-
رد: مــــائة مصباح من مشكاة النبــــوة
الحلقة الثالثة والثمانون
أخرج الترمذي عن أبي حذيفة أنه عليه السلام قال "لاتكونوا إمعة تقولون إن أحسن الناس أحسنا وإن ظلموا ظلمنا ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا وإن أساؤوا ألا تظلموا ".
ـــــــــــــــــــــــــ
من شواهده " وكذلكم جعلناكم أمة وسطا " و" لاتتبعوا خطوات الشيطان " وغيرذلك كثير...
موضوعه : الامعية الحضارية هي داء الامم توقى لها الاسلام بتميز الشخصية عبر الوسطية.
أبوحذيفة إبن اليمان كرمه المصطفى عليه السلام بأن خلع عليه من أردية الحب بسطا وافية فهو أمين سره عليه السلام وهو مرقى لم ينله حتى الصديق والفاروق وذو النورين وأبو سبطيه وريحانته عليهم الرضوان جميعا وهو من إستودعه عليه السلام قائمة إسمية في المنافقين دفنت معه ولك أن تتصور أن رجلا منا اليوم إستحفظه نبي وديعة خطيرة وهل أخطر من تلك الوديعة فأي حمل وأي أمانة وأي قلب ذلك الذي لم ينبجس برشح وأمير المؤمنين عمر كالملدوغ لا يبرح حذيفة حتى يعاوده سائلا عما إذا كانت القائمة تضم بين أضلعها إسمه فأي جأش ربط الله عليه حذيفة وأي وجل يفتك بمهجة عمر وأي جيل قرآني فريد وحذيفة ذاته هو من كان يسأل محمدا عليه السلام عن الشر مخافة أي يدركه في حين كان الناس يسألون عن الخير واليوم حذيفة هو من ينقل لنا ممن إستحفظه على خبر السماء خبرا من السماء يرسم لنا ولكل أمة في الحقيقة بما فيها أمم الكفر من سائر الملل والنحل منهج الوسطية والتميز واقيا ضد داء الامعية .
كما لا ينبغي غض الطرف هنا عن كونه عليه السلام يخاطب بصيغة المخاطب الجمع " لاتكونوا" بما يعني أن هذا الدواء من صيدليته عليه السلام موجه للامة جمعاء وليس معنى ذلك أنه لا يصلح للافراد ولكن لا يغني أمة أصابها داء الامعية الحضارية أن يكون فيها أفراد من هنا وهناك متناثرون بلغ كل واحد منهم أرقى مصاف التميز والوسطية كما ينبؤك قوله " تقولون" هنا عن أن الامعية الحضارية سببها ثقافة قولية أستكنت في الضمائر فترجمتها الجوارح وأكثر خطاب القرآن بفعل قال أمرا ونهيا لان القول عند العرب كناية عن الاعتقاد والثقافة وليس كما هو الحال عندنا اليوم حيث نقصر القول على حديث اللسان وبمثله جرى التعبير النبوي في مثل قوله " قل آمنت بالله ثم إستقم " فإنها تعني إعتقد ذلك ثم قله بلسانك . كما لابد لك من قراءة في الصياغة العامة للحديث وهي تقوم على النفي ثم الاثبات وهو بلاغة في قضايا الاعتقاد وعظمى معاقد الامور أبدع تقريرا للحقائق والدليل أن مفتاح الاسلام وعصارة خلاصته وهي شهادة التوحيد صيغت بمثل ذلك فلا مكان للايمان حتى يتنزل الكفر بالطاغوت كما هو مقرر مباشرة بعد أعظم آية أي آية الكرسي ولا مكان للتوحيد حتى يتنزل نفي الالوهية عما سواه سبحانه ولو رجعت إلى القرآن والسنة لالفيت أن سائر ما كانت صياغته على هذا النحو أي نفيا مشفوعا بإثبات هو من الامور الكبيرة التي حفل بها الوحي وكانت آثارها في الدنيا ظاهرة خيرا أو شرا. ومنها هذا الحديث وليس ذلك سوى لانه ينتمي إلى تقرير القواعد الحضارية الكبرى لدى الافراد والجماعات والشعوب والامم والتي لولا تميز بعضها عن بعض لكانت أمة واحدة كما ورد في القرآن في أكثر من موضع . كما لا ينبغي أن يفوتني ويفوتك بأن حد التميز والوسطية يعرفه الحديث هنا بالاحسان وبالظلم وأذكرك دوما بأن الحملة القرآنية المشنونة منه سبحانه ومن مبعوثه رحمة للعالمين عليه السلام لئن كانت على الظلم والكفر سواء بسواء فهي على الظلم أشد كثيرا ولك أن ترجع إلى ذلك بنفسك في كتاب ربك وسنة حبيبك عليه السلام مستفيدا من إجتهاد علمي تيمي عظيم ( نسبة إلى إبن تيمية عليه رحمة الله سبحانه ) مفاده أن الحرب على الكفر في القرآن جلها يقصد بها الظلم سيما إذا أجتمع في الانسان أو في الفئة كفر مع ظلم فإنه يرفعه إلى درجة التكبر والاستكبار ويتوعده بما لا تتحمله الاسماع أما إذا كان المقام مقام كفر دون ظلم فإن القرآن عادة ما ينبسط طويلا في عرض مختلف الحجج على خبالها فيجادلها ثم يدحضها ويطرحها ولا يخرج منها التالي المتدبر العاقل إلا وبرهان الحق في نفسه ساطعا كالشمس في رابعة النهار . من المؤكد أن هذا الامر الاخير في قراءة الحديث في مستوى الحد بين الامعية وبين الوسطية وهو حد الاحسان من جهة وليس مجرد الطاعة وحد الظلم من الجهة المقابلة وليس مجرد الكفر لا يسعه مجال للتفصيل فيه رغم أهميته القصوى في فهم الحديث وفهم معاني الامعية المقصودة وحدودها ولو لم يكن الامر كذلك لعبر بدل الاحسان بالايمان أو الاسلام أو الطاعة فضلا عن سائر العبادات ولعبر بدل الظلم بالكفر أو بالفسوق أو بالعصيان فضلا عن سائر الرذائل غير أن كل ذلك لا يصلح أن يكون حدا فاصلا للامعية الحضارية داء يفتك بالامم .
الامعية نظرية إجتماعية خلدونية :
قال إبن خلدون رحمه الله " المغلوب مولع أبدا بتقليد غالبه " وهذا يقودنا إلى الحديث عن الاساس النظري للوقاية ضد داء الامعية الحضارية التي تصيب الافراد والجماعات أمما وشعوبا على حد سواء وليس ذلك الاساس النظري سوى أن التقليد الذي حرمه الفقيه الثائر إبن حزم رحمه الله تحريما قطعيا يقود إلى المغلوبية الثقافية وليس مقصود هنا مجرد الغلبة بالقهر المادي فذلك أمر لا يسلم منه حتى الانبياء وقد قتل بعضهم وتقود المغلوبية الثقافية سليلة التقليد إلى الامعية ثم تقود الامعية إلى ضمور عمل سنن التنوع والاختلاف والتعدد فينشأ عن ذلك ظلم وفق لقاعدة " إن الانسان ليطغى أن رآه إستغنى " وهو ما نعيشه اليوم كونيا سوى أملا في أن الاسلام الذي وضعه الناتو على لسان رئيسه السابق عدوا جديدا بعد سقوط الشيوعية قلعة حصينة سيطول قرع ثيران البيت الاسود من آل صهيون وصليب قرونهم عليها ثم تنكسر بإذنه سبحانه .
قطاعات شبابية ونسائية منا غير ملقحة ضد سرطان الامعية : إمعية وافد وإمعية موروث :
الامعية بما هي ذوبان شخصية وترهل روحي وفقدان للمناعة الداخلية عقليا ونفسيا تتخذ لها إتجاهات عديدة تماما كالمائع المنساب لو أهرق فإنه يجري لفرط ضعفه إلى الاسفل دوما والوحي يحذرنا من ذلك فمرة ينعي على الكافرين قولهم " إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون " ومرة ينعي علينا تقليدنا الاعمى للغالب أو من تصورنا أنه الغالب ولو كان في سفح الحضيض " لتتبعن سنن من قبلكم شبرا بشبر وذرعا بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه" واليوم نجد رغم بزوغ فجر صحوة إسلامية واعدة وربما لولاها لكان الخطب أجل قطاعات شبابية ونسائية واسعة سيما في المناطق التي ضرب فيها سرطان التحديث المزيف بقوة غير ملقحة ضد سرطان الامعية سواء إنبهارا بالغرب الاشتراكي قبل عقود أو بالغرب الرأسمالي اليوم حتى وصل الحد إلى إختيار أسماء غربية خالصة لابنائنا وبناتنا وليس عسيرا عليك في كثير من العواصم العربية اليوم أن تلفى سائر المآكل والمشارب والملابس التي تزدان بها شوارع أمريكا وأروبا وهو ذات الامر من وجه ما الذي دفع بغريزة رد الفعل أو قانون التحدي والاستجابة بلغة الاجتماعيين إلى التعبير عن رفض ذلك بالهروب إلى الماضي السلفي بزعم أن تراث خير القرون كفيل وحده بتعديل الكفة ووصل ذلك الغلو إلى حد عدم التمييز فكرا وسلوكا بين الكفر سيما الكتابي منه وبين الظلم من جهة وبين ظلم المؤمن وظلم الكافر من جهة أخرى وإلى مصادرة كرائم الاجتهاد ونفائس التجديد وهو الامر الذي تلقفته الايدي المتصهينة والمتصلبنة فجعلت منه في أحوال كثيرة معبرا للاجهاز على الاسلام وأمته بإسم الاصلاح الديمقراطي حينا وبإسم العولمة حينا آخر . فالحاصل أن الامعية ليست منكورة سوى في إتجاه الغالب حضاريا وثقافيا وعسكريا من لدن عبيد الفكر الغربي سلائل القردة والببغاوات بل هي منكورة كذلك في إتجاه رفض التصدي لهموم الحاضر سوى بلغة القتل الاعمى والغضب الناقم والتكفير بالجملة من لدن عبيد الفكر الخارجي والفهم السطحي . ولذلك جاء الاسلام بلقاح الوسطية تمييزا للامة عن المغضوب عليهم وعن الضالين وتمييزا لبلائها في كل عصر ومصر عن إجتهاد سلف أدى ما عليه ومضى في سبيل حاله وغرو خلف لايرضى بغير مقام الذيلية .
سلاح الوسطية الفكرية ضد سرطان الامعية : حشد قوة تذب عن الحق وترهب المتربص :
خذ إليك هذه محكمة : الحياة محكومة بسنة الوحدة بدل التجزء وليس فصل جانب عن آخر مفيد سوى للغرض الدراسي ثم سرعان ما يعود التركيب على التفكيك ليستقر في العقل وحدة موحدة . الداعي إلى ذلك هو أن الوسطية الفكرية وهي خصيصة من خصائص التصور الاسلامي تحفظ حياته وتضمن تجدده لا تنفصل عن حرس مادي يصون تخومها ويرهب المتربص وهو ما أمر به سبحانه أمرا حازما فرطنا فيه أيما تفريط فنحن نتجرع اليوم أثر ذلك غصصا حالقة " وأعدوا لهم ما إستطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدوالله وعدوكم وآخرين من دونهم لاتعلمونهم " والامر للامة وليس للافراد فهي تتولى ترتيب أولوياته وتنظم مشمولاته وهو إعداد يجب أن يتوجه أساسا لذب كل متربص فهو " لهم " وليس لنا ولاحدود لمجالاته ولا لكمياته كلما كان قوة مقدورا عليها وليس رباط الخيل سوى ورودا مورد الغالب يومها والمقصد من الاعداد هو قذف الخوف في نفوس العدو إلىحد الرهبة فلا يتجرأ على المداهمة وهو خوف يقذف في نفس عدو الله فهل نتجرأ اليوم على القول أن الله ليس له عدو وهو عدو الله قبل أن يكون عدوا لنا بصريح ترتيب الاية وهو إعداد يقذف الخوف والرهبة كذلك في صفوف أخرى طويلة تصبحنا وتمسينا متمترسة وراء لافتات الاصلاح الكاذب والتوجيه الفاجر لانعلم اليوم منها سوى لحن القول بل هؤلاء ربما أشد جزعا ورهبة من قوة ليس لها حدود ولا تتخاذل عن ميدان في الحياة . الحاصل من كل ذلك هو : لئن حمل الحق قوته في حجته العقلية فإنه في حاجة إلى قوة مادية تحميه لئلا يتعرض بعض حملته بعد قرون من ضعفهم وقهر العدو لهم إلى فقدان المناعة الذاتية أي حصول الامعية الحضارية فالقوة عوان للحق وما أروع أن يجتمعا في قوم .
الامعية : أسباب وعلاجات :
أهم أسباب الامعية هي : الانهزام النفسي والضعف الروحي وتشوش عقلي وهي أسباب ذاتية تصيب الفرد والامة علىحد سواء ولها أسباب موضوعية خارجية وهي : ذلة وخنوع بسبب ظلم باغ أو بسبب حاجة حيوية ملجئة فاقرة وسحر خالب للعقول بسبب سطوة الغالب وبسطه لجنة الارض رفاها ورغدا على أن الاسباب الذاتية هي المحددة في مطب الامعية ولذلك إحتفى الوحي بالصبر أمرا وتحبيبا وعرضا لنماذج الصابرين في التاريخ أيما إحتفاء لان الصبر محلول حيوي مضاد يحمي الشخصية من الامعية حتى في حال شدة الهزيمة العسكرية وطول أمدها .
أهم علاجات الامعية هي : التشبع النفسي والروحي والعقلي والعاطفي من نظرية الحق سيما في معاقدها العقدية الكبرى ومداومة تذكرها سيما في مؤسسات مختصة من مثل الاسرة ومدارس التعليم والعمل على بذلها لكل طالب ومطلوب دعوة حية منداحة وبناء السلطان الحارس لتلك النظرية ورصد سائر مظاهر القوة كسبا وتعليما وتعاطيا ورص صف الجماعة وفق الحرية والمسؤولية والشورى والتوحد وبسط مجاري الحوار مع المخالف بالحسنى .
النبي الاكرم عليه السلام يرشد إلى بعض المضادات الحيوية ضد الامعية : نوع القرين :
لو تتبعت سيرته وسنته لالفيت منهجا كاملا شاملا في ذلك ولكن لضيق المجال أذكر بمثال واحد كبير وخطير تحدث عنه القرآن بإسم القرين والصاحب والشيعة وضرب فيه عليه السلام مثالا قال فيه " إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير ..." وهو متفق عليه عن أبي موسى ويهم خاصة فترات التربية الاولى إلى حدود المراهقة أو ما يناهزها لقابلية الانسان يومها للتقليد والتأثر والاكتفاء بالتلقن دون عقل وليس ذلك محبوسا عن الانسان المتكلم بل يتعداه إلى الانسان الصامت وهو الكتاب وسائر ما يعرض من ثقافة وفكر وإعلام حتى قال أحدهم " قل لي ماذا تقرأ أقول لك من أنت " ولنا أن نقول اليوم وقد طغى الاعلام الفضائي المرئي على سائر ما عداه " قل لي ماذا تشاهد أقول لك من أنت " وأخطر جليس اليوم هو الاعلام فهويصنعك ويصنع لك بيتك زوجا وذرية ويصنع لك بيئتك في كل أطوارها فكن الاعلامي الصالح أو المشاهد الصالح ولاتكن المنعزل الصالح ولا المشاهد غير الصالح ولا الاعلامي غير الصالح .
-
رد: مــــائة مصباح من مشكاة النبــــوة
مائة مصباح من مشكاة النبوة
الحلقة الرابعة والثمانون
أخرج البخاري عن أنس أنه عليه السلام قال " من صلى صلاتنا وإستقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا فذلك المسلم الذي له ذمة الله ورسوله فلا تخفروا الله في ذمته ".
ـــــــــــــــــــــــــ
موضوعه : لاوحدة بدون إختلاف ولاإختلاف بدون حرية ومن حرم الفقه حرم الحياة :
أنس بن مالك عليه الرضوان هو حلقة من حلقات السلسلة الذهبية في رواية الحديث وللحديث شواهد لا تحصى من القرآن الكريم وأنس ممن كرمه سبحانه وشرفه بخدمته عليه السلام فطوبى لخادم نعم بخدمة أشرف مخدوم وأكرم من وطئ الغبراء وأظلت السماء وعلى إثر خطى أنس يسعى كل من بذل في خدمة سنته عليه السلام منهجا في الحياة بأسرها كلمة أو عملا .
" من " أداة عموم لا يحصرها زمان ولا مكان ولا مذهب ولا لون ولا لغة ولا مشرب في الحياة بسائر دروبها وشعابها سوى ما كان مثبتا في الاسلام على قاعدة أنه ثابت يعبر سائر المتغيرات من مثل التوحيد وكرامة الانسان والجماعة والحرية والتنوع والاجتهاد والجهاد والعلم والاسرة والدعوة وعمارة الارض فتلك هي أوتاد الهيكل العظمي للمسلم الذي أشار إليه الحديث أو خميرة تكوينه الاساسي وتلك هي عواصمه من سائر القواصم التي يمكن أن تغتاله يمنة أو تجتاله يسرة وهو ما عبر عنه الحديث ب" ذمة الله ورسوله " وما عدا ذلك خارجا عن تلك الاوتاد وتلك العواصم أو مقومات الذمة فما يجب أن يلقى سوى ما أفصح عنه قوله " من إجتهد وأصاب فله أجران ومن إجتهد ولم يصب فله أجر واحد " وليس ذلك مقصورا على الحاكم بمعنى القاضي بل يتعداه إلى كل مجتهد لانه قاض وحاكم في مسألة ما بل زاد ذلك تشديدا عليه السلام وإنكارا لمن ضيق مجال التنوع والاختلاف داخل دائرة تلك العواصم عواصم الذمة فسمى التعدي على ذلك خفرا لذمة الله سبحانه وهل يملك عبد مملوك أسير قلبا يهجم على ذمة معبوده ومالكه وخالقه وولي نعمته سبحانه فيخفرها وهل يملك ذلك فعلا لو شطحت به نفسه بعيدا أم أن خفر ذمة الانسان المسلم المختلف مذهبا ولغة وتفكيرا ورأيا وعرقا ولونا ومسلكا حياتيا دنيونا هو خفر لذمة الله سبحانه ؟ الجواب منه عليه لسلام صريحا في نسبة الذمة المخفورة هنا إليه سبحانه فالذمة المخفورة بالفعل من لدن المتعدي على المخالف بإسم الاسلام وبإسم الوحدة وبإسم مقاومة الفتنة هي ذمة الانسان ولكنها ذمة لفرط شرفها عنده سبحانه وعلو قدرها تكريما وتحريرا منسوبة إليه سبحانه فهل فكر يوما خافر لذمة مخالف بأنه إنما يخفر ذمة ربه الذي يزعم عبادته وهل يغفر له إجتهاده في ذلك ؟ أما بناء الافعال الثلاثة في الحديث للماضي " صلى وإستقبل وأكل " فهو الماضي المسترسل غير المنقطع ومثل هذا في لغة العرب والقرآن الكريم لا يحصى.
الدرس الاول : وحدة الامة الاسلامية ثابت عقائدي يقيني عام مطلق وهو صنو توحيد الله :
ذلك هو الدرس الاول الذي يجنيه بيسر ولطف كل من يقرأ الحديث لاول مرة إذ يقر في روع المسلم دون عسر ولا إلتجاء إلى التأويل فضلا عن التحكم والتعسف أن مطلب الوحدة أكيد من ناحية وليس معقدا من ناحية أخرى فهو مطلب أكيد بما رتب عليه من شر العقاب وضيق العذاب وأي عذاب أشد ضيقا من تورط الانسان في خفر ذمة ربه الذي خلقه وسواه وهداه ونعمه وكرمه وحرره ورزقه ولو لم يكن مطلب وحدة الامة مقدما على سائر ما عداه سوى توحيد الله سبحانه لما عبر عنه أي عن خرقه بهذا الوعيد الكبير ولما نسب ذمة مخفورة بغير حق لانسان مخالف لك إليه سبحانه لا بل لما إستخدم فعل خفر بما يلقي به من ظلال كثيفة من الاهانة والحبس والتضييق وإلغاء الحرية والاعتداء لا بل لما إستخدم كلمة ذمة وهي تعني الجانب المعنوي من الانسان روحا ونفسا وعاطفة وحرية وإرادة أكثر من عنايتها للجانب البدني وإن كان الاعتداء على أحدهما هو إعتداء على الاخر بالضرورة فبالخلاصة الاولى هنا نجد أن مطلب وحدة الامة الاسلامية هو أول مطلب مباشرة بعد توحيده سبحانه والدليل على ذلك أنه رتب على عاضلها ولو بإسم الاجتهاد والاسلام والوحدة والنظام العام ومصلحة الدولة والشعب ودرإ الفتنة وعيدا لم يجعله ينتمي إلى سائر الحدود المعروفة بل هو أشد وأكبر إذ سماه خفرا لذمة الله سبحانه فالمنتهك لحرية الاختلاف في الامة تحت سقف الثوابت الكبرى المعروفة لا خارج ذلك السقف كائنا ما كانت الدعاوي التي يحتمي وراءها ذلك المنتهك ولو إجتهادا هو منتهك لذمة ربه سبحانه إن كان يؤمن به حق الايمان مبنيا على حسن الفقه وحسن العمل . وبعد ذلك وحدة الامة هي صنو توحيد الله سبحانه فتلك فرع مشقوق عن هذه سوى أن وحدة الامة لا سبيل إليها سوى بتأصيل قيم الحرية والاختلاف والتنوع والشورى عدلا بين الناس كلهم قولا وعملا أما توحيد ربنا سبحانه فلا نقول فيه سوى أنه واحد أحد فرد صمد ليس كمثله شئ سبحانه والزاعم لتوحيد ربه سبحانه دون عمل فضلا عن إيمان بوحدة الامة ليس له من حظ التوحيد مخ الايمان سوى بمثل حظ " باسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه ".
الدرس الثاني : دعائم وحدة الامة ليست كثيرة العدد لكنها غزيرة المعنى :
ذلك أمر معلوم من الحياة والدنيا بالضرورة فكل أمر وشئ يقوم على أوتاد قليلة العدد تحفظ الوجود وتؤمن الحياة ثم يتفرع عنها ما لايحصى من العروق والشرايين والاغصان والحذوع وليس الاسلام الذي وحد الامة بدعا عن ذلك وفي الحديث يقتصر عليه السلام على ذكر ثلاثة أوتاد توحد الامة وترسم سقفها العام الذي تنتظم فيه سائر فروعها ولك أن تسأل نفسك ألان هل أنه عليه الاسلام ذكر ذكر على سبيل الحصر أو القصر أو الرمز أم أنه إختار ثلاثة أمور وأنهى الخلاف أم أنه لم يخترها أصلا وعلى أي أساس إختارها ؟ أزعم أنك لو أحسنت الاجابة على هذا السؤال فزت بنصيب وافر من فقه الحياة وفقه الوجود وفقه الدين وفقه الانسان وفقه الوحدة وفقه الاختلاف . الدعائم الثلاث التي ذكرها عليه السلام هنا سقفا لوحدة الامة هي الصلاة والقبلة والطعام غير أنه حصرها بنسبتها دوما إلينا نحن أي إلى طريقة الاسلام في فعلها صلاة وإستقبالا وأكلا وهذا يدلل على أن تلك الدعائم الثلاث المذكورة ليست مقصودة لذاتها في دنيا العبادة والعمارة والاستخلاف وإنما هي مقصودة لذاتها شكلا وصورة من ناحية ومقصودة لمعانيها وقيمها وآثارها في حياة الناس مقصدا وحقيقة وجوهرا ولذات السبب لم يذكر الصيام والزكاة والحج وهي عبادات أساسية ركنية في الدين فالقبلة مثلا ليست تيميما للوجه إلىهنا أو هناك كما ذكر سبحانه " ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من ..." والطعام يعبر عن تميز الامة في سائر أمرها حتى القيام والقعود والنوم والاكل والشرب كما يعبر عن الشريعة بأسرها سيما أن الطعام يصحب الانسان في حياته بأكثر ما تصحبه فيها الصلاة كماأن تلك الدعائم تشمل المادة عبر الذبيحة والطعام وتشمل الروح عبر الصلاة وتشمل الجماعة عبر القبلة وعمليا لو تمسكت الامة والافراد بالصلاة والقبلة والطعام وفق ما أمرت بإنتظام وفقه في الصورة وفي الحقيقة لكان ذلك كفيلا بحفظ سائر دعائم وحدة الامة لان الصلاة والقبلة والطعام تعاود الانسان كدقات قلبه ونفسه لا تفارقه صباح مساء وليل نهار ومن حفظ الوحدة في صباحه ومسائه وليله ونهاره كفيل بأن يحفظها طول حياته ويورثها ولده فليس هو إذن عبث معبوث أن يؤكد الاسلام على الصلاة والقبلة والطعام تأكيدا تجاوز كل مراتب التأكيد وليس لمضيع الصلاة والقبلة وتميزه في طعامه وصغائر حياته حظ في وحدة الامة فتدبر هذا مليا فالمجال هنا يضيق.
الدرس الثالث : طالب الوحدة بإلغاء التنوع جاهل جهول بالغ ما بلغ إخلاصه لله سبحانه :
أزعم أنه لم يعاني الفكر الاسلامي سيما بعد إغتيال الخلافة الراشدة حتى اليوم من داء أطعن في جسمه من داء سوء فقه علاقة الوحدة بالتنوع بل أزعم أن قوة الاسلام وقوة الامة وقوة كل إنسان فردا وجماعة حتى خارج دائرة الاسلام تكمن بعد قوة الايمان في حسن إدارة معركة التوحد مع الحرية وليس هنا مجال بسط المسألة عقليا أو قل فلسفيا أو كلاميا لضيق المجال وأكتفي بالقول فيها بأن القضية قضية سنة إلهية ماضية مطردة وليست قضية إكتشاف بشري ومعلوم لدى كل عاقل أن ناطح السنة جهلا أو عمدا موهن قرنه يوما وهي سنة عبر عنها القرآن " ومن كل شئ خلقنا زوجين ". ففي التاريخ الطويل لامتنا عبر التنوع عن نفسه في حجر الوحي وهو يتنزل على سبعة أحرف مازالت تعايشنا إلى اليوم وفي حجر النبوة وأفقه الاصحاب أبوبكر وعمر يختلفان في مصير أسرى بدر وفي ذات الحجر ومن يليهما فقها يختلفان إلى حد تكوين مدارس سرعان ما تبلورت وتشيدت وهما إبن عمر وإبن عباس ويصر علي على عزمه تأسيس سياسة جديدة مختلفة عن الشيخين شرطا لتوليه الخلافة ثم تبلورت المدارس كلاميا إلى ما يناهز عشرة فرق كبرىوأصوليا إلى أكثر من ذلك بكثير وفقهيا إلى عشرة أخرى كبرى وإنعكس ذلك على تفسير القرآن والحديث ولغة بنت العرب لسانها على التعدد مبنى ومعنى وجاء القرآن على مثل ذلك ولم يكن نبوغ المسلمين في العلوم الطبيعية والكونية والتجريبية إلى حد أسس الحضارة العلمية الغربية المعاصرة سوى لعمق إيمانهم بالتعدد والتنوع والاختلاف في ما هو أشد إلتصاقا بالوحي الموقف دينا فكان ما يليه أولى وأحرى بالحرية والاجتهاد والتجديد ولولا قوة الاسلام تلك كما أشرت آنفا في صدر هذه الفقرة لعجز عن إستيعاب الحضارات والثقافات واللغات والقوميات والاعراق والاديان التي فتحها بقوة العقل وحسن القدوة ومازال الاسلام مثابة تؤمه البشرية . وإذا كان غريبا أن يفسح القلب مضغته لاخلاص كبير بينما ينغلق العقل عن فقه تعددي تنوعي في ذات الفرد أو ذات الامة فإنه آن لك أن تعلم أن الاخلاص ليس عملية قلبية معزولة عن فقه العقل وإن كان محله القلب والعكس دوما صحيح كما إن لك أن تعلم أن حالا مزدوجة مثيلة إن عمرت بصاحبها عقودا بعد عقود فإن إخلاصه مزيف مكذوب لان الحق من شأنه التوحد لا التجزء فضلا عن الاحتراب كما إن لك أن تعلم أن لصاحب العلم بل للعلماء أهواء تخفيها عن الناس علومهم لا بل تنمزج أهواؤهم بعلومهم في داخلهم إنمزاج اللبن بما غشه من ماء فلا يكاد يصفيها سوى عمل دائب تائب صادق في توبته جاد في أوبته .
الدرس الرابع : لا ينقص الامة الاسلامية اليوم سوى وحدة تشد أزرها بها فهل نتوحد يوما:
يمكن لي ولك أن تقول لو أن الله سبحانه لما سأله عليه السلام ألا يجعل بأسننا بيننا شديدا إستجاب كما إستجاب لمطلبين له أخريين في حديث صحيح وليس ذلك من التقديم بين يدي الله ورسوله ولكن نرضى بما قضى سبحانه بالسنن والاسباب ونعمل على أن نضارع السنة بالسنة فالدواء من قدر الله كما قال عليه السلام كالمرض تماما. أزعم أن الامة اليوم وهي محفوظة الوجود والحياة قطعا إقتضاء لحفظ الذكر تعاني من أزمات حادة حقيقية لا موهومة سوى أن مرجعها كلها عند التحقيق والنظر إلى التجزئة التي قطعت أوصال الوحدة وليست التجزئة تنوعا قطعا فالامة حققت سائر إنتصاراتها العقلية والارضية وهي ممتلئة بالتنوع الكلامي والمذهبي واللغوي والعرقي والحضاري والثقافي والفكري كأشد ما يكون الامتلاء والسر في ذلك أنها كانت متوحدة بالتنوع . كما أزعم أن سائر هزامنا اليوم في سائر المجالات ليست ثمرة قوة عدونا وإن كان قويا في جوانب كثيرة ولكنها ثمرة هزال فينا شديد يصل إلى حد الاقتتال والاختلاف على الثوابت الضامنة لوحدتنا . السؤال الكبير الذي لابد منه هو : كيف تحققت التجزئة وتخلت الوحدة وفي ظل أي شروط كان ذلك وكيف نستعيد منابع قوتنا وخاصة معقدها الاكبر وحدتنا وبأي شروط؟
الخلاصة : الجسم المعافى القوي مادة والامن نفسا يتحمل الامراض يوم تتسلط عليه ويقدر على مقاومتها بل ربما تزيده قوة بعد ضعف أو تجربة بعد غرة أما الجسم الممزق الضعيف مادة والخائف المنهزم نفسا فإن أول مرض كفيل بالعصف به عصفا فكيف نقوي أنفسنا بالتوحد ؟
-
رد: مــــائة مصباح من مشكاة النبــــوة
الحلقة الخامسة والثمانون
أخرج مسلم وأبوداود والترمذي عن أبي هريرة أنه عليه السلام قال " والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا ألا أدلكم على شئ إذا فعلتموه تحاببتم : أفشوا السلام بينكم ".
ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــ
موضوعه : هذه فرصة لمراجعة سبيلك إلى الجنة فإن كان أوله أمن وسلام وأوسطه تحابب وأخره إيمان فأنت على الصراط المستقيم وإن كان مقلوبا فعدل بوصلتك قبل يوم الحسرة .
أنت تعلم أنه عليه السلام لا يقسم بربه سوى عندما يقتضي الحال ذلك وبذلك يكون موضوع القسم منه عليه السلام كبيرا وخطيرا وهوهنا كذلك لانه يتعلق بالايمان أو قل بالطريق إلى الجنة ولك أن تقول أن رسالة محمد عليه السلام بأسرها هي نصب الادلة إلى الجنة إخراجا للناس بإذن ربهم سبحانه من الظلمات إلى النور وكان بوسعه ألا يقسم هنا سوى أن الموضوع الذي أقسم عليه من الاهمية بمكان جعله يوطئ له بالقسم بربه سبحانه وهو ما يدعوني ويدعوك إلى أخذ الامر بقوة " يا يحيى خذ الكتاب بقوة " " . لست هازلا حين قلت بأن على كل واحد منا مراجعة طريقة نصب السلم الذي يتسلقه يوما بعد يوم وهو يقترب من الموت ومن ثم من الجنة أو من النار فقد تكون طريقة نصب ذلك السلم خاطئة وهو خطأ لا يشبه خطأ من أتخذ له سلما مغاير تماما أو سلك طريق النار ولكن سالك درب الجنة قد يتيه بين كثير من الطرق الفرعية فلا يصل إلى هدفه غير منهوك القوى خائرالعزم وقد يغفل فيسلك طريق معاكسا فيظل يمخره فلا ينتبه سوى عند علامة حمراء واضحة جلية تبين له أن طريقه معاكس لهدفه المرسوم وبالجملة فإن سالك درب الجنة قد يقع تماما فيما يقع فيه سالك طريق سيارة طويلة تتفرع عنها طرق فرعية كثيرة الانواع خاصة عند مداخل المدن أوالاقتراب منها فإن العلامات المرورية تكثر وتترى وبدون دقة الانتباه وكثرة التركيز فإن السائر معرض للخطإ وإن سلك طريقا خاطئة فإنه يحتاج إلى وقت غير يسير للرجوع إلى سبيله الصحيح .
طريقة نصب سلم الجنة عندنا هو : الايمان فالجنة والايمان أركانه معروفة والاسلام كذلك .
الرابط الذي جاء به الحديث وأزعم أن كثيرا منا يفتقده أو لا يأبه له كثيرا لا عناية عقلية ولا سلوكا عمليا هو قوله " ولا تؤمنوا حتى تحابوا " وهذا يذكرنا بحديث سأل فيه عليه السلام صحابته يوما عما إذا كانوا مؤمنين فأطرقوا جميعا لفرط مباغتتهم بسؤال محرج للغاية من لدن المعلم الذي لم يزد طول حياته معهم على أن علمهم الايمان سوى أن إجابة من الفاروق عمر بددت الصمت وكسرت جدار الاطراق والحيرة إذ قال بلى مؤمنون فعاجله المعلم عليه السلام بالادلاء ببينات دعواه على إيمانه وإيمان أصحابه فقال دون تلعثم ولا تردد بنبرة الواثق من نفسه " نؤمن بالقضاء ونشكر في السراء ونصبر على الضراء " فما كان منه عليه السلام سوى أن تهللت أسارير وجهه الكريم كالبدر المنفلق في صفحة السماء يطرد الدجى الحالك طردا قائلا بعد أن إطمأن على رسالته من بعده بين يدي رجال في مثل فقه الفارق " مؤمنون ورب الكعبة ".
