم ذلك المنطق المتخلف لن تكون سوى مبعث معرة سيما لو باعت جسدها أو أرغمت على بيعه أو وقعت في الاسر ولا يحسن بحكم ذات المنطق سوى التخلص من عبء ثقيل لا يجر سوى العار والفضيحة بما هو بطن تجوع وليس يدا تضرب في الارض أو فرج يستحل بالقهر فلا يحمي نفسه بنفسه أو عرض يغتصب ويؤسر فتذهب خيرة قوى القبيلة شبابا ومالا لتحريره . تلك هي إذن مواطن القضية نفسيا وغريزيا وليس سوى سوء التعامل معها هو ماجعلها محل نكير من الفطر السليمة ومن البيان القرآني والارشاد النبوي .
تلك جاهلية مازالت فينا بعض آثارها تشوش إيماننا بالقدر وموقفنا من المرأة :
المسألة كما أسلفت آنفا تشترك فيها الغريزة الفطرية البشرية مع العادة العربية المستكبرة ذات الحمية الجاهلية غير أن ما يعنينا من كل ذلك أو بعده بالاحرى هو أن تلك الحمية مازالت تفعل في نفوسنا فعلها وهو فعل يصل إلى حد لا يبعد كثيرا اليوم عن مآسي الاهانة والاحتقار أو قل القتل المعنوي للانثى بل إنها حمية ربما لا يعزى إلى التدين السليم الصحيح علما وعملا مزية الحد من آثارها سيما في البيئات الاكثر تقليدية بل يعزى ذلك أو كثير منه على الاقل إلى الغزو الحداثي وما ينبغي لهذا لا أن يصحح إيماننا بالقضاء والقدر على النحو الذي يحرر الانسان ويكرمه وفق ما يريد منه خالقه سبحانه ولا أن يصحح موقفنا من المرأة صدورا عن الرؤية الاسلامية الوسطية المعتدلة بين وافد غاز يزعم التحديث وبين موروث قابع طاعم كاس .
كيف صحح القرآن الكريم فينا كل ذلك عقلا ونفسا وفردا وجماعة ؟:
نجد ذلك في مثل قوله " يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور أو يزوجهم ذكرانا وإناثا ويجعل من يشاء عقيما " و" وإذا الموؤودة سئلت بأي ذنب قتلت " وعبر مرة بقوله " نرزقهم وإياكم " ومرة " نرزقكم وإياهم " وغير ذلك . فبين أن تأنيث الولد أو تذكيره بالكلية أو جزئيا فضلا عن التعقيم إرادة ربانية ومشيئة رحمانية خالصة يدبرها تماما كما يدبر سائر ما ليس لنا فيه من خيار كجريان الشمس وهو يفعل ذلك سبحانه إبتلاء للوالد والمولود سواء بسواء وهل يسأل مالك عن حضيرته زيادة أو نقصانا في الكم أو الكيف ؟ كما بين أن مسألة الرزق التي من أجلها توأد الاناث لا تنتمي سوى إلى الطائفة الاولى من الاختصاصات والمشمولات رغم فريضة السعي في طلبه ولكنه سعي لا يبعد عن سعي مريم البتول عليها السلام منهكة في أثر الوضع مطالبة بذلك " وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا " فالرزق بأسبابه وسننه ومنها الانسان وسعيه وحاجته مقدر منه سبحانه لحاجة الموؤودة قبل حاجة الوائد فإن قدر لهذا قبل ذاك ففيه كفل مقدر ونصيب معين لذاك قبل هذا .
الانسان المغرور حين لا يدري أي ولده أقرب له نفعا :
" آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا " هو هنا نفع الميراث غير أن ذات القانون ينسحب على الذكورة والانوثة في الولد وإذا كان ذلك قد حسمته العادات العربية المشينة بالاسلوب الذي تعلم قديما فإن حاضرنا ينبئ بأن العقل حيال ذلك لم يتطور كثيرا رغم التحسن النسبي أو التحضر الظاهري وذلك بالرغم من أن أحداثه تبين بأن نفع الانثى قبل زواجها وبعده سواء في رفع الذكر وحفظ النسب وجلب العز بل والمال وسائر ما يحب الانسان يكون في حالات كثيرة أرقى من حصة الذكر في ذلك .
والانسان في عصرنا ما زال يفتخر سرا وعلنا بولده الذكر على غيره ويستخدم في ذلك ما لايحصى من الايماءات والاشعارات والتلميحات بل مازال يعتمد تربية يقوم عمادها رغم كثير من المزيفات والمزينات الساترة للعورات على تفضيل الذكر على الانثى ويتم ذلك عادة في الاسرة المحضن التربوي الاول والمحدد لسائر أطوار حياة الانسان على نحو يمهد لدونية المرأة في ما بعد ذلك من البيئات .
الجاهلية العربية القديمة أعمتها الكبرياء الذكورية إلى حد تسفيه الله في خلق وخلق الملائكة :
هذا في الحقيقة يمكن أن يكون لنا درسا معاصرا مفاده أن التمادي في الغي أي غي لا يستند إلى منطق الرشد يمكن أن يؤدي إلى مقارفة الحدود الكبرى التي تحول الانسان متمردا ليس على جنسه محكما مؤشرات القوة البدنية والمالية بل متمردا على أصله الاول ليس بمجرد الكفر المحض الناشئ عن الانكار بل بمزاولة الظلم في أقبح صوره وهو ذات الدرس الذي لم يفقهه العرب يومها فوقعوا في غلو شنيع حين سخروا من الملائكة التي هي ركن من أركان الاعتقاد جزء لا يتجزء من الايمان بالغيب وذلك بزعمهم أن الملائكة إناث فيكف يؤمنون بالاناث غيبا وعقيدة والحال أن الاناث في دنياهم ليس لهن من الحظ سوى الاهانة والضرب والهوان والقتل والوأد وسجل القرآن ذلك بمرارة في مواضع عديدة ولك أن منشأه الاول ليس هو سوى إحتقار الانثى ووأدها .
شبه ردة فينا ولا عمر لها :
معلوم عند الناس اليوم جميعا أن الفاروق عمر عليه الرضوان ليس قبل إسلامه سوى جلف غليظ غوى بمثل ما غوت به العرب حين أقدم على وأد إبنته فلذة كبده بيديه لم يرحم لها توسلا وهي تنفض تراب قبرها الذي ضم أضلعها حية على لحيته الكثة فلما جاء الاسلام صنع منه كائنا آخر مخالفا تماما لما عهد نفسه وعهده الناس ففتح الله على يديه بالسلطان وبغير السلطان ما لم يفتح به على أحد غيره ربما حتى أبي بكر ذاته في دنيا العقول ودنيا القوة سواء بسواء فهل أن الاسلام فعل ذلك مع عمر دون غيره أم أن الاسلام بحاجة إلى أمثال عمر في الجاهلية وفي الاسلام حتى يكرع من الالتزام النفسي والخلقي والعلمي والحضاري وهل من عمر لشبه ردة فينا نحن المسلمين قبل غيرنا حيال الانثى خاطرة في النفس لا ترضى بها وليدا أو لغو لسان هماز فضلا عن حيف يبرره الوالد والوالدة سواء بسواء بنفع قريب مرتقب من الذكر وهو ماء شربته أرض سبخة لا أنبتت كلا ولا سقت ظمأنا عند الانثى .
الخلاصة : الانثى في الاسلام سبيل إلى منازل النبوة في الجنة لا بل إلى الوسيلة والفضيلة التي لا يستظل بظلها سوى سيد الانام محمد عليه السلام فمن لزمها بالحق والعدل فهي سفينته إلى تلك الدوحة ومن إختار الاخرى فالاسلام برئ من جاهليته في الدنيا والاخرة .
-
رد: مــــائة مصباح من مشكاة النبــــوة
الحلقة الرابعة والسبعون
أخرج البخاري ومسلم عن إبن عمر أنه عليه السلام قال " كلكم راع ومسؤول عن رعيته فالامام راع ومسؤول عن رعيته والرجل راع في أهله ومسؤول عن رعيته والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها والخادم راع في مال سيده ومسؤول عن رعيته وكلكم راع ومسؤول عن رعيته ".
ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــ
موضوعه : الاسلام دين المسؤولية والالتزام حيال الناس بعيدا عن السلبية فضلا عن الخيانات :
لو تقيض لهذا الدين العظيم الكريم رجال يكتبون الانتاج الاسلامي في مادة الاجتماع الانساني إستئنافا لاعمال المصلح الكبير عبد الرحمان إبن خلدون لكانت الارض اليوم غير الارض تأكيدا فنقص الارض من أطرافها كما وعد أو توعد سبحانه في كتابه العزيز ربما يتجاوز دحيها الظاهري خصما من قطبيها كما قال بذلك الدكتور عماد الدين خليل إلى دحي أهلها أو خصم بعضهم ممن حقت عليهم آيات الابادة والاذهاب بطي الذكر وذهاب الريح ورفع الاخرين فهو الرافع والخافض سبحانه والمعز والمذل في هذه الدنيا قبل الاخرة . والعلاقة وثيقة وطيدة بين تقيض الائمة في كل فن ومهارة وعلم ومعرفة من الامة الشاهدة على البشرية جمعاء لعمل الانتاج الثقافي الاسلامي وبين حسن فقه مسؤوليات الرعاية والامامة والبيت والمرأة والخدمة والالتزام وهي ذات المفردات تقريبا التي نضح بها الحديث الكريم العظيم إذ أن تلك الكلمات والمفردات هي ذاتها التي يستخدمها منظرون ينسجون بها عقودا إجتماعية ونظريات سياسية كفيلة بتحصيل أقدار كبيرة معتبرة من التقدم والنهضة والتسخير .
الدرس الاول : للحديث جذع واحد مشترك هو أصله وأمه والباقي أمثلة حية :
هو ذات الدرس الذي نلفاه دوما في أحاديث كثيرة وهو درس حيوي لنا اليوم لان الكثير منا يغفل الجذر العام الاصيل المشترك منه منصرفا إلى الامثلة وخير مثال لذلك كما قلت دوما هو حديث الاحسان فبمقتضى عقلية جزئية فإن الاحسان قيمة مثالية مجردة سابحة في الهواء الطلق لا تتنزل على دنيانا سوى في حال ذبح شاة أو نعم حدا للشفرة وإراحة للذبيحة ولم يكن ذلك عليه السلام مقصده يوما ولكنه سطر في حديث الاحسان مثلا القاعدة الكلية وهي أن الاحسان مكتوب منه سبحانه على كل شئ أي كل عمل وأمر ونهي وحركة في هذه الدنيا وكمثال على ذلك هاهي قضية الذبح وهو ذات المقصد والدرس هنا بالتحديد فالقاعدة الكلية المقصودة هنا هي أن كل الناس طرا مسؤولون عن كل أعمالهم وأنهم كلهم رعاة في هذه الدنيا فلا سبيل إلى التعلق بالامثلة الواردة بعد ذلك الاصل المقرر دون حسن فقه المعنى فقها يحسن التنزيل عند ملابسة الامثلة التي لم يذكر منها هنا عليه السلام سوى ثنتين أو ثلاثا وعلق الباقي على حسن فقهنا وحسن تعاملنا .
الدرس الثاني : الرعاية والمسؤولية في الاسلام لا يستقيل من تكاليفها مسلم قط إلا مخدوعا :
هذا هو مخ الحديث فالرعاية مسؤولية كل مسلم وذلك صريح من قوله " كلكم " كما أنه صريح من تكرر تلك الجملة الاسمية المقررة للاصل والمؤكدة له " كلكم راع ومسؤول عن رعيته " وهو تكرر أحاط بالامثلة من كل جانب فوردت في بداية الحديث وبها هي ذاتها ختم وهو أكبر دليل على صحة ما ذهبنا إليه في الدرس الاول في الفقرة السابقة وكذلك في هذا الدرس الذي نحن بصدده الان . وربما لهذه الرعاية التي لا يستقيل منها مسلم قط مهما كان وضعه علاقة وثيقة وطيدة بإخباره عليه السلام بأن ما من نبي إلا ورعى الغنم . وليس ذلك سوى أن الرعاية فن وحكمة وعلم ومعرفة ومهارة وشطارة لا يؤتاها كل أحد ولكن لا يعفى منها أحد . والرعاية كل رعاية تتطلب بالضرورة الاجتهاد لجلب المصلحة ودرإ المفسدة عن محل الرعاية وأكد ذلك عليه السلام بتثبيت المسؤولية في عنق الراعي كل راع . وذلك حتى لا يعذر راع مفرط من ناحية ولا تسند مسؤولية الرعاية أي رعاية لسوى المؤهلين لها . ولاشك أن رعاية الناس تتطلب المعرفة بالناس أي تتطلب فقه الانسان فلو رعيت آلة صماء لوجب عليك صونها بما يقتضيها حالها برودة وسخونة وإشتغالا وإنطفاء وتزيينا وتشحيما وغسلا ونقلا وتعهد وتجديدا ولاشك أن رعاية الانسان عملية معقدة طويلة كبيرة تعقد الجهاز الانساني تكوينا وأزدواجا وطول طفولته وعمره وكبر حجم المسؤوليات التي تنتظره في شبابه وكهولته وفي سائرأوضاعه فكيف بك إذا كانت الرعاية تشمل أسرة وليست فردا واحدا أو شركة أو مؤسسة أو إقليما أو شعبا أو أمة بل ما بالك لو كانت الرعاية في ظروف تتسم بالتغير وتبرج العدو الخصيم . على أن تعبيره عليه السلام بقوله " كلكم " يعني أمرين كبيرين أولهما أن كل واحد منا راع في موطنه وموقعه المناسب له خلقة وزمانا ومكانا وأهلية وهذا هو الواجب العيني على كل واحد منا سوى الحالات العرضية بطبيعة الحال من مرض وسفاهة وسفر وعجز ونسيان وإكراه أما الامر الثاني الذي يعنيه الحديث في قوله " كلكم " فهو أن كل واحد منا يضيف إليه بعد مسؤوليته العينية من موقعه المناسب مسؤولية أخرى وهي مسؤولية التعاون على الرعاية العامة وهو الواجب الكفائي وليس قولنا الكفائي أنه لو لم يقم به من يجب أن يقوم به أو قام به دون ذلك عددا أو عدة ... معناه سقوط المسؤولية عنا فالكفائية هنا يأتيها كل واحد منا ولكن تختلف درجاتها كثيرا أما نوعها فهو واحد وحدة المسؤولية العامة . فتخلي الناس اليوم عن الشؤون العامة للامة بكل معاني التخلي حتى لو كان إهتماما إعلاميا عن بعد مخالف لهذه الفريضة التي تقول " كلكم " .
الدرس الثالث : الشعور بالمسؤولية الفردية حيال الشؤون العامة هو الحارس الذي لو نام هلكنا:
لو يعثر كثير من الغربيين على مصطلح الرعاية والمسؤولية في تراثنا عامة سيما في النص المقدس من الوحي قرآنا وسنة فإني زاعم بأن كل منصف منهم وجاد آئل بإذنه سبحانه إلى الاسلام لان قوام أمرهم العام اليوم هو على هذين الكلمتين : الرعاية والمسؤولية . وفي واقعنا العربي المريض هل يزعم زاعم كاذب أنه ليس سوى غياب الشعور بالمسؤولية حيال حاضرنا ومستقبلنا في سائر وجوهه لم يكن وراء الهزائم والنكبات والمصائب لا بل إني أزعم أن مرض الغفلة عن واقعنا فضلا عن حسن فهمه وحسن علاجه وحسن الاجتماع حوله وحسن الاخلاص في سائر ذلك هو الداء الوبيل الاول الذي ينخرنا ولست اليوم لاف في سائر المجتمعات العربية والاسلامية سوى ثقافة تنتسب إلى الاسلام تكذب عنه بقولها بأن أمر السياسة للسياسيين والاقتصاد للاقتصاديين والاصلاح للمصلحين وليست لغيرهم وهو ما إهتبلته قوى الردة فينا وموالاة العدو حسن إهتبال فجعلته برنامجا يلقن في المدارس والاعلام فلو نام فينا الشعور بالمسؤولية متنا والسلام وليس لقاء العنت ولو أدى إلىالقتل في عقيدة المسلم صارفا عن المسؤولية غير أن المرض قديم يرجع إلى يوم تخلت الامة عن عقيدة المسؤولية الفردية والجماعية عن الاعمال والتصرفات في سائر الشؤون الخاصة والعامة للانسان أي عقيدة الاسلام الصافية لصالح عقيدة الارجاء الخبيثة بالنتيجة ولو حسنت الطوايا وصلحت النوايا .
