يعتبر الإنسان (رجلا أو امرأة) في الإسلام هو محور التنمية فهو مخططها ومحركها بناءً على قاعدتي التوحيد والاستخلاف، وأغراض التنمية في التصور الإسلامي هي تحقيق الغاية التي من أجلها خلق الإنسان أي العبادة بمفهومها الشامل بما فيها إقامة الدين وعمارة الأرض وأداء الأمانة، وبالتالي تحقيق نهضة حضارية شاملة، أما الأسلوب أو المنهج فهو الاهتمام بالفرد من خلال مختلف النظم الإسلامية وجعل تنميته هي الأصل لأنها ستفيض من بعده على الجماعة. ولابد من مراعاة وتتبع السنن حتى يتسنى للإنسان معرفة الصورة الجميلة التي خلقت عليها الأشياء للمحافظة عليها وتنميتها دون العبث بها، أما المعايير والمقاييس فلا تهتم المنظومة الإسلامية بالمقاييس المادية فحسب بل تنظر إلى مدى تطبيق القيم الإسلامية في المجتمع وإلى أي حد تراعي حقوق الإنسان المادية والمعنوية.
يقول الدكتور عبد العزيز فهمي هيكل في كتابه القيم: "مدخل إلى الاقتصاد الإسلامي": التنمية عملية متكاملة، وفي الإسلام لابد أن تكون متكاملة، على سبيل المثال تطبيق الاقتصاد الإسلامي وحده دون أخذه ضمن إطار المنظومة الإسلامية لا يؤدي إلى النتائج التي أوجد من أجلها.
¤ المرأة المسلمة والتنمية: منذ فجر الإسلام قامت المرأة المسلمة بدور مهم في بناء الأمة وإرساء قواعدها، فقد تحمل المجتمع الإسلامي الأول عبء الدعوة إلى الله والعمل الجاد لتحقيق التنمية الشاملة، وتحمل كتب السيرة الكثير من أخبار المؤمنات الصالحات الواعيات من أمثال خديجة أم المؤمنين وعائشة رضي الله عنها التي بلغت إلى مستوى من فهم الدين ورواية النصوص ما قصر دونه فحول الرجال، وهناك أخريات كثيرات.. كلما توفرت ظروف ثقافية واجتماعية وسياسية ملائمة كلما تفوقت المرأة في سعة النظر ودقة الفكر وعمق الوعي وصواب العمل وهذا ما حدثنا عنه القرآن الكريم في شخصية ملكة سبأ مع التأكيد على رجاحة عقلها وشخصية آسية امرأة فرعون واعتبارها مثلا للقوة الإيمانية.. يمكن للمرأة المسلمة أن تساهم في العملية التنموية بصفتها فردا من أفراد الأمة الموحدة فهي مستخلفة تماماً كباقي أفراد الأمة مكلفة مثلهم بتتبع السنن والسهر على إصلاح المجتمع وفق المنهج الإسلامي وتساهم في ذلك في إطار مسؤوليات عديدة أبرزها بناء جيل المستقبل، فالمرأة إذن مطالبة بتحمل المسؤولية وأداء الرسالة الوجودية التي خُلِقت من أجلها.
¤ المرأة المسلمة والتنمية الثقافية: الثقافة لم تعد مجرد تكدس معرفي ولكنها غدت ممارسة فعلية يحتاج إليها المرء لتكوينه وبلورة تصوراته حول الإنسان والكون والحياة، حتى يستطيع إنجاز التغيير المنشود وفقا لتصوراته. ولا شك أن نظام التربية الإسلامي يلعب دوراً هاما لتوجيه الأفراد وصياغتهم صياغة ملتزمة تجعل منهم لبنات قوية صالحة لبناء المجتمع القوي المنتج وتساهم في هذه الصياغة مؤسسات أخرى مثل المسجد ومختلف المؤسسات الإعلامية والعلمية. إلا أن ضعف دور هذه المؤسسات في عصرنا أدى إلى غياب أو بهوت المحدد الثقافي، ولعل من أخطر مظاهره وجود فئات نسائية داخل المجتمعات الإسلامية تقوم بدور الوكيل الثقافي للغرب المهيمن دون شعور لخطورة ما تقوم به. ويمكن للمرأة أن تقوم بدورها في التنمية من خلال مستويين. الأول على صعيد الأسرة فالسلوك الإسلامي يقود العملية التنموية، والمستوى الثاني على صعيد خارج الأسرة من خلال جهود نسائية متناسقة تخضع لنظام الشريعة الإسلامية.
¤ المرأة والتنمية الاجتماعية: النظام الاجتماعي الإسلامي له دور هام في التنمية إذ دعا الإسلام إلى تحقيق العدالة المطلقة التي تؤدي إلى بناء المجتمع القوي الواحد القادر على القيام بمهمة الشهود الحضاري. يقول الحق سبحانه "يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين" آية 135 من سورة النساء. إن دور المرأة المسلمة أساسي في تربية النشء فهي تنمي فيهم الإحساس بآلام الغير ومعاناتهم وتعلمهم مساعدة المحتاج والمريض وإغاثة اللهفان وإرشاد الضال والرحمة بالصغير والضعيف وتغرس فيهم قيم التكافل الاجتماعي كما تنهاهم عن الشره والطمع وأثرة النفس. قال تعالى: "يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قومٌ من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب" آية 11 – الحجرات. هذه التربية تجعلهم في المستقبل يشعرون بأوضاع مجتمعهم ويسعون إلى إصلاحها ويشمرون السواعد من أجل التغيير الاجتماعي وتحقيق المجتمع الذي يعيش الكل في كنفه معززا مكرما ماديا ومعنويا.. إن المرأة المسلمة هي أساس التقدم، وعليها أن تحدد هدفها في ضوء مسؤولياتها العظيمة وأمانتها الثقيلة في تربية الأبناء وصناعة الرجال.
¤ المرأة المسلمة والتنمية الاقتصادية: يراعي النظام الاقتصادي في الإسلام مصلحة مجموع الأمة، فقد أقر الملكية الفردية باعتبارها غريزة تدفع إلى الجد في العمل والاستثمار الذي يزيد من الدخل القوي عن طريق زيادة الإنتاج مع تقنينها حتى لا يفقد المال وظيفته الاجتماعية. وبالنسبة للمرأة فقد منحها الإسلام حق التملك واعتبرها مستقلة ماديا فهي بذلك تعتبر فاعلا اقتصاديا كامل الأهلية وتساهم في النشاط الاقتصادي لبلادها سواء بشكل مباشرة (العمل المهني – التجارة..) أو بصفة غير مباشرة من خلال دورها في المنزل والقطاعات الأخرى. ونمط الاقتصاد المنزلي قد يعكس نموذجا إسلاميا وسطيا مقابل النموذج الاستهلاكي الترفي الذي يتم تسويقه في العالم الإسلامي. إن الفرد المسلم إذا تربى في أسرته على مزاولة الاقتصاد الحلال لا الاقتصاد لحرام يزدهر على يده المجتمع وتكفيه الموارد لأن الحاجات عندئذ تأتي منسجمة مع مهمة الاستخلاف في الأرض.
أخيرا، إن الرؤية الإسلامية لعمل المرأة التنموي تنبني أساساً على مفهوم الاستخلاف الذي يؤهلها للقيام بواجباتها المختلفة سواء على صعيد الأسرة أو على صعيد الأمة، وشأن المرأة في ذلك شأن الرجل لاشتراكهما في التكليف والاستخلاف وخضوعهما للسنن. إن التفكير الإسلامي ينظر إلى إنسانية المرأة والرجل بمنظار واحد في مسألة التكوين ومسألة المسؤولية ويدعوهما معاً إلى صنع حركة الحضارة الإسلامية في حياة الناس، وبناء على هذا الأساس التصويري تنضج حركة المرأة المسلمة في الواقع وتأسيس دورها التنموي.