العلاقة بين كون التحابب بين المؤمنين منشئا للايمان المفضي إلى الجنة وبين كون الشكر والصبر وحسن التعامل مع القضاء هو روح الايمان وثيقة وطيدة ووجه ذلك يبرز من خلال كون التحابب المقصود هنا ليس حبا حبيسا في الافئدة سجينا في المهج لا تتحرك به ألسنة ولا تبذر حبه أيد بل هو شكر وصبر وحسن تفاعل لان الشكر والصبر في السراء والضراء أقوال وأفعال نتجه بها نحو الانسان بألسنتنا وبأيدينا وليس ذلك حال شكر المحسن الذي أسدى إلينا خدمة ولا حال الصبر على المسئ الذي إنتهك لنا حقا فحسب بل حال شكر الله سبحانه والصبر على ضرائه من خلال قضاء حاجة عبده شكرا لنعماء ولي النعمة سبحانه وعدم التجهم والعبوس في وجه أول إنسان نلقاه بعد نزول الضراء علينا مباشرة .
الطريقة الصحيحة لنصب سلم الجنة هي : سلام فتحابب فإيمان فجنة .
ليس لك أن تقول بأن الحب في الله عبادة من العبادات أوهو شعبة من شعب الايمان أو هو خير وبر ومعروف وربما واجب وفريضة سيما حيال من له علينا كامل الحقوق كالجار الرحم المسلم الفقير ... ليس لك أن تقول ذلك هنا للتفصي من كون التحابب شرطا للايمان ودرجة قبله تماما كما أن الجنة تأتي بعد الايمان وليس قبله أو أن السلام يأتي قبل التحابب وليس بعده وهذا هو منطوق الحديث الصريح المقسم عليه من لدن خير مقسم عليه السلام وبأعظم مقسم به سبحانه وليس لذلك معنى فقهيا بحيث يتعين على الانسان إفشاء السلام على الناس فيؤدي ذلك إلى حبهم ثم إلى الايمان ثم إلى الجنة ولكن له معنى مصلحي مقاصدي بحيث لا يستقيم إيمان دون حب المؤمنين ومن لايحب المؤمنين يوشك أن يبغضهم فإن أبغضهم هلك لا محالة وهو كاذب في إيمانه فالايمان ينشأ من النظر في ملكوت الله سبحانه سيما إنطلاقا من القرآن الكريم المحيل بأسره على ذلك النظر في الكون والتاريخ والفطرة و لاينشأ الايمان من مجرد إفشاء السلام أو من مجرد الحب أي حب أهل الايمان إلا قليلا وإن نشأ من ذلك فهي إرهاصات تسبق ولادته تماما كما يسبق الفجر صبحه والشفق ليله إذ لو ظل الانسان يحب أهل الايمان دون تحصيل إيمان بأركانه الخمسة أو الستة المعروفة ما عد مؤمنا فطريقة نصب السلم الصحيح هي إذن سبيل لتغذية الايمان وتجديده وأثرائه وملئه بروح حية ورسالة حيوية كفيلة بتسديده وترشيده وجعله موجها للحياة وجلب المصلحة لصاحبه وللناس والابتعاد به عن مطبات الغرق أو الهزال فضلا عن الموت وفضلا عن ذلك فإن الايمان الناشئ عن النظر أنطلاقا من القرآن يحقق لصاحبه المحب للمؤمنين شعبا وسبلا لفعل الخير للناس بما لا يحصى وكلها طرق تقوي الايمان من ناحية وتجلب لصاحبها حسنات لا حصر لها وتغذي إتحاد الناس وإجتماعهم على البر والاحسان والمعروف وتيسر سبل التعلم للناس ونشر الدعوة بينهم وسائر ألوان التعاون على الخير وذلك هو معنى نصب سلم الجنة على وجهه الصحيح عبر السلام فالتحابب فالايمان بخلاف لو آمن رجل إيمانا صحيحا من الناحية الفقهية فكيف له أن يقيم صلاة الجمعة دون حب المصلين وكيف له أن يصوم دون حب الصائمين وكيف له أن يزكي للمحتاجين وهو لا يحبهم وكيف له أن يطوف معهم في زحمة شديدة فالمؤمن الذي لا يقوي إيمانه بحب الناس وبما ينجر عن حبهم عبادة ومعاملة سرعان ما يتهاوى إيمانه ثم يموت .
درجة سلم الجنة الاولى هي : الامن والسلام .
إفشاء السلام بين الناس ليس مقصورا على اللسان ثم يستريح الانسان ولا يبالي بعد ذلك أن يفشي عمليا بينهم الاحتراب والبغضاء والكراهية والعداوة سواء بالمن والقت والنم والاذى أو بالكذب والتجسس والخيانة والغدر وال وإنتهاك الاعراض والاموال وليس معنى ذلك العزوف عن إفشاء السلام حتى يتأهل الانسان كليا لطهارة ملائكية لن ينالها مادام إنسانا فإن ذلك تلبيس إبليسي ولكن معناه إفتعال المناسبات فضلا عن حسن إهتبالها لترويض السلوك واللسان على إفشاء السلام وخاصة حال الخصام والقطيعة وعلم النفس يؤكد أن ما نكثر ونداوم على النطق به بألسنتنا كفيل بالانطباع فينا يوما بعد يوم ولذلك سمى نفسه السلام وفرض علينا إفشاء السلام عشر مرات على الاقل في اليوم والليلة من خلال الصلاة المكتوبة دون المنفولة ولذلك فرض علينا السلام حتى لو دخل الواحد منا بيته أو أينما حل منفردا دون صاحب ولا موفود عليه فضلا عما إذا إلتقى الواحد منا آدميا آخر سوى المحارب طبعا ومن شأن ذلك كله غرس ثقافة السلام والامن بيننا وهو كفيل لو فقهنا المقصد وعملنا له وإلتزمنا بوسيلته بتجفف منابع التظالم والاحتراب والتآذي . لك أن تحفظ ذلك حسن فقه وحسن عمل متدبرا أن أسوأ ما تشكو منه البشرية اليوم هو فقدان السلام والامن وهيمنة الخوف وتربص الجار بجاره والرحم برحمه والشريك بشريكه والحاسد بمحسوده والقوي بالضعيف أفرادا ودولا فماذا لو علم المسلمون أن دينهم هو دين السلام والامن والتآخي والتعاون والتكافل شكلا ومضمونا طيلة النهار وطيلة الليل وفي كل الاماكن والمناسبات وأين محل السلام لغة وشرعا في واقعنا المترع إحترابا ؟
درجة سلم الجنة الثانية هي : التحابب .
التحابب وليس الحب والحب من شأنه أن يكون محل تفاعل وإلا كنا كمجنون ليلى " جننا بليلى وهي جنت بغيرنا وأخرى بنا مجنونة لا نريدها " لذلك قال الحديث " تحاببتم " أي تبادلتم الحب وهويرشد إلى أن سبيل التحابب هو إفشاء السلام وعضد ذلك بقوله " تهادوا تحابوا " وهذامجرب فلو أفشيت السلام على من تلقى ممن عرفت وممن لم تعرف سيما بوجه طلق وصافحت وعانقت ودعوت بالقبول وسألت عن الحال وودعت بألفاظ الحب ثم إهتبلت كل فرصة من فرص الفرح والترح فهنأت وعزيت وخاصة عبر الزيارة والهدية وتجنب التكلف والاحراج وكففت أذاك نما وقتا وبهتانا وقالة سوء بحق ولا بغير حق ثم دافعت عن عرض مسفوح صاحبه غائب وقمعت هواك فبدأت قاطعك بالسلام والتحية ورددت التحية بأحسن منها وألجمت شهوتك عن النيل من عرض ومال ونفس نيلا ماديا ومعنويا أو طلبت الغفران ممن ظلمت لو وقعت في ذلك ثم تجاوزت عن المسئ وأحسنت الشكر لصاحب الخدمة وذكرت من تعرف بالاسم أو جملة في خلواتك في دعائك وإبتهالك سيما حال الضر ولم تبخل عنهم بما تستطيع من قضاء الحاجة ماليا وماديا وخدمة ونصيحة وتعليما بلطف ونباهة وفطنة ووصلت من يحبون بمثل ذلك وأشعت عنهم قالة الاحسان ولو كذبا خفيفا سيما عند من تخشى عليهم وغر صدر إلا أن يحل محل ذلك حسد بغيض فالتوسط دوما مظنة حق وصواب وتوفيق وسداد ... لو داومت قدر الاستطاعة على فعل ذلك حاملا نفسك دوما على حسن الظن وتكذيب الشيطان وتسفيه دعاويه حتى لو كانت صحيحة والبحث للناس عن معاذير مهما تكن سخيفة وحاسبت نفسك حيالهم حسابا عسيرا شديدا سالكا سبيل المصارحة والتعاتب والتغافر المباشر بدل السعي بالقيل والقال نما وقتا وإثما وبهتانا وتطهير قلبك من الحسد وقتل كرهك لفلان أو فلانة في نفسك دون تصريح لاحد كأنك تخفي سرا لو كشفه الناس قتلوك صلبا شر قتلة ... لو حاسبت نفسك دوما على ذلك الظن وذلك السلوك لزرعت التحابب بينك وبين الناس مع مرور الايام وهو أفضل مشروع إسلامي نحن جميعا عنه غافلون كفيل ببناء جبال من الحسنات وحط أخرىمن السيئات فهلا بادرت ؟
درجة سلم الجنة الثالثة هي : الايمان .
ربما توضح لديك أن هذه الدرجة ينشؤها التحابب الناشئ عن إفشاء السلام وإشاعة الامن إنشاء تقوية وتغذية وتجديد وتضمين برسالة إنسانية ملؤها حب الناس جميعا بقصد جلب الخير إليهم في دنياهم ومعادهم وليس إنشاء أصليا من عدم فإن ذلك مظنه النظر في الكون من القرآن سيما أن الاسلام ثاني درجة بعد الايمان كله مبني على التحابب الذي يثمر الايمان فالصلاة المفروضة جماعة كالجمعة والعيد والجنازة وغير ذلك لا تستقيم دون حد أدنى من تحابب في الكم والكيف وكذلك الصيام بما فيه من وحدة شعيرة وزكاة فطر والزكاة أمر التحابب فيها أظهر والحج كذلك وفرائض الدعوة والامر بالمعروف والنهي عن المنكر وفعل الخير أيضا وتلك العبادات الاسلامية تفضي إلى درجة الاحسان في الايمان فيغدو المسلم المحسن مؤمنا بحبه لغيره.
الخلاصة : ثمن الجنة : أمن وسلام بين الناس ثم تحابب مشترك يغمر القلوب والالسنة والايدي ثم إيمان قوي متجدد مع مطلع كل شمس يعمر الحياة بالخير ذلك هو السلم الصحيح فألزمه .
-
رد: مــــائة مصباح من مشكاة النبــــوة
الحلقة السادسة والثمانون
أخرج مسلم عن أبي هريرة أنه عليه السلام قال " إحرص على ما ينفعك وإستعن بالله ولا تعجز ولا تقل لو أني فعلت كذا لكان كذا ولكن قل قدر الله وما شاء فعل فإن لو تفتح عمل الشيطان ".
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــ
من شواهده " لكي لا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم " و" إياك نعبد وإياك نستعين " و" إن الله يحب المتوكلين " و" ما تشاؤون إلا أن يشاء الله " وغير ذلك كثير ...
موضوعه : الانسان قدر إلهي حر ماض فاعل مطرد ومسؤول عن إرادته والشيطان عدوه .
في الحديث أمران ونهيان : إحرص وإستعن ـ لا تعجز ولا تقل . ومواضيعه الجزئية كما ترىمعي كثيرة في الحقيقة أولها حرص الانسان على جلب منفعته وهي بالضرورة تعني حرصه على درإ ما يفسده وربما يستغرب بعض الناس أن يحث عليه السلام الناس على الحرص على ما ينفعهم سيما أنه قال في حديث آخر " ما ذئبان جائعان أرسلا في زريبة غنم بأفسد لها من حرص المرء على الشرف والمال " وخير سبيل لدفع ما يراه بعض الناس تناقضا ظاهريا بين كثير من نصوص الوحي بعضها مع بعض هو الائتلاف بين الوجه اللغوي للكلمة وكلمة حرص هنا معنية بذلك وبين الوجه السياقي الاستعمالي لذات الكلمة فالحرص مثلا يمكن أن يفيد سياقه في معناه بأنه عمل سلبي كما يمكن أن يفيد العكس تماما فضلا على أن بعض الكلمات العربية حتى منزوعة عن سياقاتها تفيد المعنى ونقيضه فيكون تحديد المعنى إذا مرتهنا بالاستعمال السياقي كما يستغرب بعض الناس أيضا إستخدامه عليه السلام للمنفعة وأمره بالحرص عليها وذلك من منطلق فهم مبتسر مؤداه أن الاسلام والمنفعة ضدان لايلتقيان فالاسلام من شأنه ترتيب التكاليف الباهضة الشاقة على عاتق الانسان أما المنفعة فلا يطلبها سوى صاحب هوى وشهوة تفصيا من تكاليف الدين وهو مفهوم لا يبتعد كثيرا عن الفهم الكنسي وهذا يتطلب من الدعاة والمصلحين تصحيحا لكثير من الفهوم المتلبسة بالمسيحية من ناحية وتبيانا للناس بأن المقصد الاسنى للاسلام ليس هو سوى جلب المنفعة المادية والمعنوية للانسان في معاشه وفي معاده وما من تشريع في كل مستوى ومجال غيبيا كان أم شهودا معللا كان أم غير مفهوم المعنى إلا وهو يزف للانسان منفعة ومصلحة إن في نفسه أو في عقله أو في بدنه أو في روحه أو في عاطفته أو في ذوقه أو في أسرته أو في عرضه أو في ماله أو في دنياه أو في آخرته فإن خلا تشريع من ذلك فهو مكذوب عن الله وعن رسوله عليه السلام . وثاني تلك المواضيع الجزئية التي حواها الحديث هي الاستعانة به سبحانه وهو مخ سورة الفاتحة التي هي بدورها مخ الصلاة التي هي مخ الاسلام الذي هو مخ الحياة التي هي مخ الوجود وإفراده بالعبادة وبالاستعانة هو جوهر رسالة الانسان العابد المملوك المخلوق فالعبادة تخص الجانب الروحي أما الاستعانة فتخص الجانب العملي العام من حياة الانسان والانسان بحكم ضعفه وعجزه وقصور حواسه وغلبة هواه وسائر مايحيط به من ملابسات نفسية ومادية معروفة بحاجة دوما فطرة مفطورة إلى ركن قوي يستعين به وما من إنسان في هذه الدنيا غابرا وحاضرا إلا وهو يستعين غيبيا فضلا عن الشهود بشئ ما وكل مستعين بغير الله سبحانه كمثل " العنكبوت إتخذت بينا وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت " والموضوع الجزئي الثالث هو النهي عن العجز والانسان مفطور على العجز والقوة في آن واحد فالمسألة مرتهنة بقوته النفسية وبإرادته وبنظرته للوجود وليس كالايمان الصحيح السليم يزود الانسان بقوة روحية ونفسية وعملية لا تضاهى " قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد لك طرفك فلما رآه مستقرا عنده قال ..." . والموضوع الجزئي الاخر هو الايمان بالقضاء والقدر وهو الموضوع الذي يعزى إلى عدم فقهه على أحسن وجه من لدن مسلمي عصور الانحطاط سبب التأخر والانحطاط ومازال المسلمون اليوم في أكثرهم بحاجة إلى حسن فقه عقيدة القضاء والقدر على النحو الذي ضبطه القرآن وعملت به السنة والخلافة الراشدة لا على ما إستقر في فهوم الناس قديما وحديثا أما الموضوع الجزئي الاخير من الحديث فهو عداوة الشيطان للانسان عداوة حقيقية بالغة تستهدف نخر الاساس النفسي للبناء الانساني نخرا لا يصلح بعده الانسان سوى للموت " إن الشيطان لكم عدو فأتخذوه عدوا ...".
الدرس الاول : الحرص على المنفعة والاستعانة ونبذ العجز بالتوكل عمل قدري خالص .
لو أجملنا سائر الدروس الجزئية الكثيرة التي تعرضنا لها في الفقرة التمهيدية السالفة في عنوان واحد كبير لما وجدنا مناسبا لذلك سوى القول بأنه عليه السلام أراد في الحديث التنبيه إلى أن الافعال الايجابية من لدن الانسان من حرص على المنفعة والاستعانة ونبذ العجز بالتوكل ليست منافية للايمان بالقضاء والقدر بل هي من صميم القضاء والقدر . طبعا يقول بعض الناس أن القضاء ما هو مثبت في اللوح والقدر ما نزل حقيقة فوق الارض بالفعل وهذا صحيح ولكن بما أن الانسان لا يعلم عن القضاء شيئا سوى ما هو معروف من سنن وأسباب وأقدار كونية ظاهرة فإن التعبير بمصطلح القضاء والقدر جملة أنسب والله أعلم . والعمدة في ذلك هو سنة الابتلاء التي فرضها سبحانه على كل مخلوق طرا سوى أن بعض المخلوقات مبتلاة كرها لعدم حرية إرادتها بينما كرم الانسان بالعقل وبحرية الارادة فكان إبتلاؤه تكريما وتحريرا وإختيارا وهو ليس إختيار مطلق بل فيه جانب لا يملك الانسان دفعه رغم أنه مطالب بدفعه لو إستطاع ولو بحسن الاستقبال الراضي المرضي وتحويل النقمة إلى نعمة .
الدرس الثاني : خير حقل يعلمك عقيدة القضاء والقدر : القرآن والحياة تاريخا وحاضرا .
ضربت هذه العقيدة مبكرا في صدر تاريخنا الطويل بخلاف العقائد الاخرى فرغم الاختلاف من لدن المدارس الكلامية في طريقة تنزيهه سبحانه ورغم إختلافهم بمثل ذلك في مسائل عقدية أخرى جزئية فرعية فإن المنهج العقدي العام كسبا وتصريفا ظل إسلاميا سوى أن عقيدة القضاء والقدر تباين فيها الاختلاف كثيرا وسرعان ما سيطرت العقيدة الجبرية عمليا على قطاعات كبيرة من الامة لمدة قرون طويلة وهو ما يفسر بالنصيب الاوفر تأخر المسلمين وإنحطاطهم ومازال المسلمون إلى اليوم رغم بزوغ فجر صحوة كبيرة يعانون من خلط قاتل بين ماهو قدر لا يحسن سوى الايمان به لانه ليس في مقدور الانسان مقاومته وبين ماهو قدر لا يحسن سوى مقاومته بقدر مثله فمن أمثلة الضرب الاول إنبناء الوجود الانساني على ناموس التنوع الديني والمذهبي واللغوي والعرقي فليس مطلوبا مقاومة ذلك بل توظيفه لخدمة قضايا الحق والخير ومن أمثلته كذلك مصيبة الموت ومعرفة المستقبل ويوم القيامة فليس من مصلحة الانسان معرفة ذلك فضلا عن كون عقله لا يقدر على إستيعابه ومن أمثلة الضرب الثاني وجود المرض والجهل والعجز والظلم والفقر فالمطلوب مقاومة سائر ذلك بأقدار العافية والعلم والقدرة والعدل والسعة ويحسب بعض الناس أن القرآن الذي لم يطالبنا بالايمان بالقضاء والقدر بذات الصيغة اللغوية المباشرة بمثل ما ورد في العقائد الاخرى لم يعالج المسألة وهو لمن قرأه متدبرا كله كتاب قضاء وقدر بإمتياز شديد تجد ذلك في كل قصة وكل مثل وكل معالجة للانسان وهو كتاب الانسان وذلك لان التربية القرآنية لفرط حكمتها لا تعمد إلى الامر المباشر الجاف بالايمان بما من شأنه التقلب في النفوس تقلب الماء المغلي في القدر بل تعرض للانسان من القصص والامثال وبسائر ما تعالجه به ما من شأنه بعد التدبر والفهم والفقه زرع الايمان الحق بالقضاء والقدر ليس على أساس أنه سحق ألهي قدري طاحن لارادة الانسان بل على أساس أنه إبتلاء ورحمة وتعديل لمسيره بين قضاء كوني ماض لا يتخلف برضى إنسان أو غضبه وبين قضاء إنساني إجتماعي يتنزل ضمن حرية الارادة الانسانية فإن شاء صرفه بقدر أحب إليه منه فعل بإذنه سبحانه وإن شاء غير ذلك فهو مسؤول دوما عن حريته . والقرآن حين يعرض تلك التربية القدرية يحضنها ضمن التاريخ وفي الان نفسه يرشد الانسان إلى النظر في التاريخ الحاضر بين يديه فمن عقل القرآن بعقله ونظر في التاريخ الغابر والحاضر بعقله آمن بالقضاء والقدر عقيدة تحريرية تكريمية للانسان ومن أعرض عن ذلك أو فهم الرسالة الاسلامية مقلوبة فسخط فله السخط جزاء وفاقا .
الدرس الثالث : الشيطان قدر من النوع الاول والانسان هو القدر المضاد فالقدران يعتلجان:
الشيطان هو مثال على الضرب الاول من القدر الذي لا يحسن سوى الايمان به ولا سبيل لدفع أصله ووجوده وتأثيره بالكلية لان ذلك مبطل لقدر آخر وهو قدر الابتلاء ولوشئت مثلت لك الاقدار في السماء تعتلج وتتفاعل في فلك واسع عريض ضمن علاقات معلومة بمثابة جسم حي تعتلج فيه أسباب الحياة مع أسباب الموت أو جسم نفسي حي كذلك فلا سبيل لحياة الجسمين سوى بحياة السببين معا يعتلجان فالظاهر شر وموت وفناء والباطن حياة وخير . وخير مثال على ذلك أنه سبحانه خلق الملك محض خير والشيطان محض شر ولا سبيل لتنزل قدر الابتلاء ولا معنى للدنيا والحياة والانسان والوجود والاخرة سوى بخلق الانسان جامعا بطرف من هذا وطرف من ذاك فكان ذاك وسبحان الحكيم الذي جعل الشيطان قدر شر مطلق يكبح شره بالانسان فهو قدر مضاد له تماما كالدواء والمرض والجهل والعلم والظلم والعدل والقدران يعتلجان في نفس الانسان وفي هذا الحديث يصور عليه السلام كيف أن الشيطان رمز يأس وتثبيط يوسوس للانسان بأن مافاته من خير لن يدركه في يومه ولا في غده ولا يعلم الانسان المحبوس بحواسه وعقله في دائرة صغيرة من الزمان والمكان وسائر أنواع المدى هل ما فاته كان خيرا أم شرا سوى وسوسة شيطان فإن فاته في ذلك جاءه بين يدي يومه سخطا على حاضره وتطيرا من مستقبله ولايعلم الانسان علىوجه اليقين البديل الذي كان سيكون لو لم يكن حاضره على هذا النحو إلا أماني وما أصدق الاثر القائل " لوإطلعتم الغيب لرضيتم بالواقع " .
الدرس الرابع : المقصد الاسنى من عقيدة القضاء والقدر : غسل نهم الناس بندى الرضى.
دعا الباحث المقاصدي الكبير الدكتور أحمد الريسوني منذ سنوات إلى الاهتمام بمقاصد العقيدة إلى جانب ما توفر لمقاصد الشريعة من إهتمام ومازالت الدعوة يتيمة تنتظر كفيلا ولن يؤمن مؤمن بالله سبحانه على النحو الذي يرضيه حتى يتعبأ بمقاصد الايمان أو العقيدة ولعل أولى ما على المؤمن فقهه حق الفقه هو حسن فهم مقاصد عقيدة القضاء والقدر ذلك أنها مازالت تفعل في الناس فعلا عكسيا تماما لما هو مراد منا وأنى لسالك درب في إتجاهه المعاكس أن يصل إلى مبتغاه والمجال هنا ضيق جدا ولكن حسبي أن أشير إلى أن الرضى النفسي بماهو طمأنينة وسكينة وحب ووقار وثبات ويقين وثقة هو المقصد الاسنى من تلك العقيدة وذلك هو بعض معاني قوله " رضي الله عنهم ورضوا عنه " فرضوان الناس عن ربهم هو بما سكب في نفوسهم رغم النكبات والهزائم والاضرار في الانفس والاموال والثمرات من رضى وأنت تعلم أن كل الناس اليوم يشكون من الكآبة واليأس حتى ناهز عدد المصحات النفسية عدد المصحات البدنية والسبب في ذلك كله هو النهم الذي يجعل الناس كالذباب المتهافت على الجيف القذرة وقد ورد في الحديث القدسي " إن من عبادي من لايصلحه إلا الفقر فأفقره وإن منهم من لا يصلحه إلا الغنى فأغنيه.."
الخلاصة : على العلماء الدعاة أن يقولوا لو إستقبلنا من أمرنا ما إستدبرنا لكتبنا في مقاصد العقيدة عامة والقضاء والقدر خاصة قبل التوسع في مقاصد الشريعة تثبيتا للناس على دينهم وتحريكا لايمانهم لعله يثمر خيرا في حياتهم في زمن يصبح فيه الرجل مؤمنا ويمسي كافرا حقا كما قال الحديث وهجم فيه العدو على العقائد الاساسية الاولى التي لم يضن عليها الانحطاط السالف بزلازل مخيفة وهو جهد كفيل بزرع التوكل والقوة وتغيير الانسان وفق قاعدة " إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم " .
-
رد: مــــائة مصباح من مشكاة النبــــوة
الحلقة السابعة والثمانون
أخرج البزار عن أنس أنه عليه السلام قال " ثلاث كفارات : إسباغ الوضوء في السبرات وإنتظار الصلاة بعد الصلاة ونقل الاقدام إلى الجماعات وثلاث درجات : إفشاء السلام وإطعام الطعام والصلاة بالليل والناس نيام وثلاث منجيات : العدل في الرضى والغضب والقصد في الفقر والغنى وخشية الله في السر والعلانية وثلاث مهلكات : شح مطاع وهوى متبع وإعجاب المرء بنفسه .
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــ
موضوعه : النظام العبادي الاسلامي نظام متكامل متناسق
العبادة في الاسلام هي أساس الشريعة وسائر التصرفات في كل المجالات ودع عنك لغوا مقرفا يأتيه عبيد الاهواء والشهوات بإسم أن ذلك من الامور الشخصية الخاصة وليس معنى ذلك إكراه الناس على الاعتقاد أو العبادة ولكن معناه أن البناء الاجتماعي الفردي والجماعي للناس لا يقوم سوى على أسس متينة ككل بناء وفاقد الشئ لا يعطيه كما قالت العرب فمن لا يسوس نفسه بنظام أخلاقي صارم فيه معرفة لولي نعمته ومعرفة لنفسه وديعة الخلاق عنده إلى حين فاقد لابجديات سياسة الناس إلا أن تكون الانظمة الحياتية مقلوبة رأسا على عقب وليس من شأن العبد الذي أذل بالرق عقودا تقبل حياة الحرية فجأة دون مقدمات سيما أن مقصد العبادة الاسنى في الاسلام هو ترويض العابد على الاخلاص تلك الثمرة التي لا تجنى سوى بعد مجاهدات عسيرة وسنوات طويلة كلما كان الشيطان ذئب الانسان باسطا ذراعية بالوصيد ومن داخل الانسان نفس تسرق السمع والبصر وتتربص غفلة من العقل حتى تعقد تحالفات مع الرابض بالوصيد فضلا عن كون العبادة بعد تطهير النفس من أمراض الرياء والعجب والشح والهوى بقدر مقدور وليس بالكلية تكسب العابد بعد مجاهدات وسنوات قوة نفسية يحتاجها السالك طريق الجنة لصرع الحواجز المعثرة المنتصبة على طول الطريق إبتلاء بالخير والشر . على أن هذا الحديث العظيم يقدم لك النظام العبادي الاسلامي بمثابة جسم حي أو آلة ضخمة متناسقة متكاملة في أدوراها فمنها ما يستقبل المادة التي عليها طحنها أو معالجتها ومنها ما يتولى تصفية تلك المادة ومنها ما يتولى نفي خبائثها بعد معالجتها وتصفيتها ومنها ما يقوم بدور الرقابة الذاتية الداخلية ومنها ما يحفظها بالانذار المبكر من سوء الحوادث ومنها ما يعدل نظام عملها برودة وسخونة وسرعة وبالخلاصة فإن ذلك النظام العبادي الاسلامي يتراءى لي كأنه نظام آلي متطور بمثل ما نشهد اليوم في السيارات الفخمة المتطورة المزودة بنظم وقاية وصيانة وإنذار مبكر وسائر ما يحفظ لها حياتها سوى أن ذلك يتطلب منا فقها لسائر تلك الانظمة التي نجدها مبعثرة ومبثوثة في نصوص الوحي بحكم نظرتنا الجزئية التي تعيق النظرة الشاملة الكاملة المتكاملة فينا فتحرمنا الفقه وحسن الفهم وذلك بظننا أن الدين مجموعات من المواعظ متفرقة مبعثرة لا حركة وصل بينها فضلا عن حركة تأثير وهو ما يتأخر بتديننا إلى أدنى مستوياته كشجرة لا يتعهدها صاحبها بالزبر والتنقية وفق أشد النظم الوقائية معاصرة وتطورا فإن الثمرة لن تكون في مستوى المنافسة الدولية .
قراءة إجمالية في النظام العام للحديث :
أنت مفطور على الخطإ ولا ريب والنظام العبادي الاسلامي يجعل لك تحلة تتجاوز به خطئك وتصلح به أمرك وهو هنا الكفارات أو المكفرات والكفر لغة هو الستر والحجب فإذا أصلحت خطأك فإنك بحاجة إلى التقدم حتى لا تراوح مكانك فيطمع فيك التأخر مجددا ولا بد لك من بذل بعض الدرجات حتى تتقدم فكانت ثلاثة فإذا تقدمت على طريقك درجة بعد درجة فإن عدوك لن يذرك حرا طليقا بل يظل يعاكسك ويشاكسك لحظة بلحظة وعندها لابد لك من الثبات بمنجيات تعتصم بها عند كل لحظة يمكن لها أن تهوي بك في قعر الاخطاء الكبيرة الجسيمة تماما كمن يسبح في بحر لجي وسرعان ما يرتطم بموجة عاتية فعليه إما الهرع نحو الشاطئ وإما التشبث بوتد أو ما إلى ذلك فإذا ما نجحت هذه المرة وواصلت التقدم على طريقك فإن العدو الذي فشل في المرة الفارطة في إغراقك بسبب أمر ظاهر مادي سيحول إستراتيجية هجومه فيتوغل في باطنك عامدا إلى المهلكات وهي أشد خطرا لانها تختفي في باطن النفس. وتلك القراءة تفسر لك كيف أن النظام العبادي يخضع لرؤية واضحة المعالم تماما كجسم حي أو شجرة أو آلة متطورة.
ثلاث كفارات : إسباغ الوضوء يعني إنشاءه بعد نقض كما يعني تجديده دون نقض ومن رحمة الله بنا أنه يجازي على فعل الواجبات والفرائض تماما كما يعاقب على فعل المحرمات والسبرات هي شدة البرد ولايعني ذلك تعمد الوضوء بالماء البارد مع وجود الماء الدافئ فضلا عن إهلاك النفس ــ إنتظار الصلاة بعد الصلاة يعني كذلك أمرين وفق حالة الانسان فليست الصورة الوحيدة لذلك هي اللبث في المسجد ( لغة أو إصطلاحا ) صلاة بعد صلاة رغم أن ذلك لمن تيسر حاله دون طغيان جانب على آخر مفيد سوى أنه بإمكان المصلي إنتظار الصلاة الموالية وهو منهمك في عمله وذلك بذكرها شأنه شأن من يرقب وعدا خصبا أو وعيدا حان أجله ومن أكبر مقاصد الصلاة تدريب الانسان على تنظيم الوقت وترتيب الحياة وهو الامر الذي قامت عليه الحضارة الغربية فتقدمت ــ نقل الاقدام إلى الجماعات لا يعني كذلك حضور صلاة الجماعة فحسب دون حضور سائر الاجتماعات الاخرى وخاصة أفراح الناس وأتراحهم سيما الرحم والجار والصديق والفقير سيما أن في أريافنا وبوادينا كثيرا ما تنتقل صلاة الجماعة في الحي أو القرية بأسرها إلى محل الفرح أو الترح فليس من مقصد صلاة الجماعة الحث على لقاء الناس في صلاتهم والانقطاع دونهم في ما سواها بل من مقاصدها الكبرى تدريب الانسان على الحياة مع الناس فكل جماعة ينبغي نقل الاقدام إليها . تلك هي أعمال ثلاث جعلها الباري سبحانه مكفرات للذنب .
