بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ( إن الله إذا أحب عبداً دعا جبريل فقال : إنى أحب فلانا فأحبه , فيحبه جبريل ثم ينادى في السماء فيقول : إن الله يحب فلانا فأحبوه فيحبه أهل السماء , ثم يوضع له القبول في الارض و اذا أبغض الله عبداً دعا جبريل فيقول : إنى ابغض فلانا فأبغضه فيبغضه جبريل ثم ينادى في أهل السماء : إن الله يبغض فلانا فأبغضوه فيبغضونه ثم تُوضع له البغضاء في الأرض ) متفق عليه.
فمن هؤلاء الذين يحبهم الله ؟
نريد أن نتعرف عليهم لنتأسى بأقوالهم و أخلاقهم عسى أن نكون ممن يحبهم الله تعالى.
* القرآن و السنة مملوءان بذكر من يحبه الله سبحانه من عبادة المؤمنين و ذكر ما يحبه من أقوالهم و أعمالهم و أخلاقهم .... فمن هؤلاء :
من جاء ذكرهم في كتاب الله تعالى
1- المحسنون:
لقوله تعالى : ﴿ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [ البقرة : 195 ]
﴿ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [ آل عمران :134 ]
2- التوابون :
لقوله تعالى : ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ ﴾ [ البقرة : 222]
3- المتطهرون :
لقوله تعالى :﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ﴾ [ البقرة : 222 ]
و قوله تعالى : ﴿ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ ﴾ [ التوبة :108 ]
و لما نزلت الآيه ( فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ ) قال رسول الله {يا معشر الأنصارإن الله قد أثنى عليكم في الطهورخيراً , فما طهوركم هذا ؟ قالوا : نتوضأ للصلاة , ونغتسل من الجنابة , و نستنجى بالماء قال : هو ذاك فعليكم به } [ أبن ماجة و الحاكم و صححه و وافقه الذهبي ]
4- الصابرون :
لقوله تعالى: ﴿ وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ ﴾ [ آل عمران : 146 ]
5-المتقون :
لقوله تعالى: ﴿ فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ ﴾ [آل عمران : 76 ]
﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ ﴾ [ التوبة :7 ]
6- المتوكلون :
لقوله تعالى : ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ﴾ [ أل عمران : 159]
7- المقسطون :
لقوله تعالى : ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ﴾ [ المائدة : 42 ]
8- المخلصون في الجهاد :
لقوله تعالى : ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ
صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ ﴾ [ الصف : 4 ]
9- الأذلة على المؤمنين
10- الأعزة على الكافرين
11-الذين لا تأخذهم في الله لومة لائم :
و دليل ( 8 , 9, 10 ) الأيه ﴿ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ
عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي
اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ
أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ
يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ﴾ [ المائدة : 54 ]
ثانياً : ما جاء في سنة رسول الله صلي الله عليه وسلم :
1- المجاهد - القائم لليل :
قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : ( ثلاثة يحبهم الله و يضحك إليهم و يستبشر بهم : الذى إذا انكشفت فئة قاتل وراءها بنفسه لله عز وجل , فإما أن يقتل و إما أن ينصره الله و يكفيه , فيقول : انظروا إلى عبدى هذا كيف صبر لى بنفسه ؟ و الذى له امرأة حسنة و فراش لين حسن , فيقوم من الليل فيقول : يذر شهوته و يذكرنى و لو شاء رقد , والذى إذا كان في سفر و كان معه ركب فسهروا ثم هجعوا , فقام من السحر في ضراء و سراء ) .
قال ابن رجب رحمه الله تعالى : ( فهؤلاء الثلاثة قد اجتمع لهم معاملة الله سرا بينهم و بينه حيث غفل الناس عنه , فهو تعالى يحب من يعامله سرا بينه و بينه حيث لا يعلمه حينئذ أحد و لهذا فضل قيام وسط الليل على ما سواه من أو قات )
* و قال بعض العارفين : ( من عرف الله اكتفي به من خلقه ).
* و قال بعض المخلصين : ( لا أعتد بما ظهر من علمى ) .
2- التقي الغنى الخفي:
عن عامر بن سعد قال : كان بن أبي و قاص رضي الله عنه في إبله , فجاء ابنه عمر ,فلما رآه سعد قال : أعوذ بالله من شر هذا الراكب فنزل , فقال له :أنزلت في إبلك وغنمك و تركت الناس يتنازعون الملك بينهم ؟ فضرب سعد في صدره ,فقال اسكت : سمعت رسول الله يقول : ( إن الله يحب العبد التقى الغنى الخفى ) { أخرجه مسلم }
التقي هو : الآتى بما يجب عليه , المجتنب لما حرم عليه .
الغنى : المراد به غنى النفس فهذا هو الغنى المحبوب لقوله صلي الله عليه وسلم : ( و لكن العنى غنى النفس ) { البخارى و مسلم }
الخفى : الخامل المنقطع إلى العبادة المنشغل بأمور نفسه .
و في بعض الروايات ( الحفي ) بالحاء بدلا من الخاء ومعنى ( الحفي ) : الوصول للرحم , اللطيف بهم و بغيرهم من الضعفاء .
