رد: حقوق دعت إليها الفطرة وقررتها الشريعة
الحق السادس: حق الزوجين
للزواج آثار هامة، ومقتضيات كبيرة فهو رابطة بين الزوج وزوجته، يلزم كل واحد منهما بحقوق للآخر: حقوق بدنية، وحقوق اجتماعية، وحقوق مالية.
فيجب على الزوجين أن يعاشر كل منهما الآخر بالمعروف، وأن يبذل الحق الواجب له بكل سماحة وسهولة من غير تكره لبذله ولا مماطلة. قال الله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوف} [النساء: من الآية19] الآية وقال تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَة} [البقرة: من الآية228] الآية. كما يجب على المرأة أن تبذل لزوجها ما يجب عليها بذله، ومتي قام كل واحد من الزوجين بما يجب عليه للآخر كانت حياتهما سعيدة ودامت العشرة بينهما، وإن كان الأمر بالعكس حصل الشقاق والنزاع وتنكدت حياة كل منهما.
ولقد جاءت النصوص الكثيرة بالوصية بالمرأة ومراعاة حالها، وأن كمال الحال من المحال، فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (استوصوا بالنساء خيرا، فإن المرأة خلقت من ضلع، وإن أعوج ما في الضلع أعلاه فإن ذهبت تقيمه كسرته وإن تركته لم يزل أعوج فاستوصوا بالنساء). وفي رواية: (إن المرأة خلقت من ضلع ولن تستقيم لك على طريقة فإن استمتعت بها فاستمتع بها وفيها عوج، وإن ذهبت تقيمها كسرتها وكسرها طلاقها). وقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقًا رضي منها خلقًا آخر). ومعنى لا يفرك: لا يبغض.
ففي هذه الأحاديث إرشاد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أمته كيف يعامل الرجل المرأة وأنه ينبغي أن يأخذ منها ما تيسر لأن طبيعتها التي خلقت أن لا تكون على الوجه الكامل، بل لابد فيها من عوج، ولا يمكن أن يستمتع بها الرجل، إلا على الطبيعة التي خلقت عليها وفي هذه الأحاديث أنه ينبغي للإنسان أن يقارن بين المحاسن والمساوئ في المرأة فإنه إن كره منها خلقا فليقارنه بالخلق الثاني الذي يرضاه منها ولا ينظر إليها بمنظار السخط والكراهية وحده.
وإن كثير من الأزواج يريدون الحالة الكاملة من زوجاتهم، وهذا شيء غير ممكن وبذلك يقعون في النكد، ولا يتمكنون من الاستمتاع والمتعة بزوجاتهم، وربما أدي ذلك إلى الطلاق كما قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (وإن ذهبت تقيمها كسرتها وكسرها طلاقها). فينبغي للزوج أن يتساهل ويتغاضى عن كل ما تفعله الزوجة إذا كان لا يخل بالدين أو الشرف.
ومن حقوق الزوجة على زوجها: أن يقوم بواجب نفقتها من الطعام والشراب والكسوة والمسكن. وتوابع ذلك لقوله تعالى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: من الآية233] قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف) وسئل ما حق زوجة أحدنا عليه قال: (أن تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه ولا تقبح، ولا تهجر إلا في البيت) [أخرجه أبو داوود كتاب النكاح باب حق المرأة على زوجها (2142) وابن ماجه كتاب النكاح باب حق المرأة على الزوج (1850) وقال الالباني في تحقيقه لمشكاة المصابيح (2/972) إسناده جسن.]. رواه أبو داود.
ومن حقوق الزوجة على زوجها: أن يعدل بينها وبين جارتها إن كان له زوجة ثانية، يعدل بينهما في الانفاق والسكني والمبيت وكل ما يمكنه العدل فيه، فإن الميل إلى إحداهما كبيرة من الكبائر، قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل) [أخرجه أبو داوود كتاب النكاح باب في القسم بين النساء (2133) والترمزي كتاب النكاح باب ما جاء في التسوية بين الضرائر (1141) وابن ماجه كتاب النكاح باب القسمة بين النساء (1969) وصححه الالباني في صحيح الجامع (6515).]. وأما ما لا يمكنه أن يعدل فيه كالمحبة وراحة النفس فإنه لا إثم عليه فيه؛ لأن هذا بغير استطاعته قال الله تعالى: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ} [النساء: من الآية129] الآية. وكان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقسم بين نسائه فيعدل ويقول: (اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك) [ أخرجه أبو داوود كتاب النكاح باب في القسم بين النساء (2134) والترمزي كتاب النكاح باب ما جاء في التسوية بين الضرائر (1140) وابن ماجه كتاب النكاح باب القسمة بين النساء (1971)].
