النظرة سهم مسموم من سهام إبليس
ومن أطلق لحظاته دامت حسراته
وفي غض البصر عدة منافع
أحدها : أنه امتثال لأمر الله الذي هو غاية سعادة العبد في معاشه ومعاده
وليس للعبد في دنياه وآخرته أنفع من امتثال أوامر ربه تبارك وتعالى
وما سعد من سعد في الدنيا والآخرة إلا بامتثال أوامره
وما شقي من شقى في الدنيا والآخرة إلا بتضييع أوامره
الثاني : أنه يمنع من وصول أثر السم المسموم الذى لعل فيه هلاكه إلى قلبه
الثالث : أنه يورث القلب أنسا بالله وجمعية على الله
فإن إطلاق البصر يشتت القلب ويبعده من الله
وليس على العبد شيء أضر من إطلاق البصر
فإنه يوقع الوحشة بين العبد وبين ربه
الرابع : أنه يقوي القلب ويفرحه كما أن إطلاق البصر يضعفه ويحزنه
الخامس : أنه يكسب القلب نورا كما أن إطلاقه يكسبه ظلمة
ولهذا ذكر سبحانه آية النور عقيب الأمر بغض البصر فقال : ( قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم )
ثم قال إثر ذلك : ( الله نور السموات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح ) أي مثل نوره في قلب عبده المؤمن الذي امتثل أوامره واجتنب نواهيه وإذا استنار القلب أقبلت وفود الخيرات إليه من كل جانب كما أنه إذا أظلم أقبلت سحائب البلاء والشر عليه من كل مكان فما شئت من بدعة وضلالة واتباع هوى واجتناب هدى وإعراض عن أسباب السعادة واشتغال بأسباب الشقاوة فإن ذلك إنما يكشفه له النور الذي في القلب فإذا فقد ذلك النور بقى صاحبه كالأعمى الذي يجوس في حنادس الظلام
السادس : أنه يورث الفراسة الصادقة التي يميز بها بين المحق والمبطل والصادق والكاذب وكان شاه بن شجاع الكرماني يقول : من عمر ظاهره باتباع السنة وباطنه بدوام المراقبة وغض بصره عن المحارم وكف نفسه عن الشهوات واعتاد أكل الحلال لم تخط له فراسة ، وكان شجاع هذا لا تخطي له فراسة والله سبحانه يجزي العبد على عمله بما هو من جنس عمله ومن ترك شيئا عوضه الله خيرا منه فإذا غض بصره عن محارم الله عوضه الله بأن يطلق نور بصيرته عوضه عن حبسه بصره لله ويفتح له باب العلم والإيمان والمعرفة والفراسة الصادقة المصيبة التي إنما تنال ببصيرة القلب وضد هذا ما وصف الله به اللوطية من العمه الذي هو ضد البصيرة فقال تعالى :( لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون ) فوصفهم بالسكرة التي هي فساد العقل وعمه الذي هو فساد البصر فالتعلق بالصور يوجب فساد العقل وعمه البصيرة يسكر القلب كما قال القائل :
[poem=font="Simplified Arabic,5,deeppink,normal, normal" bkcolor="transparent" bkimage="backgrounds/21.gif" border="none,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
سكران سكر هوى وسكر مدامة = ومتى إفاقة من به سكران [/poem]
وقال الآخر :
[poem=font="Simplified Arabic,5,deeppink,normal, normal" bkcolor="transparent" bkimage="backgrounds/21.gif" border="none,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
قالوا جننت بمن تهوى فقلت لهم = العشق أعظم مما بالمجانين
العشق لا يستفيق الدهر صاحبه = وإنما يصرع المجنون في الحين [/poem]
السابع : إنه يورث القلب ثباتا وشجاعة وقوة ويجمع الله له بين سلطان البصيرة والحجة وسلطان القدرة والقوة كما في الأثر الذي يخالف هواه يفر الشيطان من ظله ومثل هذا تجده في المتبع هواه من ذل النفس ووضاعتها ومهانتها وخستها وحقارتها وما جعل الله سبحانه فيمن عصاه كما قال الحسن : إنهم وان طقطقت بهم البغال وهملجت بهم البراذين فان المعصية لا تفارق رقابهم .
أبي الله إلا أن يذل من عصاه وقد جعل الله سبحانه العز قرين طاعته والذل قرين معصيته فقال تعالى : ( ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ) وقال تعالى : ( ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين )
والإيمان قول وعمل ظاهر وباطن وقال تعالى : ( من كان يريد العزة فلله العزة جميعا إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه ) أي من كان يريد العزة فيطلبها بطاعة الله وذكره من الكلم الطيب والعمل الصالح وفي دعاء القنوت إنه لا يذل من واليت ولا يعز من عاديت ومن أطاع الله فقد والاه فيما أطاعه فيه وله من العز بحسب طاعته ومن عصاه فقد عاداه فيما عصاه فيه وله من الذل بحسب معصيته الثامن أنه يسد على الشيطان مدخله من القلب فإنه يدخل مع النظرة وينفذ معها إلى القلب أسرع من نفوذ الهوى في المكان الخالي فيمثل له صورة المنظور إليه ويزينها ويجعلها صنما يعكف عليه القلب ثم يعده ويمنيه ويوقد على القلب نار الشهوة ويلقى عليه حطب المعاصي التي لم يكن يتوصل إليها بدون تلك الصورة فيصير القلب في اللهب فمن ذلك اللهب تلك الأنفاس التي يجد فيها وهج النار وتلك الزفرات والحرقات فإن القلب قد أحاطت به النيران بكل جانب فهو في وسطها كالشاة في وسط التنور لهذا كانت عقوبة أصحاب الشهوات بالصور المحرمة أن جعل لهم في البرزخ تنور من نار وأودعت أرواحهم فيه إلى حشر أجسادهم كما أراها الله لنبيه صلى الله عليه وسلم في المنام في الحديث المتفق على صحته التاسع أنه يفرغ القلب للفكرة في مصالحه والاشتغال بها وإطلاق البصر يشتت عليه ذلك ويحول عليه بينه وبينها فتنفرط عليه أموره ويقع في اتباع هواه وفي الغفلة عن ذكر ربه قال تعالى : ( لا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا ).
وبين العين والقلب منفذ أو طريق يوجب اشتغال أحدهما عن الآخر وإن يصلح بصلاحه ويفسد بفساده فإذا فسد القلب فسد النظر وإذا فسد النظر فسد القلب وكذلك في جانب الصلاح فإذا خربت العين وفسدت خرب القلب وفسد وصار كالمزبلة التي هي محل النجاسات والقاذورات والأوساخ فلا يصلح لسكني معرفة الله ومحبته والإنابة إليه والإنس به والسرور بقربه فيه وإنما يسكن فيه أضداد ذلك فهذه إشارة إلى بعض فوائد غض البصر تطلعك على ما ورائها .
اشتغال القلب بما يصده عن ذلك
اشتغال القلب بما يصده عن ذلك ويحول بينه وبين الوقوع فيه وهو إما خوف مقلق أو حب مزعج فمتى خلا القلب من خوف ما فواته أضر عليه من حصول هذا المحبوب أو خوف ما حصوله أضر عليه من فوات هذا المحبوب أو محبته ما هو أنفع له وخير له من هذا المحبوب لم يجد بدا وفواته أضر عليه من فوات هذا المحبوب لم يجد بدا من عشق الصور وشرح هذا أن النفس لا تترك محبوبا إلا لمحبوب أعلى منه أو خشية مكروه حصوله أضر عليه من فوات هذا المحبوب وهذا يحتاج صاحبه إلى أمرين إن فقدا أو واحدا منهما لم ينتفع بنفسه أحدهما بصيرة صحيحة راحم بها بين درجات المحبوب والمكروه فيؤثرا على المحبوبين على أدناهما ويحتمل أدنى المكروهين لتخلص من أعلاهما وهذا خاصة العقل ولا يعد عاقلا من كان بضد ذلك بل قد تكون البهائم أحسن حالا منه قوة عزم وصبر يتمكن بهما من هذا الفعل والترك فكثير ما يعرف الرجل قدر التفاوت ولكن يأتي له ضعف نفسه وهمته وعزيمته على إيثار الأنفع من خسته وحرصه ووضاعة نفسه وخسة همته ومثل هذا لا ينتفع بنفسه ولا ينتفع به غيره وقد منع الله سبحانه إمامة الدين إلا من أهل الصبر واليقين فقال تعالى وبقوله يهتدي المهتدون : ( وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون ) وهذا هو الذي ينتفع بعلمه وينتفع به غيره من الناس وضد ذلك لا ينتفع بعلمه ولا ينتفع به غيره ومن الناس من ينتفع بعلمه في نفسه ولا ينتفع به غيره فالأول يمشي في نوره ويمشي الناس في نوره والثاني قد طفى نوره فهو يمشي في الظلمات ومن تبعه والثالث يمشي في نوره وحده .
مواقع النشر (المفضلة)