بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
فليُعلم أنّ قولنا: بداية الشهر، ببداية خروج القمر عن المحاق، لم نقصد منه أنّ تلك اللحظة مهما كانت فهي بداية حساب الايّام أو مدار نصّ الفروض والاحكام، كي يرد عليه ما توهّم.
وإنّما أردنا بذلك دفع ما توهّم أنّ بدوّ الهلال كبزوغ الشمس للنهار، ظاهرة أُفقيّة لسكّان الارض؛ فيهلّ الهلال في أُفق لاُناس ليلةً ثمّ في آخر لآخرين ليلةً أُخري، كما تشرق الشمس في أُفق ساعةً لقوم ثمّ لآخرين ساعةً أُخري، وهكذا.
فدفعنا الوهم بأنّ بداية النهار غير بداية الشهر.
إذ الطلوع ظاهرة أُفقيّة تحدث من حركة الارض الوضعيّة، فتجدّد لها آفاق تجاه الشمس، فيتعدّد لا محالة نهار لكلّ أُفق، فلا يكون نهار قوم نهاراً لمن لم يخرج بعد من ظلام الليل؛ وليس هكذا الهلال.
فإنّه حادث سماويّ، يحدث من ابتعاد القمر عن تحت الشعاع عدّة درجات بالقياس إلي سكّان الارض، يبدو لهم منه قوس الهلال.
حتّي ولو قدّر أن لم تكن الارض بآفاقها، وكان الناظرون في الفضاءِ كما هم علي الارض، يحجبهم كوكب عن الشمس فيبدو عليهم الليل؛ يرون الهلال.
ولذا تري في واقعنا الذي نعيش فيه، لو رئي الهلال في أُفق من الارض كإسبانيا علي ما مثّلت ولم ير في طهران، لا يصحّ أن يقال: صار القمر هلالاً في إسبانيا ولم يصر بعد هلالاً في طهران؛ حين يصحّ أن يقال: صار الوقت نهاراً هنا ولم يَصر بعد نهاراً هناك.
و ذلك لارتباط النهار بهما، وعدم ارتباط الهلال بأيّ منهما إلاّ في الرؤية لا الهلاليّة.
فالقمر حينئذٍ هلال لاءسبانيا ولطهران ولايّ أُفق خيّمت عليه ليلة الرؤية.
هذا ما أردنا من حديث بداية الخروج لبداية الشهر.
أمّا بداية الحساب فلابدّ أن تكون من أوّل الليل ليلة الرؤية، مهما تحقّق الخروج، حتّي يعلم بوجوده في السماء بالرؤية التي هي الطريق العامّ الوحيد في سهولة التناول لكلّ أحد.
ولا تكون غالباً إلاّ في أوّل الليل، أو قريباً منه. فيتّخذونه بدايةً لاوقات شهورهم. يَسْـَلُونَكَ عَنِ الاْهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَ قِيتُ لِلنَّاسِ.[92] فمواقيت الناس من الشهر تبدأ عندهم من أوّل ليل يري فيه الهلال.
والشارع قرّرهم عليه في أحكامه أيضاً؛ يشهد له قول الصادق عليه السلام في صحيح حمّاد: إذا رَأَوُا الْهِلاَلَ قَبْلَ الزَّوَالِ فَهُوَ لِلَّيْلَةِ الْمَاضِيَةِ، وَإذَا رَأَوْا بَعْدَ الزَّوَالِ فَهُوَ لِلَّيْلَةِ الْمُسْتَقْبِلَةِ[93] و نحوه غيره؛ حيث أضاف الهلال إلي الليل، وإن اتّفقت الرؤية نادرةً في اليوم.
فنحن أيضاً لا نعدو عن ذلك، ولا نختلف مع المشهور أو معك فيه؛ و الوجه ما مرّ آنفاً.
فسقط جملة من النقود التي بيّنتها علي توهّم الخلاف وجعلتها لازم المختار.
وأمّا النقد بأن لو كان ملاك البداية ما ذكر فلابدّ أن يعمّ جميع الآفاق ولا يختصّ بالفوق من الارض ولا مزيّة توجب هذا الاختصاص، علي طول مقالٍ لك في صحيفة 41 [ 63 ] في ذلك؛ فيدفعه أنّ المزيّة هي ما قرّرنا من أخذ البداية من الليل ليل الرؤية.
و الليل الذي رئي فيه إنّما هو الظلّ الواحد للنصف الجانبيّ المعاكس لواجهة الشمس، كما أنت خبير به؛ وهذا ليس لجميع الآفاق بل للنصف الفوق، والنصف الآخر نهار في أوقاته غالباً، أعني غير القطبيّة، والنهار دائماً تبع ليله السابق في العدّ، فلا يكون بحساب هذا الليل بل بحساب الشهر الماضي، فإذا وصل الظلّ إليه في دوره لتلك الآفاق عدّت فيها بالاوّليّة.
وإن شئتَ قلتَ: إنّ ليلة الرؤية ليلة واحدة بأربع وعشرين ساعةً يتبعها نهار واحد بأربع وعشرين ساعةً، يعدّان أوّل الشهر، ثمّ يتبعهما ليال وأيّام كذلك حتّي يتمّ ثلاثين أو تسعةً وعشرين فيكمل شهر واحد، ويتبعه شهور كذلك حتّي يتمّ اثنا عشر شهراً كما في كتاب الله تعالي؛ وأمّا علي المشهور الذي أيّدته فكاد أن يتمّ أربعةً وعشرين شهراً علي أقلّ تقدير، ولا ينبّئك مثل خبير.
مواقع النشر (المفضلة)