ولكن لو فضل إحداهما على الأخرى في المبيت برضاها فلا بأس؛ كما كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقسم لعائشة يومها ويوم سوده حين وهبته سوده لعائشة؛ وكان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يسأل وهو في مرضه الذي مات فيه؛ أين أنا غدًا؟ أين أنا غدًا؟ فأذن له أزواجه أن يكون حيث شاء، فكان في بيت عائشة حتى مات. [أخرجه البخاري كتاب النكاح باب إذا استأذن الرجل نساءه (5217) ومسلم كتاب فضائل الصحابة باب فضل عائشة رضي الله تعالى عنها (2443).]
أما حقوق الزوج على زوجته فهي أعظم من حقوقها عليه لقوله تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} [البقرة: من الآية228] والرجل قوام على المرأة يقوم بمصالحها وتأديبها وتوجيهها كما قال تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [النساء: من الآية34].
فمن حقوق الزوج على زوجته: أن تطيعه في غير معصية الله وأن تحفظه في سره وماله فقد قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها). وقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت أن تجيء فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح) [أخرجه البخاري كتاب النكاح باب إذا باتت المرأة مهاجرة فراش زوجها (5193) ومسلم كتاب النكاح باب تحريم امتناعها في فراش زوجها (1436/ 122).].
ومن حقوقه عليها: أن لا تعمل عملا يضيع عليه كمال الاستمتاع حتي لو كان ذلك تطوعا بعبادة لقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (لا يحل لامرأة أن تصوم وزوجها شاهد شاهد إلا بإذنه، ولا تأذن لأحد في بيته إلا بإذنه) [أخرجه البخاري كتاب النكاح باب لا تأذن المرأة في بيت زوجها لأحد إلا بإذنه (5195) ومسلم كتاب الزكاة؛ باب ما أنفق العبد من مال مولاه (1026).].
ولقد جعل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ رضي الزوج عن زوجته من أسباب دخولها الجنة؛ فروي الترمزي من حديث أم سلمة رضي الله عنها أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: (أيما امرأة ماتت وزوجها عنها راضٍ دخلت الجنة).
رد: حقوق دعت إليها الفطرة وقررتها الشريعة
الحق السابع: حقوق الولاة على الرعية
الولاة: هم الذين يتولون أمور المسلمين، سواء كانت الولاية عامة كالرئيس الأعلى في الدولة أو ولاية خاصة على إدارة معينة أو عمل معين، وكل هؤلاء لهم حق يجب القيام به على رعيتهم، ولرعيتهم حق عليهم كذلك.
فحقوق الرعية على الولاة: أن يقوموا بالأمانة التي حملها الله إياها وألزمهم القيام بها من النصح للرعية والسير بها على النهج القويم الكفيل بمصالح الدنيا والآخرة وذلك بإتباع سبيل المؤمنين، وهي الطريق التي كان عليها رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فإن عليه الصلاة والسلام فيها السعادة لهم ولرعيتهم ومت تحت أيديهم وهي أبلغ شيء يكون به رضا الرعية عن رعاتهم والارتباط بينهم والخضوع لأوامرهم وحفظ الأمانة فيما ولونه إياهم؛ فإن من اتقي الله اتقاه الناس ومن أرضي الله كفاه الله مؤونة الناس وأرضاهم عنه لأن القلوب بيد الله يقلبها كيف يشاء. وأما حقوق الولاة على الرعية فهي: النصح لهم فيما يتولاه الإنسان مكن أمورهم، وتذكيرهم إذا غفلوا والدعاء لهم إذا مالوا عن الحق، وامتثال أمرهم في غير معصية الله، لأن في ذلك قوام الأمر وانتظامه، وفي مخالفتهم وعصيانهم انتشار الفوضى وفساد الأمور ولذلك أمر الله بطاعته وطاعة رسوله وأولي الأمر فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء:59] الآية. وقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره إلا أن يؤمر بمعصية فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة). متفق عليه.
