المرأة بين مطرقة الشريعة وسندان التقاليد
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قضية العنف ضد المرأة تخص المجتمع بجميع مؤسساته، والمرأة يجب أن تحاول نقل العنف والممارس ضدها من الشأن الخاص إلى الشأن العام، لأنه عنف سلوكي ومنهجي يعني المجتمع بأكمله.
لا يرتبط حل مشكلة العنف والجرائم المرتكبة ضد النساء (سواء أكانت تندرج تحت اسم جرائم الشرف أم غسل العار أم العصيان أم تحت أية ذريعة اتخذت) بتعديل النص القانوني وحده وبشكل مباشر، بقدر ما يرتبط بالحاجة إلى تعديل النظام القيمي الأخلاقي للمجتمع ككل، وتعديل الموروث الثقافي والاجتماعي والديني المتراكم تاريخياً لدى الأفراد المكونة لهذا المجتمع، لنقله من البدائية والجاهلية الفكرية إلى الحداثة ومواكبة التطوّر العصري والفكري والديني.
وفيما لو قمنا باستبيان للعديد من الآراء الفكرية والثقافية والدينية في سبيل معرفة الرأي القاطع في قضايا جرائم الشرف وغسل العار، لوجدنا بأن الغالبية العظمى من أبناء الوطن يستنكرون هذه الجرائم والجميع ضد فكرة القتل مهما كانت أسبابه وموجباته ورغم ذلك نجد أن جرائم الشرف وغسل العار ما زالت تمارس في مجتمعاتنا العربية، وما زالت القوانين تساهم في التخفيف من العقوبات ضد مرتكبيها بحجة الأحكام المخففة وفورة الدم.. ومن هنا نجد بأن معالجة المشكلة لا تكون فقط من خلال المطالبة بإلغاء النص القانوني الذي يساعد على منح الأحكام المخففة لمرتكبي هذه الجرائم، بل علينا دراسة أصول المشكلة وجذورها والعمل على إزالتها.
إن لهذه الجرائم ارتباطات اجتماعية وأخلاقية وسياسية ودينية وثقافية. إذن هي مرتبطة بآلية التفكير الجماعي، أو بالأحرى فلنقل بأنها تعكس الصورة السلبية لمجتمعاتنا. وفي هذه الحالة فنحن أمام مشكلة مجتمع كامل يعاني من اضطرابات فهمية فكرية وثقافية ودينية واجتماعية يتداخل فيها الشخصي مع العام.
ولو أردنا أن نبدأ بدراسة هذه الحالات التي تسكن العقول المتعفنة علينا أولاً أن نعيد تعريف أصل المشكلة وهو هنا الشرف فما هو الشرف بالمفهوم العام والشخصي، وما هو الشرف في المفهوم الديني والفكري، وما هو الشرف في المفهوم السياسي والوطني؟!..
في الراهن، نحن أمام مفهوم أحادي الجانب فمفهوم الشرف اجتماعياً هو حق مطلق يمتلكه الذكور دون الإناث.. ويرتبط فقط بالحفاظ على الأعضاء الجنسية الأنثوية. بينما شرف الرجال لا يتعلق بسلوكهم وإنما يتعلق بسلوك زوجاتهم أو بناتهم أو أمهاتهم. فالرجل الفاسق شريف إذا كانت زوجته لا تخونه مع رجل آخر، والرجل المنافق شريف طالما ابنته تحافظ على عذريتها، والرجل السارق شريف طالما نساء بيته داخل الأقفاص.. فشرف الرجل يتعلق بسلوك نساء بيته وعائلته ولا يتعلق بسلوكه أو قدرته على العمل والصدق، وهذا مفهوم ساخر للشرف حيث يهبط بمستوى الشرف ليتخذ له موطناً في جسد المرأة مقابل تغييب كامل لكل المعاني الأخرى السامية للشرف.
هل تقلّص مفهوم الشرف في مجتمعنا ليصبح مرتبطاً بهذا الموضوع وحده دون غيره؟ وأين تقع الأمانة والإخلاص والصدق في سلم الشرف؟
يتحدد معنى الشرف في المجتمع فيما يتوافق مع المصلحة الاجتماعية وبما أن أصحاب القرار في المجتمع هم أولئك الذين يساهمون في بقائه اقتصادياً، ولأن الرجل كان في مختلف عصور التاريخ ولا يزال الأقوى اقتصادياً من المرأة فقد فرض على المرأة معنى شرف يناسبه ويحقق مصلحته، فأصبح معنى الشرف فيما يتعلق بالمرأة يكاد يكون مقصوراً على العفة الجنسية.