الدرس الرابع : الامثلة المذكورة في الحديث هي عقدة التغيير :
الكون قائم على التوازن فقولنا بأن الحديث يؤصل للقاعدة الكبرى قاعدة الرعاية والمسؤولية ولا يتناول الامثلة سوى ضربا يتكامل مع قولنا الان بأن الامثلة الواردة فيه لم تكن إعتباطا أو أختيارا غير مسؤول لامثلة ثلاث من سائر أمثلة الحوادث غير المتناهية . وهو عليه السلام يريد بأن أول الحقول التي لابد لنا فيها من ترجمة الرعاية الفردية والجماعية ثقافة وعملا ليست هي سوى الحقول التي عليها تتأسس عمارة الدنيا أو خرابها وهي : الامامة السياسية والاسرة والميدان الاجتماعي والاقتصادي . وهي ذات الحقول التي نحتاج اليوم تفعليها بالرعاية والمسؤولية لحسن تأدية مقاصد الاسلام منا أي الخلافة والعمارة والعبادة .فالحديث ينصب القاعدة الكبرى قاعدة الرعاية والمسؤولية ثم ينصب أماراتها الكبرى الثلاث فالانسان يفتح عينيه علىأسرة تعلمه فن الرعاية ومعرفة المسؤولية ثم يكون عامل إنتاج إجتماعي وإقتصادي فيحسن فقه الرعاية والمسؤولية على الاعراض والاموال والانفس في سائر الشركات والمؤسسات ثم يكون مشاركا في الامر العام أمر الامامة السياسية الكبرى التي بصلاحها يصلح الانسان وبفسادها يفسد فليس له سوى حسن فقه الرعاية والمسؤولية سواء كان حاكما أو محكوما وسواء كان مواليا أو معارضا وسواء أدت المعارضة إلى عنت السجن أو القتل وكل تخل منه سواء في الاسرة أو في المجتمع أو في باب الحكم والسياسة وسائر الشأن العام هوتخل عن حراسة بوابة من بوابات حصن الانسان وصلاح الدنيا وحفظ الكون . ولا يسقط المثال الثاني من الحديث وهو المتعلق بخدمة العبد لسيده بعد تجفيف الاسلام لمنابع الرق وذلك عبر القياس المنطقي المرسل المتخلي عن الالفاظ والحافظ للعبرة والمقصد وهو حفظ ما ينبغي حفظه من قبل الاجير ومن قبل المستأجر. على أن الحديث يشير إلى درس آخر لا يتسع له المجال هنا وهو أن صلاح تلك الحقول الثلاثة مرتبط بعضه ببعض من ناحية بما يعني أن فساد بعضها كما صلاحه يؤدي إلى الذي يليه أما الدرس الاكبر من ذلك كله وهو اليوم لايجد قبولا لدى سائر المسلمين ـ بلىأقول لا يجد قبولا لدى سائر المسلمين ـ هو أنه عليه السلام بعد تثبيته لاصل الرعاية والمسؤولية مفتاحا للانصلاح تناول مثل الامامة السياسية مثلا أولياحاكما مفتاحا لما سواه من الامثلة المذكورة وغير المذكورة وهو ما لا يلقى اليوم قبولا لدينا نحن المسلمين الذين أخرنا حقل الاصلاح ا لسياسي إلى آخر الحقول إن لم نستبعده أصلا والحديث عمن لا ينطق عن الهوى يصرح بوضوح بأن رعاية المسؤولية في مستوى الامامة السياسية حفيظ على ما سواه .
الخلاصة : لاأمل لنا في إستعادة نهضتنا الاسلامية الغابرة سوى بحسن فقه الانسان على أساس فهم أن صلاحه مرتبط بمدى ثقافته في الرعاية والمسؤولية وأن حالنا اليوم هي سليلة ثقافة إرجائية بإسم الاسلام لا سبيل لنا إلى تصحيحها سوى بثقافة إسلامية تعيد الاعتبار لفقه الانسان كائنا مسؤولا راعيا في سائر أبعاده وأن حقول المسؤولية الكبرى ثلاث أولها القيوم عليها جميعا برغم رفضنا نحن المسلمين لذلك قولا وعملا هي المسؤولية في مستوى الامامة السياسة التي تبني وتؤثر بوازع السلطان والعلم مع
-
رد: مــــائة مصباح من مشكاة النبــــوة
الحلقة الخامسة والسبعون
أخرج البخاري وأحمد عن أنس أنه عليه السلام قال " إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فإن إستطاع ألا تقوم حتى يغرسها فليغرسها ".
ـــــــــــــــ
موضوعه : أرحب أبواب الجنة وألحب فراديسها : تعمير الارض .
الفسيلة هي في الاصل النخيلة الصغيرة حين تكون نبتة ناشئة وتطلق لغة على سائر أصول النباتات والاشجار .
كلما تعرضت لحديث من هذا الضرب توقفت طويلا متمليا متأملا خاشعا في حضرة فقه نبوي عظيم لما نشارف نحن مسلمي هذه القرون المتأخرة على جني ثمره وأنى لنا ذلك ونحن نتغذى من أنهار أخرى آسنة ومما يزيدني تأملا وتدبرا أننا اليوم نحن مسلمي هذه القرون المتأخرة أحوج ما نكون لمثل هذا الفقه النبوي الكريم كيف لا وليس فوق الارض اليوم كائن حي لا يشكو من مشكلته الاقتصادية يستوي في ذلك الافراد مع الحكومات .
أزعم دوما أن المسلمين اليوم في أغلبهم لا يعرفون نبيهم محمدا عليه السلام حق المعرفة فهو عندهم رجل دين وآخرة ومعلم جنة أو مجاهد بسيفه ضد الكفار أما علاقته بعمارة الدنيا بشتى فنون التعمير المادي والمدني والفلاحي والزراعي والعلمي فهو أمر يلبسه العلماء في سنته عليه السلام تحكما وتعسفا كيف لا وهو نبي الزهد والتقشف وركل الدنيا بقدميه ولو طلبت من هؤلاء بينة واحدة أو دليلا واحدا ما فر واحد منه إلى القرآن أو إلى السنة بل تلفى الواحد منهم يحفظ عن ظهر قلب مئات من الابيات الشعرية في مدحه عليه السلام تشيد بزهده وتقشفه وعزوفه عن الدنيا وحصده للكفار بسيفه البتار فإذا ما أدلى لك بذلك فقد كبتك في حسابه وأقام عليك ألف حجة وحجة ثم لا يستنكف هو ذاته أن يفر إلى الدنيا يعمرها بالحلال والحرام سواء بسواء . بلى أزعم أن أغلب المسلمين اليوم يجهلون الكثير عن نبيهم بل أزعم أن الكثير الذي يجهلونه عنه عليه السلام هو ذاته الذي يعزى إليه اليوم تأخرهم في قافلة الامم وذيول الشعوب فلاحا في الدنيا ونجاحا في التجارة والاقتصاد والصناعة والزراعة ولو رجعت إلى أول إحصاء يليك سواء تقادم زمانه أو كان إبن لحظته لمللت من مطالعة الارقام الاقتصادية الناطقة بأسرها بأن العالم الاسلامي بأسره مدين إلى العالم الغربي سيما إلى بنوكه الاستعمارية بعدد شعور رؤوس كل الناس فلو فررت مللا من مطالعة الارقام الاحصائية إلى تملي الواقع المعيش على الارض لالفيت أن تسعة أعشار المهجرين من أوطانهم سواء بسبب فقدان الامن أو لقمة العيش مسلمون وليس ما بقي منهم متحصنا بأرض الوطن بأحسن حال فهاهي المجاعات تفتك بالناس فضلا عن الحروب الاهلية وإنتشار الامراض الخطيرة المعدية . فلو نظرت مثلي في هذا الحديث مليا متدبرا الرسالة العامة التي جاء يؤكدها ثم نظرت في واقعنا الراهن من زاويته الاقتصادية مثلا لازددت إيمانا بأن معلم الناس الخير عليه السلام إنما جاء إلينا بالشفاء من عند ربه سبحانه وهو شفاء لا يضيره تبدل الازمان والمكان وهوشفاء لا يقتصر كما نعتقد نحن اليوم على الجانب الروحي بل يشمل سائر أبعاد الانسان فردا وجماعة غير أن الشرط المشروط لتأهل كل دواء لجلب النفع ليس هو سوى تناوله من لدن المحتاج إليه أما لو ظللنا نعتقد في أحقية الدواء بالشفاء دون تناوله وفق الوصفة الطبية فإن ذلك لا يغير من الامر شيئا .
الدرس الاول : تأشيرة العبور إلىالجنة تسلمها سفارة إسمها : جلب النفع للناس .
لك أن تقول أن هذه المبالغة في الحديث وهي تحض على إدارة معركة الوقت مع قيام الساعة لغرس فسيلة لن ينتفع بثمرها غارسها وربما لا ينتفع منها حتى أحفاده ولكن ينعم بثمرها من يجئ بعده سواء كان وارثا أو مشتريا أو ربما غاصبا أصلا ... لك أن تقول أن تلك المبالغة غير مفهومة كثيرا إذ من عادة الناس إذا ما أزفت ساعة المحاسبة وقرب الاجل الهرع إلى الاستسلام والخنوع وكف الاذى والانحجاب عن الناس لعل الانسان يلقى ربه بأقل ذنب ممكن . غير أن الاسلام في هذا الحديث جاء يحارب ذلك الفهم السقيم الذي يعتبر أن كف الاذى هو قمة رجاء الانسان ولو عمل الناس على جمع سائر ما ورد عنه عليه السلام في أذهانهم بطريقة عقلية مرتبة لالفوا أن حديثا آخر يجعل كف الاذى عن الناس هو أضعف الايمان وليس قمته غير أن الناس عامة بقدر ما تغبط فيهم سعيهم ضربا في الارض تنقم منهم قصر ذلك الطموح على أضعف درجاته ضربا في أرض الايمان . جاء الاسلام لغرس عقيدة في الناس رسالتها هي أن الطريق إلى الجنة بل إلى فراديس فراديسها يمر حتما عبر جلب النفع للناس سواء كان نفعا ماديا أو معنويا ونحن اليوم متأخرون عن هذا المعنى تأخرا رهيبا وليس الذين يحملون ذلك منها عقيدة بأفضل حال من غيرهم الذين يستبعدونه تعلقا بأنه عليه السلام نبي زهد لا نبي دنيا .
الدرس الثاني : الايجابية العملية ميسم المسلم حتى في سكرات الموت وقيام الساعة .
لا مناص لك من تدبر الحديث مرة بعد مرة حتى تلفى أن تلك المبالغة منه عليه السلام في الحض على غرس فسيلة ربما تذروها الرياح قبل أوان نضوجها لا تريد سوى غرس النفسية الايجابية والعقلية العملية فينا حتى آخر لحظة من سكرات الموت أو حال قيام الساعة ذلك أن الناس عادة حال الاضطراب والفتنة وإدلهمام الخطوب وإشرئباب الاعناق نحو الخلاص الفردي ينطوي كل واحد منهم نحو نفسه ينجيها وعندها فحسب تدرك من يعيش لغيره ممن لا يعيش سوى لنفسه فمن عاش لغيره شارك غيره جنتهم يوم القيامة حقا محقوقا أما من عاش لنفسه فحسب فبالكاد يسعه مقعده من الجنة لو ولجها . الكيس منا اليوم من يجمع بين القوة النظرية وبين الايجابية العملية حتى يكون بمنأى عن صنفين من المسلمين اليوم لا يزيدان الامة سوى حطة وسوء أولهما يتعمق في إحكام قضايا العقل والفهم والتدبر تصحيحا للبنية النظرية الاسلامية عند الناس إلى حد نسيان واقعهم المرير وثانيهما يبحر في ذلك الواقع إصلاحا دون حد أدنى من العلم والمعرفة فيغرس فيهم من الفهم السقيم ما لا يزيدهم سوى تأخرا . والانطواء على خويصة النفس اليوم هو الميسم العام الذي يلهي الناس عن معاناة المحتاجين ولهم في ذلك ما لا يحصى من الشواهد الدينية والواقعية حتى لوجادلك واحد منهم لاقنع نفسه بأنه أتى لك بأصح قراءة معاصرة لرسالة الاسلام.
وليس كالايجابية العملية التي تصدر عن أخلاص وحرقة وأمل وحب للناس وحرص على جلب النفع لهم بإعتبارهم صنعة للرحمان سبحانه كفيلة بغرس الامل واليقين والصبر والثقة وسائر ما نفتقر إليه اليوم من معان إسلامية عظيمة كريمة .
الدرس الثالث : الامل في نفوسنا هو بمثابة الدماء في عروقنا .
لا يمكنك وصف من يسابق قيام الساعة وهي تهم بالقيام وقد أقبلت مشاهدها مصطكة مزدحمة مهددة متوعدة بغرس فسيلة لا تغني ولاتسمن عن جوع في حسابنا نحن الذين يقتلهم اليأس بأكثر مما يقتلهم العدوان الصهيوني والامريكي وأذياله ... لا يمكنك وصف ذلك سوى بأنه مملوء أملا وثقة ويقينا وليس كالامل حياة تبعث الحياة والهمة فينا تماما كالدماء النقية المتدفقة في شرايين عروقنا تضخ الحياة فيها وهل تموت الشعوب والامم سوى عند ما يقتلها اليأس لا بل إن اليأس هو العدو الالد للانسان وهل الاسلام سوى رسالة تبعث الامل في إبن آدم وأنت تلفى اليوم أن الناس يستبد بهم اليأس وهو يأس يبدأ من يأسهم من الناس ثم ينتهي بالنتيجة ولو دون تصريح منهم بذلك إلى اليأس من رب الناس سبحانه فالامل لا يتجزأ ومن يئس من صنعة الرحمان ييأس بالنتيجة بعد برهة من الصانع ذاته واليائسون اليوم من الاصلاح في سائر ميادينه يائسون من صنعة الرحمان ثم من الرحمان سبحانه لا بل سرعان ما ينقلب ذلك اليأس اللعين إليهم هم أنفسهم فيقدمون سواء على الانتحار في صورته البشعة المعروفة وهذا قليل رغم كثرته أو على الانتحار المعنوي وليس الانتحار المعنوي سوى حصر الاهتمام في خويصة النفس فرارا إلى الذات والشهوة واللذة ثم يتهم نفسه ثم ينقم عليها ويعنفها ثم يصيب نفسه بأمراض نفسية عاتية معقدة ثم يقضي حياته ميتا بين الاحياء .
الدرس الرابع : الفسيلة رمز للعمل والبناء والاصلاح في سائر المجالات .
هل يمكن لنا أن نستخلص من الحديث بأن أفضل الاعمال هي الفلاحة أو الزراعة أو غراسة النخيل ؟ طبعا لا . والحياة في هذه الدنيا مبنية على أساس أن بعضها يرمز إلى بعض لان الرمز يعبر الزمان والمكان فيتلقفه العقل ناسجا على منواله ومتدبرا في مغزاه . فالفسيلة ليست لها هنا معنى مستقلا يخصها لوحدها بل هي رمز لكل عمل وبناء وإصلاح والغرس يتخذ له صورا معنوية عديدة فغرس المصانع النافعة هو من ذلك الضرب وقس على ذلك كل عمل نافع ماديا كان أو معنويا كلما كان خادما لمصلحة الانسان المحتاج إليه سواء في حاضره أو في مستقبله الذي ربما لا يدركه هو بل يدركه أحفاده والاجيال التالية له وهو ذات المعنى الذي جعل الفاروق عمر عليه الرضوان يتأول آية تخميس الغنائم في أرض السواد بالعراق وفق ما تعلم . ونحن اليوم بحاجة إلى فسائل كثيرة نافعة في أكثر من ميدان إعلامي وتربوي وتعليمي وإجتماعي وإقتصادي وسياسي وعلمي .
الدرس الخامس : فسيلتان لا غنى بنا عنهما اليوم : فسيلة المقاومة وفسيلة الاصلاح .