وقال عبد الله بن عمر: كنا مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في سفر فنزلنا منزلا فنادى منادى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال: (الصلاة جامعة فاجتمعنا إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال: (إنه ما من نبي بعثه الله إلا كان حقا عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم وينذرهم شر ما يعلمهم لهم، وإن أمتكم هذه جعلت عافيتها في أولها وسيصيب آخرها بلاء وأمور تنكرونها وتجئ فتنة يرقق بعضها بعضا تجئ الفتنة فيقول المؤمن: هذه مهلكتي و تجئ الفتنة فيقول المؤمن: هذه؛ هذه. فمن أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، وليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتي إليه، ومن بايع إماما فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه إن استطاع، فإن جاء آخر ينازعه فأضربوا عنق الآخر) رواه مسلم. وسأل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ رجل فقال: (يا نبي الله أرأيت إن قامت علينا أمراء يسألونا حقهم ويمنعونا حقنا فما تأمرنا؟ فأعرض عنه، ثم سأله مرة ثانية، فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: اسمعوا وأطيعوا فإنما عليهم ما حملوا وعليكم ما حملتم).
ومن حقوق الولاة على الرعية: مساعدة الرعية لولاتهم من مهماتهم بحيث يكونون عونا لهم على تنفيذ الأمر الموكول إليهم، وأن يعرف كل واحد دوره ومسئوليته في المجتمع حتى تسير الأمور على الوجه المطلوب، فإن الولاة إذا لم تساعدهم الرعية على مسئولياتهم لم تأت على الوجه المطلوب.
رد: حقوق دعت إليها الفطرة وقررتها الشريعة
الحق الثامن: حق الجيران
الجار هو: القريب منك في المنزل وله حق كبير عليك فإن كان قريبا منك في النسب وهو مسلم فله ثلاثة حقوق: حق الجوار وحق القرابة وحق الإسلام، وإن كان مسلما وليس بقريب في النسب فله حقان، حق الجوار وحق الإسلام، وكذلك إن كان قريبا وليس بمسلم فله حقان: حق الجوار وحق القرابة، وأن كان بعيدا غير مسلم فله حق واحد حق الجوار قال تعالى: (وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ) [النساء: من الآية36] الآية. وقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ:(مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه) متفق عليه. فمن حقوق الجار على جاره: إن يحسن إليه بما استطاع من المال والجاه والنفع فقد قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (خير الجيران عنه الله خيرهم لجاره) . وقال: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن إلى جاره). وقال أيضًا: (إذا طبخت مرقة فأكثر ماءها وتعاهد جيرانك).
ومن الإحسان إلى الجار تقديم الهدايا إليه في المناسبات فغن الهدية تجلب المودة وتزيل العداوة.
ومن حقوق الجار على جاره: أن يكف عنه الأذى القولي والفعلي، فقد قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (والله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن فقالوا من يا رسول الله؟ قال الذي لا يأمن جاره بوائقه). وفي رواية: (لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه). والبوائق الشرور فمن لا يأمن جاره شره فليس بمؤمن.
وكثير من الناس الآن لا يهتمون بحق الجوار ولا يأمن جيرانهم من شرورهم، فتراهم دائما نزاع معهم وشقاق واعتداء على الحقوق وإيذاء بالقول والفعل وكل هذا مخالف لما أمر الله ورسوله، وموجب لتفكك المسلمين وتباعد قلوبهم وإسقاط بعضهم حرمة بعض.
رد: حقوق دعت إليها الفطرة وقررتها الشريعة
الحق التاسع: حقوق المسلمين عمومًا
وهذه الحقوق كثيرة جدا: ومنها ما ثبت في الصحيح أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: (حق المسلم على ست: إذا لقيته فسلم عليه، وإذا دعاك فاجبه، وإذا استنصحك فأنصح له، وإذا عطس فحمد الله فشمته، وإذا مرض فعده، وإذا مات فاتبعه) [ أخرجه مسلم كتاب السلام باب من حق المسلم للمسلم رد السلام (2162) (5) وأخرجه البخاري بلفظ قريب وفيه (خمس) بدل ست كتاب الجنائز باب الأمر باتباع الجنائز (1240).]. ففي هذا الحديث بيان عدة حقوق بين المسلمين: الحق الأول: السلام.
فالسلام سنة مؤكدة وهو من أسباب تآلف المسلمين وتوادهم، كما هو مشاهد وكما يدل عليه قول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (والله لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا أفلا أخبركم بشيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم) [ أخرجه مسلم كتاب الإيمان باب بيان أنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون وإن محبة المؤمنين من الإيمان...(54) .]. وكان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يبدأ من لقيه بالسلام ويسلم على الصبيان إذا مر بهم.
والسنة أن يسلم الصغير على الكبير، والقليل على الكثير والراكب على الماشي ولكن إذا لم يقم بالسنة من هو أولي بها فليقم بها الآخر لئلا يضيع السلام، فإذا لم يسلم الصغير فليسلم الكبير وإذا لم يسلم القليل فليسلم الكثير ليحوز الأجر.
قال عمار بن ياسر رضي الله عنه: (ثلاث من جمعهن فقد استكمل الإيمان: الإنصاف من نفسك وبذل السلام للعالم والإنفاق من الإقتار). وإذا كان بدء السلام سنة فإن رده فرض كفاية إذا قام به من يكفي أجزأ عن الباقين، فإذا سلم على جماعة فرد واحد منهم أجزأ عن الباقين قال تعالى: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} [النساء:86] الآية؟.
فلا يكفي في رد السلام أن يقول: أهلا وسهلا فقط، لأنها ليست أحسن منه ولا مثله؛ فإذا قال: السلام عليكم. فليقل: وعليكم السلام. وإذا قال: أهلا فليقل أهلًا مثلا بمثل. وإن زاد تحية فهو أفضل.
الحق الثاني: إذا دعاك فأجبه، أي إذا دعاك إلى منزله لتناول طعام أو غيره فأجبه، والإجابة إلى الدعوة سنة مؤكدة، لما فيه من جبر قلب الداعي، وجلب المودة والإلفة ويستثني من ذلك وليمة العرس، فإن أجاب فإن الإجابة إلى الدعوة إليها واجبة بشروط معروفة لقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (ومن لم يجب فقد عصى الله ورسوله) [ أخرجه مسلم كتاب النكاح باب الأمر بإجابة الداعي إلى دعوة (1423) (110)، وأخرجه البخاري بمعناه في كتاب النكاح باب من ترك الدعوة فقد عصي الله ورسوله (5177).].
ولعل قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (إذا دعاك فأجبه) يشمل حتى الدعوة لمساعدته ومعاونته فإنك مأمور بإجابته فإذا دعاك لتعينه على حمل شيء أو القائه أو نحو ذلك فإنك مأمور بمساعدته لقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا).
الحق الثالث: إذا استنصحك فأنصحه: يعني إذا جاء إليك يطلب نصيحتك له في شيء فأنصحه لأن هذا من الدين كما قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (الدين النصيحة، لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم).
|أما إذا لم يأت إليك يطلب النصيحة فإن كان عليه ضرر أو إثم فيما سيقدم عليه وجب عليك أن تنصحه وإن لم يأت إليك، لأن هذا من إزالة الضرر والمنكر عن المسلمين، وإن كان لا ضرر عليه فيما سيفعل ولا إثم ولكنك تري أن غيره أنفع له فإنه لا يجب عليك أن تقول له شيئًا إلا أن يستنصحك فتلزم النصيحة.
الحق الرابع: إذا عطس فحمد الله فشمته ، أي قل له: يرحمك الله، شكرا له على حمده لربه عند العطاس أما إذا عطس ولم يحمد الله فإنه لا حق له، فلا يشمت لأنه لما لم يحمد الله كان جزاؤه أن لا يشمت.