والثقافة الذكورية تقرر أن الرجل يصبح مالكاً لجسد النساء في عائلته، وأن المساس بعفة وشرف هؤلاء النسوة هو مساس بشرف العائلة ككل، وفي المقابل نجد أن من يتمسكون بهذا المعنى يرفعون شعار أن الرجل لا يعيبه شيء، بمعنى أنه يستطيع أن يفعل ما يحلو له؛ لأنه لا يوجد ما يثبت قيامه بارتكاب الفاحشة.
هذه الثقافة التي تقصر شرف العائلة في أجساد نسائها؛ وتجعل مفهوم الشرف والعفة قاصراً على ذلك، هذه الثقافة تعطي للرجل الحرية في أن يفعل ما يشاء، وتقيد المرأة بضوابط اجتماعية تجعلها تُعرض عن الفاحشة، لا خوفاً من الله سبحانه وتعالى ومن عقابه، ولكن خوفاً من افتضاح أمرها، وغياب معنى مراقبة الله سبحانه وتعالى. إن هذا الأمر جعل بعض النساء لا يتورع عن فعل ما يحلو لهن إذا استطعن الحفاظ على السرية.
هذه الثقافة أيضاً تجعل الرجل أو تبيح له تحت تأثير الضغط الاجتماعي أن يُنصب نفسه حاكماً وجلاداً، ينفذ بيديه حكمه فيمن فيها من بنات عائلته.
إن جرائم القتل المسماة بجريمة الشرف هي جرائم ذات شقين: أولهما جريمة الزنى وهي في أغلب الحالات تتم بناءً على شك أحد ذوي القربى في إحدى قريباته، والثابت في الشريعة الإسلامية من القرآن ومن صحيح السنة في جريمة الزنى لا تثبت إلا حالتين اثنتين:
أولاهما: أن يعترف الزاني أو الزانية بالفعل، وأن يراجعه الحاكم أربع مرات ليتأكد من وقوع الجريمة كاملة، وليتأكد من أنه يدرك حرمة هذا الفعل.
والثانية: أن يشهد أربعة شهود عدول (والعدول هنا بمعنى أن يكون مؤديا" لجميع الواجبات الدينية دون قطع ومتجنب لكل المنكرات الدينية) في موقف واحد على أنهم رأوا فعل الزنى كاملاً، كالمرود في المكحلة، فإذا شهد ثلاثة أقيم عليهم حد القذف، وإذا شهد أربعة ثم تراجع أحدهم عن شهادته، أقيم أيضاً على الثلاثة حد القذف. وذلك مصداقاً لقوله تعالى: «والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبداً وأولئك هم الفاسقون».
والثابت عن الرسول (ص) أنه قال: «ادرءوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم فإن كان لهم مخرج فأخلوا سبيلهم فإن الإمام إن يخطئ في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة».
وعلى الحاكم أن يطبق حد الزنى على الزاني والزانية وهو الجلد مائة جلدة لغير المحصن، والرجم حتى الموت للمحصن. ونؤكد هنا حسب الشريعة الإسلامية على كلمة الحاكم هو الذي يطبق الحكم وليس على أي شخص آخر تطبيق الحكم وتنصيب نفسه حاكما". ثم حتى لو زنى الرجل والمرأة فليس للزوج أو للأب أو للأخ أن يقيم الحد، بل هي من مسؤولية الحاكم الشرعي، لأن الإسلام لا يجيز تطبيق القانون لأي كان، لئلا تصبح فوضى. (وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقَّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيَّهِ سُلْطَاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنصُوراً) (الإسراء/33)، فمسؤولية القصاص من مسؤولية السلطة، (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة/ 179).
والأمر يختلف بالنسبة للزوج؛ فالزوج إذا رأى من امرأته ما يريبه، فبينهما حد الملاعنة، وحد الملاعنة أن يشهد الزوج أربع شهادات بالله أنه من الصادقين، والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين. ويدرأ الحد عن المرأة أن تشهد أربع شهادات بالله أنه من الكاذبين، والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين.
ويجمع جمهور العلماء على ان الحمل كأثر لا يعتبر بينة على الزنى؛ لأن الحمل يمكن أن يحدث نتيجة الإكراه، أو في حالة تخدير المرأة، وبذلك لا يطبق الحد على المرأة الحامل بغير زواج إذا لم تعترف بذنب الزنى...
ومن هذا يتبين لنا أن جريمة القتل المدعوة باسم جرائم الشرف التي تتم معتمدة على شكوك الأهل، والتي كثيراً ما يثبت بعد حدوث جريمة القتل أنها شكوك لم تكن صحيحة، حيث أثبت الطب الشرعي في كثير من الأحوال بعد التشريح أن الفتاة مازالت عذراء، هذه تعتبر جريمة إزهاق نفس بغير حق، وهذه الجريمة تتنافى مع فهمنا لمقاصد الشريعة الإسلامية التي تحرص كل الحرص على النفس البشرية، وترفض إزهاقها بغير وجه حق.
والمشكلة أن الله سبحانه وتعالى أعطى للرجل وللمرأة كلاهما أمانة الاختيار، فمن شاء أن يستقيم على نهج الله فليفعل، ومن شاء أن يفعل ما يحلو له فليفعل وحسابه وعلى الله سبحانه وتعالى.
وقد بات من الضروري في عالمنا الحديث، التمييز بين ما هو فقهي /تشريعي/ وضعي وما هو إلهي /شرعي/ قدسي لأنه على مستويات متعددة يقع الخلط بينهما. فيعتبر قدسياً ما لا يتعدى إلى مستوى الاجتهاد البشري حيث يتم التمسك به والاعتماد عليه لتعليل التحفظات والموروثات.
والشق الثاني: من جرائم الشرف هي الناتج عن الزواج المختلط أي التزاوج بين دينين أو مذهبين أو بيئتين، وهنا نجد أن التعامل مع المرأة هو وحده الغاسل للعار، فالرجل الذي يقدم على الزواج من خارج ملته أو بيئته هو حر فيما اختار أما المرأة الجسد فهي محاطة بهالات وطقوس. والمساس بجسدها هو مساس بقدسية الأسرة أو القبيلة وهو انتهاك (للشرف) عقوبته القتل غسلاً للعار في حمى القوانين أو تساهلها بموجب الأحكام المخففة.
وأرجو إن تكون جرائم الشرف هنا كغيرها من الجرائم فهي جريمة جنائية دون أية أسباب مخففة تؤخذ بالحسبان، ولهذا فهي مدانة من الناحية القانونية والإنسانية، أما من الناحية الشرعية فحسب معلوماتي المتواضعة لا يوجد أي نص شرعي في أي دين من الأديان يوجب عقوبة القتل لمن تزوج من غير دينه، وأقسى عقوبة عرفناها هو الفصل من الدين وبتعبير ديني (الحرم)، وتبقى الناحية الاجتماعية المتخلفة التي يمكن أن تحمي هكذا عادات بائسة ويجب تجاوزها بالحزم الجاد وبث الوعي في الأرضيات المتخلفة. ولهذا يجب محاكمة القاتل في هذه الجرائم كقاتل مع سبق الإصرار والترصد دون أية أعذار. كما أن هذا النوع من الجرائم هو المسؤول عن تفسخ المجتمع والاصطفاف الطائفي والمذهبي، وبمحاربة هذا الفكر الاستئصالي ننحو نحو مجتمع مترابط بين كل الطوائف لنؤسس المجتمع المندمج بكل تلاوينه. وأعتقد أن إقرار القوانين والتشريعات الحاضنة لدمج المجتمع كالسماح بالزواج المدني كخطوة لترسيخ الوحدة الوطنية واقعياً والبعد عن الشعور بالتمييز بين الطوائف والمذاهب والأديان.. فالزواج المدني هنا هو الحاكم في أهلية الزواج كمؤسسة اجتماعية أما الزواج الديني فهو الرابط الديني الملزم للمؤمن المتدين فلا يحق من وجهة نظري إكراه أي إنسان على التدين أو الإيمان ولا مكسب لأي دين لإنسان أجبر أو أكره على الالتزام الديني إنطلاقاً من الآية الكريمة (لا إكراه في الدين) أو على مبدأ الآية الكريمة (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر). من هنا فأنا أرى أن من أراد إتمام الزواج الديني فله مطلق الحرية ومن أراد إتمام الزواج المدني له مطلق الحرية والأهم في هذا وذاك هو الحفاظ على الحقوق الإنسانية لكل من الزوجين رغم اختلاف المذاهب والأديان فالحفاظ على الحقوق والعدالة الاجتماعية ليست حكراً على أي دين من الأديان.. (رغم تحفظي على الزواج المختلط بشكل شخصي).
ويمكن أن نستنتج من ذلك أنه ما دام الرجل في المجتمع هو صاحب القرار ليس فقط على المستوى الاجتماعي لكن على نفس المستوى الاقتصادي والثقافي والتشريعي فقضية القتل على خلفية الشرف ستبقى تراوح مكانها والمرأة ستبقى الضحية. من هذا المنطلق يجب العمل على توسيع قاعدة العمل لتكون المرأة جزءاً أساسياً في تطوير المجتمع بدءاً من حصولها على حق المساواة مع الرجل في جميع الحقوق والواجبات دون تمييز أو تفرقة، وأن ينظر إلى قضية القتل على خلفية «الشرف» على أنها قضية حقوقية إنسانية يجب التخلص منها ومن يخالفها يجب معاقبته قضائياً كأي جريمة أخرى لأنها تتعلق بقتل إنسان.
إن هذه النظرة التمييزية التي تخترق عدداً من الثقافات، يجب مواجهتها. وفي طليعة المواجهين يجب أن يكونوا رجال الدين والمهتمين بحقوق الإنسان وحقوق المرأة وحقوق الطفل والأسرة (...).
فواجبنا اليوم يقتضي إبراز النصوص المقدسة التي تجعل المرأة والرجل معاً من الدرجة نفسها من الكرامة والإنسانية والتي تسمح للمرأة بالتمتع بالحقوق التي يتمتع بها الرجل دون تمييز. والعمل على دراسة وتعديل جميع القوانين التي تنطوي على تمييز ضد النساء والفتيات، بما في ذلك القوانين الأساسية التي لا تميز بين الجنسين فيما يتعلق بالزنا والعلاقات الجنسية.
وإلغاء كل مادة تنص على تخفيف الحكم على من يقتل إحدى قريباته لممارستها فعلاً جنسياً غير شرعي. أو من يرتكب جريمة «بثورة غضب شديد» على نحو لا ينطوي على أي تمييز بين الجنسين، ولا يفترض وجود «الغضب» أو«الأفعال المشينة» في القضايا المتعلقة بجرائم «الشرف» المزعومة.
كما علينا الدعوة إلى المطالبة بمواصلة تعزيز الدعم الحكومي لحقوق النساء والفتيات في السماواة في كل جوانب الحياة العامة والخاصة، بما في ذلك عدم التعرض للمعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، وذلك عن طريق وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقرؤة وغيرها. فمفاهيم الشرف والخيانة والحلال والحرام تسير اجتماعياً في اتجاه واحد فقط من الذكورة إلى الأنوثة والعكس غير صحيح كما أنها تعبر عن ذاتها كقيم مطلقة والمطلوب هو جعلها تسير في الاتجاهين وأن يصبح ما هو مقبول في الثقافة الذكورية مقبول في الثقافة الأنثوية مع تحفظي الشديد على التفريق بين كلا الثقافتين وأن تعبر عن ذاتها بشكل نسبي بين الأفراد، فإما أن يصبح النظام الاجتماعي معمماً على الجميع وإما أن يُلغى من أمام الجميع على السواء.
رد: المرأة بين مطرقة الشريعة وسندان التقاليد
[frame="5 80"]
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله اخى توفيق بعودتك لوضع
مشاركاتك مجددا ...
لقد افتقدناك الايام القليلة الماضية
وهاقد عدت .....والعود احمد
موفق بإذن الله ... لك مني أجمل تحية .
[/frame]
رد: المرأة بين مطرقة الشريعة وسندان التقاليد
شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .
رد: المرأة بين مطرقة الشريعة وسندان التقاليد
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
بارك الله فيكم اخواني
رد: المرأة بين مطرقة الشريعة وسندان التقاليد
جزاك الله كل الخير على موضوعك الرائع
شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .
رد: المرأة بين مطرقة الشريعة وسندان التقاليد
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
بارك الله فيك اخي الحبيب
رد: المرأة بين مطرقة الشريعة وسندان التقاليد
شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .