بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده رسوله.
?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ?[آل عمران:102].
?يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً?[النساء:1].
?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً?[الأحزاب: 70-71].
أما بعد:
»إن أصدق الحديث كتاب، وخير الهدى هدى محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار«.
أيها الناس، يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: ?لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ * وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ * وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ * لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي كَبَدٍ?[البلد: 1-4]، ويقول الله تعالى في كتابه الكريم: ?يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مَنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً?[الحج:5].
ويقول الله سبحانه في كتابه الكريم: ?اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ?[الروم:54].
هذه الآيات العظيمة، فيها بيان ما يتقلب فيه الإنسان في حياته، من صحة ومرض، وعافية وسقم، وبؤس وسرور، ويسر وعسر، لا بد أن تمر على الحي أمور كثيرة يتقلب فيها، ومن تلك الأمور الأسقام، والأمراض، والابتلاءات، لا يمكن أن ينجو عبد في هذه الدنيا من البلاء، براً كان أو فاجراً، قال الله سبحانه: ?إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ?[النساء:104]، وقال سبحانه: ?وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً?[الفرقان:20]، وقال سبحانه: ?يَا أَيُّهَا الْأِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ?[الانشقاق:6].
وقال سبحانه في كتابه الكريم: ?وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ?[الانبياء:35]، وإنها تعرض هذه الأمور، فكان لا بد أن يعلم حكمها، ويعرف عظمها وشأنها، فيا أيها الناس، إن هذه الابتلاءات التي تحصل على بني آدم ليست على حد سواء، فيما يتعلق بأصحابها، فمن الناس من يكون البلاء عليه يرفع الله به من درجاته يوم القيامة، فبعد أن ذكر الله سبحانه، ما جرى لنبيه يوسف عليه الصلاة والسلام، قال تعالى: ?نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ?[يوسف:76].
وفي »الصحيحين« من حديث ابن مسعود رضي الله عنه، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ? وَهُوَ يُوعَكُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ لَتُوعَكُ وَعْكًا شَدِيدًا، قَالَ: »أَجَلْ إِنِّي أُوعَكُ كَمَا يُوعَكُ رَجُلَانِ مِنْكُمْ« قُلْتُ: ذَلِكَ أَنَّ لَكَ أَجْرَيْنِ؟ قَالَ: »أَجَلْ ذَلِكَ كَذَلِكَ«.
وهذا دليل أن رسل الله عليهم الصلاة والسلام تضاعف لهم الأجور، قال تعالى: ?وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ?[الانبياء: 83-84].
وهكذا ما يصابون به من الابتلاء، من الأمراض وغيرها، كل ذلك لرفع درجتهم عند الله، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: »إن العبد تكون له المنزلة عند الله، لا ينالها بعمل، فلا يزال الله سبحانه وتعالى يبتليه بما يكره حتى يبلغه إياها«، أخرجه أحمد، من حديث أبي هريرة، وهو حديث حسن.
وتكون البلوى في حق المؤمنين، أصحاب اللمم، تكفيراً لذنوبهم، ففي الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أن النبي ? قال: »ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب، ولا هم ولا حزن، ولا أذى حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه«.
فشأن المؤمن أنه إذا ابتلي صبر، وكان ذلك خيرًا له، عند الله سبحانه وتعالى، روى الإمام مسلم في »صحيحه«، من حديث صهيب بن سنان رضي الله عنه، أن النبي ? قال: »عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله له خير، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له، وليس ذلك إلا للمؤمن«.
وقال ?: »ومن يتصبر يصبره الله، وما أعطي أحد عطاء خير وأوسع من الصبر«، متفق عليه، من حديث أبي سعيد الخدري.
وروى البخاري في »صحيحه«، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي ? قال: »من يرد الله به خيراً يصب منه«، فهذه الأمراض والأسقام والابتلاءات التي يصاب بها المؤمن هي خير له، من عدة وجوه، ومن أعظم تلك الوجوه تكفير السيئات، فإن العبد يبتلى على قدر دينه، كما ثبت في حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، أن النبي ? قال: »يبتلى المرء على قدر دينه، فإن كان في دينه صلباً شدد عليه وإن كان في دينه رقة خفف عنه«.
وأخرج البخاري من حديث أنس ط، أن رسول الله ? قال: »إن الله عزوجل قال: إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه فصبر؛ عوضته منهما الجنة« يريد عينيه.
