بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عن مالك بن الحويرث رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : صلوا كما رأيتموني أصلي ، وإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم ، وليؤمكم أكبركم متفق عليه .
هذا الحديث احتوى على ثلاث جمل ، أولها أعظمها :
الجملة الأولى : قوله : إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم فيه مشروعية الأذان ووجوبه للأمر به ، وكونه بعد دخول الوقت . ويستثنى من ذلك صلاة الفجر فإنه صلى الله عليه وسلم قال : إن بلالا يؤذن بليل ، فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم فإنه لا ينادي حتى يقال له : أصبحت ، أصبحت وإن الأذان فرض كفاية ، لا فرض عين ، لأن الأمر من الشارع إن خوطب به كل شخص مكلف وطلب حصوله منه ، فهو فرض عين . وإن طلب حصوله فقط ، بقطع النظر عن الأعيان ، فهو فرض كفاية . وهنا قال : فليؤذن لكم أحدكم وألفاظ الأذان معروفة .
وينبغي أن يكون المؤذن : صيتا أمينا ، عالما بالوقت ، متحريا له ؛ لأنه أعظم لحصول المقصود ، ويكفي من يحصل به الإعلام غالبا .
والحديث يدل على وجوب الأذان في الحضر والسفر ، والإقامة من تمام الأذان ، لأن الأذان : الإعلام بدخول الوقت للصلاة ، والإقامة : الإعلام بالقيام إليها .
وقد وردت النصوص الكثيرة بفضله ، وكثرة ثوابه ، واستحباب إجابة المؤذن ، وأن يقول المجيب مثل ما يقول المؤذن إلا إذا قال : " حي على الصلاة ، حي على الفلاح " فيقول كلمة الاستعانة بالله على ما دعا إليه من الصلاة والفلاح الذي هو الخير كله : " لا حول ولا قوة إلا بالله " ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويقول : " اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة ، وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته " ثم يدعو لنفسه ; لأنه من مواطن الإجابة التي ينبغي للداعي قصدها .
الجملة الثانية : وليؤمكم أكبركم فيه : وجوب صلاة الجماعة وأن أقلها إمام ومأموم ، وأن الأولى بالإمامة أقومهم بمقصود الإمامة ، كما ثبت في الصحيح : يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله ، فإن كانوا في القراءة سواء ، فأعلمهم بالسنة ، فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة أو إسلاما فإذا كانوا متقاربين - كما في هذا الحديث - كان الأولى منهما أكبرهما ; فإن تقديم الأكبر مشروع في كل أمر طلب فيه الترتيب ، إذا لم يكن للصغير مزيد فضل ، لقوله صلى الله عليه وسلم كبر كبر .
وإذا ترتبت الصلاة بإمام ومأموم ، فإنما جعل الإمام ليؤتم به ، فإذا كبر : كبر من وراءه ، وإذا ركع ، وسجد ، ورفع : تبعه من بعده وينهى عن موافقته في أفعال الصلاة . وأما مسابقته الإمام ، والتقدم عليه في ركوع أو سجود ، أو خفض أو رفع ، فإن ذلك حرام ، مبطل للصلاة ، فيؤمر المأمومون بالاقتداء بإمامهم ، وينهون عن الموافقة والمسابقة والتخلف الكثير ، فإن كانوا اثنين فأكثر فالأفضل : أن يصفوا خلفه ، ويجوز عن يمينه ، أو عن جانبيه ، والرجل الواحد يصف عن يمين الإمام ، والمرأة خلف الرجل ، أو الرجال ، وتقف وحدها ، إلا إذا كان معها نساء فيكن كالرجال في وجوب المصافة ، وإن وقف الرجل الواحد خلف الإمام أو خلف الصف لغير عذر بطلت صلاته .
وعلى الإمام تحصيل مقصود الإمامة من الجهر بالتكبير في الانتقالات والتسميع ، ومن الجهر في القراءة الجهرية ، وعليه مراعاة المأمومين في التقدم والتأخر ، والتخفيف مع الإتمام .
الجملة الثالثة : - وهي الأولى في هذا الحديث - قوله : صلوا كما رأيتموني أصلي وهذا تعليم منه صلى الله عليه وسلم بالقول والفعل ، كما فعل ذلك في الحج ، حيث كان يقوم بأداء المناسك ويقول للناس : خذوا عني مناسككم وهذه الجملة تأتي على جميع ما كان يفعله ويقوله ويأمر به في الصلاة ، وذلك بأن يستكمل العبد جميع شروط الصلاة ( كيفيتها ) ، ثم يقوم إلى صلاته ويستقبل القبلة ، ناويا الصلاة المعينة بقلبه ، ويقول " الله أكبر " ثم يستفتح ، ويتعوذ بما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من أنواع الاستفتاحات والتعوذات ، ويقرأ " بسم الله الرحمن الرحيم " ثم يقرأ الفاتحة ، وسورة طويلة في صلاة الفجر ، وقصيرة في صلاة المغرب ، وبين ذلك في بقية الصلوات ، ثم يركع مكبرا رافعا يديه حذو منكبيه في ركوعه وفي رفعه منه في كل ركعة ، وعند تكبيرة الإحرام ، وإذا قام من التشهد الأول على الصحيح في الصلاة الرباعية والثلاثية ، ويقول " سبحان ربي العظيم " مرة واجبة ، وأقل الكمال : ثلاث مرات ، فأكثر ، وكذلك تسبيح السجود قول : " سبحان ربي الأعلى " ثم يرفع رأسه قائلا - إماما ومنفردا - : " سمع الله لمن حمده ، ربنا ولك الحمد ، حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه " وكذلك المأموم ، إلا أنه لا يقول : " سمع الله لمن حمده " ثم يكبر ويسجد على سبعة أعضاء : القدمين ، والركبتين ، والكفين ، والجبهة ، مع الأنف ، ويمكنها من الأرض ، ويجافيها ، ولا يبسط ذراعيه انبساط الكلب ، ثم يرفع مكبرا ، ويجلس مفترشا جالسا على رجله اليسرى ، ناصبا رجله اليمنى ، موجها أصابعها إلى القبلة ، والصلاة جلوسها كله افتراش ، إلا في التشهد الأخير ، فإنه ينبغي له أن يتورك فيقعد على الأرض ، ويخرج رجله اليسرى عن يمينه ، ويقول بين السجدتين : " رب اغفر لي وارحمني واهدني وارزقني واجبرني " ثم يسجد الثانية كالأولى ، وهكذا يفعل في كل ركعة ، وعليه أن يطمئن في كل رفع وخفض ، وركوع وسجود وقيام وقعود ، ثم يتشهد فيقول : " التحيات لله ، والصلوات والطيبات ، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله " هذا التشهد الأول ، ثم يقوم ، إن كانت رباعية أو ثلاثية ، ويصلي بقيتها بالفاتحة وحدها ، وإن كان في التشهد الذي يليه السلام قال : " اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم ، إنك حميد مجيد ، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم ، إنك حميد مجيد ، اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم ، ومن عذاب القبر ، ومن فتنة المحيا والممات ، ومن فتنة المسيح الدجال " ويدعو بما أحب ، ثم يسلم ، ويذكر الله بما ورد ، فجميع الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة من فعله وقوله وتعليمه وإرشاده داخل في قوله : صلوا كما رأيتموني أصلي وهو مأمور به ، أمر إيجاب أو استحباب بحسب الدلالة .
فما كان من أجزائها لا يسقط سهوا ولا جهلا ، ولا عمدا قيل له : ركن ، كتكبيرة الإحرام ، وقراءة الفاتحة ، والتشهد الأخير ، والسلام ، وكالقيام ، والركوع ، والسجود ، والاعتدال عنها .
وما كان يسقط سهوا ويجبره سجود السهو قيل له : واجب ، كالتشهد الأول ، والجلوس له ، والتكبيرات غير تكبيرة الإحرام ، وقول " سمع الله لمن حمده " للإمام والمنفرد ، وقول : " ربنا ولك الحمد " لكل مصل ، وقول : " سبحان ربي العظيم " مرة في الركوع ، و " سبحان ربي الأعلى " مرة في السجود ، وقول : " رب اغفر لي " بين السجدتين .
وما سوى ذلك ، فإنه من مكملاتها ومستحباتها ، وخصوصا روح الصلاة ولبها ، وهو حضور القلب فيها ، وتدبر ما يقوله من قراءة ، وذكر ودعاء ، وما يفعله من قيام وقعود ، وركوع وسجود ، والخضوع لله ، والخشوع فيها لله .
ومما يدخل في ذلك : تجنب ما نهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم في الصلاة ، كالضحك ، والكلام ، وكثرة الحركة المتتابعة لغير ضرورة ، فإن الصلاة لا تتم إلا بوجود شروطها وأركانها وواجباتها ، وانتفاء مبطلاتها التي ترجع إلى أمرين : إما إخلال بلازم ، أو فعل ممنوع فيها ، كالكلام ونحوه .
مواقع النشر (المفضلة)