+ الرد على الموضوع
صفحة 2 من 4 الأولىالأولى 1 2 3 4 الأخيرةالأخيرة
النتائج 6 إلى 10 من 18
  1. #6
    توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future الصورة الرمزية توفيق
    تاريخ التسجيل
    11 / 09 / 2006
    الدولة
    فلسطين
    العمر
    52
    المشاركات
    4,013
    معدل تقييم المستوى
    4400

    افتراضي رد: الموسوعة الفقهية / الجزء الثاني

    تفصيل كفّارة محظورات التّرفّه
    151 - الأصل في هذا التّفصيل هو القياس على الأصل السّابق المنصوص عليه في الكتاب والسّنّة بخصوص الحلق ، فقاس الفقهاء عليه سائر مسائل الفصل بجامع اشتراك الجميع في العلّة وهي التّرفّه ، أو الارتفاق . وقد اختلفوا في بعض التّفاصيل ، في القدر الّذي يوجب الفدية من المحظور ، وفي تفاوت الجزاء بتفاوت الجناية ، وذلك بسبب اختلاف أنظارهم في المقدار الّذي يحصل به التّرفّه والارتفاق الّذي هو علّة وجوب الفدية ، فالحنفيّة اشترطوا كمال الجناية ، فلم يوجبوا الدّم أو الفداء إلاّ لمقادير تحقّق ذلك في نظرهم ، وغيرهم مال إلى اعتبار الفعل نفسه جنايةً . وتفصيل المذاهب في كلّ محظور من محظورات التّرفّه فيما يلي :
    أوّلاً : اللّباس :
    152 - من لبس شيئاً من محظور اللّبس ، أو ارتكب تغطية الرّأس ، أو غير ذلك ، فقال فقهاء الحنفيّة : إن استدام ذلك نهاراً كاملاً أو ليلةً وجب عليه الدّم . وكذا إذا غطّت المرأة وجهها بساتر يلامس بشرتها على ما سبق من التّفصيل فيه ( ف 67 ) وإن كان أقلّ من يوم أو أقلّ من ليلة فعليه صدقة عند الحنفيّة . وفي أقلّ من ساعة عرفيّة قبضة من برّ ، وهي مقدار ما يحمل الكفّ . ومذهب الشّافعيّ وأحمد أنّه يجب الفداء بمجرّد اللّبس ، ولو لم يستمرّ زمناً ؛ لأنّ الارتفاق يحصل بالاشتمال على الثّوب ، ويحصل محظور الإحرام ، فلا يتقيّد وجوب الفدية بالزّمن . وعند المالكيّة يشترط لوجوب الفدية من لبس الثّوب أو الخفّ أو غيرهما من محظورات اللّبس أن ينتفع به من حرّ أو برد ، فإن لم ينتفع به من حرّ أو برد بأن لبس قميصاً رقيقاً لا يقي حرّاً ولا برداً يجب الفداء إن امتدّ لبسه مدّةً كاليوم .
    ثانياً : التّطيّب :
    153 - يجب الفداء عند الثّلاثة المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة لأيّ تطيّب ممّا سبق بيان حظره ، دون تقييد بأن يطيّب عضواً كاملاً ، أو مقداراً من الثّوب معيّناً . وفرّق الحنفيّة بين تطيّب وتطيّب ، وفصّلوا : أمّا في البدن فقالوا : تجب شاة إن طيّب المحرم عضواً كاملاً مثل الرّأس واليد والسّاق ، أو ما يبلغ عضواً كاملاً . والبدن كلّه كعضو واحد إن اتّحد مجلس التّطيّب ، وإن تفرّق المجلس فلكلّ طيب كفّارة ، وتجب إزالة الطّيب ، فلو ذبح ولم يزله لزمه دم آخر . ووجه وجوب الشّاة : أنّ الجناية تتكامل بتكامل الارتفاق ، وذلك في العضو الكامل ، فيترتّب كمال الموجب . وإن طيّب أقلّ من عضو فعليه الصّدقة لقصور الجناية ، إلاّ أن يكون الطّيب كثيراً فعليه دم . ولم يشرط الحنفيّة استمرار الطّيب لوجوب الجزاء ، بل يجب بمجرّد التّطيّب . وأمّا تطييب الثّوب : فيجب فيه الدّم عند الحنفيّة بشرطين : أوّلهما : أن يكون كثيراً ، وهو ما يصلح أن يغطّي مساحةً تزيد على شبر في شبر . والثّاني : أن يستمرّ نهاراً ، أو ليلةً . فإن اختلّ أحد الشّرطين وجبت الصّدقة ، وإن اختلّ الشّرطان معاً وجب التّصدّق بقبضة من قمح .
    154 - لو طيّب محرم محرماً أو حلالاً فلا شيء على الفاعل ما لم يمسّ الطّيب ، عند الحنفيّة . وعلى الطّرف الآخر الدّم إن كان محرماً وإن كان مكرهاً . وعند الثّلاثة التّفصيل الآتي في مسألة الحلق ( ف 157 ) لكن عليه في حال لا تلزمه فيه الفدية ألاّ يستديمه ، بل يبادر بإزالته . فإن تراخى لزمه الفداء .
    ثالثاً : الحلق أو التّقصير :
    155 - مذهب الحنفيّة أنّ من حلق ربع رأسه أو ربع لحيته يجب عليه دم ؛ لأنّ الرّبع يقوم مقام الكلّ ، فيجب فيه الفداء الّذي دلّت عليه الآية الكريمة . ولو حلق رأسه ولحيته وإبطيه وكلّ بدنه في مجلس واحد فعليه دم واحد ، وإن اختلفت المجالس فلكلّ مجلس موجبه . وإن حلق خصلةً من شعره أقلّ من الرّبع يجب عليه الصّدقة ، أمّا إن سقط من رأسه أو لحيته عند الوضوء أو الحكّ ثلاث شعرات فعليه بكلّ شعرة صدقة ( كفّ من طعام ) . وإن حلق رقبته كلّها ، أو إبطيه ، أو أحدهما ، يجب الدّم . أمّا إن حلق بعض واحد منهما ، وإن كثر . فتجب الصّدقة ؛ لأنّ حلق جزء عضو من هذه الأشياء ليس ارتفاقاً كاملاً ، لعدم جريان العادة بحلق البعض فيها ، فلا يجب إلاّ الصّدقة . وقرّر الحنفيّة أنّ في حلق الشّارب حكومة عدل ، بأن ينظر إلى هذا المأخوذ كم يكون من ربع اللّحية ، فيجب عليه بحسابه من الطّعام . وذهب المالكيّة إلى أنّه إن أخذ عشر شعرات فأقلّ ، ولم يقصد إزالة الأذى ، يجب عليه أن يتصدّق بحفنة قمح ، وإن أزالها بقصد إماطة الأذى تجب الفدية ، ولو كانت شعرةً واحدةً . وتجب الفدية أيضاً إذا أزال أكثر من عشر شعرات لأيّ سبب كان . وشعر البدن كلّه سواء . وذهب الشّافعيّ وأحمد إلى أنّه تجب الفدية لو حلق ثلاث شعرات فأكثر ، كما تجب لو حلق جميع الرّأس ، بل جميع البدن ، بشرط اتّحاد المجلس ، أي الزّمان والمكان . ولو حلق شعرةً أو شعرتين ففي شعرة مدّ ، وفي شعرتين مدّان من القمح ، وسواء في ذلك كلّه شعر الرّأس وشعر البدن .
    156 - أمّا إذا سقط شعر المحرم بنفسه من غير صنع آدميّ فلا فدية باتّفاق المذاهب .
    157 - إذا حلق محرم رأس غيره ، أو حلق غيره رأسه - ومحلّ المسألة إذا كان الحلق لغير التّحلّل - فعلى المحرم المحلوق الدّم عند الحنفيّة ، ولو كان كارهاً . وأمّا غيرهم فعندهم تفصيل في حقّ الحالق والمحلوق . ولهذه المسألة ثلاث صور تقتضيها القسمة العقليّة نبيّن حكمها فيما يلي : الصّورة الأولى : أن يكونا محرمين ، فعلى المحرم الحالق صدقة عند الحنفيّة ، سواء حلق بأمر المحلوق أو بغير أمره طائعاً أو مكرهاً ، ما لم يكن حلقه في أوان الحلق . فإن كان فيه ، فلا شيء عليه . وقال المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة : إن حلق له بغير رضاه فالفدية على الحالق ، وإن كان برضاه فعلى المحلوق فدية ، وعلى الحالق فدية ، وقيل حفنة . الصّورة الثّانية : أن يكون الحالق محرماً والمحلوق حلالاً ، فكذلك على الحالق المحرم صدقة عند الحنفيّة . وقال المالكيّة : يفتدي الحالق . وعندهم في تفسيره قولان : قول أنّه يطعم قدر حفنة ، أي ملء يد واحدة من طعام ، وقول أنّ عليه الفدية . وقال الشّافعيّة والحنابلة : لا فدية على الحالق ، ولو حلق له المحرم بغير إذنه ، إذ لا حرمة لشعره في حقّ الإحرام . الصّورة الثّالثة : أن يكون الحالق حلالاً والمحلوق محرماً ، فعلى الحالق صدقة عند الحنفيّة . وقال المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة : إن كان بإذن المحرم أو عدم ممانعته فعلى المحرم الفدية . وإن كان الحلق بغير إذن المحرم فعلى الحلال الفدية .
    رابعاً : تقليم الأظفار :
    158 - قال الحنفيّة : إذا قصّ أظفار يديه ورجليه جميعها في مجلس واحد تجب عليه شاة . وكذا إذا قصّ أظفار يد واحدة ، أو رجل واحدة ، تجب شاة . وإن قصّ أقلّ من خمسة أظفار من يد واحدة ، أو خمسةً متفرّقةً من أظفاره ، تجب عليه صدقة لكلّ ظفر . ومذهب المالكيّة أنّه إن قلم ظفراً واحداً عبثاً أو ترفّهاً ، لا لإماطة أذًى ، ولا لكسره ، يجب عليه صدقة : حفنة من طعام . فإن فعل ذلك لإماطة الأذى أو الوسخ ففيه فدية . وإن قلّمه لكسره فلا شيء عليه إذا تأذّى منه . ويقتصر على ما كسر منه . وإن قلّم ظفرين في مجلس واحد ففدية ، ولو لم يقصد إماطة الأذى ، وإن قطع واحداً بعد آخر فإن كانا في فور ففدية ، وإلاّ ففي كلّ ظفر حفنة . وعند الشّافعيّة والحنابلة : يجب الفداء في تقليم ثلاثة أظفار فصاعداً في مجلس واحد ، ويجب في الظّفر والظّفرين ما يجب في الشّعرتين .
    خامساً : قتل القمل :
    159 - وهو ملحق بهذا المبحث ؛ لأنّ فيه إزالة الأذى ، لذا يختصّ البحث بما على بدن المحرم أو ثيابه . فقد ذهب الشّافعيّة إلى ندب قتل المحرم لقمل بدنه وثيابه لأنّه من الحيوانات المؤذية ، وقد صحّ أمر رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بقتل الفواسق الخمس في الحلّ والحرم ، وألحقوا بها كلّ حيوان مؤذ . أمّا قمل شعر الرّأس واللّحية خاصّةً فيكره تنزيهاً تعرّضه له لئلاّ ينتتف الشّعر . ومقتضى تعليلهم الكراهة بالخوف من انتتاف الشّعر زوال هذه الكراهة فيما لو قتله بوسيلة لا يخشى معها الانتتاف كما إذا رشّه بدواء مطهّر مثلاً . وعلى أيّة حال فإذا قتل قمل شعر رأسه ولحيته لم يلزمه شيء لكن يستحبّ له أن يفدي الواحدة منه ولو بلقمة . وفي رواية عن أحمد إباحة قتل القمل مطلقاً دون تفريق بين قمل الرّأس وغيره لأنّه من أكثر الهوامّ أذًى فأبيح قتله كالبراغيث ، وسائر ما يؤذي . وقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « خمس فواسق يقتلن في الحلّ والحرم » يدلّ بمعناه على إباحة قتل كلّ ما يؤذي بني آدم في أنفسهم وأموالهم . وفي رواية أخرى عنه حرمة قتله ، إلاّ أنّه لا جزاء فيه إذ لا قيمة له وليس بصيد . وذهب الحنفيّة والمالكيّة إلى وجوب الصّدقة ولا ريب أنّه إذا آذاه بالفعل ، ولم يمكنه التّخلّص منه إلاّ بقتله ، جاز له قتله طبقاً لقاعدة : « الضّرر يزال » ، وقاعدة : « الضّرورات تبيح المحظورات » .
    المبحث الثّاني
    في قتل الصّيد وما يتعلّق به
    160 - أجمع العلماء على وجوب الجزاء في قتل الصّيد ، استدلالاً بقوله تعالى : { يا أيّها الّذين آمنوا لا تقتلوا الصّيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمّداً فجزاء مثل ما قتل من النّعم يحكم به ذوا عدل منكم هدياً بالغ الكعبة أو كفّارة طعام مساكين ، أو عدل ذلك صياماً ليذوق وبال أمره عفا اللّه عمّا سلف ومن عاد فينتقم اللّه منه واللّه عزيز ذو انتقام } .
    أوّلاً : قتل الصّيد :
    161 - وجوب الجزاء في قتل الصّيد عمداً متّفق عليه عملاً بنصّ الآية الكريمة السّابقة . 162 - إنّ غير العمد في هذا الباب كالعمد ، يجب فيه الجزاء باتّفاق المذاهب الأربعة ؛ لأنّ العقوبة هنا شرعت ضماناً للمتلف ، وذلك يستوي فيه العمد والخطأ والجهل والسّهو والنّسيان .
    163 - إنّ هذا الجزاء هو كما نصّت الآية : { مثل ما قتل من النّعم } . ويخيّر فيه بين الخصال الثّلاث . لكن اختلفوا بعد هذا في تفسير هذين الأمرين : ذهب الحنفيّة : إلى أنّه تقدّر قيمة الصّيد بتقويم رجلين عدلين ، سواء أكان للصّيد المقتول نظير من النّعم أم لم يكن له نظير . وتعتبر القيمة في موضع قتله ، ثمّ يخيّر الجاني بين ثلاثة أمور : الأوّل - أن يشتري هدياً ويذبحه في الحرم إن بلغت القيمة هدياً . ويزاد على الهدي في مأكول اللّحم إلى اثنين أو أكثر إن زادت قيمته ، لكنّه لا يتجاوز هدياً واحداً في غير مأكول اللّحم ، حتّى لو قتل فيلاً لا يجب عليه أكثر من شاة . الثّاني - أن يشتري بالقيمة طعاماً ويتصدّق به على المساكين ، لكلّ مسكين نصف صاع من برّ ، أو صاع من شعير أو تمر كما في صدقة الفطر . ولا يجوز أن يعطي المسكين أقلّ ممّا ذكر ، إلاّ إن فضل من الطّعام أقلّ منه ، فيجوز أن يتصدّق به . ولا يختصّ التّصدّق بمساكين الحرم . الثّالث - أن يصوم عن طعام كلّ مسكين يوماً ، وعن أقلّ من نصف صاع - إذا فضل - يوماً أيضاً . وذهب الأئمّة الثّلاثة المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى التّفصيل فقالوا : الصّيد ضربان : مثليّ : وهو ما له مثل من النّعم ، أي مشابه في الخلقة من النّعم ، وهي الإبل والبقر والغنم . وغير مثليّ ، وهو ما لا يشبه شيئاً من النّعم . أمّا المثليّ : فجزاؤه على التّخيير والتّعديل ، أي أنّ القاتل يخيّر بين ثلاثة أشياء على الوجه التّالي : الأوّل - أن يذبح المثل المشابه من النّعم في الحرم ، ويتصدّق به على مساكين الحرم . الثّاني - أن يقوّم المثل دراهم ثمّ يشتري بها طعاماً ، ويتصدّق به على مساكين الحرم . ولا يجوز تفرقة الدّراهم عليهم . وقال مالك بل يقوّم الصّيد نفسه ويشتري به طعاماً يتصدّق به على مساكين موضع الصّيد ، فإن لم يكن فيه مساكين فعلى مساكين أقرب المواضع فيه . الثّالث - إن شاء صام عن كلّ مدّ يوماً . وفي أقلّ من مدّ يجب صيام يوم . ويجوز الصّيام في الحرم وفي جميع البلاد . وأمّا غير المثليّ : فيجب فيه قيمته ويتخيّر فيها بين أمرين : الأوّل - أن يشتري بها طعاماً يتصدّق به على مساكين الحرم ، وعند مالك : على المساكين في موضع الصّيد . الثّاني - أن يصوم عن كلّ مدّ يوماً كما ذكر سابقاً . ثمّ قالوا في بيان المثليّ : المعتبر فيه التّشابه في الصّورة والخلقة . وكلّ ما ورد فيه نقل عن السّلف فيتبع ؛ لقوله تعالى : { يحكم به ذوا عدل منكم } ، وما لا نقل فيه يحكم بمثله عدلان فطنان بهذا الأمر ، عملاً بالآية . ويختلف الحكم فيه بين الدّوابّ والطّيور : أمّا الدّوابّ ففي النّعامة بدنة ، وفي بقر الوحش وحمار الوحش بقرة إنسيّة ، وفي الغزال عنز ، وفي الأرنب عناق ، وفي اليربوع جفرة . وعند مالك في الأرنب واليربوع والضّبّ القيمة . وأمّا الطّيور : ففي أنواع الحمام شاة . والمراد بالحمام كلّ ما عبّ في الماء ، وهو أن يشربه جرعاً ، فيدخل فيه اليمام اللّواتي يألفن البيوت ، والقمريّ ، والقطا . والعرب تسمّي كلّ مطوّق حماماً . وإن كان الطّائر أصغر من الحمام جثّةً ففيه القيمة . وإن كان أكبر من الحمام ، كالبطّة والإوزّة ، فالأصحّ أنّه يجب فيه القيمة ، إذ لا مثل له . وقال مالك : تجب شاة في حمام مكّة والحرم ويمامهما ، وفي حمام ويمام غيرهما تجب القيمة ، وكذا في سائر الطّيور . 164 - وعند الشّافعيّة والحنابلة : الواجب في الكبير والصّغير والسّمين والهزيل والمريض من الصّيد المثليّ مثله من النّعم ؛ لقوله تعالى : { فجزاء مثل ما قتل } وهذا مثليّ فيجزئ . وقال مالك : يجب فيه كبير ؛ لقوله تعالى : { هدياً بالغ الكعبة } ؟ والصّغير لا يكون هدياً ، وإنّما يجزئ في الهدي ما يجزئ في الأضحيّة .
    ثانياً : إصابة الصّيد
    165 - إذا أصاب الصّيد بضرر ، ولم يقتله ، يجب عليه الجزاء بحسب تلك الإصابة عند الثّلاثة : الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة . فإن جرح المحرم صيداً ، أو نتف شعره . ضمن قيمة ما نقص منه ، اعتباراً للجزء بالكلّ ، فكما تجب القيمة بالكلّ تجب بالجزء . وهذا الجزاء يجب إذا برئ الحيوان وظهر أثر الجناية عليه ، أمّا إذا لم يبق لها أثر فلا يضمن عند الحنفيّة ، لزوال الموجب . وعند الشّافعيّة والحنابلة إن جرح صيداً يجب عليه قدر النّقص من مثله من النّعم إن كان مثليّاً ، وإلاّ بقدر ما نقص من قيمته ، وإذا أحدث به عاهةً مستديمةً فوجهان عندهم ، أصحّهما يلزمه جزاء كامل . أمّا إذا أصابه إصابةً أزالت امتناعه عمّن يريد أخذه وجب الجزاء كاملاً عند الحنفيّة والحنابلة ، وهو أحد القولين عند الشّافعيّة ؛ لأنّه فوّت عليه الأمن بهذا . وفي قول عند الشّافعيّة : يضمن النّقص فقط . أمّا المالكيّة فعندهم لا يضمن ما غلب على ظنّه سلامته من الصّيد بإصابته بنقص ، ولا جزاء عليه ، ولا يلزمه فرق ما بين قيمته سليماً وقيمته بعد إصابته .
    ثالثاً : حلب الصّيد أو كسر بيضه أو جزّ صوفه :
    166 - يجب فيه قيمة كلّ من اللّبن والبيض والصّوف عند الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة ويضمن أيضاً قيمة ما يلحق الصّيد نفسه من نقص بسبب من ذلك . ونصّ المالكيّة على البيض أنّ فيه عشر دية الأمّ ما لم يخرج منه فرخ ويستهلّ ثمّ يموت ، فإنّه حينئذ يلزمه الدّية كاملةً . وهذا الأخير متّفق عليه .
    رابعاً : التّسبّب في قتل الصّيد :
    167 - يجب في التّسبّب بقتل الصّيد الجزاء ، وذلك :
    1 - بأن يصيح به وينفّره ، فيتسبّب ذلك بموته .
    2 - بنصب شبكة وقع بها صيد فمات ، أو إرسال كلب .
    3 - المشاركة بقتل الصّيد ، كأن يمسكه ليقتله آخر ، أو يذبحه .
    4 - الدّلالة على الصّيد ، أو الإشارة ، أو الإعانة بغير المشاركة في اليد ، كمناولة آلة أو سلاح ، يضمن فاعلها عند الحنفيّة والحنابلة ، ولا يضمن عند المالكيّة والشّافعيّة .
    خامساً : التّعدّي بوضع اليد على الصّيد :
    168 - إذا مات الصّيد في يده فعليه الجزاء ؛ لأنّه تعدّى بوضع اليد عليه فيضمنه ولو كان وديعةً .
    سادساً : أكل المحرم من ذبيحة الصّيد أو قتيله :
    169 - إن أكل المحرم من ذبيحة أو صيد محرم أو ذبيحة صيد الحرم فلا ضمان عليه للأكل ، ولو كان هو قاتل الصّيد أيضاً أو ذابحه فلا جزاء عليه للأكل ، إنّما عليه جزاء قتل الصّيد أو ذبحه إن فعل ذلك هو ، وذلك عند جمهور العلماء ، ومنهم الأئمّة الثّلاثة ، وصاحبا أبي حنيفة . وقال أبو حنيفة كذلك بالنّسبة للمحرم إذا أكل من صيد غيره ، أو صيد الحرم إذا أكل منه الحلال الّذي صاده ، وأوجب على المحرم إذا أكل من صيده أو ذبيحته من الصّيد الضّمان سواء أكل منه قبل الضّمان أو بعده . استدلّ الجمهور بأنّه صيد مضمون بالجزاء ، فلم يضمن ثانياً ، كما لو أتلفه بغير الأكل ؛ ولأنّ تحريمه لكونه ميتةً ، والميتة لا تضمن بالجزاء . واستدلّ أبو حنيفة بأنّ " حرمته باعتبار أنّه محظور إحرامه ؛ لأنّ إحرامه هو الّذي أخرج الصّيد عن المحلّيّة ، والذّابح عن الأهليّة في حقّ الذّكاة ، فصارت حرمة التّناول بهذه الوسائط مضافةً إلى إحرامه » .
    المبحث الثّالث
    في الجماع ودواعيه
    170 - اتّفق العلماء على أنّ الجماع في حالة الإحرام جناية يجب فيها الجزاء . والجمهور على أنّ العامد والجاهل والسّاهي والنّاسي والمكره في ذلك سواء . وهو مذهب الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة . قال ابن قدامة : « لأنّه معنًى يتعلّق به قضاء الحجّ ، فاستوى عمده وسهوه كالفوات » . لكن استثنى الحنابلة من الفداء الموطوءة كرهاً ، فقالوا : لا فداء عليها ، بل يجب عليها القضاء فقط . وقال الشّافعيّة : النّاسي والمجنون والمغمى عليه والنّائم والمكره والجاهل لقرب عهده بالإسلام أو نشوئه ببادية بعيدة عن العلماء ، فلا يفسد الإحرام بالنّسبة إليهم بالجماع .
    أوّلاً : الجماع في إحرام الحجّ : يكون الجماع في إحرام الحجّ جنايةً في ثلاثة أحوال :
    171 - الأوّل - الجماع قبل الوقوف بعرفة . فمن جامع قبل الوقوف بعرفة فسد حجّه بإجماع العلماء ، ووجب عليه ثلاثة أمور :
    1 - الاستمرار في حجّه الفاسد إلى نهايته لقوله تعالى : { وأتمّوا الحجّ والعمرة للّه } وجه الاستدلال أنّه " لم يفرّق بين صحيح وفاسد » .
    2 - أداء حجّ جديد في المستقبل قضاءً للحجّة الفاسدة ، ولو كانت نافلةً . ويستحبّ أن يفترقا في حجّة القضاء هذه عند الأئمّة الثّلاثة منذ الإحرام بحجّة القضاء ، وأوجب المالكيّة عليهما الافتراق .
    3 - ذبح الهدي في حجّة القضاء . وهو عند الحنفيّة شاة ، وقال الأئمّة الثّلاثة : لا تجزئ الشّاة ، بل يجب عليه بدنة . استدلّ الحنفيّة بما ورد أنّ « رجلاً جامع امرأته وهما محرمان ، فسألا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فقال لهما : اقضيا نسككما وأهديا هدياً » رواه أبو داود في المراسيل والبيهقيّ ، وبما روي من الآثار عن الصّحابة أنّه يجب عليه شاة . واستدلّ الجمهور بما قال الرّمليّ : « لفتوى جماعة من الصّحابة ، ولم يعرف لهم مخالف » .
    172 - الثّاني : الجماع بعد الوقوف قبل التّحلّل الأوّل : فمن جامع بعد الوقوف قبل التّحلّل يفسد حجّه ، وعليه بدنة - كما هو الحال قبل الوقوف - عند المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة . وذهب الحنفيّة إلى أنّه لا يفسد حجّه ، ويجب عليه أن يهدي بدنةً . استدلّ الثّلاثة : بما روي عن ابن عمر أنّ رجلاً سأله فقال : إنّي وقعت على امرأتي ونحن محرمان ؟ فقال : أفسدت حجّك . انطلق أنت وأهلك مع النّاس ، فاقضوا ما يقضون ، وحلّ إذا حلّوا . فإذا كان في العام المقبل فاحجج أنت وامرأتك ، وأهديا هدياً ، فإن لم تجدا فصوما ثلاثة أيّام في الحجّ وسبعةً إذا رجعتم . وجه الاستدلال : أنّه ونحوه ممّا روي عن الصّحابة مطلق في المحرم إذا جامع ، لا تفصيل فيه بين ما قبل الوقوف وبين ما بعده ، فيكون حكمهما واحداً ، وهو الفساد ووجوب بدنة . واستدلّ الحنفيّة بقوله صلى الله عليه وسلم : « الحجّ عرفة » . أخرجه أحمد وأصحاب السّنن والحاكم ، وبقوله صلى الله عليه وسلم في حديث « عروة بن مضرّس الطّائيّ : وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليلاً أو نهاراً فقد تمّ حجّه وقضى تفثه » أخرجه أحمد وأصحاب السّنن ، وصحّحه التّرمذيّ ، وقال الحاكم : « صحيح على شرط كافّة أئمّة الحديث » . وجه الاستدلال : أنّ حقيقة تمام الحجّ المتبادرة من الحديثين غير مرادة ؛ لبقاء طواف الزّيارة ، وهو ركن إجماعاً ، فتعيّن القول بأنّ الحجّ قد تمّ حكماً ، والتّمام الحكميّ يكون بالأمن من فساد الحجّ بعده ، فأفاد الحديث أنّ الحجّ لا يفسد بعد عرفة مهما صنع المحرم . وإنّما أوجبنا البدنة بما روي عن ابن عبّاس رضي الله عنهما أنّه سئل عن رجل وقع بأهله وهو بمنًى قبل أن يفيض ، فأمره أن ينحر بدنةً . رواه مالك وابن أبي شيبة .
