السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الأطفال زينة الحياة الدنيا وبهجتها، وكثير هم الآباء الذين لا يعرفون كيف يتعاملون مع هذه النعمة، فنجدهم إما يبالغون في التدليل ويتغاضون عن كثير من السلوكيات غير المرضية التي تنتج عن هذه المخلوقات الصغيرة، و إما يبالغون في التأنيب والعقاب سواء كان السبب يستحق ذلك أم لا... فما هي إذن القواعد الأساسية لتربية الطفل؟
وماهي أنجح الأساليب التي ينبغي التمسك بها أثناء قيامنا بالعملية التربوية؟ ومتى يجب أن نتغاضى عن بعض السلوكيات التي لا ترضينا؟ ومتى يجب أن نتعامل بحزم وبصرامة معها...؟
أحيانا كثيرة يفاجئنا الطفل بسلوك جيد، كأن يبادر إلى تشميت العاطس مثلا، أو يقول: ( الحمد لله) بكل براءة بعد أن يعطس، أو أن يتسابق لمساعدة أمه في ترتيب البيت، أو يتدرب على تنظيم عملية (التبول والبراز) في المكان المخصص لهما، كل هذه التصرفات والكثير منها، يفاجأنا بها الأطفال بين الحين والآخر، فكيف نتعامل مع هذا السلوك حتى يصبح سلوكا راسخا ومعززا لدى الطفل؟ وفي هذا يقول الدكتور ع. الجعفري أخصائي طب أطفال : "في هذه الحالة يجب أن تكون هناك مكافأة سريعة لأنها تجعل الطفل يحس أنه عمل شيئا مفيدا، وبذلك نرفع من معنوياته ونشجعه على مثل هذه الأعمال، لأن ذلك من شأنه أيضا أن يعزز لديه الثقة بالنفس، وهنا أنصح بأن تقبل الأم الإبن وتشعره بحنانها، أو أن تعطيه قطعة حلوى أو شوكولاتة، وتكثر من المدح و الاهتمام، ولا يخلو الأمر من الإيماءات التي توحي بالرضي والاستحسان، وإذا كان الطفل مثلا يعاني من التبول في الفراش، فهنا يجب على الأم أن تخصص له مكافأة مقابل كل ليلة جافة، لان الأطفال أبرياء وعالمهم جميل ورائع، وعلى الأم أن تتعامل مع طفلها على أنه طفل وليس رجلا صغيرا".
للأسف يغفل العديد من الآباء عن إبداء رضاهم عما يعمل الأبناء من سلوكيات حسنة، فيكون ذلك بمثابة صدمة لهم وكرد فعل، وحسب عقولهم الصغيرة، يلغون تلك السلوكيات ولن يشعروا بالحماس لفعل تلك الأشياء الحسنة، وأحيانا أخرى ينحازون نحو سلوكيات لا ترضينا ولا تعجبنا، وفي هذه النقطة وضحت السيدة سعاد مرشدة اجتماعية، على أنه من واجب الأم أو الأب أن يبديا استحسانا كبيرا عند قيام الأبناء بسلوكيات حسنة، فمثلا إ ذا عمدت الطفلة إلى مساعدة أمها في ترتيب البيت، أو رتبت غرفتها، فعلى الأم أن تكثر من المدح ومن الثناء عليها كأن تقول لها مثلا: (أنت رائعة يا ابنتي) أو مثلا (...وأخيرا صارت لدي فتاة رائعة تساعدني في شغل البيت)، وأضافت: "إن نظرتنا لتربية سلوك الطفل يجب أن تكون شمولية وواسعة الأفق، لأن هدفنا الأساسي هو جعل هذا السلوك القويم يتكرر مرات عديدة، لذلك علينا أن نمدح ونثني السلوك وليس الطفل، والمكافأة سواء كانت مادية كإعطاء نقود، إعطاء قطعة شوكولاتة، أخذ الطفل في نزهة للسينما أو لحديقة الحيوانات...إلى غيرها من الأشياء المادية التي يمكن أن نكافأ بها الطفل، أوإجتماعية، كإشعار الطفل بالحنان الزائد والتعبير الزائد بالرضى والاستحسان و...
وتظل المكافأة الاجتماعية أكثر تعزيزا وترسيخا للسلوكيات المرغوب فيها عند الطفل، ونقطة أخرى وهي أن المكافأة يجب أن تكون عاجلة ومباشرة بعد إظهار السلوك الجيد، ولا يعني هذا أن نسمح للطفل أن يشترط علينا المكافأة قبل أن يظهر سلوكا حسنا، لأن ذلك يمكن أن يجعله طفلا انتهازيا، فالمكافأة يجب أن تكون بعد السلوك الطيب وليس قبله."
أحيانا كثيرة، وبدون شعور، يساهم الآباء في جعل الأبناء يجبروهم على تقبل سلوكيات وتصرفات غير مستحسنة، مثلا عندما نسمح للأطفال بالتأخر عن الموعد المحدد للنوم دون أن نقصد ذلك سواء كان ذلك بصورة عارضة أو بمحض الصدفة، يمكن أن يتعزز ذلك السلوك ويتكرر مستقبلا، وأحيانا يلجأ الأطفال إلى الضغط على الآباء بالبكاء، فيرضحون لهم بحجة عدم تحمل الصراخ والبكاء فيسمحون لهم بالتأخر مثلا أمام التلفاز وعدم النوم في الوقت المحدد، فمستقبلا سيتعلمون أنه بمقدورهم اللجوء إلى البكاء كوسيلة ضغط لتلبية كل الرغبات وإجبار الآباء على الرضوخ لهم.
من جهة ثانية يبالغ العديد من الآباء في تأنيب ومعاقبة أبنائهم عقابا قاسيا وعنيفا، متناسين أنهم لازالوا أطفالا ولم يقو عودهم بعد، وكما أشار الدكتور الجعفري العقوبة يجب أن يكون الغرض منها عدم تكرار السلوك السيئ مستقبلا ونهي الطفل عن معاودة مثل ذلك مرة أخرى، وليس إيذاء الطفل بدنيا أو حتى نفسيا، لان صورة العقاب القاسي لا تفارق أبدا ذاكراتهم الصغيرة، لذلك كما أخبرنا الدكتور، يجب أن نمتنع عن العقوبات القاسية والمؤذية كالضرب العنيف و الإهانة والتحقير خصوصا أمام جميع أفراد الأسرة، لان ذلك سيجعل من هذا الطفل عدوانيا ويحمل الكراهية لأفراد الأسرة، ويمكن أن ينحرف أو يمرض نفسيا وتنعدم لديه الثقة بالنفس. وبالمقابل يوجد هناك العديد من الأمهات من تبالغن في تدليل أطفالهن وتغاضيهن عن السلوكات السيئة إما لأن الطفل وحيد في البيت أو لأنه البكر أو لأنه الأصغر أحيانا، وهذا من شأنه كما بين الدكتور أن يجعل الطفل عرضة للانحراف أو لنهج السلوكيات والطبائع غير المستحسنة.
يظل عالم الأطفال عالما غريبا وممتعا يحمل العديد من الطرائف والغرائب، ويظل تعاملنا مع هذا العالم مشوبا بالحذر أحيانا وبالعقلانية أحيانا أخرى، لكن على أي حال يظل العالم ليس مفزعا أو مرعبا بل فقط يجب التعامل معه بمنتهى الرقة أحيانا وبمنتهى الصرامة أحيانا أخرى.
مواقع النشر (المفضلة)