ماهيّة الوصية الشرعية وما يتعلق بها من شـــــروط وأحكام

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

ماهيّة الوصية الشرعية وما يتعلق بها من شـــــروط وأحكام

الشيخ مشهور فواز - المحاضر كلية الدعوة والعلوم الاسلامية

الوصية هي : «تمليك مضاف الى ما بعد الموت بطريق التبرع سواء كان الموصى به عينا او منفعة» ، ( انظر المغني ، ج6/ص2) .
وسميت الوصية كذلك ، لأن الميت يصل بها ما كان في حياته بعد مماته .
والوصية مشروعة في الكتاب والسنة والاجماع والمعقول :
أولا : من القرآن الكريم : قوله سبحانه وتعالى :{ كتب عليكم اذا حضر أحدكم الموت ان ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين } ، ( سورة البقرة ، آية 180) .

ثانيا : من السنة النبوية : قوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه عبد الله بن عمر رضي الله عنهما :( ما حق امرئ مسلم له شيء يريد ان يوصي فيه يبيت ليلتين الا ووصيته مكتوبة عند رأسه ) - متفق عليه- .
ثالثا : الاجماع :جاء في المغني (6/137) :( انعقد اجماع العلماء في جميع العصور والبلدان على جواز الوصية ولم ينقل عن احد انه قال بعدم مشروعيتها او منعها) .
وأما المعقول : فإن الانسان يستحب له ويحتاج الى ان يختم حياته بقربة تزيد على قربه المتقدمة ، كما أنه ربما يكون قد قصر في بعض الطاعات في حياته ، فتأتي الوصية تداركا لما قصر فيه من حقوق الله او حقوق عباده .
حكمة مشروعية الوصية :
هنالك حكم عديدة لمشروعية الوصية ، منها :
أ- تدارك من المسلم لما وجد منه من تقصير في اعمال الخير والبر اثناء حياته ، فهي مصدر لزيادة الحسنات بعد الممات .
ب-القيام بحق البر والصلة لبعض أقارب الموصي غير الوارثين ودفع الفاقة والحاجة عنهم ، وتوثيق العلاقات بينهم وبين الورثة وازالة اسباب الحقد .
ج- المساهمة في بعض مشاريع الخير التي تعود بالنفع والفائدة على ابناء المجتمع الاسلامي .
د- تقديم العون والمساعدة للمحتاجين من فقراء المسلمين.
حكم الوصية:
يختلف حكم الوصية باختلاف الحالات التي تدعو اليها ، فتعتريها الاحكام الخمسة من وجوب وندب وحرمة وكراهة واباحة .
الحالة الاولى : الوجوب : تكون الوصية واجبة فيما لو قصر المرء وفرّط فيما يتعلق بحقوق الله تعالى كالزكاة ونحوها او بحق من حقوق العباد التي لا تعلم الا من جهة الموصي كدين او وديعة للغير عنده .
مثال ذلك : لو أن شخصا لم يؤد زكاة ماله مثلا فحينئذ يجب عليه ان يوصي ان عليه حقا لله تعالى ويحدد المبلغ الذي يجب اخراجه من التركة قبل تقسيمها بين الورثة .
وكذلك مثلا لو ان شخصا اقرض آخر مالا او أودع عنده مالٌ وليس هنالك من يعلم بهذا القرض او هذه الوديعة غيرهما -أي غير المقرض والمقترض في حالة القرض وغير الوديع ( المودَع لديه ) والمودع في حالة الوديعة ، فيحنئذ يجب على المقترض أن يوصي بأنه ان مات ، فإن لفلان من الناس في ذمته مبلغا وقدره كذا وكذا ، أما اذا كان هنالك شهود على الوديعة أو القرض فلا تجب حينئذ الوصية .
الحالة الثانية : الندب ( الاستحباب ) : تكون الوصية مستحبة فيما يتعلق بالقربات ، لقوله صلى الله عليه وسلم :( اذا مات ابن آدم انقطع عمله الا من ثلاث : صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له ) .
ومثال ذلك : أن يوصي الشخص قبل موته بـ 100000 مثلا لترميم كلية الدعوة والعلوم الاسلامية في او يوصي بـ 100000 دولار مثلا لبناء مستشفى طبي او لبناء مسجد او مدرسة وغير ذلك .
الحالة الثالثة : الحرمة : تكون الوصية محرمة اذا كانت لجهة معصية كأن يوصي بمبلغ بعد موته لبناء دار لهو او بناء مخمرة ...
الحالة الرابعة : الكراهة : تكون الوصية مكروهة اذا كانت لأهل الفسق والمعاصي مع عدم التيقن انها ستصرف الى الجهات المحرمة ، فإن تيقن انها ستصرف الى الجهات المحرمة حرمت .
الحالة الخامسة : الاباحة : تكون الوصية مباحة اذا كانت لغني من الاقارب ، لأن الوصية يستحب ان تكون للفقراء من الاقارب والارحام .
انظر : ( نظام الاسرة في الاسلام ، ا.د. محمد عقلة ، ج3/ص 580).
محاذير الوصية :
هناك جملة اخطاء يقع فيها الناس في وصاياهم ينبغي التحذير منها :
أولا : لا وصية لوارث : وصورة ذلك كأن يوصي أب بعد موته بداره لأحد ابنائه او لاحدى بناته او يخص احد ابنائه بمبلغ ما بعد موته ، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد نهى عن الوصية للوارث في الحديث الصحيح الذي رواه عنه الخمسة الا ابو داوود : ( ان الله قد اعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث ) .
ومن هنا قال العلماء : لا تصح الوصية لوارث الا باجازة الورثة بعد موته ، لأن ذلك يفضي الى قطيعة الرحم بسبب تأذي بعضهم بإثيار بعضهم الآخر ، فاذا اجازوا زال المانع لاسقاطهم حقهم ، ( انظر : المغني ، ج6 /ص 141) .
ثانيا : ينبغي ألا تتجاوز الوصية لغير الوارث ثلث التركة ، فإن تجاوزت الوصية الثلث ، توقفت الزيادة على اذن الورثة .
ومثال ذلك : لو أن شخصا اوصى لمدرسة ما بـ 100000 ومجموع ما تركه هو 200000 ، فإن الوصية هنا قد تجاوزت ثلث التركة ، فتنفذ بحدود الثلث وهو ما يقارب ( 000، 65 ) وما تبقى وهو ( 000، 35 ) تكون موقوفة على اذن الورثة ، فإن اجازوها مضت الوصية واستحق الموصى له 000، 100 ) والا فيستحق فقط (000، 65 ) .
والدليل على ذلك ما رواه الشيخان وغيرهما من اصحاب السنن ان سعد بن ابي وقاص رضي الله عنه روى ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له حين سأله عن جواز الايصاء بثلث ماله ، فقال : ( الثلث ، والثلث كثير ، انك ان تذر ورثتك اغنياء خير من ان تدعهم عالة يتكففون ، اي فقراء يمدون ايديهم لسؤال الناس ).
ثالثا : لا يجوز ان تتضمن الوصية بندا ينص على حرمان أحد الورثة او بعضهم ولو كان هذا الوارث عاقا لوالديه او فاسقا ، وذلك لأن سبب الميراث هو القرابة ، والمسببات تتعلق بأسبابها ، فإذا وجد السبب وجد المسبب واذا انتفى السبب انتفى المسبب .
ولما كان سبب الارث هو القرابة ، فحينئذ وجد المسبب( الميراث ) ، فلا يجوز للوالد ان يوصي بحرمان ابنه من بعده من الميراث ، ولو كان فاسقا او عاصيا او عاقا ، لان التركة بعد وفاة المالك تصبح من حق الورثة ولا يملك المالك بعد موته حق التصرف بما أصبح ليس بملكه.
ولعلّ الأمر أشدّ وأعتى وأنكى إذا كانت الوصية تنص على حرمان الإناث من الميراث، كما يفعله بعض الجهلة من النّاس في كثير من البلدان.
فإنّ هذه الوصية باطلة من أصلها ولا يجوز تنفيذها من قبل الأبناء، فإن نفذت هذه الوصية التي توصي بحرمان الإناث أو بعض الورثة، فقد اغتصب الورثة حق غيرهم في هذه الحالة وإنهم بذلك يأكلون في بطونهم سحتا ونارا.
نموذج للوصيّة ينصح كل مسلم ومسلمة بكتابته وأن يودع نسخة منه عند أهل الخير والصلاح:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي تفرّد بالبقاء، وقضى على خلقه بالفناء، وجعل الموت تحفة المؤمنين الأتقياء... وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الذي أوصى عباده في كتابه العزيز بوصايا تنفعهم في الدين والدنيا... وأشهد أن سيدنا محمدا رسول الله، الذي حثّ على الوصيّة ورغّب فيها وهو الصادق الأمين، القائل:«إن الرجل ليعمل بعمل أهل الخير سبعين سنة، فإذا أوصى حاف (ظلم) في وصيته، فيختم له بشر عمله، فيدخل النار، وإنّ الرجل ليعمل بعمل أهل الشر سبعين سنة، فيعدل في وصيته، فيختم له بخير عمله، فيدخل الجنة» (رواه أحمد 2/278)، وقال الشيخ أحمد شاكر في تحقيق المسند (7728): اسناده حسن.
وبناء على ذلك، فإنّي أوصي بما يلي:
أولا: أوصي ورثتي من بعدي بتقوى الله تعالى في السر والعلن، فإنّها أزين للأمر كله.
ثانيا: أوصي ورثتي بالتآلف والتكاتف والتعاضد والتسامح وألا يفترقوا من بعدي فيتنازعوا ويفشلوا وتذهب ريحهم.
ثالثا: أوصي ورثتي من بعدي بالحفاظ على هويتهم وإنتمائهم الديني والعقدي.
رابعا: أوصي ورثتي بإعمار المساجد وشدّ الرحال الى المسجد الأقصى المبارك ما استطاعوا الى ذلك سبيلا.