فسائل الحياة لا يغني بعضها عن بعض سوى أن واقعنا الراهن يتطلب منا حدا أدنى من ترتيب الاولويات على أساس الحاجة والامكان وواقعنا الراهن اليوم موسوم بأمرين لا يختلف عليهما عاقلان وهما الاحتلال الصهيوني والامريكي لارضنا وفي الاسلام كل أرض الاسلام هي أرض كل المسلمين عقيدة لا تحكم فيها وثانيهما خضوع بلادنا العربية والاسلامية بأقدار متفاوتة إلى ضرب من الظلم في سائرالمجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ظلمامبرحا يتحول فيه الانسان الحاكم إلى سيد مطاع بل إلى إله في الارض والانسان المحكوم إلى عبد حقير سقط المتاع أرفع منه قدرا ولا غنى عنا تخفيفا من وطأة هذا وذاك من غرس فسيلتي المقاومة والاصلاح . كما أن الحديث في درس آخر لا يتسع له المجال هنا يرشد إلى أن غرس فسائل الخير في كل مجال لا يرتبط بزمان دون آخر ولا بمكان دون آخر ولا بحال دون أخرى بل هو حال الضنك والشدة والضيم أشد طلبا قياسا على قيام الساعة وهل أشد كربا على الناس من كرب قيام الساعة ولتدارك قيام الساعة ساعة الامة وساعة الشعب وساعة الحكومة وساعة الناس وساعة هذا المجال أو ذاك لابد من ريه بفسيلة خير والفسيلة كما ورد في حديث آخر صحيح تعرضنا له هنا في هذه السلسلة مبعث برد وسلام على الميت في قبره فهي على صدر الحي أكثر بردا وسلاما فإلى فسائلكم يا أهل الخير لا يغرنكم تقلب الظلم ففسائلكم له بالمرصاد.
الخلاصة : الفسيلة رمز أمل ورمز إيجابية عملية ورمز نفع للناس ورمز إصلاح يظل لواؤه مرفوعا شامخا في أحلك الظروف وهل أحلك من قيام الساعة والفسيلة المغروسة في الدنيا هي دوحتك في الجنة لك فيها الظل الممدود والثمر الطيب والجمال الباهي فلابد لاهل الفسائل من الاجتماع والتعاون والتآخي لتعهد فسائلهم المغروسة بالماء الزلال .
-
رد: مــــائة مصباح من مشكاة النبــــوة
الحلقة السادسة والسبعون
أخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة أنه عليه السلام قال " إجتنبوا السبع الموبقات : الشرك بالله والسحر وقتل النفس والربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات ".
ـــــــــــــــــــــــــ ــ
موضوعه : الانسان في كون ربه ضيف راحل ونزيل مؤقت يحسن به الوقوف عند حد مضيفه :
الاجتناب لا يعني مجرد الابتعاد والانتهاء كما يحلو لبعض المتفيقهين الجدد سيما من الذين يريدون أن يمرقوا من الدين بإسم المقاصدية أو غيرها بل الاجتناب يعني كما يدل عليه جذره بصيغة المبالغة ملازمة أقصى درجات الابتعاد عن جنب الشئ فإذا كانت ملازمة الجنب كفيلة بإنشاء نوع من الابتعاد عن الجوف فإن الاجتناب بصيغة الافتعال التي يأتيها الفاعل من تلقاء نفسه مبالغة وحملا لنفسه على ذلك يعني الابتعاد الاكبر والاجتناب أبلغ دوما من الانتهاء حتى أن القرآن إستخدمه فيما هو بالغ الضرر على الانسان في مثل قوله في سورة الحج " فأجتنبوا الرجس من الاوثان وإجتنبوا قول الزور " وكلاهما أقصى ما نهى الله عنه سبحانه لان الاول متعلق به سبحانه ينفي عنه صفة التوحيد الالهي والثاني متعلق بالانسان يوري نيران الحرب التي لا تبقي ولا تذر . كما إستخدم القرآن لغة الاجتناب في ما يتعلق بالخمر وبناتها في قوله " إنما الخمر والميسر والانصاب والازلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه " فالخمر أم الخبائث وعادة ما يأتي المخمور سائر ما بعد إحتسائه لها لذلك تصدرت قائمة الاجتناب هنا كالميسر والانصاب والازلام وهي بعد ذلك تمحق القدرة العقلية عند الانسان الذي يهون عليه بعد سنوات من الادمان عليها إتيان الميسر ومعلوم أن الخمر اليوم هي مشهد ثابت من رقعة مسرحية كاملة متكونة من السيجارة فالخمرة فالزنا فالمخدر فالكذب فال فالسجن فالجريمة ففقدان المناعة فالمستشفى فالموت . فالاجتناب إذن ليس مجرد الانتهاء أو الابتعاد وكلما ألفيت النهي بهذه الصيغة فأعلم أنه موبقة من الموبقات . والموبقات ومفردها موبقة قادمة من جذر أبق أي هرب وفر وبعد ومنه إباق العبد فهو آبق وإسم مفعوله موبق وهو الامر الذي أدى بالابق إلى الاباق كالعصيان مثلا وسميت هذه السبع موبقات من لدنه عليه السلام لانها محل إباق العبد عن ربه سبحانه أي تصرفه عنه وتجعله يفر عنه ومنه وهي كناية عن إبتعاده من مجال رحمته سبحانه وذلك مؤذن بضياعه كمركبة تأبق من مجال جاذبيتها أو مدارها الفلكي . والموبقات هي أكبر الكبائر فالاثام قلبية وظاهرية من جهة وهي صغائر وكبائر من جهة أخرى والكبائر هي أصناف ثلاث : أكبر الكبائر ثلاث وهي : الشرك والزنا بحليلة الجار وقتل الولد مخافة الفقر . والكبائر التي نحن بصددها وهي سبع وتسمى موبقات وهي درجة ثانية في إتجاه الاسفل والدرجة الثالثة والاخيرة من الكبائر هي الكبائر التي قال عنها إبن عباس أنها سبعين وعدها بعض من كتب في ذلك من مثل الذهبي وغيره . وقال العلماء بأن الكبيرة بصفة عامة في القرآن هي كل ما رتب عنها سبحانه لعنة أو حدا أو وعيدا أو ما هو في حكم ذلك من مثل الغضب ويعرف ذلك من سياق الاية بيسر ومعلوم أنه سبحانه وعد ووعده حق وعدل وصدق بالتجاوز عن الصغائر لمن إجتنب الكبائر والتوبة خير سبل الاجتناب إذ التائب من الذنب كمن لا ذنب له حتى قال بعضهم " لا صغيرة مع إصرار ولا كبيرة مع إستغفار " .
الدرس الاول : إجتناب الموبقات هو الوجه الاخر لحقوق الانسان في الاسلام :
لو قمت بنظرة سريعة شاملة معي الان تحدج بها تلك الموبقات السبع لالفيت بيسر بأن إجتنابها مفض بالضرورة إلى تحرير الانسان وتكريمه وتلك هي رسالة الاسلام في أكبر عنوان ومعنى لها . أليس من حق الانسان جلب سائر أسباب الحرية لعقله فيهديه إلى ما شاء من الاديان والمعتقدات ؟ وذلك أمر يضمنه إجتناب الشرك ولن يهدي عقل صاحبه إلى أي ضرب من ضروب الكفر مطلقا بل لن يهديه سوى إلى الدين الحق شأنه في ذلك شأن نحلة تقودها جبلتها المفطورة عليها إلى الازهار تستل رحيقها لا إلى الجيف والقاذورات . ثم أليس من حق الانسان تحرير إرادته وعقله ونفسه بالعمل والامل والتوكل ونبذ الحلول السحرية الكاذبة ؟ وذلك هو ما يضمنه له إجتناب السحر فالساحر كاذب حتى قال سبحانه " يخيل إليهم من سحرهم أنها تسعى " ولم يكن يوما للسحر ولا للساحر أية قوة ولكن يكون المسحور المغلوب المفتون الهالك الطامع الخائف اللاهث وراء الدنيا دوما ضعيفا نفسيا فاقدا لمناعته الداخلية تماما كما يفقدها مريض الايدز عافاكم الله وإيانا جميعا ووالذي نفسي بيده بعد ما جرى معي منذ ثلاثة عقود في حالة مشابهة لاجدني دوما بقرآن ربي سبحانه تواقا إلى تحدي كل ساحر مهما نبغت شهرته فهلا آن للمسلمين الذين تمتلا دنياهم بمصحات الدجل ومشافي الشعوذة أن يفيؤوا إلى صيدلية القرآن ؟ ثم أليس من حق الانسان حماية نفسه وصون حياته بدنا ونفسا وعقلا ورحا ومالا وعرضا ؟ وذلك ما يضمنه له إجتناب قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق . ذلك لان القاتل مقتول في كل الشرائع سوى ما يخرص به المخدوعون اليوم حماة القتلة وشريعة قريش والعرب من قبلهم أحكم من شريعة ثورة حقوق الانسان الامريكية والاروبية وذلك يوم قررت مبدأ تبناه الاسلام دون غضاضة لانه مبدأ فطري " القتل أنفى للقتل ". ثم أليس من حق الانسان حماية ماله من جشع المرابين عطاء ومنعا ؟ وذلك هو ما يضمنه إجتناب الربا أخذا ودفعا وليس الربا مهلكا للنفوس بالجشع والطمع والتواكل ولا مهلكا للضعفاء بأكل أموالهم ظلما فحسب بل مهلكا للدورة الاقتصادية المالية كذلك وفق ما بين الخبراء من مثل المرحوم عيسى عبده وغيره كثير. ثم أليس من حق الانسان تلبية أشواقه الروحية حال يسره وأشواقه البدنية والنفسية حال عدمه وذلك بحفظ مال اليتيم والضعيف والعاجز وسائر من في حكم أولئك ؟ وذلك يضمنه إجتناب أكل مال اليتيم . وليس اليتيم صورة إجتماعية واحدة نمطية بل هو كل عاجز وليس ذلك رحمة باليتيم فحسب بل رحمة بالمجتمع بأسره أن تخذله الصراعات الطبقية التي يبشر بها من لم يعجبهم من أصلنا سوى أن نكون حفدة القردة ممسوخين كما فعل بيهود العصاة . ثم أليس من حق الانسان الدفاع عن وطنه الذي فيه أهله وماله وتراثه ؟ ذلك ما يضمنه إجتناب التولي يوم الزحف . ومقاومة المحتل فطرة مفطورة قبل أن تكون دينا مدينا فكيف يشقى بعض من فينا اليوم بإنكارها ؟ ثم أليس من حق الانسان صون عرضه وهو شخصيته المعنوية عن ألسنة السوء وأقلام الفجور ؟ وذلك ما يضمنه إجتناب قذف المحصنات . فلو مات عرض أحدنا مات والسلام بخلاف العجماوات لا تموت سوى بموت أجسادها .
الدرس الثاني : الموبقات السبع موزعة على أطراف ثلاثة تحيط بالانسان :
لعلك لو قلبت معي الحديث على وجه آخر لالفيت سريعا بأن تلك الموبقات السبع الابقة بصاحبها بعيدا عن رحمته سبحانه رغم شمولها كل شئ " ورحمتي وسعت كل شئ " .. تتوزع على أطراف ثلاثة تحيط بالانسان : الله سبحانه وينعكس ذلك في إجتناب الشرك ثم الانسان وينعكس ذلك في إجتناب ما يحط من حريته وكرامته كالقتل والسحر والربا ومال اليتيم والقذف ثم الوطن وينعكس ذلك في إجتناب الفرار يوم الزحف . وهل الانسان سوى مخلوق لخالق مالك معبود له عليه حق العبادة والعبادة والشرك لا يلتقيان أبدا وهو بعد ذلك أخ للانسان كما قال علي كرم الله وجهه لعامله الاشتر" الناس له إما أخ في الدين أو نظير في الخلق " له عليه حق الاخوة وهو بعد ذلك إبن تربة عليها ولد ومنها صنع وفي أديمها نشأ وترعرع وهي جزء منها وهي وطنه وهو بذلك فطري الوطنية أحب أم كره وللوطن عليه حق الحماية . فالانسان إذن وهو يدعى لاجتناب الموبقات السبع إنما يدعى لحماية نفسه وأصوله الثلاث أو الدوائر الثلاث التي تحيط به : خالقه وأخوه الادمي وبلاده .
الدرس الثالث : إجتناب الموبقات السبع تشمل الكيان الانساني بأسره دون حول :
أنت تعلم أن السبب وراء فشل النظريات الجديدة الحديثة في مجال الانسان تربية وإصلاحا وتحريرا وتكريما ليس هو سوى حولها الذي لا ينظر إلى الانسان على أساس أنه كائن كامل متكامل متعدد الابعاد وليس السر في نجاح الاسلام في ذلك سوى لاحاطته بسائر أبعاد ذلك الجهاز البشري أحاطة كاملة متكاملة شاملة عادلة متوازنة وهو ما تبصره بأم عينيك هنا في هذا الحديث الذي يصون الانسان في أبعاده التالية : البعد الروحي وذلك بحمايته عن الشرك والبعد النفسي بحمايته من السحر والبعد الارادي بحمايته من التولي يوم الزحف والبعد البدني بحمايته من القتل والبعد العرضي بحمايته من القذف والبعد المالي بحمايته من الربا وأكل المال بالباطل والبعد العقلي بحمايته مجددا من الشرك ومن السحر. فإجتناب الموبقات السبع محرر للانسان من داء الانخرام في تكويناته وموازينه ومقاديره ومكرم له بإستعادته لسائر أبعاده الفطرية وكل جهاز لا يشتغل كأحسن ما يكون وفق تصميم صانعه له سوى بتحرير سائر إراداته وبواعثه دون غمط ولا جحود .
الدرس الرابع : إجتناب الموبقات السبع إشارة إنطلاق لتعمير الارض بالخير المادي والمعنوي :
معلوم لديك أن الانسان كائن متحرك فاعل مريد مختار لابد أن يملا حياته ودنياه بالشر أو بالخير وهو ما يعبر عنه بأن الطبيعة تأبى الفراغ وهو تعبير متفرع عن قانون الحركة وبعد ذلك هذا مشاهد اليوم فلا يخلد للدعة والراحة التامة سوى المشلولين وحتى هؤلاء لا تخلد عقولهم ونفوسهم لذلك بل تظل متحركة مريدة فاعلة ولو تفرست معي في هذه الموبقات السبع التي ندعى لاجتنابها فإنك تدرك معي بأن إجتنابها مفض إلى الحركة في الاتجاه المعاكس وهو إتجاه تعمير الدنيا بالخير فالمشرك يعود موحدا يملا نفسه ونفوس غيره بالامل والعمل والقوة النفسية والساحر والمسحور يتحولان إلى عاملين أريبين حريصين متوكلين ناظرين في الاسباب والسنن والاقدار بل يتحول كل منهما إلى قدر مقدور من الرحمان سبحانه وسبب من أسبابه وسنة من سننه يؤثر ويتأثر ضمن المشهد الكوني العابد السابح والقاتل يعود محييا للناس بالعلم والمال والقوة والمرابي يعود مزكيا متصدقا غياثا للملهوفين مجيرا للثكالى عائلا للايتام ناصبا الموازين القسط في الدنيا بماله وآكل مال اليتيم يعود زعيما للسعاة على الارملة والمسكين وقاذف المحصنات يعود كافا لاذاه عنهن حييا ستارا للعيوب محييا للاعراض ذائدا عنها باللسان والقلم والسيف والمتولي يوم الزحف يعود معبئا للجيوش الشعبية محررا للاوطان دافعا للعدوان بنفسه وماله وفكره وعلمه .
الخلاصة : الموبقات السبع هي بمثابة الامراض الفتاكة العظمى التي تفتك اليوم بملايين مملينة من البشرية من مثل الايدز والسرطان وغيرهما أو هي بمثابة الجاذبية الارضية التي لا يخرج منها سوى من أراد الانتحار إلا بسلطان أو هي بمثابة علامات المنع الخطيرة في الطرقات كالضوء الاحمر وعلامة الوقوف الاجباري وإسداء الاولوية وفعلها في صاحبها هو تماما كفعل تلك العلامات أو الجاذبية أو الامراض في أصحابها غير أن هذه الموبقات تقتل الانسان نفسا قبل قتله بدنا وهو الموت الحقيقي .
-
رد: مــــائة مصباح من مشكاة النبــــوة
الحلقة السابعة والسبعون
أخرج البخاري ومسلم والترمذي والنسائي عن أبي هريرة أنه عليه السلام قال " من تردى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردى فيها خالدا مخلدا فيها أبدا ومن تحسى سما فقتل نفسه فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا ومن قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ بها في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا ".
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــ
من شواهده " ولا تقتلوا أنفسكم إن الله بكم رحيما " و " ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق".
موضوعه : الانتحار جريمة جارمة لا مناص من بحث أسبابها وتجفيف منابعها :
ألست ترى معي أن هذا الحديث مؤلم الوقع على من أختار قتل نفسه ولعله أشد وقعا وإيلاما اليوم على ذوي المنتحر وهم يؤمنون أنه " في النار خالدا مخلدا فيها أبدا " وهو تعبير نادر وجوده حتى في القرآن الكريم فضلا عن السنة وفيه ما لايخفى عليك ولا علي من التهديد . ألست ترى معي أن قاتل نفسه إختار لنفسه مصيرا لم يختره سوى عتاة الظالمين وأكابر المجرمين في حين أنه ربما عاش عقودا من حياته فقيرا معدما منهوكا لم يسعد يوما برغد ولم يطعم لذة نفسية ولا بدنية ثم هو بعد دهر من العذاب يختار الخلود في النار حقيقة لا مجال للمجاز فيها . ألست الان تزفر معي من زفرات الالم والحسرة والاسى على منتحر تعرفه بعينه ما يكاد يسطو بك لفرط ألمه ؟ .
