بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم
جاء رجل إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يستأذنه في الجهاد , فقال له : أحي والداك ؟ قال نعم . فقال ( ففيهما فجاهد )رواه البخاري . فلنتأمل تلك الكلمتين القيمتين اللتان تحتاجان موسعة وصفحات لشرحها حتى تصل إلى عقولنا وقلوبنا وندرك أهمية وخطورة موضوع بر الوالدين . فكلنا يعلم ما للجهاد من أجر وأن الشهيد له منزلة عظيمة لا ينالها غيره ... ولكن مهلاً !! فلنعلم أن بر الوالدين أعظم وأهم وأجل منزلة من الجهاد وحتى أبين لكم ذلك سأتيكم بأدلة من القرآن والسنة تثبت ذلك . قال تعالى ( وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً ) الإسراء آية 23 وقال تعالى ( وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون ألا الله وبالوالدين إحسناً وذي القربى واليتامى والمساكين )البقرة آية 83 إذا تلك الآيات ربطت بين عبادة الله وتوحيده و بر الوالدين وذلك لعظمة منزلتهما لأنهما المسؤولان من بعد الله في وجودنا والإصل في تنشأتنا ولعظم تلك المنزلة فقد أعتبر عقوقهما من أكبر الكبائر من بعد الإشراك بالله . ونرجع لمحور حديثنا السابق ( ففيهما فجاهد ) ولنعلم أن بر الوالدين عمل يحتاج منا إلى صبر وخلق كريم لأن العقوق ليش شئ هين بل أن قول كلمة أف يعتبر من العقوق لذا يلزمنا الحيطة والحذر في تصرفاتنا حتى لا نكون من العاقين والعياذ بالله . فطاعة الوالدين واجبة علينا فيكل شئ ألا معصية الله وأن كان برهما في أمور لا تهواها أنفسنا فلنلجم أنفسنا بزمام الطاعة والتذلل لهما ( وإخفض لها جناح الذل من الرحمة ) البقرة آية 24 . فنكون لهم في منزلة العبد المملوك لسيده فأوامرهما مطاعة وطلباتهم مجابة ونواههيما منطقة محذورة وغير قابلة للنقاش . حتى لو كان في ذلك الأمر قطع لحظات نناجي فيها الله ونتقرب إليه وأكبر دليل على ذلك قصة جريج العابد الذي دعت عليه أمه لأنها عندما نادته وهو يصلي في المحراب صلاة التطوع لم يستجيب لها . وفي ذلك إشارة على أن طاعة الوالدين مسبقة على النوافل من صلاة وقرآة قرآن وحضور مجالس العلم بل أن لها أجور عظيمة لا تعادل تلك النوافل وأكبر دليل على ذلك قصة عمر بن المنكدر وأخاه محمد فقد بات عمر ليلة يغمرُ رجل أمه ( أي يقوم بتدليك رجليها ) وبات أخاه يصلي طوال الليل فقال عمر : والله ما أحب ليلتي بليلته << أي لو خير أن يختار أجر أخيه لرفضه لأنه علم بأن أجره أكبر وأعظم ... سبحان الله . وأيضا كان حيوة بن شرح وهو أحد أئمة المسلمين يقعد في حلقته يعلم الناس فتقول له أمه : قم يا حيوة فألق الشعير للدجاج فيقوم ويترك التعليم . الله أكبر لو أن أحد الشباب أو الفتيات أمرتهم أمهم أو أبيهم بامر وهم في مجلس مع أصحابهم لقامت القيامة وقالوا لهم كيف تجرأون أن تحرجونا مع أصدقاءنا ... فما أجهلنا . ونقطة مخيفة تبين عظم منزلة الوالدين مقارنة بالجهاد فعندما سئل بن عباس رضي الله عنهما عن أصحاب الأعراف من هم وما الأعراف ( وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم ونادوا أصحاب الجنة أن سلام عليكم لم يدخلوها وهم يطمعون * وإذا صرفت أبصارهم تلقاءأصحاب النار قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين ) الأعراف آية 46-47 فقال أما الأعراف فهو جبل بين الجنة والنار وإنما سمي الأعراف لأنه مشرف على الجنة والنار وعليه أشجار وثمار وأنهار وعيون وأما الرجال الذين يكونون عليه فهم رجال خرجوا إلى الجهاد بغير رضا آبائهم وأمهاتهم فقتلوا في الجهاد فمنعهم القتل في سبيل الله عن دخول النار ومنعهم عقوق الوالدين عن دخول الجنة فهم على الأعراف حتى يقضي الله فيهم أمره ** والجهاد المقصود به إذا كان فرض كفاية وليس فرض عين فإذا كان ذلك فلا طاعة لوالديه **
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم منذراً و محذراً بهذا الحديث من عاقبة عقوق الوالدين ( رغم أنفه ... رغم أنفه ... رغم أنفه ) فقيل من يا رسول الله ؟ قال ( من أدرك والديه عند الكبر أحدهما أو كلاهما ثم لم يدخل الجنة ) رواه مسلم .
وبعد تلك التوضيحات الجلية فلنقف وقفة مع أنفسنا ولنفكر كثيراً ولنرفع راية الجهاد في سبيل بر والدينا ورضاهم عنا .
اللهم يا ذا الجلال والأكرام أكرمني برضى والدي عني أعني على برهما وكسب رضاهما . وربي أرحمهما كما ربياني صغيرا ... آمين
مواقع النشر (المفضلة)