بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اول خطبة لابي بكر حين تولى الخلافة, و الله ما سمعت احسن منها, و هذا دأب اكثر من عاشر النبي عليه السلام, ففهم و عمل, فكان اعلى الشخصيات في الكون بعد الانبياء, و هذا الخطبة اخرجها ابن جرير في تاريخه:
و قام في الناس ، فحمد الله و أثنى عليه و قال :
يأيها الناس ، إنما أنا مثلكم ، وأني لا أدري لعلكم ستكلفونني ما كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يطيق ، إن الله اصطفى محمداً على العالمين و عصمه من الآفات ، و إنما أنا متبع و لست بمبتدع ، فإن استقمت فتابعوني ، و إن زغت فقوموني ، و إن رسول الله صلى الله عليه و سلم قبض و ليس أحد من هذه الأمة يطلبه بمظلمة ضربه سوط فما دونها ، ألا و إن لي شيطاناً يعتريني ، فإذا أتاني فاجتنبوني ، لا أؤثر في أشعاركم و أبشاركم ، و أنتم تغدون و تروحون في أجل قد غيب عنكم علمه ، فإن استطعتم ألا يمضي هذا الأجل إلا و أنتم في عمل صالح فافعلوا ، و لن تستطيعوا ذلك إلا با الله ، فسابقوا في مهل آجالكم من قبل أن تسلمكم آجالكم إلى انقطاع الأعمال ، فإن قوماً نسوا آجالهم ، و جعلوا أعمالهم لغيرهم ، فإياكم أن تكونوا أمثالهم . الجد الجد ! و الوحا الوحا ! و النجاء النجاء ! فإن و راءكم طالبا حثيثاً ، أجلا مرة سريع . احذروا الموت ، و اعتبروا بالآباء و أبناء و الإخوان ، و لا تغبطوا الأحياء إلا بما تغبطون به الأموات .
و قام أيضاً فحمد الله و أثنى عليه ثم قال : إن الله عز وجل لا يقبل من الأعمال إلا ما أريد به و جهه ، فأريدوا الله بأعمالكم ، و اعلموا أن ما أخلصتم الله من أعمالكم فطاعة أتيتموها ، و خطأ ظفرتم به و ضرائب أديتموها ، و سلف قدمتموها من أيام فانية لأخوى باقية ، لحين فقركم و حاجتكم . اعتبروا عباد الله بمن مات منكم ، و تفكروا فيمن كان قبلكم . أين كانوا أمس ، و أين هم اليوم ! أين الجبارون ! و أين الذين كان لهم ذكر القتال و الغلبة في مواطن الحروب ! قد تضعضع بهم الدهر ، و صاروا رميماً ، قد تركت عليهم القالات ، الخبيسات للخبيثين ، و الخبيثون للخبيثات . وأين الملوك الذين أثاروا الأرض و عمروها ، قد بعدوا و نسي ذكرهم ، و صاروا كلا شيء . ألا إن الله قد أبقى عليهم التبعات ، وقطع منهم الشهوات ، و مضوا والأعمال أعمالهم ، و الدنيا دنيا غيرهم ، و بقينا خلفاً بعدهم ، فإن نحن اعتبرنا بهم نجونا ، و إن اغتررنا مثلهم ! أين الوضاء الحسنة و جوههم ، المعجبون بشبابهم ! صاروا تراباً ، و صار ما فرطوا فيه حسرة عليهم ! أين الذين بنوا المدائن و حصنوها بالحوائط ، و جعلوا فيها الأعاجيب ! قد تركوها لمنة خلفهم ، فتلك مساكنهم خاوية ، وهم في ظلمات القبور ، هل نحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزاً ! أين من تعرفون من أبنائكم و إخوانكم ، قد انتهت بهم آجالهم ، فوردوا على ما قدموا فحلوا عليه و اقاموا للشقوة و السعادة فيما بعد الموت . ألا إن الله لا شريك له ، ليس بينه و بين أحد من خلقه سبب يعطيه به خيراً ، و لا يصرف عنه به سوءاً ، إلا بطاعته و اتباع أمره . و اعلموا أنكم عبيد مدينون ، و إن ما عنده لا يدرك إلا بطاعته ، أما إنه لا خير بخير بعده النار ، و لا شر بشر بعده الجنة .
مواقع النشر (المفضلة)