ثلاث درجات : إفشاء السلام يعني تعميمه فكلمة الافشاء كما تدل عليه شاؤها المتفشية تعني البذل دون حدود مصداقا لقوله " على من عرفت ومن لم تعرف " والسلام يعني إنشاء بالمبادرة كما يعني رد التحية بمثلها إن لم يكن بأحسن منها وقال العلماء أن رد السلام واجب بينما إنشاؤه مستحب والسلام هو روح اللقاء لا يضيره بأي لغة ظهر وبأي إيماءة كان فلا يذهبن الظن بأحدنا أن تحية غير المسلم غير المحارب لا تكون أو لا تكون بغير اللغة العربية أو أن المضطر إلى التحية بإيماءة من رأسه أو عينه لم يؤد السلام حقه إذ مقصد السلام الاول هو زرع الامن والسلام والثقة والمحبة بين الناس كلهم واللسان هو سفير كل واحد منا معتمدا عند الناس كما لا يضير السلام والقلب ليس على أتم الرضا فضلا عن حصول كره بل ذلك أولى وأجدر لان فيه قمع للهوى وإيثار لحسن العلاقة وبناء جسور الود والسلام المكتوب هو سلام ينطبق عليه سائر ما ينطبق على السلام المباشر ويذهب التزمت والكذب على الله ورسوله بنا أحيانا إلى عدم مبادرة الرجال بالسلام على النساء باللسان أو إحجام النساء عن ذلك باللسان فإذا كان ربما يقبل من المرأة بحكم أعراف الحياء المبالغ فيه رغم قوامة المرأة بالحياء رداء زينة فإنه لا يقبل من الرجال ذلك بإسم البعد عن الشبهات إذ البعد عنها لا يكتمل سوى عند الميت فهي ضرورة للابتلاء ولولاها لما دخل داخل الجنة ولا النار وليس من التقوى في شئ عدم تعرف الصديق والجار والرحم على وجه زوجة أخيه وصديقه وجاره وسائر من يتردد عليه لما في ذلك من تفويت لمصالح كبيرة جدا لي فيها ما لا يحصى من القصص الحقيقية ولا تختص تلك بمجتمع تحكمه القبضة الامنية دون غيره فالحاجة والمصلحة لذلك لو فقهنا الحياة وتقلباتها كبيرة حتى في مجتمع يسود فيه العدل والاخاء والحب والتحرر وتطبق فيه شريعة الله كاملة . ــ إطعام الطعام والعرب تطلق الطعام وكذلك فعل القرآن بحكم عربيته على سائر ما تتقوم به حياة الانسان فهو يشمل المأكل والمشرب والملبس والمأوى وهو ضرب من ضروب المجاز إذ لو قدمت مأكلا لرجل يوشك البرد أن يقتله خالفت سنن العقل والشرع وكنت أخطل التدبير شبه قاتل حتى لو شفعت لك طويتك فإن الاجر يكون زهيدا لا يكاد يسمن ولا يغني من جوع والطعام المقصود بمعانية تلك لمن هو إليه محتاج على سبيل الاولوية والضرورة وما دون ذلك من ضيافة وإكرام وتوسعة فيأتي في الدرجة الثانية وهو أيضا كبير الاجر عظيم الفائدة .ــ الصلاة بالليل والناس نيام حده الادنى البردين أي العشاء والفجر سيما في جماعة وخاصة بالمسجد ولا وجود لحده الاقصى بحسب حال الناس وفراغهم وكلمة الناس نيام معناها أن العادة في ذلك الوقت أن يكون الناس نياما سيما قبيل الفجر لمن إستطاع ركعتين جميلتين يدعو فيهما بهدوء بعيدا عن الضوضاء والجلبة وأضواء النهار فهو وقت الاخبات حقا ولن يزال الانسان يجد بردهما وحلاوة المناجاة فيهما ما عاش بخلاف سائر الركعات سيما أن الانسان بحاجة إلى ترتيب سويعات خلوة في حياته تماما كما يختلي كل شئ بنفسه في هذه الدنيا يرتب بيته الداخلي في مأمن من تهجم صبح مشرق أو ضوضاء سوق . وفي ذلك قال سبحانه " إن ناشئة الليل هي أشد وطأ وأقوم قيلا " .
ثلاث منجيات : العدل في الرضى والغضب معناه إلتزام الحق قولا وعملا في الحالين إذ يحمل الرضى بعض الناس على مجاوزة العدل إلى الطغيان في المديح مثلا حتى قال الشاعر لاحد الامراء " ما شئت لا ما شاءت الاقدار فأحكم فأنت الواحد القهار " وقد يسدي لك أحد خدمة كنت تظن أن السماء أقرب إليك منها فتكيل له المديح أو يحتل في قلبك مكانة الاله ولي النعمة أو حتى دون ذلك كمكانة الوالدين وهذا يعكس نفسا غير سوية أو مهزوزة وقد يحمل بعض الناس الرضى على علي كرم الله وجهه مثلا أو على الحسين إلى حد المساواة في حبه مع محمد عليه السلام قد يستبد بك الغضب في المقابل عن رجل أو أمر فيطيش معه لبك فمن أحسن إليك مثلا مرة وأساء إليك بعدها فليس من الحكمة سوى كظم الغيط حياله وكثيرا ما تتحول الخصومات الفكرية والسياسية بين الناس اليوم إلى عداوات شخصية ثم تتطور إلى إدانة كل ما يمت إلى ذلك بسبب فبعض الشباب مثلا لا يتلعثم لهم لسان ولا تحمر لهم وجنتان وهم يرمون كل فرق الشيعة صراحا بواحا جهارا نهارا بالكفر ولا يستقيم ذلك حتى مع فرقة واحدة منهم فضلا عن كلهم والسبب في ذلك هو أن الغضب بهم عن رجل ما منهم أو عن مؤلف ما من مؤلفاتهم أو موقف من مواقفهم طغى عليهم حتى طمس العقل فيهم ولو فعل الشيعة ذلك مع السنة ثم فعل ذلك بسائر الفرق والمدارس الكلامية والاصولية والفقهية والادبية والفنية لاستحالت الامة بأسرها ساحة وغى فصاحب المزية يجب أن يجازى ولكن على قدر مزيته لا أكثر ولا أقل وكذلك صاحب السيئة وهو ذات المنهج القرآني في الجزاء عطاء وعقوبة ولا يحسب الناس أن العدل في الغضب أعسر منه في الرضا والسبب في ذلك أن مساحات الرضا ومساحات جزائه فينا ضئيل ففي البوادي والارياف مثلا يتنافس الناس في أكرام الضيف ومساعدة العريس في وليمة عرسه تنافسا يعكس طغيانهم في الرضا وليس ذلك كرما في أغلب الاحيان ولكنه جور في الرضى سوى أن الجور في الغضب يسري خبره بين الناس فيتعاظمونه أما من حيث الشر فالجور فيهما واحد وزرا في الدنيا والاخرة .ــ القصد في الفقر والغنى والقصد معناه هو ما عبر عنه القرآن في الفرقان وهو يصف عباد الرحمان " إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما " أو ماعبر عنه في الاسراء " فلا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط " والقصد هو التوسط ومن بداهة وذكاء كثير من أسلافنا أن بعضهم ألف كتابا سماه " الاقتصاد في الاعتقاد " أي ملازمة الوسطية فيه . وهو شبيه جدا بالمنجية السابقة إذ أن بعض الناس يفقرهم التبذير والاسراف ولو قصدوا توسطا حال فقرهم وغناهم ما إفتقروا حتى أنه عليه السلام عاتب أبابكر لما أتى بكامل ماله لتجهيز غزوة بينما رضي عن عمر الذي أتى بنصفه وقضية القصد اليوم ربما معروفة لدينا بحكم أن لغة الدنيا بأسرها لغة إقتصادية إذ الاسراف كفيل بطحن موائد ذهبية وبترولية لا شطآن لها وليست أزمة المياة الراهنة اليوم بظلالها على العالم سوى من ذلك القبيل تماما كما أن الشح والتقتير في المستوى الدولي مثلا نذير بتحويل الموازين المنخرمة إلى حركة إحتجاج لا تبقي ولا تذر وذلك فضلا عن الاثار النفسية المدمرة التي تنغرس في الانسان كالاثرة والحقد والطغيان والقرآن ربط بين الاستغناء وبين الطغيان " إن الانسان ليطغى أن رآه إستغنى ".ــ خشية الله في السر والعلانية معناه كسب الخوف من الجليل سبحانه دوما وهو كسب لا يغني لولم يكن منغرزا في سويداء القلب حتى عد عليه السلام أقواما من أمته مفلسين لحصولهم على جبال من الحسنات فيبددونها لما يختلوا بحرمات الله فينتهكوها وخشية الله في السر أعسر منها في العلن سوى عند المجاهرين المتوعدين بسوء العذاب وليس من باب النفاق أن تقل الخشية في سرك وتكثر في علانيتك بل ذلك مضادة منك لسلوك المجاهرين بالفحشاء فذلك تلبيس أبليسي فكن منه على بينة .
ثلاث مهلكات : شح مطاع وهوى متبع وإعجاب المرء بنفسه . ضاق المجال عليها فتدبرها .
-
رد: مــــائة مصباح من مشكاة النبــــوة
الحلقة الثامنة والثمانون
أخرج مالك بسنده عن علي أنه كرم الله وجهه قال " الامر ينزل بنا لم ينزل فيه قرآن ولم تمض فيه منك سنة يا رسوالله " فقال عليه السلام "إجمعوا له العالمين من المؤمنين فأجعلوه شورى بينكم ولا تقضوافيه برأي واحد ".
ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــ
من شواهده " وشاورهم في الامر " و" وأمرهم شورى بينهم " و" عن تراض منهما وتشاور".
موضوعه : الشورى في الاسلام خلق تزكية ومظهر تكريم وتحرير ومقوم ملزم في الحياة .
لم يعد خافيا اليوم بين سائر المسلمين المهتمين بأمر الامة نهضة وإنحطاطا أن غياب الشورى في سائر مجالات حياتنا وبخاصة في المجال السياسي بحكم هيمنته على بقية الميادين مسؤول بحظ كبير جدا عن تفكك عرانا عبر تفشي التظالم وتنزل التجزئة محل التوحد والفقر محل الرخاء والاستقلال محل الاحتلال والجهل محل الامية والامعية محل التميز .
النبي الاكرم عليه السلام يحذر من نكبة الاستبداد بالرأي ويجعله مفتاح الانحطاط .
قبل إيراد الحديث المناسب لذلك لابد من التذكير بتصحيح لبعض الفهوم التي لفرط تأثرها بواقع الانحطاط جمودا على الماضي وتقليدا للاسلاف أو هرعا إلى الغالب شبرا بشبر وذراعا بذراع لم تفقه الامر سوى على أنه قدر غالب لا فائدة من مقاومته حتى إنك لازلت إلى اليوم تستمع إلى مقولات موغلة في الابتذال والمجاجة من مثل أن جبة الحكم التي يلبسها هذا الحاكم أو ذاك ليست سوى جبة من تفصيل ربك سبحانه على مقاس ذلك الذئب الذي لم يرع لله يوما في عباده إلا ولاذمة . أخرج أحمد والطبراني عن أبي أمامة أنه عليه السلام قال " لتنقضن عرى الاسلام عروة عروة كلما أنتقضت عروة تشبث الناس بالتي تليها وأولها نقضا الحكم وآخرها الصلاة " وهل ثمة أفدح خطرا وأنكى ناكية من تحول ما حذر منه عليه السلام من عقبات وحواجز ومطبات في طريق الامة إلى ربها كدحا إليه سبحانه وشهادة على الناس إلى قدر رحماني قاهر لا مناص من الاستسلام له ثم أنى لنا بعد مصيبة ثقافية وفكرية في التعامل مع الوحي من مثل هذه أن نتشوف إلى مجد تليد نشهد فيه على الناس بالعلم والعدل والرحمة والقوة ؟ وهل يبغي الظالمون فينا من حكام ولفائف كثيفة تعيش على فتات موائد سحته سوى ردة ثقافية من مثل هذه؟ واليوم وقد إنتقضت عروة الحكم وفق ما صدر عن الوحي الكريم الصادق هل نفرط في الصلاة وفي سائر ما يتعلق بها من مساجد وجماعة وشعائر أذان وإمامة وقرآن وعلم بدعوى أنها عروة آئلة إلى السقوط تماما كما سقطت عروة الحكم ؟ خذ أليك هذه محكمة قبل فوات الاوان : نكبتنا ثقافية فكرية بالاساس وليست مظاهرها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والقومية سوى إنعكاسات وظلال ولن يستقيم ظل عوده أعوج .
ماهو مقصوده عليه السلام تحديدا بإنتقاض عروة الحكم ؟ : أليس هي روحه وهي الشورى ؟
لم يكن المقصود أن الناس سيعيشون فوضى لا سراة لهم كما قال الشاعر لان ذلك محال إجتماعا وفطرة كما قال المرحوم إبن خلدون " الانسان مدني بطبعه " ولكن المقصود هو إنبناء الحكم الاسلامي على أساس مضاد لشورى الناس سواء في مستوى رضاهم عنه عبر البيعة العامة ودعنا نركز على أس عملية التراضي لا عن آلياتها ووسائلها لان ذلك من المتغيرات أو في مستوى سلوك الحاكم وسائر مؤسسات الحكم بعد البيعة العامة وروح التراضي تسييرا لدواليب الحياة في سائر المجالات وهو ما نسميه اليوم إبتلاع الدولة للمجتمع وتحولها إلى غول مفترس نهم . وإذا كان الانقلاب الاموي الرهيب الذي يظل يتجرع للعنات تلك السنة السيئة جزاء وفاقا قد حقق تحذيره عليه السلام من تحول الخلافة الراشدة إلى ملك عضوض إنحصر تأثيره تقريبا في المجال السلطاني بينما ظل المجتمع بسائر مناشطه يتحرك بحرية وعدل وكرامة فإن الانقلاب المعاصر من لدن دولة التجزئة دولة ما بعد الاستقلال واليوم هي دولة الارتباط الصهيوني الامريكي بإمتياز شديد ...إبتلع الامة بأسرها وبسائر مقدراتها فقيدها وعطل نهضتها وأجهض قومتها عبر كفران بقيمة الشورى كفرانا يعكس مدى غربة أولئك الذئاب عن ثقافة الامة ومصالحها وهو الامر الذي أدى بعد ذلك إلى الارتماء في أحضان الصهيونية وأذنابها خوفا من نقمة الشعوب التي تمهل ولا تهمل . فبالخلاصة فإن إنتقاض الحكم معناه إنتقاض مبدإ الشورى والشورى هي وراء إندياح قيم العدل والقسط والحرية والكرامة والرخاء وسائر أسباب السعادة.
نكبتنا الراهنة مزدوجة : تنكر للاسلام في محكماته القطعية و تنكر للامة في إرادتها الشعبية .
لما أرسل عليه السلام معاذا إلى اليمن قاضيا قال له بم تحكم فقال بكتاب الله فقال فإن لم تجد قال فبسنة رسوله عليه السلام قال فإن لم تجد قال أجتهد رأيي ولا ألوي فضرب عليه السلام على صدر رسوله وقال مبتهجا " الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يحبه الله ورسوله " وهو حديث مستخدم عند الاصوليين كثيرا لانه يرسم جانبا كبيرا من علم أصول الفقه وخاصة في مستوى ترتيب مصادره واليوم وقد ورثتنا هذه الحكومات المتصهينة طوعا وكرها لا نحن نسعد بقضاء سياسي وإقتصادي وإجتماعي وثقافي وعسكري يرجع فيه إلى كتاب الله ثم إلى سنة رسوله عليه السلام فيما هو محكم قاطع من مثل الشورى السياسية والعدل الاقتصادي والحرية الاجتماعية والشخصية الثقافية المتميزة والقوة العسكرية الحامية للاوطان ولا نحن نسعد بحرية إجتهاد من سائر أهل الاجتهاد في سائر المجالات فيما هو مختلف فيه أو من العفو المباح .
السؤال الكبير الملح : كيف السبيل إلى إستئناف حياة الشورى في بلادنا ؟
لايوجد اليوم واحد من الامة سوى أزلام الصهيونية وبناتها وهم قليل من قليل رغم تسلطهم على منابر الحكم والتوجيه غير مؤمن حتى النخاع بحيوية الشورى أداة تحرير وتكريم للانسان وعامل طرد لنكباتنا من إستبداد وظلم وقهر وإحتلال وذلك التقدم في الوعي هو مظهر من مظاهر إنجازات الصحوة الاسلامية المعاصرة سوى أن السبيل إلى إحلال الشورى محل التظالم مازال طويلا وبعيدا ومعقدا ومن أهم العقبات : تناول كثير منا للشورى على أساس أنها آلية إدارية سياسية والحقيقة أنها خلق يزكي النفس وعبادة تطهر شح الصدور تماما كالصلاة والذكر والتلاوة والصدقة وبما أنها كذلك فذلك يعني أن عملا تربويا من لدن سائر من له بالتربية صلة لابد له من التنزل ضمن تربية روحية على نبذ الفردية لصالح الشورى وتربية فكرية على إحداث التوازن الزوجي في كل أمر يحتمل ذلك وتربية إجتماعية في العيش ضمن جماعة ومؤسسة وإدارة فيها الشورى والوحدة والحرية والصبر وقس على ذلك سائر الدوائر التي يباشرها الانسان .ــ العقبة الاخرى : الابتعاد بدوائر حياتنا الاولية وخاصة الاسرة إنشاء وتواصلا عن قيمة الشورى ولو لم يكن ذلك كفيلا بزرع الشورى في الاسرة وما يليها من بيئات لما قصر سبحانه جذر الشورى على ثلاثة مواضع فحسب في القرآن وهي المشارإليها أعلاه في ا لشواهد ومنها موضع الاسرة وتحديدا مسألة الاسترضاع ولك أن تقول بإطمئنان الواثق بأن مجتمعا تتأسس أغلب خلاياه الاسرية على الاستبداد جدير بتسلط الحاكم عليه فكما تكونوا يولى عليكم كما ورد في الاثر وهو بعد ذلك سنة ماضية في الاجتماع البشري . العقبة الثالثة : عزوف الناس عن الانخراط في الشأن العام وهو عزوف يعزى إلى بضاعة فكرية مزجاة قائمة على فكرة التذرر لا الجماعة وإلى أثرة نفسية مقيتة قائمة على الانانية وإلى تطور الاستبداد الاجتماعي والسياسي في بلداننا إلى حد زرع الخوف والجزع في نفوس الناس فنكل ذلك بمن خلفهم وهذه عقبة تعالج بالثقافة والاعلام والفكر والتجرئة والتضحية من لدن المنخرطين في الشأن العام والصبر على ذلك عقودا طويلة إلى حين إستلام الاجيال الشابة اليوم مشاعل الاصلاح في المجتمع . العقبة الرابعة هي عزوف المنخرطين في دوائر الاصلاح والتغيير وسائر من في حكمهم فكرا وثقافة وإهتماما عن مواطن المشاركة في مؤسسات المجتمع والدولة وإذا كان ذلك ليس دوما متاح بحكم إندياح الاستبداد الحكومي المنظم فإن ما يتاح منه عادة ما يقابل من أكثر هؤلاء بالنفور خوفا من الادانة والوقوع في الاخطاء وتهم الانحياز إلى السلطان على حساب مصالح الشعب إذ عادة ما تغلب ثقافة وممارسة النأي والبعد وتأسيس مواطن النفوذ المستقلة على ثقافة المشاركة وهي مشاركة لها كفلها من الخسائر ولا ريب ولكن دوائر التغيير لابد لها من التعدد والتوزع بين الرسمي والشعبي وبين أجندة أخرى كثيرة " لاتدخلوا من باب واحد وأدخلوا من أبواب متفرقة".
الرسول الاكرم عليه السلام يرسم نظرية الشورى " إجمعوا له العالمين من المؤمنين ".
لولم يتعبأ الصحابة بروح الشورى وحق الناس في إختيار حاكمهم على أساس أن الحاكم خادم مستأجر للامة صاحبة القضية تكلف وتراقب وتجازي وتعزل ... لما إجتمعوا في السقيفة قبل دفنه عليه السلام ولما دار بينهم الذي دار من الحوار ولو لم يكونوا متعبئين بفقه زوجية الحياة ناموسا ماضيا لما تناول الحوار مكونات مجتمعهم الجديد من مهاجرين وأنصار ولو لم يكونوا متعبئين بأن عقد البيعة العامة هو عقد تراض بين طرفين محددين لما أهتبلت صلاة الجماعة لقيام كل من رضي بالخليفة الاول حاكما ببيعته شخصيا ولو لم يكونوا متعبئين بذلك لما رفض بعض كبار الصحابة بيعة الخليفة الاول ولثار على الرافضين الثوار وكل ذلك تشكل ثقافة عملية بعد أن كانت قولية إنسحبت على سائر مراحل الخلافة الراشدة على مدى عقود أربعة كاملة حتى أن الشورى في إنتخاب الحاكم أبت إلا أن تتسلل إلى العذراء في خدرها بل أبت إلا أن تحمل عليا على إشتراط تجاوز منهج الشيخين في الحكم وإختطاط منهج جديد تفرضه التحولات بل أبت إلا أن تفرض على ذي النورين التضحية بحياته تحت ضربات المتمردين فلا حالة طوارئ ولا هيبة دولة ولا قوى حماية خاصة وليس ذلك كله طبعا من جانب آخر إيجابي . " إجمعوا له العالمين " هي من مشكاة " ولا ينبئك مثل خبير " و" إسأل به خبيرا " فالعالمين في تولية الحاكم في كل المستويات هم أبناء ذلك البلد بأسرهم وهم أهل الاقتصاد في الغرفة الاقتصادية وأهل التربية والتعليم في الكليات والمعاهد وهم القضاة في مجلس القضاء الاعلى وهم الفقهاء في مؤسسات الافتاء والبحث العلمي وهم أهل الخبرة الرياضية في المجال الرياضي والعسكريون في مجالهم.
الخلاصة : إن أشد ما نئن منه اليوم هو داء الاستبداد في سائر مجالات حياتنا ولاينفعنا كثيرا أن نعلم أن الشورى هي البلسم الشافي من ذلك سوى أن نتناول حبات الشورى يوما بعد يوم تزكية وعلما وتفعيلا بدء من الاسرة إختيارا وتواصلا ومرورا بسائر مؤسساتنا وإنتهاء بمولد الطاقة الاستبدادية الاكبر فوق الارض أي الدولة المؤممة للمجتمع فليست الشورى إدارة سياسية فحسب بل هي قبل ذلك بالتأكيد خلقا كالكرم والوفاء والشجاعة وليست الشورى شرطا للحرية السياسية فحسب بل هي شرط للرخاء المادي والعدل الاقتصادي والحرية الاجتماعية وتميز الشخصية الثقافية وتحرر الاوطان السليبة وعقبات الشورى كامنة فينا ثقافة وفكرا وسلوكا وتراثا وتاريخا قبل أن تكون في واقعنا رغم مرارته ولاسبيل لاستخلاص الشورى سوى بالتربية والعلم والعمل والصبر والجماعة وحشر الناس للانخراط في الشأن العام والتواصي بذلك وليس كالاعلام الفضائي والالكتروني اليوم يوسع من دوائر الوعي بالشورى ويحاصر جيوب الاستبداد .
-
رد: مــــائة مصباح من مشكاة النبــــوة
الحلقة التاسعة والثمانون
أخرج أحمد عن أبي أمامة أن شابا جاء إليه عليه السلام فقال " إئذن لي بالزنا " فزجره الناس فأدناه إليه عليه السلام وقال له " أتحبه لامك " قال لا فقال " ولاالناس يحبونه لامهاتم " ثم قال " أتحبه لابنتك " قال لا فقال " ولاالناس يحبونه لبناتهم " وقال مثل ذلك لعمته وخالته ... ثم وضع يده عليه وقال " اللهم إغفر ذنبه وطهر قلبه وحصن فرجه " فلم يكن الفتى يلتفت إلى شئ .
ــــــــــــــــــــــ
من شواهده " يحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث " و" فقولا له قولا لينا لعله يتذكر ..."
موضوعه : التربية فن ومهارة وهي شرط يسبق العقوبة سبق الوضوء للصلاة .
الحديث عن التربية يجب أن يحتل فينا تفكيرا وممارسة حيزا كبيرا مناسبا للانسان دورا ومنزلة في هذه الحياة وهذا الوجود وهو حديث يكثر الاهتمام به في الحركات الاسلامية بصفة خاصة سوى أن عيوبا كثيرة كبيرة مازالت تخترم جهودا كبيرة كثيرة طيبة ساهمت بقسط وافر في تربية جيش لجب من الشباب ذكرانا وإناثا هم عماد الصحوة الاسلامية المعاصرة ومن تلك العيوب الكبيرة حصر كثير من أبناء الحركة الاسلامية المعاصرة لقضية التربية في المستوى الروحي وهو أمر مهم ومقدر ولاريب ولست أبغي بخس الناس أشياءهم سوى أن من شارف الكمال وليس بمنيخ فوق عرشه طبعا ليس له سوى أن يتم تماما كما كان الاسلام لبنة منقوصة في البناء النبوي الرسالي السابق كما عبر عن ذلك الصادق المصدوق عليه السلام فلا تكاد تعثر في برامج ومشاريع الحركة الاسلامية المعاصرة فيما أعرف والله أعلم على التربية النفسية وهو أمر مطلوب ومختلف عن التربية الروحية رغم إشتراك سائر ضروب التربية في جذر عام معروف كما لا تكاد تعثر على أثر للتربية الفكرية من حيث هي تربية وليس من حيث هي علم والفرق واضح جلي بين مادة الفكر وبين التربية الفكرية كما لا تكاد تعثر على أثر للتربية العلمية وللتربية العملية وللتربية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والبيئية ...
من شروط التربية الناجحة :
أجدد التذكير بأن قضية التربية بمعناها الشامل العام لا الجزئي الصغير لابد لها من أن تحظى بمكاتب دراسات إستراتيجية مختصة تماما كما هو الامر في كثير من القضايا الفكرية والسياسية الاخرى وذلك لان التربية هي المسؤولة عن الانسان من فترة ما قبل ظفر أبيه بأمه حتى موته ولان سائر ما يقدم لنا من مآكل ومشارب وملابس فضلا عن الاغذية العقلية والنفسية والروحية والذوقية والعاطفية وفضلا عن الجغرافيا والتاريخ الذي يضم أضلعنا وفضلا عن رحم الام وماء الاب وطبيعة الخول .. يصنعنا صنعا محكما لا نفر منه قيد أنملة إلا بقدر ما نغير معالم التربية تلك ومعلوم أن التغيير هنا ليس دوما متاح ولا هو مقدور عليه حتى لو جعلناه الهم الاول ولذلك قال الاجتماعيون بحق " الانسان إبن بيئته " وفي الاثر المنسوب له عليه السلام ولا أدري صحة تلك النسبة " الناس بزمانهم أشبه " ومعلوم أنه عليه السلام سأل في مرات كثيرة عن خول الرجل أي أصل أمه وأنه عليه السلام حذرنا من خضراء الدمن وقال " هي المرأة الجميلة في منبت السوء " وهو قانون طبيعي بيئي في الحقيقة ينطبق على سائر النباتات وهل الانسان سوى نبتة إجتماعية تخضع لسائرما تخضع له النبتة الطبيعية ويحتاج إلى أسمدة وزبر وغذاء وأحيانا إلى تهجين كما هو عند بعض الحيوانات ولكن يكون ذلك عند الانسان بالمعنى الايجابي أي المعنى الفكري كما يحتاج إلى مسافة فيها الاشتراك وفيها الاختلاف مع غيره الخ ... ولو إختصرت المسألة في شروط التربية الناجحة ضمن إطار عام لاكتفيت بأمور منها :
ـــ جمع العملية التربوية لعنصري العموم والخصوص في آن واحد مراعاة لاختلاف الناس إختلافا بينا واسعا في سائر معطياتهم الجغرافية والتاريخية وسائر معطيات بيئاتهم عامة والاختلاف من شأنه فرض التنوع ضمن وحدة تربوية عامة لها سقفها المحفوظ المنضبط.
ـــ مراعاة العملية التربوية للفطرة البشرية بسائر أبعادها العقلية والنفسية والذوقية والعاطفية والبدنية والفردية والجماعية لان التربية ليست سوى محاولة للموافقة بين معطيات الفطرة ومعطيات الواقع وهي موافقة حذرة لان كل خطإ فيها في مستوى الاتجاه العام يؤدي إلى
كارثتين : إما الامعية بإسم الضعف البشري وموافقة الواقع والاستجابة لضغوطه وإما المثالية الخيالية بإسم الطهر الروحي ومخالفة الواقع وتعديله بالقوة وبالسرعة وذلك راجع إلى أن الفطرة البشرية مزدوجة تماما كما هو واقع الناس والسائر بين إزدواجين فطري وواقعي له رحابة واسعة في الوسطية غير أن ما وقر في الفطرة من جهة وما وقر في الواقع من جهة لهما قوة سحرية رهيبة بحكم قانون الابتلاء تجذب السائر إليها .
ـــ مراعاة العملية التربوية لشبكة السنن والاسباب الاجتماعية العامة التي بنى عليها سبحانه كونه وخلقه إذ من شأن العملية التربوية تسريع الخطى وعدم الصبر على نضج الثمرة لان الانسان بفطرته عجول كما ورد في الوحي ولكن من شأن القوانين السببية والسننية الثبات على ما هي عليه لا تسرع خطاها دموع متعجل ولا تبطؤها دعة متمهل .
إنبناء العملية التربوية على وتدين كبيرين : العقلانية من جهة والبيئة من جهة أخرى .
الحديث الذي بين أيدينا اليوم صريح في أن العملية التربوية لابد لها من ركن عقلي تستند عليه غير أنه ركن لا يتنزل سوى في زمانه ومكانه وحاله المناسب أي يتنزل على من تسمح لهم سنهم بحد أدنى من التفكير العقلي وهو الطور الاطول زمنا في الانسان ولكنه ليس هو الاساس وليس الاساس أو الركن الثاني للعملية التربوية سوى هو توفير البيئة المناخية المناسبة للترغيب في مادة تلك العملية ولكنها بيئة لا توفر الترغيب فحسب بل توفر الترهيب كذلك وربما نتعرض لهذا الشرط الاطاري لاحقا بإذنه سبحانه ونلمس بيسر أن السيرة النبوية في سائر أطوارها كانت حريصة كل الحرص على توفير تلك البيئة وبذلك يتميز الاسلام عن غيره أنه ليس كتاب قانون جاف مجرد يسرد الواجبات مشفوعة بالعقوبات ولكنه يظل يحفر كل يوم للتربية في النفوس وفي الواقع مهما كان صغيرا ومحدودا محضنا فلم يهاجر مثلا حتى وطأ لذلك ببيعتين من أهل دار الهجرة وبسفير هو مصعب ولما دعا إلى المؤاخاة عمد إلى نموذج عملي فآخى بين كل مهاجر وكل أنصاري ولما أراد بناء المجتمع الجديد المتنوع على أساس الوحدة والحرية معا أنشأ الصحيفة وهكذا ..
المعافسة العملية من جهة وتلقيح الترغيب بالترهيب من جهة أخرى : ركنان مهمان .
أخطر شئ على العملية التربوية هو عدم تعريضها للتجربة والمعافسة ومواجهة الصعوبات الطبيعية التي يلقاها كل حي فمن لم يمت مثلا عبر موتة الجهاد والشهادة فليس معناه بقاءه حيا دوما بل هو ميت لا محالة بمليون صورة لم تكن تخطر له على بال وليس أحمق من تجنب الجهاد فرارا من الموت ولا من تجنب مخالطة الناس فرارا من الاثم ولا من تجنب الزواج فرار من المشاكل الزوجية ولو تدبرت سنته عليه السلام فإنك لاف أنه لم يزود صحابته بعلوم ومعارف كبيرة كثيرة ضخمة خاصة في المستوى الكمي بمثل ما نفعل نحن اليوم بأنفسناوبغيرنا وإنما علمهم عبر الاقتناع العقلي والطمأنينة النفسية الحد الادنى الضروري مما يحتاجه الانسان في حياته ثم دفع بهم مباشرة وبعد ثلاث سنوات فحسب إلى الواقع الصعب فقتل من قتل وأوذي من أوذي وهاجر مكرها من هاجر وسارت الحياة بأسرها رغم إنتصاراتها ونجاحاتها على يديه عليه السلام ثم على أيديهم على ذلك المنوال حتى إن العلم عندهم بخلاف ما هو عندنا اليوم لا يعني سوى الفقه العقلي مقرونا بالضرورة بالممارسة العملية إقتران الماء بمكوناته المعروفة . وليس أخطر بعد ذلك على العملية التربوية من تناولها على أساس أنها غنم يصحح مسيرة الانسان ويعدل حياته دون تعرضه للغرم المناسب لذلك فكما أن الامل والالم طبيعة يندمجان فلا يظهر هذا دون ذاك فإن الانسان الذي يتربى على المرغبات دون المرهبات أو على المرهبات دون المرغبات لا يصلح للحياة ولا لصعوباتها .
نموذج نبوي في التربية :
لامناص من تتبع مواضع التربية في سيرته وهو أمر كفيل بإستنباط نظرية في التربية لا ينقصها سوى معالجتها على ضوء الواقع وقبل ذلك تشذيبها مما قد يكون ملابسا لخصوصيات زمانية أو مكانية رغم أنه في مثل هذا المجال نادر جدا ولكن دعني أقدم لك هذا النموذج النبوي التربوي العظيم : رأى يوما عليه السلام شابا يختفي في ملابس نسائية ويتخلل مجالس النساء دون أن يشعر به أحد فلما إنفض المجتمع وواتت الفرصة سأله عليه السلام عن حاله بكل لطف فقال الشاب لقد شرد لي جمل وأنا بصدد البحث عنه فأكتفى عليه السلام بالقول له رد الله عليك جملك وظل عليه السلام يسأله عن جمله الشارد كلما لقيه حتى ظن الشاب أن سؤاله عليه السلام كل مرة عن الجمل الشارد قصة لابد لها من نهاية إضافة إلى أنه قذف في روعه أنه عليه السلام ربما عرف شيئا عن قصته مع النساء فعمد إلى تجنب ملاقاة النبي عليه السلام ولكن شاء الله أن يلتقيا يوما وجه لوجه فما كان منه عليه السلام سوى أن أعاد عليه ذات السؤال وعندها لم يتمالك الشاب من الحرج والاضطراب وأخبره بالحقيقة فودعه عليه السلام بذات اللطف الذي لقيه به أول يوم قائلا " رد الله عليه جملك الشارد ". ولم يعد الشاب إلى مثل صنيعه بعد ذلك أبدا .
خلاصة عامة : التربية في عملنا تفكيرا وتخطيطا وتنزيلا لابد لها من عناية أكبر كما لابد لها من الجمع بين النظرية الاسلامية وبخاصة في السنة النبوية وبين معطيات الواقع والتاريخ ولا بدلها من إطار يجمع شروطها ومنها : الانسان والواقع والعملية ذاتها والاساس العقلي والبيئي المناخي ومعافسة الحياة بسائر دروبها اليسيرة والعسيرة والاساس الترغيبي والترهيبي والله أعلم .
-
رد: مــــائة مصباح من مشكاة النبــــوة
الحلقة التسعون
أخرج الترمذي عن أبي برزة الاسلمي وعن إبن مسعود والبيهقي عن معاذ إبن جبل وعن إبن مسعود أنه عليه السلام قال " لاتزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيم أفناه وعن شبابه فيم أبلاه وعن ماله من أين إكتسبه وفيم أنفقه وعن علمه ماذا عمل فيه ".
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــ
من شواهده " ثم لتسألن يومئذ عن النعيم " .
موضوعه : أربعة رساميل يهبها المالك عبده ثم يحاسبه عنها وعن أرباحها .