ما الذي يدفع الانسان إلى قتل نفسه بيده وهو يضن بها ضنا مريبا يوم يدعى للجهاد ؟.
لن أزال مصرا على أن الانسان " ذلك المجهول " في جانبه النفسي مازال مجهولا فينا وعندنا إلى حد كبير جدا يجعل كثيرا من الحقائق النفسية التي باتت مسلمة في حياتنا مجرد إحتمالات لا تصمد كثيرا مما يحول كثيرا من العلاجات النفسية المقدمة اليوم لنا ولسوانا لا ترتقي حتى إلى مسكنات بل كثيرا ما تكون بلة طين ومن صور ذلك الانسان المجهول أنه يدعى من لدن ولي نعمته سبحانه إلى الجهاد في معركة يعسر أن يرجع بعدها سوى بنعي حار فيضن ضنا مريبا وهو يعتقد جازما أن موته في تلك المعركة ليس سوى حياة جديدة لا تدانيها حياة في الاخرة دار الحيوان فضلا عن الدنيا ويضل يتحين فرص التفصي وتمحل المعاذير إلى درجة السخافة والسذاجة وهو يعتقد أن الموت الذي منه فر شر فر ملاقيه يوما وعندها يكون الموت هوالذي إختاره فريسة في حين كان يمكن له بالامس أن يكون هو الذي إختار الموت نفيسة ترصع حياته وربما تمور الحياة مورتها وتدور الدنيا دورتها ويقلب ربك سبحانه الليل والنهار كرا على كر فيقدم الضان بنفسه بالامس القريب على ولي نعمته سبحانه حرا مريدا مختارا مطمئنا على قربان ذات النفس ولكن إنتحارا وهو يعتقد تماما كما كان يعتقد بالامس القريب في الجنة أن النار تنتظره خالدا مخلدا فيها يصحبه ذات التمحل وعين التفصي الذي زين له بالامس القريب الضن بنفسه . ألست ترى معي أن الانسان لا يصدق عليه في جانبه النفسي سوى " الانسان ذلك المجهول ". ولا تظنن بي مروقا عن الاعتقاد السمح الجاد سوى أني اوطئ من ذلك للقول بإختصار شديد ربما نتوقف عند تفاصيله بعد حين بأن أسباب الانتحار ذات المعدلات المرتفعة في دنيانا وفي الدنيا الاسلامية منها مازال المجهول يكتنفها من كل جانب فلا يستقيم أن نكلها بسرعة وإختصار وطيش حامق كما يفعل الدهريون المعاصرون ومن في حكمهم عقيدة وتفكيرا إلى الاسباب الاقتصادية أو الاجتماعية أو السياسية ثم نختم على ملفها بخاتم السلطان الجائر لا يفض له وكاء.
كيف نحصن أنفسنا والناس عامة من غائلة الانتحار ؟:
هذا سؤال عملي صحيح سوى أنه يفتقر إلى بحث أسباب الانتحار التي لا أطمئن فيها كما أنف القول إلى التسطيح الدهري أو العضل العلماني فهو قول من " يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الاخرة هم غافلون " وما ينبغي في رأيي لمن حرم نفسه من الايمان بالاخرة التي يتأسس عليها فقه الانسان وفق التصميم الرحماني القول في قضية لا يبري فيها قوسا سوى ليخمد بها الانفاس بإسم العلم المعاصرفالنفس ليست صناعة مادية يتاح لكل من هب ودب القول في صحتها ومرضها فهي لطيفة لا تأذن بالدخول إلى عتبات حماها سوى لمن تسربل باللطف أما تغشيها بالنظريات المادية السوداء فهو تطبب عليه ضمان . فأسباب الانتحار في رأيي أسباب نفسية ذهنية باطنية بحتة وليست وجوهها الاقتصادية والمادية سوى ظاهرا ويتأسس ذلك على حقيقة نفسية مطلقة يقينية وهي أن الانسان لا يملك في حياته ما هو أعز عليه وأغلى من نفسه التي يضن بها حتى على حياة خالدة مخلدة في الجنة فكيف يهرقها مسفوحة رخيصة قربانا لغادة جميلة بهية أو لقب علمي سام أو قرش مالي فلا بد إذن أن يكون السحر المنسكب في نفسه مقنعا إياه بقتلها رخيصة دون الضن بها غالية سحرا فتاكا وليس ذلك السحر الفتاك سوى إنقلابا رهيبا سرى في جهازه النفسي الباطني ربما أطاح بالعقل أو بالروح أو بكليهما معا من مثل أن مقدار محلول الخوف في النفس طغى على مقدار محلول الرجاء طغيانا كبيرا فنشأ الانقلاب .
ومن هنا فحسب يجدر بنا التعرض لكيفيات صون أنفسنا ضد مخاطر ذلك الانقلاب ومعلوم أن كل إنسان سوى المعصومين من الانبياء والمرسلين عليه السلام جميعا معرض إلى إنقلاب مماثل في مستوى مقادير المحلولات النفسية في باطنه مما يؤدي إلى الموت إنتحارا غير أن الله سبحانه أهدانا في مضمار المعالجة قانونا رائدا لايكذب وهو أن جنس العلاج لابد له بالضرورة أن يكون من جنس الداء وهو قانون ينحسب أحيانا على المعالجات المادية أما في المعالجات النفسية فهو مطرد لا يتخلف . فإذا إتفقنا بأن السبب النفسي الخالص هو المسؤول عن الانتحار وفق ما أنف القول في بعض تفاصيله وعزل ظواهره عن أن تكون سببا فإن الدواء الوقائي ضد ذلك هو نفسي بالاساس ولم يجد الناس بما فيهم أشدهم كفرا وأوقحهم كبرا بالامس واليوم وغدا سوى بلسم الايمان بالغيب علاجا ضد الانتحار ويستوي في ذلك الان لدينا وقوفا عندما نحن بصدده أن يكون ذلك الايمان صحيحا أو كاذبا فالايمان هنا رمز لحاجة فطرية إنسانية في التدين ولاشك أن أصرح الاحصائيات الدولية تقول بأن معدلات الانتحار تنخفض كلما كانت البيئة متدينة محافظة وترتفع كلما كانت مادية متبرجة وليس من المفارقات أن ترتفع معدلات الانتحار في بلد كالسويد منذ عقود بسبب التخمة المادية والفراغ الروحي وهو ذات الارتفاع الذي تشهده مناطق أخرى في الدنيا بسبب الضيق المادي والفراغ الروحي وبذا نتبين أن إدعاء الدهريين بأن الاقتصاد وسائر مظاهر المادة هي المسؤولة عن الانتحار وجودا وعدما كذب صراح ولايعدو ذلك أن يكون الشجرة التي تخفي الغابة . وربما يحاول بعض المتنطعين نقض ذلك بقولهم بأن إرتفاع درجات معدلات الانتحار عند المسلمين لا يفسرها الخواء الروحي وهذا وهم لان مجرد إدعاء الاسلام والايمان من لدن نفس خاوية من كل قيم الصبر والرجاء والامل واليقين والثقة والجلد والشكر لا يصمد في وجه أعاصير قوية تدفع إلى الانتحار .
لكن المشكلة الكبرى في موضوع الوقاية ضد أسباب الانتحار تكمن في كون تلك الوقاية لابد لها من مناخ إجتماعي مشيد بالتربية الروحية والفكرية مشيع للامل بالتكافل والسلام والامن وهو مالا يتوفر دوما سيما في جمهوريات الرعب التي يحول فيها الحاكم البلاد بأسرها إلى مقبرة جماعية للاحياء أو معتقل كبير يسجن فيها الملايين المملينة ثم يحصد سائر مقومات تماسكهم الاجتماعي والقيمي حصدا مريعا فأنى لجمهورية مثل هذه أن تصمد أمام أسباب الانتحار ؟
الاسرة محضن الوقاية ضد أسباب الانتحار :
ليس من باب صرف النظر عن سائر مؤسسات المجتمع القول بأن الاسرة هي الحصن الاخير الذي لا يلجه طاغية ولا يطؤه مجرم تدجج بما تدجج ولكن عندما نفرط في مؤسسة الاسرة سواء حسن إختيار وحسن بناء وحسن تربية فإن الصائل الباغي يمكنه بعد ذلك إغتيال القلوب والعقول والناشئة وجيل المستقبل دون مقاومة ودون حاجة إلى سلاح أبدا سوى أن بعض الناس سيما من المنتسبين إلى حركة التغيير والاصلاح يهملون أمر الاسرة أو لا يحيطونها بما ينبغي لها من العناية فإذا إنهدم الجدار الاجتماعي بفعل هجمة شرسة غازية لم تكن الاسرة لتصمد سوى لايام قليلة ثم ما تلبث أن تنهار وعندها فحسب يمكن لنا القول بإطمئنان كبير بأننا في حالة كارثة لا قبل لنا بها . فالتغيير إن شئت قلت يبدأ بإختصار من أدنى درجات سلمه من الاسرة ثم الادنى فالادنى وذلك توقيا لحالات إرتدادية محتملة تماما كما يبدأ البناء وضع حجر الاساس لبنايته مؤجلا ما يليه إلى إبانه والاسرة إن شئت قلت بإختصار كذلك هي مجمع لسائر البيئات والسلطات فيمكن تحويلها إلى مدرسة وشارع وناد وحزب وجمعية وصحافة وحكومة وذلك من باب قراءة أسوإ الاحتمالات فهي الملجأ حين تنغلق البيئات الاخرى ولو لم تكن كذلك لما عدها الله سبحانه في دائرة التوقيفيات القطعية المضبوطة بتشريع ثابت ومفصل في الان ذاته لا يتغير بتغير الزمان والمكان والحال والعرف .
الخلاصة : إذا كانت الظروف العامة سياسية وإقتصادية وإجتماعية مرشحة لتنمية معدلات الانتحار فإن على المنتمين لحركة الاصلاح والتغيير مضاعفة الجهود لتنمية معدلات التحصين النفسي سيما عند الشباب بغرس فسائل القوة الروحية كالامل والصبر واليقين على أساس الايمان الواعي المتبصر بالتاريخ وبسنن الدنيا مركزين على دور الاسرة في ذلك سيما في البلاد التي تنغلق فيها يوما بعد يوم منافذ الحرية والعدل والكرامة وعليهم أن يعلموا أن إنقاذ إنسان من الانتحار يساوي إنقاذ أمة بأسرها من القتل والموت فهم في سباق مع قتلة الانسان بإشاعة اليأس
-
رد: مــــائة مصباح من مشكاة النبــــوة
الحلقة الثامنة والسبعون
أخرج أحمد والطبراني والبيهقي عن أبي أمامة والنسائي عن طارق إبن شهاب وإبن ماجة عن أبي أمامة وعن أبي سعيد أنه عليه السلام قال " أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر".
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــ
شواهده سائر أيات الجهاد والامر بالمعروف والدعوة إلى الخير ...
موضوعه : الكلمة هي إستراتيجية التغيير الاسلامي ومفتاح مشروع الاصلاح ولب رؤيته :
ما ينبغي علينا أن نتعامى عن صيغة المبالغة والمفاضلة " أفضل " كما لاينبغي علينا غض الطرف عن الامر الموصوف هنا بهما معا مبالغة ومفاضلة ويكفي قول محمد عليه السلام فيه "رأس الامر الاسلام وعموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد " في حديث معاذ السائل عن الطريق إلى الجنة . فكل شئ هنا في مبتدإ الحديث لا يرضى بغير مقام الذروة والافضلية المطلقة وهو مبتدأ جملة إسمية من شأنها تقرير الحقائق الكلية العظمى لا تقبل عليها ناسخا ينصب خبرها بعد رفع والرفع أقوى مقامات القول في مثل قول إبراهيم عليه السلام ردا على سلام الملائكة التي حيته ب" سلاما " فقال " سلام " كما لا تقبل ناسخا ينصب مبتدأها . فإذا جمعت الان عندك ثلاثة أركان من القوة في فاتحة الحديث وهي الجملة الاسمية و صيغة أفعل للمبالغة والمفاضلة وذروة الاسلام فإنك ستفاجأ مباشرة بأن المخبر عنه بسائر تلك القوى الثلاث ليس هو سوى كلمة حق عند سلطان جائر ولك الان أن تطرح سؤالا كبيرا آن أوانه : هل تتوفر الكلمة حقا على كل تلك القوى بما يبوؤها ذروة الذروة في إستراتيجية التغيير الاسلامي وكيف يكون لكلمة مستضعفة تنهشها أسياف بتارة من صوب دولة ظالمة جائرة وحدب قوى لائكية مسنودة بالعسكر والمال والاعلام الساحر أن تكون مفتاح مشروع الاصلاح الاسلامي لا بل كيف يختصر الحديث أخطر المحاور التي تسيل لعاب الاقلام اليوم ونواهل الرماح الصارمة وهي محور التغيير والاصلاح في كلمة واحدة هي كلمة حق ؟ وإذا سلمنا بذلك فكيف ذلك ؟ الاسئلة لا تتناهي من هذا العجب العجاب الذي يعلن به الحديث ومنها ماهي كلمة الحق المقصودة هنا ولعل أخطر الاسئلة طرا التي لا قبل لنا اليوم بالتصدي لها حسن جواب هي : أنى لكلمة حق كانت كفيلة بالامس بأن تصيخ لها الاسماع بحكم قلة عدد الناس وعدم إزدحام وسائل الاعلام وبساطة الحياة أن تشق لها اليوم طريقا في لجج من الاكتظاظ والازدحام لا بل في ظلمات من القمع والمنع والقهر لاحدود لها وأي أثير يفسح لها اليوم مجالا وثورة الاتصالات تعصف بالكون بأسره أو باختصار شديد هل يغني حقا اليوم في عصر العولمة الجارفة العابرة للانسان المقتحمة للبيوت في قفار البوادي أن نعول على كلمة حق أساسا أوليا جامعا لاستراتيجية التغيير ومشروع الاصلاح ؟
الدرس الاول : رسالة الجهاد واحدة لا تتغير : تحرير إرادة الانسان في إختيار لون حياته :
أزعم أن الذي يشغب أكثر على تلك الرسالة بسوء الفهم وسوء التنزيل هم نحن قبل أعداء الاسلام ولست أبرؤهم ولكن النقد الذاتي الذي سماه القرآن توبة وأوبة وفيئا وحسابا مطلوب لتصحيح مسارنا ولالغاء كل فرصة من فرص التدخل الخارجي في شؤوننا بإسم الاصلاح أو الحد من آثارها على الاقل . الادلة من القرآن والسنة أكثر من أن تحصى على أن رسالة الجهاد بسائر أنواعه لا تبغي سوى تحرير إرادة الانسان مطلقا من الخضوع لهذا أو ذاك تحت ذهب المعتز أو سيف الحجاج كما يقولون في صياغة لون حياته دينا وعقيدة ومذهبا وتفكيرا والاسلام إعترف بالاديان السماوية إعتراف وجود لا إعتراف شرعية ورتب على ذلك الاعتراف أواصر وتشريعات تصل إلى حد إجازة التناكح بينها ومن ثم التوارث وإمكانيات الحوار والتعايش وعبر التاريخ الطويل لم يجد اليهود مرفأ آمنا هربا من ظلم الرومان سوى في الدولة الاسلامية وذهب بذلك محمد عليه السلام إلى حد القول بأن " من آذى ذميا فقد آذاني " و" أنه لا يجد ريح الجنة ".
وكفل عمر اليهود من بيت المال ضربا من التغطية الاجتماعية التي تقوم عليها أروبا اليوم ولا ذكر لها عندنا وإشترط إبن تيمية على المغول إطلاق سراح أهل الكتاب قبل المسلمين ففعل .
الدرس الثاني : الجهاد لا يحصر في لون واحد وصورة واحدة فهو إتجاه عام وخطة كلية :
أزعم مرة أخرى أن الذي يشغب على هذا التصور الاسلامي للجهاد هم نحن قبل غيرنا وكلمة الجهاد مظلومة منا ومنهم على حد سواء فهي عندنا جميعا تقريبا وإلى حد النخاع لا تعني سوى الجهاد القتالي وليس لسائر وجوهها الاخرى إن وجدت قيمة كبيرة وهل يعفينا من ذلك مستوى القمع وذروة القهر التي تتعرض لها الامة من حكامها على مدى عقود طويلة أو من عدوها الخارجي ؟ والدليل على ذلك أن القرآن يقدم دوما إنفاق المال على إنفاق النفس ويسمي ذلك جهادا وسنة محمد عليه السلام تبرز أن الجهاد القتالي كان دوما دفاعيا عن حياض الاسلام حتى إضطر إلى القبول بقتل سمية وتهجير الاصحاب ثم تهجير الاسلام بأسره إلى المدينة ولم يبدأ خصمه يوما بحرب وفتح مكة مسالما ووطأ لذلك بالصلح وحتى حيال الروم لم يبادئهم سوى بعد تنسم رياح الغدر منهم وبالخلاصة فإن الجهاد القتالي هو بمثابة الكي بالنار إذا أخفقت سائر الطرق الاخرى وبالخلاصة فإن المؤمن مجاهد في الحياة أو لا يكون والجهاد لابد له من قاعدة هي جهاد النفس هوى وشيطانا ثم جهاد الناس مؤمنهم بالحض على الخير وكافرهم بالحجة وحسن الصحبة وكل ذلك ينبجس عنه قوله " وجاهدهم به ـ أي بالقرآن ـ جهادا كبيرا " . وظالمهم بالردع .
الدرس الثالث : كلمة الحق أنسب ترياق جهادي للانسان ولكنه ليس هو الايسر لنفوسنا :
من أروع ما قال الامام الشاطبي في موافقاته أن التكليف لا ينبغي له أن يخلو من شدة لا ترغب فيها النفس البشرية لا يصل ذلك إلى حد العنت إلا حل اليسر ودون حصول توافق تام بين الشهوة وبين التكليف ويساق هذا بمناسبة القول بأن الجهاد بالكلمة لئن كان لحمة وسدى الاصلاح الاسلامي فإنه ليس هو الارغب لنفوسنا التي تحرص دوما على الاستعجال فطرة ينضح بها قوله " خلق الانسان على عجل ". ولاشك أن إعداد قنبلة تفجر مبنى ما لا يستغرق سوى أيام قليلة تعفيك من لقاء الناس ودفع مجادلاتهم فضلا عن طعم سجونهم وعذاباتهم أما تسطير خطة إصلاحية شاملة كاملة عمادها الكلمة فهي مهمة عمرها اليوم في العصر الحديث أكثر من ثلاثة قرون يوم بدأتها الحركة السلفية في الجزيرة العربية والسودان وغيرهما ومازالت مرشحة لقرون أخرى طويلة قادمة لا بل ليست مرشحة ليوم تتقاعد فيه أو ترفع الراية البيضاء ومعلوم أن الصهيونية اليوم وربيباتها من صليبية وغيرها تنضح تقاريرها بأن الخطر الاسلامي الداهم هو خطر الوسطية بما تتوافر عليه من تخطيط وحكمة وكلمة حق كفيلة بصنع العقول وبناء النفوس وخلخلة أركان الاستقرار الدولي لصالح الرؤية الاسلامية أما خطر تيارات الغضب والتكفير والقتال فهو إما زائل وإما يسدي أجل خدمة لتيارات اليمين المسيحي والصهيوني المتطرف في الغرب لتأبيد الحرب على الاسلام وبلاده . الوجه الاخر لكون كلمة الحق أنسب ترياق للانسان يكمن في أن الانسان ذلك الجهاز النفسي المعقد بصنعة رحمانية مفطور على قبول الهداية من تلقاء نفسه بسائر المؤثرات الداخلية والخارجية طوعا لا كرها وليس أدل على ذلك من كون الايمان الذي هو كلمة تلخص النظرة إلى الوجود لا يقبل من مقلد فضلا عن مكره ولذات السبب كان النفاق أبغض العمل في الدنيا والاخرة لكونه غمط الكلمة الحرة فأخرجها في ثوب كاذب بخلاف الكافرالصريح الشهم ولذات السبب عد القرآن صلح الحديبية الذي إعتبره سائر الصحابة بمن فيهم زعيمهم وقائدهم عمر دنية ومذلة وهوانا فتحا مبينا بسبب دحره عبر وثيقة الصلح المكتوبة والممهورة للحواجز المادية خوفا وطمعا تمنع الناس من حرية الارادة في إختيار لون الحياة المناسب لهم عقيدة ودينا ولغة ومذهبا ومسلكا .
الدرس الرابع : الاسلام دين سياسي بإمتياز :
الاسلام دين منزل من السماء بلا ريب وهو تشريع شامل للحياة بأسرها بلا ريب كذلك سوى أن الناظر فيه قرآنا وسنة يلفى جزء كبيرا منه متجها نحو الاصلاح السياسي وكبر ذلك الحجم يكون أحيانا خاصة في القرآن كيفيا من مثل صراحة وصرامة الايات الدستورية في النساء وغيرها حتى أن سائر الامر الالهي بلفظ الامر لحما ودما وليس صيغة صرفية فحسب كان متعلقا بالشأن السياسي من مثل الامر بالقسط والعدل وأداء الامانة والحكم بالعدل وغير ذلك كثير أما في السنة فإن لفيفا ضخما جدا من الاحاديث يتناول الشأن السياسي وليست السيرة بأسرها سوى تعبير صريح عن بناء كيان سياسي للامة وللجماعة يومها وذلك عبر صيغ البيعات خاصة مع الانصار ودستور المدينة ووثيقة صلح الحديبية وغير ذلك كثير وذات النهج في الخلافة الراشدة وفي هذا الحديث يتمحور درسنا الرابع منه حول أن كلمة الحق وهي تستهدف بناء الحياة الانسانية على أسس الحرية والعدالة والكرامة والتراضي والشورى والمؤاخاة والتعارف والتعاون ونبذ الظلم والعدوان إنما تتخول إلى ذلك بتجفيف أكبر وأخطر منابع الظلم الكفيل بحصد سائر تلك القيم والمثل وهو الظلم السياسي الذي عبر عنه هنا ب " عند سلطان جائر " ومعلوم أنه عليه السلام قال ذلك والشأن السياسي لا يحتل سوى حيزا معلوما محدودا يومها أما اليوم فإن السياسة التي لا تفرط فيها الدولة العربية المجزأة المرتبطة قهرا بقطار العولمة القسرية تستحوذ على سائر مناشط الانسان بما يعني أن كلمة الحق الكفيلة بإصلاح جور السلطان بالحد منه أو بعزله ينبغي عليها أن تكون كلمة حق سياسية محكمة الاركان محل إلتفاف من سائر المصلحين وبناة التغييرأما العزوف عن ذلك وقوفا أسلم على ربوة الفرجة أو تلذذا بدسامة عيش على نخب موائد السحت فهو بمثابة التولي يوم الزحف قيمة أخلاقية لا حكما دينيا وفي الحالين فإن أدسم هدية على طبق من ذهب وورد لاعداء الامة اليوم هي التخلي عن كلمة الحق السياسية وهل يفيد المقهورين شيئا أنك تعتقد في شمول الاسلام بما في ذلك نزوعه السياسي في حين يفيد العدو من ذلك كثيرا.
الدرس الخامس : تسعة أعشار كلمة الحق اليوم هي في الاعلام بسائر أنواعه :
لكأنك بيننا اليوم يا سيدي يا رسول الله. الحديث يضع إصبعه كما يقولون على ذات السلاح الذي يقهر الظالمين قهرا وينصر المستضعفين نصرا وليس هو سوى الاعلام بسائر أنواعه ولست أرى اليوم من خدمة جليلة نسديها أغنياء ومفكرين وإعلاميين للدعوة الاسلامية المعاصرة سوى بالاعلام وليس أصح من كلمة " الاعلام هو السلطة الرابعة " بل لعله تحول بفعل الثورة التقنية إلى السلطة الاولى فهل لو عجزنا عن الاعلام الفضائي نفرط فيما سواه ولم يلتقط المسلمون فتات الفضائيات تمن به منا ومتى كان الحصار الدولي مانعا من البث الفضائي منعا باتا تكون المحاولة معه عبث عابث وهل يحسن بنا أفرادا وجماعات لزوم الصمت إذا إنعدمت مساحات التعبير ولم لا يتحول المسلم والداعية إلى محطة فضائية وإلكترونية وإذاعية وهذا يوسف عليه السلام لم تكممه أسوار السجون فيؤثر في زملائه ؟
الدرس السادس : كلمة الحق لها قوة لا تقهر وسحر لا يقاوم أما قوة الصرع فللثيران :
ليس أبلهنا اليوم سوى من يظن خرصا بأن قوة القنابل والتفجيرات يمكن أن تحدث تغييرا وليس ذلك من منطلق التجربة التي إستوعبها من جربها في مصر والجزائر وغيرهما ولكن من منطلق الحقائق العلمية الاجتماعية الثابتة وهذا الحديث لها جميعا وكاء جامع فهو ناطق بأن الاسلام دين القوة الباقي في البشرية إلى يوم القيامة وقوته في قوة كلمته عقيدة توحيدية وعبادة مخلصة وخلقا زكيا وتشريعا عادلا سوى أنها قوة تتطلب الصبر والمصابرة وعدم الاستعجال وليس أكثرنا اليوم أنانية وعجبا وتهورا سوى من يريد قطف ثمرة لم تغرس شجرتها بعد من جديد بعد ما إجتثتها العوادي منذ عقود بل قرون وقل لي بربك هل تعرف رجلا واحدا أسلم كرها خوفا من قنابلك ؟
الخلاصة : الدعوة الاسلامية المعاصرة بحاجة إلى فرسان كلمة حق في سائر المجالات الاعلامية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية والفكرية والتربوية وهي التي توجه الجهاد القتالي ردا للعدوان في الارض المحتلة أما دون فقه كلمة الحق علما وعملا فلا ينجينا من الوهدة لاجهاد قتالي في أرض محتلة ولا حركة تغيير سلمية في وجه سلطان جائر .
-
رد: مــــائة مصباح من مشكاة النبــــوة
الحلقة التاسعة والسبعون
أخرج الشيخان عن أبي هريرة أن رجلا جاء إليه عليه السلام يسأله من أحق الناس بحسن صحابتي فقال " أمك " قال ثم من قال " أمك " قال ثم من قال " أمك " قال ثم من قال " أمك " قال ثم من قال " أبوك ".
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــ
موضوعه : الاسلام يعلم الناس قيم الوفاء وشكر النعمة والتراحم المتبادل .
شواهد هذا الحديث في القرآن وفي السنة أكثر من أن تحصى ففي القرآن نجد قوله في سورة الاسراء " وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما وأخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب إرحمهما كما ربياني صغيرا " وإذا كانت المواضع التي حصر فيها سبحانه أمرا بجانب آخر فلا يذكر هذا سوى بذكر ذاك قليلة جدا فإن هذا الموضع أحدها إلى جانب ذكر الصلاة والزكاة متلازمين فكأن توحيده سبحانه بخلوص عبادة لا يتم له تمام حتى يشفع بالاحسان إلى الوالدين وهو أمر لم يستخدم له سائر عبارات الامر أو الحض بل إعتبره قضاء مقضيا منه سبحانه وهل يملك أحد رد قضائه سبحانه فهو قضاء في السماء مقضي ولك أن تتصور لوحدك خاتمة من يجرؤ على إبطال ذلك القضاء في نفسه بالشرك أو بعقوق الوالدين ولك أن تتتبع موارد القضاء في كتابه العزيز وإنك لاف عجبا . وأنت تعلم أن الاحسان هو الاتقان فليس الاحسان رد الجميل بجميل مثله ولكن الاحسان مبالغة في البر والمعروف وفعل الخير غير أن إحسان الاحسان هو القيام بذلك كله دون كلل ولا ملل حيال الوالدين مع شعور باطني يدوي فيك دوما قائلا بأنك مقصر في جنبهما كائنا ما كان فعلك وذلك لسبب بسيط هو أنك اليوم تأتي من الاحسان قلبا وقالبا فيهما ما تأتي وأنت ترقب موتهما فالعجز يكر عليهما كرا لان الهرم لا دواء له أما يوم كانا يموتان في اليوم ألف مرة ومرة عطفا عليك وحدبا فإنهما يرقبان يافعا سرعان ما يشتد عوده ويستوي . وليس الاحسان حال قوتهما هو ذاته حال عجزهما لذلك سارع القرآن إلى التنبيه إلى بلوغهما الكبر وهو أمر لا يعرفه سوى من ذاقه ولولا مرارته لما تعوذ منه عليه السلام أي أرذل العمر كما أن الاحسان إليهما وهما في أرذل العمر أو في حال شبيه به لا يدركه سوى من أكرمه الله به إذ من شأن الطاعن في السن حب الرجوع إلى الماضي بذكرياته الحزينة والسعيدة على حد سواء في حين أن الشاب المملوء أملا مازال تواقا إلى تعمير الدنيا فمن يلبي للوالدين حب الرجوع بهما إلى الماضي حكاية أو إستماعا ولو مجاملة رغم ما في قصصهما من عبرة لمن يعتبر ومن شأن من بلغ الكبر وإشتعلت عليه عباءة العجز نارا حب التقدير والاحترام وإعادة الاعتبار فمن يلتفت إليه بهمسة خفيفة يستشيره في أمر ربما لا يعلم له كوعا من بوع ولكن لفتة مجاملة تسكب في نفسه أملا كفيلا بتزيين ما بقي من أيامه قبل لقائه مولاه سبحانه ومن شأنه كذلك قضاء بعض حاجاته الشخصية الفطرية سيما يوم مرضه وكثيرا ما يكون مرضه مزمنا فمن يكرم له ذقنا بالحلاقة دون إشارة منه ومن يرجل له شعرا ربما إتخذه القمل مرتعا خصبا ومن يقوده إلى الخلاء ولو لم يكن كل ذلك فطنة من الولد دون سبق إشارة فضلا عن إلحاح من والده فلا مجال للحديث عن الاحسان كما أن من شأنه الفرار من الوحشة إلى الانس فمن يخصص له سويعات من كل يوم وليلة ومن يصبر على هذره ومن يشعره بالكرامة ؟ وليس التأفف المنهي عنه هنا كلمة تقال بل هي إشارة برأس أو بعين أو بيد لا بل هي إبداء إمتعاض من أمر أتاه أو تململ لم تنبس به بنت شفة ولكن قرأته عيون الوالد في صفحة وجه ولده المتجهم رغم بسمة خجولة وذلك لان التأفف بقسمات الوجه فضلا عن حركة اليد أو العين أو بالكلام يحشر الوالد في دهاليز من الشعور بالدون والهوان وقد يكون الامر الذي أتاه المسكين فطرة بدنية لا يملك لها ردا حتى يوم قوته فضلا عن يوم عجزه ثم يجئ السحر البياني القرآني بما بكت ألسنة العرب المشركين الاقحاح عروبة بقوله " وأخفض لهما جناح الذل من الرحمة " وليس أمامك الان سوى أن تصنع لك جناحين من الذل تملاهما رحمة فتخفض هذا لابيك وذاك لامك فأنت بين أيديهما كسير ذليل خاضع لاتجرؤ حتى على رفع بصرك فيهما حياء وما أجمل ذل القوي بين يدي الضعيف وما أندى رحمة الشاب يفيض حيوية بين يدي والديه وقد هدهما أرذل العمر هدا وثق يا سيدي أنك بمثل هذه المواقف الكريمة تنال منه سبحانه كل التسديد في هذه الدنيا وبعد ذلك قوة لا تضاهى تقارع بها الاسود الهاجعة الجائعة في آكامها وعرائنها .
بر الوالدين مفتاح النجاح في الدنيا :
في سورة لقمان تجد قوله " ووصينا الانسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وحمله وفصاله في عامين " والملفت للانتباه أن القرآن يستخدم في بر الوالدين دوما عبارات القضاء والوصية في مواضع الامر والاحسان الذي لا يرضى بدونه في مواضع المعاملة وهو هنا يثير عاطفة الولد ويذكره بماضيه سيما مع أمه التي حملته في أحشائها وهنا من مني لم يكن شيئا مذكورا فلما شب عوده في بطنها وتغذى منها كان عليها وهنا يهن لها القوة ويكاد يحبسها عن الحركة في الايام الاخيرة قبل وضعه ثم لا تلقي به في الارض سوى لتحضنه وترضعه فهو في بطنها بطنا وظهرا لمدة عامين ونصف فياليت الناس يدركون أن أرأف شئ بهم طرا بعد الله ونبيه عليه السلام هي الام ويستوي في ذلك كون الولد كبيرا أو صغيرا فهل يحمل الولد أمه يوم تكون وهنا على وهن وهل يرعاها كما رعته وهل يتأفف من ريح قذر نتن يجده كل صباح فيها لفرط عجزها أم يعتبر ذلك ريح سفينته تمخر به عباب الدنيا وعذاباتها إلى جنة الخلد وملك لا يبلى.
وفي سورة الاحقاف يقول " ووصينا الانسان بوالديه إحسانا حملته أمه كرها على كره وحمله وفصاله ثلاثون شهرا " ليس غريبا أن تكون الجنة تحت أقدام الامهات تماما كما هي تحت ظلال السيوف فهذه تجلب العز والحرية والكرامة وتبيد الظلم وتلك تجلب قيم الوفاء والشكر والعرفان كيف لا والام دون الاب حملت الوليد كرها علىكره مرة بما يحول لياليها كل ما حملت ووضعت وأرضعت وحنت وحدبت إلى أنين متواصل وبكاء مر وربما جوع وخوف يضاعفان من حدة الالم وأنت في قعر البطن تنعم بالامن والدفء والشبع والري أو في ظهر البطن تحتسي لبنا صافيا زوده ربك بسائر ما تحتاجه وجبة كاملة دسمة لا بل كيف لا وهي تحملك كرها وهونا في آن واحد فحاسب نفسك هل عبست في وجهها يوما أو لبيت لها طلبا ربما لا يتجاوز ثمنه قرشا حملت بعدك عشر أبطن وهي لا تفتأ ترجوه سوارا في يدها كلما جمعت له مالا عاجلتها أنت أو من حملت معك بالصراخ فآثرتك أم أنك فررت بزوجتك وأبنائك بعيدا عنها لا تذكرها سوى كما يذكر الغربيون أمهاتهم : باقة من الازهار الاصطناعية مرة كل عام بمناسبة عيد الميلاد تلقى إليها من نافذة غرفتها في مأوى العجز وحديث مجاملة لمدة دقيقتين وإلى اللقاء في قابل عيد ميلاد. راجع سورة الانعام والنساء تجد عجبا في هذه العبادة العظيمة .
بر الوالدين جهاد طويل آخره جنة الخلد وملك لا يبلى :
خذ إليك هذه : المؤمن لايكون سوى مجاهد في كل حاله . أخرج البخاري ومسلم وثلاثة من أصحاب السنن الاربعة عن عبدالله إبن عمرو إبن العاص أنه عليه السلام جاءه رجل يريد حمله إلى الجهاد فقال له " أحي والداك ؟" قال: نعم قال " ففيهما فجاهد ". إسألوا من تعرفون من أهل بر الوالدين ممن بلغ عندهم أرذل العمر أحدهما أو كلاهما : هل برهما في أرذل العمر حق البر جهاد أو هو مجرد لعب يقوم به كل من هب ودب من الفارغين وذلك خير دليل على ما قيل هنا.
كما أخرج مسلم عن أبي هريرة أنه عليه السلام قال " رغم أنفه رغم أنفه رغم أنفه قيل من يارسول الله قال" من أردك والديه عنده الكبر أو أحدهما ثم لم يدخل الجنة ". الجهاد هو الطريق إلى الجنة سواء كان في ساحة الوغى أو جهادا بالاحسان وخفضا لجناح الذل بين يدي الوالدين.
أخرج الحاكم والطبراني عن أبي هريرة وإبن عمر وعائشة أنه عليه السلام قال "عفو تعف نساؤكم وبروا آباءكم تبركم أبناءكم " هذا مجرب والذي نفسي بيده على وجه التفصيل المفصل فضلا عن الاجمال وألقوا نظرة فاحصة حادجة متأنية إن شئتم فيما حولكم ولا ينبئك مثل خبير.
بر الوالدين فضيلة عابرة للاديان :
أخرج الشيخان وأبوداود عن أسماء أنها قدمت عليها أمها وهي مشركة فسألته فقال عليه السلام " صلي أمك " وليس سوى ذلك ينسجم مع كرم هذا الدين ويتطابق مع حضه على الوفاء والشكر والعرفان تكريما للانسان بقطع النظر عن سائر ملابساته الاخرى بما فيها الدين ولم يكن النجاشي ليسلم أو ليكرم وفادة طالبي اللجوء في مملكته لو لم يحسن أمير الوفد بما فقه منه عليه السلام الثناء على نبي أمرهم ببر الوالدين وإقراء الضيف وإكساب المعدوم حتى وجد الجذع المشترك بين هذه الدعوة وبين دعوة عيسى عليه السلام فقال " إنهما يخرجان من مشكاة واحدة " واليوم ألاف مؤلفة من المسلمين مطالبون ببر آباء وأمهات غير مسلمين فهل يتقاعسون أو يترددون أم يقبلون على عبادة موصولة بالجنة مباشرة وصلا ثابتا ممسوكا وليس بسوى ذلك تنتصر الدعوات لذلك قال له عليه السلام " وقل لهم في أنفسهم قولا بليغا " أي الكافرين والقول البليغ هو حجة تدمغ الهراءات الممجوجة وسرعان ما يتوارى صاحبها عن الناس ثم يسلم وهو كذلك كلمة حانية لطيفة رقيقة ترفع بها آصارا غليظة حبست الكافر في سجن من الاكتئاب في مجتمع لا يعرف فيه الجار جاره مجرد معرفة فضلا عن تزاوز وتهاد وتحابب وغوث ولو بكلمة كاذبة لكنها مجاملة .
عقوق الوالدين عقوبته معجلة في الدنيا :
إن شئت سردت لك الحديث النبوي " خمس تعجل عقوبتهن : الخيانة والغدر والبغي والعقوق ومعروف لا يشكر " وإن شئت نظرت فيما حولك فإن لك فيه عبرة ودرس أنت أولى به فكما تدين تدان سيما أن دعاء الوالد على ولده مجاب من بين ثلاث دعوات مستجابة في الحديث .
من مقاصد بر الوالدين :
لو بررت والديك أحسانا وخفضا لجناح الذل لتحققت المقاصد كلها ما علمت وما لم تعلم سوى أن الكشف عنها مفيد ومنها التحلي بخلق الوفاء والشهامة والكرم والعرفان والشكرلمن حملنا وهنا وكرها فشكر ولي النعمة سبحانه يمر حتما عبر شكر من قيضه لنا وأول أولئك هم الوالدين ومنها الالتفات إلى الماضي ليا لطموح جارف وأمل كاذب وحرص بليد يدفع الشاب القوي دوما إلى الامام حدبا على الذرية والمستقبل وحطام الدنيا تماما كمن يكبح مركبة تكاد تشرف به على الهلاك فينظر خلفه وإلى جانبيه لعله داس مترجلا أو ظلم مسافرا ولولا الوالدين لما إلتفت الانسان إلى الخلف إلا قليلا ومنها إلتقاط العبرة والدرس من قوله " ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة " ولا يدرك معاناة الوالدين سوى من قرصته يوما حاجة لولده أما دونه فكلام نظري كسائر النظريات المسوقة إلينا ومنها تربية الولد على ذلك.
بر الوالدين باب للدعوة مقارنة مع مآوي العجز :
هذا أمر قد لا يدركه حق الادراك سوى من عاش لردهة من الزمن في بلاد الغرب حيث تنتشر مآوي العجز فهي مرفق حيوي تماما كالمستشفيات والمدارس والطرقات ومراكز البريد وتخصم من جراية العامل شهريا أنصبة محددة لرعايته يوم عجزه ولو حدثت من بعضهم عن آبائهم وأمهاتهم لملئت غيظا ونقمة فلا تجد سوى من يحدثك منهم لو تجاذبت معه أطراف حديث مماثل عن كلب هرم لم تعد لنا به حاجة بعد عجزه ومرضه فهو اليوم يئن في أحدى المآوي ينتظر الموت وهو يقصد أباه أو أمه . قلت في نفسي تلك هي أحدى المهالك التي ستؤدي بكم يوما فتخرون من أعلى قمة الترف والرغد إلى أرذل سفوح الحاجة والهوان ورجوت أن يزور كل هؤلاء بلداننا ويقفون على حياة العجزة فينا في بيوتنا أياما لعلهم يذكرون . غير أن فرحتي لم تعمر طويلا حتى قيل لي بأن بعض بلادنا تحتضن مآوي للعجز فقلت من يدعو من إذن ؟
-
رد: مــــائة مصباح من مشكاة النبــــوة
الحلقة الثمانون
أخرج البخاري والترمذي وإبن ماجة عن عبدالله بن محصن أنه عليه السلام قال " من أصبح منكم آمنا في سربه معافى في بدنه عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها ".
ـــــــــــــ
من شواهده " رضي الله عنهم ورضوا عنه " وغيرها كثير ...
موضوعه : القناعة كنز لا يفنى والغنى غنى النفس ولا يملا جوف إبن آدم إلا التراب .
لا تغضن الطرف أبدا عن قوله " منكم " تماما كما في قوله في القرآن الكريم " منكم " يعني أولى الامر طاعة فرعا عن طاعة الله وطاعة رسوله عليه السلام لا إستقلالا فكلمة منكم هنا وهناك تؤدي دورا خطيرا جدا لا يؤديه سواها ذلك أن من أصبح آمنا في سربه معافى في بدنه عنده قوت يومه لا ينفعه ذلك في شئ كلما كان لا يؤمن بالله سبحانه وكيف يقنع الكافر وقد جعلت له الدنيا جنة يركض فيها ركض الوحش في البرية لا يعرف حراما من حلال ولا منكرا من معروف فالذي يملا النفس قناعة وزهدا إسلاميا صحيحا لا مزيفا وإيثارا لما عنده سبحانه ليس هو أن تصبح آمنا في سربك معافى في بدنك عندك قوت يومك ولكن الذي يحقق ذلك وأكثر منه هو الايمان بالله سبحانه إيمانا مؤسسا على اليقين وقائما على الصبر والدليل أنك تلفى اليوم ملايين من المسلمين بعضهم لا تفوته ركعة واحدة ولا سجدة في المسجد سوى أنه لفرط تعلق قلبه بالدنيا تعلقا مريبا لا تبصره حين تبصره سوى متهافتا على متاعها لاهثا وراء حطام ركلته الاقدام لا يبالي في سبيل تحصيلها بظلم هذا والفجور مع ذاك وتخطي حرمة ضعيف فمثل هذا حتى لوأدى زكاة ماله بل وتصدق إحسانا فإنه حرم وقار المؤمن ويقينه وثقته وهو يسعى لطلب الدنيا تماما كما يسعى الذباب المتهافت على الجيف والقاذورات يتنافسها لا يرعى في بعضه بعضا إلا ولاذمة وغالبا ما يكون أهل اليسار والثراء هم سواد هذا الضرب من المؤمنين . فما ينبغي للمؤمن وهو يسعى لطلب الدنيا سوى أن يتميز في سائر أطوار سعيه عن غيره فإذا ما تميز في ذلك فله بعد ذلك أن يكرع منها ما شاء له الله أن يكرع نهلا حلالا وريا زلالا وله عليه السلام حديث في هذا الصدد يقول فيه " والله ما الفقر أخشى عليكم ولكن أخشى عليكم الدنيا أن تنافسوها كما تنافسوها فتهلككم كما أهلكتهم فاتقوا الدنيا وأتقوا النساء فإن فتنة بني إسرائيل كانت في النساء " وهو حديث صحيح . فالنعي هنا منه عليه السلام ليس على طلب الدنيا وأنت تعلم أن أغلب المبشرين بالجنة من مشاهير الاغنياء من مثل أبي بكر وعثمان وإبن عوف وسائر الصحابة من مستوري الحال كما يقال أو من الفئة المتوسطة فدينهم يحرم عليهم ذل السؤال ولم يكن واحدا منهم فقيرا بسبب كسله أو تبطله إلا إبتلاء منه سبحانه أو عن كثرة إنفاق كما فعل أبوبكر عليه الرضوان يوم لم يترك لاهله حبة خردل من طعام وهو يساهم في تجهيز جيش العسرة . إنما النعي منه هنا عليه السلام على التنافس غير المشروع المفضي إلى الاهلاك وهو تنافس سئ الصورة ومدخول المعنى معا فالتنافس من المؤمنين على الدنيا تنافسا تذهب معه مياه الحياء وتبدو فيه نواجذ المرء بارزة لشدة حرص وتهافت هي صورة منفرة تذهب حلاوة الايمان رغم مشروعية التنافس كلما إبتعد عن المحرمات المعروفة من مثل الكذب سيما في التجارة حتى قال عليه السلام في الحديث الصحيح " التاجر الصدوق مع الانبياء يوم القيامة " وهو ذات المعنى الذي عده عليه السلام من أمارات الساعة " أن ترى الحفاة العراة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان " فليس تطويل البنيان عيبا ولكن التنافس فيه تفاخرا مذهب للايمان .
الدنيا في نفس المؤمن : أمن في الجبهة الداخلية و معافاة في البدن وأمن غذائي .
السرب هنا هو العائلة وسائر ما يسرب " وسارب بالنهار " أي يسعى أو يسعى عليه ويحدب. قال عليه السلام " منهومان لا يشبعان طالب دنيا وطالب علم " وهو نهم لا يليق بالمؤمن ووسطية الاسلام تعلم على نحو قوله " وإبتغ فيما آتاك الله الدار الاخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا" لذلك تعوذ عليه السلام من أربع منها " ونفس لا تشبع " وعرف الزهد الاسلامي الصحيح رغم عدم ورود الكلمة على لسانه عليه السلام بأن " تكون بما يد الله سبحانه أوثق منك بما في يدي الناس " وهذا مشاهد اليوم لو أبصرت مليا فكم من قارون من قوارين هذه الامة أمسى يسوم الناس الخسف تفاخرا بماله فما أصبح حتى طاف عليه طائف من ربك صارما وهو يقلب كفيه على ما أنفق وكم من جنة حولتها الحرائق أو الصواعق أو الزلازل أو السرقات أو ما سلط عليها بيابا قفارا خاوية على عروشها كأن لم تغن بالامس القريب وسائر ذلك دروس لعل الناس يذكرون وما كارثة تسونامي منا ببعيد . ركز الحديث على ضربين من الامن ضروريين لحياة الانسان وهما الامن النفسي الذي إمتن به سبحانه علينا لعلنا نعبده " الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف " والامن الغذائي ولا ضير فلقد كان يتعوذ عليه السلام من الكفر والفقر سواء بسواء لان الفقر طعم في مصيدة الكفر والامر اليوم عندنا مشاهد في إفريقيا حيث يخضع فقراء المسلمين هناك منذ عقود طويلة لخطة صليبية تبناها الفاتيكان وسماها " نصر مسلما بدولار واحد" في حين تميد موائد الخليج العربي باطنا بالذهب الاسود وظاهرا بالنزل الفخمة التي لاوجود لها على سطح البسيطة بأسرها لفرط فراهتها وإنبساط نعيمها . كما لم يغفل الحديث نعمة العافية التي كثيرا ما يجور عليها إبن آدم تناولا للحرام الضار أو شرها نهما أنى لرمضان أن يقتحم سدودها الشحمية الكثيفة لمن صام نهاره وشفى غليله من المآكل والمشارب في ليله .
أخصب مراعي القناعة : النظر إلى من هو دونك .
قال أبوذر أوصاني خليلي محمد عليه السلام بسبع أولها أن أنظر إلى من هودوني ومنها حب المساكين والدنو منهم وهذا أمر مجرب لذلك أوصى عليه السلام بزيارة القبور بعدما منع ذلك إلى حين تمكن الايمان بدل الشرك في النفوس لان القبور وسائر ما يتعلق بالموتى يذكر بالاخرة كما أوصى بعيادة المرضى ورغب في ذلك في الحديث القدسي ترغيبا لا نظيرله حتى أن عائد المريض يجد الله سبحانه عنده أي يجد رحمته ولطفه لابل جاءت أحاديث كثيرة صحيحة منها ما أخرجها الشيخان تعلن أن أغلب أهل الجنة من الضعفة في حين يعمر المستكبرون النار والله سبحانه من لطيف عدله ودوام حكمته لا يجمع على عبده أمنين ولا خوفين والمقصود عبده المؤمن الذي لا يأمن على نفسه في الدنيا المرض والخوف وقلة الحيلة وذات اليد يعوضه عن ذلك لو صبر وإحتسب بخلاف من يتمرغ في الدنيا تمرغ الملوك تحرسه جيوش لجبة من الازلام فلا تطأ أنفه ذبابة ولا يتعرض لنسيم يجرح خديه وليس ذلك حال المؤمن سوى في حالات معدودة جدا ليست هي الاصل . كما علمنا عليه السلام دعاء حين نلقى من به عاهة ومصاحبة المساكين عامة في الدنيا حصن حصين ضد أدواء التكبر وكفر نعمة ولي النعمة سبحانه فعليك بهذا المشفى لا يفوتنك مريض إلا عدته ولا ميت إلا غسلته وكفنته ودفنته ولا صاحب عاهة إلا وقفت عليه طويلا تساعده ولا فقيرا مدقعا إلا رحمته فإن سائر ذلك يرقق منك القلب ويزرع فيك الحب والحنان والرفق والرحمة ويسكب منك الدمعة ويلهج منك اللسان بالحمد آناء الليل وأطراف النهار ثم تكتسب قناعة وزهدا إسلاميا صحيحا خالصا لا مزيفا زهد من لا يملك ما يزهد فيه حتى قال الامام الشافعي مصورا حقيقة الغنى الذي قال فيه عليه السلام " الغنى غنى النفس والطمع هو الفقر الحاضر " " الغنى عن الشئ لابه " وكم من مدخن اليوم تستعبده سيجارة وكم من مدمن خمر يبيع دينه بجرعة خمر وكم من لاهث وراء النساء لهث الذباب وراء القذارة تحكم عليه كماشات الاستخبارات الدولية المجرمة بفكيها مقابل ليلة حمراء مع غانية زانية طعما قذرا يصطاد كبار المسؤولين ولو إستغنى الناس بما رزقهم ربهم سبحانه صبرا وشكرا وقناعة لبقيت قلوبهم معلقة به سبحانه لا تبرح تلهج بذكره طامعة آملة .
هل يصرف هذا الحديث المؤمن عن طلب الدنيا والانتماء إلى عالم الاغنياء والاثرياء ؟
لك مني نصيحة أغلى عندي من الدنيا وما فيها لحسن إستقامة حياتك : لاتبرح الوسطية في كل أمرك فهما وعملا صغيرا وكبيرا . الوسطية مظنة الحق والصواب دوما وهي مفضية إلى سعادة الدارين ولا شك غير أن تحصيلها ليس يسيرا دوما يصرفك عنها طيش منك أو بيئة مؤثرة ولو كانت يسيرة المنال لصوب الله رؤوس الناس في الجنة وكفى الله المؤمنين القتال . والناس حيال الدنيا ضربان كلاهما ممقوت فلا الساعي فيها سعي الوحش غير معيب المسعى طائل ما طالت ثرواته ولا الزاهد فيها طلبا بالحلال إطعاما لمن يعول وتحصيلا لفريضة الزكاة والحج في الحد الادنى غير معيب المسعى كذلك . ولن أزال أعتقد أن المسلمين اليوم لو كانوا في جملتهم أغنياء أثرياء ما إنهالت عليهم النكبات من كل صوب وحدب ولك مني نصحية أخرى : لو تعرضت لحديث يزهدك في الدنيا فانظر إلى جانبه تلفى حديثا آخر يرغبك في طلبها إغاثة للملهوف وتعميرا للدنيا بالخير فلا تأخذ حكما من حديث واحد ولا من آية واحدة فتضل ويضل فهمك . ولك في قصة ذي القرنين درس بليغ في سورة الكهف وفي ملكة سبأ بلقيس كذلك وفي الانبياء الملوك من مثل داود وإبنه سليمان أيضا فإن أغناك الله فعبادتك الشكر قلبا ولسانا ويدا وإن قدر عليك رزقك فعبادتك الصبر قلبا ولسانا ويدا وفي الحالين عليك أن تعلم أن المال خير لك يوم أغناك والفقر خير لك يوم قدر رزقك وأعلم أنه مبتليك في الغالب بهذا وذاك " فتنة " كما أخبر.
أركان القناعة الثلاثة التي أشار إليها الحديث لا تتحصل بدون طلب الدنيا :
هذا درس مهم جدا وهو خفي جدا فتأمله : هل تصبح يوما آمنا في سربك معافى في بدنك عندك قوت يومك لو لم تسع بالامس لتحصيل ذلك ؟ الامن الذي أصبح لك سربالا هو ثمرة حسن تدينك بعقل ووقار وحياء فلم تظلم فتسجن ولم تكفر فتبتلى إستدراجا ولم تقطع جارك فأمنت بوائقه وأمن بوائقك وأمن سربك ثمرة تربية منك وسعي دائب . المعافاة التي أشربها بدنك حيوية ونشاطا ثمرة تقوى في كسب الحلال وأكل الحلال وتجنب الحرام وأداء حق بدنك عليك من ترويض وعمل . القوت الذي يطعمك سائر يومك مع سربك ثمرة عمل الامس وسعيه وهو سعي حصله بدن معافى ودعمه مناخ آمن . فقل لي : لو كان أمسك تمرغا في مهلكات البدن ومذهبات الامن وتعطلا وتبطلا بدون عذر هل تصبح اليوم وقد حيزت لك الدنيا بحذافيرها ؟ تدبر هذا مليا فهو كفيل بالجمع بين أمرين لم يجتمعا سوى في الاسلام : عمل للدنيا لا ينقطع سوى للراحة والعبادة وعمل للاخرة لا ينقطع سوى للراحة وللعمل للدنيا .
-
رد: مــــائة مصباح من مشكاة النبــــوة
الحلقة الواحدة والثمانون
أخرج الترمذي عن الحارث بن الاعور قال مررت في المسجد فإذا الناس يخوضون في الاحاديث فدخلت على علي فأخبرته فقال أوقد فعلوها قلت نعم قال أما إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " أما إنها ستكون فتنة " فقلت ما المخرج منها فقال " كتاب الله فيه نبأ ما قبلكم وخبر ما بعدكم وحكم ما بينكم هو الفصل ليس بالهزل من تركه من جبار قصمه الله ومن إبتغى الهدي في غيره أضله الله وهو حبل الله المتين وهو الذكر الحكيم وهو الصراط المستقيم وهوالذي لا تزيغ به الاهواء ولا تلتبس به الالسنة ولا تشبع منه العلماء ولا يخلق من كثرة الرد ولا تنقضي عجائبه وهو الذي لم تنته الجن إذ سمعته حتى قالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به من قال به صدق ومن عمل به أجر ومن حكم به عدل ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم " خذها إليك يا أعور .
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــ
موضوعه : 1 ـ فتنة الناس بضرب القرآن بالسنة فتنة معاصرة لا مناص لاهل العلم من بحثها.
2 ـ خلاصة مركزة مكثفة لرسالة القرآن من لدن من على قلبه نزل عليه السلام .
الحديث طويل نسبيا ولا ريب ورغم ذلك توصلنا رفقة عدد من أصحاب الطريق الطويل إلى حفظه عن ظهر قلب فغدا الاستظهار به في الدروس والحلقات العامة في المساجد وخارجها يسيرا ينساب إنسياب سورة الفاتحة في الصلاة والازمة تلد الهمة كما يقال إذ لامناص لنا يومها من حفظ أكبر قدر ممكن من القرآن والحديث والسيرة والتاريخ وسائر أدوات الدعوة إلى الله سبحانه أما التصدي لعرض أرفع بضاعة طهرها المولى من فوق سبع سماوات بعجمة لسان لا يستحي من مخالفة أصرح القواعد النحوية وأكثرها بساطة فهو تطبب سفيه لئن علم الناس دينا يوما فإنه يورثهم رطانة لسان كريهة ويحرمهم لذة عروبة القرآن فيمسي التدين عليهم ضريبة باهظة لا حلاوة فيها وكيف يقشعر جلد من لا يجد عذوبة مثاني القرآن وكيف يخشع قلبه ؟ فليس كحقل الدعوة ميسرا للانسان سبل العلم حفظا وفقها وحسن تنزيل سيما في بيئة لك فيها خصيم .
كلمة قبل البداية في صميم الموضوع :
بعث إلي البارحة صديق حميم عبر البريد الالكتروني بمقال صادر عن جمعية إسلامية كويتية تعرض فيه مقتطفات مطولة من القرآن الامريكي الجديد وهو كتاب بعدة لغات وبما يزيد عن نصف ألف صفحة مقسم إلى سور منها الفاتحة وسور أخرى يحمل بعضها أسماء سور من القرآن ولسان حال الجمعية التي تطالب بنشر هذا على أوسع نطاق يقول أنا النذير العريان وهي مشكورة على غيرتها وكيف لا يغار المسلم على دينه سوى أني وددت من الناس جميعا قبل رفع العقائر بالصياح وتشغيل صفارات الانذار أن يرجعوا إلى وعد ربنا سبحانه " إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون " وحفظ الذكر وأوله القرآن وليس آخره يعني إحباط عمل كل قرآن مكذوب ولنا في التاريخ يوم كانت الامة مهددة حقا بعيد موته عليه السلام وحدوث ردة كبيرة خير عبرة ولست أعني الكف عن إصدار مثل هذه المنشورات بل أدعو إلى توسيعها ونشر القرآن الامريكي الجديد كاملا ولمن إطلع على كثير مما نشر منه مثلي فلن يجد سوى هراء لا يستحق مجرد الالتفات فبالخلاصة لابد لنا من عدم تحويل التنبيه إلى الدجل الامريكي إلى حالة طوارئ في الامة ربما تزعزع عقائد بعض الناس أو يعتريهم الشك حتى في مجرد كسب أمريكا للمعركة دينيا على أعلى مستوى بعد ما خسرتها بالكامل أو تكاد على أرض الميدان فاليقين اليقين أيها المسلمون.
كلمات أساسية وأمثلة حية فيما يتصل بالموضوع الاول من الحديث : مواجهة الفتنة بإسم السنة :
ثمة قاعدة كلية أساسية كبيرة لابد لنا من التذكير بها دوما وهي أن القرآن حاكم على السنة تواترت ما تواترت وإشتهرت ما إشتهرت والدليل يأخذ الطابع الدستوري الاعلى في قوله " فردوه إلى الله والرسول " وهو ذات التسلسل الهرمي الوارد في صدر الاية ذاتها " أطيعوا الله وأطيعوا الرسول " فالطاعة إنشاء هي طاعة القرأن أولا ثم السنة ثانيا وحال الخلاف يجب الاحتكام إلى القرآن أولا ثم إلى السنة ثانيا ولا يعفينا القبول النظري بهذه القاعدة ولكن لابد لنا من تنزيلها عمليا عبر كل مثال وفي كل جزئية حتى فيما لم تنص عليه سوى السنة من مثل الحرير والذهب ولحوم الحمر الاهلية وهي كلها لا تتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة منك وبعض الناس لضيق أفقهم الذهني يحسبون هذا إستنقاصا من السنة أو تهوينا من شأنها وهو عجب عجاب .
مثال أول : أخرج مسلم عن أبي هريرة قوله عليه السلام " لاتبدؤوا اليهود والنصارى بالسلام وإذا لقيتموهم في الطريق فأضطروهم إلى أضيقه " مخالفة هذا الحديث وفق الفهم الاولي العام له للقرآن واضحة صريحة في مثل قوله " لاينهاكم الله ...( الممتحنة ) " ولذلك لا مناص من تأويله على إحدى الوجوه التالية : إما أن يكون موضوعا وإما أن قائله ليس النبي عليه السلام وليس لغيره علينا من تشريع كبر ماكبر قدره وفقهه وإما أن يكون لمواجهة حالة خاصة من حرب أو من تأثر عقدي بإحدى الطائفتين أو بما شابه كل حالة خاصة جدا لابد لها من تشريع خاص بها أو أي تأويل آخر لا يصطدم مع محكمات القرآن فإن لم نفعل ذلك وقع لنا ما وقع لمن إستهجن الحارث خوضهم في الحديث خوضا دون علم يرد إلى الاصل القرآني وهو ما دعا عليا للرواية .
مثال ثان : المثال الاول تعلق بمن سماهم عليه السلام " تحريف الغالين " أما هذا المثال فربما نأتي له ضمن هذه السلسلة ويتعلق بمن سماهم عليه السلام في ذات الحديث " إنتحال المبطلين " ويقول فيه عليه السلام تعقيبا على حادثة تأبير النخل " أنتم أعلم بأمور دنياكم " وهو من إخراج مسلم عن عائشة وأنس ويتخذه اللائكيون الذين كانوا بالامس القريب شيوعيين ملحدين ذريعة لنقض الاسلام من الداخل فينسفون به الشريعة بأسرها وعندها يتحول المسلمون إلى مسيحيين يدعون لقيصرما لقيصر أما العقيدة فالقنبلة الموقوتة لنسفها معدة تنتظر التفجير فلو جادلنا هؤلاء بدون تحكيم الاصل القرآني صرنا ممن قيل لهم " وألغوا فيه لعلكم تغلبون " أي في القرآن.
كلمات في الموضوع الثاني من الحديث : دعوا النبي نفسه عليه السلام يصف القرآن الكريم :
بعض الناس يحسب أن الحديث لا يخدم سوى موضوعه الثاني والحقيقة أن الحديث إنما تنزل من عنده عليه السلام جوابا على سؤال من علي في مواجهة الفتنة وهي فتنة يشهد علي هنا بأنها فتنة داخلية تتصل بضرب السنن بعضها ببعض دون تحكيم الاصل القرآني جعلته عليه السلام يحذر منها وقليلة جدا هي الاحاديث التي نظفر فيها بمناسبات نزول وهذا واحد منها حتى عد الامام القرضاوي ذلك جمعا إلى أمور أخرى ساكنت السنة عموما نقصا سيما مقارنة مع ما حظي به القرآن وهو نقص يشعر به كل من يمم وجهه شطر دنيا الحديث في العلاقة مع الواقع المعاصر.
تحليل مقتضب عام للهيكل العام للقرآن الكريم من نبض الحديث :
1 ــ القرآن كتاب تاريخ بإمتياز : " فيه نبأ ماقبلكم " وإسم الموصول ما بخلاف من تستخدم للعاقل ولغير العاقل والمستقبل فضلا عن حاضره بحاجة إلى الماضي حاجة الانسان إلى التقويم الذي يهديه لرسم مخططاته والاحتفاء بأعياده وقال الحكماء " التاريخ ذاكرة الانسان " أما إلغاء الماضي بجرة قلم فهو عمل الحمقى والطائشين والقرآن عندما ينبؤنا بخبر ما قبلنا فلتحقق مقصد سطره وهو " عبرة لاولى الالباب " وأسلم البناءات ما إستند حتى في قمة تجدداته إلى رسوخ تاريخي يرسم معالم الهوية ويحميها من عوادي الطمس لذلك جاء محور القصص في القرآن أغزر محور على الاطلاق كما فهل تظن أن ذلك عبث معبوث ؟ كلا سبحانه عما يقولون .
2 ــ القرآن كتاب مستقبل بإمتياز : " وخبر ما بعدكم " طرد الغربيون الدين بتاريخه الطويل من خطة بنائهم لمستقبلهم فأبدعوا في العمران المدني بينما شيدوا عمرانا حضاريا قتل الانسان قتلا بشعا وإعتبر المسلمون أن أمر المستقبل من أمر الله قضاء وقدرا فأهملوا التخطيط للمستقبل فما شيدوا عمرانا ماديا ولا جددوا عمرانهم الحضاري التليد وخبر ما بعدنا الذي يحمله القرآن إلينا هو خبر المستقبل السرمدي الابدي لحياة الاخرة دار الحيوان وهو كذلك وعده بتوريث الارض في الدنيا وفق سنة الايمان والعمل الصالح وهو كذلك حشد كبير من النبوءات القرآنية والنبوية الصادقة التي تحقق منها الذي تحقق وأزعم أن الذي هو بطور التحقق كفيل بهداية الناس بالعلم الذي إتخذوه إلها من دون الله وهو قادم على أيدي علماء الكون وعلماء الاجتماع الانساني .
3 ــ القرآن كتاب دستوري سياسي حضاري شامل كامل متكامل بإمتياز : " وحكم ما بينكم " وهو ليس حكما يختص بالنزاعات السياسية بل يمتد ليشمل سائر ما يخص الانسان في كل زمان وفي مكان وفي كل حال يصحب الانسان قبل كونه ماء في صلب أبيه وترائب أمه حتى بعد موته وذلك رعاية له وحفظا من الظلم حتى من قبل نفسه فضلا عن عدوه وذلك هوسرنجاحه لان الانسان يجد فيه سائر ما يحتاج إليه في كل حاله ومجاله لايدع منه خاطرة منسية ولا جارحة ظاهرة ولا يدعه فردا ولا عضوا في أسرة ولا في مجتمع ولاحتى مع العجماء ومرفق الكون وحتى في ساعة نومه له معه حديث روحي أو قضاء موت .
4 ــ القرآن كتاب العدل ومنشور القسط بين الناس جميعا وفي كل الاحوال والمجالات : " هو الفصل ليس بالهزل من تركه من جبار قصمه الله ومن إبتغى الهدي في غيره أضله الله وهو حبل الله المتين وهو الصراط المستقيم ولا تزيغ به الاهواء ومن حكم به عدل " لعل أبلغ آية تبين مدى قيام القرآن بأسره على رسالة العدل والقسط بين الناس بعضهم بعضا وبينهم وبين خالقهم الحق وولي نعمتهم الحق وبينهم وبين الارض وما فيها وبينهم وبين أنفسهم هي " شهد الله أنه لاإله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط " فالشهادة يشترك فيها معه سبحانه أولو العلم منا وهل تجد منزلة أكرم على نفسك من هذه أما مضمون الشهادة التي إشتركت أنت بعينك فيها فهو ألوهيته سبحانه وقيامه بالقسط وإعراب " قائما بالقسط " حال بما يعني أن القيام منه سبحانه بالقسط بشهادتك أنت بنفسك على ذلك أمر مصاحب له دوما سبحانه فهل تجد بعد هذا رسالة في الاسلام تعلو على رسالة إقامة القسط وهل مازالت عندك غضاضة في أن القرآن هو كتاب القسط ومنشور العدل طرا ومطلقا بإرادة مرادة من الملك الجبار سبحانه وبشهادة منك أنت بعينك ؟
5 ــ القرآن كتاب التجدد والاجتهاد عبر آلة العلم والبحث والحوار في سائر المجالات والاعصار:
" ولا تشبع منه العلماء ولا يخلق من كثرة الرد ولا تنقضي عجائبه " التجديد والاجتهاد والاصلاح لا يقتصر على الدنيا دون الدين سوى في نوع ذلك الاصلاح أو التجديد والاجتهاد ففي الدين يتجدد الانسان بحسن فهم الدين وحسن تنزيله تقديما لما تحتمه متغيرات عصره ومصره وحاله وعرفه أما في الدنيا فتتجدد الدنيا نفسها بالدين لتغمر الانسان بالسعادة والرفاهية ولابد لك من سؤال : هل يأتي على الناس زمان لا يحتاجون فيه إلى تفاسير معاصرة للقرآن بحكم وفاء التفاسير القديمة بذلك ؟ لو أجبت بنعم أخطأت لان القرآن لا تنقضي عجائبه وليس العجزة سوى نحن الذين نتلقاه كلاما ميتا هامدا يذكرنا بالموت والبلى والاخرة ولا يدفعنا إلى المبادرة بغرس فسيلة صغيرة ونادي منادي القيامة بدأ بالنفخ في صوره . وذلك هو سر خلود القرآن : لايبلى من كثرة الرد عصرا بعد عصر لانه قادر على إستيعاب سائر العصور إستيعاب توجيه وإضافة ومدد وليس إستيعاب إنهزام وإعتراف بالواقع المريض الظالم بالتمسح على أعتاب آلهة الارض.
6 ــ القرآن كتاب هداية نفسية وزكاة روحية وإستقامة عملية بل هو كتاب حياة الانسان : "وهوالذكر الحكيم ويهدي إلى الرشد ومن قال به صدق ومن عمل به أجر ..." الانسان في الارض سائح غريب لابد له من بوصلة تهديه كيفية التعامل مع نفسه أولا لانه غريب حتى على نفسه إن لم يفقه سرها ومع الكون ومع الانسان والانسان بما هو متعدد الابعاد في حاجة إلى بوصلة أخرى تهديه كيفية المعادلة بين كل تلك الابعاد فيه دون إصطدام ولا طغيان وليس كالقرآن بوصلة هادية للانسان تعاملا مع نفسه ومع غيره ومع الكون ولو لم يفعل القرآن للنازع نحو الطغيان والظلم سوى أنه يقدم له صورة الموت والبلى والاخرة والعذاب المعجل لكفاه .
-
رد: مــــائة مصباح من مشكاة النبــــوة
الحلقة الثانية والثمانون
أخرج إبن ماجة والبيهقي وإبن عبد البر عن أنس والطبراني عن أبي سعيد أنه عليه السلام قال " طلب العلم فريضة على كل مسلم " كما رواه إبن عباس وإبن عمر وعلي والحسين وصححه الالباني عليه رحمة الله .
ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ
من شواهده " إنما يخشى الله من عباده العلماء " و" يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات " و " قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون " وغيرذلك كثير لا يحصى ...
موضوعه : سعر الانسان في السماء والارض بقدر علمه فالعلم شرط للعمل وباعث عليه .
ثمة زيادة في الحديث كثيرا ما تلحن بها ألسنة الناس وهي " ومسلمة " وهي زيادة موضوعة
ربما كانت تفسيرا من بعض الناس للحديث لشموله المرأة حملا للناس على عدم إهمال تعليمها وإلا فإن سائر الخطاب القرآني بصيغة الجمع المذكر فلم يفهم عربي واحد يومها أن المرأة غير معنية بذلك سوى أن الانحطاط حين يجثم بكلكله يلون سائر الحياة بلونه الكريه .كما لابد لك من التوقف عند قوله " فريضة " وهي عند الاحناف أعلى من الواجب ولغة تشعرك بالثقل المطلوب كما في قوله " سورة أنزلناها وفرضناها " ولم يقل ذلك في غيرها لخصوصيتها . كما يلفت الانتباه قوله " طلب العلم " تساوقا مع قوله " إنما العلم بالتعلم " وهو منهج إسلامي يقوم على بذل الجهد الذاتي وسارت سيرة الاسلاف الصالحين على أساس أن العلم يؤتى إليه حتى من لدن الامراء والسلاطين ومن حسن كلامهم أن " العلم مطلوب لذاته " فلا تغضن الطرف عن شدة تخصيصه هنا " على كل مسلم " فليس واجبا كفائيا ولكنه عيني ومعلوم أن الانسان كائن معلم ومكرم لاجل ذلك " وعلم آدم الاسماء كلها " و" الرحمان علم القرآن خلق الانسان علمه البيان " وزاد من تكريمه سبحانه للانسان أنه لم يعلم هو الملائكة بأسمائهم بل كلف بذلك الانسان تشريفا وتمهيدا لامره إياهم بالسجود له " قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم "ومن أصدق ما قال الشعراء " قف للمعلم ووفه التبجيلا ـ كاد المعلم أن يكون رسولا "وهو رسول هداية بالمعنى اللغوي لاالشرعي حقا وصدق من قال " من علمني حرفا صرت له عبدا" وهي عبودية شكر المعروف لا عبودية الشرك ولو كانت غير ذلك لما قبل عليه السلام بتعبير العبد والسيد بعد البعثة لكنه عمل على تجفيف منابع الرق بالكلية .ومعلوم أنه عليه السلام ترجم دعوات القرآن إلى العلم ميدانيا فمن ذلك أنه فدى أسرى بدر مقابل تعليم كل واحد منهم لعشرة من المسلمين وهؤلاء هم القاعدة الصلبة التي إنبنت عليها فيما بعد مشاريع محوالامية كما أمر زيدا بن ثابت بتعلم لغة يهود السريانية والعجيب في ذلك كله أنه عليه السلام كان أميا لا يقرأ ولا يكتب قضاء من الله سبحانه فكانت أميته عليه السلام أمية إعجاز للناس لعلهم يذكروا أن قائل هذا الكلام المعجز من كل جانب أمي ورغم ذلك جرهم العناد المكابر إلى القول بأنه يتعلمه من هنا أوهناك.
ماهي العلاقة بين العلم والاسلام وهل الاسلام دين علمي ؟ وماهو العلم المطلوب طلبه ؟.
ما من دابة فوق الارض اليوم إلا وهي تنتسب إلى العلم ولاتسمع منهم جميعا سوى كلمة "علمي" فلا يهنأ لاحدهم بال حتى يصف أمره بأنه علمي ولاغرو فلغة العصر هي لغة العلم دون لجاجة سوى أن كثيرا من الناس يخطؤون في كلمة العلم فيبتذلونها إلى حد تسمية الدجل علما مما يجعلنا نقول بإطمئنان بأن كلمة علم هي الاخرى اليوم منا مظلومة مثلها مثل كلمات أخرى كثيرة والعلم مطلقا هو كل خبر عن رواية أو معاينة عضده الدليل الخاص به فإن كان في المعقولات فلابد له من المنطق العقلي وإن كان في التاريخ فلا بد له من الرواية الصحيحة الثابتة وإن كان في الماديات فلابد له من التجربة السالكة سبلها التجريبية المعلومة إلى حد الثبات القطعي والقاعدة الناظمة لخيط العلاقة بين الحقيقة العلمية في المجال العقلي وأختها في المجال المادي هي " الثابت بالبرهان كالثابت بالعيان ".والاسلام دين الحقيقة العلمية في أم رأسه إذ لا يقبل من مؤمن بالغيب إيمانا حتى ينفي عنه الخرص والتقليد في أخطر وأكبر قضية من قضاياه وهي قضية وجود الله سبحانه التي لم يبرهن عليها سبحانه في القرآن ـ ووظيفته فيها ليست سوى الاحالة والصرف ـ سوى بمادة الكون والتاريخ والفطرة والقصة والمثل والمنطق العقلي مما يجعل ما دونها أولى بالمنهج العلمي الذي أناط الايمان وما يليه بالعقل ولعل أشهر قاعدة اليوم هي " العقل مناط التكليف " .ويقوم علم أصول الفقه الذي سماه إبن خلدون منطق الاسلام على نظرية الاستدلال لغرس الروح العلمية في طلبة العلم وحصد شوائب الخرص والتقليد حصدا ثم تطور علم المقاصد وقام على نظرية الغائية والمصلحية والتعليل لغرس فقه الاسباب والسنن في النفوس ثم تطور علم مقامات المشرع وقام على نظرية تناسب التشريع مع الواقع لغرس روح الواقعية وقبل ذلك ومعه تطورت العلوم الكونية والتجريبية في سائر الميادين رغم إنتقاض عروة الحكم وكاد يسلم الكون بأسره تأثرا بعلوم المسلمين الدينية والاجتماعية والكونية فضم جنوب أمريكا وأروبا وآسيا وإفريقيا وعمر فيها قرونا طويلة ولن تزال الاثار على ذلك شاهدة فوق الارض وعند المنصفين . فبالخلاصة فإن الاسلام دين علمي عقلي بالتمام والكمال والعلم هو الخبر رواية أو معاينة مادة أو تاريخا أو عقلا بدليله الخاص به ولولا الدليل لقال من شاء ما شاء دون حياء.
ماهو العلم المطلوب طلبه كفائيا وعينيا وكيف السبيل إلى ذلك ؟.
إذا كان المجال لا يتسع للتفصيل فإن لب المسألة هو : العلم المطلوب طلبه هو العلم الكفيل بجلب السعادة النفسية والبدنية والمادية للانسان في حياته وبعد موته فردا وعضوا في أسرة وجماعة.فالنفس لا تسعد بسوى الايمان والايمان لا يحققه سوى الدين وأصلح دين للانسان هو الاسلام والحد الادنى المطلوب منه هو عقائده وعباداته وأخلاقه وما تيسر من معاملاته ولابد من حظ النفس والقلب والعقل والروح والعاطفة والذوق والبدن من كل ذلك بالتساوي لتحصيل السعادة.وقس على ذلك مطالب البدن والعمارة والجماعة والزينة والقوة .وعمدة العلم في كل ذلك إن علىوجه التحديد والتخصيص أو على وجه الاقتضاء والاجمال هما القرآن والسنة ثم التاريخ والتجربة ثم كدح الحاضر والتفكير في المستقبل .وموضوع العلم أبدا هو الانسان جلبا لمصلحته ودرأ لمفسدته وقوام العلم أبدا على العقل والنظر وشروطه هي الوعي به والصبر عليه والعمل به والاجتماع عليه والاخلاص فيه والحوار فيه وبذله وتوقيره .
إقرأ بإسم ربك : حصان الانسان ضد الظلم بإسم العرفان .
القراءة هي مفتاح العلم ونزولها أول آية دليل ساطع على قيام الانسان حياة على العلم وبما أن الانسان بحكم إزدواجية تكوينه يمكن أن يهوي بنفسه وبغيره بإسم العلم رغم صحته في الهاوية فإن الامر بطلبه " إقرأ" جاء مقرونا بالاخلاص لله سبحانه لانه هو مصدر العلم ومصدر الانسان سواء بسواء وكل علم بإسمه يهان الانسان هو قراءة بإسم الشيطان أو بإسم الهوى والاثرة . ولحث الانسان على الاخلاص في العلم طلبا وصرفا جعل عقله رغم سعة مداه مقيدا بقيود لا يتخطاها فطرة وكذا حواسه المعروفة لعله يفهم من ذلك أن العلم الذي وهبه منة وفضلا فهووعلمه لربه مملوكان .
القرآن يرسم أصول طلب العلم وبذله : الخضر وصاحب علم من الكتاب نموذجان :
لايقص القرآن قصة صغرت أم كبرت إلا وفيها من الحكم مالا يشبع منه العلماء ولاتنقضي عجائبها ففي قصة الخضر وموسى عليهما السلام في سورة الكهف بعض أصول طلب العلم وبذله وهي : الصبر والادب الجم والسعي الجاد وتشغيل العقل بدل الاتكال على التلقين الميت والنفاذ إلى أغوار الحقيقة برغم عدم مطابقة الصورة وإشباع غريزة حب الاطلاع ولك مراجعة القصة لمزيد من التدبر أما في قصة بلقيس ملكة سبإ فعجب لم تجمع عليه كلمات سائر من وقف عليها برغم قولهم بأن " الذي عنده علم من الكتاب " هو إنسان وليس جانا ولايهمنا هنا سوى القول بأن الانسان مؤهل لعلم من الكتاب أي القضاء المحجوب لو توفرت فيه أقدار كبيرة عظيمة عالية من شروط الاخلاص والرياضة الروحية الجادة والرؤيا في النوم نوع من ذلك بما هي جزء من أجزاء النبوة ليس إلهاماغريبا عن البرهان بل تكاملا بين القوة والامانة فعمر القوي في برهانه هو ذاته الصفي في وجدانه يوم صاح من فوق المنبر ينبه قائده في العراق " ياسارية الجبل". فبالخلاصة فإن ألد أعداء العلم هو الفصل بين مطالب الروح ومطالب البدن فيه .
أمة " إقرأ " ترزح تحت أمية عمية بنسبة بين الثلث والربع فأنى لنا بالنهضة ؟.
سبعون مليون عربي من جملة خمسين ومائتين أميون أمية كاملة بعد نصف قرن كامل من خروج الاحتلال وإنتصاب دولة تحرير فلسطين والوحدة العربية . ألا يوئسك هذا الخراب من كلام رسمي عريض عن محو الامية وبناء الدولة العقلانية والافتخار الكاذب بالعصر الالكتروني والثورة العلمية ؟ وهل تصدق أن الفقر هو الحائل دون إنقاذ الناس من الجهل ؟ فإذا كان العربي المسؤول عن نشر الدين بقرآنه وسنته بحكم عروبته بين مليار وربع من المسلمين الاعاجم أميا فهل تصدق أننا اليوم جديرون بنشر رسالة الاسلام ؟ وماهي رسالتنا لو فرطنا في نشر القرآن ودفنا أ نفسنا حية في مقابر الجهل والامية ؟ وهل تصدق أن أمية العرب ليست حائلا دون تلقيهم للعلوم؟
ولك أن تعلم أن أغلب ثلث العرب الاميين من النساء فهل تصدق بعد ذلك دجلا عن تحرير المرأة ومم يحررونها ؟ من الذئاب المفترسة لقطعانها ؟ لك أن تسكب معي أبحرا من الدموع على إعلام كاذب مضلل يخدع الناس علىمدى نصف قرن كامل فلا هو حرر فلسطين ولا وحد العرب ولا علم الانسان ما لم يعلم . أجل لك أن تبكي بكاء مرا غير ناس أننا أمة " إقرأ ".
هلا تحملت الحركة الاسلامية المعاصرة مسؤوليتها كاملة حيال تعليم الامة ؟
لست من الذين يريدون ظلما إرهاق الحركة الاسلامية المحاربة اليوم من الشرق والغرب بما لا طاقة لها به سوى أني أنبه إلى أن الحركة الاسلامية يوم تتصدر مواقع التوجيه والقيادة في البلاد العربية والاسلامية لن تجد نصيرا من شعوب أمية لن تألوها خبالا وضعا للفتنة فذلك مبلغ الامي من العلم وخير لها تأجيل مشروعها في تسلم قيادة البلاد ألف مرة ومرة قبل تأهل الناس لفك رموز الحرف والعدد على الاقل ولا ينتظر من الامي عادة سوى معاداة مشاريع العلم والعقل والحرية وفي الاثناء عليها بذل ما تستطيع لمحو الامية بسائر صورها البدائية والمعاصرة وفي مصارف الزكاة الثمانية مصرف مخصص لمثل هذا العمل وهو مصرف " في سبيل الله ". وفي التجربة التاريخية الاسلامية الطويلة لم يقم على مشاريع التعليم المجاني عبر الاوقاف والاحباس سوى المجتمعات الاهلية والمؤسسات المدنية أما دور السلطان فكان دوما محدودا صغيرا.