خامسا: أوصي بأن لا يضرب على موتي خدٌّ ولا يشق جيب أو يرفع بالنياحة صوت، بل اصبروا واحتسبوا وأكثروا من قول «إنا لله وإنا إليه راجعون».
سادسا: أوصي بتعجيل دفني وألا يؤخر إلا لعذر أو غرض كإنتظار من يرجى منهم الخير والصلاح للصلاة عليّ.
سابعا: أوصي بألا يُرفع قبري عن الأرض أكثر من شبر واحد وألا يبنى عليه ولا يُجصص.
ثامنا: أوصي بألا تتبع جنازتي النساء وألا تُتبع جنازتي بصوت أو نار أو دخان، فإنّ ذلك يؤذيني.
تاسعا: أوصي بأن يُبدأ بقضاء ما عليّ من الدّين من تركتي، لقوله صلى الله عليه وسلم:« والذي نفسي بيده لو قُتل رجل في سبيل الله ثم عاش ثم قُتل وعليه دين ما دخل الجنة حتى يُقضى عنه دينه».
وقدّموا قضاء ديون العباد على ديون الله، فإن تبقى بعد قضاء ديون العباد فاقضوا دين الله، لأن حقوق عباد الله مبنية على المشاححة، وحقوق الله مبنية على المسامحة.
(ديون الله تعالى: كالزكاة أو الحج إن لم يحج والكفارات...)
( ويذكر المبلغ الذي هو مدين به في وصيته ومن هم أصحاب الديون).
عاشرا: أوصي بألا تخرج النساء لزيارة قبري يوم العيد أو صبيحة دفني لفك الغربة كما يسمّيه العوام، وأن تجتنب جميع البدع والمحدثات التي تخالف الشرع، سواء في التغسيل أو اتباع الجنازة أو المأتم (بيت العزاء).
احد عشر: أوصي بعدم توزيع الدخان في بيت العزاء من قبل ورثتي على الناس، وأن يشغل الوقت بإحضار أحد العلماء العاملين ليعظ الناس ويذكرهم بفناء الدنيا وعاقبة الصبر والتقوى...
اثني عشر: أوصي بألا يوزع في اليوم الثالث من العزاء الحلويات والمشروبات كما يفعله الكثيرون من الناس، فإنفاق ذلك عن روحي للفقراء والمساكين والمشاريع الخيرية خير وأبقى.
ثلاثة عشر: إذا أراد أن يوصي بمبلغ معيّن من ماله لجهات البر والخير فله ذلك، ويذكر المقدار، شريطة أن لا يكون الموصى له وارثا كما ذكرت، وألا يتجاوز ثلث التركة.
اربعة عشر: أوصي ورثتي من بعدي بتقسيم التركة حسب الشرع الكريم وألا يلجأوا الى المحاكم المدنية، إنّما يُعملون الشرع في تقسيم التركة وألا يحرموا أخواتهم من الميراث إلا إذا تنازلن عن طيب نفس دون إحراج أو إكراه.
خمسة عشر: وأوصي بعدم الحداد أكثر من ثلاثة أيام إلا زوجتي، فيلزمها الحداد أربعة أشهر وعشرة أيام، إلا أن تكون حاملا، فحتى تضع حملها.
ولا يجوز لزوجتي أثناء فترة الحداد مسّ الطيب أو الخِضاب أو لبس ثياب زينة أو الإقتصار على لبس السواد، ولتلبس ما شاءت من الألوان ما لم يكن الثوب بذاته زينة، وأن تمكث في بيت الزوجية طيلة فترة الحداد ولا تخرج من البيت بعد غروب الشمس إلا لحاجة ماسة، ولا تخرج نهارا إلا لقضاء حوائجها إن لم يكن من يقضيها ذلك أو لحاجة تخصها.
ولا يجوز لها أن تُخطب أثناء العدة (فترة الحداد إلا تعريضا)، ولها الخِطبة أو النكاح بعد ذلك.
ستة عشر: ثم يوصي الشخص بما شاء من الأمور الخاصة التي يريدها، شريطة أن لا تتنافى مع الشرع الكريم.
سبعة عشر: أوصي بعدم إقامة ما يسمى بحفل التأبين أو يوم الأربعين، فإن كل ذلك لم يرد في الشرع الكريم.
ثمانية عشر: هذا وإنني أبرأ الى الله من كل فعل أو قول يخالف الشرع الشريف... ومن أهمل في تنفيذ هذه الوصية أو بدّلها أو خالف الشرع في شيء ممّا ذكر أو شيء لم أذكره فعليه وزره.
{فمن بدّله بعدما سمعه فإنّما إثمه على الذّين يبدّلونه إنّ الله سميع عليم}.
تحريرا في ــــــــــــــــــ سنة ــــــــــــ هجرية
الموافق ــــــــــــــــــــــ سنة ــــــــــــ ميلادية.
الموصي: ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــ
الشهود: ـــــــــــــــــــــــــ ــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــ.

كما يمكنك الاستماع الى حديث الشيخ كشك عن الوصية الشرعية و متعلقاتها هنا

http://www.mwadah.com/t37408/

﻿ماهيّة الوصية الشرعية وما يتعلق بها من شـــــروط وأحكام

ماهيّة الوصية الشرعية وما يتعلق بها من شـــــروط وأحكام