معلوم أن الانسان سواء علم ذلك أو جهله أو عمل بمقتضاه أو نبذه عبد مملوك لمعبود مالك وهي حقيقة ساطعة لا ينكرها دليل حتى أن الانسان لا يكتسب مشروعية إنسانيته تحريرا وتكريما وتأهيلا سوى تحت سقف تلك الحقيقة الساطعة وسائر ما عداها تجاهلا أو إستكبارا لا يعتد به كما أنه معلوم أنه سبحانه بنى علاقة العبادة وعقد الاستخلاف بينه وبين عباده على قاعدة الاتجار " أولئك يرجون تجارة لن تبور " و" تجارة تنجيكم من عذاب أليم " وذلك لتمليك العابد من الرساميل التي يحتاجها ضمن ذلك العقد ومن ثم محاسبته عليها وعلى أرباحها وعلى ذات الاساس بنى سبحانه كثيرا من العلاقات الكونية والاجتماعية وذلك مظهر من مظاهر تحرير الانسان من التواكل والعجز والبطالة والعطالة ومظهر من مظاهر تكريمه بالعقل والمسؤولية والتوكل والاعتماد على النفس وخوض التجربة معاينة ومعايشة بحلوها ومرها وذلك بالرغم من أن المالك المعبود سبحانه لا تزيده تجارة عابده المملوك مهما طفحت أكيالها وربت أرباحها فهو الغني الصمد كما لا يضره بوار تجارة ولا كساد سوق مما يبرز بجلاء كبير بأن منهج الاتجار من لدن العابد المملوك في رساميل مالكه المعبود كفيل بتحرير الانسان من الجشع والانانية وعبادة الذات وبتكريمه بالمال الذي يحقق به طموحه في حياة سعيدة .
أول الرساميل : حياة .
الحياة سر إلهي رحماني محض لا يتسنى للانسان كنه حقيقته " يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الاخرة هم غافلون " فهي بذلك عطية مهداة ورحمة مسداة سوى أنها في الجانب المقابل غنيمة لابد لها من أداء غرمها جزاء وفاقا وهبة الحياة منة دليل ألوهية من الواهب سبحانه وهي أثر عبودية خانعة من لدن الموهوب له ولو علم الناس سر الحياة إنشاء من عدم أو تجنبا للهرم وللموت " لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا " و" لعلا بعضهم على بعض " وليس كالموت ذكرا ولو بتفكير إسلامي غير خالص عند المؤمنين مطامنا لغلواء الانسان وكابحا لاهوائه الطاغية ولذلك يكثر الطغيان المدمر عند من لا يؤمن ببعث ولا جزاء أو يرقب فيه سعادة بدعوى أن الرب بزعمهم الكاذب ضحى بإبنه لغسل ذنوب البشرية جمعاء فسبحانه وتعالى علوا كبيرا عما يقولون.واليوم لا يشاكس عاقل في كون الحياة هبة رحمانية خالصة يهبها مالك الملك سبحانه لمن يشاء متى يشاء وينزعها عمن يشاء متى يشاء كما لا يجادل مجادل في كون تلك الهبة الرحمانية الخالصة هي أم النعم وحاضنتها إذ بالموت تستحيل سائر الهبات مهما عظمت أثرا بعد عين . فالحياة إذن هي أم الرساميل الالهية الممنوحة للانسان سواء بشمولها لسائر مظاهر الحياة البدنية والنفسية والعقلية والروحية أو بتجددها عبر التناكح والتناسل وحفظ الذكر بعد الموت وهي لفرط شعور الانسان بعظمتها وأثرها على وجوده وسائر منافعه يضحى بسائر ما دونها من أجلها لحفظها وسائر ماهو في حوزته هو دونها ولا ريب حتى أن الانسان مهما بلغ به الكفر والعتو جورا على الفطرة وإستعلاء مستكبرا يعوض به عن شعور دنيء بالدونية يتنازل عن كل ذلك في ذات اللحظة التي تهدد فيها حياته بالاخطار " حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة وجاءها الموج من كل مكان وظنوا أنهم قد أحيط بهم دعوا الله مخلصين له الدين لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين " وليس أدل على ذلك من قالة فرعون التي يرددها اليوم وغدا كل من سلك سبيله لو تعرضت حياته للهلاك " آمنت بالذي آمنت به بنوإسرائيل " فقيل له " ألان وقد عصيت قبل ..." . وحياة الانسان مختلفة عن سائر أنواع الحياة الاخرى فهي أطوار متتالية من صبا إلى شباب ثم إلى كهولة وشيخوخة وهي مزودة بكل أدوات العمل المختلفة من روح ونفس وعقل وذوق وعاطفة في المستوى الغيبي المعنوي وبمثل ذلك في المستوى المادي من بصر وسمع وذوق وتحتوي على سائر مظاهر الفعل والتعبير نظريا باللسان وعمليا بالجارحة ولا ينطبق عليها سوى قوله سبحانه " خلقك فسواك فعدلك " و" في أحسن تقويم " وهو حسن وتسوية لا يند عنها مظهر مادي ولا معنوي حتى أن الانسان صنع لملاءمة سائر الاحوال والظروف المناخية والطبيعية من ناحية والنفسية والروحية من ناحية أخرى وهو الالة الاكثر تطورا والاشد تقدما ومناسبة لاصلاح نفسه وسائر ما حوله بإمتياز لا يبلى فيه ذلك مهما بلغ تطوره وتقدمه وما من آلة يصنعها إلا وهو أرقى منها ولو دققت النظر في أي جهاز من أجهزته النفسية أو البدنية لالفيت إحكاما في الصنعة لا يضاهى فدقات قلبه مثلا تظل تخفق بإنتظام علىمدى عقود وبمثل ذلك تظل تعمل رئتاه وسائر أجهزته المكونة مما لا يحصيه حاص حقيقة لا مجازا من أدق الشعيرات والشرايين ذات العلاقات المجهولة في أغلبها إلى يوم الناس هذا ... وتظل تعمل تلك الالة الانسانية العجيبة العظيمة علىمدى تلك العقود الطويلة دون توقف مهما كان قصيرا ولو لحاجة رعاية أو صيانة وهو مالا يحدث لاي آلة أخرى . وبذلك ملكه ولي نعمته ومالكه سبحانه من أول الرساميل العظمى التي يحتاج إليها في تجارته فهل يعقل أن يترك بعد كل ذلك سدى لا مجال فيه للحساب ؟ ولذلك كذلك كان الاعتداء على أولى الرساميل تلك ـ رأسمال الحياة ـ سواء بالقتل أو بالانتحار إعتداء لا يغفر أبدا حال الانتحار ويعسر غفرانه جدا حال القتل تماما كما لو ملكت أنت ولدك رساميل كبيرة عظيمة لا حد لها كفيلة بإسعاده فعمد إلى تبديدها هزلا وحمقا وطيشا في لمح البصر غير عابئ بك ولا بجهدك ولا بنصبك وتعالى سبحانه عن ذلك علوا.
ثاني الرساميل : الشباب .
الشباب طور من أطوار الحياة سوى أنه سبحانه خصه بأن جعله رأسمالا مستقلا وذلك تمييزا له عن سائر أطوار الحياة كما يخص الخاطب مثلا مليحة بعينها من سائر المليحات رغم أنه ينطبق عليهن جميعا ما قاله عليه السلام لمغالبة الشهوة " فإنه عندها الذي عندها " وسبب ذلك معلوم لكل الناس سيما من إستمتع بطور الشباب حيوية وتدفقا وقدرة عجيبة على العمل والعطاء والتحدي والمغامرة حتى قيل " الشباب شعبة من الجنون " والشاب يفعل في الحياة خيرا أو شرا مالا تفعله أمة كاملة من الصبيان ومعها أمة أخرى من الكهول والشيوخ لذلك أكد القرآن كثيرا على فتوة كثير من الانبياء والصالحين من مثل أصحاب الكهف وإبراهيم ولم يكن سائر الاصحاب تقريبا وهم الذين حملوا دعوة الاسلام إلينا وإلى العالمين حية سوى شبابا حتى أنه عليه السلام أمر أسامة إبن زيد وهو في العقد الثاني من عمره لذب الروم في أقاصي الشام على مئات من خيرة الاصحاب سبقا وعلما ودراية وبلاء ممن جاوز العقد الرابع والخامس . ولذات السبب تحرص اليوم الدول والحكومات العاقلة الراشدة الحريصة على بناء مستقبل بلدانها حتى بعد ممات حكامها وسلالاتهم على تعديل العمران السكاني على أساس وفرة الشباب عبر تشجيع التناكح والتناسل لان الشباب هو العائل للبلاد وللامة والشعب بكفاح يديه ضربا في الارض وبعطاء عقله كشفا للعلوم ولو مات التناكح مات التناسل وهرمت البلاد وورثها من هم أكثر عدا.ويتوافر الشاب عادة سيما لو لقح بالمنهج الاسلامي على أكبر معطيين يجعلانه عامل بناء وقهر للشدائد ومصنعا للانسان في محضن الاسرة وهما : القوة النفسية عبر الطموح والامل والتوكل والقوة البدنية عبر إستواء بنائه الهرموني فإذا ما بنى عش الزوجية تضاعف ذلك ودر على البلاد خيرات لا حصر لها . وفي تاريخنا المعاصر لا يمر التغيير سوى عبر الشباب .
ثالث الرساميل : العلم .
العلم في أصله رأسمال معنوي روحي نفسي عقلي سوى أن كل تمدن وتحضر فوق الارض هو وليد ذلك الرأسمال كما تنتج البهيمة عجماء ورأسمال العلم موقورفي الانسان وقرا فطرة " وعلم آدم الاسماء كلها " وآدم هو من علم الملائكة تلك الاسماء مباشرة بأمر منه سبحانه تكريما له " الرحمان علم القرآن خلق الانسان علمه البيان " وهو أي العلم تتعاون في إنتاجه قوتان في الانسان عقله من جانب ونفسه من جانب آخر إذ العلم لدى خائر الهمة خذلان له وللمتلقي عنه وهو لدى طائش العقل ممتلئا حمقا وبلاهة مضر وليس كالعلم مظهرا من مظاهر تحرير الانسان وتكريمه وهو به على الملك مفضل مسجود له وهو به مكلف مؤهل مسؤول مستخلف مستأمن مبتلى والعلم والعمل تماما كالشجرة وثمرها ولك أن تنظر في حال الناس بأي الشجر يحفلون بالمثر المغدق ولو ظلا أو كلا نعم أم بشجرة الزقوم ؟ وليس مطلوبا لذاته لطالب الدنيا دون الاخرة ولطالب الاخرة دون الدنيا ولطالب الدنيا والاخرة معا وهو حال المؤمن دون غيره سوى العلم ولو لم يكن العلم على ذلك القدر لما كان مفتاح الخطاب الرحماني " إقرأ " ولما كانت سورة القلم الذي به أقسم سبحانه حتى قال قائل حكيم بأن مدار الاسلام على ثلاث وهي سورة القلم رمزا لمكانة العلم آلة الانسان في الحياة وسورة الشورى رمزا للجماعة الجامعة بين مطلبي التوحد والحرية وسورة الحديد رمزا للجماعة القوية قوة مدنية وقوة حربية . ولو إطلعت اليوم على من حولنا من الامم والشعوب لالفيت بيسر أن العلم من عطاء ربك غير المحظور على كافر ولا مؤمن كلما طلبه وأن السؤدد لاهل العلم ولو كفروا والهزيمة والذلة لاهل الجهل ولو آمنوا .
رابع الرساميل : المال .
لا يسأل الانسان عن سائر رساميله من لدن مالكها وواهبها مرتين سوى عن رأسمال المال "من أين إكتسبه وفيم أنفقه " وذلك بخلاف العلم فلا يختلف الامر في إكتسابه ولو من كافر ظالم كابر عن كابر كلما كان العلم صالحا نافعا صحيحا وبخلاف الحياة والشباب لان إكتسابهما هو قطعا منه سبحانه والسبب في ذلك راجع إلى أن الانسان لا يظلم ولا يظلم في إكتساب حياته وشبابه وعلمه لان حياته وشبابه لا يستشار في كسبهما أصلا فهو إختيار رحماني محض أما علمه فلا يسأل عن مصدر كسبه لان العقل كفيل بنخل صحيحه من سقيمه فلا يضر العقل علم ضار لانه مزود بنظام المناعة الذاتية إذ حتى لو تعلم المؤمن السحر بحسب إبن تيمية فإنه لن يستخدمه سوى لدفع ضره عن نفسه وعن غيره وكذلك بسبب أن كسب العلم لا يقبل عليه في العادة سوى من قمع هواه وغلب شهوة الدعة فيه والخمول بخلاف المال فإن المحذور أن ينقاد طالبه بمحض شهوته فيكسبه من حرام لذلك يسأل عن مصدر كسبه لماله حتى قالت بعض الاحاديث أنه يسأل عن خمس بدل أربع بإعتبار أن المال ينصرف مرة للكسب ومرة أخرى للبذل . رأسمال المال هو في مقابل رأسمال العلم ولكنها مقابلة تتكامل لا تتنافى فرأسمال العلم يهتم ببناء النظام الدفاعي الداخلي بينما يهتم رأسمال المال ببناء النظام الدفاعي الخارجي ولا قوام للانسان سوى بالعلم وبالمال معا والجامع بين حد أدنى منهما معا هو المؤمن حقا بخلاف الفاقد لكليهما أو لاحدهما بالكلية وليست الحرب اليوم في الشرق والغرب سوى لاجتثاث كسب العدو من ذلك وفرض كسبه عليه فرضا فبإسم العلم تعدل مناهج الاسلام في بلادنا وتجفف ليتمكن المحتل من فرض علمه وبإسم المال تعقد التحالفات وتحتل بلاد النفط والماء وتنظم العلاقات التجارية على أساس كسر الحواجز أمام حركة المال نقدا وبضاعة ليتغلب القوي ويقهر الضعيف والقوي بماله لا يقهر عادة حتى لو كان ضعيف العلم والقوي بعلمه لا يقهر عادة حتى لو كان قليل المال فهل بعد رساميل العلم والمال سيما ضمن طور الشباب على مستوى أمة من الامم وضمن نعمة الحياة بأسرها رساميل أخرى يمكن أن يمتن بها عليك ممتن ؟
الخلاصة : أنت تاجر وهبك الغني رساميل أربعة وهي الحياة والشباب والعلم والمال ودعاك إلى المضاربة في أرضه برا وبحرا وجوا وزودك بسائر أدوات تجارتك من عقل وقوة وجماعة وأرض وفترة زمنية كافية وخبرة تاريخية من قصة من سبقك ثم هو سائلك عن رساميلك وأرباحها يوم القيامة فلا تتبع سبيل من حول الحياة فرصة ذهبية للاستمتاع الرخيص يقضيها بأسرها عاريا على شاطئ بحر جميل ولا سبيل من إستخدم قوة شبابه إرادة وبدنا للافساد فإن ما أفسد الشباب لن ينصلح إلا توبة متوبة ولا سبيل من إستكبر بعلمه فطوعه لقتل الناس أو هان عليه فداسته الاحذية العسكرية والكسروية القذرة صكوك غفران لجرائمهم ولا سبيل من ظلم نفسه مرتين بماله فكسبه بالسحت والربا والنهب والمسألة ثم أنفقه إسرافا في مباح أو تبذيرا في حرام . الحياة بسائر رساميلها فرصة وحيدة ولا ريب ولكنها فرصة العامل المجتهد الذي لا يلغي الاستراحة والمتعة إستقواء على وعثاء الطريق فاليوم عمل ولا حساب وغدا حساب ولا عمل.
-
رد: مــــائة مصباح من مشكاة النبــــوة
الحلقة الواحدة والتسعون
أخرج الشيخان عن أبي موسى أنه عليه السلام قال " إن الاشعريين إذا أرملوا في الغزو أو قل طعامهم في المدينة جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد ثم إقتسموه بينهم في إناء واحد بالسوية فهم مني وأنا منهم ".
ـــــــــــــــــــــــــ ــــــ
من شواهده " إن الله يأمر بالعدل والاحسان وإيتاء ذي القربى " و" قل أمر ربي بالقسط " ...
موضوعه : أعلى مقاصد الاسلام مطلقا هو العدل فبالعدل يعبد المملوك ولي نعمته ويوحده وبالعدل يسوس نفسه وبالعدل تقوم الاسرة وبالعدل تقوم الدنيا وبه يدخل الظالم النار.
الاشعريون قوم من أهل اليمن ومنهم أبوموسى الاشعري راوي هذا الحديث عنه عليه السلام وكان صحابيا كريما متميزا بجمال الصوت حتى أنه عليه السلام كلما مر به وهو يتلو كتاب الله سبحانه لبث ما شاء له الله أن يلبث مستعذبا تلاوته دون أن يشعر بذلك أبو موسى فلما يكون الغد يقول له عليه السلام " لقد أوتيت مزمارا من مزامير آل داوود يا أبا موسى " فيقول أبوموسى " لوعلمت أنك تستمع إلي لحبرته لك تحبيرا يارسول الله ". فليس يخلو واحد في الدنيا بأسرها على إمتداد الخلق الرحماني من مزية واحدة على الاقل يفضله ربه بها عن سائر خلقه سوى أن من يكتشف ذلك في نفسه فيهذبه وينميه ويستخدمه في مرضاة ربه سبحانه قليل من قليل وهذا مبحث تربوي جدير بالتأمل فهل من متأمل .
الدرس الاول من الحديث : التكافل بين الناس خلق يتراحمون به حال الحرب وحال السلم .
راجع الحديث فسيلفت إنتباهك قوله " إذا أرملوا في الغزو أو قل طعامهم في المدينة " ذلك أن كثيرا من الناس اليوم يتعاطفون مع بعضهم بعضا حال المجاعات الكبرى والحروب المدمرة والمصائب التي تهز الدنيا هزا كالفيضانات والزلازل والحرائق فإذا مازالت أسباب ذلك أو ذهبت آثاره تناسوا أنهم خلفوا وراء كل ذلك ربما ممن لم يصبهم شئ منه من عبر عنه القرآن الكريم بقوله " القانع " في سورة الحج أو بقوله " لايسألون الناس إلحافا " في سورة البقرة ولذلك قال تعالى في ذات السورة " إن تبدوا الصدقات فنعما هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خيرلكم " حتى يعدد مسارب الانفاق من جهة وتعم الرحمة القانعين الذين لا يسألون الناس إلحافا بسبب من الاسباب من جهة كما تعم من سماهم في سورة الحج " المعتر " الذي ألجأته الحاجة إلى التعري فأصبح مكشوف العورة أي الحاجة والفاقة لكل الناس . فهو عليه السلام هنا يريد لفت الانتباه إلى أن التوازن مطلوب من الناس على نحو لا ينفقون على من هدتهم الجوائح والحروب فحمل الاعلام إلى الناس خبرهم وحرض عليهم بالخير وفي المقابل يغفلون عمن لم يكتب عنهم يوما حرفا واحدا ولا وصلت إليهم يوما ريشة فنان ولا مصدح إعلامي فيقضون جوعا والناس يحسبونهم أغنياء من التعفف سيما لو وجدوا في بلد يقول عنه الناس من حوله أنه بلد سياحي جميل حقق حكامه له معجزات إقتصادية حتى حولوه إلى جنة في الدنيا فلا وجود فيه لفقر ولا لخصاصة .
الدرس الثاني : لا تسمى هذه إشتراكية ولكن تسمى إسلاما فحسب .
يوم كانت النظرية الاشتراكية الغربية تعمي الابصار وتخلب العقول بما تقوله عن الرأسمالية الجائعة المفترسة في ذات المدرسة الغربية في أواسط القرن الميلادي المنصرم أضطر كثير من المفكرين لاسباب مختلفة ومتعددة في الان ذاته إلى تأليف كتب بعنوان " إشتراكية الاسلام " أو ما شابه ذلك غير أن شيئا من الاثر العكسي لما أراده بعض أولئك وليس كلهم طبعا حصل إذ لابد لك يومها من أن تكون إما إشتراكيا وإما رأسماليا أما القول بأن الاسلام الذي ننتمي إليه نظرية أخرى مغايرة حتى في قضايا الاقتصاد والاجتماع والسياسة فضلا عن الاسس العقدية والخلقية هو ضرب من الرجعية لان الاسلام يومها لا يعدو أن يكون في عيون الناس إلا قليلا حزمة من الشعائر التي لا تقدم ولا تؤخر في دنيا المال والحكم أما اليوم فبفضل الله سبحانه الذي قيض لدينه ودعوته صحوة كريمة طيبة مباركة فإن كثيرا ممن كان بالامس يدعو إلى الاشتراكية الغربية فضلا عمن سواهم هم فرسان معركة الحق والعدل والحرية من منطلق الاسلام ونظرية الاسلام في الاقتصاد والسياسة ليست بعيدة عن التبلور الكامل وهي في كل الاحوال بينة المعالم والاسس.
الدرس الثالث : في المال حق سوى الزكاة والاحسان فريضة مفروضة بعد العدل .
من الاثار الفكرية المدمرة التي غرسها فينا الانحطاط الثقافي الطويل إعتبارنا أن حق الله في مالك وسائر كسبك لا يتعدى الزكاة وهو خطأ فاحش من زوايا عديدة وأول تلك الزوايا أن الدين أسس فينا الاخلاق وحياة القلوب والرحمة والتعاطف والتكافل والتعاون والتآخي والجماعة قبل تأسيسه التشريعات المالية المحددة فمن لم تسعفه حياة قلبه لانتشال أخيه الانسان سيما المسلم والجار والرحم والمحتاج من مخالب الحاجة وكماشة الفقر فلن يغني عنه شيئا أنه أدى زكاة ماله لو أداها لذلك روى بعض الصحابة الكرام في الحديث الصحيح عنه قوله عليه السلام " من كان له فضل ظهر فليجد به على من لا ظهر له ومن كان له فضل طعام فليجد به على من لا طعام له" ثم قال الصحابة " وذكر عليه السلام أصنافا كثيرة من الاموال حتى ظننا أنه لاحق لاحد منا في فضل ماله ". ولذلك كان لابد للمسلمين من دولة قوية مهابة تقوم على العدل والحق تأخذ الزكاة من أصحابها فتردها على مستحقيها فإن لم تغن الزكاة الناس عن معرة السؤال أو الحاجة فرضت لهم من مخصصاتها أو من الاغنياء والموسرين ما يسد حاجتهم ويستر خلتهم وهو أمر يؤكد أن قيام الاسلام على العدل ليس متروكا لاحسان المحسنين ولا حتى لمجرد أداء الزكاة ولذلك قرر أهل الفقه والعلم من قديم الزمان قاعدة عظيمة " في المال حق سوى الزكاة ". كما أنه سبحانه لم يأمر بالعدل فحسب بل أمر كذلك بالاحسان مما يعني أن مفهومنا عن الاحسان مغلوط يقوم على التطوع والصدقة ولو كان الامر كذلك ما أمر به سبحانه أمرا بصيغة الامر لحما ودما في مواضع قليلة جدا دون عدد أصابع اليد الواحدة كلها تحوم حول العدل والقسط . لابل إن الاحسان هو تجاوز منطقة العدل إلى بذل المعروف حتى يغتني المحتاج إذ كثيرا ما لا يؤدي العدل إلى سد حاجة المحتاج فعندها لا تعذر ولا يعذر أحد حتى تستخدم الاحسان لسدها وخاصة لو كان ذلك كما أشارت الاية مرتبطا بذي القربى فهم أولى بالاحسان سيما لو كانوا فقراء ولو أغنى كل واحد منا رحمه وجاره لما جاع أحد مطلقا .
الدرس الرابع : هل لك أن تكون منه عليه السلام ويكون هو عليه السلام منك ؟.
راجع الحديث " فهم مني وأنا منهم " ألست تتمنى أن يطوى الزمان طيا فتكون الان مع الاشعريين تأتي بما عندك في بيتك من مال حتى إبرة صدئة معطوبة فتضعه في الاناء المخصص لذلك ثم يقتسم جميعهم كل ذلك كقوم إجتمعوا على خوان واحد يأكلون من قدح واحد كما تفعل اليوم العائلات الريفية المحافظة في وجبات الصباح والزوال لا كما إندثرت فينا هويتنا الخاصة بنا في صغائر حياتنا بإسم التقدم والتطور والمدنية والحضارة فبتنا ذئابا مفترسة لا نجتمع حتى على خوان واحد ونأكل من قدح واحد أثرة وحسدا وأنانية وكراهية . ولكن لو أخلصت القصد ما إحتجت إلى طي زمان ولا إنتساب إلى الاشعريين سوى أن تتحرى ما يجعلك منه عليه السلام خلقا ويجعله منك ولكن كيف ؟ بداية إحذر الشيطان الذي يغويك الان بقوله بأن الزمان تبدل والدنيا تغيرت ولم يعد مناسبا ولا حتى ممكنا أن نجمع أموالنا ونضعها في إناء ثم نقتسمها فهذا أسلوب ربما يصلح بالاشعريين في اليمن قبل خمسة عشر قرنا . عليك تطبيق قاعدة" ما لايدرك كله لا يترك جله " أي أرغم أنفه وأنف شهوتك الطاغية وخصص من مالك نصيبا شهريا محددا تجعله في حاجة جارك أو رحمك أو من تقدر حاجته إليه ولا تتخلف عنه ما حييت ثم إنظر في ملابسك وسائر متاع بيتك فأعمد إلى التخلص من كل مالم تعدلك به حاجة ثم عد به على من هو محتاج إليه سواء عينا أو عبر المؤسسات المختصة التي تثق فيها ولكن دعني أذكرك بقاعدة عجيبة " لو صح منك القصد لن تعجز يوما على الوصول إلى المقصد النبوي الذي أراده منك عليه السلام فلا يشغلنك الشيطان عن ذلك فالبدار البدار قبل فوات الاوان ".
الدرس الخامس : ليس لك سوى ما أكلت فأفنيت ولبست فأبليت والام عائشة تعلمك الدرس .
لو بدأنا بدرس الام عائشة عليها الرضوان إذ قالت له عليه السلام يوما بعد ذبح شاة " لم يبق منها يارسول الله سوى هذا " وأشارت إلى قطعة لحم صغيرة فإهتبل عليه السلام الفرصة المواتية وعلمها ونحن جميعا معها الدرس البليغ فأستمع إليه بإنصات " بل بقيت كلها يا عائشة سوى هذا" وهي حقيقة لو لم تفصل بين حياتك الاولى وحياتك الاخرى إذ سائر ما تنفقه إلا ما أكلت أو لبست هو مرصود لك في حسابك الخاص بك بإسمك في بنك الرحمان سبحانه ولا شك أنك تعلم اليوم عددا غير يسير من الناس الموسرين من حولك تمتد أموالهم على مد الابصار لا يحصيها حاص فلا يستمتعون بشئ منها لما نخرتهم الامراض المزمنة فتجد الواحد منهم لو جاوز طعامه حبات قليلة معدودة من هذا الثمر أوذاك قضى حتى ليموت كمدا وهو يرى الناس من حوله يأكلون ما بذره هو بكده وعمله طيلة عقود بعيدة ويستمتعون بطيبات ما زرع ويمنعه هو المرض من تناول شئ من ذلك .
الخلاصة : العدل بين الناس في المال وفي كل شئ هو المقصد الاسنى لدين الاسلام فبادر إلى تحقيق ذلك في نفسك قبل غيرك تكن منه عليه السلام ويكون هو منك ثم تجده أمامك شفيعا ومحاميا مفوضا من لدن العرش المجيد يخاصم عنك ويدافع بما رق قلبك وأنفقت يداك على المحتاجين كما أن العدل بحاجة اليوم إلى مؤسسات تجمع خير أهله ثم توزعه على أهله فهلا كنت في موقع يتيح لك تأسيس جميعة إجتماعية أو إغاثية تسميها تيمنا " جمعية الاشعريين " فالمؤسسة قوة تحمي مقصد العدل وتحققه على أكمل وجه ممكن .
-
رد: مــــائة مصباح من مشكاة النبــــوة
الحلقة الثانية والتسعون
أخرج الشيخان عن إبن عمر أنه عليه السلام قال " تقاتلكم اليهود فتسلطون عليهم ثم يقول الحجر يا مسلم هذا يهودي ورائي فأقتله ".
ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــ
من شواهده " لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ..."
موضوعه : اليقين في تحرير فلسطين يجري به نهر ينبع من عرش رب العالمين .
مبشرات كثيرة حملها الوحي الكريم إلينا منها ما تحقق في عهده عليه السلام ومنها بعد ذلك بقليل أو كثير ومنها مالما يكن كذلك ولا غرو فالوحي حمال أمل يبدد في الانسان ظلمة الكفر وعتمة اليأس وليس من دواء ضد سائر الامراض النفسية البشرية مثل الامل في حين عادة ما يكون اليأس إما سببا لها أو بلة طين تؤدي باليائس لا محالة إلى قبره في الدنيا وهو حي يمشي في الاسواق والامثلة في حياتنا اليومية من حولي وحولك كثيرة وإلا فما الذي يجعل الناعقين يهبون كالملدوغين المذعورين نجادا لدعوات التطبيع مع العدو الصهيوني إو إنتصارا لظالم هنا أو هناك. إنه اليأس أكبر أعداء الانسان ولا ريب كيف لا والشيطان كما يخبرنا عنه خالقه وخالقنا العليم بأمره وأمرنا " الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء ". والوعد بالفقر هو تيئيس من رحمة الله سبحانه ودعوة إلى التواكل أو الاختلاس والنهب والسلب أو الموت جوعا أو كسب المال عبر الكذب وتزوير الحقائق وهو الاسلوب المفضل اليوم لدى من إستبد بهم اليأس القاتل وصدق فيهم وعد الشيطان لهم بالفقر ولو كان واحدا لييأس ليئس الخليل إبراهيم وهو يلقى في النار مكتوف الايدي معصوب العينين فأنى لمثله أن تعود ذكرى دعوته التي سخر لها حياته يوما بين الناس ولو كان لواحد لييأس ليئس الكريم إبن الكريم يوسف وهو يلقى به في الجب ثم يباع رقيقا ثم يودع السجن فأنى له بأبيه بعد ذلك وقد حالت عقود كثيفة وأمصار عريقة وآصار كالجبال دونهما سوى أن الامل في الله سبحانه لا ينفك يدغدغ ألبابهم عليهم السلام جميعا وزماننا هذا معيار صادق لا يكذب بحكم تكأكؤ أقوياء الناس فيه على دعوة الاسلام بل على دينه بأسياف أبنائه على أرض أوطانه في أن الامل فينا اليوم هو رجل بقدر أمله ومؤمن بقدر أمله ومسلم بقدر ذلك وجدير بكل خير بقدر ذلك ذلك أن الرجل يعرف بالحق والحق يعرف بمدى حمله للامل والامل الصادق الذي لا تني له قناة رغم العواصف الهادرة والاعاصير المزمجرة هو الامل يوم الكريهة أما يوم الرغد والبسطة فلا تكاد تميز بين شهم وغادر .
القرآن الكريم والحرب ضد اليهود .
القرآن الكريم من ناحية الكم هو كتاب موسى عليه السلام وبني إسرائيل بإمتياز شديد ولم يكن ذلك الكم هدرا ولا هذرا حاشا لله سبحانه سوى أن كلمة الرحمان الاخيرة للناس أجمعين أرادت وهي تعزل بني إسرائيل عن حمل الامانة وإبلاغها بسبب الغدر والخيانة وتستأمن عليها أمة محمد عليه السلام تسليم ملف الاستخلاف كاملا ولن يكون كاملا حتى يحتوي على تقرير شاف كاف عن التجربة الاسرائيلية التي شغلت الكون والناس قرونا طويلة وبالفعل تضمن القرآن الكريم شهادات صادقة حية عن تلك التجربة ووصل به الاهتمام بذلك إلى حد أن الكلمات القصيرة التي يرددها كل واحد منا في اليوم سبعة عشر مرة على الاقل مختومة بالتعوذ من إتباعنا لصراط المغضوب عليهم بل قدم المغضوب عليهم وهم اليهود على غيرهم ولاشك أنه لا يستوي من غضب عليه بمن ضل فضلا عمن شهد له بأنه خير أمة أخرجت للناس . كثير من الناس اليوم يسألون عما إذا كان اليهود اليوم مشمولين بذات الخطاب القرآني فمنهم من يصرف ذلك عنهم بالجملة ومنهم من يسحبه عليهم بالجملة كذلك والحق أن اليهودية دين وليست عرقا أو أن ما لا يفتأ القرآن يؤكد عليه هو تدينهم وليس عرقهم لان الاسلام دين لا يقيم للاعراق والالوان ولا لسائر ما لم يختره الانسان عن حرية إرادة أي شأن فأنت لاتجد عتب القرآن على اليهود سوى فيما خبلوا على أنبيائهم ودسوا في دينهم وظلموا غيرهم كما أنه في المقابل تحدث عن اليهود وعن سائر الناس في الحقيقة بالمنطق الموضوعي الصادق الصحيح حتى كثر إستخدامه لمن التبعيضية " ومن الناس .." و" منهم من إن تأمنه .." كما أنه من جهة ثالثة لم ينقم على اليهود سوى لمرودهم على أخس ما يمكن أن تهود إليه نفس خبيثة من مثل الخيانة والغدر والكذب سيما على الله والرسل ومن ذلك قولهم " ليس علينا في الاميين سبيل " وإدعاؤهم بأنهم شعب الله المختار رغم أنهم كانوا كذلك لو إستقاموا " وأني فضلتكم على العالمين " فبالخلاصة السريعة فإن اليهود الذين حفل بهم القرآن في الفاتحة التي هي لنا كالنفس لا يفارقنا سوى عند الموت أو نبضة القلب أوفي أول وأعظم وأطول سورة تحدثت عنهم وهي البقرة هم كل من تهود دينا عن حرية وأختيار منذ يوم بعثته عليه السلام إلى أن يرث الله الارض ومن عليها وعليهم جميعا ينطبق الوصف القرآني الذي هو بدوره يتحدث عن الاغلبية المطلقة منهم وليس عنهم جميعا كما هو واضح جلي في تبعيضه كما أسلفت وعصرنا خير شاهد على ذلك حتى إن من لايساند الكيان الصهيوني المغتصب اليوم من خارجه منهم عدد قليل جدا فالقرآن يجمع إذن بين أمرين لابد لنا من شدة إستيعابهما وهما أن اليهود يستحقون غضب الله عليهم بسبب خيانتهم وغدرهم وتحريفهم للكلم وهو الامر الذي يمارسونه إلى اليوم وأن من تهود منهم أو من غيرهم دون شغب ولا ظلم بحسب ما تدعو إليه التوراة والانجيل والعقل البشري الراشد المنصف أكرمه الاسلام أيما تكريم إذ إعترف بديانته اليهودية رغم تخطئته لها .
أغبى سؤال من أشدنا عطالة وبخل وتواكل ويأس هو : متى نصر الله .
بلى لانه سبحانه وضع لتنزل نصره شروطا في عالم الاجتماع البشري بعد إنقطاع عالم المعجزات والكرامات بمعناها الخوارقي الخرافي السلبي الغريب عن فقه رسالة الاسلام وكرامة الانسان ووضع الشروط لا يعني صرامة رياضية عقلية لا تخرق من لدنه سبحانه ولكن يعني أن ذلك هو الغالب الاغلب على أساس ناموس الابتلاء وليس على أساس الصدفة أو خبطة العشواء وأصرح قانون في ذلك هو " إن تنصروا الله ينصركم ". وإنبناء صيغة الشرط هنا على دوام حال النصر في الاسم والخبر سواء بسواء يعني دوام حال النصر بوجه ما أو بكل الوجه على إمتداد التاريخ دون حصر سيما أن الجيل الذي يتنزل عليه نصر الله عادة مالايكون هو الجيل الذي إنشأ ذلك النصر في نفسه فإن فرط فيه فالذي يليه يؤدي الضريبة . فكيف نسأل بغباء عن نصر الله وكثير منا إن لم تكن الاكثرية الكاثرة فينا لا تنصر الله حتى بالتنزه خلقا ونفسا عن شراء بضاعة يصنعها العدو أو من يقف خلفه بكل قوته وكلكله ؟
أشدنا أملا في الله اليوم وأكثرنا تصديقا به مبلغه الاسنى من ذلك رصد إرهاصات الواقع .
لن أزال أعتقد دوما بأن قحاحة الامل الصادق إنما تنبجس من عتمة الليل البهيم أما ما دون ذلك فأمل الكسالى وثقة العاطلين ولا يستوي من تتجافى جنوبهم عن المضاجع يرقبون إنبلاج فجر صادق مع من تئط مضاجعهم منهم لطول غفلتهم وسوء نومتهم حتى إذا أيقظتهم الشمس المتلالئة في كبد السماء بلظاها أيقنوا أن يوما جديدا هل . ولو تتبعت اليوم معي سائر ما يكتب لالفيت أن أسنى ما هي بالغته آمال كثير من الناس رصد إرهاصات ذعر الصهاينة المعتدين فرارا من الارض المحتلة بالكلية أو إعادة إنتشار أو إحصاء لخسائرهم الاقتصادية ولست أحقر من ذلك ولا أغمز فيه سوى أن ما يصنع الامل فينا ويحفر لليقين في النفوس آبارا لا تنضب ليس هو ذاك بالدرجة الاولى ولكنه مثل هذا الحديث وغيره من البشارات الرحمانية ولا يكذب محمد عليه السلام فالرائد لا يكذب أهله . على أن بعض من يكتب برغم صدقه وإخلاصه وبراعته يستحي أن يجمع في ذات المقام بين البشارة الرحمانية وبين إرهاصاتها في دنيا الواقع إلا أن يكون المقام لا يتسع لذلك حقا حين يوجه لمن لا يؤمن بعالم البشارة الرحمانية أصلا .
للحجر قول في القضية فلا تك أقسى قلبا من الحجر .
" ثم يقول الحجر يا مسلم هذا يهودي ورائي فأقتله " تراءى لي والله أعلم أن " ثم " وهي تبعث فينا الامل بالصبر لعدم ضرورة التتالي الفائي والواوي نسبة إلى أختيها الفاء والواو في مكانها المناسب تحديدا لو صدقت الرواية حرفيا رغم أن لمسلم شيئا مخالفا قليلا إنفرد به عن روايته هنا مع البخاري . ذلك أن من ينصر الله ويرجو نصره لا يسأل عن النصر لئلا يكون لنفسه فيه حظ بل يظل يعمل إن كان في الساقة فهو في الساقة وإن كان في الامارة فهو فيها بل يظل يسأل دوما عن مدى إحكامه لنصرة الله في نفسه وفي ما يليه مما هو عليه غير ممتنع ولكننا نستعجل كما أخبر الصادق المصدوق ومن قبله القرآن الكريم وهل ضجر الصحابة يوما وهم يشهدون نبيهم عليه السلام يموت والروم تتهددهم من الخارج والردة العربية من الداخل أم مضوا بروقا خاطفة يقتلعون المبشرات الرحمانية إقتلاع صاحب الحق لحقه تقاضيا حسنا دون تلعثم ولا تردد؟ أختلف العلماء في نطق الحجر هل هو حقيقة أم مجازا ولكنه خلاف ما ينبغي أن يشغلنا عن مقصده المتفق عليه وهو أن الحق أصيل في الكون والخلق لئن كبت قرونا سحيقة وكتمت أنفاسه كرها لحكمة ربانية أو طوعا ظلما فإن له أجل هو لاقيه واليوم تكلم الحجر وهو يشعل إنتفاضة في فلسطين ظن الخائرون أنها شغب أطفال أو لعب صبيان تماما كما يفعلون في الاعياد فما لبثت أن تحول حجرها إلى صواريخ تهز كيان العدو الصهيوني هزا لولا أن الجنرالات المفجوعة من أثر حروب 48 و67 و73 لخواء جؤوشها الفارغة من الايمان ومن الامل فاءت خاسئة لاسطبلات داوود وطابا وشرم الشيخ ومدريد وأوسلو . ليس صدفة أن ترد كلمة الحجر في كل الاحاديث في هذا الموضوع وكثير منها متفق عليه بالغا أقصى درجات الصحة مسنودا من ظاهر القرآن ثم يكون الحجر ذاته هو شرارة أكبر الانتفضات وأوسعها أثرا على المستوى الدولي بأسره على مدى نصف عقد كامل حتى الان لا بل هي سليلة إنتفاضة 87 بعد كمون صغير وهذه بنت إنتفاضة القسام في 36 فلا مكان في هذا الكون للصدفة سيما في الاقدار والسنن والاسباب الرحمانية الكبرى ولست من المغالين إلى حد حذف كلمة الصدفة من لغتنا العربية الجميلة بدعوى كاذبة في تعارضها مع القدر . لو نطق الحجر حقيقة لا مجازا فليس ذلك على الله بعزيز وإلا فمن أنطق عيسى في مهده بل من خلقه من غير أب لا بل من خلق آدم من غير سابق مثال ومن أنطق الجلود يوم القيامة شاهدة على ظلم صاحبها ولو نطق الحجر مجازا فها نحن اليوم نسمع له صهيلا مدويا وزئيرا متوعدا على أيدي يافعين عزل ولو نطق الحجر مجازا وهو أصم صلد فمن باب أولى وأحرى أن تنطق الحمر المستنفرة اليوم من حولنا تسوقها قسورة الامريكان والصهاينة فذلك يوم التوبة ويوم التغابن الاصغر .
أليس آية رحمانية أن يصدع بالحق عمدة لندن وتسكت عنه الشياطين الخرس فينا ؟.
آية تلك هي والله أن يقوم عمدة لندن بنصرة الامام القرضاوي جهارا بهارا ثم يكشف أن دوائر الاستخبارات الصهيونية هي وراء الحملة ضده بسبب تأييده للعمليات الاستشهادية ثم يصرح للقارديان أكبر الصحف البريطانية بأن إسرائيل دولة ظالمة محتلة مغتصبة لارض فلسطين وليس لرئيسها شارون من مكان سوى وراء قضبان السجون ولك أن تردد الخبر بتأن في نفسك فتقف مليا على أن قائل ذلك ليس عمدة طوكيو مثلا أو القاهرة بل عمدة لندن العاصمة الثانية التي إنطلقت منها جحافل العسكر تدك العراق دكا وقبل ذلك بقرن إحتلت فلسطين ومنها تحرك وعد بلفور وزير خارجيتها وتقسمت الخلافة الاسلامية إربا إربا عبر معاهدة سايكس بيكو فقل معي حي على الحرية والديمقراطية لا بل لك أن تدقق في الخبر معي إذ يصرح عمدة لندن بذلك بعد شهور قليلة من إعتبار الاتحاد الاروبي ممثلا في برلمانه سائر حركات التحرر الوطني في فلسطين تقريبا حركات إرهابية رسميا فقل معي مرة أخرى حي على الحرية وعلى الديمقراطية التي لا تضع في السجن فضلا تحت مقصلة الاعدام شخصية سياسية من مثل عمدة لندن بتهمة خيانة أروبا بأسرها في أكبر قضية تواجهها أروبا وخاصة بريطانيا اليوم وهي قضية المقاومة في العراق وفي فلسطين بلى ردد معي بصوت عال حي على الحرية وعلى الديمقراطية ولا تثريب عليك شرعا . من أنطق عمدة لندن وهو مسيحي وركن من أركان نظام لا يريد للاسلام خيرا بالتأكيد ؟ إن من أنطقه يا صاح هو من ينطق الحجر غدا منتصرا لعبدالله المسلم ضد الصهيوني المغتصب . يحضرني هنا عليه السلام وهو يدغدغ أمل رجل مشرك قائلا له " هلا كنت في هذا الامر ـ أي أمر الاسلام ـ من الاوائل " فيأبى الرجل وينظر مصير المعركة بين محمد عليه السلام وقومه ثم يأتي مسلما بعد حسم الامر لصالح الاسلام فكان من الاواخر وفي كل خير ولا ريب سوى أن للاوائل فضلا " لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح .." فهلا كنت يا من تعتقد اليوم في قرارة قلبك في مرارة التطبيع وأحقية المقاومة من الاوائل ؟ إني أخشى عليك والله ألا تكون لا من الاوائل ولا من الاواخر فالموت أقرب إلي وإليك من شراك النعل .
-
رد: مــــائة مصباح من مشكاة النبــــوة
الحلقة الثالثة والتسعون
أخرج مسلم وأبوداود والترمذي والنسائي وإبن ماجة عن أبي ذر أنه عليه السلام قال " ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم : المسبل والمنان والمنفق سلعته بالحلف الكاذب ".
ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــ
موضوعه : أبغض رداء يلتحف به إنسان رداء الكبر وأبغض إعتداء هو الاعتداء على الانسان .
أذكر بداية بملاحظة قديمة وهي أن من أراد جمع خطام الكبائر والمهلكات والموبقات من الذنب فليس عليه سوى جمع سائر ما ذكر في ذلك بدء بالقرآن وإنتهاء بالسنة دون الاكتفاء بنص واحد أو بعدة نصوص مهما كانوا شاملين في عينك وهي ملاحظة مرتبطة بمبحث قرآني إسمه تنجيم القرآن أي نزوله متفرقا مبثوثا على مدى عقدين من الزمان ومثله السنة وفي ذلك قال " وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث " وعادة ما يقع الناس في الاخطاء عندما يستعجلون فيكتفون بنص أو نصوص في موضوع معين . كما لك أن تلاحظ معي هنا أن الخصال الثلاث التي ذكرها الحديث بلغ النكير فيها درجة لم يبلغها غيرها مما يوحي بكبرها عند ربك سبحانه وبعظيم أثرها في الدنيا على عباده سواء الذين يأتونها أو الذين يكونون ضحاياها " لا يكلمهم ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم " وقليلة جدا هي الذنوب التي تجمع كل هذا الوعيد فحتى الكافر غير الظالم لا يفعل به كل هذا من العذاب المعنوي والمادي سواء بسواء .
من هو المسبل ؟:
المقصود به من يرخي ثوبه إلى أسفل كعبيه . ومعلوم أن أبابكر الصديق عليه الرضوان كان يسبل ثوبه : أخرج الشيخان وأبوداود والنسائي عن إبن عمر أنه عليه السلام قال " من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة " فقال أبوبكر " يارسول الله إن إزاري يسترخي إلا أن أتعاهده" فقال له عليه السلام " إنك لست ممن يفعله خيلاء ". ربما يظن بعض الناس أن الاجتهاد مطلقا محل صواب دوما وربما يستندون في ذلك إلى حادثة صلاة العصر في الطريق إلى بين قريظة بعيد الاحزاب وهي حادثة معروفة مشهورة لكل طالب علم في يومه الاول منه وإذا كانت المسألة لها إرتباط بالاصول فيما عرف بالمصوبة والمخطئة فإن الثابت أن الاجتهاد منه المصيب ومنه المخطئ " من إجتهد وأصاب فله أجران ومن إجتهد فلم يصب فله أجر واحد " سوى أن الناس ينطلي عليهم مثل ذلك الازدواج بسبب خلطهم بين القضايا التي يتعين فيها حق واحد لا يتعدد في أصله على الاقل من مثل وحدانية الله سبحانه وسائر العقائد اليقينية الثابتة المطلقة وبين القضايا التي يمكن للحق فيها أن يتعدد ليسع الناس في بيئاتهم وعقولهم وسائر متغيرات أمرهم . وتبعا لذلك فإن بعض الناس يضيقون من دائرة الاختلاف والتنوع فيسقطون في التنطع والغلو والتشدد غير أن بعضهم الاخر يوسعون من تلك الدائرة حتى ليجتمع الامر ونقيضه والعقل الذي جعله سبحانه مناطا للتكليف الشرعي يقوم على التفريق بين المختلفات والجمع بين المتماثلات . ففي موضوعنا مثلا موضوع الاسبال ليس من الحكمة البتة أن نقول أن الاسبال ممقوت لذاته ليس لان رواة الحديث الاول هم ذاتهم الذين رووا عنه عليه السلام بأن أبابكر ليس منهم حقيقة رغم أنه منهم صورة فحسب ولكن كذلك لانه يوجد في كل عصر وفي كل مصر أناس يأتون من الكبر والاستكبار على الله وعلى الناس ضروبا لا تحصى ولاتعد وهم ربما عراة أصلا أو يرتدون تبابين بالكاد تستر منهم العورات المغلظة فنعدهم غير مغضوب عليهم رغم كبرهم الذي تضج منه الخليقة والبسيطة لو نطقت بحجة أنهم لا يسبلون الثياب فنحارب المسبلين أي نحارب أبا بكر الصديق وندع عتاة المستكبرين . هذا وهم وحمق في الفهم وخطل في الفقه وقول على الله ورسوله بغير علم لا يشفع لاصحابه أن الورع حملهم على تحري سنته عليه السلام في كل كبيرة وصغيرة لان تحري السنة في الصغيرة لا يتضارب مع حسن الفهم ودقة الفقه فمن تحري السنة في الصغيرة مثلا إحياء سنة الاكتحال رغم أنها اليوم في بيئات كثيرة أعرفها منفرة ولكن لو تحراها العبد فلا بأس ومنها إرخاء اللحية بحد القبضة وليس دون ذلك ولا أكثر ومنها إلتزام السواك وتتبع أثره في مناسك الحج شبرا بشبر وذراعا بذراع لو إستطاع الانسان ذلك وسوق هذه الامثلة يبرز أن التحري الدقيق شئ وهو أمر محمود ولا شك إلا أن يصرف عن واجب دعوي مثلا أما التشديد في تقصير الثوب فوق الكعبين بما يخالف العرف والعادة بإسم تحري السنة والاعتقاد بأن المسبل غير المتكبر مثل أبي بكر هو في النار فذلك وهم وسوء تدين .
من هو المنان ؟:
المن هو القطع لغة وسمي كذلك شرعا لان الاستكبار على الناس ببذل المال والسعي في حاجتهم مؤذن بسرعتهم تعففا ولو مع حاجة شديدة إلى قطع ذلك عنهم وهو في قمة ما يغضبه سبحانه لانه هو المنان إذ لايجوز المن سوى لمالك كل العطايا إسداء ومنعا ملك أصالة لا تبعية كما هو حال الانسان . وإذا أردت أن تعرف غضب الله على المنان فلك أن تراجع أواخر سورة البقرة وتحديدا في بداية آيات الانفاق الطويلة فإنك لاف أن أغلب آيات الانفاق ومنذ البداية لا تدعو إلى الانفاق بل تدعو إلى عدم المن فيه وظلت تضرب لذلك الامثال وتقص القصص حتى ليخرج التالي بدرس بليغ مفاده أن منع الانفاق مع منع المن أولى من بذل الانفاق مع بذل المن فماهو السر في ذلك يا ترى ؟ ذلك هو السؤال الصحيح الذي عليك أن تطرحه كلما ألفيت سلوكا صغيرا رتب عليه الباري سبحانه عذابا أليما . ولك في الاسبال مثال رائع فهو سلوك صغير جدا عادة ما يتعلق بالاعراف والتقاليد لا بالاديان ولكن لم شدد الوحي فيه إذن ؟ الجواب : لان الاسبال يومها كان مصحوبا في الغالب بالكبر فلو جاء زمان مغاير كان الكبر فيه بالتعري جملة وتفصيلا هل نغض الطرف عن الكبر أم ندور مع المقصد الذي من أجله حرم الاسبال دوما ؟ فالسر في تحريم المن إذن هو تحرير ذمم الناس وخاصة الممنون عليهم وعادة ما يكونون فقراء وضعفة من عبودية الاغنياء والموسرين فمن أراد أن يسعى في حاجة الناس دون أذى لكراماتهم أي بإخلاص لله سبحانه فليفعل وله بذلك أجر المجاهدين ومن لا يستطيع ذلك سوى بإستعبادهم فإن ربك أولى بإستعباد خلقه والمن عليهم لذلك يقذف يوم القيامة بالمتكبرين على خلقه سواء كان ذلك عبر إسبال الثوب لتهديد الناس والتبرج بالنعمة وقود الطامعين الخائفين الجائعين إلى سحتهم قود العبيد أو كان ذلك عبر إستعباد العباد بالمن لان المنان ربما يشبع بطنا جوعاء ولكنه يسجن نفسا كريمة ويخفر ذمة محرمة ومعلوم أن رسالة الاسلام إنما جاءت لتحرير العباد من عبادة العباد .
من هو المنفق سلعته بالحلف الكاذب ؟:
عبر الاسبال إستكبارا لا عادة أو عرفا بريئا لا يزرع رياء ولا مهابة في صدور الناس وعبر المن إستعلاء يمكن خفر ذمة الانسان المعنوية لذلك كان الاسبال رمز الكبر محرما كما هو حال المن غير أن الانسان لا يتقوم بالذمة المعنوية فحسب رغم أنها الاولى فالانسان كذلك حاجة مادية لابد له من تكريم نفسه بالمال وحتى يحرر الاسلام الانسان بالكلية مادة ومعنى كان لابد لهذا الحديث الكريم العظيم أن يحشر في النار المستكبر على الانسان المستعبد لذمته مع المتعدي على ماله سواء بسواء فكان تحريم أكل أموال الناس بالباطل وهو أسرع طريق للاحتيال والنصب لذلك وعد سبحانه التاجر الصدوق بالحشر مع الانبياء والصديقين والشهداء ولذلك كذلك ليس يسيرا جدا أن يكون التاجر دوما ومع كل الناس وفي كل الازمات صدوقا لان التاجر معرض للكذب في كل لحظة بإعتباره في علاقة مع زبون جديد ويستوي في ذلك أن يكون التاجر صغيرا يعرض سلعته بنفسه أو كبيرا تتولى عرضها آلاف الوكالات وملايين العملة وليس يسيرا جدا على التاجر الذي يمر بضائقة مالية ومنافسة قوية إلتزام الصدق دوما ومع كل أحد ولو كان كافرا إبن كافر وليس يسيرا جدا أن ينجح كل تاجر وكل إنسان في إمتحان المال إذ أن المادتين الرئيستين في إمتحاننا بأسره الذي يظل معقودا عقودا طويلة والتي على أساسهما يرسب الواحد منا في الامتحان أو يفوز ليستا هما سوى مادة النساء ومادة المال فإن فاز الانسان فيهما فاز فيما سواهما وإن سقط فيهما لم يفز ولو بنى لله مليون كعبة وطاف بها مليون طائف مع مطلع كل شمس. وليس يسيرا على التاجر أن يحفظ لسانه من الحلف ومن شأن الحلاف أن يقع في الكذب ولو كذب الانسان مرة فإنه ولج بابا ليس يسيرا عليه أن يخرج منه فليس كثيراعلى المنفق سلعته بالحلف الكاذب إذن أن يحشر مع المعتدين على ذمم الناس بالمن أو بالكبر سواء عبر الاسبال أو عبر غيره وذلك لانه إرتكب آثاما كثيرة مرة واحدة : أولها أنه أكل مال الناس بالباطل وثانيها أنه حلف بالله سبحانه من أجل ذلك فكان المال أغلى عنده من عظمة ربه سبحانه أما لو حلف بغيره فقد أشرك والعياذ بالله وثالثها أنه كان كاذبا في حلفه .
الخلاصة : مامن كبيرة مبغوضة عنده سبحانه إلاوهي مرتبطة بالعدوان على صنعته التي فضلها على الملائكة وهي الانسان وأبغض عدوان على الانسان يكون بالاستكبار عليه لان الكبر يعبد الناس لغير ربهم الحق ولو لم يكن الكبر كبيرا عنده سبحانه لماقال فيه " لايدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر" وسواء كان الكبر بالاسبال أو بغيره من الصور فإن الكبر محله القلب وفي كل عصر ومصر يتخذ له صورة فلا تكن سليب الارادة سجين النفس حبيس الحرية حتى حيال أشرف من خلق الله سوى الانبياء فالمسلوب حيال أولئك لا يأمن على نفسه أن يكون سليبا حيال هؤلاء اليوم فالامعية هي هي والتميز مطلوب فكن أنت بنفسك لا ترض أن تكون نسخة من أحد ولا تتبع سوى الانبياء وسائر من عداهم مجتهد لا يسلم من كبوة كائنا من كان ثم كن على حذر من ذمم الناس وأموالهم فإن نجحت في مادتي النساء والدنيا فأبشر بالجنة ولو في جهة الاعراف المقابلة لها وإن رسبت في مادتي النساء والدنيا فأبشر بالنار كانت ما كانت عبادتك.
-
رد: مــــائة مصباح من مشكاة النبــــوة
الحلقة الرابعة والتسعون
أخرج الشيخان عن أنس أنه عليه السلام قال " من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه " ــ كما أخرج الشيخان عن عائشة وإبن عمر أنه عليه السلام قال " مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه ".
ــــــــــــــ
من شواهدهما " الذي تساءلون به والاحام " و" والجار الجنب " الخ ...
موضوعهما : جنتك عند جارك ورحمك أما فردوسك فعند رحمك الذي هو جارك .
أردت جمع الحديثين معا لصلتهما ببعضهما صلة وطيدة موثقة سيما أن أغلب رحمنا في أرياف وقرى بلداننا العربية هم في الان ذاته جيراننا ولمن أراد حفظ هذا لا يعزب عنه حفظ ذاك فكلاهما معدود الكلمات محدود الخطوات .
الدرس الاول : تشريعات الاسلام مبناها الترغيب تماشيا مع " وإنه لحب الخير لشديد".
ورد في سورة العاديات أن الانسان شديد الحب للخير والمقصود به خير الدنيا لا خير الاخرة وهو ليس موضع ذم مطلقا ولا مدح مطلقا لانه من متعلقات الفطرة التي لا يملك الانسان تغيير تضاريسها والدليل على ذلك أن كل تشريعات الاسلام مبناها على الترغيب والترهيب في الان ذاته ففي حديث الرحم هذا مثلا يتوسل التشريع الاسلامي ترغيبا للانسان في فعل الخير بترتيب حصوله على أحب ما يتوق إليه في هذه الدنيا لو فعل ذلك الخير فالانسان يصل رحمه ورغم ذلك يجازى في الدنيا بأحب ما يحبه وهو رزق مبسوط وعمر ممدود وذلك هو سر من أسرار حياة وخلود التشريع الاسلامي دون غيره فكل تشريع مناسب للانسان يلبي له حاجياته هو تشريع يكتب له الخلود حتى لو فسق عنه بعض الناس .
الدرس الثاني : أحقية الاله في الالوهية تنبع من ملكه لاشد ما يرغب الانسان ويرهب .
من عجيب ما قال سبحانه " ومن يدع مع الله إلها آخر لا برهان له به فإنما حسابه عند ربه " ولعلك تسأل بل يجب أن تسأل طلبا للفقه الاصلي الحقيقي الذي يجعل منه إنسانا : وهل يملك إنسان برهانا على إله آخر سواه سبحانه ؟ أو تسأل كيف يدعونا من ناحية إلى التوحيد وفي الان نفسه يشترط على مدعي ألوهية أخرى لغيره سبحانه تقديم البرهان ؟ والجواب طبعا هو بناء عقلك على القطع اليقيني المطلق إقتناعا وإطمئنانا في أخطر قضية وجودية تواجه الانسان وهي : من أين ولم وإلى أين ؟ من جهة وبناء حياتك بأسرها على سلطة البرهان لا على سلطة أخرى من جهة أخرى . وهو سبحانه لما عرفنا عن نفسه إلها واحدا معبودا بحق دلل على ذلك بملكيته لامرين لا يملكهما غيره وهما من أشد ما يرغب الانسان فيه ويرهب منه وهما : الرزق والعمر .
الدرس الثالث : كيف ينبسط الرزق وينسأ الاثر لواصل الرحم ؟.
لا يستقيم للانسان وجود حتى يجمع بين أمرين : الغيب والشهادة لانهما فيه مجموعان دوما فروحه غيب مطلق لا يشعر سوى بأثرها فهو بها حي وبدونه ميت ولكن لا يعلم عنها شيئا لاكبيرا ولاصغيرا بينما بدنه شهادة فكيف ينفي الغيب كافر دعي ؟. لذلك فإنه لا يملك واحد إجابة كافية شافية مطلقة عن سؤال كهذا وليس معنى ذلك التفصي منه . ولابد لكل إجابة أن تجمع بين أمر الغيب والشهادة معا ففيما يخص الغيب هنا لابد لنا من الايمان بالبركة التي تجعل من الفقير قانعا مطمئنا ومن السجين راضيا مرضيا ومن المريض كأنه أصح الاصحاء والبركة هي التي يفي فيها الرزق الصغير المحدود بحاجيات عائلة كبيرة ويتسع فيها الوقت المحدود لقضاء مآرب كثيرة وليست من المعجزات والخوارق والكرامات الكاذبة بل هي من عادة حياة كل مؤمن قوي الصلة بربه سبحانه فالبركة بالخلاصة لا ترى ولكن يجد الانسان برد ثراها في نفسه طمأنينة رغم دونيته في الرزق والقوة كما يجد أثرها سعة في ماله وقوته قناعة ذلك هو الجانب الغيبي والله أعلم من إنبساط الرزق وإنساء الاثر لواصل الرحم أما شهادة فإن من شأن واصل الرحم توسيع دائرة معارفه وعمله وعلاقاته بما يكسبه الخبرة والاشتراك في الخير وفرص التعاون في مشروعاته فإذا كان معدما محتاجا فإن واصل رحمه يكون محل ذكر منهم يصلونه بزكواتهم وصدقاتهم ومساعداتهم فيما لا يجد ذلك قاطع رحمه لان النفس مجبولة علىحب من أحسن إليها أما الانساء في الاثر فمعناه تأجيل الموت أو مد العمر وهو تعبير فيه ما فيه من المجاز لان الانساء له أجل مأجول وهو ذات الاجل المحدد قبل ولادة الكون بأسره ولكن مضت عادة الوحي أن يرغب الانسان ولو بإستخدام المجاز والاثر لا يعني العمر والحياة فحسب رغم أن ذلك هو السائد ولكن يعني كذلك ما ورد في سورة يس " ما قدموا وآثارهم " فالاثر يعني ما قدمه الانسان في حياته ويبقى بعد موته حيا وخاصة بإنتفاع الناس منه وفي ذلك ذكر حسن له يلبي له غريزة حب البقاء وحسن السمعة حتى بعد الموت حبا للولد وخوفا عليه من النائبات ولذلك كانت العرب في الجاهلية تئد الانثى لانها بزعمهم لا تحمل ذكر الوالد فإنساء الاثر إذن يعني مجازا التمديد في العمر ولكنه يعني حقيقة أمرين : إشباع الحياة بالبركة كأن يعمر الانسان قليلا ويثمر كثيرا والامر الثاني هو توسعة دائرة الاثر الطيب بعد الموت من خلال المشاريع العمرية الحياتية الثلاث التي أشار إليها حديث " صدقة جارية و..." أي يمتد أثرها في الناس كما يمتد أثر الولد الصالح والعلم الصالح فيكون الانسان بذلك حيا بعد موته ولاشك أن واصل رحمه يتمكن من ذلك بخلاف القاطع لان الانساء في الاثر لابد له من المرور عبر بوابة الرحم فلو لم يزك الرحم رحمه في العادة خاصة في المجتمعات التقليدية المحافظة عندنا لا يغنم القاطع أثرا فضلا عن أن ينسأ فيه بعد موته ولذلك زكى الاسلام نظام العاقلة الذي بناه العرب قبل الاسلام وهونظام إجتماعي تعاوني تأميني تضامني تكافلي على غرار ما هو موجود اليوم في الدولة المعاصرة .
الدرس الرابع : من هم الرحم تحديدا ؟
هذا سؤال كثير الورود والجواب عنه لا يأتي هنا مفصلا ولكن علىوجه الاجمال فإن الرحم هي الشبكة الانسانية التي ذكرها القرآن في مواضع ثلاث وهي : آيات الفرائض أو الميراث في النساء وآيات النساء المحرمات فيها كذلك وفي موضع ثالث متفرق يشمل سائر أجزاء شجرة الاصول مهما علوا والفروع مهما نزلوا وهذه الدوائر الثلاث في تشابك مع عنصري الرضاعة والمصاهرة ولك أن ترسم شجرة رحمك بناء على هذا الهيكل بنفسك فتحصيهم بأسمائهم واحدا واحدا وترتب برنامجا سنويا لوصلهم وخاصة في المناسبات التي تكون ملائمة لذلك سواء كانت مناسبات خاصة من فرح وترح أو مناسبات عامة كالاعياد كما لك أن تعلم أمرين في الفقه : أولهما أن النفقة على الرحم الكاشح أي الفقير المحتاج واجبة وجوب الصلاة حال وجدك وحاجتهم وفق سلم الاولوية طبعا أولوية قرابة الرحم وهو واجب يجبر عليه القاضي المسلم ويعاقب عليه أما ثانيهما فإن الوالدين ليسا من الرحم بل هما أعلى وأسمى وأولى بكثير. ويستوي الرحم في كفره وإيمانه لانها معاملة إجتماعية وليست دينية محضة .
الدرس الخامس : الجار رحم وارث في روعه عليه السلام .
" حتى ظننت أنه سيورثه " ولك أن تسأل من ترث ومن يرثك ؟ أليس هو رحمك نسبا أو مصاهرة ؟ فالجار لفرط إيصاء جبريل أمين الوحي عليه السلام به كاد أن يتساوىمع الرحم في حقه في مال الهالك أي الميت . والجار في الحقيقة شريك لك في بيتك وخاصة نفسك وأرضك ومالك ويراك وتراه صباح مساء ليل نهار كما لا يقع لك ذلك من أحد وكثيراما تطوح بك نوائب الدنيا وتقلب الايام فتعيش مع جار حقبا من الدهر طويلة لا يجمع بينكما دين ولا لغة ولا وطن ولا لون ولا عمل سوى رحم الجوار أفلا يكون هذا لك الرحم الذي تأمنه على نفسك ومالك في حضرتك وغيبتك بينما لا تتمكن من وصل أبيك وأمك وولدك وأخيك وأختك وسائر من أرضعوك وحملوك وحضنوك وربوك وعلموك سوىمرات قليلة في كل عام عبر الهاتف فأيهما تشعر بالقربىمنه ؟ إنه الجار لولا الرحم أما لوكان الجار رحما ومسلما فهو جنتك حقيقة محققة لامجاز فيها وأغلب المسلمين اليوم على هذه الحال . على أن لك أن تعلم أمرين : أن واجب الجار حيال جاره ينسحب على الافراد إنسحابه على البطون والقبائل وعلى البلدان والدول والشعوب والامم سواء بسواء سوى أن مما ورثنا من الانحطاط أن الدين شأن فردي لا يشرع للجماعات بطونا وعشائر وشعوبا وقبائل ودولا وحضارات أما الامر الثاني فإن الجار هنا مطلق يعني الكافر والمسلم علىحد سواء وبالتجربة ظهر بأن جارك الكافر حين يعرف إستقامتك وتمسكك بدينك فإنه يحترم ذلك فيك كثيرا فلا يدعوك مثلا لاحتساء خمر على مائدته وذلك بالرغم من أنك جار له في بلاده وأرضه وأنت غريب إبن غريب.
الدرس السادس : كن أباحنيفة الذي إهتدى إلى الاسلام تأثرا بأخلاقه يهودي .
أهل العطالة والبطالة والسلبية فينا سيقولون ذاك أبوحنيفة لا يشق له غبار . كان أبوحنيفة فيما يروى له جار يهودي يبغضه ويضع الشوك يوميا في طريقه فظل الامام يزيح الشوك محسنا إلى جاره المعتدي بلطف أهل اليقين الصابر وذات يوم لم يجد الامام في طريقه شوكا يزيحه كالعادة فسأل عن جاره فأخبر بأنه مريض فعاده ولما شفي من مرضه عاد إلى فعله السابق وعاد الامام إلى ذات الصبر الجميل ملتزما الاحسان وذات يوم لم يجد شوكا يزيحه فسأل فأخبر بأن جاره سجين فذهب إلى الوالي وشفع فيه فشفع وخلي سبيله فلم يجد اليهودي بدا من إعلان أنه لاإله إلاالله وأن محمدا رسول الله عليه السلام . القصص في هذا أكثر من أن تحصى وكلها من مشكاة محمد عليه السلام قولا وعملا ولكن المشكلة فينا أننا نستمع ببلادة ثم ينقضي الامر بتعلة أن جاري ليس هو جار أبي حنيفة والحقيقة التي نتحاشاها هي أنه لم يتبدل في هذه الدنيا سوانا .
الدرس السابع : ماهو السر في رفع الاسلام لمنزلة الجار والرحم : الجماعة ثابت مقدس .
