السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ولم تنفع بركة البابا!

في أول حياتي الصحفية كانت لي صديقة إيطالية، كيف التقينا كيف مضينا كيف انفصلنا ـ تلك قصة طويلة. قالت لي إن البابا يوحنا 32 من أقاربها.. وهذا صحيح. وداعبتها وقلت لها لقد أغرقني في البركة.. فقد حدث أثناء انعقاد (المجمع المسكوني) ـ أي العالمي سنة 1963 أن ذهبت لأشهد هذا المؤتمر العالمي، وقد ارتديت ما يشبه مسوح الرهبان.. وتسللت، وسمعت المناقشات حول قضيتين: الأولى أن البابا معصوم من الخطأ.. وقد وافقت الجموع على ذلك. والقضية الثانية أن اليهود أبرياء من دم المسيح ـ وأنها إذا كانت غلطة فهي من عشرين قرنا ويهود اليوم ليسوا مسؤولين عن ذلك، ووافقت الجموع..

وفي اليوم التالي ذهب البابا للصلاة يتقدمه الكرادلة الجدد. ووقفت بين المحتشدين، وعلى رأسي طاقية. هذا واجب أن تتغطى الرؤوس. والمعنى أن الرأس إذا تغطى أصبح الإنسان أقصر ولو سنتيمترا احتراما للبابا.. تماما كما ننحني لكي نكون أقصر. وفوجئت بأن يد البابا قد امتدت إلى رأسي وأخذ الطاقية ووضعها على رأسه بعد أن مزقها وأعادها إلى دماغي. وهى صدفة! واستمعت إلى الصلاة بالإيطالية واللاتينية وقال كلاما جميلا. ولم أكد اخرج من الكنيسة (سان بيترو) حتى هجمت السيدات على الطاقية وأخذنها وخطفنها بركة وسعادة لهن!

فلما عرضت صديقتي أن نزور البابا لكي يباركنا، لم أعترض. ومن الذي يجرؤ. أما الطريق إلى مكتب البابا فصمت رهيب ولوحات على الجدران وصدى لوقع أقدامنا وهمس.. ولمس. الصوت يلمس الأذن والعقل والقلب أيضا. وعرفت بالضبط ما الذي ينبغي أن أعمل.. وكيف أتحرك وكيف انحني وماذا أقول.. وماذا. وباركنا البابا هي وأنا.. هي في غاية السعادة وأنا في غاية الدهشة.. ولم أعرف بالضبط ما هي نتائج هذه البركة نفسيا وعقليا وفلسفيا ودينيا.. وهل هي قادرة على أن تغير رأيي في الزواج. فهي تريد أن تتزوج أما أنا فلا. فلا عيب فيها. ولكن العيوب قد تجمعت في شخصي.. فهي حلوة. ولكن عيبي أنني لست شيئا بين أهلي.. صحفي مبتدئ وأديب ناشئ ولا أساوي وزني ترابا بين أعلام بلدي. والزواج ليس مؤهلا علميا. ولكن يجب أن أكون شيئا له قيمة. وبعد ذلك فليكن ما يكون. وقلت للمحبوبة أنا كراكب الطائرة، يطلبون منه أن يطفئ السيجارة، وأن يربط الحزام وألا يتحرك.. لماذا لأن الطائرة صاعدة ـ وأنا كالطائرة صاعد، ولذلك يجب أن أربط عقلي وقلبي وأمسك نفسي. وحزنت المحبوبة. مندهشة كيف أن بركة بابا الفاتيكان استعصى عليها واحد مسلم مثلي.. وحزنت على هذه التحفة الفنية والأدبية والفلسفية.. ولكني صاعد!

_______
منقـــول