بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

‏(وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) [البقرة: 186]


عبّر الله تعالى في مناسبات عديدة عن قربه من عباده، وهنا أيضاً يقول فإني قريب من عبادي، أجل! ان الله قريب جداً من ‏عباده. ولكن العبد يعرف الله تعالى حسب المرتبة التي بلغها بخلوص أعماله وانكشاف مشاعره... الخ. ولاشك أن معرفة الرسول ‏صلى الله عليه وسلم بالله تعالى بوجدانه ليست كمعرفة أي فرد من أفراد أمته وان كان من الأولياء. والمهم هنا في هذا الموضوع هو ‏محاولة العبد رفع درجته في معرفة الله تعالى وبذل الجهد في هذا المضمار من جهة وقيامه من جهة أخرى بإيفاء حق هذه المراتب التي ‏يبلغها، أو محاولة إيفاء هذا الحق. أي على العبد العيش من ناحية المشاعر والجو الفكري ومن ناحية العمل بالشكل الذي توجبه ‏تلك المرتبة وأن يقضي حياته في هذا المضمار. وإلا كان من المحتمل سقوطه من شاهق إلى وادٍ عميق.

ونحن نرى هنا قبل كل شيء أن بشارة قرب الله تعالى قد رُبطت بسرعة الاستجابة للدعاء. وان هذا القرب - الخارج عن ‏الابعاد الكمية والكيفية، وخارج جميع منافذها - مرتبط بالدعاء الخالص المتوجه إليه ونتيجة له.‏

وبجانب هذا تجب الإشارة إلى أن تأثير الدعاء هو خارج سلسلة الأسباب والمسببات، لذا فبعد إسكات أصوات الماديين ‏والطبيعيين يجب إيضاح ان الأسباب والقوانين الطبيعية هي من مخلوقات الله تعالى وأنـها لا تحدد الإرادة والمشيئة الإلهية ولا ‏تتحكم فيها ولا تستطيع ذلك أصلاً. وأن الله تعالى إن شاء يستطيع -إلى جانب الاطراد الموجود في الطبيعة- القيام بتغيير كل شيء ‏بالحوادث الخارقة التي يخلقها كالمعجزات والكرامات، وان يستجيب للتضرعات والتوسلات والأدعية فيخلق أموراً هي فوق ‏الأسباب. وكما تشير الآية إلى هذا فهي تذكر ايضاً بقربه الخارج عن الكم والكيف "أي لا يحدده كمّ ولا كيف"، وان الدعاء لا ‏يكون بالصراخ – وكأنه يخاطب أصماً – لأنه يسمع كل همسة وكل خاطرة من خواطر القلب والنفس مثلما يسمع الأصوات ‏العالية. لذا يجب أن يتم الدعاء بشكل مناسب وفي إطار الأدب الواجب نحو سلطان السموات والأرض الذي يقول (وَنَحْنُ اَقْرَبُ ‏إلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ). ثم انه بمقتضى قوله (فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُم يَرشُدُونَ) فان الذين يمتثلون لأوامره من صميم قلوبهم ‏ويستهدفون الوصول في كل عمل من أعمالهم إلى الإيمان الكامل يكونون هم الراشدين والواصلين إلى غاياتـهم وأهدافهم، لأن ‏العبد بدرجة تجرده من أهوائه وضعفه النفسي وبدرجة التجائه إلى الله تعالى يكون قد فوض أمره للحق تعالى الذي يقوم بإهداء ‏إحسانه الخاص إليه وتأييده الخاص ومعاملته الخاصة ولطفه الإضافي الذي يقوم بما لا تقوم به آلاف الأسباب في آلاف السنين.