    173 - الثّالث : الجماع بعد التّحلّل الأوّل : اتّفقوا على أنّ الجماع بعد التّحلّل الأوّل لا يفسد الحجّ . وألحق المالكيّة به الجماع بعد طواف الإفاضة ولو قبل الرّمي ، والجماع بعد يوم النّحر قبل الرّمي والإفاضة . ووقع الخلاف في الجزاء الواجب : فذهب الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه يجب عليه شاة . قالوا في الاستدلال : « لخفّة الجناية ، لوجود التّحلّل في حقّ غير النّساء » . وقال مالك ، وهو قول عند الشّافعيّة والحنابلة : يجب عليه بدنة . وعلّله الباجيّ بأنّه لعظم الجناية على الإحرام . وأوجب مالك والحنابلة على من فعل هذه الجناية بعد التّحلّل الأوّل قبل الإفاضة أن يخرج إلى الحلّ ، ويأتي بعمرة ، لقول ابن عبّاس ذلك . قال الباجيّ في المنتقى : « وذلك لأنّه لمّا أدخل النّقص على طوافه للإفاضة بما أصاب من الوطء كان عليه أن يقضيه بطواف سالم إحرامه من ذلك النّقص ، ولا يصلح أن يكون الطّواف في إحرام إلاّ في حجّ أو عمرة » . ولم يوجب الحنفيّة والشّافعيّة ذلك .
    ثانياً : الجماع في إحرام العمرة :
    174 - ذهب الحنفيّة إلى أنّه لو جامع قبل أن يؤدّي ركن العمرة ، وهو الطّواف أربعة أشواط ، تفسد عمرته ، أمّا لو وقع المفسد بعد ذلك لا تفسد العمرة ؛ لأنّه بأداء الرّكن أمن الفساد . وذهب المالكيّة إلى أنّ المفسد إن حصل قبل تمام سعيها ولو بشرط فسدت ، أمّا لو وقع بعد تمام السّعي قبل الحلق فلا تفسد ؛ لأنّه بالسّعي تتمّ أركانها ، والحلق من شروط الكمال عندهم . ومذهب الشّافعيّة والحنابلة أنّه إذا حصل المفسد قبل التّحلّل من العمرة فسدت . والتّحلّل بالحلق ، وهو ركن عند الشّافعيّة واجب عند الحنابلة . 175 يجب في إفساد العمرة ما يجب في إفساد الحجّ من الاستمرار فيها ، والقضاء والفداء باتّفاق العلماء . لكن اختلفوا في فداء إفساد العمرة : فمذهب الحنفيّة والحنابلة وأحد القولين عند الشّافعيّة أنّه يلزمه شاة ؛ لأنّ العمرة أقلّ رتبةً من الحجّ ، فخفّت جنايتها ، فوجبت شاة . ومذهب المالكيّة والشّافعيّة أنّه يلزمه بدنة قياساً على الحجّ . أمّا فداء الجماع الّذي لا يفسد العمرة فشاة فقط عند الحنفيّة وبدنة عند المالكيّة .
    ثالثاً : مقدّمات الجماع :
    176 - المقدّمات المباشرة أو القريبة ، كاللّمس بشهوة ، والتّقبيل ، والمباشرة بغير جماع : يجب على من فعل شيئاً منها الدّم سواء أنزل منيّاً أو لم ينزل . ولا يفسد حجّه اتّفاقاً بين الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة ، إلاّ أنّ الحنابلة قالوا : إن أنزل وجب عليه بدنة . ومذهب المالكيّة : إن أنزل بمقدّمات الجماع منيّاً فحكمه حكم الجماع في إفساد الحجّ ، وعليه ما على المجامع ممّا ذكر سابقاً ، وإن لم ينزل فليهد بدنةً . 177 - المقدّمات البعيدة : كالنّظر بشهوة والتّفكّر كذلك ، صرّح الحنفيّة والشّافعيّة أنّه لا يجب في شيء منهما الفداء ، ولو أدّى إلى الإنزال . وهو مذهب الحنابلة في الفكر . ومذهب المالكيّة : إذا فعل أيّ واحد منها بقصد اللّذّة ، واستدامه حتّى خرج المنيّ ، فهو كالجماع في إفساد الحجّ . وإن خرج المنيّ بمجرّد الفكر أو النّظر من غير استدامة فلا يفسد ، وإنّما فيه الهدي ( بدنة ) . ومذهب الحنابلة : إن نظر فصرف بصره فأمنى فعليه دم ، وإن كرّر النّظر حتّى أمنى فعليه بدنة .
    رابعاً : في جماع القارن :
    178 - قرّر الحنفيّة في جماع القارن - بناءً على مذهبهم أنّه يطوف طوافين ويسعى سعيين - التّفصيل الآتي :
    1 - إن جامع قبل الوقوف ، وقبل طواف العمرة ، فسد حجّه وعمرته كلاهما ، وعليه المضيّ فيهما ، وعليه شاتان للجناية على إحرامهما ، وعليه قضاؤهما ، وسقط عنه دم القران .
    2 - إن جامع بعدما طاف لعمرته كلّ أشواطه أو أكثرها فسد حجّه دون عمرته لأنّه أدّى ركنها قبل الجماع ، وسقط عنه دم القران ، وعليه دمان لجنايته المتكرّرة حكماً ، دم لفساد الحجّ ، ودم للجماع في إحرام العمرة لعدم تحلّله منها ، وعليه قضاء الحجّ فقط ، لصحّة عمرته .
    3 - إن جامع بعد طواف العمرة وبعد الوقوف قبل الحلق ولو بعرفة لم يفسد الحجّ ولا العمرة ، لإدراكه ركنهما ، ولا يسقط عنه دم القران ؛ لصحّة أداء الحجّ والعمرة ، لكن عليه بدنة للحجّ وشاة للعمرة .
    4 - لو لم يطف لعمرته - ثمّ جامع بعد الوقوف - فعليه بدنة للحجّ ، وشاة لرفض العمرة ، وقضاؤها .
    5 - لو طاف القارن طواف الزّيارة قبل الحلق ، ثمّ جامع ، فعليه شاتان بناءً على وقوع الجناية على إحراميه ؛ لعدم التّحلّل الأوّل المرتّب عليه التّحلّل الثّاني .
    المبحث الرّابع
    في أحكام كفّارات محظورات الإحرام
    كفّارات محظورات الإحرام أربعة أمور ، هي : الهدي ، والصّدقة ، والصّيام ، والقضاء ، والكلام هنا على أحكامها الخاصّة بهذا الموضوع : المطلب الأوّل الهدي .
    179 - تراعى في الهدي وذبحه وأنواعه الشّروط والأحكام الموضّحة في مصطلح « هدي » .
    المطلب الثّاني
    الصّدقة
    180 - يراعى في المال الّذي تخرج منه الصّدقة أن يكون من الأصناف الّتي تخرج منها صدقة الفطر ، كما تراعى أحكام الزّكاة في الفقير الّذي تدفع إليه . ويراعى في إخراج القيمة ، ومقدار الصّدقة لكلّ مسكين ما هو مقرّر في صدقة الفطر ، وهذا في الإطعام الواجب في الفدية . وأمّا في جزاء الصّيد فالمالكيّة والشّافعيّة لم يقيّدوا الصّدقة فيه بمقدار معيّن . وتفصيلات ذلك وآراء الفقهاء يرجع إليها في مصطلح هدي وكفّارة وصدقة الفطر .
    المطلب الثّالث
    الصّيام
    181 - أوّلاً : من كفّر بالصّيام يراعي فيه أحكام الصّيام ولا سيّما تبييت النّيّة بالنّسبة للواجب غير المعيّن ( ر : صوم ) .
    182 - ثانياً : الصّيام المقرّر جزاءً عن المحظور لا يتقيّد بزمان ولا مكان ولا تتابع اتّفاقاً ، إلاّ الصّيام لمن عجز عن هدي القران والتّمتّع ، فإنّه يصوم ثلاثة أيّام في الحجّ ، وسبعةً إذا رجع إلى أهله . فلا يصحّ صيام الأيّام الثّلاثة قبل أشهر الحجّ ، ولا قبل إحرام الحجّ والعمرة في حقّ القارن ، ولا قبل إحرام العمرة في حقّ المتمتّع اتّفاقاً . أمّا تقديمها للمتمتّع على إحرام الحجّ فمنعه المالكيّة والشّافعيّة لقوله تعالى : { فصيام ثلاثة أيّام في الحجّ } وأجازه الحنفيّة والحنابلة لأنّه كما قال ابن قدامة : « وقت كامل جاز فيه نحر الهدي ، فجاز فيه الصّيام ، كبعد إحرام الحجّ . ومعنى قوله تعالى ( في الحجّ ) أي في وقته » . وأمّا الأيّام السّبعة الباقية على من عجز عن هدي القران والتّمتّع ، فلا يصحّ صيامها إلاّ بعد أيّام التّشريق ، ثمّ يجوز صيامها بعد الفراغ من أفعال الحجّ ، ولو في مكّة ، إذا مكث بها ، عند الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة . والأفضل المستحبّ أن يصومها إذا رجع إلى أهله ، وهو قول عند الشّافعيّة ، لكن الأظهر عند الشّافعيّة أنّه يصوم الأيّام السّبعة إذا رجع إلى أهله ، ولا يجوز أن يصومها في الطّريق ، إلاّ إذا أراد الإقامة بمكّة صامها بها . والدّليل للجميع قوله تعالى : { وسبعة إذا رجعتم } . فحمله الشّافعيّ على ظاهره ، وقال غيرهم : إنّ الفراغ من الحجّ هو المراد بالرّجوع ، فكأنّه بالفراغ رجع عمّا كان مقبلاً عليه .
    183 - ثالثاً : من فاته أداء الأيّام الثّلاثة في الحجّ يقضيها عند الثّلاثة ، ويرجع إلى الدّم عند الحنفيّة ، لا يجزيه غيره . وهو قول عند الحنابلة . ثمّ عند المالكيّة ، وهو قول عند الحنابلة : إن صام بعضها قبل يوم النّحر كمّلها أيّام التّشريق ، وإن أخّرها عن أيّام التّشريق صامها متى شاء ، وصلها بالسّبعة أو لا . ولم يجز الشّافعيّة والحنابلة في القول الآخر عندهم صيامها أيّام النّحر والتّشريق ، بل يؤخّرها إلى ما بعد .
    184 - ويجب عند الشّافعيّة في الأظهر في قضاء الأيّام الثّلاثة : « أن يفرّق في قضائها بينها وبين السّبعة بقدر أربعة أيّام ، يوم النّحر وأيّام التّشريق ، ومدّة إمكان السّير إلى أهله ، على العادة الغالبة ، كما في الأداء ، فلو صام عشرة أيّام متتاليةً حصلت الثّلاثة ، ولا يعتدّ بالبقيّة لعدم التّفريق » .
    المطلب الرّابع في القضاء
    185 - وهو من واجب إفساد النّسك بالجماع . ومن أحكامه ما يلي : أوّلاً : يراعى في قضاء النّسك أحكام الأداء العامّة ، مع تعيين القضاء في نيّة الإحرام به . ثانياً : قال الحنفيّة وهو قول عند الشّافعيّة : عليه القضاء من قابل أي من سنة آتية ، ولم يجعلوه على الفور . ومذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة أنّ القضاء واجب على الفور ولو كان النّسك الفاسد تطوّعاً ، فيأتي بالعمرة عقب التّحلّل من العمرة الفاسدة ، ويحجّ في العام القادم . ثالثاً : قرّر المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة أنّ المفسد عندما يقضي نسكه الفاسد يحرم في القضاء حيث أحرم في النّسك المفسد ، فإن أحرم من الجحفة مثلاً أحرم في القضاء منها . وعند الشّافعيّة : إن سلك في القضاء طريقاً آخر أحرم من مثل مسافة الميقات الأوّل ما لم يجعله ذلك يجاوز الميقات بغير إحرام ، فإنّه يحرم من الميقات . وإن أحرم في العام الأوّل قبل المواقيت لزمه كذلك عند الشّافعيّة والحنابلة . وعند المالكيّة لا يجب الإحرام بالقضاء إلاّ من المواقيت . أمّا إن جاوز في العام الأوّل الميقات غير محرم فإنّه في القضاء يحرم من الميقات ولا يجوز أن يجاوزه غير محرم . وقال المالكيّة : إن تعدّى الميقات في عام الفساد لعذر مشروع " كأن يجاوز الميقات حلالاً لعدم إرادته دخول مكّة ، ثمّ بعد ذلك أراد الدّخول ، وأحرم بالحجّ ، ثمّ أفسده ، فإنّه في عام القضاء يحرم ممّا أحرم منه أوّلاً » .
    إحصار
    التّعريف
    1 - من معاني الإحصار في اللّغة المنع من بلوغ المناسك بمرض أو نحوه ، وهو المعنى الشّرعيّ أيضاً على خلاف عند الفقهاء فيما يتحقّق به الإحصار .
    2 - واستعمل الفقهاء مادّة ( حصر ) بالمعنى اللّغويّ في كتبهم استعمالاً كثيراً . ومن أمثلة ذلك : قول صاحب تنوير الأبصار وشارحه في الدّرّ المختار : « والمحصور فاقد الماء والتّراب الطّهورين ، بأن حبس في مكان نجس ، ولا يمكنه إخراج مطهّر ، وكذا العاجز عنهما لمرض يؤخّر الصّلاة عند أبي حنيفة ، وقالا يتشبّه بالمصلّين وجوباً ، فيركع ويسجد إن وجد مكاناً يابساً ، وإلاّ يومئ قائماً ثمّ يعيد » . ومنه أيضاً قول صاحب تنوير الأبصار : « وكذا يجوز له أن يستخلف إذا حصر عن قراءة قدر المفروض » . وقال أبو إسحاق الشّيرازيّ : « ويجوز أن يصلّي بتيمّم واحد ما شاء من النّوافل ؛ لأنّها غير محصورة ، فخفّ أمرها » . وتفصيله في مصطلح ( صلاة ) . إلاّ أنّهم غلّبوا استعمال هذه المادّة ( حصر ) ومشتقّاتها في باب الحجّ والعمرة للدّلالة على منع المحرم من أركان النّسك ، وذلك اتّباعاً للقرآن الكريم ، وتوافقت على ذلك عباراتهم حتّى أصبح ( الإحصار ) اصطلاحاً فقهيّاً معروفاً ومشهوراً .
    2 - ويعرّف الحنفيّة الإحصار بأنّه : هو المنع من الوقوف بعرفة والطّواف جميعهما بعد الإحرام بالحجّ الفرض ، والنّفل ، وفي العمرة عن الطّواف ، وهذا التّعريف لم يعترض عليه . ويعرّفه المالكيّة بأنّه المنع من الوقوف والطّواف معاً أو المنع من أحدهما . وبمثل مذهب الشّافعيّة هذا التّعريف الّذي أورده الرّمليّ الشّافعيّ في نهاية المحتاج ، ونصّه : « هو المنع من إتمام أركان الحجّ أو العمرة » . وينطبق هذا التّعريف للشّافعيّة على مذهب الحنابلة في الإحصار ؛ لأنّهم يقولون بالإحصار عن أيّ من أركان الحجّ أو العمرة ، على تفصيل يسير في كيفيّة التّحلّل لمن أحصر عن الوقوف دون الطّواف . الأصل التّشريعيّ في موجب الإحصار :
    3 - موجب الإحصار - إجمالاً - التّحلّل بكيفيّة سيأتي تفصيلها . والأصل في هذا المبحث حادثة الحديبية المعروفة ، وفي ذلك نزل قوله تبارك وتعالى : { وأتمّوا الحجّ والعمرة للّه فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي ولا تحلقوا رءوسكم حتّى يبلغ الهدي محلّه } . وقال ابن عمر رضي الله عنهما « : خرجنا مع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فحال كفّار قريش دون البيت ، فنحر النّبيّ صلى الله عليه وسلم هديه وحلق رأسه » . أخرجه البخاريّ .
    ما يتحقّق به الإحصار
    4 - يتحقّق الإحصار بوجود ركنه ، وهو المنع من المضيّ في النّسك ، حجّاً كان أو عمرةً ، إذا توافرت فيه شروط بعضها متّفق عليه وبعضها مختلف فيه . ركن الإحصار :
    5 - اختلف الفقهاء في المنع الّذي يتحقّق به الإحصار هل يشمل المنع بالعدوّ والمنع بالمرض ونحوه من العلل ، أم يختصّ بالحصر بالعدوّ ؟ فقال الحنفيّة : « الإحصار يتحقّق بالعدوّ ، وغيره ، كالمرض ، وهلاك النّفقة ، وموت محرم المرأة ، أو زوجها ، في الطّريق " ويتحقّق الإحصار بكلّ حابس يحبسه ، يعني المحرم ، عن المضيّ في موجب الإحرام . وهو رواية عن الإمام أحمد . وهو قول ابن مسعود ، وابن الزّبير ، وعلقمة ، وسعيد بن المسيّب ، وعروة بن الزّبير ، ومجاهد ، والنّخعيّ ، وعطاء ، ومقاتل بن حيّان ، وسفيان الثّوريّ ، وأبي ثور . ومذهب المالكيّة : أنّ الحصر يتحقّق بالعدوّ ، والفتنة ، والحبس ظلماً . كذلك هو مذهب الشّافعيّة والمشهور عند الحنابلة ، مع أسباب أخرى من الحصر بما يقهر الإنسان ، ممّا سيأتي ذكره ، كمنع الزّوج زوجته عن المتابعة . واتّفقت المذاهب الثّلاثة على أنّ من يتعذّر عليه الوصول إلى البيت بحاصر آخر غير العدوّ ، كالحصر بالمرض أو بالعرج أو بذهاب نفقة ونحوه ، أنّه لا يجوز له التّحلّل بذلك . لكن من اشترط التّحلّل إذا حبسه حابس له حكم خاصّ عند الشّافعيّة والحنابلة يأتي بيانه إن شاء اللّه تعالى . وهذا القول ينفي تحقّق الإحصار بالمرض ونحوه من علّة وهو قول ابن عبّاس وابن عمر وطاوس والزّهريّ وزيد بن أسلم ومروان بن الحكم .
    6 - استدلّ الحنفيّة ومن معهم بالأدلّة من الكتاب والسّنّة والمعقول : أمّا الكتاب فقوله تعالى : { فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي } . ووجه دلالة الآية قول أهل اللّغة إنّ الإحصار ما كان بمرض أو علّة ، وقد عبّرت الآية بأحصرتم ، فدلّ على تحقّق الإحصار شرعاً بالنّسبة للمرض وبالعدوّ . وقال الجصّاص : « لمّا ثبت بما قدّمته من قول أهل اللّغة أنّ اسم الإحصار يختصّ بالمرض ، وقال اللّه { فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي } وجب أن يكون اللّفظ مستعملاً فيما هو حقيقة فيه ، وهو المرض ، ويكون العدوّ داخلاً فيه بالمعنى » . وأمّا السّنّة : فقد أخرج أصحاب السّنن الأربعة بأسانيد صحيحة ، كما قال النّوويّ ، عن عكرمة ، قال : سمعت الحجّاج بن عمرو الأنصاريّ قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : « من كسر أو عرج فقد حلّ ، وعليه الحجّ من قابل » . قال عكرمة سألت ابن عبّاس وأبا هريرة عن ذلك فقالا : صدق . وفي رواية عند أبي داود وابن ماجه : « من كسر أو عرج أو مرض . . . » . وأمّا العقل : فهو قياس المرض ونحوه على العدوّ بجامع الحبس عن أركان النّسك في كلّ ، وهو قياس جليّ ، حتّى جعله بعض الحنفيّة أولويّاً .
    7 - واستدلّ الجمهور بالكتاب والآثار والعقل : أمّا الكتاب فآية : { فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي } قال الشّافعيّ : « فلم أسمع مخالفاً ممّن حفظت عنه ممّن لقيت من أهل العلم بالتّفسير في أنّها نزلت بالحديبية . وذلك إحصار عدوّ ، فكان في الحصر إذن اللّه تعالى لصاحبه فيه بما استيسر من الهدي . ثمّ بيّن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أنّ الّذي يحلّ منه المحرم الإحصار بالعدوّ ، فرأيت أنّ الآية بأمر اللّه تعالى بإتمام الحجّ والعمرة للّه عامّة على كلّ حاجّ ومعتمر ، إلاّ من استثنى اللّه ، ثمّ سنّ فيه رسول اللّه صلى الله عليه وسلم من الحصر بالعدوّ . وكان المريض عندي ممّن عليه عموم الآية » . يعني { وأتمّوا الحجّ والعمرة للّه } . وأمّا الآثار : فقد ثبت من طرق عن ابن عبّاس أنّه قال : لا حصر إلاّ حصر العدوّ ، فأمّا من أصابه مرض ، أو وجع ، أو ضلال ، فليس عليه شيء ، إنّما قال اللّه تعالى : { فإذا أمنتم } وروي عن ابن عمرو والزّهريّ وطاوس وزيد بن أسلم نحو ذلك . وروى الشّافعيّ في الأمّ عن مالك - وهو عنده في الموطّأ - عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار أنّ عبد اللّه بن عمر ، ومروان بن الحكم ، وابن الزّبير أفتوا ابن حزابة المخزوميّ ، وأنّه صرع ببعض طريق مكّة وهو محرم ، أن يتداوى بما لا بدّ له منه ، ويفتدي ، فإذا صحّ اعتمر فحلّ من إحرامه ، وكان عليه أن يحجّ عاماً قابلاً ويهدي . وهذا إسناد صحيح . وأمّا الدّليل من المعقول : فقال فيه الشّيرازيّ : « إن أحرم وأحصره المرض لم يجز له أن يتحلّل ؛ لأنّه لا يتخلّص بالتّحلّل من الأذى الّذي هو فيه ، فهو كمن ضلّ الطّريق » .
    شروط تحقّق الإحصار :
    8 - لم ينصّ الفقهاء صراحةً على شروط تحقّق الإحصار أنّها كذا وكذا ، ولكن يمكن استخلاصها ، وهي : الشّرط الأوّل : سبق الإحرام بالنّسك ، بحجّ أو عمرة ، أو بهما معاً ؛ لأنّه إذا عرض ما يمنع من أداء النّسك ، ولم يكن أحرم ، لا يلزمه شيء . ويتحقّق الإحصار عن الإحرام الفاسد كالصّحيح ، ويستتبع أحكامه أيضاً . الشّرط الثّاني : ألاّ يكون قد وقف بعرفة قبل حدوث المانع من المتابعة ، إذا كان محرماً بالحجّ . وهذا عند الحنفيّة والمالكيّة ، أمّا عند الشّافعيّة والحنابلة فيتحقّق الإحصار عن الطّواف بالبيت ، كما سيتّضح في أنواع الإحصار . أمّا في العمرة فالإحصار يتحقّق بمنعه عن أكثر الطّواف بالإجماع . الشّرط الثّالث : أن ييأس من زوال المانع ، بأن يتيقّن أو يغلب على ظنّه عدم زوال المانع قبل فوات الحجّ ، " بحيث لم يبق بينه وبين ليلة النّحر زمان يمكنه فيه السّير لو زال العذر » . وهذا نصّ عليه المالكيّة والشّافعيّة ، وقدّر الرّمليّ الشّافعيّ المدّة في العمرة إلى ثلاثة أيّام . فإذا وقع مانع يتوقّع زواله عن قريب فليس بإحصار . ويشير إلى أصل هذا الشّرط تعليل الحنفيّة إباحة التّحلّل بالإحصار بأنّه معلّل بمشقّة امتداد الإحرام . الشّرط الرّابع : نصّ عليه المالكيّة وتفرّدوا به ، وهو ألاّ يعلم حين إحرامه بالمانع من إتمام الحجّ أو العمرة . فإن علم فليس له التّحلّل ، ويبقى على إحرامه حتّى يحجّ في العام القابل ، إلاّ أن يظنّ أنّه لا يمنعه فمنعه ، فله أن يتحلّل حينئذ ، كما وقع للنّبيّ صلى الله عليه وسلم : « أنّه أحرم بالعمرة عام الحديبية عالماً بالعدوّ ، ظانّاً أنّه لا يمنعه ، فمنعه العدوّ ، فلمّا منعه تحلّل » .
    أنواع الإحصار
    بحسب الرّكن المحصر عنه يتنوّع الإحصار بحسب الرّكن الّذي أحصر عنه المحرم ثلاثة أنواع :
    الأوّل : الإحصار عن الوقوف بعرفة وعن طواف الإفاضة :
    9 - هذا الإحصار يتحقّق به الإحصار الشّرعيّ ، بما يتربّب عليه من أحكام ستأتي ( ف 26 ) وذلك باتّفاق الأئمّة ، مع اختلافهم في بعض أسباب الإحصار .
    الثّاني : الإحصار عن الوقوف بعرفة دون الطّواف :
    10 - من أحصر عن الوقوف بعرفة ، دون الطّواف بالبيت ، فليس بمحصر عند الحنفيّة ، وهو رواية عن أحمد . ووجه ذلك عندهم أنّه يستطيع أن يتحلّل بمناسك العمرة ، فيجب عليه أن يؤدّي مناسك العمرة بالإحرام السّابق نفسه . ويتحلّل بتلك العمرة . قال في المسلك المتقسّط : « وإن منع عن الوقوف فقط يكون في معنى فائت الحجّ ، فيتحلّل بعد فوت الوقوف عن إحرامه بأفعال العمرة ، ولا دم عليه ، ولا عمرة في القضاء » . وهذا يفيد بظاهره أنّه ينتظر حتّى يفوت الوقوف ، فيتحلّل بعمرة ، أي بأعمال عمرة بإحرامه السّابق ، كما صرّح بذلك في المبسوط بقوله : « إن لم يكن ممنوعاً من الطّواف يمكنه أن يصبر حتّى يفوته الحجّ ، فيتحلّل بالطّواف والسّعي " ومذهب المالكيّة والشّافعيّة أنّه يعتبر من أحصر عن الوقوف فقط محصراً ، ويتحلّل بأعمال العمرة . لكنّه وإن تشابهت الصّورة عند هؤلاء الأئمّة إلاّ أنّ النّتيجة تختلف فيما بينهم . فالحنفيّة يعتبرونه تحلّل فائت حجّ ، فلا يوجبون عليه دماً ، ويعتبره المالكيّة والشّافعيّة تحلّل إحصار ، فعليه دم أمّا الحنابلة فقالوا : له أن يفسخ نيّة الحجّ ، ويجعله عمرةً ، ولا هدي عليه ، لإباحة ذلك له من غير إحصار ، ففيه أولى ، فإن كان طاف وسعى للقدوم ثمّ أحصر أو مرض ، حتّى فاته الحجّ ، تحلّل بطواف وسعي آخر ، لأنّ الأوّل لم يقصد به طواف العمرة ولا سعيها ، وليس عليه أن يجدّد إحراماً .
    الثّالث : الإحصار عن طواف الرّكن :
    11 - مذهب الحنفيّة والمالكيّة أنّ من وقف بعرفة ثمّ أحصر لا يكون محصراً ، لوقوع الأمن عن الفوات ، كما قال الحنفيّة . ويفعل ما سوى ذلك من أعمال الحجّ ، ويظلّ محرماً في حقّ النّساء حتّى يطوف طواف الإفاضة . وقال الشّافعيّة : إن منع المحرم من مكّة دون عرفة وقف وتحلّل ، ولا قضاء عليه في الأظهر . وأمّا الحنابلة ففرّقوا بين أمرين فقالوا : إن أحصر عن البيت بعد الوقوف بعرفة قبل رمي الجمرة فله التّحلّل . وإن أحصر عن طواف الإفاضة بعد رمي الجمرة فليس له أن يتحلّل . واستدلّوا على التّحلّل في الصّورة الأولى في الإحصار قبل الرّمي بأنّ " الحصر يفيده التّحلّل من جميعه ، فأفاد التّحلّل من بعضه » . وهو دليل لمذهب الشّافعيّة أيضاً . واستدلّوا لعدم التّحلّل بعد رمي جمرة العقبة إذا أحصر عن البيت : بأنّ إحرامه أي بعد الرّمي عندهم إنّما هو عن النّساء ، والشّرع إنّما ورد بالتّحلّل الإحرام التّامّ الّذي يحرم جميع محظوراته ، فلا يثبت - التّحلّل - بما ليس مثله . ومتى زال الحصر أتى بالطّواف ، وقد تمّ حجّه .

