في رحاب آية ... احذروا لهو الحديث
يقول الحق سبحانه وتعالى في افتتاح سورة لقمان: “الم، تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ، هُدًى وَرَحْمَةً للْمُحْسِنِينَ، الذِينَ يُقِيمُونَ الصلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزكَاةَ وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ، أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى من ربهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَمِنَ الناسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِل عَن سَبِيلِ اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتخِذَهَا هُزُواً أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مهِينٌ” (الآيات: 1 6).
المراد بالكتاب على أرجح الأقوال: القرآن الكريم.. والمقصود بوصفه بالحكيم أن هذا القرآن ممتنع أن يتطرق إليه الفساد، ومبرأ من الخلل والتناقض والاختلاف.
والمعنى: تلك الآيات السامية المنزلة عليك يا محمد، هي آيات الكتاب، المشتمل على الحكمة والصواب، المحفوظ من كل تحريف أو تبديل الناطق بكل ما يوصل إلى السعادة الدنيوية والأخروية.
وقوله عز وجل: “هُدًى وَرَحْمَةً” أي أن هذا الكتاب أنزل على رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم ليكون هداية ورحمة للمحسنين في أقوالهم وفي أفعالهم، وفي كل أحوالهم.
صفات كريمة
ثم وصف سبحانه هؤلاء المحسنين بصفات كريمة فقال: “الذِينَ يُقِيمُونَ الصلاة” أي يؤدونها في أوقاتها المحددة لها مستوفية لواجباتها، وسننها، وآدابها وخشوعها، فإن الصلاة التامة هي تلك التي يصحبها الإخلاص والخشوع، والأداء الصحيح المطبق لما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم.
“وَيُؤْتُونَ الزكَاةَ” أي ويعطون الزكاة التي أوجبها الله تعالى في أموالهم لمستحقيها “وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ” والايقان هو الاعتقاد الجازم المطابق للواقع بحيث لا يطرأ عليه شك، ولا تحوم حوله شبهة.
أي أن من صفات هؤلاء المحسنين أنهم يؤدون الصلاة بخشوع وإخلاص، ويقدمون زكاة أموالهم لمستحقيها، وهم بالآخرة وما فيها من حساب وثواب وعقاب يوقنون إيقانا قطعيا، لا أثر فيه للادعاءات الكاذبة، والأوهام الباطلة.
ثم بيّن سبحانه بعد ذلك الثمار الطيبة التي تترتب على تلك الصفات الكريمة فقال تعالى: “أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى من ربهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ”.
والمعنى: أولئك المتصفون بما تقدم من صفات كريمة، على هداية عظيمة من ربهم توصلهم إلى المطلوب، وأولئك هم الفائزون بكل مرغوب.
النضر بن الحارث
ثم بيّن سبحانه حال طائفة أخرى من الناس، كانوا على النقيض من سابقيهم فقال: “وَمِنَ الناسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِل عَن سَبِيلِ اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتخِذَهَا هُزُواً أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مهِينٌ”
وقد ذكر المفسرون في سبب نزول هاتين الآيتين روايات أشهرها أنهما نزلتا في النضر بن الحارث اشترى مغنية، وكان لا يسمع بأحد يريد الإسلام إلا انطلق به إلى المغنية فيقول لها: “أطعميه وأسقيه وغنيه، هذا خير مما يدعوك إليه محمد من الصلاة والصيام، وأن تقاتل بين يديه”.
و”لَهْوَ الْحَدِيثِ” باطله، ويطلق على كل كلام يلهي القلب ويشغله عن طاعة الله، تعالى كالغناء والملاهي وما يشبه ذلك مما يصد عن ذكر الله.
وقد فسره كثير من العلماء بالغناء، والأفضل تفسيره بكل حديث لا يثمر خيرا.
وقوله “لِيُضِل عَن سَبِيلِ اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتخِذَهَا هُزُواً” تعليل لاشتراء لهو الحديث، والمراد بسبيل الله تعالى: دينه وطريقه الذي اختاره لعباده.
وقوله: “أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مهِينٌ” بيان لسوء عاقبة من يؤثر الضلالة على الهداية.. أي أولئك الذين يشترون لهو الحديث ليصرفوا الناس عن دين الله تعالى، وليستهزئوا بآياته، لهم عذاب يهينهم ويذلهم، ويجعلهم محل الاحتقار والهوان.
مواقع النشر (المفضلة)