بلغ الاسلام شأوا لاقبل لسائر ما سواه به في جمع كلمة الناس حتى أن نداءه للناس سيما في القرآن المكي وهو الاصل الذي بنى الاساس العقدي والخلقي والفكري ظل يجلجل عقدا كاملا من الزمن وكاد يناهز نداء الذين آمنوا ثم نزل إلى مستوى نداء أهل الكتاب فناداهم طويلا وكثيرا نداء كاد يناهز نداء الناس قاطبة ثم أقر أديانهم وجودا وإعترافا ورتب على ذلك تشريعات بيننا وبينهم ولكن دون تصديق منه لها ثم نادى أهل الكتب الثلاث : الاسلام والنصرانية واليهودية إلى كلمة سواء عنوانها التوحيد وتقديم العدل والاعتراف بالاختلاف ضمن جماعة الاديان السماوية ثم نزل إلى مستوى المؤمنين فلم يرض منهم سوى بالتدين الجماعي حتى في التقوى والصلاةوالصيام والزكاةوالحج والذكر فضلا عما سوى ذلك مما هو جماعي بطبيعته وحتى يتأسس كل ذلك بين المؤمنين ثم بينهم وبين أهل الكتاب ثم بين أهل الديانات السماوية الثلاث وبين الناس قاطبة سعى إلى وصل علاقة الجار بجاره والرحم برحمه لانهما نواة سائر تلك العلاقات الانسانية الرحبة تماما كما أن الاسرة نواة المجتمع فأنت ترى معي إذن أن الاسلام بمثابة شبكة واسعة عريضة ممتدة تبني خلاياها خلية خلية لا تتعدى للكبرى حتى تحكم صنعة الصغرى فلو إنهدمت علاقة الجار بجاره والرحم برحمه فمن باب أولى وأحرى أن ينهدم ما يليها. ذلك هو السر الاسنى والمقصد الاعظم الذي من أجله جعل الاسلام دربا خاصا من دروب الجنة التي لا تحصى سماه درب الاحسان إلى الرحم وإكرام الجار : إنه مقصد حفظ الجماعة من أن تؤتى من عقدها الاولى وخلاياها التي تلتقي ليل نهار صباح مساء فكما أن القلب لو توقف عن النبض دقائق معدودات فإن الحياة تفارق الانسان كذلك حياة المجتمع قلبها النابض وخليتها الخافقة هي الجار والرحم والرحم والجار في الحقيقة أسوار الاسرة ففي مجتمعاتنا الريفية ليس هناك لبيت الاسرة أسوار فأذكر أنه كلما خرجت من بيتنا أرى جاري ورحمي لا بل أراهما وأنا داخله فلم يكن لبيتنا باب أصلا لا بل أسمع حديثهما وكأنهما يعيشان معي تحت سقف واحد واليوم ليست الحال بأفضل في علب الكبريت التي يزدحم فيها الناس في نواصي المدن وصياصي العواصم فمقاولات الاستغلال على حساب الحياء شيدوا دورنا علىنحو تنعدم فيه قيم الحياء مطلقا فلا يفصل بين الجار وجاره سوى أنه لا يراه بل لا يعرفه أصلا أما عن سماع نجوى الزوجين فوق فراش الزوجية ليلا فهو متاح لكل جار عن يمين وشمال وتلك هي المادية الكالحة السوداء التي يلهث الناس إليها سرابا خادعا لنيل حطام لا يسمن ولا يغني من جوع لكنه يحول الانسان من كائن حيي إلى سبع مفترس
-
رد: مــــائة مصباح من مشكاة النبــــوة
الحلقة الخامسة والتسعون
أخرج أبوداود وغيره عن إبن عمر أنه عليه السلام قال " إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم ".
ـــــــــــــ
موضوعه : أسباب الذلة التي نحن في يمها مبسوطة أمامنا فهل إلى عز تليد من سبيل ؟.
الملاحظة الاولى التي لابد لنا منها جميعا هي أن نزع الذلة من خلال نبذ التبايع بالعينة وأخذ أذناب البقر والرضى بالزرع وترك الجهاد رجوع إلى الدين بنص الحديث الصريح وكثير من الناس يتحاشون تسمية ذلك رجوعا إلى الدين فهو عندهم عز ونهضة وتقدم وتحضر وإزدهار ورقي ورخاء وسمه ما شئت سوى أن يكون ذلك رجوعا إلى الدين وأساس مصيبتنا اليوم أن الدين عندنا ليس باعث عز وطارد ذلة أو جالب إستقلال وعدو إحتلال ولا حتى باني إقتصاد وطني عادل كسبا وتوزيعا أو باني حرية وكرامة بل هو في أحسن الحالات عقائد جامدة ميتة موغلة في غيبية يعتبر مجرد الحومان حول فهمها كفر وهرطقة وزندقة أو طقوس تعبدية لا تزكي روحا ولا تقوي نفسا ولابدنا كذلك وبذلك أخذ قيصر حصته كاملة ثم طغى على ما لله سبحانه فينا فيأتي هذا الحديث ليصرح بأن نزع ا لذلة هو رجوع إلى الدين ومن معاني ذلك أن العزة والكرامة والحرية والحق في الدين وليس في غيره إنك لو حققت معي مليا لالفيت بأن ذلتنا اليوم أساسها المؤسس فكري ثقافي تحول بمقتضاها دور الدين في حياتنا من صانع إنسان حر كريم يتأبى على الركوع لغير خالقه سبحانه باذلا دون ذلك حياته رخيصة إلى مخدر إنسان وشتان بين دين صانع ودين مخدر . تلك ملاحظة أولى لابد لك من إستيعابها مليا .
كما لك أن تتفرس في البناء اللغوي لهذا الحديث وهو بناء شرطي يقدم الاسم ويجمع فيه أربعة شروط ثم يرتب عليه خبره ثم يبسط الدواء الشافي بعد تحليل ضاف كاف للداء وتلك هي مهمة الاطباء والحكماء بدنا ونفسا ولسنا نرى أطب منه عليه السلام للانسان في كل زمان وفي كل مكان وفي كل حال .
وقفة قصيرة مع مفردات الحديث ومشكلة اللغة :
التبايع بالعينة : إشتراء بضاعة من بائع بمبلغ مؤجل ثم بيع ذات البضاعة لذات البائع في الحال بمبلغ أقل منه مسلم في الحال وهي صورة محرمة لانها طريق إلى الربا ومن بدائل هذه الصورة المحرمة شراء تلك البضاعة بثمن مؤجل وبيعها لمشتر آخر بثمن أقل من ثمن شرائها مسلم في الحال وهي صورة مباحة وعادة ما يلجأ إليها المدين أو من في حكمه .
أخذ أذناب البقر والرضى بالزرع : إتباع المناشط الفلاحية والزراعية وتربية الحيوانات وسائر ما يدخل في ذلك .
مشكلة اللغة : اللغة أداة تواصل بين الناس وهي ألسن متعددة دليلا على عظمته سبحانه وآية على ناموس الاختلاف الخادم ليسر الحياة بين الناس فوق الارض ولوحدانيته سبحانه " وإختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لايات للعالمين " بفتح اللام وكسرها . اللغة ككل كائن حي لها جذر أصيل مشترك لا يتغير كما أن لها فروعا تتغير من بلد إلى آخر ومن زمان إلى آخر ولذلك جاء القرآن على سبعة أحرف أو أربعة عشر قراءة ومن مظاهر تغيرها إنفتاحها على لغات أخرى عبر الاقتباس المتبادل وكثيرا ما تجد في لغتنا العربية مثلا كلمات تعد بالمئات الكثيرة في متون المعلقات العشر المعروفة لم يعد لها اليوم وجود وربما من أهم المباحث اللغوية هي التردد بين الحقيقة والمجاز وللمجاز أبواب كثيرة ومن تلك المباحث أيضا الكناية أي أخذ مظهر واحد من مظاهر مشهد ما عادة ما تعسر الاحاطة بشتى مشاهده ثم التعبير به عن سائر تلك المشاهد وهذا مألوف بكثرة كاثرة في لغة العرب وقريب منه ما يسميه المفسرون للقرآن أنه وارد مورد الغالب فلما كان المشهد الغالب عند العرب في زمنه عليه السلام وغيرهم ضربا في الارض هو مشهد إتباع النعم عامة ومنه الابل والغنم والبقر رعيا وإنتفاعا عاما من جهة ومشهد الحرث والزرع والحصاد من جهة أخرى فإنه عليه السلام إختار للتعبير عن قصر الاهتمام بالدنيا مع التفريط شبه الكامل في الاجتماع مع الناس والاهتمام بشؤونهم مشهدي البقر والزرع وبالخلاصة فإن أغلب الناس عادة ما يقعون في سوء الفهم ومن ثم سوء العمل بسبب جهلهم لمشكلة اللغة سواء في علومها أو في إختلاف مدلولاتها نسبيا من زمان لاخر ومكان لاخر وعجزهم العقلي الفادح عن مطالب التعدية والقياس وبالتالي إصابة المقصد المقصود .
السبب الاول من أسباب ذلتنا المعاصرة : التبايع بالعينة أو الظلم الاقتصادي .
يستبعد بعض الناس أن يتضمن الوحي تحليلا للمشاكل الاقتصادية التي تعصف بالناس أو وصفة صالحة لاحلال العدل محل الحيف ومما يزيد من ذلك الاستبعاد إستخدام الوحي وخاصة الحديث لكلمات مستلة من رحم واقع فلاحي بعيد كماهو الحال في حديثنا اليوم ومن هنا فإن جهد المصلحين مضاعفا على أكثر من جبهة . أما إذا شاغبك واحد بقوله بأن أزمة أمتنا اليوم لم تصل إلى حد الذلة المطبقة فإنك نذرت نفسك لعمل أيسر منه زحزحة جبال شامخات راسيات عن مكانها. كما أن بعض الناس لفرط جمود قاس فيهم يستبعدون تعدية صورة التبايع بالعينة رغم الظلم الصارخ الذي فيها قياسا إلى تحريم كل صور تبادلية مالية أو مادية أو خدمية بسبب مقصد الظلم ذاته وكأن الظلم المالي له صورة نمطية واحدة على مر العصور ولاجل ذلك تجد المسلمين اليوم يتهافتون على الربا أكلا وإستسلاما لذلته القاسية . وليس صدفة وأنى للصدفة في الوحي أن يضع عليه السلام شرط التظالم الاقتصادي بين الناس على رأس رزحنا تحت ذلة مهينة وهل ينكر واحد منا اليوم مثلا أن النهم إلى المال والدنيا هو من أكبر دوافع الحكام إلى إحكام القبضة الحديدية على الناس وهو ذات النهم الذي يدفع المحتلين من الصهاينة والصليبيين إلى مداهمة آبار النفط عمود الرخاء الاقتصادي في العراق ومنطقة الخليج بأسرها فالظلم الاقتصادي إذن بصريح السنة الكريمة مؤذن بتنزل الذلة المخسئة بساحتنا وهو أمر نلمس اليوم أثره العملي بمعاناة شاقة.
السبب الثاني من أسباب ذلتنا المعاصرة : إتباع البقر والرضى بالزرع أو التفكك الاجتماعي .
إتباع البقر والرضى بالزرع يتعديان قياسا إلى صور كثيرة من صور ذلتنا المعاصرة فهما يعنيان لنا اليوم أمرين : أولهما إنصراف الناس في أغلبهم الغالبة على الاقل إلى شؤونهم الخاصة لاهثين وراء كسب الدنيا لهث الجائع النهم الذي لا يشبع ليس لفقر وحاجة ولكن لتعلق القلوب بالدنيا تنافسا فيها تنافس الوحوش الراكضة في البرايا مع ما يصحب ذلك من تظالم وتعاد ولاشك أن الدنيا أكبر مادة إمتحان لنا في حياتنا الاولى والناجح في تلك المادة هو الموفق إلى إنتحال سبيل التوسط فيها بين عدم إستعبادها له إستعباد الرقيق وبين عدم ركلها برجله بالكلية كذبا وتعرضا للموت وسؤالا وتواكلا وهو توسط ليس دوما ميسورا لانه محفوف بألف ألف مكروه . أما الامر الثاني من معاني إتباع البقر والرضى بالزرع فهو إنصراف الناس إلى شؤونهم الخاصة دون الالتفات والاهتمام بالشأن العام حتى أنه عليه السلام قال " من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم" وعبارة ليس منهم تعكس فاحشة الجريرة وإثم المطب وسواء كان عدم الاهتمام بأمر الناس قلبا ومشاركة وصبرا على ذلك بسبب الخوف من بطش الحاكم أو عدم التفرغ له أو يأسا من إنصلاح أمر الناس فإن النتيجة هي أن التفكك الاجتماعي بين الناس يتنزل منزلة الاجتماع والتضامن والتكافل ليس في المستوى الاغاثي فحسب بل أشد منه التكافل في شؤون البلاد والامة . فإتباع البقر إذن والرضى بالزرع يجب أن يفهم منا على أساس أنه مؤذن في عصرنا للتفكك الاجتماعي سواء بسبب الانصراف الكلي من لدن أغلب الناس إلى متاع الدنيا في نهم قاتل أو بسبب الانصراف عن ذلك إلى الاهتمام بخويصة النفس وبناء العوالم الذاتية في شبه جزر معزولة .
السبب الثالث من أسباب ذلتنا المعاصرة : ترك الجهاد أو السلبية حيال إمتهان كرامة الانسان.
الجهاد لغة وشرعا بذل أقصى الجهد العقلي والبدني تحصيلا للسعادة وطردا للشقاوة وسعادة الانسان أو شقاوته هي في طريقة تعامله مع نفسه ومع غيره جنسا وكونا وكلما كانت تلك الطريقة منسجمة مع الفطرة والسنن كانت صحيحة والعكس دوما صحيح والفطرة تدل أول ما تدل إلى وحدانية الله سبحانه وكرامة الانسان وضرورة الجماعة وكل ذلك يترجمه الاسلام في القرآن والسنة وما كان فيهما غير جلي يستكمله العقل إجتهادا . كما أن الجهاد وفق ذلك التعريف لا يتقيد بصورة واحدة وليس القتال سوى صورة واحدة مما لا يحصيه حاص أبدا منها وكل جهاد لم يقصد نية وعملا تحرير الانسان وتكريمه هو ظلم ظالم وكل جهاد سعى إلى فرض أمر لا يختاره المجاهد ( إسم مفعول ) ولو كانت عقيدة الاسلام التي فيها تحرر الانسان وكرامته هو ظلم ظالم في نظر الاسلام . وكل جهاد بالقوة يتخلف عنه إجتهاد بالعقل لاحدود لحريته مطلقا هو جهاد فاشل يربأ الاسلام بنفسه عنه . فالجهاد بمعناه الواسع تحت سقف مقاصده تلك وآدابه وشروطه هو فرض فطري وسنني وشرعي مفروض سوى أن بعض صوره لا تتعدى أحيانا مستوى الفرضية الكفائية لتفرغ الناس إلى جهاد آخر من نوع آخر وليس لالتزام مقام الفرجة فضلا عن الابتعاد كما أنه يأخذ أحيانا حكم الفرضية العينية القصوى والمؤمن مجاهد أبدا لا يتخلى عن عقلية الجهاد ونفسية المجاهد لحظة حتى ليعد نومه إستقواء على عمله في الغد جهادا مأجورا. تلك هي أكبر معاقد نظرية الجهاد في الاسلام حبرتها في شكل عناوين كبرى مقتضبة لضيق المجال بموضوع الجهاد الان فإذا ما توضحت معالم نظرية الجهاد في الاسلام يسر ما جاء تحتها من فروع فلا يعمد فلاح إلى غرس غصن أو جذع لنيل ثمر ولكن يعمد إلى غرس جذر يواريه التراب فإذا ما حل أجله وإجتمعت شروطه أينع وأثمر وإطمأن الغارس .
بعد هذه التطوافة مع نظرية الجهاد في معاقدها الكبرى ومعالمها العظمى لابد لنا من الاقرار خلفه عليه السلام بأن ترك الجهاد ببناء القوة العسكرية والامنية من جهة وترك الاجتهاد ببناء القوة العقلية والثقافية والفكرية في شتى مجالات الحياة من جهة أخرىمن لدننا نحن اليوم سبب كبير جدا من أسباب ذلتنا وكلما كانت فلسطين والعراق تحت الاحتلال الصهيوني والصليبي العسكري المباشر فإن الانسان لا يحتاج إلى دليل على صحة ذلك وكلما كان الانتاج الاسلامي المعرفي والثقافي والفكري حوارا وتفعيلا وتعليما ودعوة في أدنى مستوياته الكونية اليوم إلى حد يعمد فيه إلى تجفيف منابع الاسلام وتبني اللائكية والتغريب دينا ثقافيا للامة فإن الانسان ليس بحاجة إلى دليل على قوله بأن تخلفنا المريع في الاجتهاد العقلي بعد تخلفنا الاروع في الجهاد المادي نماء ورخاء ومالا وقوة عسكرية هما سببا ذلتنا الحاضرة وذلك هو معنى ترك الجهاد في الحديث .
الخلاصة : نحن في ذلة مذلة من أبرز مظاهرها الاحتلال العسكري وتداعياته وقيام السلطان فينا على أساس التظالم السياسي سواء بالتوارث البغيض أو بالتزييف الشنيع وإبتلاع المؤسسات البنكية الدولية لرساميل بلداننا وفوائدها وتوريثنا الفقر المدقع وطرد التشريع الاسلامي في مجالات إجتماعية وثقافية كثيرة مما ورثنا تفككا إجتماعيا وكل ذلك وغيره طرد عنا مقوماتنا الفطرية كالحرية والكرامة والعزة والعدل والمساواة والتميز عن بقية الامم . نحن في ذلة مذلة حلل عليه السلام أسبابها الكبرى وهي ثلاث : الظلم الاقتصادي والتفكك الاجتماعي وحياة الفراغ بدل الجهاد والاجتهاد . نحن في ذلة مذلة تلك هي بعض مظاهرها وتلك هي أسبابها العظمى ولا فكاك لنا عنها سوى بالرجوع إلى الدين .
خلاصة الخلاصة : الاسلام هو البلسم الشافي ضد الذلة المعاصرة في كل مجالاتها لانه عدو الظلم الاقتصادي والتفكك الاجتماعي وحياة الفراغ ونبذ الجهاد والاجتهاد فهل يحسن بالمريض تناول الدواء الموصوف من نطاسي حكيم أم يكتفي بالفرجة عليه وتعداد محاسنه ورفع ذكره؟
-
رد: مــــائة مصباح من مشكاة النبــــوة
الحلقة السادسة والسبعون
أخرج البخاري عن أبي بن كعب أنه عليه السلام قال " إن من الشعر حكمة ". كما أخرج أنه عليه السلام قال " أصدق كلمة قالها شاعر " ألا كل ما خلا الله باطل ".
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــ
من شواهده " والشعراء يتبعهم الغاوون ألم تر أنهم في كل واد يهيمون وأنهم يقولون ما لايفعلون إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيرا وإنتصروا من بعد ما ظلموا .." و" أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة .." الخ ...
موضوعه : الدعوة الاسلامية علم عقلا وفن ذوقا وعاطفة والداعية فنان مرهف الحس أولايكون.
لابدلنا من التواضع بداية على معنى الفن وهي كلمة تضاف إلى قائمة الكلمات التي جرها الناس مؤمنين وكفارا على حد سواء إلى حقل الظلم عبر الغموض والابهام وسوء الاستخدام شأنها في ذلك شأن أخواتها كالارهاب مثلا وغير ذلك كثير وقديما قالت العرب : الحكم على الشئ فرع عن تصوره . فهل يحتاج الانسان إلى الفن وما دور الفن في الشخصية الاسلامية ؟
الفن بعد رئيس من أبعاد الشخصية الانسانية يتولى وظائف التحضر والترقية والتهذيب والسمو:
الفن هو ما كان في فناء الشئ يزينه بأغصانه ومنها كلمة أفنان في القرآن في الرحمان " ذواتا أفنان " أي جنتان ذواتا أغصان والاغصان ليست عضوا أساسيا في الشجرة والنبتة ولكن تكون عادة ثمرة لحياة أمها تزينها وتحمي ثمرتها فهي في فنائها تماما كفناء البيت وهي كلمة توحي بالرقة والجمال لانبنائها على حرفي الفاء والنون فالفن في حياة الانسان يؤدي دور الغصن في حياة الشجرة والنبتة جمالا وزينة ودليل حياة داخلية باطنية مفعمة بالماء الصافي الزلال وحماية للثمرة ولك أن تقول هو من باب التحسينيات بلغة المقاصديين ومن شأن التحسينيات في الشريعة تزيين الحياة وتهذيبها وتحضيرها وترقيتها وتزكيتها وحسن عرضها وتجميلها في عيون الناظرين . والفن هو ما يحتاجه البعد الذوقي في الشخصية الانسانية تماما كما يحتاج العقل إلى العلم والبدن إلى الترويض والنفس إلى التزكية والارادة إلى الشحذ والروح إلى السمو والتطهر. ولو ضربت لك مثلا لقلت بأن الانسان غير المؤمن تلفاه أكثر إنجذابا إلى المؤمن الذي يتغذى ذوقه بالجمال الفني في طريقة الحديث والتحية واللباس والمأكل والمشرب وسائر مشاهد الحياة التي عادة ما يترك أمرها لما يناسب الناس وفق عاداتهم وتقاليدهم وقد يكون ذلك المؤمن لا يمتلك من العلم والقوة شيئا كبيرا بينما تلفى من هو أكثر منه علما وقوة باعث نفرة للناس عنه بسبب فراغ مشكاته الذوقية من طريقة حياة تثير إعجاب الناس وتحقق إنجذابهم إليه فمن هو في رأيك أكثر حظا في نشر الدعوة الاسلامية أو محل توافق إختلافات الناس أو من هو أكثرهما حظا لنفع الناس وبالتالي من هو أكثرهما حظا لنيل أعلى الدرجات في الجنة يوم القيامة ؟
أمثلة حية على كمال البعد الذوقي النبوي وبلوغه أرقى درجات الجمال والزينة والتحضر:
في مشيه مثلا كان كأنما يتصبب من عل وفي سلامه " لايوقظ الوسنان ويسمع اليقظان" وفي جمال هيئته كان دائم الاصطحاب لمرآته وسواكه وعطره والعناية بلحيته ورأسه وخلال فطرته وفي علاقته مع غيره كان دائم التبسم فشاء للسلام ردادا له بأحسن منه حييا إلى حد عدم إدامة النظرفي وجه صاحبه كريما إلى حد عدم سل يده من مصافحة صاحبه حتى يفعل هو ذلك أمارا للنساء بالحناء وحسن التبعل وأخذ الزينة المناسبة للانوثة دون إثارة عطوفا على المسن رحيما بالصبيان ملاعبا لهم عذارا للمخطئ صفاحا عنهم مجيبا للدعوة ولو على كراع كريما يبيت على الطوى فإن لم يجد الطوى بحث عمن يضيف ضيفه يسير على قدر أضعف سائر معه منتصرا للمظلوم كائنا من كان الظالم وكائنا من كان المظلوم حريصا على النظافة والطهارة في كل صغيرة وكبيرة من مأكل ومشرب وملبس ونكاح ومسكن الخ ...
أمثلة حية على كمال البعد الفني الدعوى النبوي وبلوغه أرقى درجات الجمال والزينة :
شجع الشعر وإتخذ له شاعرا هو حسان بن ثابت وقال للشعراء " إنكم تسفونهم المل " ورد على الرجز ـ بفتح الراء ـ برجز مثله " أعل هبل " فقال " الله أعز وأجل " وإستمع إلى الشاعر مقرا له على إتباعه للطريقة العربية في الوقوف على الاطلال وهو يقول " بانت سعاد ..." فلم يعيره بالزندقة ولا بالهرطقة بسبب التغزل البرئ بسعاد وردد أشعار صحابي كبير شهيد جمع بين الدين والشعر والجهاد وهوعبدالله بن رواحه ولم يكن شاعرا عليه السلام ولكنه يرجز والرجز ضرب من السحر البياني المألوف عند العرب " أنا النبي لا كذب أنا إبن عبد المطلب " وتلقى النساء اللائي ينشدن فرحا بمقدمه بسرور" طلع البدر علينا ..." وهو شعر ملحون ونهى صحابته الذين حصبوا الاحباش المحتفلين في مسجده رقصا وغناء كما حصبوا بعض النساء المسلمات اللائي يشهدن تلك الحفلة وأمر بتزيين عرس أنصاري بشئ من الطرب البرئ والغناء الملتزم قولا وأداء وعلل سماحة دينه بطلب حسن قالة اليهود عنه فقال " حتى تعلم يهود أن في ديننا فسحة " ولم يقتصر على تعليم الناس الحلال والحرام بل إشترك في ذلك فيما يشبه اليوم في عصرنا بالتعليم عبر الصوت والصورة وذلك لما جاء جبريل عليه السلام في حديث مشهور معروف بحديث عمر أو حديث الاسلام والايمان والاحسان وخط خطا مستقيما بيده الكريمة وخط من حوله خطوطا فرعية ورسم من كل ذلك رسما عجيبا بديعا فنيا جميلا لحياة الانسان بين الامل والعمل والموت وإستخدم القصة والمثل كثيرا جدا تأسيا بالمنهج القرآني ومن كل ذلك يأنس المرء إلى إستنباط حقيقة دعوية عظيمة مفادها أن الدعوة حتى وهي تزاول من لدنه هو عليه السلام مؤيدا بالوحي فضلا عن غيره هي فن ومهارة وشطارة وذوق وعاطفة إلى جانب كونها علما وفقها فلا يغني هذا عن ذاك ولا ذاك عن هذا .
المقصد الاسنى من الشعر وسائر الفنون الاسلامية في عهده عليه السلام : تزيين الدعوة بالفن.
أسألك سؤالا صريحا مباشرا أرتجي منه لك إجابة صريحة مباشرة : هل تعتقد أنه عليه السلام يعزف عن إستخدام فنون التمثيل والسنما والمسرح والفن التشكيلي والادب بسائر أنواعه لو كانت متاحة له في عصره إنتصارا لقضيته الاولى وهي قضية الدعوة ؟ إذا كنت متفقا معي على أن الشعر والرجز من صلب التعبير الفني البشري وأنه عليه السلام إستخدمهما كثيرا وشجع على ذلك أكثر فإن الجواب يكون قطعا بأنه عليه السلام إستخدم في عصره سائر معطيات الفن المتاحة يومها لحسن عرض بضاعته سيما أنها محل منافسة قوية جدا من لدن الاديان وغير الاديان فإذا كنت كذلك فذلك يعني أن الدعوة يقدر نجاحها في كل عصر ومصر بقدر حسن عرض نفسها من خلال الفنون المتاحة فهل تجد لكثير من الفتاوي المنحطة والاقوال التي إنتهت مدة صلاحيتها من رصيد وهي تحرم الفن عامة وبعض صوره خاصة من مثل التمثيل والمسرح والسنما والنحت والغناء والطرب والموسيقى والشعر والرجز والادب ؟
الداء الوبيل الفتاك ضد فقهنا المعاصر ودعوتنا الاسلامية اليوم هو: سد ذريعة المباح نبذا للفتنة:
أنصت إلي لحظة أقص عليك القصة بإختصار: فهم الصحابة الاسلام من جميع جوانبه فهما حسنا فظلوا يفتحون الارض ويجددون الاساليب ويجتهدون فيصيبون ويخطؤون ويستوعبون ببضاعتهم الدينية القليلة جدا ـ لاتتجاوز كلمات قليلة كما كلها تقريبا في الصدور وليس مخطوطات ـ حضارات وثقافات وعادات وتقاليد شرقية وغربية مختلفة إختلافا عجيبا فشغلوا أنفسهم بالدعوة وبالحياة وبالعمارة ثم تقهقر ذلك الافق العقلي العظيم فإنقسم المجتمع إلى رجال دين ورجال سياسة فحصل الفصام النكد ثم ألف الناس ذلك وتعمق الانحطاط في النفوس وراح رجال الدين يعكفون على التقليد عبر التفسير والتحشية والتهميش والتمذهب الجامد وراح الناس من حولهم يضربون في الحياة فتعترضهم الحوادث المستجدة فيرفع رجال الدين في وجوههم سيف الحرمة بإسم سد الذريعة إلى الفتنة فظلمت المرأة ووجد الحاكم الظالم مناخا خصبا للظلم بإسم الاسلام ولم يمنع ذلك رجالا من الضرب في الحياة العلمية ضربا إسلاميا عظيما أما رجال الدين فكلما نبغ واحد منهم سجن لخروجه عن دين سد ذريعة الفتنة وإبن تيمية مثال وغيره كثير ثم بلغ الانحطاط شأوه وعندها نهض الاروبيون وغزوا المسلمين مرتين مرة بالفكر ومرة بالسلاح فما خرجوا من الديار حتى إطمأنوا على أن ثقافتهم فينا إما شريك قوي أو هو الاقوى إن لم يكن الاوحد فنشأت أجيال تدين بدينهم في الفكر والثقافة والحياة تحاكيهم في الفنون وعندها شعر علماء الدين عندنا الذين خرجوا من أجداثهم سكارى من لطمة الحداثة ببضاعة دينية عفا عنها الزمن بأنهم في موقع إنهزام فقرروا سلوك سبيل الكنيسة التي ثار عليها الاروبيون ورفعوا في وجه الفنون صكوك النار بإسم سد ذريعة الفتنة فزاد ذلك من فرار المرأة والشباب إلى الغرب وفنونه بحلالها وحرامها فلما ظهرت الصحوة المعاصرة وجدت أمامها طريقا سدته العادات الدينية المهترئة من جانب والفتنة الغربية من جانبه الاخر لذلك كان عملها يمشي الهوينى بل يتوقف أحيانا . تلك هي قصة الداء الوبيل الذي ينخر الجسم الاسلامي بإسم سد ذريعة الفتنة .
رجال الدين يحرمون الفن بإسم الدين فأي فرية وأي دين وأي رجال ؟.
أخرج البخاري عن إبن عمر أنه عليه السلام قال " لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحا خير له من أن يمتلئ شعرا" الحديث صحيح صحة الحديث المادح للشعر فهل أن الوحي متناقض أو منسوخ أو أمر الاسلام ليس جدا أو أن الاشتغال بهذا إشتغال بما لايعني ؟ الحقيقة أن المرء بحاجة إلى حد أدنى من العلم البصير للجمع بين أثرين متناقضين وفي قضية الحال فإن تأويل الشعر المضاد لحقائق الاسلام بأنه هو المقصود بهذا النكير الشديد هو التأويل الانسب . واليوم نجد ضربا من الناس يشبهون كثيرا رجال الكنيسة ينظرون في الوحي بعقل أبتر ثم في الحياة المتحركة من حولهم فلا يملكون سوى توزيع صكوك النار على أغلب مناطق الحياة فلن تكون النتيجة في هذه الحال سوى تمرد الناس عليهم ولو بالاهمال الثقافي وليست المشكلة اليوم مع الشعر ربما عند هؤلاء ولكنها عند أنواع أخرى من الفن من مثل السنما والغناء والموسيقى والنحت .
هذه قناعني هل تشاركنيها : زمننا زمن الفن ونجاح دعوتنا مرهون بتكلمها بلسان الزمن .
بنيت ذلك على أساسين أولهما أن الحياة في الاسلام قوامها الحرية والاباحة والحلية إلا في مواضع صغيرة محدودة تكفيك شمالك لعدها وثانيهما أنه عليه السلام إستخدم الفن لعرض بضاعته ومن قبله كان القرآن قصة تتلى ومثلا ينحت وكونا نابضا حيا ماثلا إلا ما كان بهيمية معتدية على الذوق السليم سماها الناس زورا فنا نبيلا . أما كون عصرنا لسانه الفن وعملته الذوق ولغته الجمال والزينة فلا يحتاج ذلك إلى دليل . فهل يبرر فقر دعوتنا المعاصرة من الفنون الجميلة المحببة إلى الناس أن رجال الدين فينا حرموها أو ضيقوا فيها تضييقا شنيعا ولك أن تقوم برصد علمي لتعرف كم تساهم الفنون بكل ألوانها في تغيير الناس وتغيير واقعهم حتى تدرك أن عرض رسالة الاسلام اليوم جافة ميتة كأنها تأبين حزين في مأتم وفاة بإسم سد ذريعة الفتنة حجابة عن نور الله سبحانه ورغبة عن سنته التي هي منهجه لغة وشرعا عليه السلام وتنكب عن معرفة الواقع وطبائع الناس ولغة العصر ومواطن القوة ولحم التغيير ولك أن تتصور كم ينصلح تدين الناس ثم يهتدي إلى الاسلام الناس لو حول القصص القرآني والنبوي مثلا إلى ملاحم فنية جميلة تأليفا وأخراجا وعرضا وترجمة في المسرح والسنما والنحت ولو ألفت مقاطع الطرب والغناء ولحنت وأديت بكل ما تقتضيه من الزينة والجمال والعناية معطرة بالموسيقى الهادئة ساكنة في الكلمة الاسلامية الصادقة مؤداة بالصوت الجميل والحركة الجميلة فتمتلا بها القاعات الفنية وتذيعها الفضائيات ولك أن تعلم أن بعض الاغاني الحماسية الوطنية الجميلة فعلت في الناس فعل السحر أيام مجزرة صبرا وشاتيلا وفي كل هجمة صهيو/ صليبية علينا ينبري الشعراء والملحنون والمطربون يثيرون همة الناس فلولا حدود سايكس بيكو التي يحميها العسس العربي الحامي للاحتلال لاندفع الناس صوب المحتل في فلسطين ولحققوا مقولة قذف العدو في البحر حقيقة بعزة الايمان الذي يسوقه الحداء الغنائي لا كما يكذب بيادق الشطرنج المزروعة فوق بلادنا . دعوة الاسلام تحمل قوة حجتها في باطنها فليست هي بحاجة إلينا نحن حتى نقويها بل نحن نتقوى بها ولكنها تحتاج منا إلى حسن عرض فني جميل يدغدغ النفوس المتعبة ويشوق الارواح المكدودة وإلا لما أوتي داود وهي النبي الملك مزامير ولما مدح عليه السلام الاشعري بذلك وهو يجود القرآن ويحبره فكيف تأنف نفس سوية من الموسيقى الهادئة العذبة تروح على الانسان المرهق وتطلق عنان أشواقه في سماء الخيال لذلك فإني على إطمئنان بأن المحرمين للجمال والزينة والفن والموسيقى في الحياة إما مرضى الشعور عديمي الذوق أو ـ وهو الاغلب ـ أصحاب أهواء يتبعون قول قائل إتباع القرود حتى أصبح حال لسانهم يقول " لايؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جاء به هذا الرجل أو ذاك ".
-
رد: مــــائة مصباح من مشكاة النبــــوة
الحلقة السابعة والتسعون
أخرج أبوداود والترمذي وإبن ماجة وإبن حبان والحاكم عن إبن عمر أنه عليه السلام قال " لعنة الله على الراشي والمرتشي " وعند الطبراني عن إبن عمر والبزار عن إبن عوف أنه عليه السلام قال " الراشي والمرتشي في النار".ّ
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــ
من شواهده " ولاتأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالاثم وأنتم تعلمون ".
موضوعه : حق الانسان في ماله حق مقدس والمعتدي عليه بأي صورة كانت هو في النار.
الموبقات السبع في الحديث الصحيح منها الربا ومال اليتيم . والمقصود منهما صورتهما العينية المباشرة أولا ثم كل ما هو في حكمها ويحقق مآلهما وهو التعدي على أموال الناس بالباطل وليست الرشوة سوى صورة من صور الربا وأكل مال اليتيم إذ لا يرضى بدفع الربا سوى المضطر الذي ألجأته الحاجة وكذلك الراشي عادة لان من شأن الانسان حفظ ماله الذي هو قوام حياته كما لايسوغ آكل مال اليتيم لنفسه أكله سوى لحصوله على سلطة ولاية أو وصاية أو الامن من خوف الملاحقة والمحاسبة في الدنيا وكذلك المرتشي يستغل حاجة الراشي فيفرض عليه ماشاء ظلما وعدوانا . أما القرآن فقد حرم ذلك صراحا بواحا جهارا نهارا في مواضع كثيرة وخاصة المتعلقة منها بالايات الجامعة في التحريم من مثل آيات الاسراء ولعل أصرح آية في ذلك هو ما ورد أعلاه في الشواهد وهي في البقرة وورد ذكر الحكام كما ورد ذلك في بعض الاحاديث النبوية كذلك بسبب أن الصورة البدائية المألوفة المعروفة للرشوة هي رشوة الحاكم أو القاضي الذي يفصل في الخصومات وكذلك بسبب أن الرشوة في هذا المقام أشد منها في المقامات الاخرى إذ لو قام سلطان القضاء بين الناس على أساس الرشوة والظلم فإن النتيجة معلومة مسبقا : خراب العمران وذهاب الانسان وتعرض الاعداء للاوطان . وكذلك بسبب أن الانسان قد تستبد به أثرته هنا فيعمد إلى إقتطاع حق الناس برشوة الحكام والقضاة كما قد يضطر المظلوم ضعيف الحجة عي اللسان فاقد اللحن إلى دفع الرشوة إستردادا لحقه في ماله المغتصب ولايعني ذلك أن الرشوة فيما يلي من دوائر علاقات الناس بعضهم ببعض حلال مباحة ولكن من عادة الوحي أن يعمد إلى صورة واحدة من مشهد الحياة يبرزه لاعتبارات معلومة ثم يقوم العقل بتعدية القياس المنطقي على سائر الدوائر التي ينسحب عليها ذات المقصد .
الدرس الاول : منطق الاسلام في التحريم يقول : العبرة بالمشهد العام .
يتبدى ذلك جليا في مناطق ثلاث من التحريم المغلظ وهي : الخمر والربا والرشوة . ففي الخمر حرم شاربها وحاملها وساقيها وعاصرها ومعتصرها والمحمولة إليه وبالجملة عشرة أصناف بل كان منهم الجالس على مائدتها وهاديها والمتجر فيها وفي الربا نهج ذات النهج فشمل كاتبه وشاهده ومعطيه وفي الرشوة لعن وتوعد بالنار الراشي والمرتشي والرائش بينهما أي الساعي ولو تتبعت دوائر التحريم في الشريعة لالفيت أن كل محرم لذاته لا لغيره بالتغليظ والنكير لا بمجرد الاستكراه وكان متعلقا بحقوق الانسان في نفسه أو ماله أو عرضه يشمله التحريم بالجملة لا بالتفصيل أي يدين المشهد بأسره ولكن بدرجات متفاوتة مختلفة بطبيعة الحال . والسؤال الكبير المهم هنا هو لم ؟ والجواب هو : لان الشريعة حفلت بالمنهيات والمحرمات أكثر من حفلها بالمأمورات . والسؤال الكبير هو لم ؟ والجواب : لان الله خلق الانسان حرا وبرأ ذمته من كل تكليف ليتسنى له القيام بوظائف الخلافة والعمارة والعبادة حرا طليقا إلا ماكان لابد من تحريمه لخدمة تلك الحرية الطليقة فكانت النتيجة التشريعية في الاسلام : كل شئ وكل أمر مباح بإطلاق إلا عددا يسيرا جدا تكفيك شمالك لعده وهو متعلق كله دون أدنى إستثناء بحق الانسان فالشرك مثلا يحرم الانسان من حقه في عقله وقس على ذلك كل محرم . والسؤال الان هو لم كان المشهد التحريمي كله مشمولا به ؟ والجواب : صيانة للانسان من الوقوع في حبائل الحرام جرعة جرعة دون شعور منه لانه مركب من نفس تهوى مالا يحل لها من حق غيرها فلو أحل الجلوس على مائدة خمر لما لبث الجالس سوى أشهر في أقصى حالات ضبط النفس ثم لواقعها وكذلك الرائش والمشارك في مشهد الربا والزنا والظلم حتى أن مشاركة المسلم في حكومة كافرة ظالمة لايجوز في الاصل إلا لتحقيق مصلحة والعبرة بالحكم الاصلي دوما. فقيام التشريع إذن على فلسفة تحريم المشهد العام في المحرمات يقصد منه تضييق مساحات الفساد إلى أضيق درجة.
الدرس الثاني : الحكمة من تحريم الرشوة: صون حق الانسان في ماله وبناء السلطان على العدل
لابد لكل إنسان من البحث عن الحكمة من كل الاحكام بغرض فهم رسالة الاسلام على نحو يجعله يعدي كل الحوادث المستجدة غير المتناهية عبر قياسها إلى حكم شرعي جديد أو متجدد ودون ذلك فإنه يغرق في تفصيلات لا حصر لها فيظل يجري وراء هذا المفتي أو ذاك مضطربا بين إضطرابهم رغم أنه أحيانا يكون إجتهادا محقوقا وليس ذلك بعزيز على كل من طلب العلم بصدق وجد ومثابرة وصبر من مظانه وخاصة علم أصول الفقه والمقاصد ولقد يسر كثير من العلماء لذلك مصنفات وكتبا ميسرة جدا لكل متعلم ثم إن البحث عن الحكمة من كل تشريع يفتح آفاق الذهن البشري ويزيح عنه الجمود . الحكمة من تحريم الرشوة هي ذاتها الحكمة من تحريم الانسان أي صونه وتحريره وتكريمه نفسا ومالا وعرضا والرشوة إعتداء صارخ على ماله سواء كان راشيا أو مرتشيا لان المرتشي يخلط ماله الحلال بالحرام فيحرم البركة فيظل لاهثا نهما لا يشبع كمن يشرب ماء البحر ليرتوي فضلا على أن كليهما يعتدي على عرضه بالدنس والرائش ليس بعيدا عن ذلك لانه عادة ما يأخذ أجرا على نقله للمال الحرام . كل تلك الحكم هي في حق الفرد أما في حق الجماعة فهي تعريض للبناء الاجتماعي للهزات العنيفة داخليا ثم للاحتلال الاجنبي خارجيا بسبب قيام السلطان القضائي على الظلم وكل قوامة على الظلم مآلها العاجل أو الاجل حقا لاريب فيه الانهيار. فلوأجملنا القول في بعض الحكم البارزة :
1 ــ صون حق الانسان في ماله وعرضه .
2 ــ بناء السلطان القضائي على العدل وعدم تعريض الجماعة للهزات والاحتلال .
3 ــ بناء جهاز نفسي قوي في الفرد وفي الامة بعيدا عن الطمع واللهث والنهم المفسد للخلق .
4 ــ إعادة الاعتبار لقيمة العمل والسعي بدل التواكل والتعويل على سلطة المال وشراء الذمم.
الدرس الثالث : التحايل على الحرام بتغيير إسمه : صناعة إسرائيلية وإختراع يهودي .
أليس مؤسفا اليوم أنك لاتلفى بلدا عربيا ولا إسلاميا واحدا تحتضن ربع البشرية تقريبا وتمور تحتها موائد النفط والذهب لم تتفش فيه ظاهرة الرشوة في كل مستويات الحياة والفرق الوحيد بينها جميعا هي إختلاف أسماء الرشوة من بلد إلى آخر فهي هنا إكرامية وهنا قهوة وهنالك باللغة الفرنسية ( بوربوار أي لمشربك ) ؟ وأنت تعلم أن سببا من أسباب إهلاك بني إسرائيل هو التحايل على الحرام بتغيير إسمه وطريقة تناوله كما فعلوا مع الشحم فلما أذابوه لم يعد كذلك فأكلوه ومع صيد السبت . أليس ينطبق علينا قانون إجتماعي مطرد " أكفاركم خير من أولئكم "؟
الدرس الرابع : ويل للحكام وويل لكل مستخدميهم الذين يأكلون السحت . ألا ينتهون ؟
شدد سبحانه في الرشوة دفعا وأكلا ووساطة لان أغلب رحى عملها تكون في الدوائر الحكومية من أقصاها إلى أدناها لا إختلاف إلا في مقدار الرشوة فعون الحدود ربما ترضيه بعلبة سيجارة أما رئيس الدولة فلا بد له من ضمان ولاية خامسة وسادسة حتى يؤول الامر من بعده إلى إبنه وهي رشوة تدفعها الادارة الامريكية نيابة عن الصهيونية لكل من ينجح في خدمة أهدافها . هل خوت أفئدة هؤلاء من الخوف منه سبحانه بالكلية ؟ وهل هم في حاجة إلى علبة سيجارة أو ولاية موالية وقد من الله عليهم من متاع الدنيا بما لم يمن على أحد ؟ ألا يرى المرتشي أنه أسير راشيه ويوم يقوم للعدل قيام ربما يفضحه ؟ إن عجبي والله لا ينقطع من هذا فإن رميتهم بالكفر باليوم الاخر فهؤلاء مؤمنون ولا ريب وإن تمحلت لهم الاعذار فهم أغنياء ولا شك ولا أقول إلا ما قال الحبيب عليه السلام " الطمع هو الفقر الحاضر" وليس أسوأ من سجن الطمع والنهم والجشع .
الدرس الخامس : هذا يشكو من طوى وذاك من بشم : الرشوة لاسترداد حق فرض مفروض .
كذلك هم الناس دوما : فريق خلع ربقة التقوى من عنقه خلعا فهو يأكل أموال الناس بالباطل رغم ما أغناه الله وفريق يبالغ في التحريم معرضا عن جهل عن الحكمة فلا يدفع الرشوة لاسترداد حقه وحق المظلومين فهل تشفع لهذا تقواه وهل تتجرد التقوى عن العلم . أمر الناس عجيب ورب الكعبة . لقد كان الصحابة بعد أن نبههم القرآن إلى عدم إحراجه عليه السلام برفع الصوت وبكثرة السؤال وخاصة الفارغ منه وبعدم مناجاته بدون حاجة إلا بصدقة يريدون سؤاله عن أمر ما فيتهيبون ثم يغتنمون فرصة قادم من الاعراب ويقولون له بالحرف الواحد " نرشيك بردا أي ثوبا على أن تسأله عليه السلام كذا " فيفعل المرتشي . المجال كما ترى ضاق سوى أنه لابد من التذكير بأن النكير على حرمة الرشوة لانها عدوان على حق الناس في أموالهم وأعراضهم لا يعني عدم إستخدامها في حال الضرورة القصوى التي لا بد منها لتحرير سجين أو أسير مثلا أو إسترداد أي حق لك أو لغيرك لانه من باب المصلحة المعتبرة ومنها أنه عليه السلام أعطى غطفان ثلث تمر المدينة لفك تحالفها العسكري مع قريش لولا أن الشورى عطلت ذلك فهل أن لغطفان حق في تمرة واحدة من تمر المدينة ؟ فالشأن هنا كالشأن مع الكذب المحرم لابد منه للاصلاح فالاصلاح إذن بحسن نية وحسن وسيلة يجب كثيرا من المحظورات لانه لاحرج عليكم في الدين ولا عنت .
الخلاصة : الرشوة لاكل أموال الناس بالباطل ولو بعلبة سيجارة كبيرة موبقة مهلكة يستوي في ذلك الراشي والمرتشي والرائش لعنة ونارا سوى في درجة كبر كل منهم قصدا خاصة وذات الرشوة لاسترداد حق لمظلوم فرض مفروض على القادر على ذلك يثاب الراشي ثواب المجاهدين بأموالهم في سبيل الله سبحانه وتلحق اللعنة والنار المرتشي سيما في الضرورات المضرة المتعلقة بإحياء الانسان نفسا أو مالا أو عرضا عبر تخليصه من السباع البشرية المفترسة وكل توسع هنا في إستخدام الرشوة المفروضة يحاسب عليه الانسان يوم القيامة بمعياري النية وحسن الاجتهاد . والله تعالى أعلم .
-
رد: مــــائة مصباح من مشكاة النبــــوة
الحلقة الثامنة والتسعون
أخرج مسلم والنسائي وإبن ماجة عن عبدالله إبن عمرو إبن العاص أنه عليه السلام قال " الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة ".
ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــ
من شواهده " فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله .."
موضوعه : المرأة هي النواة والمحور دوما في الخير والشر على حد سواء .
بداية لابد من التذكير بنصيحة شخصية أبددها يمينا وشمالا دوما ما حييت وذكرت وهي أن كل من لم يطلع على ما سماه الامام القرضاوي سفر المرأة وهو كتاب تحرير المرأة في عصر الرسالة للمرحوم أبي شقة ليس له أن يتحدث في موضوع المرأة في الاسلام إلا أن يكون فقيها في الدين والواقع معا مشهودا له بذلك من خلال آثاره العلمية والفكرية وأن يكون معاصرا لنا اليوم أو متعلما وإذا ما تعجب أحد من مصادرتي هذه فليعذرني بناء على إعتباري بأن الاسلام اليوم يؤتى من جانب المرأة محورا فكريا إضطربت فيه الانتاجات المعاصرة كثيرا بين تأدية دور الميت في حضرة مغلسه وبين التقليد الببغاوي القرودي الامعي إنبهارا بالغرب وليس معنى ذلك أن سفر المرأة المعاصرة معصوم من الخطإ ولكن لايليق بمؤمن أبدا ممارسة السلبية والتقعر في الان ذاته وأنت تعلم أن كثيرا ممن يتحدث اليوم بلسانه لا يصبر على طلب العلم وإن صبر فإنه كثيرا ما يخطئ مظانه ثم تلفاه يتقعر ويتخلل كما تتخلل البقرة حاشرا أنفه في كل موضوع ببضاعة مزجاة إلى حد الحقارة . الملاحظة الثانية هي أن موضوع المرأة بالذات لا يكتفي فيه الباحث المنصف المحترم لنفسه ولعقول الناس بما ورد في القرآن والسنة بل يضم إلى ذلك ما إستطاع من العلوم الاجتماعية المعاصرة لان التطور الحاصل في ذلك الموضوع وفي غيره كذلك فاق الخيال ولن يزال يأتي بالجديد سواء رضينا أم سخطنا ولان الموضوع في كل فروعه تقريبا ومنها كبرى وعظمى فيه ما فيه من المتغير الذي لابد له من إجتهاد معاصر يسند الثابت ولا ينقضه .
مسألة المحرم :
أخرج الشيخان عن أبي سعيد أنه عليه السلام قال " لايحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الاخر أن تسافر سفرا يكون ثلاثة أيام فصاعدا إلا ومعها أبوها أو أخوها أو زوجها أو إبنها أو ذومحرم منها ". لابد لطالب العلم أن يسأل أولا: لم ؟ ويأتيه الجواب منه هو نفسه : لان المرأة في العادة أضعف بنية من الرجل وللحيلولة دون أي عدوان عليها لابد لها من محرم ولانها قد تتعرض أثناء سفرها إلى ما يخدش حياءها أو يعرض بسمعتها أو يحول دون قضاء حاجتها .. والدليل أنه عليه السلام وضع في هذا الحديث المتفق عليه مدة عادة ما لا تحتاج المرأة فيها إلى بعض ذلك وهي ثلاثة أيام ومعلوم أن ثلاثة أيام سيرا على الاقدام أو على ظهر دابة من دواب عصرهم تبعد فيها المرأة المسافرة وحدها دون محرم مسافة عشرات الاميال .. الدليل على أنه عليه السلام يقصد توفير الامن اللازم للمرأة خوفا عليها لا خوفا منها ـ كما يروج المرضى الذين ينظرون إلى المرأة على أنها شيطان جنسي ـ قال في حديث آخر "ليتمن الله هذا الامر حتى تسير الظعينة وهي المرأة المسافرة من صنعاء إلى حضر موت لا تخاف إلا الله أو الذئب على غنمها ".. والدليل هو أن الام الكريمة عائشة وهي المأمورة مع نسائه عليه السلام بنص القرآن ـ ظاهرا بالمعنى الاصولي ـ بالقرار في البيت خرجت تحارب عليا كرم الله وجهه فهل أنكر عليها صحابي ذلك وهل صحبها محرم .. نصيحتي لكل طالب علم : العلم الشرعي في الان نفسه يسير بسيط سهل وعميق معقد متشابك ويرجع ذلك إلى زاوية نظر الطالب وموقعه من العلم تماما كبحر هادئ يمتد على مد البصر يراه المبتدئ صفحة ملساء تغريه بالسباحة ثم تعمل الامواج مساء في حركة زجرها على نقله إلى يم الماء ببطء شديد لا يشعر به حتى إذا كان هناك خارت قواه ولم يعد يبصر الشاطئ لبعده عنه ثم يغرق أما البحار الماهر الخبير فإنه يحسب لكل شئ حسابه من حركة موج وإرتفاعها ونوع البحر ومكانه وزمانه وأدواته وحالة الطقس .. فبالخلاصة فإن المقصد من المحرم حماية المرأة وصونها من كل عدوان مادي وأدبي وتيسير حاجتها لو عجزت عنها فإن توفر لها الامن من ذلك غلبة ظن فضلا عن يقين كما هو الحال اليوم في حياتنا بأسرها في كل زاوية من البسيطة فإن فرض المحرم عليها هو عدوان عليها وشتان بين من جاء ليحررها ويكرمها ومن جاء ليستعبدها رقيقا بإسم حيائها وضعفها .
مسألة حقها في إختيار نمط حياتها :
أخرج أبوداود عن عائشة أن أسماء دخلت عليه السلام بلباس شفاف فأعرض وقال " ياأسماء إن المرأة إذا حاضت ـ أي بلغت الحيض ـ لم يصلح أن يرى منها سوى هذا وهذا " وأشار إلى وجهه الكريم وكفيه . وفوق ذلك فإن آيات النور والاحزاب صريحة صحيحة في الامر وبعد ذلك فإن إجماع الامة على مدى أربعة عشر قرنا كاملة فيها الانحطاط وفيها الاحتلال على زي المرأة المسلمة هو ذات إجماعها على التوحيد والصلاة والصيام والزكاة والحج . ولك أن تسأل مرة أخرى لم ؟ وكيف نجبر المرأة على لباس معين ونحرمها من معافسة الحياة بعلومها وزينتها وكسبها ؟ أورد القرآن علة واحدة لذلك فقال " ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين " ولكنه لم يسم كل المقاصد لانها تختلف أحيانا من زمان لاخر ومكان لاخر . اللباس لكل أمة وإنسان أمارة تميز في الشخصية كطريقة الاكل والحديث .. وهو فرض رباني على المرأة التي إختارت الله ربا ولايجبرها على ذلك أحد ولو أب أو زوج لان الاسلام خيرها فيما هو أكبر من ذلك وذلك حين جاءت إمرأة تشكو أباها له عليه السلام وقد هم بتزويجها من لاترضى فمنعه من ذلك عليه السلام فهل أن عشرة زوج عقودا طويلة وإنجاب الولد منه أكبر أم لباس ؟ فالمقصد الاسنى من زي المرأة هو إذن تحريرها من التقليد الاعمى ومنحها فرصة إختيار نمط حياتها في ملبسها وسائر شؤون حياتها وتكريمها بستر ما يتهافت عنه بعض الرجال فطرة تهافت الذباب وتأهيلها على الجمع بين أمرين فيها وهما أنها دوحة جمال وجبل من الزينة وفي الان ذاته هي عقل مفكر وشخصية مستقلة وإرادة حازمة وهو شرف لم يؤت للرجل سوى أنه سبحانه فضل كلا منهما بأمر حجبه عن الاخر لاحداث التكامل المطلوب ولتفرغ كل منهما لام رسالته . وهل يمنع المرأة لباسها من مباشرة عملها في البيت وخارجه ؟ أما دينا فلقد أخرج الشيخان وغيرهما عن سهل بن سعد قال لما أعرس أبو أسيد الساعدي دعا النبي عليه السلام وأصحابه فما صنع لهم طعاما ولكن قدم لهم إمرأته أم أسيد بلت تمرات في تور من حجارة وقدمته لهم بيدها " وأما واقعا فإن المرأة اليوم بلباسها المحتشم هي أبرع من غيرها من قيادة الطائرة إلى تعليم الطلبة ومن الطب إلى إقراء كبار المشايخ القرآن من مثل الشيخة أم السعد قارئة الاسكندرية التي تعلم على يديها أغلب المقرئين الذين تخشع اليوم لقراءتهم ولقراءة تلاميذهم .
مسألة العمل والخروج من البيت :
أخرج الشيخان عن أبي هريرة أن إمرأة سوداء كانت تقم المسجد أي تنظفه ففقدها عليه السلام يوما فسأل عنها فقالوا ماتت فقال هلا آذنتموني ثم أتى قبرها وصلى عليها . رجوت والله أن أكون أنا هو من في القبر فمن صلى عليه عليه السلام ودعا له ربه لا يدخل النار . إمرأة خرجت من بيتها للصلوات وعرفت الرجال وعرفها الرجال بوجهها وإسمها وتولت العمل خارج بيتها . ولعلك تعلم أن البخاري أسند عن بعض النساء وعلمنه منهن عشرات والشأن ذاته جرى مع العسقلاني صاحب الفتح كما يقول أهل العلم جلس لسنين طويلة تلميذا مؤدبا مهذبا بين يدي عشرات من النساء ولم يقتصر علم المرأة على الجانب الشرعي بل منهم الشاعرات والاديبات والمحاربات وقائدات المعارضة الشرسة في وجه الحجاج وليس هن جميعا سوى نقطة ضوء لامعة من مشكاة مؤسسة المعارضة السياسية والعسكرية الام العظيمة الكريمة الفقيهة في الدين والدنيا معا عائشة عليها الرضوان وأذكرك مرة أخرى بمراجعتي في هذا : كيف أمر القرآن نساء النبي عليه السلام بالقرار في البيت فخالفن القرآن الصحيح الصريح وخرجن كلهن دون إستثناء لقضاء مآرب دينية ودنيوية لا تعد ولا تحصى وعائشة مثال ؟ أجب عن ذلك تكن صاحب فقه.
مسألة التميز تمحضا لاحسان الدور الام :
أخرج البخاري وأصحاب السنن الاربعة والطبراني عن إبن عباس أنه عليه السلام قال " لعن الله المتشبهات من النساء بالرجال والمتشبهين من الرجال بالنساء ". المرأة إنسان كامل الانسانية محرر مكرم مسؤول مكلف عاقل مستأمن مستخلف معلم . والانسان تماما كالزمان والمكان لابد له من زوجين حتى يكمل فالزمان ليل ونهار وفصول معروفة والمكان شرق وغرب فهل يقول عاقل بتفضيل الليل على النهار أو الشمس على القمر أو الشرق على الغرب وكذلك العلاقة بين زوجي الانسان في تكامل لا تفاضل والتفاضل المذكور في الاية تفاضل متبادل تمحضا لاداء الدور الام الاصلي والمرأة تختار دينها ومذهبها وزوجها وعلمها وعملها ورأيها في كل مسألة كبيرة أو صغيرة وتستقل بمالها وبخلعها حال الفراق ولها أن تقود أمة بأسرها بل أمما كما أخبر القرآن عن بلقيس ملكة سبأ فهي ولي مسؤول عن شأنها الخاص العام من زينة ملبسها وحنائها إلى طريقتها العسكرية والسياسية والاقتصادية ولاية كاملة ومسؤولية تامة سوى أن كل ذلك يتم بينها وبين الرجل في إطار التكامل لا التنافي وفي إطار التخصص وهو الذي سماه القرآن تفاضلا وبلغ ذلك مداه حتى إنها لفرط إستقلاليتها وتميز شخصيتها حتى عن زوجها أقرب الناس إليها لا ترضى لنفسها التشبه بالرجال في الملابس وطريقة الحديث وكيفية الزينة والجمال فالتشبه من هذا بذاك أو من ذاك بهذا هو ضرب من الامعية وخروج عن سكة التخصص الوظيفي الذي تمليه الخصائص البيولوجية والنفسية دون أن ينفي ذلك التكامل والتعاون فيما سوى دائرة التخصص فالرجل يربي الولد مع المرأة والمرأة تفلح الارض وتصنع الالة وتسافر وتقود الطائرة مع الرجل.
من هي المرأة الصالحة :
خيرمتاع الدنيا إمرأة يعني أن المرأة دوما في قلب الاهتمام الانساني وبطل قصته الكونية والاجتماعية قديما وحديثا وفي كل مجال خيرا كان أم شرا وذلك فضل آتاه الرحمان الخلاق سبحانه للمرأة فليس من حادثة فساد أمني إستخباراتي ولا فساد مالي ولا فساد جنسي ولا فساد سياسي إلا والمرأة عادة هي بطلته ظاهرا أو باطنا وما من حادثة صلاح في كل ذلك إلا وهي كذلك بطلته والقرآن في قصصه شاهد على ذلك فضلا عن السيرة . بالمرأة الصالحة إذن تنصلح الدنيا بأسرها وبفسادها تفسد لامحالة وتأثيرها في الحالين أشد من تأثير الرجل مرات كثيرة حتى إنك لا تجد إمرأة واحدة إرتدت ولكن تجد رجالا كثرا ثم إسأل نفسك من أول من آمن وأول من إستشهد وأول من حفظ القرآن وديعة في بيته فتلفى أنهن خديجة وسمية وحفصة . المرأة الصالحة هي المرأة المؤمنة العابدة العالمة في الدين والدنيا الناجحة في بيتها وعملها ومع كل الناس وخاصة أهل البيت والجار والرحم والداعية المعاصرة العاملة على تنمية صلاحها قلبا وقالبا وعلى تنمية صلاح غيرها بصبر وعلم وكل من هي كذلك صالحة بقدر ذلك.
الخلاصة : أزعم أن المرأة على مدى العصور مبتلاة أكثر من الرجل بسبب أنها تعرضت للظلم بإسم الاسلام مبكرا جدا بعيد إندلاع الفتنة الكبرى بقليل ففرض عليها بإسم الاسلام ألا ترتاد المسجد وألا تخرج من بيتها إلا لحاجة موت أو حياة وألاتذبح أضحيتها وشاتها المشرفة على الهلاك إلا بعد صياحها ثلاثا لعل فحلا يقوم لها بذلك وألا تتعلم وإن فعلت فلا تتجاوز حد كتابة إسمها وألا تختار زوجها وليس كل ذلك وغيره مما لايحصى عادة وتقليدا مجردا بل موثقا في كتب الفقه والعلم ومنها كتاب المرحوم عبدالرحمان الجزائري " الفقه على المذاهب الاربعة " وغيره كثير .. فلما شيد الانحطاطا إنجيلا كاملا من إضطهاد المرأة في المجتمع المسلم عاجلها الظلم الانكى وهو ظلم الوافد الغازي المحتل وهو أنكى لانه سراب كاذب يعد بالتحرير فيدس السم الزعاف في الدسم الشهي ففرض عليها التبرج وخلع الحياء والاتجار بثدييها وفرجها وأوحى لها أن الدين عبء ثقيل لابد من التخلص منه ولو تدريجيا وسلب عقلها وخلب لبها وأغواها بالاضواء المزورة .. كما أزعم أن الصحوة المتجددة فينا كفيلة بإذنه سبحانه بإعادة الاعتبار للمرأة المظلومة مرتين : منا ومن غيرنا وذلك بإنخراطها في إهتمامات الصحوة وقيادتها لها ولاأجد خيرا من عنوان " المرأة إنسان كامل الانسانية ولي مسؤول عن سائر شأنه دون أدنى إستثناء ولاية كاملة ومسؤولية تامة في وسطية إسلامية متميزة معاصرة ".
-
رد: مــــائة مصباح من مشكاة النبــــوة
الحلقة التاسعة والتسعون
أخرج الشيخان عن إبن مسعود أنه عليه السلام قال " لا يحل دم إمرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث : الثيب الزاني والنفس بالنفس والتارك لدينه المفارق للجماعة " وأخرج الجماعة ـ الصحيحان والسنن الاربعة ـ إلا مسلما أنه عليه السلام قال " من بدل دينه فأقتلوه " .
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــ
من شواهده" ياأيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم .."
موضوعه : عقوبة الردة في الاسلام نابعة من مقتضيات ثلاث : طبيعة النظام الاسلامي وطبيعة نظامه المناعي الذاتي وتوازنه بين حق الفرد وحق الجماعة .
بداية دعنا مع القرآن في موضوع الردة : لم يتناوله سوى في موضعين ضمن آية خاصة بما يعني أن القرآن ليست قضيته الاولى هي الردة وفي الموضعين لم يرتب عقوبة في الدنيا وهذا مهم جدا لانه فعل ذلك مع سائر الجرائم العظمى الاخرى كالحرابة والزنا والقذف وال ومعلوم أن الشرك والكفر والنفاق أكبر عند الله من كل ذلك سوى أنه لم يرتب عليها جميعا عقوبة دنيوية فبماذا يوحي ذلك ؟ تلك رسالة بأن الانسان خارج خيمة الاسلام حر في عقله وسلوكه مالم يحارب غيره ظلما وهي ذات الرسالة التي نجنيها بداية من عدم نص القرآن على عقوبة المرتد وسيأتي دور السنة وهي صحيحة صريحة في ذلك بعد قليل بإذنه سبحانه. الدرس الثاني من تناول القرآن للردة هو أنه توجه التوجه الايجابي بمعنى أنه غمز المرتد وأرشده إلى سبب ردته وبين لنا ذلك كذلك وهي بإختصار: أن الايمان مبني على الحب بين العبد وربه فكلما قوي الحب صلح العابد وكلما نقص أوشك أن يرتد تماما كما هي العلاقة بين البشر فمن أحب لابد يطيع ومن لم يحب فلا يملك ذلك أصلا حتى يأتيه ـ وثانيها أن الايمان العاصم من الردة مبني على حب المؤمنين بعد حبه سبحانه وبه كذلك إلى حد الذلة أي خفض الجناح وعلى العز حيال الكافرين مطلقا وخاصة الظالمين منهم والعز شعور نفسي فيه الاباء والكرامة والشموخ دون عدوان ولا إحتقار وربط الوحي بين الذل والعز لانهما لئن حواهما قلب واحد فإنه يوزعهما بالقسط على الناس ولو ذل المؤمن نفسيا أمام الكافر وخاصة الظالم فإنه إنهزم هزيمة لانصر بعدها ولو عز أمام أخيه المؤمن فإن حبال الجماعة معرضة للصرم فتنهزم الجماعة ـ وثالثها أن الايمان العاصم من الردة إيمان مجاهد في سبيل الله وحده لا يطلب رضا الشاهد الدولي بل يطلب رضى الله سبحانه بالانتصار له . فعلامات الردة وهي جنين في قلب صاحبها هي إذن : تلاشي الحب بينه وبين ربه والذلة حيال الكافر والظالم في مقابل الشدة والغلظة مع المؤمن ثم تأتي الفاضحة التي يقع فيها اليوم آلاف من المنافقين والمرتدين : نبذ الجهاد مشروعية وأصلا أو تأجيله حتى مقاومة لتحرير الوطن المحتل خوفا على أوليائهم في أمريكا والصهاينة وأروبا من نار الجهاد أو خوفا على أنفسهم يوم تدخل جيوش الاحتلال أي إيثار كامل للعاجل على الاجل.
الدرس الاول : القرآن يتوجه في موضوع الردة إلى تحليل الاسباب لا إلى إلغاء حياة الناس .
هو ذات الدرس الذي شرح آنفا سوى أني أردت تلخيصه لان القرآن حاكم على السنة مطلقا ودوما ولو تدبرنا الاسباب التي حللها القرآن وتوسعنا فيها وتعاونا على معالجة الموقف لارتد كثير من المرتدين والمنافقين إلى الاسلام مجددا ولكانوا عونا له لا عليه ولم يكن ليستحي سبحانه لينزل عقوبة مادية في المرتد والمنافق كما فعل مع السارق والمحارب والقاذف والزاني وكل هؤلاء أقل جرما منه فألتقط معي هذا الدرس مليا وهو يقول : الجرائم العقلية لا تواجه بالعقوبات البدنية وإنما بتحليل الاسباب وبسط سبل الدعوة ومناخ السلم وجو الامن وحسن القدوة والصبر.
الدرس الثاني : من أجل إحاطة أشمل بالموضوع لابد من قراءة في النظام الاسلامي .
بعض الناس لا يرون في الشيوعية مثلا سوى أنها عقيدة ملحدة متجاهلين أنها شكلت توازنا كونيا مهما مع الرأسمالية فكريا وإقتصاديا والاعتراف بمحاسن شئ لا يعني تبنيه ومنهج الاسلام لم يضره أنه إنبنى على الاقرار بعد الاخبار والانشاء فأقر تشريعات عربية كثيرة فيها صلاح وذلك بعد نزعها من سياقها الجاهلي والامر ذاته في موضوع الردة لو تناوله الناس سيما غير المسلمين معزولا عن فلسفة النظام الاسلامي لما أنتج سوى أن الاسلام نظام مغلق عدو للحرية . عقوبة الردة تنبع من كون الاسلام بخلاف كل الاديان السماوية والفلسفات الوضعية نظام شامل كامل متكامل يتسع لكل إنسان في كل حال وزمان ومكان فالقلب مثلا ليس من مشمولات الفلسفات الوضعية ولكنه في الاسلام مربط الفرس والحياة العامة مثلا ليست من مشمولات الاديان السماوية الاخرى ولكنها في الاسلام أمه وحياته وذلك يعني أن الردة من مشمولات الاسلام بخلاف الفلسفات الوضعية لو كانت عملا أو قولا هو بريد القلب . عقوبة الردة تنبع كذلك من كون الاسلام يمتلك قاعدة دفاعية حمائية مناعية ذاتية ككل كائن حي وهي قاعدة تدافع عنه في قلب الانسان وفي عمله تبعا لخصيصته الاولى وهي أنه دين شامل للحياة . فمتى كان المرتد خطرا على المجتمع الاسلامي وجبت عقوبته بإسم ذات المجتمع الحاضن للنظام الاسلامي والذائد عن جسمه الداخلي ضد خلية شذت عن نظام نموها العادي وهو أمر مفهوم في نظام الاجسام الحية والمعنوية اليوم وليس الاسلام وحده هو من يملك نظاما مناعيا أو يشيد حوله عسسا وحرسا ويغذي دمه بالكرويات البيضاء ويضع للداخل فيه عن رضى وحرية إرادة وإختيار قانونا عاما يبسطه أمامه قبل الدخول . عقوبة الردة تنبع من كون الاسلام يوازن بين حق الفرد وحق الجماعة وهو ذات الامر الذي ألغته من حساباتها أديان سماوية وحاولت فيه فلسفات وضعية عبر مقاربات لكننا نعتقد أنها فشلت فالرأسمالية مثلا طغى فيها حق الفرد على حق الجماعة والشيوعية على العكس من ذلك ومن حق الاسلام أن يقدم لمعتنقيه مقاربة في ذلك فإن رضوا بها دخلوا فيه وإن أبوا فلن يجبرهم على الدخول فيه فحق الفرد في المجتمع الاسلامي في الكفر مكفول بقدر ما يظل الامر بينه وبين خالقه أو في أطر ضيقة جدا لا تتجاوز أسرته وقرابته وصديقه وكل من يثق بهم لييسروا له حياته الشخصية دون شن معركة على عقيدة إرتضاها الناس لانفسهم وأرادوا التفرغ لغيرها من المعارك ويقابله حق المجتمع في فرض عقوبة معينة على الفرد الذي دخل إلى دارهم حرا مختارا ثم أراد زعزعة بنائهم من أسه وبدون تلك الموازنة بين حق الفرد وحق المجتمع فإن الحياة على البسيطة بأسرها تغدو عبثا معبوثا . تلك هي إذن الاسس الثلاث لعقوبة المرتد في الاسلام : طبيعة جامعة للاسلام و نظام وقائي ذاتي وعلاقة توازن بين حق الفرد وحق المجتمع .
الدرس الثالث : عقوبة الردة بين أضلاع أربعة : القرآن والسنة والاجماع والاجتهاد المعاصر.
السؤال الاول هو : هل أن عقوبة الردة أمر ثابت صحيح صريح كما هو الشأن في الزنا مثلا ؟ والجواب هو: أصل الحكم ثابت ولكن لابد من تفصيل في ثبوته . هوثابت بالسنة لا بالقرآن فهو إذن في مرتبة الثبوت الثانية لا الاولى .وهو ثابت بالسنة القولية لا العملية والقولية أقوى من حيث المبدإ والاصل من العملية سوى أن العملية لو لم تقدح فيها صوارف الخصوص أقوى حين تسند القولية .هو ثابت بالسنة في موضعين صحيحين صريحين كما هو مبين أعلاه سوى أن الموضعين مختلفان على نحو يجعل أحدهما " التارك لدينه المفارق للجماعة " مبين للاخر" فأقتلوه " بما يعني إجتهادا أن القتل لا يشمل سوى المرتد الجامع إلى ردته مفارقته للجماعة ولا تعنينا الان لضيق المجال صور مفارقة الجماعة . أما الاجماع فهوثابت متيقن كذلك وهو أعلى مراتب الاجماع أي صريح صحيح عام وهوقتال أبي بكر للمرتدين غير أن علة القتال محل إختلاف والراجح أنها علة الجمع بين مفارقة الجماعة بمنع حقها في الزكاة وبين الردة فهي ردة ليست ضد الدين الشخصي للانسان ولكنها ردة ضد الوجود الاسلامي ودولته الناشئة وحقها وهو حق الامة في مال الناس أي الزكاة . أما الاجتهاد المعاصر فهو كذلك ثابت في إتجاهين : يقول أحدهما بأن المرتد يقتل أبدا ولو كانت ردته بينه وبين نفسه بينما يقول الاخر بأن الاسلام في مظهره الجماعي يهتم بالردة التي تتوفر فيها الشروط التالية : العدوان على المعلوم من الدين بالضرورة باللسان أو بالقلم فضلا عن العمل ـ الدعوة إلى الردة بدل الاكتفاء بالتصريح بها ملزما بها نفسه فحسب ميسرا حياته على مقتضاها دون عدوان ـ أما إذا تطور الامر إلى حد الخيانة الوطنية موالاة لعدو ضدنا وهزا لاركان جبهتنا الداخلية فالمسألة لا خلاف عليها.
خلاصة ما تحصل لدينا : قرآن يكتفي بتحليل الاسباب ووعيد الاخرة وسنة يبدو والله أعلم أنها تخص المرتد المفارق للجماعة لا مجرد الردة الشخصية الموادعة الصامتة وإجماع يترجح فيه جانب الردة الجماعية ضد حق الامة في مالها وينسحب ذلك من باب أولى وأحرى حقها في كرامتها وعزتها وإستقلالها وإجتهاد معاصر يترجح فيه جانب الردة المعتدية لا المسالمة .
الدرس الرابع : حصر الردة في القطعيات الدينية للحولان دون كبت حرية الرأي .
مشكلة الانسان دوما هي إما تضييق لواسع أو توسيع لضيق وبين كل طغيان وإخسار تضيع الحقيقة لذلك كان الاسلام وسطيا في كل شئ حتى في عقائده المحكمة فلا تثليث ولا إلحاد ينكر الالوهية جملة . ويخشى دوماعلى كل مجتهد من أمرين : الاستجابة لضغط التراث أو الاستجابة لضغط الحاضر ولذلك كان الفكر الوسطي هو الاقمن بإصابة الحق . ثمة طريقتان لرؤية الحقائق: الطريقة الجزئية الميكروسكوبية التي يحتاجها الباحث عن شارع في خريطة مدينة هوموجود فيها والطريقة الكلية التي يحتاجها الباحث عن موضع بلاد في قارة أو قارة ضمن خريطة هو بعيد عنها والانسان يحتاج دوما إلى الطريقتين ولكن يتحدد الصواب في قربه وبعده من موقع الامر المبحوث عنه ففي مسألة الردة لا يحصل على الحق سوى من ينظر من بعد أولا في موضع الاسلام في التاريخ والحاضر وبين الاديان والفلسفات ثم يدقق النظر عن قرب ثانيا في موضع الردة فيه فالمشكلة دوما في نظر الانسان مؤمنا وكافرا. النظرة الوسطية تقول أن الاسلام يجمع بين أمرين : يحمي نفسه من الداخل بعقوبة المرتد المستعلن المهاجم لا المسالم الموادع ويفسح حرية الرأي للناس كافة في ما لايتصل بثوابته الاساسية التي إنبنى عليها وهي قليلة العدد جدا . لم يضق الاسلام بالمدارس الكلامية التي إختلفت في فروع العقيدة إختلافا كبيرا كلما كانت متوحدة على تنزيه الله مثلا سبحانه وفضلا عن ذلك لم يضق بالاختلاف الاصولي ولاالفقهي ولاالمذهبي ولا اللغوي والعرقي والجنسي فكيف يضيق بحرية الرأي فيما هو أقل شأنا من ذلك بكثير لا بل لم يضق الاسلام بالتعدد الديني إذ إعترف بالاديان السماوية وعرض حججها في القرآن وناقشها ورتب بيننا وبينهم علاقات حميمية من المصاهرة والتوارث فضلا عن التعاون العام وهو إعتراف متوسط أي إعترف بصحة الاصل وبالوجود الواقعي و لم يسبغ عليها الاعتراف الشرعي الديني . فالردة المعنية لا تتجاوز القطعيات الدينية التي إختلف أهل الكلام في فروعها كثيرا وكل القطعيات الدينية تحتفظ بأصل لايختلف عليه لانه من صميم الفطرة والسنن كما تحتفظ بفروع لاحصر لها بقدر تنوعها وإختلاف الناس حولها يحرك الحياة ويسعد البشر. ومادون ذلك من فروع العقيدة إلى ما يليها مما لا يخطر على بال هو محل حرية رأي لامجال فيه لرمي القائل كائنا من كان بالردة بل هو مجتهد مأجورولو أخطأ ألف مرة ومرة .
الدرس الخامس : عقوبة الردة ليست خاصة بالاسلام لانها فطرة وسنة .
ليس ثمة ما أغلى من قاعدة أن الاسلام دين الفطرة والقانون الكوني والاجتماعي . والدليل أن الكافرين يحمون أنظمتهم الدينية والاجتماعية بقوانين معروفة وعقوبة الخيانة الوطنية اليوم محل إجماع كل الخليقة فوق الارض ولكل نظام ثوابت لا يسمح بتجاوزها فأروبا وهي كالفأر المذعور بين مليار ونصف مسلم وبين قوة صهيونية طاغية تقوم على مبدأين : أروبا نادي مسيحي والمحرقة مكون تاريخي أصيل لابد من الوفاء له بعقوبة نقد السامية واليهود بل وصل الامر إلى حد عقوبة نقد الصهيونية المغتصبة لفسلطين وبضخ الاموال التي يعجز قلمك عن مجرد كتابتها. وقبل ذلك لابد من التذكير بأن الغرب المعتدي علينا بإسم عقوبة الردة هو من قتل حرية الرأي العلمي لا الديني من خلال قاليلي وكوبرنيكس وكل من خالف الجمود الكنسي وقال بكروية الارض أو غير ذلك من العلوم الكونية وهو ذاته الذي لم يقل بأن للمرأة روح سوى قبل قرنين ولك أن تراجع سجل الحروب الدينية في أروبا فستجد عجبا عجابا من عدم التسامح .
خلاصات : ــ القرآن صريح في أن المشكلة هي مشكلة حرية وليست مشكلة ردة وهوحالنااليوم.
ــ عقوبة الردة ثابتة من حيث المبدإ والاصل وتنزيلها يحتاج إلى مزيد من الاجتهاد .
ــ تنفيذ العقوبة من صلاحيات الحاكم برا كان أو فاجرا وماعدا ذلك هو إفتئات غلمان .
ــ مشكلتنا اليوم ردة حكام ودوائر توجيه وقيادة وليست ردة مواطنين هم ضحايا ردة الحكام .
ــ محور الردة تفرضه اليوم ثقافة الغالب أما أولوية أولوياتنا فهي الجهاد من أجل الحرية .
ــ لايضيق الاسلام بحرية رأي أبدا ولكنه يضيق بمن يستغل مناخ الحرية فيه لنقض أسه .
ــ مقصد العقوبة : حماية الجبهة الداخلية من الانهيار .
ــ أنجع دواء ضد الردة : بسط الحرية لتحرير الانسان وتكريمه ولم شمل الوحدة الداخلية
-
رد: مــــائة مصباح من مشكاة النبــــوة
الحلقة المائــــــــــــة
أخرج البخاري عن أم كلثوم بنت عقبة أنه عليه السلام قال " ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيرا أو يقول خيرا ". وعن سهل بن سعد أن أهل قباء إقتتلوا حتىتراموا بالحجارة فقال عليه السلام " إذهبوا بنا نصلح بينهم ".
ـــــــــــ
من شواهده " فأصلحوا بين أخويكم " و " والصلح خير " وغير ذلك كثير ...
موضوعه : الاسلام دين الصلح والاصلاح والمؤمن إنسان صالح مصلح والناس كلهم إخوة.
دعني ألفت إنتباهك هنا إلى أن راوي الحديث إمرأة ممن نقل عنها البخاري صاحب أصح كتاب بعد كتاب الله سبحانه أجل علم بعد علم القرآن وهو حديثه عليه السلام وتشدد الامام البخاري معروف في رواية الحديث حتى إنك تجد كثيرا من الاحاديث بعنوان " على شرطهما " أو " على شرطهما ولم يخرجاه " أي أنهما ـ البخاري ومسلم ـ وضعا شروطا محددة لرواية الحديث فهل من مقام أسمى للمرأة من مقام الرواية عنه عليه السلام وكسب ثقة رجل عظيم كالبخاري وصاحب الفتح فتح الباري وهل من مرقى أعظم شرفا وتكريما من مرقى التوقيع عن رب العالمين سبحانه فالدين هو كل شئ للانسان إما أن يكون مزيفا فيحيل حياته إلى شقاء وإما أن يكون صحيحا فيسعد الانسان في عاجله وآجله .
الاصلاح أكثر خطاب القرآن الكريم :
لو تلوت القرآن الكريم مرات ومرات وتدبرت لالفيت أن خطابه جله حول الاصلاح فعنوان الذين آمنوا هو دوما " وعملوا الصالحات " ولم يمدح القرآن فئة مدحة للمصلحين وليس ذلك سوى لاهتمامهم بالناس في ملماتهم وأشجانهم ومساعدتهم على تجاوزها وإذا كان اليوم مفهوم الاصلاح إنصرف منا إلى الدعوة إلى الخير فحسب دون التهيء جماعيا وبما يكفي من الوسائل لفض النزاعات وطرد أسباب الخصومات فإن الاسلام ليس مسؤولا عن هذا التحريف .
في سبيل الصلح بين الناس جوز الاسلام ما هو أشد تحريما كالكذب والحنث في اليمين .
الكذب من أخس الصفات الانسانية التي ينهى عنها الاسلام حتى أنه عليه السلام أفاد بأن المؤمن يمكن أن يكون جبانا وبخيلا أما أن يكون كاذبا فضلا عن كذاب فهو خط أحمر ما يجاوزه غير مسف مهين لنفسه ولكن لفرط إعتبار الاسلام لاجتماع الناس حول أخلاق كريمة حتى لو إختلفت أديانهم وأعراقهم ولفرط إعتباره للاخوة بينهم حتىمع إختلاف الاديان واللغات والاجناس ولفرط إعتباره لمصلحة التعاون والسلم والامن والحب وسل سخائم العداوة والبغضاء فإنه جوز الكذب في سبيل الاصلاح وهو واضح صريح في هذا الحديث وأحاديث أخرى كلها تدور حول الاصلاح سواء بين الزوج وزوجته أو بين كل متخاصمين . والامر ذاته بالنسبة للحنث في اليمين فمن حلف بالله العظيم سبحانه على شئ يفعله أو لايفعله ثم تبين له الخير في سواه كفر عن يمينه وأتى الخير وهو في قوله " ولاتجعلوا الله عرضة لايمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس "
فمن أجل الاصلاح بين الناس وفعل البر يحنث الحالف في يمينه به سبحانه مكفرا عنه ولك أن تلاحظ أنه سمى ذلك تقوى " وتتقوا" فالتقوى التي محلها القلب تتبع النية وهي ليست دوما البر باليمين الذي تبين أنه أدنى خيرا وبرا وإصلاحا بين الناس ولكنها تجتبى ولو مع الحنث في اليمين المعقودة من أجل بلوغ أرقى درجات الاصلاح بين الناس . وهذا يسميه الاصوليون : الامور بمقاصدها والعبرة بمآلات العمل كماهو واضح من قصة الخضر مع موسى عليهما السلام فلا تكون الشريعة عرضة للاصلاح بين الناس وإقتراف أرقى مراتب الاحسان سوى عند الجهلة بها أو الجامدين لان الشريعة إنما جاءت لمصلحة الانسان ومصلحة الانسان في نزع فتائل الخصام بينه وبين أخيه الانسان .
سيرته عليه السلام عنوانها الاكبر : الاصلاح بين الناس وإليك غيض من فيض من ذلك .
1 ـ صلح الحديبية : فيه قبل عليه السلام الرجوع عن عمرته وليس بينه وبينها سوى عشرة أميال تقريبا وهو آت من المدينة التي تبعد ضعف هذه المسافة أربعين مرة كما قبل بمعاهدة كلها لمصلحة قريش حتى تململ الصحابة وكاد يهلك عمر .
2 ـ صحيفة المدينة : جوهرها مصالحة وطنية شاملة بين كل مكونات المدينة من أوس وخزرج وسائر القبائل اليهودية لا تلزم سوى بالدفاع المشترك على المدينة ولكل لون مزاولة حياته الدينية والعامة بحسب ما يرضى هو دون عدوان من أحد على أحد .
3 ـ توجيه صحابته مرتين إلى الحبشة : ينم عن بحثه عن مصالحة بين الاديان السماوية لمقاومة الظلم ـ إعتماده على إستراتيجية الاجارة طلبا ( رجوعه من الطائف ) وإسداء ( مجارأم هانئ) ـ إغتنام كل فرصة لحقن الدماء من الجانبين ( مصالحة غطفان على ثلث تمر المدينة ـ إعتبار المنافقين الذين إشتد كيدهم مواطنين دون التعرض لهم بأي أذى ـ إرسال السفراء إلى الدول المجاورة ودعوتهم للاسلام أو السلم ) .
4 ـ مصالحة لم يصدقها التاريخ مع قريش التي قاتلته وأخرجته وحرضت ضده وذلك يوم الفتح.
5 ـ خطبة حجة الوداع : مصالحة دينية مع قريش ( السدانة ) وسائر بنودها مصالحة سواء أسرية أو عالمية إنسانية عامة بحكم الاصل الادامي الواحد ...
الاصلاح بين الناس أفضل من الصلاةوالصيام والصدقة .
أخرج الترمذي أنه عليه السلام قال " ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة " قالوا بلى يا رسول الله فقال " إصلاح ذات البين فإن ذات البين هي الحالقة ". ليس معنى ذلك ترك الفرائض وإنما معناه أن الاصلاح بين الناس أفضل من أداء النوافل حال التعارض إذ أن الفرائض معين يزود الانسان بالايمان الذي يجعله يحب لاخيه ما يحب لنفسه فيصلح حاله مع خصومه .
من أكبر عناصر النظام الدفاعي الاسلامي الداخلي : الواقعية ـ فالتخاصم بين الناس ممكن .
ثمة محورأوصى المرحوم الشيخ الغزالي قبيل موته بضرورة بحثه وهو النظام المناعي في الاسلام فهلا علمت وعلّمت ؟من عناصر ذلك النظام : الواقعية . ومن مظاهرها في موضوعنا اليوم أن الانسان مفطور على قدر من الشر يخاصم به غيره وذلك من باب الابتلاء ومقتضى التفاضل والتدافع . القرآن يعلمنا في سورة الحجرات بأن المبشرين بالجنة تقاتلوا بالاسياف وذكر ذلك في معرض التوجيه إلى كيفية معالجة الحالقة وذلك قبل وقوعها بحوالي نصف قرن " وإن طائفتان من المؤمنين ... " وفعلا وقع الامر وتقابل المبشرون بالجنة : الام عائشة وطلحة والزبير في صف وعلي ومن معه في صف آخر وقتل بعضهم بعضا ورغم ذلك لم تنفسخ عنهم بشارتهم بالجنة . هل يعني ذلك شيئا ؟ ذلك يعني أن الاسلام دين الواقعية النابعة من التكوين الفطري للانسان سيما أن المتقاتلين يومها متأولون بالكلية ليس في قلب واحد منهم ذرة من هوى وهو ما يدعيه المتقاتلون اليوم فينا وهو هراء وسفاهة إضافة إلى أن قوة الامة يومها إستوعبت الخصومة أما في حالنا فإن كل خصومة لن تزيدنا إلا ضعفا على ضعف . ولوتتبعنا آيات الحجرات حتى النهاية فسنجد أن الخصومة بين المؤمنين أمر وارد وممكن الوقوع سوى أن الناس يختلفون عند ذلك في مسألتين : أولهما نية القلب هل هي خصومة لله خالصة أم فيها للنفس حظ وثانيهما الطريقة التي بها تشن الخصومة وبها تفك إشتباكاتها إذ ليس من حقل خصب يفرخ فيه الشيطان فينمو ويكبر ويعربد ويهلك الناس في النار جبالا مجبولة سوى حقل الخصومة . فآيات الحجرات من أجل الاصلاح بين الناس وإفشاء مناخ السلام وجو الامن تأمربقتال الفئة التي لا تفئ إلى الصلح فلك أن تقول إذن أن الاسلام لحفظ وحدة الناس وبسط المصالحة بينهم يجيز ثلاثة أفعال تعد خارج ذلك من الكبائر وهي : الكذب والحنث في اليمين وقتال البغاة بالنار.
محاور الاصلاح المعاصر : لابد من تجفيف منابع الخصومة وبسط شروط المصالحة .
لابد من التأكيد بأن ثقافة الاصلاح من منطلق إسلامي خير كفيل لتجفيف منابع الخصومة وبسط شروط التعارف والتآخي أما القوانين مهما تكن عادلة فإن دورها ضئيل جدا سيما لو كانت ثقافة السخط والحسد والعدوان هي السائدة . وهذه بعض محاور الاصلاح المعاصر :
ــ المصالحة بين الناس وهوياتهم إذ المخاصم لهويته لن يكون سوى مخاصما لغيره .
ــ المصالحة بين مختلف مكونات الهوية الاسلامية وخاصة بين المذاهب الكلامية من مثل اللهيب المستعر بين الصوفية وبين السلفية وبين المذاهب الاصولية من مثل الاتهام المتبادل بين الشيعة والسنة وبين المذاهب الفقهية وبين المذاهب اللغوية وأحسن ما قيل في ذلك حكمة بليغة : الاسلام طائر العرب قلبه والفرس جناحه الايمن والترك جناحه الايسر .
ــ المصالحة بين المشارب الدينية والفكرية والسياسية في الامة وخاصة بين المسلمين والمسيحيين وبين العلمانيين والاسلاميين وبين الحكام وشعوبهم وخاصة فئات المعارضة .
ــ المصالحة بين التفكير الاسلامي والغربي على أساس الحوار العلمي الهادئ بدل الاتهام .
الخلاصة : الصلح بين الناس أفرادا وأسرا وجماعات من أفضل القربات إليه سبحانه لانه مهد التآخي ومسرح التعاون وباعث على التعارف الذي به تنداح حقول الامن والسلام بين الناس وتجفيف لمنابع التظالم وسل لسخائم القلوب وخير معين على مشاريع الاصلاح بين الناس أمران: ثقافة إسلامية صحيحة وقلوب راضية طاردة للشح والاثرة صابرة شاكرة فالمؤمن الصالح لابد يدفعه إيمانه وصلاحه إلى الاصلاح بين الناس وهو لايعني إلغاء الاختلاف والتنوع في كل مستوياته بل يعني خدمة سنة التكامل والحوار بدل التنافي والتحارب. وأمتنا اليوم بحاجة إلى إصلاح داخلي بين سائر مكوناتها مهما تباعدت تأهلا لمقام الشهادة .
-
رد: مــــائة مصباح من مشكاة النبــــوة
الحــــــــلقة الاخيــــــــــرة
أخرج الشيخان عن أبي هريرة أنه عليه السلام قال " أرأيتم لو أن بباب أحدكم نهرا يغتسل منه كل يوم خمس مرات فهل يبقى من درنه شئ فذلك مثل الصلوات الخمس يحمو الله بها الخطايا".
ـــــــــــــــــــــ
موضوعه : جنة الانسان في الدنيا الصلاة فمكارمها تحرر الانسان ومحاسنها تزين حياته .
الحديث عن الصلاة شيق حبيب عذب عادة ما يكون حديث قلوب وأرواح لا حديث ألسنة وجوارح سوى أنه حديث لا يكنه معناه ولا يجد ثرى برده في فؤاده شهدا زلالا إلا من ذاق فعرف وإشتاق وليس عسل الصلاة حكرا على أحد فجرب الصلاة وجرب الخشوع فيها وجرب حسن إقامتها سيما البردين في جماعة بالمسجد وجرب الصبر على ذلك سنوات وعندها ينبجس من قلبك نور يضئ لك كل درب مهما كان مظلما . هذه بعض مكارم الصلاة ومحاسنها :
1 ـ أول مادة في إمتحان الدنيا يحاسب عنها الانسان يوم القيامة :
قال عليه السلام " أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة صلاته فإن صلحت صلح ما بعدها وإن فسدت فسد ما بعدها " تماما كمادة الرياضيات أو بعض اللغات وكل مادة إختصاص في برنامج التلميذ أو الطالب فهي تأشيرة الجنة بإمتياز شديد وهي مانحة صكوك القبول لما سواها من المواد. وليس ذلك عبثا ولكن لان من لم تصلح حياته في الدنيا الصلاة فليس أهلا للجنة .
2 ـ الصلاة محطة تخلص من الديون :
أخرج مسلم عن أبي هريرة أنه عليه السلام قال " الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات ما بينهن إذا إجتنبت الكبائر " تماما كما أن المدين المثقل لابد له من طلب جدولة ديونة لدى دائنه أو طرحها سواء كان فردا أو دولة سيما أن الانسان بحكم تكوينه المزدوج مفطور على الاثم ولو بنظرة حرام أو ظن حرام فأول موعد صلاة يكفر عنه ذلك .
3 ـ الصلاة فرصة لتلاوة القرآن :
قد يكون الانسان أميا أو لايجد الوقت للتلاوة أو لايجد المصحف أصلا فأكرمه سبحانه بسورة الفاتحة وهي السبع المثاني وأفضل مافي الكتاب العزيز يجدد بها توحيده وحاجته لربه وشكره له وتبتله في محرابه فيغفر له سبحانه ذنبه أما لو كان قارئا فإنه بقدر إطالة القراءة بخشوع وتدبر ومناجاة لولي نعمته سبحانه يكون في جنة ولك أن تعلم أن قصة من بترت ساقه في صلاته وهو لايشعر قصة صحيحة لا يكذبها سوى مادية سوداء رانت على قلوبنا وصدق الحبيب عليه السلام إذ قال في حديث الترمذي " أول علم يرفع علم الخشوع " فسماه علما وليس وجدا هائما كاذبا .
4 ـ الصلاة توفر للانسان السجن اللازم :
أخرج مسلم عن أبي هريرة أنه عليه السلام قال " الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر " فالمؤمن مطالب بأن يضع نفسه طيلة حياته في سجن يتصرف تصرف السجين الذي إختار سجنه بنفسه لم يكرهه عليه أحد فالسجين لا يتكلم بماشاء وقتما شاء ولا يأكل ما شاء وقت ما شاء وكذلك شربه ونظره ومشيه وقيامه ووصلت السجون في تونس إلى حد معاقبة الدكتور شورو عام 1991 على رؤيا رأى فيها محمدا عليه السلام أما المؤمن فإنه يسجن شهوته وهواه فلا يتطرق سمعا وبصرا ويدا وجارحة ولسانا وظنا لو إستطاع لما لا يحل له والصلاة خير من يوفرله ذلك السجن المطلوب لانها تطرد عنه حجاب الغفلة بمعدل مرة كل أربع ساعات على مدار الحياة .
5 ـ الصلاة قرة عين وملاذ نفسي آمن ومرفأ دافئ يعين على مغالبة مصاعب الحياة :
قال عليه السلام " حبب إلى من دنياكم الطيب والنساء وجعلت قرة عيني في الصلاة " فأنطر كيف يجمع عليه السلام في حياته بين الطيب والنساء من جهة وبين الصلاة من جهة أخرى وذلك يدل على أن الصلاة ليس عبئا ثقيلا يتخلص منه الانسان يؤديها نقرا كمن يؤدي دينا لدائن كاشح بل هي لذة نفسية وراحة شعورية يجدها المصلي كما يجد الطفل المروع دفئا حانيا لذيذا في حضن أم كريمة فمن ترك الطيب والنساء ولذائذ الدنيا بدعوىالعبادة فهو كاذب شانئ لسنة سيد المرسلين عليهم السلام جميعا ومن ترك الصلاة بدعوى عدم التفرغ أو تحصيل الراحة النفسية في غيرها فهو كذلك كاذب أغواه الشيطان . فكان عليه السلام دوما يقول " أرحنا بها يا بلال".
6 ـ الصلاة نور :
قال عليه السلام " .. الصلاة نور والصبر ضياء والصدقة برهان .." نور يجده المصلي الخاشع في حياته لا في صلاته فحسب فمن فقد الخشوع في حياته فقد الخشوع في صلاته لان الصلاة جزء من الحياة والانسان ليس زرا كهربائيا بحيث يكون سائر يومه وليلته عابثا غافلا آبقا من السجن الذي إختاره لنفسه بإختياره للاسلام ثم يطلب الخشوع بدون مقدمات في لحظة الصلاة فهذا لا يستقيم مع منطق الاشياء . نور يجعل الانسان متوازنا معتدلا متوسطا سمحا في سائر حاله ولك أن ترى ذلك في الفلاحين الفقراء في سنوات الجدب يظلون مطمئنين بينما يهتز مالك المليارات الممليرة إهتزاز الجان إلىحد المرض والغيبوبة لو فقد جزء بسيطا من ثروته .
7 ـ الصلاة عماد الدين :
قال عليه السلام " .. رأس الامر الاسلام وعموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد.." لفهم هذا الحديث لابد لك من رسمه على حائط أو ورقة رسما فينا مفيدا واضحا ثم بادر إلى قطع عمود الرسم الذي رسمته فهل يستقر الرأس أو يثبت السنام في مكانه ؟ كذلك الصلاة هي التي ترفع الاسلام والجهاد فوق جمجمتها وعمودها الفقري ولك أن تعلم التالي : الصلاة عماد الدين والدين عماد الاسلام والاسلام عماد الحياة والحياة عماد الوجود والوجود بأسره مسبح بحمد ولي النعمة سبحانه فالصلاة هي الخلية الاساسية للوجود كالاسرة خلية المجتمع والانسان عماد الاحياء .
8 ـ الصلاة مطهرة الحياة والحياة بدونها مزبلة قذرة تشقى بها العجماوات فكيف بالانسان :
قال تعالى " إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر" والانسان لو تورط في مستنقع الفحشاء والمنكر لحولته الامراض البدنية إلى هيكل متهالك يفر منه أقرب الناس إليه من أم وولد وكذلك نفسه تنبعث منها روائح كريهة لا يحتملها كل من حوله من أهل الطيب والخير سوى بقدر حاجتهم إليه لكثرة ماله أو جاهه .
9 ـ الصلاة قنبلة موقوتة إما تفجرها في وقتها أو تنفجر عليك فتهلكك :
قال تعالى " إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا " الكتاب معنها أمر موثق لا يجدي فيه الانكار والتفصي والتأقيت معناه أن ذلك الكتاب لو حل أجله فإنه يفعل تماما كما تفعل القنبلة الموقوتة إما يفجرها صاحبها أو يغفل عنها فتنفجر عليه وتهلكه فأقم الصلاة على نحو أن كل صلاة دخل وقتها تهيأت قنبلتها للانفجار فإن خرج وقتها إنفجرت عليك قنبلة عذاب لن تدركها إلى يوم القيامة وإن أديتها فجرتها أنت بإرادتك الحرة فكانت قنبلة رحمة تسعد بها أو قنبلة طيب.
10 ـ من رحمته سبحانه أنه عفا عن السهو في الصلاة بينما يعاقب على السهو عنها :
" الذين هم عن صلاتهم ساهون " أي مضيعين لها " أضاعوا الصلاة وإتبعوا الشهوات " ولو حاسبنا عن السهو فيها لا عنها لهلكنا فكيف تكسب الخشوع ؟ أولا بالخشوع في الحياة ما إستطعت وثانيا بدوام التلاوة بتدبر وثالثا بحشد أكبر ما يمكن من طاقات التركيز في الصلاة من ذكر للموت والبلى وعذاب القبر ومشاهد القيامة وأنك في حضرته سبحانه وذكر ذنوبك ولكن لا تستعجل على تحصيل الخشوع فهو لايأتي إلا بالخشوع في الحياة وبمرور الزمان . ومما يساعدك على عدم السهو عنها مصاحبة المصلين والقرناء الطيبين جارا ورحما وزميلا ...
11 ـ عنوان الفلاح في الدنيا : خشوع في الصلاة ومواظبة عليها :
" قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون ... والذين هم على صلاتهم يحافظون " الفلاح لا يعني الفلاح الديني كما نفهمه نحن اليوم ولكنه يعني الفلاح في الحياة بأسرها والخاسر في الدنيا خاسر في الاخرة والمفلح في الدنيا مفلح في الاخرة لانهما شوطان متتاليان لا ينقطعان والفلاح في الحياة يجمع بين شكل الصلاة " يحافظون " وروحها " خاشعون " .
12 ـ الصلاة عنوان تطهر وتحضر ورقي في البدن والثوب والدار :
وذلك من خلال الطهارة التي تسبقها من إتيان خلال فطرة وغسل ووضوء وسواك وطيب ...
13 ـ الصلاة بوصلة زمنية تنظم رزنامة الحياة وترتب برنامجها العام في توازن وإعتدال :
وذلك من خلال تقسيم اليوم والليلة ثم أيام الاسبوع ثم أيام السنة وأيام العمر إلى محطات معروفة.
14 ـ الصلاة فرصة يومية وأسبوعبة وسنوية للقاء الناس والاهتمام بأمرهم :
من أكبر مقاصد الصلاة جمع الناس مرة واحدة في الاسبوع فرضا على الاقل لان الجماعة دين .
15ـ الصلاة مدرسة أخلاقية تعلم التواضع والادب مع الناس :
السجود لله سبحانه لا يعلم الساجد الخضوع لولي النعمة سبحانه شكرانا على فصله فحسب ولكن يعلم كذلك التواضع للناس لان ذلك من مشكاة التواضع لرب الناس سبحانه فلا يليق بالساجد التكبر على إخوانه من الناس كما تعلم الصلاة من خلال صلاة الجماعة أدب الحديث مع الناس وكسب الحس الجماعي والتربية الاجتماعية والمجاملة والابتسام والمصافحة وذلك يكسب الناس خبرات ومهارات عن طريق التعارف .. حتى أنه عليه السلام في الحديث المتفق عليه هدد بحرق المتخلفين عن صلاة الجماعة ولو أدى الامر إلى قطع صلاته وإستخلاف من ينوبه وليس ذلك لكسب الاجر الاخروي فحسب لان أولئك يصلون في بيوتهم ولكن كذلك لتمتين أواصر الجبهة الداخلية بالتآخي والتعارف والتضامن والتعاون والتكافل ...
16 ـ الصلاة مجال للاحسان وإقتطاع مبكر لتذكرة في فراديس الجنان
أخرج أحمد ومسلم وثلاث من أصحاب السنن أنه عليه السلام قال " من قتل وزغة في أول ضربة كتبت له مائة حسنة ومن قتلها في الضربة الثانية كانت له كذا حسنة وفي الثالثة كذا "
حديث عجيب في الاحسان فالمؤمن القوي دوما خير وأحب فكيف بالمصلي الخاشع الملتزم بالجماعة المجود للقرآن . ثم إستمع إلى هذا : أخرج الشيخان عن أبي هريرة أنه عليه السلام قال " يعرق الناس يوم القيامة حتى يذهب في الارض عرقهم سبعون ذرعا وإنه ليلجمهم حتى يبلغ آذانهم ". لاشك أن المصلين يومها " لاخوف عليهم ولاهم يحزنون " لانهم كانوا من المشائين في الظلمات إلى المساجد فزكوا أبدانهم بالعرق في الطريق إلى الصلاة فالامن والخوف لايجتمعان على إنسان في الدنيا والاخرة معا فأحذر الغرور والحذر الحذر فإنك لاتدري متى تموت ؟
-
رد: مــــائة مصباح من مشكاة النبــــوة
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
جزاك الله كل خير
:n200673:
-
رد: مــــائة مصباح من مشكاة النبــــوة
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
بارك الله فيك اخي
-
رد: مــــائة مصباح من مشكاة النبــــوة
جزاك الله خيرا وجعلها فى موازين أعمالك الصالحة
لك كل مودة وشكر وتقدير
-
رد: مــــائة مصباح من مشكاة النبــــوة
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
بارك الله فيك اخي
-
رد: مــــائة مصباح من مشكاة النبــــوة
بارك الله فيك اخى الفاضل ولى رجعه لاطلع على باقى الحلقات
-
رد: مــــائة مصباح من مشكاة النبــــوة
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
بارك الله فيك اخي الكريم