     
  2. #7
    توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future الصورة الرمزية توفيق
    تاريخ التسجيل
    11 / 09 / 2006
    الدولة
    فلسطين
    العمر
    52
    المشاركات
    4,013
    معدل تقييم المستوى
    4400

    افتراضي رد: الموسوعة الفقهية / الجزء الثاني

    أنواع الإحصار من حيث سببه
    الإحصار بسبب فيه قهر ( أو سلطة ) :
    12 - ذكروا من صوره ما يلي : الحصر بالعدوّ - الفتنة بين المسلمين - الحبس - منع السّلطان عن المتابعة - السّبع - منع الدّائن مدينه عن المتابعة - منع الزّوج زوجته عن المتابعة - موت المحرم أو الزّوج أو فقدهما - العدّة الطّارئة - منع الوليّ الصّبيّ والسّفيه عن المتابعة - منع السّيّد عبده عن المتابعة . وقبل الدّخول في تفصيل البحث لا بدّ من إجمال مهمّ ، هو : أنّ المالكيّة قصروا الحصر الّذي يبيح التّحلّل للمحصر بثلاثة أسباب ، أحصوها بالعدد ، وهي : الحصر بالعدوّ ، والحصر بالفتنة ، والحبس ظلماً . وبالتّالي فإنّ هذه الأسباب متّفق عليها بين المذاهب . وأمّا الشّافعيّة والحنابلة فاتّفقوا مع الحنفيّة على جميع الصّور الّتي صدر بها الموضوع ما عدا ثلاثة أسباب هي : منع السّلطان عن المتابعة ، والحصر بالسّبع ، والعدّة الطّارئة . فهذه الثّلاثة تفرّد بها الحنفيّة . هذا مع مراعاة تفصيل في بعض الأسباب الّتي ذكر اتّفاق الحنفيّة مع الشّافعيّة والحنابلة عليها ويأتي تفصيله إن شاء اللّه تعالى . أ - الحصر بالعدوّ الكافر :
    13 - وهو أن يتسلّط العدوّ على بقعة تقع في طريق الحجّاج ، فيقطع على المحرمين السّبل ، ويصدّهم عن المتابعة لأداء مناسكهم . وتحقّق الحصر الشّرعيّ بهذه الصّورة محلّ إجماع العلماء ، وفيها نزل القرآن الكريم . كما سبق . وقد قرّر الحنفيّة والمالكيّة أنّه لو أحصر العدوّ طريقاً إلى مكّة أو عرفة ، ووجد المحصر طريقاً آخر ، ينظر فيه : فإن أضرّ به سلوكها لطوله ، أو صعوبة طريقه ، ضرراً معتبراً ، فهو محصر شرعاً . وإن لم يتضرّر به فلا يكون محصراً شرعاً . أمّا الشّافعيّة فقد ألزموا المحصر بالطّريق الآخر ولو كان أطول أو فيه مشقّة ، ما دامت النّفقة تكفيهم لذلك الطّريق . أمّا الحنابلة فعباراتهم مطلقة عن التّقييد بأيّ من هذين الأمرين ، ممّا يشير إلى أنّهم يلزمونه بالطّريق الآخر ولو كان أطول أو أشقّ ، ولو كانت النّفقة لا تكفيهم . وهذا يشير إلى ترجيح وجوب القضاء عند الحنابلة لفوات الحجّ بسبب الطّريق الثّاني ، ولعلّه لذلك ذكره ابن قدامة أوّلاً . فإذا سلك الطّريق الأطول ففاته الحجّ بطول الطّريق أو خشونته أو غيرهما ، فما يحصل الفوات بسببه فقولان مشهوران في المذهبين الشّافعيّ والحنبليّ أصحّهما عند الشّافعيّة : لا يلزمه القضاء ، بل يتحلّل تحلّل المحصر ؛ لأنّه محصر ، ولعدم تقصيره . والثّاني : يلزمه القضاء ، كما لو سلكته ابتداءً ، ففاته بضلال في الطّريق ونحوه ، ولو استوى الطّريقان من كلّ وجه وجب القضاء بلا خلاف ؛ لأنّه فوات محض .
    ب - الإحصار بالفتنة :
    14 - بأن تحصل حرب بين المسلمين عياذاً باللّه تعالى ، ويحصر المحرم بسبب ذلك ، مثل الفتنة الّتي ثارت بحرب الحجّاج وعبد اللّه بن الزّبير سنة 73 هـ . وهذا يتحقّق به الإحصار شرعاً أيضاً باتّفاق الأئمّة كالإحصار بالعدوّ سواءً بسواء .
    ج - الحبس :
    15 - بأن يسجن المحرم بعدما تلبّس بالإحرام . وقد فرّق المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة بين الحبس بحقّ أو بغير حقّ . فإن حبس بغير حقّ ، بأن اعتقل ظلماً ، أو كان مديناً ثبت إعساره فإنّه يكون محصراً . وإن حبس بحقّ عليه يمكنه الخروج منه فلا يجوز له التّحلّل ولا يكون محصراً ، ويكون حكمه حكم المرض . أمّا الحنفيّة فقد أطلقوا الحبس سبباً للإحصار .
    د - منع الدّائن مدينه عن المتابعة :
    16 - عدّ الشّافعيّة والحنابلة الدّين مانعاً من موانع النّسك في باب الإحصار . وأمّا المالكيّة فقد صرّحوا بأنّه إن حبس ظلماً كان محصراً ، وإلاّ فلا ، فآلت المسألة عندهم إلى الحبس ، كالحنفيّة .
    هـ - منع الزّوج زوجته عن المتابعة :
    17 - منع الزّوج زوجته عن المتابعة يتحقّق به إحصارها باتّفاق المذاهب الأربعة ( الحنفيّة المالكيّة ، على الأصحّ عندهم ، والشّافعيّة والحنابلة ) ، وذلك في حجّ النّفل ، أو عمرة النّفل ، عند الجميع ، وعمرة الإسلام ، عند الحنفيّة والمالكيّة لقولهم بعدم فرضيّتها . وإن أذن لها الزّوج ابتداءً بحجّ النّفل أو عمرة النّفل ولها محرم فإنّه ليس له منعها بعد الإحرام ؛ لأنّه تغرير ، ولا تصير محصرةً بمنعه . وحجّة الإسلام ، أو الحجّ الواجب ، كالنّذر ، إذا أحرمت الزّوجة بهما بغير إذن الزّوج ، ولها محرم ، فلا تكون محصرةً عند الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة ، لأنّهم لا يشترطون إذن الزّوج لوجوب الحجّ عليها ، وليس له أن يمنعها من حجّ الفرض ، ولا يجوز له أن يحلّلها بمحظور من محظورات الإحرام ، ولو تحلّلت هي لم يصحّ تحلّلها . وأمّا الشّافعيّة فيقولون باشتراط إذن الزّوج لفرضيّة الحجّ ، فإذا لم يأذن لها قبل إحرامها ، وأحرمت ، كان له منعها ، فصارت كالصّورة الأولى على الأصحّ عندهم . وإن أحرمت بحجّة الفرض وكان لها زوج وليس معها محرم ، فمنعها الزّوج ، فهي محصرة في ظاهر الرّواية عند الحنفيّة ، وكذا عند الشّافعيّة والحنابلة . وأمّا عند المالكيّة فلا تكون محصرةً إذا سافرت مع الرّفقة المأمونة ، وكانت هي مأمونةً أيضاً ، لأنّهم يكتفون بهذا لسفر المرأة في الحجّ الفرض ، ولا يشترطون إذن الزّوج للسّفر في الحجّ الفرض .
    و - منع الأب ابنه عن المتابعة :
    18 - مذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة أنّ للأبوين أو أحدهما منع ابنه عن حجّ التّطوّع لا الفرض . وفي رواية عند المالكيّة والفرض أيضاً ، لكن لا يصير عند المالكيّة والحنابلة محصراً بمنعهما ، لما عرف من حصر المالكيّة أسباب الإحصار بما لا يدخل هذا فيه . ومذهب الحنفيّة : يكره الخروج إلى الحجّ إذا كره أحد أبويه وكان الوالد محتاجاً إلى خدمة الولد ، وإن كان مستغنياً عن خدمته فلا بأس . وذكر في السّير الكبير إذا كان لا يخاف عليه الضّيعة فلا بأس بالخروج . وحجّ الفرض أولى من طاعة الوالدين ، وطاعتهما أولى من حجّ النّفل .
    ز - العدّة الطّارئة :
    19 - والمراد طروء عدّة الطّلاق بعد الإحرام : فإذا أهلّت المرأة بحجّة الإسلام أو حجّة نذر أو نفل ، فطلّقها زوجها ، فوجبت عليها العدّة ، صارت محصرةً ، وإن كان لها محرم ، عند الحنفيّة دون أن تتقيّد بمسافة السّفر . وأمّا المالكيّة فأجروا على عدّة الطّلاق حكم وفاة الزّوج . وقال الشّافعيّة : لو أحرمت بحجّ أو قران بإذنه أو بغيره ، ثمّ طلّقها أو مات ، وخافت فوته لضيق الوقت ، خرجت وجوباً وهي معتدّة ؛ لتقدّم الإحرام . وإن أمنت الفوات لسعة الوقت جاز لها الخروج لذلك ، لما في تعيّن التّأخير من مشقّة مصابرة الإحرام . وأمّا الحنابلة ففرّقوا بين علّة الطّلاق المبتوت والرّجعيّ ، فلها أن تخرج إليه - يعني الحجّ - في عدّة الطّلاق المبتوت ، وأمّا عدّة الرّجعيّة فالمرأة في الإحصار كالزّوجة .
    المنع بعلّة تمنع المتابعة
    20 - ومن صوره : الكسر أو العرج - المرض - هلاك النّفقة - هلاك الرّاحلة - العجز عن المشي - الضّلالة عن الطّريق . وتحقّق الإحصار بسبب من هذه الأسباب هو مذهب الحنفيّة . أمّا الجمهور فيقولون إنّها لا تجعل صاحبها محصراً شرعاً ، فإذا حبس بشيء منها لا يتحلّل حتّى يبلغ البيت ، فإن أدرك الحجّ فيها ، وإلاّ تحلّل بأعمال العمرة ، ويكون حكمه حكم ( الفوات ) . انظر مصطلح ( فوات ) الكسر أو العرج :
    21 - والمراد بالعرج المانع من الذّهاب والأصل في هذا السّبب ما سبق في الحديث : « من كسر أو عرج فقد حلّ » . المرض :
    22 - والمعتبر هنا المرض الّذي لا يزيد بالذّهاب ، بناءً على غلبة الظّنّ ، أو بإخبار طبيب حاذق متديّن . والأصل في الإحصار بالمرض من السّنّة الحديث الّذي سبق فقد ورد في بعض رواياته : « أو مرض » . هلاك النّفقة أو الرّاحلة :
    23 - إن سرقت نفقة المحرم في الطّريق بعد أن أحرم ، أو ضاعت ، أو نهبت ، أو نفدت ، إن قدر على المشي فليس بمحصر ، وإن لم يقدر على المشي فهو محصر ، على ما في التّجنيس . العجز عن المشي :
    24 - إن أحرم وهو عاجز عن المشي ابتداءً من أوّل إحرامه ، وله قدرة على النّفقة دون الرّاحلة ، فهو محصر حينئذ . والضّلالة عن الطّريق :
    25 - أي طريق مكّة أو عرفة . فمن ضلّ الطّريق فهو محصر .
    أحكام الإحصار
    تندرج أحكام الإحصار في أمرين : التّحلّل ، وما يجب على المحصر بعد التّحلّل .
    التّحلّل
    تعريف التّحلّل :
    26 - التّحلّل لغةً : أن يفعل الإنسان ما يخرج به من الحرمة . واصطلاحاً : هو فسخ الإحرام ، والخروج منه بالطّريق الموضوع له شرعاً .
    جواز التّحلّل للمحصر :
    27 - إذا تحقّق للمحرم وصف الإحصار فإنّه يجوز له التّحلّل . وهذا الحكم متّفق عليه بين العلماء ، كلّ حسب الأسباب الّتي يعتبرها موجبةً لتحقّق الإحصار الشّرعيّ . والأصل في الإحرام وجوب المضيّ على المحرم في النّسك الّذي أحرم به ، وألاّ يخرج من إحرامه إلاّ بتمام موجب هذا الإحرام ، لقوله تعالى : { وأتمّوا الحجّ والعمرة للّه } . لكن جاز التّحلّل للمحصر قبل إتمام موجب إحرامه استثناءً من هذا الأصل ، لما دلّ عليه الدّليل الشّرعيّ . والدّليل على جواز التّحلّل قوله تعالى : { فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي } . وجه الاستدلال بالآية : أنّ الكلام على تقدير مضمر ، ومعناه واللّه أعلم ، فإن أحصرتم عن إتمام الحجّ أو العمرة ، وأردتم أن تحلّوا فاذبحوا ما تيسّر من الهدي . والدّليل على هذا التّقدير أنّ الإحصار نفسه لا يوجب الهدي ، ألا ترى أنّ له أن لا يتحلّل ويبقى محرماً كما كان ، إلى أن يزول المانع ، فيمضي في موجب الإحرام . ومن السّنّة : « فعله صلى الله عليه وسلم فقد تحلّل وأمر أصحابه بالتّحلّل عام الحديبية حين صدّهم المشركون عن الاعتمار بالبيت العتيق » ، كما وردت الأحاديث الصّحيحة السّابقة .
    المفاضلة بين التّحلّل ومصابرة الإحرام :
    28 - أطلق الحنفيّة الحكم على المحصر أنّه " جاز له التّحلّل " وأنّه رخصة في حقّه ، حتّى لا يمتدّ إحصاره ، فيشقّ عليه ، وأنّ له أن يبقى محرماً . يرجع إلى أهله بغير تحلّل ويعتبر محرماً حتّى يزول الخوف . وقال المالكيّة إن منعه بعض ما ذكر من أسباب الإحصار الثّلاثة المعتبرة عندهم ، عند إتمام حجّ ، بأن أحصر عن الوقوف والبيت معاً ، أو عن إكمال عمرة ، بأن أحصر عن البيت أو السّعي ، فله التّحلّل بالنّيّة ، ممّا هو محرم به ، في أيّ محلّ كان ، قارب مكّة أو لا ، دخلها أو لا . وله البقاء لقابل أيضاً ، إلاّ أنّ تحلّله أفضل . أمّا من منع عن إتمام نسكه بغير الأسباب الثّلاثة ( العدوّ والفتنة والحبس ) كالمرض ، فإن قارب مكّة كره له إبقاء إحرامه بالحجّ لقابل ، ويتحلّل بفعل عمرة . أمّا الشّافعيّة ففرّقوا بين حالي اتّساع الوقت وضيقه : فإن كان الوقت واسعاً فالأفضل أن لا يعجّل التّحلّل ، فربّما زال المنع فأتمّ الحجّ ، ومثله العمرة ، وإن كان الوقت ضيّقاً فالأفضل تعجيل التّحلّل ؛ لئلاّ يفوت الحجّ . وذلك ما لم يغلب على ظنّ المحرم المحصر إدراكه بعد الحصر ، أو إدراك العمرة في ثلاثة أيّام فيجب الصّبر كما سبق . وأطلق الحنابلة فقالوا " المستحبّ له الإقامة مع إحرامه رجاء زوال الحصر ، فمتى زال قبل تحلّله فعليه المضيّ لإتمام نسكه . والحاصل أنّ جواز التّحلّل متّفق عليه ، إنّما اختلفوا في المفاضلة بينه وبين البقاء على الإحرام ، فإن اختار المحصر التّحلّل تحلّل متى شاء ، إذا صنع ما يلزمه للتّحلّل ، ممّا سيأتي ذكره في موضعه . وهذا الحكم سواء فيه المحصر عن الحجّ ، أو عن العمرة ، أو عنهما معاً ، عند عامّة العلماء .
    التّحلّل من الإحرام الفاسد :
    29 - يجوز للمحرم الّذي فسد إحرامه - إذا أحصر - أن يتحلّل من إحرامه الفاسد ، فإذا جامع المحرم بالحجّ جماعاً مفسداً ثمّ أحصر تحلّل ، ويلزمه دم للإفساد ، ودم للإحصار ، ويلزمه القضاء بسبب الإفساد اتّفاقاً هنا ؛ لأنّ الخلاف في القضاء هو في الإحصار بعد الإحرام الصّحيح . فلو لم يتحلّل حتّى فاته الوقوف ، ولم يمكنه الطّواف بالكعبة ، تحلّل في موضعه تحلّل المحصر ، ويلزمه ثلاثة دماء : دم للإفساد ، ودم للفوات ، ودم للإحصار . فدم الإفساد بدنة ، والآخران شاتان ، ويلزمه قضاء واحد . لكن عند المالكيّة يكفيه في الصّورة الأولى هدي واحد هو هدي الإفساد : بدنة ؛ لأنّه لا هدي على المحصر عند المالكيّة . وعليه في الصّورة الثّانية هديان عند الحنفيّة والمالكيّة : هدي الإفساد وهدي الإحصار عند الحنفيّة ؛ لأنّه لا دم عندهم للفوات ، وهدي الإفساد . وهدي الفوات عند المالكيّة .
    البقاء على الإحرام :
    30 - إن اختار المحصر البقاء على الإحرام ومصابرته حتّى يزول المانع فله بالنّسبة للحجّ حالان : الحالة الأولى : أن يتمكّن من إدراك الحجّ بإدراك الوقوف بعرفة ، فبها ونعمت . الحالة الثّانية : أن لا يتمكّن من إدراك الحجّ ، بأن يفوته الحجّ لفوات الوقوف بعرفة . فاتّفق الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة على أنّه يتحلّل تحلّل فوات الحجّ ، بأن يؤدّي أعمال العمرة . ثمّ اختلفوا : فقال : الحنفيّة لا دم عليه لأنّ ذلك هو حكم الفوات وعليه القضاء . وأمّا الشّافعيّة والحنابلة فقالوا : عليه دم الفوات دون دم الإحصار . والأصحّ أنّه لا قضاء عليه عند الشّافعيّة وعليه القضاء عند الحنابلة ، كما هي القاعدة عندهم : « إنّ من لم يتحلّل حتّى فاته الحجّ لزمه القضاء » . وأمّا المالكيّة فقالوا : لو استمرّ المحصر على إحرامه حتّى دخل وقت الإحرام من العام القابل ، وزال المانع فلا يجوز له أن يتحلّل بالعمرة ليسر ما بقي . فقد أجاز المالكيّة البقاء على الإحرام بعد الفوات ، ولم يلزموه بالتّحلّل بعمرة ، وعندهم يجزئه الإحرام السّابق للحجّ في العام القابل .
    31 - وأمّا إذا بقي الإحصار قائماً وفات الحجّ : فعند المالكيّة والشّافعيّة له أن يحلّ تحلّل المحصر ، ولا قضاء عليه . وعليه دم عند الشّافعيّة . وفي قول عليه القضاء . أمّا الحنابلة فأوجبوا عليه القضاء ، فيما يظهر من كلامهم . وأمّا الحنفيّة فحكمه عندهم حكم الفوات ، ولا أثر للحصر .
    حكمة مشروعيّة التّحلّل :
    32 - المحصر كما قال الكاسانيّ محتاج إلى التّحلّل ؛ لأنّه منع عن المضيّ في موجب الإحرام ، على وجه لا يمكنه الدّفع ، فلو لم يجز له التّحلّل لبقي محرماً لا يحلّ له ما حظره الإحرام إلى أن يزول المانع فيمضي في موجب الإحرام ، وفيه من الضّرر والحرج ما لا يخفى ، فمسّت الحاجة إلى التّحلّل والخروج من الإحرام ، دفعاً للضّرر والحرج . وسواء كان الإحصار عن الحجّ ، أو عن العمرة ، أو عنهما عند عامّة العلماء .
    ما يتحلّل به المحصر
    33 - الإحصار بحسب إطلاق الإحرام الّذي وقع فيه أو تقييده بالشّرط نوعان : النّوع الأوّل : الإحصار في الإحرام المطلق ، وهو الّذي لم يشترط فيه المحرم لنفسه حقّ التّحلّل إذا طرأ له مانع . النّوع الثّاني : الإحصار في الإحرام الّذي اشترط فيه المحرم التّحلّل . التّحلّل بالإحصار في الإحرام المطلق 34 - ينقسم هذا الإحصار إلى قسمين ، حسبما يستخلص من الفقه الحنفيّ : القسم الأوّل : الإحصار بمانع حقيقيّ ، أو شرعيّ لحقّ اللّه تعالى ، لا دخل لحقّ العبد فيه . القسم الثّاني : الإحصار بمانع شرعيّ لحقّ العبد لا لحقّ اللّه تعالى . وقد وجدت نتيجة التّقسيم من حيث الحكم مطابقةً لغير الحنفيّة إجمالاً ، فيما اتّفقوا مع الحنفيّة على كونه إحصاراً .
    كيفيّة تحلّل المحصر أوّلاً : نيّة التّحلّل :
    35 - إنّ مبدأ نيّة التّحلّل بالمعنى الواسع متّفق عليه كشرط لتحلّل المحصر من إحرامه ، ثمّ وقع الخلاف فيما وراء ذلك : أمّا الشّافعيّة والحنابلة فقد شرطوا نيّة التّحلّل عند ذبح الهدي ، بأن ينوي التّحلّل بذبحه ؛ لأنّ الهدي قد يكون للتّحلّل وقد يكون لغيره فوجب أن ينوي ليميّز بينهما ثمّ يحلق ؛ ولأنّ من أتى بأفعال النّسك فقد أتى بما عليه فيحلّ منها بإكمالها ، فلم يحتج إلى نيّة ، بخلاف المحصور ، فإنّه يريد الخروج من العبادة قبل إكمالها ، فافتقر إلى قصده . كذلك تشترط نيّة التّحلّل عند الحلق ، بناءً على الأصحّ عند الشّافعيّة أنّ الحلق نسك ، وأنّه شرط لحصول التّحلّل ، كما سيأتي ( ف . . . . ) وذلك من الدّليل على شرطيّة النّيّة عند ذبح الهدي . وأمّا المالكيّة فقالوا : نيّة التّحلّل وحدها هي ركن التّحلّل فقط ، بالنّسبة لتحلّل المحصر بالعدوّ ، أو الفتنة ، أو الحبس بغير حقّ . هؤلاء يتحلّلون عند المالكيّة بالنّيّة فحسب ، ولا يغني عنها غيرها ، حتّى لو نحر الهدي وحلق ولم ينو التّحلّل لم يتحلّل . وأمّا الحنفيّة فقالوا : « إذا أحصر المحرم بحجّة أو عمرة ، وكذا إذا كان محرماً بهما ، وأراد التّحلّل - بخلاف من أراد الاستمرار على حاله ، منتظراً زوال إحصاره - يجب عليه أن يبعث الهدي . . . إلخ " فقد علّقوا التّحلّل ببعث الهدي وذبحه على إرادة التّحلّل ، واحترزوا عمّن أراد الاستمرار على حاله . فلو بعث هدياً ، وهو مريد الانتظار لا يحلّ بذبح الهدي إلاّ إذا قصد به التّحلّل .
    ثانياً : ذبح الهدي : تعريف الهدي :
    36 - الهدي ما يهدى إلى الحرم من حيوان وغيره . لكن المراد هنا وفي أبحاث الحجّ خاصّةً : ما يهدى إلى الحرم من الإبل والبقر والغنم والماعز خاصّةً . حكم ذبح الهدي لتحلّل المحصر :
    36 م - ذهب جمهور العلماء إلى وجوب ذبح الهدي على المحصر ، لكي يتحلّل من إحرامه ، وأنّه لو بعث به واشتراه ، لا يحلّ ما لم يذبح . وهو مذهب الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة وقول أشهب من المالكيّة . وذهب المالكيّة إلى أنّ المحصر يتحلّل بالنّيّة فقط ، ولا يجب عليه ذبح الهدي ، بل هو سنّة ، وليس شرطاً . استدلّ الجمهور بقوله تعالى : { فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي } على ما سبق . واحتجّ الجمهور أيضاً بالسّنّة : « بأنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم لم يحلّ يوم الحديبية ولم يحلق رأسه حتّى نحر الهدي » ، فدلّ ذلك على أنّ من شرط إحلال المحصر ذبح هدي إن كان عنده . وأمّا وجه قول المالكيّة ودليلهم فهو دليل من جهة القياس ، وهو كما ذكره أبو الوليد الباجيّ أنّه تحلّل مأذون فيه ، عار من التّفريط وإدخال النّقص ، فلم يجب به هدي ، أصل ذلك إذا أكمل حجّه .
    ما يجزئ من الهدي في الإحصار
    37 - يجزئ في الهدي الشّاة عن واحد ، وكذا الماعز باتّفاق العلماء ، وأمّا البدنة وهي من الإبل والبقر ، فتكفي عن سبعة عند الجماهير ومنهم الأئمّة الأربعة . وللتّفصيل ( ر : هدي ) .
    ما يجب من الهدي على المحصر :
    38 - اتّفق الفقهاء على أنّ المحرم بالعمرة مفردةً ، أو الحجّ مفرداً ، إذا أحصر يلزمه ذبح هدي واحد للتّحلّل من إحرامه . أمّا القارن فقد اختلفوا فيما يجب عليه من الهدي للتّحلّل بالإحصار : فذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه يحلّ بدم واحد ، حيث أطلقوا وجوب هدي على المحصر دون تفصيل ، والمسألة مشهورة . وذهب الحنفيّة إلى أنّه لا يحلّ إلاّ بدمين يذبحهما في الحرم . ومنشأ الخلاف هو اختلاف الفريقين في حقيقة إحرام القارن . ( انظر مصطلح إحرام ) . فالشّافعيّة ومن معهم : القارن عندهم محرم بإحرام واحد يجزئ عن الإحرامين : إحرام الحجّ وإحرام العمرة ، لذلك قالوا : يكفيه طواف واحد وسعي واحد للحجّ والعمرة مقرونين ، فألزموه إذا أحصر بهدي واحد . وأمّا الحنفيّة فالقارن عندهم محرم بإحرامين : إحرام الحجّ وإحرام العمرة ، لذلك ألزموه بطوافين وسعيين ، فألزموه إذا أحصر بهديين . وقالوا : الأفضل أن يكونا معيّنين مبيّنين ، هذا لإحصار الحجّ ، وهذا لإحصار العمرة ، كما ألزموه في جنايات الإحرام على القران الّتي يلزم فيها المفرد دم ألزموا القارن بدمين ، وكذا الصّدقة .
    مكان ذبح هدي الإحصار :
    39 - ذهب الشّافعيّة والحنابلة في رواية إلى أنّ المحصر يذبح الهدي حيث أحصر ، فإن كان في الحرم ذبحه في الحرم ، وإن كان في غيره ذبحه في مكانه . حتّى لو كان في غير الحرم وأمكنه الوصول إلى الحرم فذبحه في موضعه أجزأه على الأصحّ في المذهبين . وذهب الحنفيّة - وهو رواية عن الإمام أحمد - إلى أنّ ذبح هدي الإحصار مؤقّت بالمكان ، وهو الحرم ، فإذا أراد المحصر أن يتحلّل يجب عليه أن يبعث الهدي إلى الحرم فيذبح بتوكيله نيابةً عنه في الحرم ، أو يبعث ثمن الهدي ليشتري به الهدي ويذبح عنه في الحرم . ثمّ لا يحلّ ببعث الهدي ولا بوصوله إلى الحرم ، حتّى يذبح في الحرم ، ولو ذبح في غير الحرم لم يتحلّل من الإحرام ، بل هو محرم على حاله . ويتواعد مع من يبعث معه الهدي على وقت يذبح فيه ليتحلّل بعده . وإذا تبيّن للمحصر أنّ الهدي ذبح في غير الحرم فلا يجزي . وفي رواية أخرى عن أحمد أنّه إن قدر على الذّبح في أطراف الحرم ففيه وجهان . استدلّ الشّافعيّة والحنابلة بفعل النّبيّ صلى الله عليه وسلم فإنّه نحر هديه في الحديبية حين أحصر ، وهي من الحلّ . بدليل قوله تعالى : { والهدي معكوفاً أن يبلغ محلّه } . واستدلّوا كذلك من جهة العقل بما يرجع إلى حكمة تشريع التّحلّل من التّسهيل ورفع الحرج ، كما قال في المغني : « لأنّ ذلك يفضي إلى تعذّر الحلّ ، لتعذّر وصول الهدي إلى الحرم » ، أي وإذا كان كذلك دلّ على ضعف هذا الاشتراط . واستدلّ الحنفيّة على توقيت ذبح الهدي بالحرم بقوله تعالى : { ولا تحلقوا رءوسكم حتّى يبلغ الهدي محلّه } . وتوجيه الاستدلال بالآية عندهم من وجهين : الأوّل : التّعبير ب " الهدي » . الثّاني : الغاية في قوله { حتّى يبلغ الهدي محلّه } وتفسير قوله " محلّه " بأنّه الحرم . واستدلّوا بالقياس على دماء القربات ، لأنّ الإحصار دم قربة ، والإراقة لم تعرف قربةً إلاّ في زمان ، أو مكان ، فلا يقع قربةً دونه . أي دون توقيت بزمان ولا مكان ، والزّمان غير مطلوب ، فتعيّن التّوقيت بالمكان .
    زمان ذبح هدي الإحصار :
    40 - ذهب أبو حنيفة والشّافعيّ وأحمد - على المعتمد في مذهبه - إلى أنّ زمان ذبح الهدي هو مطلق الوقت ، لا يتوقّت بيوم النّحر ، بل أيّ وقت شاء المحصر ذبح هديه ، سواء كان الإحصار عن الحجّ أو عن العمرة . وقال أبو يوسف ومحمّد - وهو رواية عن الإمام أحمد - لا يجوز الذّبح للمحصر بالحجّ إلاّ في أيّام النّحر الثّلاثة ، ويجوز للمحصر بالعمرة متى شاء . استدلّ الجمهور بقوله تعالى : { فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي } . فقد ذكر الهدي في الآية مطلقاً عن التّوقيت بزمان ، وتقييده بالزّمان نسخ أو تخصيص لنصّ الكتاب القطعيّ فلا يجوز إلاّ بدليل قاطع ولا دليل . واستدلّ أبو يوسف ومحمّد بأنّ هذا دم يتحلّل به من إحرام الحجّ ، فيختصّ بيوم النّحر في الحجّ . وربّما يعتبرانه بدم التّمتّع والقران فيقيسانه عليه ، حيث إنّه يجب أن يذبح في أيّام النّحر . ويتفرّع على هذا الخلاف أنّ المحصر يستطيع على مذهب الجمهور أن يتحلّل متى تحقّق إحصاره بذبح الهدي ، دون مشقّة الانتظار . أمّا على قول الصّاحبين : فلا يحلّ إلى يوم النّحر ؛ لأنّ التّحلّل متوقّف على ذبح الهدي ، ولا يذبح الهدي عندهما إلاّ أيّام النّحر .
    العجز عن الهدي :
    41 - مذهب الشّافعيّة والحنابلة وهو مرويّ عن أبي يوسف من عجز عن الهدي فله بدل يحلّ محلّ الهدي ، وفي تعيين هذا البدل ثلاثة أقوال عند الشّافعيّة . القول الأوّل وهو الأظهر : أنّ بدل الهدي طعام تقوّم به الشّاة ويتصدّق به ، فإن عجز عن قيمة الطّعام صام عن كلّ مدّ يوماً ، وهو قول أبي يوسف ، لكنّه قال : يصوم لكلّ نصف صاع يوماً . ثمّ إذا انتقل إلى الصّيام فله التّحلّل في الحال في الأظهر عند الشّافعيّة بالحلق والنّيّة عنده ؛ لأنّ الصّوم يطول انتظاره ، فتعظم المشقّة في الصّبر على الإحرام إلى فراغه . القول الثّاني : بدل الهدي الطّعام فقط ، وفيه وجهان : الأوّل أن يقوّم كما سبق . الثّاني أنّه ثلاث آصع لستّة مساكين ، مثل كفّارة جناية الحلق . القول الثّالث للشّافعيّة وهو مذهب الحنابلة أنّ بدل الدّم الصّوم فقط . وهو عشرة أيّام كصوم التّمتّع . وقال أبو حنيفة ومحمّد ، وهو قول عند الشّافعيّة وهو المعتمد في المذهب الحنفيّ لا بدل للهدي . فإن عجز المنحصر عن الهدي بأن لم يجده ، أو لم يجد ثمنه ، أو لم يجد من يبعث معه الهدي إلى الحرم بقي محرماً أبداً ، لا يحلّ بالصّوم ، ولا بالصّدقة ، وليسا ببدل عن هدي المحصر . وأمّا المالكيّة فلا يجب الهدي من أصله على المحصر عندهم ، فلا بحث في بدله عندهم . استدلّ الشّافعيّة والحنابلة القائلون بمشروعيّة البدل لمن عجز عن الهدي بالقياس ، ووجهه " أنّه دم يتعلّق وجوبه بإحرام ، فكان له بدل ، كدم التّمتّع » . وقاسوه أيضاً على غيره من الدّماء الواجبة ، فإنّ لها بدلاً عند العجز عنها ( ر : إحرام ) . واستدلّ الحنفيّة بقوله تعالى : { ولا تحلقوا رءوسكم حتّى يبلغ الهدي محلّه } . وجه دلالة الآية كما قال في البدائع : « نهى اللّه عن حلق الرّأس ممدوداً إلى غاية ذبح الهدي ، والحكم المدوّد إلى غاية لا ينتهي قبل وجود الغاية ، فيقتضي أن لا يتحلّل ما لم يذبح الهدي ، سواء صام ، أو أطعم ، أو لا » . وبتوجيه آخر : أنّه تعالى " ذكر الهدي ، ولم يذكر له بدلاً ، ولو كان له بدل لذكره ، كما ذكره في جزاء الصّيد » . واستدلّوا بالعقل وذلك " لأنّ التّحلّل بالدّم قبل إتمام موجب الإحرام عرف بالنّصّ ، بخلاف القياس ، فلا يجوز إقامة غيره مقامه بالرّأي » .
    ثالثاً : الحلق أو التّقصير :
    42 - مذهب أبي حنيفة وأبي يوسف في رواية عنه - ومحمّد ومالك وهو قول عند الحنابلة الحلق ليس بشرط لتحلّل المحصر من الإحرام . ويحلّ المحصر عند الحنفيّة بالذّبح بدون الحلق ، وإن حلق فحسن ، وصرّح المالكيّة أنّ الحلق سنّة . وقال أبو يوسف في رواية ثانية : إنّه واجب ، ولو تركه لا شيء عليه . أي أنّه سنّة ، وفي رواية ثالثة عن أبي يوسف أنّه قال في الحلق للمحصر : « هو واجب لا يسعه تركه " وهو قوله آخراً ، وأخذ به الطّحاويّ . والأظهر عند الشّافعيّة وهو قول عند الحنابلة أنّ الحلق أو التّقصير شرط للتّحلّل ، وذلك بناءً على القول بأنّ الحلق نسك من مناسك الحجّ والعمرة ، كما هو المشهور الرّاجح في المذهبين ، ولا بدّ من نيّة التّحلّل بالحلق أو التّقصير لما ذكر في النّيّة عند الذّبح . استدلّ أبو حنيفة ومن معه بالقران وهو قوله تعالى : { فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي } ووجه دلالة الآية : أنّ المعنى : « إن أحصرتم وأردتم أن تحلّوا فاذبحوا ما استيسر من الهدي . جعل ذبح الهدي في حقّ المحصر إذا أراد الحلّ كلّ موجب الإحصار ، فمن أوجب الحلق فقد جعله بعض الموجب ، وهذا خلاف النّصّ » . واستدلّ الشّافعيّة والحنابلة وأبو يوسف : « بفعله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية فإنّه حلق ، وأمر أصحابه أن يحلقوا ، ولمّا تباطئوا عظم عليه صلى الله عليه وسلم حتّى بادر فحلق بنفسه ، فأقبل النّاس فحلقوا وقصّروا ، فدعا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم اللّهمّ اغفر للمحلّقين قالوا : والمقصّرين ؟ ، فقال والمقصّرين في الثّالثة أو الرّابعة » . ولولا أنّ الحلق نسك ما دعا لهم رسول اللّه صلى الله عليه وسلم . وإذا كان نسكاً وجب فعله كما يجب عند القضاء لغير المحصر . واستدلّ لهم أيضاً بالآية { ولا تحلقوا رءوسكم حتّى يبلغ الهدي محلّه } . ووجه الاستدلال بها أنّ التّعبير بالغاية يقتضي " أن يكون حكم الغاية بضدّ ما قبلها ، فيكون تقديره ولا تحلقوا رءوسكم حتّى يبلغ الهدي محلّه فإذا بلغ فاحلقوا . وذلك يقتضي وجوب الحلق » .
    تحلّل المحصر لحقّ العبد
    43 - المحصر لحقّ العبد - على التّفصيل والخلاف السّابق - يكون تحليله على النّحو الآتي : عند الحنفيّة بأن يأتي من له الحقّ في الإحصار عملاً من محظورات الإحرام ناوياً التّحليل كقصّ شعر أو تقليم ظفر أو نحوهما ، ولا يكفي القول ، وعند المالكيّة على الرّاجح : يكون التّحلّل بنيّة المحصر ، فإن امتنع عن التّحلّل قام من كان الإحصار لحقّه بتحليله بنيّته أيضاً . وعند الشّافعيّة والحنابلة للزّوج تحليل زوجته ، وللأب تحليل ابنه ، وللسّيّد تحليل عبده في الأحوال السّابقة . ومعنى التّحليل عندهم على ما ذكروا في الزّوج والسّيّد : أن يأمر الزّوج زوجته بالتّحلّل ، فيجب عليها التّحلّل بأمره ، ويمتنع عليها التّحلّل قبل أمره . وتحلّلها كتحلّل المحصر بالذّبح ثمّ الحلق ، بنيّة التّحلّل فيهما . ولا يحصل التّحلّل إلاّ بما يحصل به تحلّل المحصر عند الشّافعيّة . ويقاس عليه تحليل الأب للابن أيضاً . ولو لم تتحلّل الزّوجة بعد أن أمرها زوجها بالتّحلّل ، فللزّوج أن يستمتع بها ، والإثم عليها .
    إحصار من اشترط في إحرامه التّحلّل إذا حصل له مانع
    معنى الاشتراط والخلاف فيه :
    44 - الاشتراط في الإحرام : هو أن يقول المحرم عند الإحرام : « إنّي أريد الحجّ " مثلاً ، أو " العمرة ، فإن حبسني حابس فمحلّي حيث حبستني » . وقد اختلفت المذاهب في مشروعيّة الاشتراط في الإحرام ، فذهب الحنفيّة والمالكيّة إلى أنّ الاشتراط في الإحرام غير مشروع ، ولا أثر له في إباحة التّحلّل وذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى مشروعيّة الاشتراط في الإحرام ، وأنّ له أثراً في التّحلّل . وتفصيله في مصطلح : ( إحرام ) .
    آثار الاشتراط :
    45 - أمّا عند الحنفيّة والمالكيّة المانعين لشرعيّة الاشتراط في الإحرام . فإنّ الاشتراط في الإحرام لا يفيد المحرم شيئاً ، ولا يجيز له أن يتحلّل إذا طرأ له مانع عن المتابعة ، من عدوّ ، أو مرض ، فلا يسقط عنه الهدي الّذي يتحلّل به المحصر عند الحنفيّة إذا أراد التّحلّل ، ولا يجزئه عن نيّة التّحلّل الّتي بها يتحلّل عند المالكيّة . ومذهب الشّافعيّة أنّ الاشتراط في الإحرام يفيد المحرم المشترط جواز التّحلّل إذا طرأ له مانع ممّا لا يعتبر سبباً للإحصار عند الشّافعيّة كالمرض ونفاد النّفقة ، وضلال الطّريق ، والأوجه في المرض أن يضبط بما يحصل معه مشقّة لا تحتمل عادةً في إتمام النّسك . ثمّ يراعي في كيفيّة التّحلّل ما شرطه عند الإحرام ، وفي هذا يقول الرّمليّ الشّافعيّ : إن شرطه بلا هدي لم يلزمه هدي ، عملاً بشرطه . وكذا لو أطلق - أي لم يتعرّض لنفي الهدي ولا لإثباته - لعدم شرطه ، ولظاهر خبر ضباعة . فالتّحلّل فيهما يكون بالنّيّة فقط . وإن شرطه بهدي لزمه ، عملاً بشرطه . ولو قال : إن مرضت فأنا حلال ، فمرض صار حلالاً بالمرض من غير نيّة وعليه حملوا خبر أبي داود وغيره بإسناد صحيح : « من كسر أو عرج فقد حلّ ، وعليه الحجّ من قابل » . وإن شرط قلب حجّه عمرةً بالمرض أو نحوه ، جاز ، كما لو شرط التّحلّل به ، بل أولى ، ولقول عمر لأبي أميّة سويد بن غفلة : حجّ واشترط ، وقل : اللّهمّ الحجّ أردت وله عمدت ، فإن تيسّر ، وإلاّ فعمرة رواه البيهقيّ بسند حسن . ولقول عائشة لعروة : هل تستثني إذا حججت ؟ فقال : ماذا أقول ؟ قالت : قل : اللّهمّ الحجّ أردت وله عمدت ، فإن يسّرته فهو الحجّ ، وإن حبسني حابس فهو عمرة . رواه الشّافعيّ والبيهقيّ بسند صحيح على شرط الشّيخين . فله في ذلك - أي إذا شرط قلب حجّه عمرةً - إذا وجد العذر أن يقلب حجّه عمرةً ، وتجزئه عن عمرة الإسلام . والأوجه أنّه لا يلزمه في هذه الحالة الخروج إلى أدنى الحلّ ولو بيسير ، إذ يغتفر في الدّوام ما لا يغتفر في الابتداء . ولو شرط أن ينقلب حجّه عمرةً عند العذر ، فوجد العذر ، انقلب حجّه عمرةً ، وأجزأته عن عمرة الإسلام ، بخلاف عمرة التّحلّل بالإحصار فإنّها لا تجزئ عن عمرة الإسلام ؛ لأنّها في الحقيقة ليست عمرةً ، وإنّما هي أعمال عمرة . وحكم التّحلّل بالمرض ونحوه حكم التّحلّل بالإحصار . وقال الحنابلة : يفيد الاشتراط عند الإحرام جواز التّحلّل على نحو ما قاله الشّافعيّ ، إلاّ أنّ الحنابلة توسّعوا ، فقالوا : يفيد اشتراط التّحلّل المطلق شيئين : أحدهما : أنّه إذا عاقه عائق من عدوّ ، أو مرض ، أو ذهاب نفقة ، ونحوه أنّ له التّحلّل . الثّاني : أنّه متى حلّ بذلك فلا دم عليه ولا صوم أي بدلاً عن الدّم - بل يحلّ بالحلق عليه التّحلّل . وهذا يوافق ما قاله الشّافعيّة ، إلاّ أنّ الحنابلة سوّوا في الاشتراط بين الموانع الّتي تعتبر سبباً للإحصار كالعدوّ ، وبين الموانع الّتي لا تعتبر سبباً للإحصار عندهم . أمّا الشّافعيّة فلم يجروا الاشتراط فيما يعتبر سبباً للإحصار . وملحظهم في ذلك أنّ التّحلّل بالإحصار جائز بلا شرط ، فشرطه لاغ . وإذا كان لاغياً ، لا يؤثّر في سقوط الدّم .
    تحلّل من أحصر عن الوقوف بعرفة دون الطّواف
    46 - هذا لا يعتبر محصراً عند الحنفيّة والحنابلة ، ويعتبر محصراً عند الشّافعيّة والمالكيّة ، ويتحلّل عند جميعهم بعمل عمرة ، على التّفصيل والاعتبار الخاصّ لهذه العمرة ، عند كلّ مذهب ، كما سبق . هذا وإنّ من أحصر عن الوقوف دون الطّواف إذا تحلّل قبل فوات وقت الوقوف بعرفة أجري عليه حكم المحصر . أمّا إن تأخّر في التّحلّل حتّى فات الوقوف أصبح حكمه حكم الفوات لا الحصر ، على ما قرّره المالكيّة . وهذا ينبغي أن يجري عند الشّافعيّ أيضاً . وقد قرّر الحنابلة أن يجري هذا الحكم عندهم إذا لم يفسخ الحجّ إلى عمرة حتّى فاته الحجّ .
    تحلّل من أحصر عن البيت دون الوقوف
    47 - من أحصر عن البيت دون الوقوف يعتبر محصراً عند الشّافعيّة والحنابلة ، على تفصيل سبق ذكره . وهذا يجب عليه أن يقف بعرفة ثمّ يتحلّل . ويحصل تحلّله بما يتحلّل به المحصر ، وهو الذّبح والحلق بنيّة التّحلّل فيهما . أمّا الحنفيّة والمالكيّة فلا يكون محصراً عندهم ، وعليه أن يأتي بطواف الإفاضة ، ويظلّ محرماً بالنّسبة للنّساء حتّى يفيض . وكذا هو عند الحنابلة إذا أحصر عن البيت بعد الرّمي ، على ما سبق بيانه . وكذا لو لم يتحلّل عند الشّافعيّة والحنابلة . ويؤدّي طواف الإفاضة بإحرامه الأوّل ؛ لأنّه ما دام لم يتحلّل التّحلّل الأكبر فإحرامه قائم ، إذ التّحلّل يكون بالطّواف ، ولم يوجد الطّواف ، فيكون الإحرام قائماً ، ولا يحتاج إلى إحرام جديد .
    تفريع على شروط تحلّل المحصر
    أجزية محظورات الإحرام قبل تحلّل المحصر :
    48 - يتفرّع على شروط التّحلّل للمحصر أنّ المحصر إذا لم يتحلّل ، ووقع في بعض محظورات الإحرام ، أو تحلّل لكن وقع قبل التّحلّل في شيء من محظورات الإحرام فإنّه يجب عليه من الجزاء ما يجب على المحرم غير المحصر ، باتّفاق المذاهب الأربعة . إلاّ أنّ الحنابلة فيما ذهب إليه أكثرهم وقال المرداويّ : إنّه المذهب . قالوا : من كان محصراً فنوى التّحلّل قبل ذبح الهدي - أو الصّوم عند عدم الهدي - لم يحلّ . لفقد شرطه ، وهو الذّبح أو الصّوم بالنّيّة : أي بنيّة التّحلّل ، ولزم دم لكلّ محظور فعله بعد التّحلّل ، ودم لتحلّله بالنّيّة . فزادوا على الجمهور دماً لتحلّله بالنّيّة ، ووجهه عندهم : أنّه عدل عن الواجب عليه من هدي أو صوم - أي عند عدم الهدي - فلزمه دم .
    ما يجب على المحصر بعد التّحلّل
    قضاء ما أحصر عنه المحرم قضاء النّسك الواجب الّذي أحصر عنه المحرم :
    49 - اتّفق الفقهاء على أنّه يجب على المحصر قضاء النّسك الّذي أحصر عنه إذا كان واجباً ، كحجّة الإسلام ، والحجّ والعمرة المنذورين عند جميعهم ، وكعمرة الإسلام عند الشّافعيّة والحنابلة ، ولا يسقط هذا الواجب عنه بسبب الإحصار . وهذا ظاهر ؛ لأنّ الخطاب بالوجوب لا يسقط عن المكلّف إلاّ بأداء ما وجب عليه . لكن الشّافعيّة فصلوا بين الواجب المستقرّ وبين الواجب غير المستقرّ ، فقالوا : « إن كان واجباً مستقرّاً كالقضاء ، والنّذر ، وحجّة الإسلام الّتي استقرّ وجوبها قبل هذه السّنة بقي الوجوب في ذمّته كما كان ، وإنّما أفاده الإحصار جواز الخروج منها ، وإن كان واجباً غير مستقرّ ، وهي حجّة الإسلام في السّنة الأولى من سني الإمكان سقطت الاستطاعة فلا حجّ عليه إلاّ أن تجتمع فيه شروط الاستطاعة بعد ذلك . فلو تحلّل بالإحصار ثمّ زال الإحصار والوقت واسع وأمكنه الحجّ من سنته استقرّ الوجوب عليه لوجود الاستطاعة لكن له أن يؤخّر الحجّ عن هذه السّنة لأنّ الحجّ على التّراخي » . 50 - أمّا من أحصر عن نسك التّطوّع فقد ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّه لا يجب عليه القضاء ، واستدلّوا بأنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم حين رجع عن البيت في عام الحديبية لم يأمر أحداً من أصحابه ولا ممّن كان معه أن يقضوا شيئاً ولا أن يعودوا لشيء ، ولا حفظ ذلك عنه بوجه من الوجوه ، ولا قال في العام المقبل : إنّ عمرتي هذه قضاء عن العمرة الّتي حصرت فيها . ولم ينقل ذلك عنه ، وإنّما سمّيت عمرة القضاء وعمرة القضيّة لأنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قاضى قريشاً وصالحهم في ذلك العام على الرّجوع عن البيت ، وقصده من قابل فسمّيت بذلك عمرة القضيّة . وصرّح ابن رشد من المالكيّة بوجوب القضاء على الزّوجة والسّفيه وعزاه إلى ابن القاسم روايةً عن مالك . وقال الدّردير : يجب القضاء على الزّوجة فقط . وعلّله الدّسوقيّ بأنّ الحجر على الزّوجة ضعيف ؛ لأنّه لحقّ غيرها ، بخلاف الحجر على السّفيه ومن يشبهه لأنّه لحقّ نفسه . وذهب الحنفيّة إلى أنّه يجب قضاء النّفل الّذي أحصر عنه المحرم ؛ لأنّ اعتمار النّبيّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه في العام المقبل من عام الحديبية إنّما كان قضاءً لتلك العمرة ، ولذلك قيل لها عمرة القضاء . وروي ذلك عن الإمام أحمد . وهي رواية مقابلة للصّحيح .
    ما يلزم المحصر في القضاء :
    51 - ذهب الحنفيّة إلى أنّ المحصر عن الحجّ إذا تحلّل وقضى فيما يستقبل يجب عليه حجّ وعمرة ، والقارن عليه حجّة وعمرتان . أمّا المعتمر فيقضي العمرة فقط . وعليه نيّة القضاء في ذلك كلّه . وذهب الأئمّة الثّلاثة إلى أنّ النّسك الّذي وجب فيه القضاء للتّحلّل بالإحصار يلزم فيه قضاء ما فاته بالإحصار فحسب ، إن حجّةً فحجّةً فقط ، وإن عمرةً فعمرةً ، وهكذا . وعليه نيّة القضاء عندهم أيضاً . استدلّ الحنفيّة بما روي عن بعض الصّحابة كابن مسعود وابن عبّاس ، فإنّهما قالا في المحصر بالحجّ : « عليه عمرة وحجّة " وذلك لا يكون إلاّ عن توقيف . وتابعهما في ذلك علقمة ، والحسن ، وإبراهيم ، وسالم ، والقاسم ، ومحمّد بن سيرين . واستدلّ الجمهور بحديث : « من كسر أو عرج فقد حلّ ، وعليه الحجّ من قابل » . وجه الاستدلال به أنّه لم يذكر العمرة ، ولو كانت واجبةً مع الحجّ لذكرها .
    موانع المتابعة بعد الوقوف بعرفة :
    52 - موانع المتابعة بعد الوقوف بعرفة لها حالان : الحال الأولى : أن تمنع من الإفاضة وما بعدها . الحال الثّانية : أن تمنع ممّا بعد طواف الإفاضة . سبق البحث فيمن منع من طواف الإفاضة ، هل يكون محصراً أو لا ، مع بيان الخلاف في ذلك . أمّا على القول بأنّه يتحقّق فيه الإحصار إذا استوفى المانع شروط الإحصار فحكم تحلّله حكم تحلّل المحصر ، بكلّ التّفاصيل الّتي سبقت . وأمّا على القول بأنّه لا يتحقّق فيه الإحصار فإنّه يظلّ محرماً حتّى يؤدّي طواف الإفاضة ، وهو مذهب الحنفيّة والمالكيّة . وعليه جزاء ما فاته من واجبات ، كما سيأتي .
    موانع المتابعة بعد طواف الإفاضة :
    53 - اتّفق العلماء على أنّ الحاجّ إذا منع عن المتابعة بعد أداء الوقوف بعرفة وطواف الإفاضة فليس بمحصر ، أيّاً كان المانع عدوّاً أو مرضاً أو غيرهما وليس له التّحلّل بهذا الإحصار ؛ لأنّ صحّة الحجّ لا تقف على ما بعد الوقوف والطّواف ، ويجب عليه فداء ترك ما تركه من أعمال الحجّ . فروع : ويتفرّع على هذين الأصلين فروع في المذاهب الفقهيّة هي . 54 - قال الحنفيّة : لو وقف بعرفة ، ثمّ عرض له مانع لا يكون محصراً شرعاً كما تقدّم ، ويبقى محرماً في حقّ كلّ شيء من محظورات الإحرام إن لم يحلق ، وإن حلق فهو محرم في حقّ النّساء لا غير إلى أن يطوف للزّيارة . وإن منع عن بقيّة أفعال حجّه بعد وقوفه حتّى مضت أيّام النّحر فعليه أربعة دماء مجتمعة ، لترك الوقوف بمزدلفة ، والرّمي ، وتأخير الطّواف ، وتأخير الحلق . وعليه دم خامس لو حلق في الحلّ ، بناءً على القول بوجوبه في الحرم ، وسادس لو كان قارناً أو متمتّعاً لفوات التّرتيب ، وعليه أن يطوف للزّيارة ولو إلى آخر عمره ، ويطوف للصّدر إن خلّى بمكّة وكان آفاقيّاً . وقال المالكيّة : لا يحلّ إلاّ بطواف الإفاضة إذا كان قدّم السّعي قبل الوقوف ثمّ حصر بعد ذلك . وأمّا إن كان حصر قبل سعيه فلا يحلّ إلاّ بالإفاضة والسّعي . وعليه هدي واحد للرّمي ومبيت ليالي منًى ونزول مزدلفة إذا تركها للحصر عنها ، كما لو تركها بنسيانها جميعها ، فإنّه يكون عليه هدي واحد . « وكأنّهم لاحظوا أنّ الموجب واحد ، لا سيّما وهو معذور » . وقال الشّافعيّة : إن كان الإحصار بعد الوقوف ، فإن تحلّل فذاك ، وإن لم يتحلّل حتّى فاته الرّمي والمبيت بمنًى فهو فيما يرجع إلى وجوب الدّم لفواتهما كغير المحصر . وقال الحنابلة : إن أحصر عن البيت بعد الوقوف بعرفة فله التّحلّل ؛ لأنّ الحصر يفيده التّحلّل من جميعه فأفاد التّحلّل من بعضه . وإن كان ما حصر عنه ليس من أركان الحجّ كالرّمي ، وطواف الوداع ، والمبيت بمزدلفة ، أو بمنًى في لياليها فليس له تحلّل الإحصار ؛ لأنّ صحّة الحجّ لا تقف على ذلك ، ويكون عليه دم لتركه ذلك ، وحجّه صحيح ، كما لو تركه من غير حصر .
    زوال الإحصار :
    55 - اختلفت المذاهب في الآثار المترتّبة على زوال الإحصار ، فعند الحنفيّة تأتي الأحوال الآتية . الحالة الأولى : أن يزول الإحصار قبل بعث الهدي مع إمكان إدراك الحجّ . والحالة الثّانية : أن يزول الإحصار بعد بعث الهدي ، وهناك متّسع لإدراك الهدي والحجّ جميعاً . ففي هاتين الحالتين يجب عليه المضيّ في موجب إحرامه وأداء النّسك الّذي أحرم به . الحالة الثّالثة : أن لا يقدر على بعث الهدي ولا الحجّ معاً . فلا يلزمه المضيّ ، ويجوز له التّحلّل ، لعدم الفائدة من المضيّ ، فتقرّر الإحصار ، فيتقرّر حكمه . فيصبر حتّى يتحلّل بنحر الهدي في الوقت الّذي واعد عليه . وله أن يتوجّه ليتحلّل بأفعال العمرة ؛ لأنّه فائت الحجّ . فإذا تحلّل يلزمه في القضاء أداء عمرة إضافةً لما فاته ، لما سبق . الحالة الرّابعة : أن يقدر على إدراك الهدي ولا يقدر على إدراك الحجّ . فلا يلزمه المضيّ في أداء الحجّ أيضاً ؛ لعدم الفائدة في إدراك الهدي بدون إدراك الحجّ ، إذ الذّهاب لأجل إدراك الحجّ ، فإذا كان لا يدركه فلا فائدة في الذّهاب ، فكانت قدرته على إدراك الهدي وعدمها بمنزلة واحدة . الحالة الخامسة : أن يقدر على إدراك الحجّ ولا يقدر على إدراك الهدي : قياس مذهب أبي حنيفة في هذا الوجه أن يلزمه المضيّ ، ولا يجوز له التّحلّل ؛ لأنّه إذا قدر على إدراك الحجّ لم يعجز عن المضيّ في الحجّ ، فلم يوجد عذر الإحصار ، فلا يجوز له التّحلّل ، ويلزمه المضيّ . ووجه الاستحسان أنّا لو ألزمناه التّوجّه لضاع ماله ؛ لأنّ المبعوث على يديه الهدي يذبحه ولا حصل مقصوده . والأولى في توجيه الاستحسان أن نقول : يجوز له التّحلّل ؛ لأنّه إذا كان لا يقدر على إدراك الهدي صار كأنّ الإحصار زال عنه بالذّبح ، فيحلّ بالذّبح عنه ؛ ولأنّ الهدي قد مضى في سبيله ، بدليل أنّه لا يجب الضّمان بالذّبح على من بعث على يده بدنةً ، فصار كأنّه قدر على الذّهاب بعد ما ذبح عنه ، واللّه أعلم . وأمّا المالكيّة فقالوا . أ - من أحصر فلمّا قارب أن يحلّ انكشف العدوّ قبل أن يحلق وينحر فله أن يحلّ ويحلق ، كما لو كان العدوّ قائماً إذا فاته الحجّ في عامه ، وهو أيضاً على بعد من مكّة .
    ب - إن انكشف الحصر وكان في الإمكان إدراك الحجّ في عامه فلا يحلّ .
    ج - وأمّا إن انكشف الحصر وقد ضاق الوقت عن إدراك الحجّ إلاّ أنّه بقرب مكّة لم يحلّ إلاّ بعمل عمرة ؛ لأنّه قادر على الطّواف والسّعي من غير كبير مضرّة . وأمّا الشّافعيّة فقالوا : أ - إن زال الإحصار وكان الوقت واسعاً بحيث يمكنه تجديد الإحرام وإدراك الحجّ ، وكان حجّه تطوّعاً ، فلا يجب عليه شيء .
    ب - وإن كان الوقت واسعاً وكانت الحجّة قد تقدّم وجوبها بقي وجوبها كما كان . والأولى أن يحرم بها في هذه السّنة ، وله التّأخير .
    ج - وإن كانت الحجّة حجّة الإسلام وجبت هذه السّنة بأن استطاع هذه السّنة دون ما قبلها فقد استقرّ الوجوب في ذمّته لتمكّنه ، والأولى أن يحرم بها في هذه السّنة ، وله التّأخير ؛ لأنّ الحجّ عند الشّافعيّة على التّراخي . انظر مصطلح ( حجّ ) .
    د - وإن كان الوقت ضيّقاً بحيث لا يمكنه إدراك الحجّ ، أي ولم يستقرّ الوجوب في ذمّته لكونها وجبت هذه السّنة - سقط عنه الوجوب في هذه السّنة ، فإن استطاع بعده لزمه ، وإلاّ فلا . وأمّا الحنابلة فقالوا : أ - إن لم يحلّ المحصر حتّى زال الحصر لم يجز له التّحلّل ؛ لأنّه زال العذر .
    ب - إن زال العذر بعد الفوات تحلّل بعمرة ، وعليه هدي للفوات ، لا للحصر ؛ لأنّه لم يحلّ بالحصر .
    ج - إن فاته الحجّ مع بقاء الحصر فله التّحلّل به ؛ لأنّه إذا حلّ بالحصر قبل الفوات فمعه أولى ، وعليه الهدي للحلّ ، ويحتمل أن يلزمه هدي آخر للفوات .
    د - إن حلّ بالإحصار ثمّ زال الإحصار وأمكنه الحجّ من عامه لزمه ذلك إن قلنا بوجوب القضاء أو كانت الحجّة واجبةً لأنّ الحجّ على الفور ، وإن لم نقل بوجوب القضاء ولم تكن الحجّة واجبةً فلا يجب شيء .
    زوال الإحصار بالعمرة :
    56 - معلوم أنّ وقت العمرة جميع العمر ، فلا يتأتّى فيها كلّ الحالات الّتي ذكرت في زوال الإحصار بالحجّ . ويتأتّى فيها عند الحنفيّة الأحوال التّالية : الحال الأولى : أن يزول الإحصار قبل البعث بالهدي . وهذا يلزمه التّوجّه لأداء العمرة ووجهه ظاهر وقد تقدّم . الحال الثّانية : أن يتمكّن بعد زوال الإحصار من إدراك الهدي والعمرة ، وهذا يلزمه التّوجّه لأداء العمرة أيضاً كما تقدّم . الحال الثّالثة : أن يتمكّن من إدراك العمرة فقط دون الهدي . وهذه حكمها في الاستحسان ألاّ يلزمه التّوجّه ، وفي القياس أن يلزمه التّوجّه . وأمّا المالكيّة فقالوا : أ - إن انكشف العدوّ عن المحصر بالعمرة وكان بعيداً من مكّة وبلغ أن يحلّ فله أن يحلّ .
    ب - وإن انكشف العدوّ وكان قريباً من مكّة " ينبغي ألاّ يتحلّل ، لأنّه قادر على فعل العمرة ، كما لو انكشف العدوّ في الحجّ والوقت متّسع » . أمّا الشّافعيّة والحنابلة فعندهم : أ - إن انصرف العدوّ قبل تحلّل المحصر بالعمرة لم يجز له التّحلّل ، ووجب عليه أداء العمرة .
    ب - إن انصرف العدوّ بعد التّحلّل وكانت العمرة الّتي تحلّل عنها واجبةً ، وجب عليه قضاؤها ، لكنّه لا يلزم به في وقت معيّن ؛ لأنّ العمرة غير مؤقّتة .
    ج - إن زال الحصر بعد التّحلّل وكانت العمرة تطوّعاً فعلى القول بعدم وجوب قضاء التّطوّع لا شيء عليه .

