-
مواهب على الارصفة
كثرة الجلسات الدوريات وضياع الأوقات من أخطر المظاهر التي ظهرت و انتشرت أخيرا ، فإنك تبحث عن شبابنا ورجالنا وربما عن فتياتنا ونسائنا فتجدهم مساء كل يوم ربما في الاستراحات والدوريات وعلى الأرصفة وعلى الشاطئ ، وليس الخطر في الاجتماعات ذاتها، بل في كثرة الكلام دون عمل يفيد الأمة ، وينفع الأجيال ، و كثرة الجدال و المراء ، هذا إن سلمت الجلسات من الغيبة و النميمة و الجرح و الثلب و تنقص الآخرين ، وإلا فعندها فإن الطامة أعظم .
وإنك لتتألم أشد الألم وأنت تعلم أن في تلك الجلسات أعداداً هائلة من أصحاب الطاقات و المواهب و العقول و الأفكار يلتقون في الأسبوع مرة واحدة على الأقل ، أي في السنة ما يقرب من ثمانية و أربعين لقاء ، و اللقاء الواحد لا يقل عن خمس ساعات ، ربما تزيد أو تقل فما هي النتيجة ؟ بماذا خرجوا بعد هذه الاجتماعات الطويلة ؟ وماذا قدموا لأنفسهم ؟ وماذا قدموا لعقيدتهم ؟ وما هي حصيلة العلم التي كسبوها من هذه الجلسات ؟والموضوع يحتاج بلا شك إلى دراسة و تأمل و توجيه مفيد لاستغلال مثل هذه الدوريات و الاجتماعات ؟ لكن هذه إشارة سريعة لنعلم حجم السلبية في مجتمعنا المسلم ، وبالتالي حجم الخسارة لكثير من طاقاتنا و مواهبنا و عقولنا و أفكارنا ، بل لأوقاتنا و أعمارنا ، فقد نمى إلى علمي أن هناك شبابا لهم جلسات و دوريات في كل يوم ، حتى أصبحت همه وشغله الشاغل فلماذا هذا التنصل من الواجبات ؟ ولماذا هذا الهروب من الواقع ؟ أيعقل أنهم لا يعلمون أنهم مسئولون عن هذا الواقع المرير للأمة الإسلامية ؟ أيعقل أيها الأحبة أن هذه الأعداد الغفيرة التي تجلس على الأرصفة وفي المجالس وفي الدوريات وفي الاستراحات وغيرها أنهم لا يعلمون أنهم مسؤولون أمام الله عز وجل عن هذا الواقع المرير عن حال الأمة الإسلامية ؟
قد يقول قائل منهم ، ماذا نقدم ؟ ماذا نستطيع أن نقدم ؟ أقول و الله إن باستطاعتك الكثير لو فكرت أنت و أصحابك أن تستغلوا هذه الجلسات أولا لنفع أنفسكم ، وثانيا لأولادكم وأهليكم ثم بعد ذلك لنفع أمتكم .
إن من فكر و جد وإن من حرص وحمل الهم عرف كيف يعمل ، أما الجلوس في المجالس وعلى الأرصفة و الاستراحات و الكلام و القيل و القال فيما لا ينفع ، فإن هذا ضياع للأعمار ة الأوقات و الطاقات و المواهب و الأفكار و العقول . والله إن كل فرد منا عليه حجم المسؤولية مهما كان :
لا تلم كفي إذا السيف نبا صح مـني العـزم أبا
مرحبا بالخطب يبلوني إذا كانت العلياء فيه السبب
كما أن من المظاهر السلبية القاتلة في صورها المتعددة التهرب من كل عمل جدي ، وعدم الاستعداد للالتزام بأي شيء ، خداع النفس بالانشغال وهو فارغ ، كم من الناس إذا كُلف بأمر قال أنا مشغول ، وحقيقة أمره أنه غير مشغول ، أو أنه مشغول بمثل تلك الجلسات و مثل تلك اللقاءات . أو الانشغال في شهوات النفس و ملذاتها ، أو التسويف و التأجيل و تأخير الأعمال و الغفلة و النسيان المستمر لكل عمل إيجابي ، وتضخيم الأخطاء ، كل ذلك تبرير لعجزه و سلبيته القاتلة .
-
رد: مواهب على الارصفة
شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .