السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قاتل الله المطامع![]()
من الحكايات التي تروى قديماً: أن هناك فريقاً من قبيلة في بادية شمال الجزيرة العربية، وكان ذلك الفريق شديد البأس، ومكونا من مجموعة من بيوت الشعر الكبيرة التي تدل على ما يتمتعون به من غنى ونفوذ، ولديهم قطعان كثيرة من الإبل والأغنام.
وقد لجأ لهم ورافقهم في مكانهم رجل فقير قد أقام له عشة صغيرة، ولا ينفكون كل يوم عن مساعدته وحمايته، رغم انه كان يخفي سراً عنهم من انه رجل يهودي، والواقع أن كل رجال القبيلة كانوا يعرفون ذلك، ولكنهم لم يفاتحوه بما يعرفون، وأظهروا جهلهم لكي لا يحرجوه.
وبدأ القحط والجدب يدب في المنطقة التي هم فيها، فكان لا بد لهم من الرحيل عنها، خصوصاً أنهم قد سمعوا أن أمطاراً غزيرة قد سقطت على منطقة بعيدة، فقرروا على الفور الذهاب إلى هناك قبل أن تسبقهم القبائل الأخرى إليها، وفعلاً بدأوا يهدمون ويطوون بيوت شعرهم، ويحملونها على ظهور جمالهم، وبينما كانوا منهمكين بذلك وهم على وشك النهاية، وإذا بهم يلاحظون أن جارهم اليهودي جالس بهدوء تحت ظل عشته، ولم تبد منه أي حركة تدل على أنه سوف يرحل معهم.
وتوجهوا نحوه يسألونه عن عدم تحركه، فقال لهم بكل عناد انه سوف يبقى هنا، فتعجبوا من أمره، فسألوه إن كان احد قد أساء له أو ضايقه، غير انه قال لهم: بالعكس إنني لم أجد من الكل إلاّ الكرم والترحيب وحسن المعاشرة.
فكانوا بين أمرين إما أن يتركوه، ومعنى ذلك انه سوف يموت من قسوة هذه الصحراء المجدبة، هذا إذا لم تأكله الذئاب والضباع، خصوصاً وهو رجل كبير وعليل، كما انه من العيب أن ترحل القبائل عن جار لها وتتركه وحيداً، أما الأمر الثاني فهو أن يجبروه قسراً على الرحيل معهم.. وهذا هو ما تم فعلاً، فتوجهت مجموعة من الشباب نحوه وهم يتضاحكون، فهدموا عشته وطووها، ووضعوها على ظهر حماره، ثم توجهوا نحوه يريدون أن يركبوه على أحد جمالهم، فأخذ يقاومهم وهو يقول: اليوم سبت، اليوم سبت ـ ومن عادة اليهود حسب شريعتهم أنهم لا يسافرون ولا يعملون في ذلك اليوم ـ، فما كان من أحدهم إلاّ أن يقول له: (سبت ما سبت)، ترحل يعني ترحل، نحن نعرف أنك يهودي ابن يهودي، غير انه ليس من شيمتنا نحن العرب أن نترك جارنا يموت حتى لو كان يهودياً، ولا نستطيع نحن كذلك أن نبقى ويضيع علينا الربيع والمراعي من اجل يوم السبت.
وكتفوه بالحبال ووضعوه على أحد الجمال، وانطلقوا جميعاً وهم يهزجون.
الخلاصة التي لا أريد الوصول لها ولكنني وصلت لها بالصدفة: هي أن العرب قديماً ليس لديهم ذلك العداء المستحكم نحو اليهود، فقد تعايشوا معهم بكل إنسانية، في كثير من البلاد العربية سواء في المغرب العربي، أو مصر، أو العراق، أو بلاد الشام، والجزيرة العربية من اليمن حتى البوادي.
ولكن قاتل الله السياسة، وقاتل الله المطامع.
________
منقــــــول
مواقع النشر (المفضلة)