     
  3. #8
    توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future الصورة الرمزية توفيق
    تاريخ التسجيل
    11 / 09 / 2006
    الدولة
    فلسطين
    العمر
    52
    المشاركات
    4,013
    معدل تقييم المستوى
    4400

    افتراضي رد: الموسوعة الفقهية / الجزء الثاني

    تفريع على التّحلّل وزوال الإحصار :
    أ - ( فرع ) في تحلّل المحصر من الإحرام الفاسد ثمّ زوال إحصاره :
    57 - يتفرّع على تحلّل المحصر من الإحرام الفاسد ثمّ زوال إحصاره : أنّه إذا تحلّل المحصر من الإحرام الفاسد ، ثمّ زال الإحصار وفي الوقت متّسع ، فإنّه يقضي الحجّ الفاسد من سنته ، ويلزمه ذلك بناءً على من ذهب إلى أنّ القضاء على الفور . وهذه لطيفة : أن يتمكّن من قضاء الحجّ الفاسد في سنة الإفساد نفسها ، ولا يمكن أن يتحقّق ذلك إلاّ في هذه المسألة . وهذا متّفق عليه .
    ب - ( فرع ) في الإحصار بعد الإحصار :
    58 - إن بعث المحصر بالهدي إلى الحرم ثمّ زال إحصاره ، وحدث إحصار آخر ، فإن علم المحصر أنّه يدرك الهدي حيّاً ، ونوى به التّحلّل من إحصاره الثّاني بعد تصوّر إدراكه جاز وحلّ به ، إن صحّت شروطه ، وإن لم ينو لم يجز أصلاً . وهذا بناءً على مذهب الحنفيّة بوجوب بعث المحصر هديه إلى الحرم ، أمّا عند غيرهم فهو إحصار قبل التّحلّل ، يتحلّل منه بما يتحلّل من الإحصار السّابق واللّه تعالى أعلم .
    إحصان
    التّعريف
    1 - الإحصان في اللّغة : معناه الأصليّ المنع ، ومن معانيه : العفّة والتّزوّج والحرّيّة . ويختلف تعريفه في الاصطلاح بحسب نوعيه : الإحصان في الزّنا ، والإحصان في القذف . صفته ( حكمه التّكليفيّ ) :
    2 - أهمّ شروط إحصان الرّجم لعقوبة الزّنا : التّزوّج ، وهو ممّا تعتريه الأحكام التّكليفيّة الخمسة على تفصيل موطنه مصطلح « نكاح » . وأهمّ شروط إحصان القذف العفّة ، وهي مطلوبة شرعاً ، وورد فيها كثير من الآيات والأحاديث ، كقوله تعالى : { وليستعفف الّذين لا يجدون نكاحاً } .
    أنواع الإحصان : الإحصان نوعان :
    3 - أ - إحصان الرّجم : وهو مجموعة من الشّروط إذا توفّرت في الزّاني كان عقابه الرّجم فالإحصان هيئة يكوّنها اجتماع الشّروط الّتي هي أجزاؤه ، وهي ثمانية ، وكلّ جزء علّة . فكلّ واحد من تلك الأجزاء شرط وجوب الرّجم .
    4 - ب - إحصان القذف : وهو عبارة عن اجتماع صفات في المقذوف تجعل قاذفه مستحقّاً للجلد . وتختلف هذه الصّفات بحسب كيفيّة القذف : بالاتّهام بالزّنا ، أو بنفي النّسب .
    حكمة مشروعيّة الإحصان :
    5 - سيأتي أنّ إحصان الرّجم هو أن يكون حرّاً عاقلاً بالغاً مسلماً قد تزوّج امرأةً نكاحاً صحيحاً ودخل بها وهما على صفة الإحصان . والحكمة في اشتراط ذلك أنّ العقل والبلوغ شرط لأهليّة العقوبة ، إذ لا خطاب دونهما ، وما وراءهما يشترط لتكامل الجناية بواسطة تكامل النّعمة ، إذ كفران النّعمة يتغلّظ عند تكثّرها . وهذه الأشياء من جلائل النّعم ، وقد شرع الرّجم بالزّنا عند استجماعها فيناط به بخلاف الشّرف والعلم ؛ لأنّ الشّرع ما ورد به باعتبارهما ، ونصب الشّرع بالرّأي متعذّر ؛ ولأنّ الحرّيّة ممكّنة من النّكاح الصّحيح ، والنّكاح الصّحيح ممكّن من الوطء الحلال ، والإصابة شبع بالحلال ، والإسلام يمكّنه من نكاح المسلمة ويؤكّد اعتقاد الحرمة فيكون الكلّ مزجرةً عن الزّنا ، والجناية بعد توفّر الزّواجر أغلظ . وأمّا اشتراط العفّة في إحصان القذف فلأنّ غير العفيف لا يلحقه العار بنسبته إلى الزّنا ؛ لأنّ تحصيل الحاصل محال . ولو لحقه عار آخر فهو صدق ، وحدّ القذف للفرية لا للصّدق .
    شروط إحصان الرّجم :
    6 - اتّفق الفقهاء على بعض شروط الإحصان في جريمة الزّنا ، واختلفوا في البعض الآخر فمن الشّروط المتّفق عليها : أوّلاً وثانياً : البلوغ والعقل : وهما شرطان لأصل التّكليف ، فيجب توفّرهما في المحصن وغير المحصن وقت ارتكاب الجريمة ، فالوطء الّذي يحصن يشترط أن يكون من بالغ عاقل فإذا حصل الوطء من صبيّ ومجنون ثمّ بلغ أو عقل بعد الوطء لم يكن بالوطء السّابق محصناً . وإذا زنى عوقب بالجلد على أنّه غير محصن . وخالف في هذا بعض أصحاب الشّافعيّ وهو المرجوح في المذهب ، فقالوا : إنّ الواطئ يصير محصناً بالوطء قبل البلوغ وأثناء الجنون . وحجّتهم أنّ ذلك الوطء وطء مباح ، فيجب أن يثبت به الإحصان ، لأنّ النّكاح إذا صحّ قبل البلوغ وأثناء الجنون فإنّ الوطء يصبح تبعاً له . وحجّة جمهور الفقهاء أنّ الرّجم عقوبة الثّيّب ، ولو اعتبرت الثّيوبة حاصلةً بالوطء قبل البلوغ وأثناء الجنون لوجب رجم الصّغير والمجنون ، وهذا ما لا يقول به أحد . وعند مالك ، وهو الصّحيح عند الشّافعيّة ووجه للحنابلة ، أنّه يكفي أن تتوفّر شروط الإحصان في أحد الزّوجين ليكون محصناً بغضّ النّظر عمّا إذا كان الزّوج الآخر تتوفّر فيه هذه الشّروط أم لا ، إلاّ أنّ المالكيّة لا يعتبرون الزّوجة محصنةً إلاّ إذا كان واطئها بالغاً : فشرط تحصين الذّكر أن تتوفّر فيه شروط الإحصان مع إطاقة موطوءته له ولو كانت صغيرةً أو مجنونةً ، وتتحصّن الأنثى عند المالكيّة بتوفّر شروط الإحصان فيها وببلوغ واطئها ولو كان مجنوناً . واشترط الحنفيّة - وهو مقابل الصّحيح عند الشّافعيّة ووجه للحنابلة - البلوغ والعقل في الطّرفين عند الوطء ليكون كلّ منهما محصناً فإن توافر في أحدهما فقط لم يعتبر أيّ منهما محصناً . وللحنابلة وجه آخر بالنّسبة للصّغيرة الّتي لم تبلغ تسعاً ولا يشتهى مثلها فإنّه لا يعتبر وطء البالغ العاقل لها إحصاناً .
    7 - ثالثاً : الوطء في نكاح صحيح :
    يشترط لقيام الإحصان أن يوجد وطء في نكاح صحيح ، وأن يكون الوطء في القبل ، لقوله صلى الله عليه وسلم : « والثّيّب بالثّيّب الجلد والرّجم » ، والثّيوبة تحصل بالوطء في القبل ، ولا خلاف في أنّ عقد النّكاح الخالي من الوطء لا يحصل به إحصان ولو حصلت فيه خلوة صحيحة أو وطء فيما دون الفرج ، أو وطء في الدّبر ؛ لأنّ هذه أمور لا تعتبر بها المرأة ثيّباً ، ولا تخرج عن الأبكار اللاّئي حدّهنّ الجلد . والوطء المعتبر هو الإيلاج في القبل على وجه يوجب الغسل سواء أنزل أو لم ينزل . وإن كان الوطء في غير نكاح كالزّنى ووطء الشّبهة فلا يصير الواطئ به محصناً باتّفاق . ويشترط في النّكاح أن يكون صحيحاً ، فإن كان فاسداً فإنّ الوطء فيه لا يحصن ، وهذا رأي جمهور الفقهاء ؛ لأنّه وطء في غير ملك فلا يحصل به إحصان كوطء الشّبهة . ويشترط إذا كان الوطء في نكاح صحيح ألاّ يكون وطئاً محرّماً كالوطء في الحيض أو الإحرام ، فإنّ الوطء الّذي يحرّمه الشّارع لا يحصن ولو كان في النّكاح صحيح . وزاد المالكيّة اشتراط أن يكون النّكاح الصّحيح لازماً . ويترتّب على ذلك أنّه لو كان في أحد الزّوجين عيب أو غرر يثبت به الخيار فلا يتحقّق به الإحصان . وقال أبو ثور : يحصل الإحصان بالوطء في نكاح فاسد ، وحكي ذلك عن اللّيث والأوزاعيّ ؛ لأنّ الصّحيح والفاسد سواء في أكثر الأحكام مثل وجوب المهر وتحريم الرّبيبة وأمّ المرأة ولحوق الولد ، فكذلك في الإحصان .
    8 - ويتفرّع على اشتراط الوطء في القبل ما يلي : أ - وطء الخصيّ إذا كان لا يجامع ، وكذلك المجبوب والعنّين لا يحصن الموطوءة ، على أنّه إن جاءت بولد وثبت نسبه من الزّوج فالخصيّ والعنّين يحصنان الزّوجة ؛ لأنّ الحكم بثبوت النّسب حكم بالدّخول . والمجبوب عند أكثر العلماء لا تصير الزّوجة به محصنةً لعدم الآلة . ولا يتصوّر الجماع بدونها وثبوت حكم الإحصان يتعلّق بالجماع ، وخالف في ذلك زفر ؛ لأنّ الحكم بثبوت النّسب من المجبوب يجعل الزّوجة محصنةً .
    ب - وطء الرّتقاء لا يحصنها لانعدام الجماع مع الرّتق ، كما أنّه لا يصبح محصناً بذلك إلاّ إذا وطئ غيرها بالشّروط السّابقة .
    رابعاً الحرّيّة :
    9 - الرّقيق ليس بمحصن ولو مكاتباً أو مبعّضاً أو مستولدةً لأنّه على النّصف من الحرّ ، والرّجم لا نصف له وإيجابه كلّه يخالف النّصّ مع مخالفة الإجماع . قال اللّه تعالى : { فإن أتين بفاحشة فعليهنّ نصف ما على المحصنات من العذاب } . وخالف في ذلك أبو ثور وقال : العبد والأمة هما محصنان يرجمان إذا زنيا . وحكي عن الأوزاعيّ في العبد تحته حرّة هو محصن ، وإن كان تحته أمة لم يرجم . ثمّ ذهب الفقهاء إلى أنّ العبد إذا عتق مع امرأته الأمة فإن جامعها بعد العتق يكونا محصنين ، علما بالعتق أو لم يعلما . وكذا لو نكح الحرّ أمةً أو الحرّة عبد فلا إحصان إلاّ أن يطأها بعد العتق .
    خامساً : الإسلام :
    10 - أمّا شرط الإسلام فالشّافعيّ وأحمد وأبو يوسف من أصحاب أبي حنيفة لا يشترطون الإسلام في إحصان الرّجم ، فإن تزوّج المسلم ذمّيّةً فوطئها صارا محصنين ، لما روى مالك عن نافع عن ابن عمر أنّه قال : « جاء اليهود إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فذكروا له أنّ رجلاً منهم وامرأةً زنيا فأمر بهما رسول اللّه صلى الله عليه وسلم » . متّفق عليه ؛ ولأنّ الجناية بالزّنى استوت من المسلم والذّمّيّ ، فيجب أن يستويا في الحدّ . وعلى هذا يكون الذّمّيّان محصنين . وحدّهما الرّجم إذا زنيا فبالأولى إذا كانت الذّمّيّة زوجةً لمسلم . وجعل مالك وأبو حنيفة الإسلام شرطاً من شروط الإحصان ، فلا يكون الكافر محصناً ، ولا تحصن الذّمّيّة مسلماً عند أبي حنيفة ؛ لأنّ « كعب بن مالك لمّا أراد الزّواج من يهوديّة نهاه النّبيّ صلى الله عليه وسلم وقال : إنّها لا تحصنك » ، ولأنّه إحصان من شرطه الحرّيّة فكان الإسلام شرطاً فيه كإحصان القذف . وعلى هذا فالمسلم المتزوّج من كتابيّة إذا زنى يرجم عند أكثر الفقهاء ولا يرجم عند أبي حنيفة لأنّه لا يعتبر محصناً ؛ لأنّ الكتابيّة عنده لا تحصن المسلم . ونظراً لأنّ مالكاً - وهو الصّحيح عند الشّافعيّة ووجه عند الحنابلة - لا يعتبر توفّر شروط الإحصان في الزّوجين فقد قال برأي الجمهور : أنّ الذّمّيّة تحصن المسلم ، ويستحقّ الرّجم إذا زنى . أمّا وجود الكمال في الطّرفين بمعنى وجود شروط الإحصان في الواطئ والموطوءة حال الوطء الّذي يترتّب عليه الإحصان فيرى أبو حنيفة وأحمد - وهو رأي عند الشّافعيّ - أنّ هذا من شروط الإحصان ، فيطأ مثلاً الرّجل العاقل امرأةً عاقلةً . وإذا لم تتوفّر هذه الشّروط في أحدهما فهما غير محصنين . فالزّاني المتزوّج من مجنونة أو صغيرة غير محصن ولو كان هو نفسه عاقلاً بالغاً ، ولكنّ مالكاً لا يشترط هذا ويكفي عنده أن تتوفّر شروط الإحصان في أحد الزّوجين ليكون محصناً بغضّ النّظر عمّا إذا كان الآخر تتوفّر فيه هذه الشّروط أم لا .
    أثر الإحصان في الرّجم :
    11 - ممّا سبق يتبيّن ما اتّفق عليه الفقهاء من شروط الإحصان وما اختلفوا فيه ، وإذا كان بعض الفقهاء يوجب توفّر هذه الشّروط في كلّ من الزّوجين لاعتبار أحدهما محصناً فإنّ الفقهاء جميعاً لا يشترطون إحصان كلّ من الزّانيين ، فإذا كان أحدهما محصناً والثّاني غير محصن رجم المحصن وجلد غير المحصن ، لما روي « أنّ رجلاً من الأعراب أتى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول اللّه أنشدك اللّه إلاّ قضيت لي بكتاب اللّه ، وقال الخصم الآخر - وهو أفقه منه - : نعم فاقض بيننا بكتاب اللّه وأذن لي ، فقال صلى الله عليه وسلم قل ، فقال : إنّ ابني كان عسيفاً على هذا ، فزنى بامرأته ، وإنّي أخبرت أنّ على ابني الرّجم ، فافتديت منه بمائة شاة ووليدة فسألت أهل العلم فأخبروني أنّ على ابني جلد مائة وتغريب عام ، وأنّ على امرأة هذا الرّجم ، فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : والّذي نفسي بيده لأقضينّ بينكما بكتاب اللّه . الوليدة والغنم ردّ عليك ، وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام . واغد يا أنيس - لرجل من أسلم - إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها . قال : فغدا عليها فاعترفت ، فأمر بها رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فرجمت » . وممّا تجدر الإشارة إليه أنّه لا يجب بقاء النّكاح لبقاء الإحصان ، فلو نكح في عمره مرّةً ثمّ طلّق وبقي مجرّداً ، وزنى رجم .
    إثبات الإحصان :
    12 - يثبت الإحصان في الرّجم بالإقرار الصّحيح وهو ما صدر من عاقل مختار فيجب أن يكون المقرّ بالإحصان عاقلاً مختاراً ؛ لأنّ المكره والمجنون لا حكم لكلامهما كما يثبت بشهادة الشّهود ، ويرى مالك والشّافعيّ وأحمد وزفر أنّه يكفي في إثبات الإحصان شهادة رجلين ؛ لأنّه حالة في الشّخص لا علاقة لها بواقعة الزّنى ، فلا يشترط أن يشهد بالإحصان أربعة رجال كما هو الحال في الزّنى . ولكنّ أبا يوسف ومحمّداً يريان أنّ الإحصان يثبت بشهادة رجلين أو رجل وامرأتين . وكيفيّة الشّهادة أن يقول الشّهود : تزوّج امرأةً وجامعها أو باضعها ، ولو قال : دخل بها يكفي عند أبي حنيفة وأبي يوسف ؛ لأنّه متى اقترن الدّخول بحرف الباء يراد به الجماع ، وقال محمّد : لا يكفي ؛ لأنّ الدّخول يطلق على الخلوة بها .
    ثبوت حدّ المحصن :
    13 - اتّفق الفقهاء على وجوب رجم المحصن إذا زنى حتّى يموت ، رجلاً كان أو امرأةً ، مع خلاف في الجمع بين الجلد والرّجم . وعقوبة الرّجم ثابتة بالسّنّة والإجماع . فالرّجم ثابت عن الرّسول صلى الله عليه وسلم قولاً وفعلاً على تفصيل محلّه مصطلح « زنى » .
    إحصان القذف
    14 - لصيانة أعراض ذوي العفّة من الرّجال والنّساء حرّم اللّه قذف المحصنين والمحصنات ورتّب على ذلك عقوبةً دنيويّةً وأخرويّةً . شروط إحصان القذف :
    15 - المحصن الّذي يحدّ قاذفه هو من تتوفّر فيه الشّروط الآتية باتّفاق الفقهاء ، إذا كان القذف بالزّنا ، أمّا في حالة نفي النّسب فيشترط أبو حنيفة فضلاً عن ذلك أن تكون الأمّ مسلمةً وأن تكون حرّةً . أ - الحرّيّة : فلا حدّ على قاذف العبد والأمة .
    ب - الإسلام : فلا حدّ على قاذف مرتدّ أو كافر أصليّ ؛ لأنّه غير محصن . وإنّما اعتبر الكافر محصناً عند أكثر أهل العلم في حدّ الزّنا دون حدّ القذف لأنّ حدّه في الزّنا بالرّجم إهانة له ، وحدّ قاذف الكافر إكرام له ، والكافر ليس من أهل الإكرام . ج ، د - العقل والبلوغ : خرج الصّبيّ والمجنون لأنّه لا يتصوّر منهما الزّنا ، أو هو فعل محرّم ، والحرمة بالتّكليف ، وأبو حنيفة والشّافعيّ يشترطان البلوغ مطلقاً ، سواء أكان المقذوف ذكراً أم أنثى ، ولا يشترط مالك البلوغ في الأنثى ، ولكنّه يشترطه في الغلام ، ويعتبر الصّبيّة محصنةً إذا كانت تطيق الوطء ، أو كان مثلها يوطأ ولو لم تبلغ ، لأنّ مثل هذه الصّبيّة يلحقها العار . واختلفت الرّوايات عن أحمد في اشتراط البلوغ ، ففي رواية أنّ البلوغ شرط يجب توفّره في المقذوف ؛ لأنّه أحد شرطي التّكليف ، فأشبه العقل ؛ ولأنّ زنى الصّبيّ لا يوجب حدّاً ، فلا يجب الحدّ بالقذف به ، كزنى المجنون . وفي رواية ثانية أنّ البلوغ ليس شرطاً ، لأنّه حرّ عاقل عفيف يتعيّر بهذا القول الممكن صدقه ، فأشبه الكبير . وعلى هذه الرّواية لا بدّ أن يكون كبيراً ممّن يتأتّى منه الجماع . ويرجع فيه إلى اختلاف البلاد .
    هـ - العفّة عن الزّنى : معنى العفّة عن الزّنى ألاّ يكون المقذوف وطئ في عمره وطئاً حراماً في غير ملك ولا نكاح أصلاً ، ولا في نكاح فاسد فساداً مجمعاً عليه ، فإن كان قد فعل شيئاً من ذلك سقطت عفّته ، سواء كان الوطء زنًى موجباً للحدّ أم لا ، فالعفّة الفعليّة يشترطها الأئمّة الثّلاثة ، وأحمد يكتفي بالعفّة الظّاهرة عن الزّنى ، فمن لم يثبت عليه الزّنا ببيّنة أو إقرار ، ومن لم يحدّ للزّنا فهو عفيف . ثمّ إن كان القذف بنفي النّسب حدّ اتّفاقاً ، وإن كان بالزّنى فيمن لا يتأتّى منه الوطء فلا يحدّ قاذفه عند أبي حنيفة والشّافعيّ ومالك . وقالوا : لا حدّ على قاذف المجبوب ، وقال ابن المنذر : وكذلك الرّتقاء ، وقال الحسن : لا حدّ على قاذف الخصيّ ، لأنّ العار منتف عن هؤلاء للعلم بكذب القاذف ، والحدّ إنّما يجب لنفي العار . وعند أحمد يجب الحدّ على قاذف الخصيّ والمجبوب والمريض والرّتقاء والقرناء لعموم قوله تعالى : { والّذين يرمون المحصنات ثمّ لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدةً } . والرّتقاء داخلة في عموم هذا ، ولأنّه قاذف لمحصن فيلزمه الحدّ كقاذف القادر على الوطء ؛ ولأنّ إمكان الوطء أمر خفيّ لا يعلمه كثير من النّاس فلا ينتفي العار عند من لم يعلمه بدون الحدّ ، فيجب كقذف المريض .
    إثبات الإحصان في القذف
    16 - كلّ مسلم محمول على العفّة ما لم يقرّ بالزّنى ، أو يثبت عليه بأربعة عدول ، فإذا قذف إنسان بالزّنى فالمطالب بإثبات الزّنى وعدم العفّة هو القاذف ، لقوله تعالى : { والّذين يرمون المحصنات ثمّ لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدةً } . وأمّا المقذوف فلا يطالب بإثبات العفّة ؛ لأنّ النّاس محمولون عليها حتّى يثبت القاذف خلافه ، فإذا أقرّ القاذف بإحصان المقذوف ثبت الإحصان . وإن أنكر القاذف الإحصان فعليه أن يقيم البرهان على سقوط عفّة المقذوف ، فإن عجز عن الإثبات فليس له أن يحلّف المقذوف .
    سقوط الإحصان :
    17 - يسقط الإحصان بفقد شرط من شروطه ، فمن أصابه جنون أو عنّة أو رقّ بطل إحصانه . والمرتدّ يبطل إحصانه عند من يجعل الإسلام شرطاً في الإحصان . ولا حدّ على القاذف إذا تخلّف شرط من شروط الإحصان في المقذوف ، وإنّما عليه التّعزير إذا عجز عن إثبات صحّة ما قذف به . ويرى الأئمّة الثّلاثة توفّر شروط الإحصان إلى حالة إقامة الحدّ ، خلافاً لأحمد فإنّه يرى أنّ الإحصان لا يشترط إلاّ وقت القذف ولا يشترط بعده .
    أثر الإحصان في القذف :
    18 - إحصان المقذوف يوجب عقوبتين : جلد القاذف ، وهي عقوبة أصليّة ، وعدم قبول شهادته ، وهي عقوبة تبعيّة على تفصيل موطنه مصطلح : « قذف » .
    أثر الرّدّة على الإحصان بنوعيه :
    19 - لو ارتدّ المحصن لا يبطل إحصانه عند من لا يشترط الإسلام في الإحصان كالشّافعيّ وأحمد ، ويوافقهما أبو يوسف من أصحاب أبي حنيفة . وحجّتهم أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم رجم يهوديّين زنيا ، ولو كان الإسلام شرطاً في الإحصان ما رجمهما . ثمّ هذا داخل في عموم قوله صلى الله عليه وسلم : « أو زنًى بعد إحصان " ؛ ولأنّه زنًى بعد إحصان فكان حدّه الرّجم كالّذي لم يرتدّ . ونظراً لأنّ أبا حنيفة يجعل الإسلام شرطاً في الإحصان فالمحصن إذا ارتدّ يبطل إحصانه . وحجّته حديث الرّسول صلى الله عليه وسلم : « من أشرك باللّه فليس بمحصن » . فكذلك المرتدّ لا يبقى محصناً لفقد شرط من شروط الإحصان وهو الإسلام . وبهذا أخذ مالك ، وذهب إلى أنّه إذا ثبت للرّجل والمرأة حكم الإحصان سواء في إحصان الرّجم أو القذف ، ثمّ ارتدّ عن الإسلام فإنّه يسقط عنه حكم الإحصان ، فإن رجع إلى الإسلام لم يكن محصناً إلاّ بإحصان مستأنف . واستدلّ مالك على ذلك بقول اللّه تعالى : { لئن أشركت ليحبطنّ عملك } وهذا قد أشرك ، فوجب أن يحبط كلّ عمل كان عمله .
    إحلال
    التّعريف
    1 - الإحلال في اللّغة مصدر أحلّ ضدّ حرّم ، يقال : أحللت له الشّيء ، أي جعلته له حلالاً . ويأتي بمعنًى آخر وهو أحلّ لغة في حلّ ، أي دخل في أشهر الحلّ ، أو جاوز الحرم ، أو حلّ له ما حرم عليه من محظورات الحجّ . ولم يستعمل الفقهاء ، لفظ « إحلال " إلاّ للتّعبير عن معاني غيره من الألفاظ المشابهة مثل " استحلال ، وتحليل ، وتحلّل ، وحلول " فهي الّتي أكثر الفقهاء استعمالها ، لكنّهم استعملوا " الإحلال " بمعنى الإبراء من الدّين أو المظلمة . وأمّا استعمال البعض الإحلال بالمعنى اللّغويّ فيراد به الإطلاقات التّالية : أ - ففي مسألة الخروج من الإحرام عبّر الفقهاء بالتّحلّل ، أمّا التّعبير بالإحلال في هذه المسألة فهو لغويّ . ( ر : تحلّل ) .
    ب - وفي مسألة جعل المحرم حلالاً عبّر الفقهاء بالاستحلال ، سواء كان قصداً أو تأويلاً . ( ر : استحلال ) .
    ج - وفي المطلّقة ثلاثاً عبّروا بالتّحليل ( ر : تحليل ) .
    د - وفي الدّين المؤجّل إذا حلّ عبّروا بالحلول ( ر حلول ) . الحكم الإجماليّ :
    2 - يختلف الحكم بحسب اختلاف إطلاق لفظ ( إحلال ) على ما سبق في التّعريف . مواطن البحث :
    3 - يرجع في كلّ إطلاق إلى مصطلحه

     
  4. #9
    توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future الصورة الرمزية توفيق
    تاريخ التسجيل
    11 / 09 / 2006
    الدولة
    فلسطين
    العمر
    52
    المشاركات
    4,013
    معدل تقييم المستوى
    4400