المؤمن ليس كالكافر أبداً حتى في حياته الدنيا، قال النبي ? كما في »الصحيحين« من حديث أبي بن كعب رضي الله عنه: »مثل المؤمن كمثل الخامة من الزرع، تكفؤها الريح(1)، ومثل الكافر كمثل الأرزة، لا تزال ثابتة حتى يكون إنجعافها(2) جتثاثها مرة واحدة«، المؤمن حالات كثيرة تنوبة؛ هي: مكفرات لذنوبه، والكافر قد يبتلى بالصحة في جسده، والسعة في ماله، قال الله سبحانه وتعالى: ?حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ * فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ?[الأنعام: 44-45].
وقال سبحانه وتعالى: ?سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ * وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ? [القلم:44-145] وقال: ?فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً?[الطارق:17]، وقال تعالى: ?ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً * وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَمْدُوداً * وَبَنِينَ شُهُوداً * وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً * ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ?[المدثر: 11-15].
وإذا ابتلي بالأمراض والأسقام، وغيرها من الابتلاءات، لا تكفر ذنوبه؛ ما دام مشركًا قال الله تعالى: ?بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ * لَهُمْ عَذَابٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَقُّ وَمَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ? [الرعد:33-34].
فالله عز وجل يبتليهم ويمحقهم، والمؤمن يمحصه ويثبته، قال تعالى: ?وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ?[آل عمران:141]، وما دام المؤمن مبتلى؛ فكان ينبغي له أن يأخذ من صحته لمرضه، فقد أخرج البخاري في »صحيحه« من حديث ابن عمر رضي الله عنه، قال: قال رسول الله ?: »يا عبد الله كن في الدنيا كأنك غريب، أو عابر سبيل« وكان ابن عمر يقول: إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك).
ينبغي للعاقل اللبيب أن يأخذ من صحته لمرضه، حتى لا يغبن، فإنه إذا كان في صحة ولم يأخذ لما بعدها، يغبن، قال تعالى: ?يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ?[التغابن:9]، وقال النبي الكريم عليه الصلاة والسلام: »نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ«، أخرجه البخاري من حديث ابن عباس رضي الله عنه.
الناس قد يغبونون، ولكن هذا أشد غبناً على صحته التي فرط فيها، ولم يأخذ لمرضه من العمل الصالح، ومن الزاد النافع، يغبن على تفريطه في هذا العمر، الذي يُسئل عنه يوم القيامة، فقد ثبت بمجموع طرقه من حديث ابن مسعود، وأبي برزة، ومعاذ بن جبل ن أن النبي ? قال: »لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعٍ: عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ جَسَدِهِ فِيمَا أَبْلَاهُ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ، وَفِيمَا وَضَعَهُ، وَعَنْ عِلْمِهِ مَاذَا عَمِلَ فِيهِ«.
أين أتلف هذا العمر، وأين أذهبه، وأين جعل هذه الصحة، وهذه العافية، أتزود بها للآخرة، أم أفناها في الملاهي والملاعب، والتهالك على الدنيا، فإن أعظم ما يأخذه الإنسان من صحته لمرضه العمل الصالح، فقد أخرج الإمام البخاري رحمه الله: من حديث أبي موسى الأشعري ط، أن النبي ? قال: »إذا مرض العبد أو سافر، كتب له ما كان يعمل صحيحاً مقيماً«.
إذا كان يعمل العمل الصالح في صحته، فإنه إذا مرض يكون قد أخذ من صحته لمرضه، سواء من الزاد الدينوي؛ بسبب طاعته لن يضيعه الله، أو من العمل الصالح، ويكتب له ذلك العمل الذي كان يعمله في حالة صحته، وللحديث شاهد من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، أن النبي ? قال: »إذا مرض العبد المسلم قال الله عز وجل لملائكته، اكتبوا لعبدي صالح ما كان يعمل صحيحاً، فإن شفاه غسله، وإن توفاه« أو قال: »قبضه رحمه وغفر له«.
وجاء عن عبد الله بن عمر، وآخرين، والشاهد من ذلك أن العبد المسلم الصالح، في حال صحته يأخذ من صحته لمرضه، ويتزود من حياته إلى بعد موته، قال عليه الصلاة والسلام: »إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له«، أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة ط، هذا الذي استفاد من حياته جداً.
ومن أجل الابتلاء خلق الله العباد، ليعبدوه، فمنهم من يعبده، ومنهم من لا يعبده قال سبحانه وتعالى: ?تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ?[الملك: 1-2].
فأيها المسلم خذ من صحتك لمرضك، واستقم على طاعة ربك حتى تنتفع في الدنا والأخرى، روى البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: سئل النبي ? عن أي الصدقة أعظم أجرًا؟ قال: » أن تصدق وأنت صحيح شحيح، تخشى الفقر وتأمل الغنى، ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم، قلت لفلان كذا، ولفلان كذا، وقد كان لفلان«، وربنا سبحانه وتعالى يقول في كتابه الكريم: ?وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ? [آل عمران:133-134].
خذ من صحتك لمرضك قبل أن تعرضك الأعراض، وتنخر جسمك الأمراض، فقد أخرج البخاري في »صحيحه« من حديث ابن مسعود رضي الله عنه، قال: خَطَّ النَّبِيُّ ? خَطًّا مُرَبَّعًا، وَخَطَّ خَطًّا فِي الْوَسَطِ خَارِجًا مِنْهُ، وَخَطَّ خُطَطًا صِغَارًا إِلَى هَذَا الَّذِي فِي الْوَسَطِ مِنْ جَانِبِهِ الَّذِي فِي الْوَسَطِ، وَقَالَ: »هَذَا الْإِنْسَانُ، وَهَذَا أَجَلُهُ مُحِيطٌ بِهِ، أَوْ قَدْ أَحَاطَ بِهِ، وَهَذَا الَّذِي هُوَ خَارِجٌ أَمَلُهُ، وَهَذِهِ الْخُطَطُ الصِّغَارُ الْأَعْرَاضُ، فَإِنْ أَخْطَأَهُ هَذَا، نَهَشَهُ هَذَا، وَإِنْ أَخْطَأَهُ هَذَا، نَهَشَهُ هَذَا«.
لا بد أن تنهش الإنسان أمور في هذه الحياة الدنيا، وإذا كان كذلك الواجب عليه أن يعلم أحكام هذه الأمور، أحكام هذا الذي ينهشه من حين إلى آخر، من أمراض وغيرها.
ومهما طال العمر أو قصر، فلا بد من الموت؛ قال الله تعال: ?كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ? [آل عمران:185]، وقال تعالى: ?كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْأِكْرَامِ? [الرحمن:26-27]، وقال تعال عن مؤمن آل فرعون: ?يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ? [غافر:39].
وكل شيء بقضاء الله وقدره، ولا يمكن لأحد أن يتقدم أجله أو يتأخر، قال الله تعالى: ?إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ? [القمر:49]، وقال: ?فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ? [لأعراف:34]، وقال تعالى: ?حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ? [الأنعام:61]، وقال تعالى: ?قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ? [السجدة:11].
وإن من مما ينبغي أن يُتعلمه أن يكثر الإنسان في حال مرضه؛ من الدعاء لله سبحانه، واللجوء إليه، والثقة به، قال الله سبحانه وتعالى، عن نبيه إبراهيم عليه الصلاة والسلام: ?قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ * أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ * فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلاَّ رَبَّ الْعَالَمِينَ * الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ?[الشعراء: 75-80]، فالذي يشفي هو الله سبحانه وتعالى، قال عزوجل عن نبيه أيوب ?وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ? الآية:[الأنبياء: 83-84].
وقال تعالى: ?وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ? [الأنبياء:88].
ليس مثل الثقة بالله سبحانه دواء ولا شفاء، فإن الله هو الشافي، من أسمائه الشافي، كما روى الشيخان في »صحيحيهما«، من حديث عائشة رضي الله عنها، قالت: (كان رسول الله ? إذا عاد مريضاً دعا له)، يضع يده عليه ثم يقول: »اللهم رب الناس، اذهب البأس، اشفِ أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقماً«.
عاد النبي ? سعد بن أبي وقاص، وهو مريض، فقال: »اللهم اشف سعداً، اللهم اشف سعداً، اللهم اشف سعداً«، أخرجه مسلم.
وجاء جبريل إلى النبي ? قال: يا محمد، اشتكيت؟ قال: نعم، قال: »بسم الله أرقيك، من كل شيء يؤذيك، من كل شر كل نفس وعين حاسد، الله يشفيك«، أخرجه مسلم من حديث أبي سعيد الخدري.
فكن واثقاً بالله أيها المريض، وأن الشفاء لا يجلب لك، إلا إذا أراده الله سبحانه وتعالى، فأكثر من دعائه عزوجل، فقد أرشد النبي ? عثمان بن أبي العاص لذلك الدعاء العظيم، لما شكى مرضاً في جسده، فقال: ضع يدك على المكان الذي تألّم، ثم قل: »بسم الله ثلاثاً، وقل سبع مرات: أعوذ بعزة الله وقدرته، من شر ما أجد وأحاذر«.
فأمره رسول الله ? أن يستعيذ بالله، وأن يلجأ إلى الله سبحانه، لأنه يعلم الظاهر والباطن، ومهرة الأطباء قد لا تعلم مرضاً في الإنسان، وإذا علمته لا تستطيع شفاءه، والله سبحانه يعلمه، وإذا أراد أن يشفيه شفاه.
وعليك بقراءة القرآن وتدبره، والعمل به، والاستشفاء به؛ بالرقية الشرعية، فالقرآن فيه شفاء بإذن الله قال تعالى: ?وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَاراً?[الاسراء:82].
وقال تعالى: ?يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ? [يونس:57]، وقال تعالى: ?وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ? [الأنعام:92].
فالقرآن فيه أدعية عظيمة، وفيه شفاء عظيم.
وماء زمزم: قال النبي ?: »طعام طعم، وشفاء سقم«.
والكمأة: قال النبي ?: »الكمأة من المن، وماؤها شفاء للعين«.
والحبة السوداء، قال النبي ?: »الحبة السوداء شفاء من كل داء إلا السام«، والعسل، والحجامة: قال النبي ?: »الشفاء في ثلاث: شربة، وشرطة محجم، وكية نار، وأنهى أمتي عن الكي«.
وقال الله عز وجل عن العسل: ?فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ?[النحل:69].
وبعض الأمراض لبن الإبل لها شفاء بإذن الله، ففي »الصحيحين« من حديث أنس ط أن أناسًا قدموا المدينة على النبي ? فاجتووا المدينة، فأمرهم النبي ? أن يلحقوا بالذود؛ فيشربون من ألبانها وأبوالها فشربوا، وصحوا، وسمنوا، كل هذه أدوية ثابتة من الكتاب والسنة.
واحذر أيها المسلم أن تذهب إلى الكهان، فإن النبي ? قال: »من أتى كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد«، وإنه عليه الصلاة والسلام قد أخبر: »أن من أتى كاهناً لا تقبل له صلاة أربعين يوماً«، والحديثان ثابتان.
الأول ثابت، والثاني في »صحيح مسلم«، وإياك والطيرة؛ أن تتطير بفلان، أو فلان، فإن الطيرة شرك، قال ابن مسعود رضي الله عنه، عن النبي ? »الطيرة شرك، الطيرة شرك«، أخرجه أبو داود، بسند صحيح.
وعليك بالرقية الشرعية، وإن طلبت الرقية فإنه ليس بحرام طلب بالرقية، قال النبي ?: »استرقوا لها«، وأمر عائشة بالرقية، وأما حديث: »لا يسترقون، ولا يتطيرون، ولا يكتون وعلى ربهم يتكلون«، فهذا فيه أنه للأفضل فقط، وقد وجد من الصحابة رضوان الله عليهم أنه قال: يا رسول الله، أدع الله أن أكون منهم؟ قال: »سبقك بها عكاشة«.
فالرقية مأذون فيها عن النبي ? من الحمه، »لا رقية إلا من عين، أو حمة«، وقال النبي ?: »إن كان شيئاً يسبق القدر فإنه العين«.
وقوله: »لا رقية إلا من عين أو حمة« (3)، ليس معناه أن الرقى الباقية ما فيها نفع، فإنها بإذن الله عز وجل نافعة، وليست شافية بذاتها، ولكن هي سبب للشفاء من الله عز وجل، ?وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ?[الشعراء:80].
قال النبي ?: »اشف أنت الشافي«، فمقصود ذلك لا رقية أتم، لا رقية أنفع، وأذن في الرقية من النملة، والنملة ليست لسعة النملة، ولكن مرض يأخذ في الجلد فيكون المريض يشعر كأن نملة تلسعه في ذلك الموضع، فأذن النبي ? بالرقية من ذلك المرض، كما في »الصحيح«.
واعلم أنه يجب عليك أن تحسن الظن بالله عز وجل، قال عليه الصلاة والسلام: »لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بربه«، أخرجه مسلم من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه، وفي »الصحيحين« من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي ? قال: » قال الله عز وجل: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني«.
وصح عند أحمد، من حديث أنس بن مالك ط، أن النبي ? قال فيما يرويه عن ربه: »أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا دعاني«.
وجاء عن النبي ? أنه قال: »قال الله عزوجل: أنا عند ظن عبدي بي، فليظن عبدي بي ما شاء«، أخرجه أحمد، في »المسند«، من حديث واثلة بن الأسقع ط، وهو حديث صحيح، وما أحسن ما قيل:
فلا تظن بربك ظن سوء
فإن الله أولى بالجميل
ما يجوز لك أن تظن بالله سواء، فأحسن الظن بالله سبحانه وتعالى، فأنت على وشك السفر والرحيل إلى الله سبحانه وتعالى، ومن طاعة الله حسن الظن به عزوجل؛ يرحمك الله وينجيك الله من عذابه؛ إن وفقك لذلك.
وبادر بالتوبة فتفلح؛ قال تعالى: ?وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ?[النور:31]، وقد أمر الله عز وجل نبيه في ذلك الحين، عند دنو الأجل أن يتوب، وهو إمام المتقين، وسيد المرسلين، وخليل رب العالمين، فقال تعالى: ?إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً?[النصر: 1-3].
لما سئل ابن عباس عن هذه السورة، قال: ذلك أجل رسول الله ?، أعلمه الله له، فإذا رأيت الفتح، فاعلم أن أجلك قد اقترب، ?فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً?[النصر:3]، قال عمر: ما أعلم منها إلا ما تعلم، كما في »الصحيح«.
وقد كان رسول الله ? بعد نزول هذه السورة يتأول هذه السورة ويقول في ركوعه وسجوده: »سبحانك، اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي«، من هذا الاستغفار، فتب إلى الله قبل الغرغرة، فإنك حينئذٍ إن تبت ما لم تغرغر، تكون قد تبت من قريب، قال الله سبحانه: ?إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً * وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ?[النساء: 17-18].
ومما يدل على أن التوبة تقبل قبل الغرغرة، ما ثبت عن ابن عمر ط، أن النبي ? قال: »إن الله عزوجل يقبل الله توبة العبد ما لم يغرغر«، وحديث أبي موسى في »صحيح مسلم« أن النبي ? قال: »إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل«، أخرجه مسلم.
فبادر بالتوبة، وفي »الصحيحين« من حديث المسيب بن حزن ط، أن النبي ? دخل على أبي طالب وهو يحتضر، فقال: »يا عم قل لا إله إلا الله، كلمة أحاج لك بها عند الله«، قال أهل العلم: إن هذا الكلام قاله رسول الله ? لأبي طالب قبل أن تبلغ روحه الحلقوم، أما إذا بلغت الحلقوم فلا تنفع التوبة، ولما قال فرعون عليه لعائن الله: ?آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرائيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ?[يونس:90]، حين بلغت روحه الحلقوم، قال الله عز وجل: ?آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ?[يونس:91] ?فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ?[يونس:92].
الواجب على المسلم المبادرة بالتوبة إلى الله سبحانه، وعدم التسويف؛ فإن التسويف من أماني الشيطان.
وللتوبة الصحيحة مع ما تقدم، خمسة شروط، الشرط الأول: الإقلاع عن الذنب، الذي أنت واقع فيه، الشرط الثاني: الندم على فعل الذنب، الشرط الثالث: العزم على أن لا تعود إلى هذا العمل المحرم؛ فإن كنت ناويًا على أنك تعود إلى هذه المعصية؛ إذا شفيت، أو سنحت لك فرصة؛ فإن التوبة منه لا تصح، لأن هذه توبة عاجز عن فعل المحرم.
الشرط الرابع مع ما تقدم: أنه إن كانت عليه حقوق آدميين، أو مظالم لمخلوقين؛ أن يتحلل من أصحابها، فإن كانت مالًا أو نحوه رده إليه، أو كانت غيبة أو قذفًا، طلب عفوه ومسامحته، وإن كان حدًا مكنه من الاقتصاص منه، إلا إذا عفا عنه.
الشرط الخامس: الإخلاص في ذلك كله لله عزوجل.
الواجب عليك التحلل من مظالم الناس، والتحلل من سائر الذنوب حتى ترحل وأنت خفيف، قال النبي ? »من كانت له مظلمة فليتحلل منها قبل أن لا يكون درهم ولا دينار، إنما هي الحسنات والسيئات«؛ وقد قال رسول الله ?: »وإنما الأعمال بخواتيمها«، متفق عليه، من حديث سهل بن سعد، وهذا للفظ للبخاري، فمن وفقه الله عزوجل للتحلل من مظالم الناس وحقوقهم، ومن سائر الذنوب، وكان على توحيد الله عزوجل قبل موته، فهذه خاتمة حسنة له، فقد ثبت في »مسند أحمد« من حديث عمرو بن الحمق ط، أن النبي ? قال: »إذا أراد الله بعبده خيرًا استعمله«، وفي رواية: »عسله« قيل: وما عسله يا رسول الله؟ قال: »يفتح له عملًا صالحًا بين يدي موته، حتى يرضى عنه من حوله«.
ويجب عليك التحلل من الدين؛ بالمبادرة بقضائه، روى الإمام مسلم في »صحيحه«، من حديث أبي قتادة رضي الله عنه، أن النبي ? قال له رجل: يا رسول الله، أرأيت إن قتلت في سبيل الله، تكفر عني خطاياي؟ قال النبي ?: »نعم، إذا قتلت وأنت مقبل غير مدبر، صابر محتسب«، ثم قال: »أعد علي ما قلت«، فأعاد عليه، فقال: »إلا الدين، فإن جبريل أخبرني بذلك آنافاً«.
وقال النبي ?: »نفس المؤمن معلقة بدينه«، وقال عليه الصلاة والسلام، عن مديون قضي عنه دينه: »الآن بردت عليه جلدته«، وقال النبي ?، كما روى الإمام مسلم في »صحيحه« من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: »أتدرون من المفلس؟«، قالوا: المفلس يا رسول الله، ما لا درهم له ولا متاع، قال: »المفلس من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام، ويأتي وقد لطم هذا، وشتم هذا، وضرب هذا، وسفك دم هذا، وأخذ مال هذا، فيؤخذ لهذا من حسناته، ويؤخذ لهذا من حسناته، ويؤخذ لهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته أخذ من سيئاتهم فطرحت عليه«، وأخرج البخاري في »صحيحيه« من حديث أبي هريرة أن النبي ? قال: »من أخذ أموال الناس يريد أداءها، أدى الله عنه، ومن أخذها يريد إتلافها، أتلفه الله«.
فتحلل من مظالم الناس أيها المسلم، قبل أن تأتي يوم القيامة مفلساً، وتذهب حسناتك بأيديهم، واستسمح منهم، وهذا من شروط التوبة فيما يتعلق بحقوق الآدميين، كما تقدم.
احذر أيها المريض أن تتضجر وأن تتسخط على الله، فإن هذه خاتمة سيئة، قال النبي ? كما في »الصحيحين«، من حديث ابن مسعود قال: حدثنا رسول الله ?، وهو الصادق المصدوق: »يجمع أحدكم خلقه في بطن أمه أربعين يوماً نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح، ويؤمر بأربع كلمات، بكتب رزقه وأجله وشقي أو سعيد، والله الذي لا إله إلا هو إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها«.
وعليك أن تكثر من شكر الله سبحانه وتعالى؛ فإن الله إن شفاك فهو بفضله ومحض كرمه، فقد ثبت من حديث جابر بن سليم رضي الله عنه، أنه قال: دخلت فرأيت رجلاً إذا تكلم صدر الناس عن كلامه، فقلت من هذا؟ قالوا: هذا رسول الله ?، فأتيته فقلت: أنت رسول الله؟ قال: »نعم، أنا رسول الله، الذي إذا أصابك ضر فدعوته كشفه عنك، وإذا أصابتك عام سنة، أو عام جدب فدعوته أنبتها لك، وإذا كنت في أرض قفر فضلت راحلتك فدعوته، ردها عليك«.
كان يخاطب ذلك الأعرابي بذلك الخطاب العظيم، فيما يتعلق بشأنه، ومن شأنه أنه صاحب مواشي، وقد تضل راحلته، فدله على هذا الدعاء، وأن الله سبحانه وتعالى إذا دعاه إنسان متضرر كشف عنه الضر، والله عزوجل يقول: ?أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ?[النمل:62]، وصح من حديث أبي هرية ط، عند الإمام أحمد في »المسند« أن النبي ? قال: »إن الله عزوجل يقول: عبدي المؤمن عندي بمنزلة كل خير، يحمدني وأنا أنزع نفسه من بين جنبيه«.
عليك بالوصية في حالة مرضك، توصي بحقوق الناس، وما يتعلق بحقوق أولادك، وما يتعلق بحقوق أزواجك، وما يتعلق بحقوق المسلمين، إذا كان عليك شيء فتلزمك الوصية، قال عليه الصلاة والسلام: »ما حق امرئ مسلم يبيت ليلتين وعليه شيء يوصي به، إلا ووصيته مكتوبة عنده «، متفق عليه من حديث ابن عمر ط.
وفي »الصحيحين« من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، أنه لما مرض قال: أتاه النبي ? يعوده، فقال يا رسول الله، إني أشتد بي الوجع ولا يرثني إلا ابنة لي، أفاتصدق بثلثي مالي، قال: لا، قال: أفتصدق بشطر مالي؟ قال: لا، قال: بثلث مالي؟ قال: »الثلث، والثلث كثير، إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس«.
ومن أسباب التوفيق للمريض: أن يتصدق، ولكن في حال مرضه المخوف، ليس له أن يتصدق إلا بالثلث كما تقدم قبله، في حديث سعد بن أبي وقاص، أما في حالة صحته، فيجوز له أن يتصدق بماله كله، فقد تصدق أبو بكر رضي الله عنه بماله كله، فقال له النبي ?: »يا أبا بكر، ماذا أبقيت لأهلك«، قال: أبقيت لهم الله ورسوله، فلم ينكر عليه رسول الله ?، ونُقل الاتفاق على أن الصحيح له أن يتصدق بماله كله، أما من كان في مرض شديد كما هو شأن سعد، فلا يجوز له إلا الثلث فما دون، قال ابن عباس: وددنا أنهم غضوا عن الثلث؛ لأن النبي ? قال: »والثلث كثير«.
وفي حالة مرضك عليك أن تكثر من ذكر الله سبحانه وتعالى، حتى تتعود على ذلك فإنك إن مت وأنت ذاكر لله مت على خير، قال عليه الصلاة والسلام: »من قال لا إله إلا الله دخل الجنة يومًا من الدهر وإن أصابه قبل ذلك ما أصابه«، وقال: »من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة«.
وقال النبي ?: كما في »صحيح مسلم« من حديث أبي هريرة، وأبي سعيد: »لقنوا موتاكم لا إله إلا الله«، فهنيئاً لمن عود، ورطب لسانه بذكر الله، فقد ثبت من حديث عبد الله بن بسر أن رجلاً قال: يا رسول الله، إن شرائع الإسلام قد كثرت عليّ، فدلني على عمل إذا عملته دخلت الجنة، قال: »لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله«، وصح عند ابن أبي عاصم في »السنة« أن النبي ? قال: »بخ بخ، ما أثقلهن في الميزان: سبحان الله والحمدلله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، والولد الصالح يتوفى للمرء فيحتسبه«.
وإن من تعود على ذكر الله، على التهليل والتسبيح والتحميد، وقراءة القرآن، وسماعه وتدبر، وغير ذلك من طاعة الله عز وجل، عسى الله أن يوفقه لذلك عند موته، وقد ثبت في »صحيح مسلم« عن جابر بن عبد الله ط، أن النبي ? قال: »يبعث كل عبد على ما مات عليه«، فإذا مات وهو على توحيد، يبعث على التوحيد، ويدل على ذلك ما أخرجه الشيخان من حديث ابن عباس ط في الرجل الذي وقصته ناقته وهو محرم، قال النبي ?: »لا تخمروا رأسه، ولا تمسوه طيبًا؛ فإنه يبعث يوم القيامة ملبيًا«.
وأهل التوحيد من الآمنين، قال تعالى: ?الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ?[الأنعام:82]، والظلم هنا، المقصود به الظلم الأكبر وهو الشرك.
يتبع>>>>>>
مواقع النشر (المفضلة)