وتشميت العاطس إذا حمد فرض، ويجب عليه الرد فيقول: يهديكم الله ويصلح بالكم، وإذا استمر معه العطاس وشمته ثلاثا فقل له في الرابعة: عافاك الله. بدلا عن قولك: يرحمك الله.
الحق الخامس: إذا مرض فعده، وعيادة المريض زيارته وهي حق له على إخوانه المسلمين، فيجب عليهم القيام بها وكلما كان للمريض حق عليك من قرابة أو صحبة أو جوار كانت عيادته أوكد..
والعيادة بحسب حال المرض فقد تتطلب الحال كثرة التردد إليه، وقد تتطلب الحال قلة التردد إليه، فالأولي مراعاة الأحوال، والسنة لمن عاد مريضا أن يسأله عن حاله، ويدعو له ويفتح له باب الفرج والرجاء، فإن ذلك من أكبر أسباب الصحة والشفاء وينبغي أن يذكره التوبة بأسلوب لا يروعه، فيقول له مثلًا: إنك في مرضك هذا تكسب خيرًا، فإن المرض يكفر الله الخطايا ويمحو به السيئات، ولعلك تكسب بانحباسك أجرًا كثيرًا بكثرة الذكر والاستغفار والدعاء.
الحق السادس: إذا مات فاتبعه: فاتباع الجنائز من حقوق المسلم على أخيه, وفيه أجر كبير، فقد ثبت عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال: (من تبع الجنازة حتى يصلي عليها فله قيراط، ومن تبعها حتى تدفن فله قيراطان) وقيل: ما القيراطان؟ قال: مثل الجبلين العظيمين).
سابعًا: ومن حقوق المسلم على المسلم كف الأذى عنه، فإن في أذية المسلمين إثما عظيمًا قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} [الأحزاب:58]. والغالب أن من تسلط على أخيه بأذية فإن الله ينتقم منه في الدنيا قبل الآخرة، وقد قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (لا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانًا، المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره، بحسب امرئٍ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه) [أخرجه البخاري مختصرا كتاب الأدب باب ما ينهي عن التحاسد والتدابر (6065) وفي باب الهجرة (6067) ومسلم كتاب البر والصلة والآداب باب تحريم ظلم المسلم وخذله واحتقاره (2564).].
وحقوق المسلم على المسلم كثيرة، ولكن يمكن أن يكون المعني الجامع لها قول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (المسلم أخو المسلم) فإنه متى قام بمقتضى هذه الإخوة اجتهد أن يتحرى له الخير كله وأن يجتنب كل ما يضره.
رد: حقوق دعت إليها الفطرة وقررتها الشريعة
الحق العاشر: حق غير المسلمين
غير المسلمين ويشمل جميع الكافرين وهم أصناف أربعة: حربيون ومستأمِنون ـ بكسر الميم ـ ومعاهدون وذميون.
فأما الحربيون فليس لهم علينا حق الحماية في الوقت والمكان المحددين لتأمينهم لقول الله تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ} [التوبة:6] الآية.
وأما المعاهدون فلهم علينا حق الوفاء بعدهم إلى المدة التي جرى الاتفاق الاتفاق عليها بيننا وبينهم ما داموا مستقيمين لنا على العهد لم ينقصونا شيئا ولم يعينوا أحدا علينا ولم يطعنوا في ديننا لقول الله تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} [التوبة:4]، وقوله: {وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمَانَ لَهُمْ} [التوبة:12] الآية.
وأما الذميون فهم أكثر هؤلاء الأصناف حقوقًا فيما لهم وعليهم، وذلك لأنهم يعيشون في بلاد المسلمين وتحت حمايتهم ورعايتهم بالجزية التي يبذلونها.
فيجب على ولي أمر المسلمين أن يحكم فيهم بحكم الإسلام في النفس والمال والعرض، وأن يقيم الحدود عليهم فيما يعتقدون تحريمه، ويجب عليه حمايتهم وكف الأذى عنهم.
ويحب أن يتميزوا عن المسلمين في اللباس، وألا يظهروا شيئا منكرا في الإسلام أو شيئًا من شعائر دينهم كالناقوس والصليب، وأحكام أهل الذمة موجودة في كتب أهل العلم لا نطيل بها هنا.
والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
محمد الصالح العثيمين