    افتراضي رد: الموسوعة الفقهية / الجزء الثاني

    إحماء
    انظر : حمو إحياء .
    البيت الحرام
    التّعريف
    1 - الإحياء مصدر " أحيا " وهو جعل الشّيء حيّاً ، أو بثّ الحياة في الهامد ، ومنه قولهم : أحياه اللّه إحياءً ، أي جعله حيّاً ، وأحيا اللّه الأرض ، أي أخصبها بعد الجدب ، جاء في كتاب اللّه تعالى : { واللّه الّذي أرسل الرّياح فتثير سحاباً فسقناه إلى بلد ميّت فأحيينا به الأرض بعد موتها كذلك النّشور } . ولم يخرج استعمال الفقهاء لكلمة " إحياء " عن المعنى اللّغويّ ، فقالوا : « إحياء الموات " ، وأرادوا بذلك إنبات الأرض المجدبة ، وقالوا : إحياء اللّيل ، وإحياء ما بين العشاءين ، وأرادوا بذلك شغله بالصّلاة والذّكر ، وعدم تعطيله وجعله كالميّت في عطلته . وقالوا : إحياء البيت الحرام ، وأرادوا بذلك دوام وصله بالحجّ والعمرة ، وعدم الانقطاع عنه كالانقطاع عن الميّت ، وهكذا . وقالوا : إحياء السّنّة وأرادوا إعادة العمل بشعيرة من شعائر الإسلام بعد إهمال العمل بها . يختلف الإحياء بحسب ما يضاف إليه ، فهناك : أ - إحياء البيت الحرام .
    ب - إحياء السّنّة .
    ج - إحياء اللّيل .
    د - وإحياء الموات . والمراد بإحياء البيت الحرام عند الفقهاء عمارة البيت بالحجّ ، وبالعمرة أيضاً عند بعضهم ، تشبيهاً للمكان المعمور بالحيّ ، ولغير المعمور بالميّت .
    ( الحكم الإجماليّ )
    2 - نصّ المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة على أنّ إحياء البيت الحرام بالحجّ فرض كفاية كلّ عام على المسلمين في الجملة . وهذا لا يتعارض مع كونه فرض عين في العمر مرّة واحدة على كلّ من استطاع إليه سبيلاً كما هو معلوم من الدّين بالضّرورة ؛ لأنّ المسألة مفروضة فيما إذا لم يحجّ عدد من المسلمين فرضاً ولا تطوّعاً ممّن يحصل بهم الشّعار عرفاً في كلّ عام ، فإنّ الإثم يلحق الجميع ، إذ المقصود الأعظم ببناء الكعبة هو الحجّ ، فكان به إحياؤها ، ولما أخرجه عبد الرّزّاق في مصنّفه عن ابن عبّاس رضي الله عنهما : لو ترك النّاس زيارة هذا البيت عاماً واحداً ما أمطروا . ومثل الحجّ في ذلك العمرة عند الشّافعيّة والتّادليّ من المالكيّة . ولا يغني عنهما الطّواف والاعتكاف والصّلاة ونحو ذلك ، وإن كانت هذه الطّاعات واجبةً أيضاً في المسجد الحرام وجوباً على الكفاية ، فإنّ التّعظيم وإحياء البقعة يحصل بجميع ذلك . وتطبيقاً على هذا فقد نصّ المالكيّة على أنّه يجب على إمام المسلمين أن يرسل جماعةً في كلّ سنة لإقامة الموسم ، فإن لم يكن هناك إمام فعلى جماعة المسلمين . هذا ولم أجد فيما وقفت عليه نصّاً للحنفيّة على ذلك .
    ( مواطن البحث )
    3 - تناول الفقهاء حكم إحياء البيت الحرام بالتّفصيل في أوّل كتاب الجهاد ، لمناسبة حكم الجهاد ، وهو الوجوب الكفائيّ ، حيث تعرّضوا لتعريف الواجب على الكفاية وذكر شيء من فروض الكفايات وأحكامها ، كما ذكره بعضهم في أوّل كتاب الحجّ عند الكلام على حكم الحجّ . والّذين جمعوا أحكام المساجد في تآليف خاصّة ، أو عقدوا في كتبهم فصلاً خاصّاً بأحكام المسجد الحرام ، تعرّضوا له أيضاً كالبدر الزّركشيّ رحمه الله في كتابه : « إعلام السّاجد بأحكام المساجد » .
    إحياء السّنّة
    التّعريف
    1 - السّنّة : الطّريقة المسلوكة في الدّين . والمراد بإحياء السّنّة هنا : إعادة العمل بشعيرة من شعائر الإسلام بعد إهمال العمل بها .
    ( الحكم الإجماليّ ومواطن البحث ) :
    2 - إحياء السّنّة المماتة مطلوب شرعاً إمّا على سبيل فرض الكفاية ، وهو الأصل ، وإمّا على سبيل فرض العين ، وإمّا على سبيل النّدب . وتفصيل ذلك في مصطلح : أمر بالمعروف .
    إحياء اللّيل
    التّعريف
    1 - الإحياء في اللّغة جعل الشّيء حيّاً ، ويريد الفقهاء من قولهم : « إحياء اللّيل " قضاء اللّيل أو أكثره بالعبادة ، كالصّلاة والذّكر وقراءة القرآن ونحو ذلك . وبذلك تكون المدّة هي أكثر اللّيل ، ويكون العمل عامّاً في كلّ عبادة .
    ( الألفاظ ذات الصّلة ) : أ - قيام اللّيل :
    2 - المستفاد من كلام الفقهاء أنّ قيام اللّيل قد لا يكون مستغرقاً لأكثر اللّيل ، بل يتحقّق بقيام ساعة منه . أمّا العمل فيه فهو الصّلاة دون غيرها . وقد يطلقون قيام اللّيل على إحياء اللّيل . فقد قال في مراقي الفلاح : معنى القيام أن يكون مشتغلاً معظم اللّيل بطاعة ، وقيل ساعةً منه ، يقرأ القرآن أو يسمع الحديث أو يسبّح أو يصلّي على النّبيّ صلى الله عليه وسلم . وكلّ واحد منهما قد يسبقه نوم بعد صلاة العشاء وقد لا يسبقه نوم .
    ب - التّهجّد :
    3 - التّهجّد لا يكون إلاّ بعد نوم . ولكن يطلقه كثير من الفقهاء على صلاة اللّيل مطلقاً .
    مشروعيّته :
    4 - اتّفق الفقهاء على أنّه يندب إحياء اللّيالي الفاضلة الّتي ورد بشأنها نصّ ، كما يندب إحياء أيّ ليلة من اللّيالي ، لقول عائشة رضي الله عنها : « كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ينام أوّل اللّيل ويحيي آخره » ؛ لأنّ التّطوّع بالعبادة في اللّيل ، كالدّعاء والاستغفار في ساعاته مستحبّ استحباباً مؤكّداً ، وخاصّةً في النّصف الأخير من اللّيل ، ولا سيّما في الأسحار ، لقوله تعالى : { والمستغفرين بالأسحار } ، ولحديث جابر مرفوعاً : « إنّ في اللّيل لساعةً لا يوافقها رجل مسلم يسأل اللّه خيراً من أمر الدّنيا والآخرة إلاّ أعطاه اللّه إيّاه » رواه مسلم ، فهو ممّا يدخل في النّصوص الكثيرة الّتي تحضّ على العبادة .
    أنواعه
    5 - أ - إحياء ليال مخصوصة ورد نصّ بإحيائها كالعشر الأواخر من رمضان ، والعشر الأول من ذي الحجّة .
    ب - إحياء ما بين المغرب والعشاء من كلّ ليلة ، وهذان النّوعان موضوع البحث .
    الاجتماع لإحياء اللّيل :
    6 - كره الحنفيّة والشّافعيّة الاجتماع لإحياء ليلة من اللّيالي في المساجد غير التّراويح ، ويرون أنّ من السّنّة إحياء النّاس اللّيل فرادى . وذهب الشّافعيّة إلى أنّه يكره ذلك ، ويصحّ مع الكراهة . وأجاز الحنابلة إحياء اللّيل بصلاة قيام اللّيل جماعةً ، كما أجازوا صلاته منفرداً ، لأنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فعل الأمرين ، ولكن كان أكثر تطوّعه منفرداً ، فصلّى بحذيفة مرّةً ، وبابن عبّاس مرّةً ، وبأنس وأمّه مرّةً . وفرّق المالكيّة في الاجتماع على إحياء اللّيل بقيامه بين الجماعة الكثيرة والجماعة القليلة ، وبين المكان المشتهر والمكان غير المشتهر ، فأجازوا - بلا كراهة - اجتماع العدد القليل عليه إن كان اجتماعهم في مكان غير مشتهر ، إلاّ أن تكون اللّيلة الّتي يجتمعون لإحيائها من اللّيالي الّتي صرّح ببدعة الجمع فيها ، كليلة النّصف من شعبان ، وليلة عاشوراء ، فيكره .
    إحياء اللّيل كلّه :
    7 - صرّح الشّافعيّة والحنابلة بكراهة قيام اللّيل كلّه لحديث عائشة : « ما رأيت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قام ليلةً حتّى الصّباح » . رواه مسلم . واستثنوا إحياء ليال مخصوصة ، لحديث عائشة : « كان إذا دخل العشر الأواخر من رمضان أحيا اللّيل كلّه » . متّفق عليه .
    كيفيّته
    8 - يكون إحياء اللّيل بكلّ عبادة ، كالصّلاة ، وقراءة القرآن والأحاديث ، وسماعها ، وبالتّسبيح والثّناء والصّلاة والسّلام على النّبيّ صلى الله عليه وسلم . ويصلّي في إحياء اللّيل ولو ركعتين . والتّفصيل في عدد ما يصلّي وكونه مثنى أو رباع ، موطنه " قيام اللّيل » . وكما يجوز له أن يحيي اللّيل بالصّلاة يجوز له أن يحييه بالدّعاء والاستغفار ، فيستحبّ لمن أحيا اللّيل أن يكثر من الدّعاء والاستغفار في ساعات اللّيل كلّها . وآكده النّصف الأخير ، وأفضله عند الأسحار . وكان أنس بن مالك يقول : أمرنا أن نستغفر بالسّحر سبعين مرّةً . وقال نافع : كان ابن عمر يحيي اللّيل ، ثمّ يقول : يا نافع ، أسحرنا ؟ فأقول : لا ، فيعاود الصّلاة . ثمّ يسأل ، فإذا قلت : نعم ، قعد يستغفر . وعن إبراهيم بن حاطب عن أبيه قال : سمعت رجلاً في السّحر في ناحية المسجد يقول : يا ربّ أمرتني فأطعتك ، وهذا سحر ، فاغفر لي ، فنظرت فإذا هو ابن مسعود .
    إحياء اللّيالي الفاضلة :
    9 - اللّيالي الفاضلة الّتي وردت الآثار بفضلها هي : ليلة الجمعة ، وليلتا العيدين ، وليالي رمضان ، ويخصّ منها ليالي العشر الأواخر منه ، ويخصّ منها ليلة القدر ، وليالي العشر الأول من ذي الحجّة ، وليلة نصف شعبان ، واللّيلة الأولى من رجب . وحكم إحياء هذه اللّيالي فيما يلي : إحياء ليلة الجمعة :
    10 - نصّ الشّافعيّة على كراهة تخصيص ليلة الجمعة بقيام بصلاة ، لما رواه مسلم في صحيحه من قول رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : « لا تخصّوا ليلة الجمعة بقيام من بين اللّيالي » . أمّا إحياؤها بغير صلاة فلا يكره ، لا سيّما الصّلاة على النّبيّ صلى الله عليه وسلم فإنّ ذلك مطلوب فيها . ولا يكره إحياؤها مضمومةً إلى ما قبلها ، أو إلى ما بعدها ، أو إليهما ، قياساً على ما ذكروه في الصّوم . وظاهر كلام بعض الحنفيّة ندب إحيائها بغير الصّلاة ؛ لأنّ صاحب مراقي الفلاح ساق حديث : « خمس ليال لا يردّ فيهنّ الدّعاء : ليلة الجمعة ، وأوّل ليلة من رجب ، وليلة النّصف من شعبان ، وليلتا العيد » . ولم يعلّق عليه .
    إحياء ليلتي العيد
    11 - يندب إحياء ليلتي العيدين ( الفطر ، والأضحى ) باتّفاق الفقهاء . لقوله عليه الصلاة والسلام : « من قام ليلتي العيد محتسباً لم يمت قلبه يوم تموت القلوب » . وذهب الحنفيّة اتّباعاً لابن عبّاس إلى أنّه يحصل له ثواب الإحياء بصلاة العشاء جماعةً ، والعزم على صلاة الصّبح جماعةً .
    إحياء ليالي رمضان
    12 - أجمع المسلمون على سنّيّة قيام ليالي رمضان عملاً بقوله صلى الله عليه وسلم : « من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدّم من ذنبه » . ويخصّ منها العشر الأخير ، لأنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : « كان إذا كان العشر الأواخر طوى فراشه ، وأيقظ أهله ، وأحيا ليله » . وذلك طلباً لليلة القدر الّتي هي إحدى ليالي العشر الأخير من رمضان . قال صلى الله عليه وسلم : « اطلبوا ليلة القدر في العشر الأواخر » . وكلّ هذا لا خلاف فيه .
    إحياء ليلة النّصف من شعبان
    13 - ذهب جمهور الفقهاء إلى ندب إحياء ليلة النّصف من شعبان ، لقوله عليه الصلاة والسلام : « إذا كانت ليلة النّصف من شعبان فقوموا ليلها وصوموا نهارها ، فإنّ اللّه ينزل فيها لغروب الشّمس إلى السّماء الدّنيا ، فيقول : ألا من مستغفر فأغفر له ، ألا مسترزق فأرزقه ، ألا مبتلًى فأعافيه . . . كذا . . . كذا . . . حتّى يطلع الفجر » . وقوله صلى الله عليه وسلم : « إنّ اللّه يطّلع ليلة النّصف من شعبان ، فيغفر لجميع خلقه إلاّ لمشرك أو مشاحن » . وبيّن الغزاليّ في الإحياء كيفيّةً خاصّةً لإحيائها ، وقد أنكر الشّافعيّة تلك الكيفيّة واعتبروها بدعةً قبيحةً ، وقال الثّوريّ هذه الصّلاة بدعة موضوعة قبيحة منكرة .
    الاجتماع لإحياء ليلة النّصف من شعبان :
    14 - جمهور الفقهاء على كراهة الاجتماع لإحياء ليلة النّصف من شعبان ، نصّ على ذلك الحنفيّة والمالكيّة ، وصرّحوا بأنّ الاجتماع عليها بدعة وعلى الأئمّة المنع منه . وهو قول عطاء بن أبي رباح وابن أبي مليكة . وذهب الأوزاعيّ إلى كراهة الاجتماع لها في المساجد للصّلاة ؛ لأنّ الاجتماع على إحياء هذه اللّيلة لم ينقل عن الرّسول صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من أصحابه . وذهب خالد بن معدان ولقمان بن عامر وإسحاق بن راهويه إلى استحباب إحيائها في جماعة .
    إحياء ليالي العشر من ذي الحجّة :
    15 - نصّ الحنفيّة والحنابلة على ندب إحياء اللّيالي العشر الأول من ذي الحجّة . لما رواه التّرمذيّ عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : « ما من أيّام أحبّ إلى اللّه أن يتعبّد له فيها من عشر ذي الحجّة ، يعدل صيام كلّ يوم منها بصيام سنة ، وقيام كلّ ليلة منها بقيام ليلة القدر » .
    إحياء أوّل ليلة من رجب :
    16 - ذكر بعض الحنفيّة وبعض الحنابلة من جملة اللّيالي الّتي يستحبّ إحياؤها أوّل ليلة من رجب ، وعلّل ذلك بأنّ هذه اللّيلة من اللّيالي الخمس الّتي لا يردّ فيها الدّعاء ، وهي : ليلة الجمعة ، وأوّل ليلة من رجب ، وليلة النّصف من شعبان ، وليلتا العيد .
    إحياء ليلة النّصف من رجب :
    17 - ذهب بعض الحنابلة إلى استحباب إحياء ليلة النّصف من رجب .
    إحياء ليلة عاشوراء :
    18 - ذهب بعض الحنابلة إلى استحباب إحياء ليلة عاشوراء .
    إحياء ما بين المغرب والعشاء : مشروعيّته :
    19 - الوقت الواقع بين المغرب والعشاء من الأوقات الفاضلة ، ولذلك شرع إحياؤه بالطّاعات ، من صلاة - وهي الأفضل - أو تلاوة قرآن ، أو ذكر للّه تعالى من تسبيح وتهليل ونحو ذلك . وقد كان يحييه عدد من الصّحابة والتّابعين وكثير من السّلف الصّالح . كما نقل إحياؤه عن الأئمّة الأربعة . وقد ورد في إحياء هذا الوقت طائفة من الأحاديث الشّريفة ، وإن كان كلّ حديث منها على حدة لا يخلو من مقال ، إلاّ أنّها بمجموعها تنهض دليلاً على مشروعيّتها ، منها :
    1 - ما روته السّيّدة عائشة عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أنّه قال : « من صلّى بعد المغرب عشرين ركعةً بنى اللّه له بيتاً في الجنّة » .
    2 - وعن ابن عمر ، قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : « من صلّى بعد المغرب ستّ ركعات كتب من الأوّابين » . حكمه :
    20 - لا خلاف بين الفقهاء في أنّ إحياء ما بين المغرب والعشاء مستحبّ . وهو عند الشّافعيّة والمالكيّة مستحبّ استحباباً مؤكّداً . وكلام الحنابلة يفيده . عدد ركعاته :
    21 - اختلف في عدد ركعات إحياء ما بين العشاءين تبعاً لما ورد من الأحاديث فيها . فذهب جماعة إلى أنّ إحياء ما بين العشاءين ، يكون بستّ ركعات ، وبه أخذ أبو حنيفة ، وهو الرّاجح من مذهب الحنابلة . واستدلّوا على ذلك بحديث ابن عمر السّابق . وفي رواية عند الحنابلة أنّها أربع ركعات ، وفي رواية ثالثة أنّها عشرون ركعةً . وذهب الشّافعيّة إلى أنّ أقلّها ركعتان وأكثرها عشرون ركعةً . وذلك جمعاً بين الأحاديث الواردة في عدد ركعاتها . وذهب المالكيّة إلى أنّه لا حدّ لأكثرها ولكن الأولى أن تكون ستّ ركعات . وتسمّى هذه الصّلاة بصلاة الأوّابين ، للحديث السّابق . وتسمّى صلاة الغفلة . وتسميتها بصلاة الأوّابين لا تعارض ما في الصّحيحين من قوله صلى الله عليه وسلم : صلاة الأوّابين إذا رمضت الفصال " ، لأنّه لا مانع أن تكون كلّ من الصّلاتين صلاة الأوّابين .
    صلاة الرّغائب :
    22 - ورد خبر بشأن فضل صلاة تسمّى صلاة الرّغائب في أوّل ليلة جمعة من رجب ، بين العشاءين . وممّن ذكره الغزاليّ في الإحياء . وقد قال عنه الحافظ العراقيّ : إنّه موضوع . وقد نبّه الحجّاويّ في الإقناع على أنّ تلك الصّلاة بدعة لا أصل لها .
    إحياء الموات
    1 - الإحياء في اللّغة جعل الشّيء حيّاً ، والموات : الأرض الّتي خلت من العمارة والسّكّان . وهي تسمية بالمصدر . وقيل : الموات الأرض الّتي لا مالك لها ، ولا ينتفع بها أحد . وإحياء الموات في الاصطلاح هو كما قال الأتقانيّ شارح الهداية : التّسبّب للحياة النّامية ببناء أو غرس أو كرب ( حراثة ) أو سقي . وعرّفه ابن عرفة بأنّه لقب لتعمير داثر الأرض بما يقتضي عدم انصراف المعمر عن انتفاعه بها . وعرّفه الشّافعيّة بأنّه عمارة الأرض الخربة الّتي لا مالك لها ، ولا ينتفع بها أحد . وعرّفه الحنابلة بأنّه عمارة ما لم يجر عليه ملك لأحد ، ولم يوجد فيه أثر عمارة .
    ( الألفاظ ذات الصّلة ) :
    2 - من الألفاظ ذات الصّلة : التّحجير أو الاحتجار ، والحوز ، والارتفاق ، والاختصاص ، والإقطاع ، والحمى .
    أ - التّحجير :
    3 - التّحجير أو الاحتجار لغةً واصطلاحاً : منع الغير من الإحياء بوضع علامة ، كحجر أو غيره ، على الجوانب الأربعة وهو يفيد الاختصاص لا التّمليك .
    ب - الحوز والحيازة :
    4 - الحوز والحيازة لغةً الضّمّ والجمع . وكلّ من ضمّ إلى نفسه شيئاً فقد حازه . والمراد من الحيازة اصطلاحاً وضع اليد على الشّيء المحوز . وهي لا تفيد الملك عند الجمهور خلافاً لبعض المالكيّة . وتفصيله في مصطلح : « حيازة » .
    ج - الارتفاق :
    5 - الارتفاق بالشّيء لغةً الانتفاع به . وهو في الاصطلاح لا يخرج - في الجملة - عن المعنى اللّغويّ ، على خلاف فيما يرتفق به . وموضعه مصطلح : ( ارتفاق ) .
    د - الاختصاص :
    6 - الاختصاص بالشّيء في اللّغة : كونه لشخص دون غيره . وهو في الاصطلاح لا يخرج عن ذلك . والاختصاص أحد الطّرق المؤدّية إلى إحياء الموات .
    هـ - الإقطاع :
    7 - الإقطاع في اللّغة والاصطلاح : جعل الإمام غلّة أرض رزقاً للجند أو غيرهم . ونصّ الحنابلة وغيرهم على أنّ للإمام إقطاع الموات لمن يحييه ، فيكون أحقّ به كالمتحجّر الشّارع في الإحياء . وهو نوع من أنواع الاختصاص . وتفصيله في مصطلح ( إقطاع ) .
    صفة الإحياء ( حكمه التّكليفيّ ) :
    8 - حكمه الجواز ، لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « من أحيا أرضاً ميّتةً فهي له » . على أنّ الشّافعيّة ذهبوا إلى أنّه مستحبّ ، للحديث الّذي رواه النّسائيّ : « من أحيا أرضاً ميّتةً فله فيها أجر » . وحكمة مشروعيّته أنّه سبب لزيادة الأقوات والخصب للأحياء .
    أثر الإحياء
    ( حكمه الوضعيّ )
    9 - ذهب الجمهور إلى أنّ المحيي يملك ما أحياه إذا توافرت الشّروط ، وذلك للحديث السّابق ، خلافاً لبعض الحنفيّة ، كالفقيه أبي القاسم أحمد البلخيّ ، إذ قالوا : إنّه يثبت ملك الاستغلال لا ملك الرّقبة ، قياساً على السّبق للانتفاع بالمرافق العامّة ، كالمجالس ، وخلافاً لبعض الحنابلة الّذين ذهبوا إلى أنّ الذّمّيّ لا يملك الإحياء في دار الإسلام ، إنّما يملك الانتفاع .
    أقسام الموات :
    10 - الموات قسمان : أصليّ وهو ما لم يعمر قطّ ، وطارئ : وهو ما خرب بعد عمارته . الأراضي الّتي كانت جزائر وأنهاراً :
    11 - اتّفق الفقهاء على أنّ الأنهار والجزائر ونحوهما إذا انحسر عنها الماء فصارت أرضاً يابسةً ترجع إلى ما كانت عليه . فإن كانت مملوكةً لأحد أو وقفاً أو مسجداً عادت إلى المالك أو الوقف أو المسجد ، ولا يجوز إحياؤها ، لكن قيّد المالكيّة ذلك بما إذا كان المالك ملك الأرض بالشّراء ، فإن كان ملكها بالإحياء جاز للغير إحياؤها . واختلفوا فيما إذا لم تكن مملوكةً لأحد أو لم يعرف للأرض مالك : فذهب الحنفيّة إلى أنّ النّهر إذا كان بعيداً ، بحيث لا يعود إليه الماء ، تكون أرضه مواتاً يجوز إحياؤها . وكذلك الحكم إذا كان النّهر قريباً في ظاهر الرّواية ، وهو الصّحيح ؛ لأنّ الموات اسم لما لا ينتفع به ، فإذا لم يكن ملكاً لأحد ، ولا حقّاً خاصّاً له ، لم يكن منتفعاً به ، فكان مواتاً ، بعيداً عن البلد ، أو قريباً منها . وعلى رواية أبي يوسف رحمه الله تعالى - وهو قول الطّحاويّ الّذي اعتمده شمس الأئمّة - لا يكون مواتاً إذا كان قريباً ، وذلك لأنّ ما يكون قريباً من القرية لا ينقطع ارتفاق أهلها عنه ، فيدار الحكم عليه . وعند محمّد يعتبر حقيقة الانتفاع ، حتّى لا يجوز إحياء ما ينتفع به أهل القرية وإن كان بعيداً ، ويجوز إحياء ما لا ينتفعون به وإن كان قريباً من العامر .
    12 - واختلفوا في حدّ القرب والبعد . وأصحّ ما قيل فيه أن يقوم الرّجل على طرف عمران القرية ، فينادي بأعلى صوته ، فأيّ موضع ينتهي إليه صوته يكون من فناء العمران ؛ لأنّ أهل القرية يحتاجون إلى ذلك الموضع لرعي المواشي أو غيره ، وما وراء ذلك يكون من الموات . ورأى سحنون من المالكيّة ومن وافقه كمطرّف وأصبغ مثل ظاهر الرّواية في مذهب الحنفيّة ، غير أنّه لم يقيّد بجواز عود المياه ، لأنّ الأنهار الّتي لم ينشئها النّاس ليست ملكاً لأحد ، وإنّما هي طريق للمسلمين لا يستحقّها من كان يلي النّهر من جهتيه . وعند غيرهم أنّ باطن النّهر إذا يبس يكون ملكاً لصاحبي الأرض الّتي بجنب النّهر ، لكلّ واحد منهما ما يجاور أرضه مناصفةً . والحكم كذلك إذا مال النّهر عن مجراه إلى الأرض المجاورة له . ويستخلص من نصوص المالكيّة أنّهم لا يفرّقون في الحكم بين النّهر القريب والبعيد . وعند الشّافعيّة والحنابلة أنّ ما نضب عنه الماء من الأنهار والجزائر لا يجوز إحياؤه برغم أنّه لم يكن مملوكاً من قبل . وصرّح الشّافعيّة بأنّه ليس للسّلطان إعطاؤه لأحد . قالوا : « ولو ركب الأرض ماء أو رمل أو طين فهي على ما كانت عليه من ملك أو وقف . فإن لم يعرف مالك للأرض وانحسر ماء النّهر عن جانب منه لم يخرج عن كونه من حقوق المسلمين العامّة ، وليس للسّلطان إقطاعه - أي إعطاؤه - لأحد ، كالنّهر وحريمه . ولو زرعه أحد لزمه أجرته لصالح المسلمين ، ويسقط عنه قدر حصّته إن كانت له في مصالح المسلمين . نعم للإمام دفعه لمن يرتفق به بما لا يضرّ المسلمين . ومثله ما ينحسر عنه الماء من الجزائر في البحر . ويجوز زرعه ونحوه لمن لم يقصد إحياءه . ولا يجوز فيه البناء ولا الغراس ولا ما يضرّ المسلمين . وكلّ هذا إذا رجي عود مالك الأرض ، فإن لم يرج عوده كانت لبيت المال فللإمام إقطاعها رقبةً أو منفعةً إن لم يكن في تصرّفه جور ، لكن المقطع يستحقّ الانتفاع بها مدّة الإقطاع خاصّةً » .
    13 - وفي المغني : وما نضب عنه الماء من الجزائر لم يملك بالإحياء . قال أحمد في رواية العبّاس بن موسى : إذا نضب الماء عن جزيرة إلى فناء رجل لم يبن فيها ، لأنّ فيه ضرراً ، وهو أنّ الماء يرجع . يعني أنّه يرجع إلى ذلك المكان . فإذا وجده مبنيّاً رجع إلى الجانب الآخر فأضرّ بأهله ؛ ولأنّ الجزائر منبت الكلأ والحطب فجرت مجرى المعادن الظّاهرة . وقد قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « لا حمى في الأراك » . وقال أحمد في رواية حرب : يروى عن عمر أنّه أباح الجزائر . يعني أباح ما ينبت في الجزائر من النّبات . وقال : « إذا نضب الفرات عن شيء ، ثمّ نبت عن نبات ، فجاء رجل يمنع النّاس منه فليس له ذلك ، فأمّا إن غلب الماء على ملك إنسان ثمّ عاد فنضب عنه فله أخذه ، فلا يزول ملكه بغلبة الماء عليه . وإن كان ما نضب عنه الماء لا ينتفع به أحد فعمره رجل عمارةً لا تردّ الماء ، مثل أن يجعله مزرعةً ، فهو أحقّ به من غيره ؛ لأنّه متحجّر لما ليس لمسلم فيه حقّ ، فأشبه التّحجّر في الموات » .
    إذن الإمام في الإحياء :