والصحيح بالمعجمة ( الخاء ) " شرح مسلم للنووى "
3- الحيى العفيف المتعفف
عن أبى هريرة رضى الله عنه قال :قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : ( إن الله عز وجل إذا أنعم على عبد نعمة يحب ان يرى أثر النعمة عليه , و يكره البؤس و التبأوس , و يبغض السائل الملحف , و يحب الحيى العفيف المتعفف ) { جود إسناده الذهبي }
4- المتحابين في الله :
قوله صلي الله عليه و سلم فيما يروية عن رب العزة ( وجبت محبتى للمتحابين فىّ , و المتجالسين فىّ و المتزاورين فىّ و المتباذلين فىّ .... )
و عن أبي هريرة رضى الله تعالى عنه عن النبى صلي الله عليه و سلم ( أن رجلا زار أخا لى في قرية أخرى فأرصد الله على مدرجته ملكا , فلما أتى عليه قال : أين تريد ؟ قال : أريد أخا لى في هذه القرية , قال هل لك من نعمة تردها ؟ قال : لا , غير أنى أحببته في الله عز وجل , قال : فإنى رسول الله إليك بأن قد أحبك كما أحببته فيه ) [ مسلم]
قال النووى رحمه الله تعالى : ( في هذا الحديث فضل المحبة في الله تعالى و أنها سبب لحب الله تعالى للعبد , و فيه فضيلة زيارة الصالحين و الأصحاب , و فيه أن الآدميين قد يرون الملائكة ) [ مسلم بشرح النووى ]
و عن أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه يرفعه قال : ( ما من رجلين تحابا في الله بظهر الغيب إلا كان أحبهما إلى الله أشدهم حبا لصاحبه ) [ أخرجه الطبرانى بإسناد جيد قوى ]
5- حب صفات الله تعالى :
عن عائشة رضى الله تعالى عنها : أن النبي صلي الله عليه و سلم بعث رجلاً على سرية و كان يقرأ لأصحابة في صلاتهم فيختم بــ ( قل هو الله أحد ) فلما رجعوا ذكروا ذلك للنبي صلي الله عليه و سلم فقال : ( سلوه لأى شئ يصنع ذلك ؟ فسألوه فقال : ( لأنها صفة الرحمن , و أنا احب أن أقرأها ) فقال النبى صلي الله عليه و سلم ( أخبروه أن الله يحبه ) [ البخارى و مسلم ]
قال أبن القيم رحمه الله تعالى : معلقا على الحديث ( ...... فدل على أن من أحب صفات الله أحبه الله و أدخله الجنة ..... ) [ مفتاح دار السعادة 15/77-78]
6- حسن الخلق :
عن أسامة بن شريك رضى الله عنه قال : كنا جلوسا عند النبى صلي الله عليه و سلم كأنما على رؤوسنا الطير ما يتكلم منا متكلم إذ جاءه أناس فقالوا : من أحبّ عباد الله إلى الله ؟ قال : " احسنهم خلقاً " [ رواه الطبرانى ]
و عن عمر رضى الله تعالى عنه : أن رجلا جاء إلى النبي صلي الله عليه و سلم فقال : يا رسول الله أى الناس أحب إلى الله ؟ و أى الأعمال أحب إلى الله ؟ فقال رسول الله ( أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس , و أحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور تدخله على مسلم , أو تكشف عنه كربة , أو تقضى عنه دينا , أو تطرد عنه جوعا , و لأن أمشى مع أخى المسلم في حاجته أحبّ إلىّ من أن أعتكف في المسحد شهرا , و من كف غضبه , ستر الله عورته ومن كظم غيظا و لو شاء أن يمضيه أمضاه ملأ الله قلبه رضى يوم القيامة , ومن مشى مع أخيه المسلم في حاجته حتى يثبتها له أثبت الله تعالى قدمه يوم تزل الأقدام و إن سوء الخلق ليفسد العمل , كما يفسد الخل العسل ) [ صحيح الجامع ]
وعن أبى هريرة رضى الله تعالى عنه قال رسول الله ( إن الله يحب سمح البيع , سمح الشراء , سمح القضاء ) [ الترمذى و الحاكم و صححه ووافقه الذهبى ]
7- المؤمن القوى :
عن أبى هريرة رضى الله تعالى عنه قال : قال رسول الله ( المؤمن القوى خير و أحب إلى الله من المؤمن الضعيف و في كل خير احرص على ما ينفعك و استعن بالله و لا تعجز , و إن أصابك شئ فلا تقل : " لو أنى فعلت كذا كان كذا و لكن قل : قدر الله و ما شء فعل , فإن لو تفتح عمل الشيطان " [ مسلم]
قال النووى : ( المراد بالقوة هنا عزيمة النفس و القريحة في أمور الآخره فيكون صاحب هذا الوصف أكثر إقداما على العدو في الجهاد و أسرع خروجا إليه , وذهابا في طلبه , و أشد عزيمة في الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر و الصبر على الاذى في كل ذلك ... واحتمال المشاق في ذات الله تعالى و أرغب في الصلاة و الصوم و الأذكار و سائر العبادات و أنشط طلباً لها و محافظة عليها ).
اللهم إنا نـــسألك حُبَّك و حبَّ من يحبكَّ و حبَّ عملِِ يقربُ من حبِّك.
المصدر : " مُذكرة التوحيد"
مواقع النشر (المفضلة)