    14 - فقهاء المذاهب مختلفون في أرض الموات هل هي مباحة فيملك كلّ من يحقّ له الإحياء أن يحييها بلا إذن من الإمام ، أم هي ملك للمسلمين فيحتاج إحياؤها إلى إذن ؟ ذهب الشّافعيّة والحنابلة وأبو يوسف ومحمّد إلى أنّ الإحياء لا يشترط فيه إذن الإمام ، فمن أحيا أرضاً مواتاً بلا إذن من الإمام ملكها . وذهب الإمام أبو حنيفة إلى أنّه يشترط إذن الإمام ، سواء أكانت الأرض الموات قريبةً من العمران أم بعيدةً . واشترط المالكيّة إذن الإمام في القريب قولاً واحداً . ولهم في البعيد طريقان : طريق اللّخميّ وابن رشد أنّه لا يفتقر لإذن الإمام ، والطّريق الآخر أنّه يحتاج للإذن . والمفهوم من نصوص المالكيّة أنّ العبرة بما يحتاجه النّاس وما لا يحتاجونه ، فما احتاجوه فلا بدّ فيه من الإذن ، وما لا فلا . احتجّ الجمهور بعموم قوله صلى الله عليه وسلم : « من أحيا أرضاً فهي له » ؛ ولأنّ هذه عين مباحة فلا يفتقر ملكها إلى إذن الإمام كأخذ الحشيش ، والحطب . واحتجّ أبو حنيفة بقوله صلى الله عليه وسلم : « ليس للمرء إلاّ ما طابت به نفس إمامه » ، وبأنّ هذه الأراضي كانت في أيدي الكفرة ثمّ صارت في أيدي المسلمين ، فصارت فيئاً ، ولا يختصّ بالفيء أحد دون رأي الإمام ، كالغنائم ؛ ولأنّ إذن الإمام يقطع المشاحّة . والخلاف بين الإمام وصاحبيه في حكم استئذان الإمام في تركه من المحيي المسلم جهلاً . أمّا إن تركه متعمّداً تهاوناً بالإمام ، كان له أن يستردّ الأرض منه زجراً له . وكلّ هذا في المحيي المسلم في بلاد الإسلام .
    15 - أمّا بالنّسبة لإحياء الذّمّيّ في بلاد الإسلام فقال الحنابلة : الذّمّيّ كالمسلم في الإحياء بالنّسبة لإذن الإمام . وقال المالكيّة : الذّمّيّ كالمسلم فيه إلاّ في الإحياء في جزيرة العرب فلا بدّ فيه من الإذن . واشترط الحنفيّة في إحياء الذّمّيّ إذن الإمام اتّفاقاً بين أبي حنيفة وصاحبيه حسبما ورد في شرح الدّرّ . ومنعوا الإحياء للمستأمن في جميع الأحوال . ولم يجوّز الشّافعيّة إحياء الذّمّيّ في بلاد الإسلام مطلقاً .
    ما يجوز إحياؤه وما لا يجوز :
    16 - أجمع فقهاء المذاهب على أنّ ما كان مملوكاً لأحد أو حقّاً خاصّاً له أو ما كان داخل البلد لا يكون مواتاً أصلاً فلا يجوز إحياؤه . ومثله ما كان خارج البلد من مرافقها محتطباً لأهلها أو مرعًى لمواشيهم ، حتّى لا يملك الإمام إقطاعها . وكذلك أرض الملح والقار ونحوهما ، ممّا لا يستغني المسلمون عنه ، ولا يجوز إحياء ما يضيق على وارد أو يضرّ بماء بئر . ونصّ الشّافعيّة في الأصحّ عندهم ، والحنابلة ، على أنّه لا يجوز إحياء في عرفة ولا المزدلفة ولا منًى ، لتعلّق حقّ الوقوف بعرفة والمبيت بمزدلفة ومنًى بالمسلمين ، ولما فيه من التّضييق في أداء المناسك ، واستواء النّاس في الانتفاع بهذه المحالّ . وقال الزّركشيّ من الشّافعيّة : وينبغي إلحاق المحصّب بذلك لأنّه يسنّ للحجيج المبيت به . وقال الوليّ العراقيّ : ليس المحصّب من مناسك الحجّ . فمن أحيا شيئاً منه ملكه .
    17 - وأجمع الفقهاء أيضاً على أنّ الأرض المحجّرة لا يجوز إحياؤها ؛ لأنّ من حجّرها أولى بالانتفاع بها من غيره . فإن أهملها فلفقهاء المذاهب تفصيلات : فالحنفيّة وضعوا مدّةً قصوى للاختصاص الحاصل بالتّحجير هي ثلاث سنوات ، فإن لم يقم بإحيائها أخذها الإمام ودفعها إلى غيره . والتّقدير بذلك مرويّ عن عمر ، فإنّه قال : ليس لمتحجّر بعد ثلاث سنين حقّ . وذهب المالكيّة إلى أنّ من أهمل الأرض الّتي حجّرها بأن لم يعمل فيها ، مع قوّته على العمل من ذلك الحين إلى ثلاث سنوات ، فإنّها تؤخذ منه ، عملاً بالأثر السّابق ، ولم يعتبروا التّحجّر إحياءً إلاّ إذا جرى العرف باعتباره كذلك . وذهب الحنابلة في أحد وجهين عندهم إلى أنّ التّحجير بلا عمل لا يفيد ، وأنّ الحقّ لمن أحيا تلك الأرض ؛ لأنّ الإحياء أقوى من التّحجير . وذهب الشّافعيّة ، وهو الوجه الثّاني عند الحنابلة إلى أنّه إذا أهمل المتحجّر إحياء الأرض مدّةً غير طويلة عرفاً ، وجاء من يحييها ، فإنّ الحقّ للمتحجّر ؛ لأنّ مفهوم قوله عليه الصلاة والسلام : « من أحيا أرضاً ميّتةً ليست لأحد » - وقوله : « في غير حقّ مسلم فهي له » أنّها لا تكون له إذا كان فيها حقّ . وكذلك قوله : « من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو أحقّ به » . وروى سعيد بن منصور في سننه أنّ عمر رضي الله عنه قال : من كانت له أرض - يعني من تحجّر أرضاً - فعطّلها ثلاث سنين ، فجاء قوم فعمروها ، فهم أحقّ بها وهذا يدلّ على أنّ من عمّرها قبل ثلاث سنين لا يملكها ؛ لأنّ الثّاني أحيا في حقّ غيره ، فلم يملكه ، كما لو أحيا ما يتعلّق به مصالح ملك غيره ؛ ولأنّ حقّ المتحجّر أسبق ، فكان أولى ، كحقّ الشّفيع ، يقدّم على شراء المشتري . فإن مضت مدّة طويلة على الإهمال بحسب العرف بلا عذر أنذره الإمام ؛ لأنّه ضيّق على النّاس في حقّ مشترك بينهم ، فلم يمكّن من ذلك ، كما لو وقف في طريق ضيّق أو شرعة ماء أو معدن ، لا ينتفع ، ولا يدع غيره ينتفع . فإن استمهل بعذر أمهله الإمام والإمهال لعذر يكون الشّهر والشّهرين ونحو ذلك . فإن أحيا غيره في مدّة المهلة فللحنابلة فيه الوجهان السّابقان . وإن انقضت المدّة ولم يعمر فلغيره أن يعمره ويملكه ؛ لأنّ المدّة ضربت له لينقطع حقّه بمضيّها .
    حريم العامر والآبار والأنهار وغيرها :
    18 - اتّفق الفقهاء على أنّه لا يجوز إحياء حريم المعمور ، وأنّه لا يملك بالإحياء . وكذلك حريم البئر المحفورة في الموات وحريم النّهر . والمراد بحريم المعمور ما تمسّ الحاجة إليه لتمام الانتفاع به ، وهو ملك لمالك المعمور ، بمعنى أنّ له أن يمنع غيره من إحيائه بجعله داراً مثلاً ، وليس له منع المرور فيه ، ولا المنع من رعي كلأ فيه ، والاستقاء من ماء فيه ، ونحو ذلك . والدّار المحفوفة بدور لا حريم لها . وحريم البئر ما لو حفر فيه نقص ماؤها ، أو خيف انهيارها . ويختلف ذلك بصلابة الأرض ورخاوتها .
    19 - واختلف الفقهاء في مقدار حريم البئر والعين والنّهر والشّجر . فقال الحنفيّة : إنّ حريم بئر العطن ( وهي الّتي يستقى منها للمواشي ) أربعون ذراعاً . قيل : الأربعون من الجوانب الأربع من كلّ جانب عشرة . والصّحيح أنّ المراد أربعون ذراعاً من كلّ جانب . وأمّا حريم البئر النّاضح ( وهي أن يحمل البعير الماء من نهر أو بئر لسقي الزّرع ) فهو ستّون ذراعاً في قول أبي يوسف ومحمّد . وقال أبو حنيفة : لا أعرف إلاّ أنّه أربعون ذراعاً . وبه يفتى . ومن أحيا نهراً في أرض موات فقال بعضهم : إنّ عند أبي حنيفة لا يستحقّ له حريماً ، وعندهما يستحقّ . والصّحيح أنّه يستحقّ له حريماً بالإجماع . وذكر في النّوازل : وحريم النّهر من كلّ جانب نصفه عند أبي يوسف . وقال محمّد من كلّ جانب بمقدار عرض النّهر . والفتوى على قول أبي يوسف . ومن أخرج قناةً في أرض موات استحقّ الحريم بالإجماع . وحريمها عند محمّد حريم البئر . إلاّ أنّ المشايخ زادوا على هذا فقالوا : القناة في الموضع الّذي يظهر فيه الماء على وجه الأرض منزلة العين الفوّارة ، حريمها خمسمائة ذراع بالإجماع . أمّا في الموضع الّذي لا يقع الماء على الأرض فحريمها مثل النّهر . وقالوا : إنّ حريم الشّجرة خمسة أذرع . المالكيّة والشّافعيّة متّفقون على أنّ البئر ليس لها حريم مقدّر ، فقد قال المالكيّة : « أمّا البئر فليس لها حريم محدود لاختلاف الأرض بالرّخاوة والصّلابة ، ولكن حريمها ما لا ضرر معه عليها . وهو مقدار ما لا يضرّ بمائها ، ولا يضيّق مناخ إبلها ولا مرابض مواشيها عند الورود . ولأهل البئر منع من أراد أن يحفر بئراً في ذلك الحريم . وقالوا : إنّ للنّخلة حريماً ، وهو قدر ما يرى أنّ فيه مصلحتها ، ويترك ما أضرّ بها ، ويسأل عن ذلك أهل العلم . وقد قالوا : من اثني عشر ذراعاً من نواحيها كلّها إلى عشرة أذرع ، وذلك حسن . ويسأل عن الكرم أيضاً وعن كلّ شجرة أهل العلم به ، فيكون لكلّ شجرة بقدر مصلحتها » . وقال الشّافعيّة : إنّ حريم البئر المحفورة في الموات ( هي ما كانت مطويّةً ، وينبع الماء منها ) : موقف النّازح منها ، والحوض الّذي يصبّ فيه النّازح الماء ، وموضع الدّولاب ( وهو ما يستقي به النّازح ، وما يستقي به بالدّابّة ) والموضع الّذي يجتمع فيه لسقي الماشية والزّرع من حوض ونحوه ، ومتردّد الدّابّة ، والموضع الّذي يطرح فيه ما يخرج من الحوض ونحوه ، كلّ ذلك غير محدّد ، وإنّما هو بحسب الحاجة . وحريم آبار القناة ( وهي المحفورة من غير طيّ ليجتمع الماء فيها ويؤخذ لنحو المزارع ) : ما لو حفر فيه نقص ماؤها ، أو خيف سقوطها . ويختلف ذلك بصلابة الأرض ورخاوتها . ومذهب الحنابلة كمذهب الجمهور في أنّه لا يجوز إحياء حريم البئر والنّهر والعين ، غير أنّهم انفردوا بأنّه بحفر بئر يملك حريمها . أمّا تقدير الحنابلة للحريم من كلّ جانب في بئر قديمة فهو خمسون ذراعاً وفي غيرها خمس وعشرون . وحريم عين وقناة خمسمائة ذراع ، ونهر من جانبيه : ما يحتاج إليه لطرح كرايته ( أي ما يلقى من النّهر طلباً لسرعة جريه ) ، وحريم شجرة : قدر مدّ أغصانها ، وحريم أرض تزرع : ما يحتاج إليه لسقيها وربط دوابّها وطرح سبخها ونحوه .
    إحياء الموات المقطّع :
    20 - يقال في اللّغة : أقطع الإمام الجند البلد إقطاعاً أي جعل لهم غلّتها رزقاً ، واصطلاحاً إعطاء موات الأرض لمن يحييها ، وذلك جائز لما روى وائل بن حجر « أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أقطعه أرضاً ، فأرسل معه معاوية : أن أعطها إيّاه ، أو أعلمها إيّاه » . ولا بدّ قبل بيان حكم هذا الإحياء من بيان حكم الإقطاع ؛ لأنّه إمّا أن يكون بصيغته إقطاع تمليك ، أو إقطاع إرفاق ( انتفاع ) . فإن كان إقطاع إرفاق فالكلّ مجمع على أنّه لا يفيد بذاته تمليكاً للرّقبة ، إن كان إقطاع تمليك فإنّه يمتنع به إقدام غير المقطع على إحيائه ؛ لأنّه ملك رقبته بالإقطاع نفسه ، خلافاً للحنابلة ، فإنّهم ذهبوا إلى أنّ إقطاع الموات مطلقاً لا يفيد تملّكاً ، لكنّه يصير أحقّ به من غيره . أمّا إذا كان الإقطاع مطلقاً ، أو مشكوكاً فيه ، فإنّه يحمل على إقطاع الإرفاق ؛ لأنّه المحقّق .
    الحمى :
    21 - الحمى لغةً : ما منع النّاس عنه ، واصطلاحاً : أن يمنع الإمام موضعاً لا يقع فيه التّضييق على النّاس للحاجة العامّة لذلك ، لماشية الصّدقة ، والخيل الّتي يحمل عليها . وقد كان للرّسول صلى الله عليه وسلم أن يحمي لنفسه وللمسلمين ، لقوله في الخبر : { لا حمى إلاّ للّه ولرسوله } ، لكنّه لم يحم لنفسه شيئاً ، وإنّما حمى للمسلمين ، فقد روى ابن عمر ، قال : « حمى النّبيّ صلى الله عليه وسلم النّقيع لخيل المسلمين » . وأمّا سائر أئمّة المسلمين فليس لهم أن يحموا لأنفسهم شيئاً ، ولكن لهم أن يحموا مواضع لترعى فيها خيل المجاهدين ، ونعم الجزية ، وإبل الصّدقة ، وضوالّ النّاس ، على وجه لا يتضرّر به من سواه من النّاس . وهذا مذهب الأئمّة أبي حنيفة ومالك وأحمد والشّافعيّ في صحيح قوليه . وقال في الآخر : ليس لغير النّبيّ صلى الله عليه وسلم أن يحمي ، لقوله عليه الصلاة والسلام : « لا حمى إلاّ للّه ورسوله » . واستدلّ الجمهور بأنّ عمر وعثمان حميا ، واشتهر ذلك في الصّحابة ، فلم ينكر عليهما ، فكان إجماعاً . وما حماه النّبيّ صلى الله عليه وسلم فليس لأحد نقضه ولا تغييره مع بقاء الحاجة إليه ، ومن أحيا منه شيئاً لم يملكه . وإن زالت الحاجة إليه ، ودعت حاجة لنقضه ، فالأظهر عند الشّافعيّة جواز نقضه . وعند الحنابلة وجهان . واستظهر الحطّاب من المالكيّة جواز نقضه إن لم يقم الدّليل على إرادة الاستمرار . وما حماه غيره من الأئمّة فغيره هو أو غيره من الأئمّة جاز ، وإن أحياه إنسان ملكه في أحد الوجهين للحنابلة ؛ لأنّ حمى الأئمّة اجتهاد ، وملك الأرض بالإحياء نصّ ، والنّصّ يقدّم على الاجتهاد . والوجه الآخر للحنابلة : لا يملكه ؛ لأنّ اجتهاد الإمام لا يجوز نقضه ، كما لا يجوز نقض حكمه . ومذهب الشّافعيّ ، كذلك .
    من يحقّ له الإحياء
    أ - في بلاد الإسلام :
    22 - والمراد بها كما بيّن القليوبيّ : ما بناه المسلمون ، كبغداد والبصرة ، أو أسلم أهله عليه ، كالمدينة واليمن ، أو فتح عنوةً ، كخيبر ومصر وسواد العراق ، أو صلحاً والأرض لنا وهم يدفعون الجزية . والحكم في هذه البلاد أنّ عمارتها فيء ، ومواتها متحجّر لأهل الفيء . وقد اتّفق الفقهاء على أنّ المسلم البالغ العاقل الحرّ له الحقّ في أن يحيي الأرض الموات الّتي في بلاد الإسلام على نحو ما سبق . واختلفوا فيما وراء ذلك ، فذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ الذّمّيّ كالمسلم في حقّ الإحياء في بلاد الإسلام ، لكنّ مطرّفاً وابن الماجشون من المالكيّة منعا من إحيائه في جزيرة العرب ( مكّة والمدينة والحجاز كلّه والنّجود واليمن ) . وقال غيرهما : لو قيل إنّ حكم الذّمّيّين في ذلك حكم المسلمين لم يبعد ، كما كان لهم ذلك فيما بعد من العمران . وجاء في شرح الهداية : « أنّ الذّمّيّ يملك بالإحياء كما يملكه المسلم " من غير تقييد بإذن الإمام في ذلك عند الصّاحبين اللّذين لا يشترطان إذن الإمام للمسلم . وعلّل الشّارح ذلك بأنّ الإحياء سبب الملك ، فيستوي في ذلك المسلم والذّمّيّ كما في سائر أسباب الملك . والاستواء في السّبب يوجب الاستواء في الحكم ، لكن الّذي في شرح الدّرّ كما سبق أنّ الخلاف بين الإمام وصاحبيه في اشتراط إذن الإمام في الإحياء إنّما هو بالنّسبة للمسلم ، أمّا بالنّسبة للذّمّيّ فيشترط الإذن اتّفاقاً عند الحنفيّة . وذهب الشّافعيّة إلى عدم جواز إحياء الذّمّيّ في بلاد الإسلام ، فقد نصّوا على أنّ الأرض الّتي لم تعمّر قطّ إن كانت ببلاد الإسلام فللمسلم تملّكها بالإحياء ، أذن فيه الإمام أم لا ، وليس ذلك لذمّيّ وإن أذن الإمام ، فغير الذّمّيّ من الكفّار أولى بالمنع ، فلا عبرة بإحيائه ، وللمسلم أن يأخذه منه ويملكه ، فإن كان له عين فيه كزرع ردّه المسلم إليه ، فإن أعرض عنه فهو لبيت المال ، وليس لأحد التّصرّف فيه ، ولا أجرة عليه مدّة إحيائه لأنّه ليس ملكاً لأحد . وقد نصّ الشّافعيّة على أنّ الصّبيّ المسلم ، ولو غير مميّز يملك ما أحياه ، وأنّه يجوز للعبد أن يحيي ، لكن ما يحييه يملكه سيّده . ولم يذكروا شيئاً عن إحياء المجنون . وباقي المذاهب لم يستدلّ على أحكام إحياء المذكورين عندهم ، ولكن الحديث : « من أحيا أرضاً ميّتةً فهي له » يدلّ بعمومه على أنّ الصّغير والمجنون يملكان ما يحييانه .
    ب - في بلاد الكفّار :
    23 - مذهب الحنفيّة والحنابلة والباجيّ من المالكيّة أنّ موات أهل الحرب يملكه المسلمون بالإحياء ، سواء أفتحت بلادهم فيما بعد عنوةً ( وهي الّتي غلب عليها قهراً ) أم صلحاً . وقال سحنون : ما كان من أرض العنوة من موات لم يعمل فيها ولا جرى فيها ملك لأحد فهي لمن أحياها . ومذهب الشّافعيّة أنّه يجوز للمسلم وللذّمّيّ إحياء موات بلاد الكفر ، لكنّهم قيّدوا جواز إحياء المسلم بعدم منعه من ذلك ، فإن منعه الكفّار فليس له الإحياء . وقد صرّح ابن قدامة من الحنابلة أنّ المسلم إذا أحيا مواتاً في دار الحرب قبل فتحها عنوةً تبقى على ملكه ؛ لأنّ دار الحرب على أصل الإباحة . وكذلك إن كان الإحياء قبل فتحها صلحاً على أن تبقى الأرض لهم ، وللمسلمين الخراج ، ففي هذه الصّورة يحتمل عدم إفادة الإحياء الملك ؛ لأنّها بهذا الصّلح حرّمت على المسلمين ، ويحتمل أن يملكها من أحياها ؛ لعموم الخبر ؛ ولأنّها من مباحات دارهم ، فجاز أن يملكها من وجد منه سبب تملّكها .
    ما يكون به الإحياء :
    24 - يكاد يتّفق الحنفيّة والمالكيّة فيما يكون به الإحياء ، فقد نصّ الحنفيّة على أنّ الإحياء يكون بالبناء على الأرض الموات ، أو الغرس فيها ، أو كريها ( حرثها ) ، أو سقيها . ونصّ مالك على أنّ إحياء الأرض أن يحفر فيها بئراً أو يجري عيناً أو يغرس شجراً أو يبني أو يحرث ، ما فعل من ذلك فهو إحياء . وقاله ابن القاسم وأشهب . وقال عياض : اتّفق على أحد سبعة أمور : تفجير الماء ، وإخراجه عن غامرها به ، والبناء والغرس والحرث ، ومثله تحريك الأرض بالحفر ، وقطع شجرها ، وسابعها كسر حجرها وتسوية حفرها وتعديل أرضها . أمّا الشّافعيّة فقد نصّوا على أنّ ما يكون به الإحياء يختلف بحسب المقصود منه ، فإن أراد مسكناً اشترط لحصوله تحويط البقعة بآجر أو لبن أو محض الطّين أو ألواح الخشب والقصب بحسب العادة ، وسقف بعضها لتتهيّأ للسّكنى ، ونصب باب لأنّه المعتاد في ذلك . وقيل لا يشترط ؛ لأنّ السّكنى تتحقّق بدونه . وإن كان المقصود زريبةً للدّوابّ فيشترط التّحويط ، ولا يكفي نصب سعف أو أحجار من غير بناء ، ولا يشترط السّقف ؛ لأنّ العادة في الزّريبة عدمه ، والخلاف في الباب كالخلاف فيه بالنّسبة للمسكن . والإحياء في المزرعة يكون بجمع التّراب حولها ، لينفصل المحيا عن غيره . وفي معنى التّراب قصب وحجر وشوك ، ولا حاجة إلى تحويط وتسوية الأرض بطمّ المنخفض وكسح المستعلي . فإن لم يتيسّر ذلك إلاّ بما يساق إليها فلا بدّ منه لتتهيّأ للزّراعة . ولا تشترط الزّراعة بالفعل على أحد قولين ؛ لأنّها استيفاء منفعة ، وهو خارج عن الإحياء . والقول الثّاني : لا بدّ منها ؛ لأنّ الدّار لا تصير محياةً إلاّ إذا حصل فيها عين مال المحيي ، فكذا الأرض . وللحنابلة فيما يكون به الإحياء روايتان ، إحداهما ، وهي ظاهر كلام الخرقيّ ورواية عن القاضي : أنّ تحويط الأرض إحياء لها سواء أرادها للبناء أو الزّرع أو حظيرةً للغنم أو الخشب أو غير ذلك ونصّ عليه أحمد في رواية عليّ بن سعيد ، فقال : الإحياء أن يحوّط عليها حائطاً ، أو يحفر فيها بئراً أو نهراً . ولا يعتبر في ذلك تسقيف ، وذلك لما روى الحسن عن سمرة أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : قال « من أحاط حائطاً على أرض فهي له » . رواه أبو داود والإمام أحمد في مسنده ، ويروى عن جابر عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم مثله ؛ ولأنّ الحائط حاجز منيع ، فكان إحياءً ، أشبه ما لو جعلها حظيرةً للغنم . ويبيّن من هذا أنّ القصد لا اعتبار له . ولا بدّ أن يكون الحائط منيعاً يمنع ما وراءه ، ويكون ممّا جرت به العادة بمثله . ويختلف باختلاف البلدان . ورواية القاضي الثّانية : « أنّ الإحياء ما تعارفه النّاس إحياءً ، لأنّ الشّرع ورد بتعليق الملك على الإحياء ، ولم يبيّنه ولا ذكر كيفيّته ، فيجب الرّجوع فيه إلى ما كان إحياءً في العرف ، ولا يعتبر في إحياء الأرض حرثها ولا زرعها ؛ لأنّ ذلك ممّا يتكرّر كلّما أراد الانتفاع بها فلم يعتبر في الإحياء كسقيها » .
    إهمال المحيا :
    25 - من أحيا أرضاً ميّتةً ، ثمّ تركها ، وزرعها غيره ، فهل يملكها الثّاني ، أو تبقى على ملك الأوّل ؟ مذهب الشّافعيّة والحنابلة وأصحّ القولين عند الحنفيّة وأحد أقوال ثلاثة عند المالكيّة : أنّها تبقى على ملك الأوّل ، ولا يملكها الثّاني بالإحياء ، مستدلّين بقوله صلى الله عليه وسلم : « من أحيا أرضاً ميّتةً ليست لأحد فهي له » ، وقوله : « في غير حقّ مسلم » ؛ ولأنّ هذه أرض يعرف مالكها ، فلم تملك بالإحياء ، كالّتي ملكت بشراء أو عطيّة . وفي قول للمالكيّة ، وهو قول عند الحنفيّة : أنّ الثّاني يملكها ، قياساً على الصّيد إذا أفلت ولحق بالوحش وطال زمانه ، فهو للثّاني . والقول الثّالث عند المالكيّة : الفرق بين أن يكون الأوّل أحياه ، أو اختطّه أو اشتراه ، فإن كان الأوّل أحياه كان الثّاني أحقّ به . وإن كان الأوّل اختطّه أو اشتراه كان أحقّ به .
    التّوكيل في الإحياء :
    26 - اتّفق الفقهاء على أنّه يجوز للشّخص أن يوكّل غيره في إحياء الأرض الموات ، ويقع الملك للموكّل ؛ لأنّ ذلك ممّا يقبل التّوكيل فيه .
    توفّر القصد في الإحياء :
    27 - لا بدّ من القصد العامّ للإحياء اتّفاقاً . واختلفوا هل يشترط في الإحياء أن يقصد المحيي منفعةً خاصّةً في المحيا ، أو يكفي أن يهيّئ الأرض تهيئةً عامّةً بحيث تصير صالحةً لأيّ انتفاع من زراعة أو بناء أو حظيرة للغنم ونحو ذلك . فذهب الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة إلى أنّه لا يشترط في الإحياء توفّر القصد الخاصّ ، بل يكفي القصد العامّ ، وهو الانتفاع على أيّ وجه . وقال الشّافعيّة : إنّ الإحياء يختلف باختلاف المقصود منه ، ممّا يدلّ على أنّهم يعتبرون القصد الخاصّ ، في الإحياء ، لكنّهم قالوا : لو شرع في الإحياء لنوع ، فأحياه لنوع آخر ، كأن قصد إحياءه للزّراعة بعد أن قصده للسّكنى ، ملكه اعتباراً بالقصد الطّارئ ، بخلاف ما إذا قصد نوعاً ، وأحياه بما لا يقصد به نوع آخر ، كأن حوّط البقعة بحيث تصلح زريبةً ، بقصد السّكنى لم يملكها ، خلافاً للإمام .
    الوظيفة على الأرض المحياة :
    28 - المراد بالوظيفة : ما يجب في الأرض المحياة للدّومة من عشر أو خراج . ذهب الحنفيّة إلى أنّ الأرض المحياة إن كانت في أرض العشر أدّى عنها العشر ، وإن كانت في أرض الخراج أدّى عنها الخراج ، وإن احتفر فيها بئراً ، أو استنبط لها قناةً ، كانت أرض عشر ، وإن أحياها ذمّيّ فهي خراجيّة كيفما كانت . وذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أنّ الأرض المحياة فيها الخراج مطلقاً فتحت عنوةً أو صولح أهلها .
    المعادن في أرض الموات :
    29 - المعادن الّتي توجد في الأرض المحياة قسمان : ظاهرة وباطنة . فالظّاهرة هي الّتي يتوصّل إليها بعمل يسير ، كحفر مقدار أصبع لأنبوب ، ونحو ذلك كالنّفط والكبريت والقار والكحل والياقوت وأشباه ذلك . والحكم فيها عند الحنفيّة والحنابلة أنّها لا تملك بالإحياء ، ولا يجوز إقطاعها لأحد من النّاس ، ولا احتجارها دون المسلمين ؛ لأنّ في ذلك ضرراً بهم وتضييقاً عليهم ، ولأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم أقطع أبيض بن حمّال معدن الملح ، فلمّا قيل له إنّه بمنزلة الماء العدّ ردّه . وعند الشّافعيّة يملكها المحيي بشرط عدم علمه بوجودها قبل الإحياء ، فأمّا إن علمها فلا يملكها ، وعلّلوا ملكها أنّها من أجزاء الأرض ، وقد ملكها بالإحياء ، فيملك المعادن تبعاً . وعند المالكيّة أنّها إلى الإمام ، يعطيها لمن شاء من المسلمين ، سواء أكانت بأرض غير مملوكة ، كالفيافي أو ما جلا عنها أهلها ولو مسلمين ، أم مملوكةً لغير معيّن ، أم لمعيّن . أمّا المعادن الباطنة ، وهي الّتي لا تخرج إلاّ بعمل ومئونة ، كالذّهب والفضّة والحديد والنّحاس والرّصاص ، فهي ملك لمن استخرجها عند الحنفيّة والشّافعيّة ، وهو احتمال عند الحنابلة ؛ لأنّها مستخرجة من موات لا ينتفع به إلاّ بالعمل والمئونة ، فيملك بالإحياء ، كالأرض ؛ ولأنّه بإظهار المعادن أمكن الانتفاع بالموات من غير حاجة إلى تكرار ذلك العمل ، فأشبه الأرض إذا جاءها بماء أو حائط . ووجه عدم الملك عند الحنابلة أنّ الإحياء الّذي يملك به هو العمارة الّتي تهيّأ بها المحيا للانتفاع من غير تكرار عمل ، وإخراج المعادن حفر وتخريب يحتاج إلى تكرار عند كلّ انتفاع . وعند المالكيّة أنّ المعادن الباطنة كالظّاهرة أمرها إلى الإمام . ومواطن التّفصيل في المصطلحات الخاصّة .

     
  5. #10
    توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future الصورة الرمزية توفيق
    تاريخ التسجيل
    11 / 09 / 2006
    الدولة
    فلسطين
    العمر
    52
    المشاركات
    4,013
    معدل تقييم المستوى
    4400

    افتراضي رد: الموسوعة الفقهية / الجزء الثاني

    أخ
    التّعريف
    1 - الأخ لغةً من ولده أبوك وأمّك ، أو أحدهما . فإن كانت الولادة لأبوين فهو الشّقيق ، ويقال للأشقّاء الإخوة الأعيان . وإن كانت الولادة من الأب فهو الأخ لأب ، ويقال للإخوة والأخوات لأب أولاد علاّت . وإن كانت الولادة من الأمّ فهو الأخ لأمّ ، ويقال للإخوة والأخوات لأمّ : الأخياف . والأخ من الرّضاع هو من أرضعتك أمّه ، أو أرضعته أمّك ، أو أرضعتك وإيّاه امرأة واحدة ، أو أرضعت أنت وهو من لبن رجل واحد ، كرجل له امرأتان لهما منه لبن ، أرضعتك إحداهما وأرضعته الأخرى .
    ( الحكم الإجماليّ )
    2 - المذاهب الأربعة على أنّه يجوز دفع الزّكاة إلى الأخ بأنواعه ، غير أنّ الحنابلة جعلوا ذلك في حالة عدم إرثه . فإن كان وارثاً فلا يجزئ دفعها إليه . وفي الميراث يحجب الأخ بأنواعه بالأب وبالفرع الوارث الذّكر باتّفاق ، وكذلك يحجب الأخ لأمّ بالجدّ والفرع الوارث ولو أنثى . أمّا الأخ الشّقيق أو لأب فإنّ كلّاً منهما يرث مع الجدّ عند أغلب الفقهاء ، وكذلك مع الفرع الوارث المؤنّث والأخ لأب مع الجدّ والأخ الشّقيق يحسب على الجدّ أي يعدّ ليقلّ نصيب الجدّ ، ونصيبه للأخ الشّقيق ولا يشارك الأخ غير شقيقه من الإخوة إلاّ في المسألة الحجريّة . ( ر : الحجريّة ) . وجهه الأخوّة تتفاوت من حيث قوّة القرابة ، فالشّقيق يقدّم على غيره ، لكن يسوّي بين الأخ لأب والأخ لأمّ في الوصيّة لأقرب الأقارب عند الشّافعيّة والحنابلة . ويقدّم الّذي لأب على الأخ لأمّ عند المالكيّة ، وهو ما يفهم من قواعد الحنفيّة ، إذ قاسوا الوصيّة على الإرث . وفي ولاية النّكاح وفي الحضانة يقدّم الجدّ على الأخ الشّقيق أو لأب عند غير المالكيّة ويقدّم الأخ فيهما عند المالكيّة . وتختلف آراء الفقهاء في تقديم الأخ على الجدّ في الوصيّة لأقرب الأقارب ، وفي وجوب نفقة الأخ على أخيه ، وعتقه عليه ، وفي قبول شهادته ، وفي القضاء له .
    ( مواطن البحث )
    3 - بالإضافة إلى ما تقدّم يتكلّم الفقهاء عن الأخ ضمن الأقارب في الوقف .
    أخ لأمّ
    انظر : أخ .
    إخالة
    التّعريف
    1 - الإخالة مصدر أخال الأمر أي اشتبه . ويقال : هذا الأمر لا يخيل على أحد ، أي لا يشكل . ويستعمل الأصوليّون لفظ الإخالة في باب القياس وباب المصلحة المرسلة . والإخالة كون الوصف بحيث تتعيّن علّيّته للحكم بمجرّد إبداء مناسبة بينه وبين الحكم ، لا بنصّ ولا غيره . وإنّما قيل له مخيّل لأنّه يوقع في النّفس خيال العلّة .
    ( الحكم الإجماليّ ، ومواطن البحث ) :
    2 - يكون الوصف مناسباً فيما لو عرض على العقول فتلقّته بالقبول ، وهو الوصف الّذي يفضي إلى ما يجلب للإنسان نفعاً أو يدفع عنه ضرراً ، كقتل مسلم تترّس به الكفّار في حربهم مع المسلمين ، فإنّ في قتله مصلحة قهر العدوّ ، ومنع قتلهم للمسلمين . والوصف الطّرديّ ليس مخيّلاً ، كلون الخمر وقوامها ، فلا يقع في القلب علّيّته للتّحريم ، لعدم تضمّنه ضرراً يستدعي تحريمها . وأمّا الإسكار في الخمر ، فإنّه مع تضمّنه مفسدة تغطية العقل ، ليس وصفاً مخيّلاً كذلك ، لورود النّصّ بالتّعليل به . والنّصّ هو قول النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « كلّ مسكر حرام » . ولو افترض عدم ورود هذا النّصّ وأمثاله لكان وصف الإسكار مخيّلاً . ومن هذا يتبيّن أنّ المناسب أعمّ من المخيّل . وفي جواز تعليل حكم الأصل بالوصف المخيّل لأجل القياس ، خلاف . وكذلك في إثبات الحكم به على أنّه مصلحة مرسلة . راجع " الملحق الأصوليّ : القياس ، والمصلحة المرسلة » .
    إخبار
    التّعريف
    1 - الإخبار في اللّغة مصدر ، أخبره بكذا أي نبّأه . والاسم منه الخبر ، وهو ما يحتمل الصّدق والكذب لذاته ، مثل : العلم نور . ويقابله الإنشاء ، وهو الكلام الّذي لا يحتمل الصّدق والكذب لذاته ، كاتّق اللّه . والإخبار له أسماء مختلفة باعتبارات متعدّدة : فإن كان إخباراً عن حقّ للمخبر على الغير أمام القضاء فيسمّى : « دعوى » . وإن كان إخباراً بحقّ للغير على المخبر نفسه فهو " إقرار » . وإن كان إخباراً بحقّ للغير على الغير أمام القضاء فهو " شهادة » . وإن كان إخباراً بثبوت حقّ للغير على الغير من القاضي على سبيل الإلزام فهو " قضاء » . وإن كان إخباراً عن قول أو فعل أو صفة أو تقرير منسوب إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فهو " رواية " أو " حديث " أو " أثر " أو " سنّة » . وإن كان إخباراً عن مساوئ الشّخص فهو " غيبة » . وإن كان إخباراً عن كلام الصّديق لصديقه الآخر على وجه الإفساد بينهما فهو " نميمة » . وإن كان إخباراً عن سرّ فهو " إفشاء » . وإن كان إخباراً عمّا يضرّ بالمسلمين فهو " خيانة " وهكذا .
    ( الحكم الإجماليّ )
    2 - إذا أخبر العدل بخبر وجب قبول خبره . وقد يكتفى بالعدل الواحد ، كما في الإخبار بالنّجاسة ، وقد يشترط التّعدّد كما في الشّهادة . أمّا الفاسق إذا أخبر بخبر فلا يقبل خبره في الدّيانات ، فإن كان إخباره في الطّهارات والمعاملات ونحوها لم يقبل خبره أيضاً إلاّ إن وقع في القلب صدقه .
    ( مواطن البحث )
    3 - يفصل الأصوليّون أحكام الإخبار وأحواله في باب مستقلّ هو باب الإخبار ، أو في بحث السّنّة . ويتعرّضون لحكم رواية الكافر والفاسق وخبر الآحاد إلى غير ذلك . أمّا الفقهاء فيتعرّضون لأحكام الإخبار في الطّهارات بمناسبة ما إذا أخبر الشّخص بنجاسة الماء أو الإناء وفي استقبال القبلة إذا أخبر بها ، وفي الشّفعة حين الكلام على تأخير طلبها إذا أخبره بالبيع فاسق ، وفي الذّبائح إذا أخبر الفاسق عمّن قام بالذّبح ، وفي النّكاح فيما إذا أخبر الفاسق برضا المرأة بالزّواج ، وفي الحظر والإباحة فيما إذا أخبر الصّبيّ عن الهديّة أنّها هديّة ، أو أخبر عن إذن صاحب البيت . وبما أنّ الإخبار تتنوّع أحكامه بحسب ما يضاف إليه فيرجع في كلّ بحث إلى موضعه الخاصّ به .
    أخت
    التّعريف
    1 - الأخت هي : من ولدها أبوك وأمّك أو أحدهما . وقد يطلق أيضاً على الأخت من الرّضاع بقرينة قوليّة أو حاليّة . ولا يخرج الاستعمال الشّرعيّ عن الاستعمال اللّغويّ . والأخت من الرّضاع عند الفقهاء هي : من أرضعتك أمّها ، أو أرضعتها أمّك ، أو أرضعتك وإيّاها امرأة واحدة ، أو أرضعت أنت وهي من لبن رجل واحد ، كرجل له امرأتان لهما منه لبن ، أرضعتك إحداهما وأرضعتها الأخرى . والأخت إن كانت من الأب والأمّ يقال لها : الأخت الشّقيقة ، وإن كانت من الأب فقط يقال لها : الأخت لأب ، وإن كانت من الأمّ فقط يقال لها : الأخت لأمّ . وأختك لأمّ من الرّضاعة هي : من أرضعتها أمّك بلبن من زوج غير أبيك ، أو رضعت أنت من أمّها بلبن غير أبيها ، أو رضعت أنت وهي من امرأة أجنبيّة عنكما لكن بلبن من زوجين مختلفين . ويعبّر الفقهاء عن الإخوة والأخوات الشّقيقات بأولاد الأبوين ، والإخوة الأعيان ، وعن الإخوة والأخوات لأب بأولاد الأب وأولاد العلاّت ، وعن الإخوة والأخوات لأمّ بأولاد الأمّ ، والإخوة الأخياف . الحكم الإجماليّ :
    2 - الأخت من ذوي الرّحم المحرم . وتأخذ حكم ذي الرّحم المحرم في وجوب الصّلة ، وفي جواز النّظر وما في حكمه ، وفي حرمة النّكاح ، والجمع بين المحارم بنكاح أو ملك يمين ، وفي النّفقة ، وفي تغليظ الدّية ، واستحقاق العتق إذا ملكها أخوها أو أختها . غير أنّها قد تختصّ ببعض الأحكام دون بعض الأقارب ، فالزّكاة يجزئ دفعها للأخت باتّفاق - غير أنّ البعض اشترط لذلك عدم إرثها بالفعل - وقد لا يجزئ دفعها لبعض المحارم كالبنت .
    3 - وفي الإرث تحجب الأخت بما يحجب الأخ ، فهي بأنواعها تحجب بالأب وبالفرع الوارث الذّكر ، وكذلك تحجب الأخت لأمّ بالجدّ . والأخت لأبوين أو لأب ترث بالفرض ، أو بالتّعصيب ، بخلاف الأخت لأمّ فإنّها لا ترث إلاّ الفرض . ولا تكون الأخت عصبةً بنفسها ، بل بالغير أو مع الغير ، ولا تحجب غيرها ممّن هو أضعف منها إن كانت ذات فرض . وتفصيل ذلك في مصطلح : ( إرث ) . وفي الحضانة تقدّم الأخت على الأخ ، وتؤخّر عن الأمّ باتّفاق ، وتؤخّر كذلك عن الأب عند غير الحنفيّة . والأخت لأمّ كسائر الأخوات النّسبيّة في الأحكام ، إلاّ في الميراث ، فهي لا ترث إلاّ بالفرض ، ولا ترث بالتّعصيب ، وهي مع أخيها الذّكر من ولد الأمّ - على التّساوي ، تأخذ مثله . وتحجب بالفرع الوارث مطلقاً والأصل الوارث المذكّر كالأب والجدّ ( ر : إرث ) .
    أخت رضاعيّة
    انظر : أخت .
    أخت لأب
    انظر : أخت .
    أختان
    انظر : أخت .
    اختصاء
    انظر : خصاء .
    اختصاص
    التّعريف
    1 - الاختصاص في اللّغة : الانفراد بالشّيء دون الغير ، أو إفراد الشّخص دون غيره بشيء ما . وهو عند الفقهاء كذلك ، فهم يقولون : هذا ممّا اختصّ به الرّسول صلى الله عليه وسلم أو ممّا اختصّه اللّه به ، ويقولون فيمن وضع سلعته في مقعد من مقاعد السّوق المباحة : إنّه اختصّ بها دون غيره ، فليس لأحد مزاحمته حتّى يدع .
    من له حقّ الاختصاص
    2 - الاختصاص إمّا للمشرّع أو لأحد من العباد بما له من ولاية أو ملك . الاختصاص من المشرّع .
    3 - الاختصاص من المشرّع لا تشترط له شروط ؛ لأنّه هو واضع الشّروط والأحكام ، وهو واجب الطّاعة ، كاختصاصه رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بإباحة الزّواج بأكثر من أربع نساء ، واختصاصه الكعبة بوجوب التّوجّه إليها في الصّلاة . ومحلّ الاختصاص - في هذا البحث - قد يكون شخصاً ، أو زماناً ، أو مكاناً .
    اختصاصات الرّسول صلى الله عليه وسلم
    4 - الحكم التّكليفيّ في بحث اختصاصات الرّسول : اختلف الفقهاء في جواز البحث في خصائص الرّسول صلى الله عليه وسلم ، فأجازه الجمهور ورجّحه النّوويّ ، وقال : الصّواب الجزم بجواز ذلك ، بل باستحبابه ، بل لو قيل بوجوبه لم يكن بعيداً ؛ لأنّ في البحث في الخصائص زيادة العلم ؛ ولأنّه ربّما رأى جاهل بعض الخصائص ثابتةً في الحديث الصّحيح ، فعمل به أخذاً بأصل التّأسّي بالرّسول عليه الصلاة والسلام ، فوجب بيانها لتعرف فلا يعمل بها . وأمّا ما يقع في ضمن الخصائص ممّا لا فائدة فيه اليوم فقليل ، لا تخلو أبواب الفقه عن مثله للتّدرّب ، ومعرفة الأدلّة وتحقيق الشّيء على ما هو عليه . ومنعه بعضهم كإمام الحرمين الجوينيّ . وحجّة هؤلاء أنّه لا يتعلّق بهذه الخصائص حكم ناجز تمسّ الحاجة إليه .
    أنواع اختصاصات الرّسول صلى الله عليه وسلم :
    5 - أ - الأحكام التّكليفيّة الّتي لا تتعدّاه إلى أمّته ككونه لا يورث ، وغير ذلك .
    ب - المزايا الأخرويّة ، كإعطائه الشّفاعة ، وكونه أوّل من يدخل الجنّة وغير ذلك .
    ج - الفضائل الدّنيويّة ، ككونه أصدق النّاس حديثاً .
    د - المعجزات كانشقاق القمر ، وغيره .
    هـ - الأمور الخلقيّة ، ككونه يرى من خلفه ونحو ذلك . وسيقتصر البحث على النّوع الأوّل من هذه الاختصاصات - اختصاصه صلى الله عليه وسلم ببعض الأحكام التّكليفيّة . أمّا موطن الاطّلاع على الخصائص الأخرى فهو كتب العقائد ، وكتب السّيرة النّبويّة ، والكتب المؤلّفة في خصائصه صلى الله عليه وسلم وفضائله . ما اختصّ به صلى الله عليه وسلم من الأحكام التّكليفيّة :
    6 - هذه الاختصاصات لا تخرج عن كونها واجبةً أو محرّمةً أو مباحةً . الاختصاصات الواجبة :
    7 - فرض اللّه على رسوله صلى الله عليه وسلم بعض ما هو مباح أو مندوب على أمّته ، إعلاءً لمقامه عنده وإجزالاً لثوابه ؛ لأنّ ثواب الفرض أكبر من ثواب النّفل ، وفي الحديث : « ما تقرّب إليّ عبدي بشيء أحبّ إليّ ممّا افترضته عليه » ومن ذلك :
    أ - قيام اللّيل :
    8 - اختلف العلماء في قيام اللّيل ، هل كان فرضاً عليه صلوات اللّه وسلامه عليه أو لم يكن فرضاً ، مع اتّفاقهم على عدم فرضيّته على الأمّة . فذهب عبد اللّه بن عبّاس إلى أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قد اختصّ بافتراض قيام اللّيل عليه ، وتابع ابن عبّاس على ذلك كثير من أهل العلم ، منهم الشّافعيّ في أحد قوليه ، وكثير من المالكيّة ، ورجّحه الطّبريّ في تفسيره . واستدلّ على ذلك بقوله تعالى في سورة الإسراء : { ومن اللّيل فتهجّد به نافلةً لك } أي نفلاً لك ، أي فضلاً : ( زيادةً ) عن فرائضك الّتي فرضتها عليك ، كما يدلّ على ذلك قوله تعالى : { قم اللّيل إلاّ قليلاً ، نصفه أو انقص منه قليلاً ، أو زد عليه } . قال الطّبريّ : « خيّره اللّه تعالى حين فرض عليه قيام اللّيل بين هذه المنازل » . ويعضّد هذا ويؤيّده ما رواه الطّبرانيّ في معجمه الأوسط والبيهقيّ في سننه عن عائشة رضي الله عنها أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال : « ثلاث هنّ عليّ فرائض ولكم سنّة ، الوتر والسّواك وقيام اللّيل » . وذهب مجاهد بن جبر إلى أنّ قيام اللّيل ليس بفرض على ، رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بل هو نافلة ، وإنّما قال اللّه تعالى : { نافلةً لك } من أجل أنّه صلى الله عليه وسلم قد غفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر ، فما عمل من عمل سوى المكتوبة فهو نافلة ؛ لأنّه لا يعمل ذلك في كفّارة الذّنوب ، فهي نافلة وزيادة ، والنّاس يعملون ما سوى المكتوبة لتكفير ذنوبهم فليس للنّاس - في الحقيقة - نوافل . وتبع مجاهداً جماعة من العلماء ، منهم الشّافعيّ في قوله الآخر ، فقد نصّ على أنّ وجوب قيام اللّيل قد نسخ في حقّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم كما نسخ في حقّ غيره . واستدلّوا على ذلك بعموم قوله صلى الله عليه وسلم : « خمس صلوات فرضهنّ اللّه على العباد » ، خاصّةً أنّ الآية محتملة ، والحديث الّذي استدلّ به من قال بفرضيّة قيام اللّيل على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم حديث ضعيف .
    ب - صلاة الوتر :
    9 - اختلف الفقهاء في اختصاص رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بافتراض صلاة الوتر عليه ، مع اتّفاقهم على أنّ الوتر ليس بفرض على أمّته . فذهب الشّافعيّة إلى أنّ الوتر كان واجباً على رسول اللّه وقال الحليميّ والعزّ بن عبد السّلام والغزاليّ من الشّافعيّة وكذلك المالكيّة : إنّ هذا الوجوب خاصّ بالحضر دون السّفر ، لما روى البخاريّ ومسلم عن ابن عمر « أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم كان يصلّي الوتر على راحلته ولا يصلّي عليها المكتوبة » . وقال النّوويّ : المذهب أنّ صلاة الوتر واجبة على رسول اللّه ، ولكن جواز صلاتها على الرّاحلة خاصّ به عليه الصلاة والسلام . ويرى العينيّ الحنفيّ في عمدة القاريّ والحنفيّة يقولون بوجوب الوتر - إنّ صلاة رسول اللّه صلى الله عليه وسلم الوتر على الرّاحلة كان قبل أن يفترض عليه الوتر .
    ج - صلاة الضّحى :
    10 - اختلف العلماء في وجوب صلاة الضّحى على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ، مع اتّفاقهم على عدم وجوبها على المسلمين . فذهب جماعة ، منهم الشّافعيّة وبعض المالكيّة إلى أنّ صلاة الضّحى مفروضة على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم . واستدلّوا على ذلك بحديث رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : « ثلاث هنّ عليّ فرائض ، ولكم تطوّع : النّحر والوتر وركعتا الضّحى » . وأقلّ الواجب منها عليه ركعتان لحديث : « أمرت بركعتي الضّحى ولم تؤمروا بها » . وذهب الجمهور إلى أنّ صلاة الضّحى ليست مفروضةً على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم لقوله صلى الله عليه وسلم : « أمرت بالوتر والأضحى ولم يعزم عليّ » .
    د - سنّة الفجر :
    11 - اختلف العلماء في فرضيّة سنّة الفجر على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم مع اتّفاقهم على عدم وجوبها على غيره . فنصّ الحنابلة وبعض السّلف على فرضيّتها عليه صلى الله عليه وسلم واستدلّوا على ذلك بحديث ابن عبّاس : « ثلاث كتبت عليّ وهنّ لكم تطوّع : الوتر والنّحر وركعتا الفجر » .
    هـ - السّواك :
    12 - الجمهور على أنّ السّواك لكلّ صلاة مفترض على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم لحديث عبد اللّه بن حنظلة « أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أمر بالوضوء لكلّ صلاة ، طاهراً وغير طاهر ، فلمّا شقّ عليه ذلك أمر بالسّواك لكلّ صلاة » . وفي لفظ : « وضع عنه الوضوء إلاّ من حدث » .
    و - الأضحيّة :
    13 - الأضحيّة فرض على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم دون أمّته لحديث ابن عبّاس المتقدّم : « ثلاث هنّ عليّ فرائض ولكم تطوّع : النّحر والوتر وركعتا الضّحى » .
    ز - المشاورة :
    14 - اختلف العلماء في فرضيّة المشاورة على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ، مع اتّفاقهم على سنّيّتها على غيره . فقال بعضهم بفرضيّتها عليه ، واستدلّوا على ذلك بقوله تعالى : { وشاورهم في الأمر } . وقال هؤلاء : إنّما وجب ذلك على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم تطييباً للقلوب ، وتعليماً للنّاس ليستنّوا به عليه الصلاة والسلام . وقال بعضهم : إنّ المشاورة لم تكن فرضاً عليه صلوات اللّه وسلامه عليه لفقدان دليل يصلح لإثبات الفرضيّة . وحملوا الأمر في الآية السّابقة على النّدب أو الإرشاد . ثمّ اختلفوا فيما يشاور فيه : بعد اتّفاقهم على أنّه لا يشاور فيما نزل عليه فيه وحي . فقال فريق من العلماء : يشاور في أمور الدّنيا ، كالحروب ومكايدة العدوّ ؛ لأنّ استقراء ما شاور فيه الرّسول ( ص ) أصحابه يدلّ على ذلك . وقال فريق آخر : يشاور في أمور الدّين والدّنيا . أمّا في أمور الدّنيا فظاهر ، وأمّا في أمور الدّين فإنّ استشارته لهم تكون تنبيهاً لهم على علل الأحكام وطريق الاجتهاد .
    ح - مصابرة العدوّ الزّائد على الضّعف :
    15 - ممّا فرض على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم دون أمّته مصابرة العدوّ وإن كثر وزاد على الضّعف ، لأنّ الرّسول صلى الله عليه وسلم محفوظ بحفظ اللّه تعالى . قال تعالى : { واللّه يعصمك من النّاس } .
    ط - تغيير المنكر :
    16 - ممّا فرض على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم تغيير المنكر ، ولا يسقط عنه هذا للخوف ، بخلاف أمّته الّتي يسقط عنها بالخوف . وذلك لأنّ اللّه تعالى قد تكفّل بحفظ رسوله كما تقدّم ، كما لا يسقط عنه إذا كان المرتكب يزيده الإنكار إغراءً ، لئلاّ يتوهّم إباحته بخلاف أمّته . وإذا كان إنكار المنكر فرض كفاية على أمّته فإنّه فرض عين عليه صلى الله عليه وسلم . وقد استدلّ البيهقيّ على ذلك بعدّة أحاديث في سننه الكبرى .
    ي - قضاء دين من مات معسراً من المسلمين :
    17 - اختلف العلماء في قضاء رسول اللّه صلى الله عليه وسلم دين الميّت المعسر . فقال بعضهم : كان فرضاً عليه صلى الله عليه وسلم . وقال آخرون : لم يكن ذلك فرضاً عليه ، بل كان منه عليه الصلاة والسلام تطوّعاً . ثمّ اختلفوا أيضاً هل القضاء من بيت مال المسلمين أم من مال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فإن كان من مال نفسه فهي خصوصيّة لرسول اللّه صلى الله عليه وسلم أمّا إن كان من بيت مال المسلمين فليست بخصوصيّة لرسول اللّه صلى الله عليه وسلم بل يشاركه فيها جميع ولاة المسلمين . والأصل في هذا ما رواه البخاريّ ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : « كان يؤتى بالرّجل يتوفّى وعليه دين ، فيسأل : هل ترك لدينه فضلاً ، فإن حدّث أنّه ترك له وفاءً صلّى عليه ، وإلاّ قال للمسلمين : صلّوا على صاحبكم ، فلمّا فتح اللّه عليه الفتوح قال عليه الصلاة والسلام : أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، فمن توفّي من المسلمين فترك ديناً فعليّ قضاؤه ، ومن ترك مالاً فلورثته » .
    ك - وجوب تخييره نساءه وإمساك من اختارته :
    18 - طالبه أزواجه صلى الله عليه وسلم بالتّوسّع في النّفقة - كما في بعض الرّوايات - حتّى تأذّى من ذلك فأمر اللّه تعالى رسوله عليه الصلاة والسلام أن يخيّرهنّ فقال جلّ شأنه : { يا أيّها النّبيّ قل لأزواجك إن كنتنّ تردن الحياة الدّنيا وزينتها فتعالين أمتّعكنّ وأسرّحكنّ سراحاً جميلاً وإن كنتنّ تردن اللّه ورسوله والدّار الآخرة فإنّ اللّه أعدّ للمحسنات منكنّ أجراً عظيماً } . فخيّرهنّ ، فاخترنه كلّهنّ إلاّ العامريّة اختارت قومها ، فأمر صلى الله عليه وسلم بإمساك من اختارته منهنّ بقوله تعالى : { لا يحلّ لك النّساء من بعد ولا أن تبدّل بهنّ من أزواج ولو أعجبك حسنهنّ } ، وذلك مكافأة لهنّ على إيثارهنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم .
    الاختصاصات المحرّمة
    19 - قد حرّم اللّه تعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم بعض ما أحلّه لأمّته ، تنزيهاً له عليه الصلاة والسلام عن سفاسف الأمور ، وإعلاءً لشأنه ، ولأنّ أجر ترك المحرم أكبر من أجر ترك المكروه ، وبذلك يزداد رسول اللّه صلى الله عليه وسلم علوّاً عند اللّه يوم القيامة . ومن ذلك :
    أ - الصّدقات :
    20 - اتّفق العلماء على أنّ اللّه تعالى قد حرّم على رسوله صلى الله عليه وسلم أخذ شيء من صدقات النّاس ، سواء أكانت مفروضةً أو تطوّعاً ، كالزّكاة ، والكفّارة ، والنّذر والتّطوّع ، صيانةً لمنصبه الشّريف ، ولأنّها تنبئ عن ذلّ الآخذ وعزّ المأخوذ منه ، وقد أبدل اللّه تعالى رسوله بها الفيء الّذي يؤخذ على سبيل الغلبة والقهر ، المنبئ عن عزّ الآخذ وذلّ المأخوذ منه . روى مسلم في صحيحه من حديث عبد المطّلب بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطّلب قول رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : « إنّ هذه الصّدقات إنّما هي أوساخ النّاس ، وإنّها لا تحلّ لمحمّد ولا لآل محمّد » . هذا ، وإنّ تحريم الصّدقات على آل البيت إنّما هو لقرابتهم منه صلى الله عليه وسلم .
    ب - الإهداء لينال أكثر ممّا أهدى :
    21 - حرّم على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أن يهدي ليعطى أكثر ممّا أهدى لقوله تعالى : { ولا تمنن تستكثر } ؛ لأنّه صلوات الله وسلامه عليه مأمور بأشرف الآداب وأجلّ الأخلاق ، نقل ذلك عن عبد اللّه بن عبّاس وتبعه على ذلك عطاء ومجاهد وإبراهيم النّخعيّ وقتادة والسّدّيّ والضّحّاك وغيرهم .
    ج - أكل ما له رائحة كريهة :
    22 - اختلف العلماء في تحريم نحو الثّوم والبصل وما له رائحة كريهة على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فقال جماعة منهم المالكيّة : إنّ ذلك كان محرّماً عليه . واستدلّوا على ذلك بما رواه البخاريّ ومسلم . « أنّ رسول اللّه أتي بقدر فيه خضرات من بقول ، فوجد لها ريحاً ، فسأل فأخبر بما فيها . من البقول ، فقال : قرّبوها أي إلى بعض أصحابه فلمّا رآه كره أكلها قال : كل فإنّي أناجي من لا تناجي » . وقال جماعة منهم الشّافعيّة : لم يكن ذلك محرّماً عليه ، ولكن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم كان يكره أكله لتعرّضه لنزول الوحي عليه في كلّ ساعة ، وإنّ الملائكة لتتأذّى بالرّيح الخبيثة . وقد استدلّ هؤلاء ما رواه مسلم « أنّ أبا أيّوب الأنصاريّ صنع للنّبيّ صلى الله عليه وسلم طعاماً فيه ثوم ، وفي رواية : أرسل إليه بطعام من خضرة فيه بصل وكرّاث ، فردّه عليه الصلاة والسلام ولم يأكل منه شيئاً فقال : أحرام هو ؟ قال : لا ، ولكنّي أكرهه » .
    د - نظم الشّعر :
    23 - هو ممّا حرّم عليه صلى الله عليه وسلم بالاتّفاق ، لكن فرّق البيهقيّ وغيره بين الرّجز وغيره من البحور ، فقال : الرّجز جائز عليه ؛ لأنّه ليس بشعر ، وغيره لا يجوز . واستشهد على ذلك بما أنشده عليه الصلاة والسلام من الرّجز وهو يشارك في حفر الخندق ، ومن قال إنّ الرّجز من الشّعر قال : إنّ هذا خاصّة ليس بشعر ؛ لأنّ الشّعر لا يكون شعراً إلاّ إن صدر عن قائله بقصد الإشعار ، وما كان ذلك في ذكر النّبيّ صلى الله عليه وسلم لهذا الرّجز الّذي قاله .
    هـ - نزع لامته إذا لبسها للقتال حتّى يقاتل :
    24 - ممّا حرّم على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم دون أمّته أنّه إذا لبس لأمة الحرب يحرم عليه أن ينزعها حتّى يلقى العدوّ ؛ لقوله صلوات الله وسلامه عليه : « لا ينبغي لنبيّ إذا أخذ لأمة الحرب وأذّن في النّاس بالخروج إلى العدوّ أن يرجع حتّى يقاتل » . وواضح أنّه يشترك معه في هذه الخصوصيّة الأنبياء عليهم صلوات اللّه وسلامه .
    !!- وخائنة الأعين :
    25 - المراد بها الإيماء بما يظهر خلافه ، وهو ممّا حرّم على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم دون أمّته إلاّ في محظور ، والأصل في هذا التّحريم عليه هو تنزّه مقام النّبوّة عنه ، فقد أخرج أبو داود والنّسائيّ والحاكم وصحّحه والبيهقيّ عن سعد بن أبي وقّاص « أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم يوم الفتح أمّن النّاس إلاّ أربعة نفر منهم عبد اللّه بن أبي سرح ، فاختبأ عند عثمان ، فلمّا دعا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إلى البيعة ، جاء به فقال : يا رسول اللّه بايع عبد اللّه ، فرفع رأسه فنظر إليه ثلاثاً ، كلّ ذلك يأبى ، فبايعه بعد ثلاث ، ثمّ أقبل على أصحابه فقال : أما فيكم رجل رشيد يقوم إلى هذا حيث رآني كففت يديّ عن بيعته ليقتله ؟ قالوا : ما يدرينا يا رسول اللّه ما في نفسك ، هلاّ أومأت بعينك . قال : إنّه لا ينبغي أن تكون لنبيّ خائنة الأعين » . وهذا يدلّ على أنّه ممّا اختصّ به هو والأنبياء دون الأمم .
    ز - نكاح الكافرة والأمة ، والممتنعة عن الهجرة :
    26 - ممّا حرّم على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم نكاح الكتابيّة ، لخبر : « سألت ربّي ألاّ أزوّج إلاّ من كان معي في الجنّة فأعطاني » ، - أخرجه الحاكم وصحّح إسناده - ولأنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أشرف من أن يضع ماءه في رحم كافرة ؛ ولأنّ الكافرة تكره صحبة رسول اللّه صلى الله عليه وسلم . كما حرّم على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم نكاح الأمة ، ولو كانت مسلمةً ؛ لأنّ نكاحها معتبر لخوف العنت ( أي الزّنا ) وهو معصوم عنه ، أو لفقدان مهر الحرّة ، ونكاح رسول اللّه صلى الله عليه وسلم غنيّ عن المهر ابتداءً ، إذ يجوز له أن ينكح بغير مهر ؛ ولأنّ نكاحها يؤدّي إلى رقّ الولد ومقام النّبوّة منزّه عن هذا . ويحرم عليه نكاح من وجبت عليها الهجرة ولم تهاجر ، لقوله تعالى في سورة الأحزاب : « يا أيّها النّبيّ إنّا أحللنا لك أزواجك اللاّتي آتيت أجورهنّ وما ملكت يمينك ممّا أفاء اللّه عليك وبنات عمّك وبنات عمّاتك وبنات خالك وبنات خالاتك اللاّتي هاجرن معك » ، وفي قراءة عبد اللّه بن مسعود : ( وبنات خالاتك واللاّتي هاجرن معك ) ، ولما رواه التّرمذيّ وحسّنه وابن أبي حاتم عن عبد اللّه بن عبّاس قال : « نهي رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عن أصناف النّساء إلاّ ما كان من المؤمنات المهاجرات » ، ولحديث « أمّ هانئ قالت : خطبني رسول اللّه فاعتذرت إليه ، فعذرني ، فأنزل اللّه تعالى : { إنّا أحللنا لك أزواجك . . } الآية إلى قوله تعالى : { اللاّتي هاجرن معك } . قالت : فلم أكن أحلّ له ؛ لأنّي لم أكن ممّن هاجر معه ، كنت من الطّلقاء » . وقال الإمام أبو يوسف : لا دلالة في الآية على أنّ اللاّتي لم يهاجرن كنّ محرّمات عليه ، لأنّ تخصيص الشّيء بالذّكر لا ينفي ما عداه .
    ح - إمساك من كرهته :
    27 - ممّا حرّم على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إمساك كارهته ولم يحرم ذلك على أمّته ، حفظاً لمقام النّبوّة ، فقد روى البخاريّ وغيره عن عائشة رضي الله عنها « أنّ ابنة الجون لمّا أدخلت على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ودنا منها قالت : أعوذ باللّه منك ، فقال عليه الصلاة والسلام : لقد عذت بعظيم ، الحقي بأهلك » . ويشهد لذلك وجوب تخييره نساءه الّذي تقدّم الحديث عنه .
    الاختصاصات المباحة
    أ - الصّلاة بعد العصر :
    28 - ذهب من كره الصّلاة بعد العصر إلى أنّه أبيح لرسول اللّه صلى الله عليه وسلم أن يصلّي بعد العصر ، وكره ذلك لأمّته ، فقد روى البيهقيّ في سننه عن عائشة رضي الله عنها « أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم كان يصلّي بعد العصر وينهى عنها » .
    ب - الصّلاة على الميّت الغائب :
    29 - من منع الصّلاة على الميّت الغائب كالحنفيّة قال : أبيح لرسول اللّه صلى الله عليه وسلم أن يصلّي على الميّت الغائب دون أمّته لأمر خصّه اللّه تعالى به .
    ج - صيام الوصال :
    30 - جمهور الفقهاء على اختصاص رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بإباحة صيام الوصال له دون أمّته ، لما رواه البخاريّ ومسلم « أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم نهى عن الوصال ، فقيل له : إنّك تواصل ، فقال : إنّي لست كهيئتكم ، إنّي أطعم وأسقى » .
    د - القتال في الحرم :
    31 - اتّفق الفقهاء على إباحة القتال لرسول اللّه صلى الله عليه وسلم في مكّة دون أمّته ، لما رواه الشّيخان من قول رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : « إنّ مكّة حرّمها اللّه ولم يحرّمها النّاس ، فلا يحلّ لامرئ يؤمن باللّه واليوم الآخر أن يسفك بها دماً ، ولا يعضد بها شجرةً ، فإن أحد ترخّص بقتال رسول اللّه فقولوا : إنّ اللّه أذن لرسوله ولم يأذن لكم » .
    هـ - دخول مكّة بغير إحرام :
    32 - من قال من الفقهاء لا يجوز لمكلّف أن يدخل مكّة بغير إحرام قال : إنّ دخول رسول اللّه صلى الله عليه وسلم مكّة يوم فتحها بغير إحرام كان خاصّاً به صلوات الله وسلامه عليه .
    و - القضاء بعلمه :
    33 - من منع القاضي أن يقضي بعلمه جعل ما قضى به رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بعلمه لهند بنت عتبة وقوله لها : « خذي من ماله ما يكفيك » من خصوصيّاته عليه الصلاة والسلام .
    ز - القضاء لنفسه :
    34 - خصّ عليه الصلاة والسلام بإباحة القضاء لنفسه ، لأنّ المنع من ذلك في حقّ الأمّة للرّيبة وهي منتفية عنه قطعاً ، ومثل ذلك القضاء في حالة الغضب .
    ح - أخذ الهديّة :
    35 - من خصائصه عليه الصلاة والسلام أنّ الهديّة حلال له ، بخلاف غيره من الحكّام وولاة الأمور من رعاياهم .
    ط - في الغنيمة والفيء :
    36 - أبيح لرسول اللّه صلى الله عليه وسلم خمس الغنيمة وإن لم يحضر الوقعة ، لقوله تعالى : { واعلموا أنّما غنمتم من شيء فأنّ للّه خمسه وللرّسول } . وأبيح له الصّفيّ من المغنم ، وهو ما يختاره قبل القسمة من الغنيمة ، كسيف ودرع ونحوهما ، ومنه صفيّة أمّ المؤمنين الّتي اصطفاها من المغنم لنفسه .
    ي - في النّكاح :
    37 - ممّا اختصّ به رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فأبيح له دون أمّته أن يتزوّج أكثر من أربع نساء ، وأن يتزوّج بغير مهر ، وأن يتزوّج المرأة بغير إذن وليّها . ويباح له ألاّ يقسم بين أزواجه عند البعض ، مع أنّه عليه الصلاة والسلام كان حريصاً على القسم ، حتّى في السّفر ، حيث كان يقرع بينهنّ ، ولمّا اشتدّ عليه المرض استأذن أن يمرّض في بيت عائشة .
    الخصائص من الفضائل
    38 - هناك أمور اختصّ بها رسول اللّه صلى الله عليه وسلم لمزيد فضل ومنها :
    أ - اختصاص من شاء بما شاء من الأحكام :
    39 - لمّا كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم مشرّعاً لا ينطق عن الهوى ، فإنّ له أن يخصّ من شاء بما شاء من الأحكام ، كجعله شهادة خزيمة بشهادة رجلين ، وإجازته الأضحيّة بالعناق ( الجذع ) لأبي بردة ولعقبة بن عامر ، وتزويجه رجلاً على سورة من القرآن ، وتزويجه أمّ سليم أبا طلحة على إسلامه .
    ب - الرّسول أولى بالمؤمنين من أنفسهم :
    40 - خصّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم دون أحد من أمّته بأنّه أولى بالمؤمنين من أنفسهم ؛ لقوله تعالى : { النّبيّ أولى بالمؤمنين من أنفسهم } . ويترتّب على ذلك كثير من الأحكام : من ذلك وجوب محبّته أكثر من النّفس والمال والولد ، لما رواه البخاريّ عن « عمر بن الخطّاب رضي الله عنه أنّه قال للنّبيّ صلى الله عليه وسلم : لأنت أحبّ إليّ من كلّ شيء إلاّ نفسي الّتي بين جنبيّ ، فقال له صلى الله عليه وسلم : لن يؤمن أحدكم حتّى أكون أحبّ إليه من نفسه ، فقال عمر : والّذي أنزل عليك الكتاب لأنت أحبّ إليّ من نفسي الّتي بين جنبيّ ، فقال له النّبيّ صلى الله عليه وسلم : الآن يا عمر » . ومن ذلك وجوب فدائه بالنّفس والمال والولد . ومن ذلك وجوب طاعته وإن خالفت هوى النّفس ، وغير ذلك .
    ج - الجمع بين اسم الرّسول وكنيته لمولود :
    41 - ذهب الشّافعيّ وهو إحدى الرّوايتين عن أحمد وهو قول طاوس وابن سيرين إلى أنّه لا يحلّ التّكنّي بكنية رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في عصره ، سواء كان اسمه محمّداً ، أو لا ، لما رواه جابر قال : « ولد لرجل من الأنصار غلام فسمّاه محمّداً فغضب الأنصار وقالوا : حتّى نستأمر النّبيّ صلى الله عليه وسلم فذكروا ذلك له فقال : قد أحسنت الأنصار ، ثمّ قال : تسمّوا باسمي ولا تكنّوا بكنيتي ، فإنّي أبو القاسم أقسم بينكم » - أخرجه البخاريّ ومسلم . وذهب البعض - منهم الإمام أحمد في إحدى الرّوايتين عنه - إلى أنّه لا يجوز الجمع بين اسم رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وكنيته ، لما رواه أبو داود في سننه من قول رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : « من تسمّى باسمي فلا يتكنّى بكنيتي ، ومن تكنّى بكنيتي فلا يتسمّى باسمي » . وهؤلاء المانعون : منهم من جعل المنع منع تحريم ، ومنهم من جعل المنع منع كراهة . وذهب الحنفيّة إلى أنّ الجمع بين اسم رسول اللّه وكنيته كان ممنوعاً ثمّ نسخ المنع وثبت الحلّ ، لما رواه أبو داود عن عائشة قالت : « جاءت امرأة إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول اللّه إنّي قد ولدت غلاماً فسمّيته محمّداً وكنّيته أبا القاسم ، فذكر لي أنّك تكره ذلك ، فقال صلى الله عليه وسلم : ما الّذي أحلّ اسمي وحرّم كنيتي ، أو ما الّذي حرّم كنيتي وأحلّ اسمي » ، ولذلك كان الصّحابة لا يرون بأساً في تسمية أولادهم باسم " محمّد " وتكنيتهم ب " أبي القاسم " حتّى قال راشد بن حفص الزّهريّ : أدركت أربعةً من أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم كلّهم يسمّى محمّداً ويكنّى أبا القاسم : محمّد بن طلحة بن عبيد اللّه ، ومحمّد بن أبي بكر ، ومحمّد بن عليّ بن أبي طالب ، ومحمّد بن سعد بن أبي وقّاص . وذهب المالكيّة والشّافعيّة إلى أنّ النّهي كان مخصوصاً بحياة رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أمّا بعد وفاته فتباح التّسمية باسمه والتّكنّي بكنيته . يدلّ على ذلك سبب المنع ، وهو أنّ اليهود تكنّوا بكنية رسول اللّه ، وكانوا ينادون يا أبا القاسم ، فإذا التفت النّبيّ صلى الله عليه وسلم قالوا : لم نعنك ، إظهاراً للإيذاء ، وقد زال هذا المنع بوفاة رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ويدلّ على ذلك أيضاً ما رواه ابن أبي شيبة في مصنّفه « أنّ عليّاً قال : يا رسول اللّه : أرأيت إن ولد لي بعدك ولد أسمّيه محمّداً وأكنّيه بكنيتك ؟ قال : نعم » .
    د - التّقدّم بين يديه ورفع الصّوت بحضرته :
    42 - خصّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم دون أمّته بأنّه لا يجوز التّقدّم بين يديه - أي سبقه بالاقتراح عليه - لأنّ رسول اللّه مسدّد بالوحي ، ولقوله تعالى : { يا أيّها الّذين آمنوا لا تقدّموا بين يدي اللّه ورسوله } كما لا يجوز رفع الصّوت بحضرته عليه الصلاة والسلام حتّى يعلو صوت المتكلّم على صوت رسول اللّه ، لقوله تعالى في سورة الحجرات : { يا أيّها الّذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النّبيّ ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون } .
    هـ - قتل من سبّه :
    43 - ممّا اختصّ به رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أنّ من سبّه أو قذفه فعقوبته القتل .
    و - إجابة من دعاه :
    44 - من خصائصه عليه الصلاة والسلام أنّه إذا دعا أحداً فعليه أن يجيبه ولو كان في الصّلاة ، فإن أجابه في الصّلاة فإنّه لا تفسد صلاته ، لما روى البخاريّ عن أبي سعيد بن المعلّى الأنصاريّ « أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم دعاه وهو يصلّي ، فصلّى ثمّ أتاه ، فقال : ما منعك أن تجيبني ؟ قال : إنّي كنت أصلّي ، فقال : ألم يقل اللّه عزّ وجلّ : { يا أيّها الّذين آمنوا استجيبوا للّه وللرّسول إذا دعاكم } » .
    ز - نسب أولاد بناته إليه :
    45 - ممّا اختصّ به رسول اللّه صلى الله عليه وسلم دون النّاس جميعاً أنّ أولاد بناته ينتسبون إليه في الكفاءة وغيرها . لقوله صلى الله عليه وسلم : « إنّ ابني هذا سيّد » ، ولما ذكره السّيوطيّ في الخصائص الصّغرى من حديث رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : « إنّ اللّه لم يبعث نبيّاً قطّ إلاّ جعل ذرّيّته في صلبه غيري ، فإنّ اللّه جعل ذرّيّتي من صلب عليّ » .
    ح - لا يورث :
    46 - ممّا اختصّ به صلوات الله وسلامه عليه دون أمّته أنّه لا يورث ، لقوله صلى الله عليه وسلم : « نحن معاشر الأنبياء لا نورث ، ما تركناه صدقة » . وما تركه رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ينفق منه على عياله ، وما فضل فهو صدقة ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : « ما تركت بعد نفقة نسائي ومئونة عاملي فهو صدقة » . وليس ذلك لأمّته ، وفي الواضح مشاركة الأنبياء له في ذلك .
    ط - أزواجه أمّهات المؤمنين :
    47 - ممّا اختصّ به رسول اللّه أنّ أزواجه أمّهات المؤمنين ، لا ينكحن بعده ، ولا ترى أشخاصهنّ لغير المحارم ، وعليهنّ الجلوس في بيوتهنّ ، لا يخرجن إلاّ لضرورة بعد وفاته عليه الصلاة والسلام . وتفصيله في مصطلح « أمّهات المؤمنين » .

     

 
+ الرد على الموضوع
صفحة 2 من 4 الأولىالأولى 1 2 3 4 الأخيرةالأخيرة

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

     

مواقع النشر (المفضلة)

مواقع النشر (المفضلة)

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك