التزوج بالأحرار، مكاتبة الأرقاء، والإكراه على الزنى
{وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ(32)وَلْيَسْتَعْفِ فِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ(33)وَلَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ ءاياتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَمَثَلا مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ(34)}.
سبب النزول:
نزول الآية (33):
{وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ}: أخرج ابن السكن أنها نزلت في غلام لحُوَيْطب بن عبد العُزّى يقال له: صبيح، سأله مولاه (عبده) أن يكاتبه، فأبى عليه، فأنزل الله تعالى هذه الآية، وكاتبه حويطب على مائة دينار، ووهب له منها عشرين ديناراً فأداها، وقتل يوم حُنَيْن في الحرب.
نزول آية: {وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ }:
أخرج مسلم وأبو داود عن جابر رضي الله عنه أنه كان لعبد الله بن أبي جاريتان: مُسَيْكة وأُميمة، فكان يكرههما على الزنى، فشكتا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله: {وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ } الآية.
وقال مقاتل: كانت إماء أهل الجاهلية يساعين على مواليهن، وكان لعبد الله بن أبي رأس النفاق ست جوار: معاذة، ومُسَيْكة، وأميمة، وعمرة، وأروى، وقُتَيْلة، يكرههن على البغاء، وضرب عليهن ضرائب، فجاءت إحداهن ذات يوم بدينار، وجاءت أخرى بدونه، فقال لهما: ارجعا فازنيا، فقالتا: والله لا نفعل، قد جاءنا الله بالإسلام وحرَّم الزنى، فأتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وشكيتا إليه، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
{وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ} أي زوجوا أيها المؤمنون من لا زوج له من الرجال والنساء من أحرار رجالكم ونسائكم قال الطبري: الأيامي جمع أَيِّم، يوصف به الذكر والأنثى يقال: رجل أَيِّم وامرأة أَيمِّة إذا لم يكن لها زوج {وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ } أي وأنكحوا كذلك أهل التقوى والصلاح من عبيدكم وجواريكم قال البيضاوي: وتخصيص الصالحين لأن إحصان دينهم والاهتمام بشأنهم أهمُّ، وفيه إشارة إلى مكانة التقى والصلاح في الإِنسان {إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} أي إن يكن هؤلاء الذين تزوجونهم أهل فاقةٍ وفقر فلا يمنعكم فقرهم من إنكاحهم، ففي فضل الله ما يغنيهم {وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} أي واسع الفضل، جواد كريم، يعطي الرزق من يشاء وهو عليم بمصالح العباد قال القرطبي: وهذا وعدٌ بالغنى للمتزوجين طلباً لرضى الله، واعتصاماً من معاصيه وقال ابن مسعود: التمسوا الغنى في النكاح وتلا هذه الآية وفي الحديث (ثلاثة حقٌّ على الله عونهم: الناكح يريد العفاف، والمكاتب يريد الأداء، والغازي في سبيل الله) {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحًا} أي وليجتهد في العفة وقمع الشهوة الذين لا تتيسر لهم سبل الزواج لأسباب مادية {حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} أي حتى يوسع الله عليهم ويسهل لهم أمر الزواج، فإن العبد إذا اتقى الله جعل له من أمره فرجاً ومخرجاً {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم} أي والذين يريدون أن يتحرروا من رقِّ العبودية بمكاتبة أسيادهم من العبيد والأرقاء {فَكَاتِبُوهمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} أي فكاتبوهم على قدر من المال إن عرفتم منهم الأمانة والرشد ليصيروا أحراراً {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ }أي أعطوهم مما أعطاكم الله من الرزق ليكون لهم عوناً على فكاك أنفسهم {وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ} ولا تكرهوا أي لا تجبروا إماءكم على الزنى {إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا} أي إن أردن التعفف عن مقارفة الفاحشة، وليس هذا للقيد أو الشرط وإنما هو لبيان فظاعة الأمر وشناعته، فالأصل في المملوكة أن يُحصنها سيدها أمّا أن يأمرها بالزنى وتمتنع وتريد العفة فذلك منتهى الخسة والدناءة منه قال المفسرون: نزلت في "عبد الله بن سلول" المنافق كان له جاريتان إحداهما تسمى "مُسَيْكة" والثانية تسمى "أميمة" فكان يأمرهما بالزنى للكسب ويضربهما على ذلك فشكتا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت الآية {لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} أي لأجل أن تنالوا حطام هذه الحياة الزائل، وتحصلوا على المال بطريق الفاحشة والرذيلة {وَمَنْ يُكْرِهُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ} أي ومن يجبرهن على الزنى فإن الله غفور لهن رحيم بهن لا يؤاخذهن بالزنى لأنهن أُكرهن عليه وسينتقم ممن أكرههن شر انتقام {وَلَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ} أي والله لقد أنزلنا إليكم أيها المؤمنون آيات واضحات وأحكاماً مفصلات {وَمَثَلا مِنْ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ} وضربنا لكم الأمثال بمن سبقكم من الأمم لتتعظوا وتعتبروا {وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ} أي وعظة وذكرى للمتقين.
المنَاسَبَة:
لما وصف تعالى نفسه بأنه أنزل آياتٍ مبينات، وأقام دلائل واضحات على وحدانيته، واختصاصه بتشريع الأحكام التي بها سعادة المجتمع، عقَّبه بذكر مثلين: أحدهما في بيان أنَّ دلائل الوحدانية والإِيمان في غاية الظهور والثاني: في بيان أن أديان الكفرة في نهاية الظلمة والخفاء، وبالمقارنة بين المثلين يتضح الصبح لذي عينين.
نور الله تعالى يملأ السماوات والأر
{اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ(35)}
{اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} أي الله جلَّ وعلا منور السماوات والأرض، أنار السماواتِ بالكواكب المضيئة، والأرض بالشرائع والأحكام وبعثة الرسل الكرام قال الطبري: أي هادي أهل السماوات والأرض فهم بنوره إلى الحق يهتدون، وبهداه من حيرة الضلالة يعتصمون وقال القرطبي: النور عند العرب: الضوء المدرك بالبصر واستعمل مجازاً في المعاني فيقال كلامٌ له نور قال الشاعر:
نسبٌ كأن عليه من شمس الضحى نوراً ومن فلق الصباح عمودا
وقال جرير "وأنتَ لنا نورٌ وغيثٌ وعصمة" يقولون: فلانٌ نور البلد، وشمسُ العصر وقمره، فيجوز أن يقال: نور على جهة المدح لأن جميع الأشياء منه ابتداؤها، وعنه صدورها، وبقدرته استقامت أمورها، وقال ابن عطاء الله: "الكون كله ظلمة أناره ظهور الحق فيه، إذ لولا وجود الله ما وجد شيء من العالم" وفي الحديث (اللهم لك الحمد أنت نور السماوات والأرض ومن فيهن" وقال ابن مسعود: "ليس عند ربكم ليلٌ أو نهار، نور السماوات والأرض نور وجهه" وقال ابن القيم: سمَّى الله سبحانه نفسه نوراً، وجعل كتابه نوراً، ورسوله نوراً، واحتجب عن خلقه بالنور، وقد فسرت الآية بأنه منور السماوات والأرض، وهادي أهل السماوات والأرض، وأما من فسرها بأنه منور السماوات والأرض فلا تنافي بينه وبين قول ابن مسعود {مَثَلُ نُورِهِ} أي مثل نور الله سبحانه في قلب عبده المؤمن {كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ } أي ككوة في الحائط لا منفذ لها ليكون أجمع للضوء وضع فيها سراج ثاقب ساطع قال ابن جزي: المعنى صفةُ نور الله في وضوحه كصفة مشكاةٍ فيها مصباح على أعظم ما يتصوره البشر من الإِضاءة والإِنارة، وإنما شبه بالمشكاة - وإن كان نورُ الله أعظم - لأن ذلك هو ما يدركه الناس من الأنوار ضرب لهم به المثل{الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ} أي في قنديل من الزجاج الصافي {الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ} أي تشبه الكواكب الدري في صفائها وحسنها {يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ} أي يشعل ذلك المصباح من زيت شجرة مباركة {زَيْتُونِةٍ} أي هي من شجرة الزيتون الذي خصه الله بمنافع عديدة {لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ} أي ليس في جهة الشرق ولا في جهة الغرب، وإنما هي في صحراء منكشفة تصيبها الشمس طول النهار لتكون ثمرتها أنضج، وزيتُها أصفى قال ابن عباس: هي شجرة بالصحراء لا يظلها شجر، ولا جبلٌ، ولا كهف، ولا يواريها شيء وهو أجود لزيتها {يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ} مبالغة في وصف صفاء الزيت وحسنه وجودته أي يكاد زيتُ هذه الزيتونة يضيء من صفاته وحسن ضيائه ولو لم تمسَّه نار، فكيف إذا مسته النار؟ {نُورٌ عَلَى نُورٍ} أي نور فوق نور فقد اجتمع نور السراج، وحسن الزجاجة، وصفاء الزيت، فاكتمل النور الممثل به {يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ} أي يوفق الله لاتباع نوره - وهو القرآن - من يشاء من عباده {وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ} أيّ يبين لهم الأمثال لأفهامهم ليعتبروا ويتعظوا بما فيها من الأسرار والحكم {وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} أي هو سبحانه واسع العلم لا يخفى عليه شيء من أمر الخلق، وفيه وعدٌ ووعيد قال الطبري: ذلك مثلٌ ضربه الله للقرآن في قلب أهل الإِيمان به فقال: مثل نور الله الذي أنار به لعباده سبيل الرشاد مثل كوة في الحائط لا منفذ لها فيها مصباح أي سراج، وجعل السراج مثلاً لما في قلب المؤمن من القرآن والآيات البينات ثم قال {الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ} وذلك مثلٌ للقرآن في قلب المؤمن الذي أنار الله صدره فخلص من الكفر والشك، ثم قال {الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ} أي كأن الزجاجة في صفائها وضيائها كوكب يشبه الدر في الصفاء والضياء والحسن {يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ} أي تَوقَدَّ هذا المصباح من دهن شجرة مباركة هي شجرة الزيتون، ليست شرقية تطلع عليها الشمس بالعشي دون الغداة، ولكن الشمس تشرق عليها وتغرب فيكون زيتها أجود وأصفى وأضوأ {يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ} أي يكاد زيت هذه الزيتونة يضيء من صفائه وحسن ضيائه وعنى بها أن حجج الله على خلقه تكاد من بيانها ووضوحها تضيء لمن فكر فيها ونظر لو لم يزدها الله بياناً ووضوحاً بنزول هذا القرآن، فكيف وقد نبههم به وذكرهم بآياته فزادهم به حجة! وذلك بيانٌ من الله ونور على البيان.
المؤمنون المهتدون بنور الله تعالى
{فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ(36)رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ(37)لِيَجْزِ يَهُمْ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ(38)}.
ثم لما ذكر تعالى هدايته لمن يشاء من عباده، ذكر مواطن هذه العبادة وهي المساجد أحبُّ البقاع إلى الله فقال {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ} أي أمر تعالى أن تبنى وتشاد على اسمه خاصة، وان تعظَّم ويرفع شأنها لتكون مناراتٍ للهدى ومراكز للإِشعاع الروحي قال ابن عباس: المساجد بيوتُ الله في الأرض، تضيء لأهل السماء كما تضيء النجوم لأهل الأرض {وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} أي يعبد فيها الله بتوحيده، وذكره، وتلاوة آياته {يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ} أي يصلي لله تعالى في هذه المساجد في الصباح والمساء المؤمنون قال ابن عباس: كلُ تسبيح في القرآن فهو صلاة {رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ} أي لا تشغلهم الدنيا وزخرفتها وزينتها عن ذكر ربهم، ولا يلهيهم البيع والشراء عن طاعة الله قال المفسرون: نزلت هذه الآية في أهل الأسواق من الصحابة رضوان الله عليهم، كانوا إذا سمعوا النداء تركوا كل شغل وبادروا لطاعة الله {وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ} أي ولا تشغلهم الدنيا عن إقامة الصلاة في أوقاتها، ودفع الزكاة للفقراء والمستحقين بحدودها وشروطها {يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ} أي يخافون يوماً رهيباً تضطرب من شدة هوله وفزعه قلوب الناس وأبصارهم {لِيَجْزِيَهُمْ اللهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا} أي ليكافئهم على أعمالهم في الدنيا بأحسن الجزاء، ويجزيهم على الإِحسان إحساناً، وعلى الإِساءة عفواً وغفراناً {وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ} أي يتفضل عليهم فوق ذلك الجزاء بما لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشر { وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} أي يعطي من شاء من خلقه عطاءً واسعاً بدون حدٍّ ولا عدٍّ يقال فلان ينفق بغير حساب أي يوسع كأنه لا يحسب ما ينفقه قال الإِمام الفخر الرازي: نبه به على كمال قدرته، وكمال جوده، وسعة إحسانه، فإنه سبحانه يعطيهم الثواب العظيم على طاعاتهم، ويزيدهم الفضل الذي لا حد له في مقابلة خوفهم.
أعمال الكفار في الدنيا لا تنفعهم في الآخرة
{وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ(39)أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ(40)}.
سبب النزول:
نزول الآية (39):
{وَالَّذِينَ كَفَرُوا}: روي أنها نزلت في عتبة بن ربيعة بن أمية، قد كان تعبَّد في الجاهلية، ولبس المسوح، والتمس الدِّين، فلما جاء الإسلام كفر. وقيل: في شيبة بن ربيعة. وكلاهما مات كافراً.
ولما ذكر تعالى حال المؤمن وسعادته، ذكر حال الكافر وخسارته، وضرب لذلك مثلين: الأول لعمله والثاني لاعتقاده وتخبطه في الظلمات فقال {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ} أي إن أعمال الكفار التي عملوها في الدنيا وظنوها أعمالاً صالحة نافعة لهم في الآخرة كالسراب الذي يرى في القيعان وهو ما يرى في الفَلوات من ضوء الشمس في الهجيرة حتى يظهر كأنه ماء يجري على وجه الأرض {يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً} أي يظنه العطشان من بعيد ماءً جارياً {حَتَّى إِذَا جَاءَهُ} أي حتى إذا وصل إليه {لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا} أي لم ير ماءً ولا شراباً، وإنما رأى سراباً فعظمت حسرته {وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ} أي وجدَ الله له بالمرصاد فوفّاه جزاء عمله، فكذلك الكافر يحسب أن عمله ينفعه حتى إذا مات وقدم على ربه لم يجد شيئاً من الأعمال لأنها ذهبت هباءً منثوراً {وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ} أي يعجل الحساب لأنه لا يشغله محاسبة واحد عن آخر {أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ} هذا المثل الثاني لضلال الكفار والمعنى أو مثلهم كظلماتٍ متكاثفة في بحرٍ عميقٍ لا يدرك قعره {يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ} أي يغطي ذلك البحر ويعلوه موجٌ متلاطمٌ بعضه فوق بعض {مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ} أي من فوق ذلك الموج الثاني سحاب كثيف {ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ} أي هم ظلمات متكاثفة متراكمة بعضها فوق بعض قال قتادة: الكافر يتقلب في خمسٍ من الظلم: فكلامه ظلمة، وعمله ظلمة، ومدخله ظلمة، ومخرجه ظلمة، ومصيره إلى الظلمات يوم القيامة إلى النار { إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا} هذا من تتمة التمثيل أي إذا أخرج ذلك الإِنسان الواقع في هذه الظلمات يده لم يقارب رؤيتها فإن ظلمة البحر، وظلمة الموج، وظلمة السحاب قد تكاثفت حتى حجبت عنه رؤية أقرب شيء إليه من شدة الظلمة فكذلك شأن الكافر يتخبط في ظلمات الكفر والضلال {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} أي ومن لم يهده الله للإيمان وينور قلبه بنور الإِسلام لم يهتد أبد الدهر، ذكر تعالى لعمل الكافر مثالين: الأول لعمله الصالح ومثَّل له بالسراب الخادع، والثاني لاعتقاده السيء ومثَّل له بالظلمات المتراكم بعضُها فوق بعض ثم ختم الآية الكريمة ذلك الختام الرائع {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} مقابل قوله في المؤمن {نُورٌ عَلَى نُورٍ} فكان هذا التمثيل والبيان في غاية الحسن والجمال، فلله ما أروع تعبير القرآن!!
التفكر في مخلوقات الله يدل على وجوده
{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ(41)وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ(42)أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالأَبْصَارِ(43) يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لأُوْلِي الأَبْصَارِ(44)وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ(45)لَقَدْ أَنزَلْنَا ءاياتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ(46)}.
ولما وصف سبحانه أنوار قلوب المؤمنين وظلمات قلوب الجاهلين أتبع ذلك بدلائل التوحيد فقال {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} أي ألم تعلم يا محمد علماً يقيناً أنَّ الله العظيم الكبير يسبح له كل من في الكون من ملك، وإنس، وجن، ينزهه ويقدسه ساكنوه؟ {وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ} أي والطير باسطاتٍ أجنحتهن حال الطيران تسبح ربها وتعبده كذلك بتسبيح ألهمها وأرشدها إليه تعالى {كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ} أي كلٌّ من الملائكة والإِنس والجن والطير قد أرشد وهدي إلى طريقته ومسلكه في عبادة الله، وما كلف به من الصلاة والتسبيح {وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ} أي لا تخفى عليه طاعتهم ولا تسبيحهم {وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} أي هو المالك والمتصرف في الكون، وجميعُ المخلوقات تحت ملكه يتصرف فيهم تصرف القاهر الغالب {وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ} أي وإليه مرجع الخلائق فيجازيهم على أعمالهم وهو تذكير يتضمن الوعيد، ثم أشار تعالى إلى ظاهرة كونية تدل على قدرته ووحدانيته فقال {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا} أي يسوق بقدرته السحاب إلى حيث يشاء {ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ} أي يجمعه بعد تفرقه {ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا} أي يجعله كثيفاً متراكماً بعضه فوق بعض {فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ} أي فترى المطر يخرج من بينالسحاب الكثيف {وَيُنَزِّلُ مِنْ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ} أي وينزل من السحاب الذي هو كأمثال الجبال برداً {فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ} أي فيصيب بذلك البرد من شاء من العباد فيضره في زرعه وثمرته وماشيته {وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ} أي ويدفعه عمن يشاء فلا يضره قال الصاوي: كما ينزل المطر من السماء وهو نفعٌ للعباد كذلك ينزل منها البرد وهو ضرر للعباد، فسبحان من جعل السماء منشأً للخير والشر {يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ} أي يقرب ضوء برق السحاب {يَذْهَبُ بالأَبْصَارِ} أي يخطف أبصار الناظرين من شدة إضاءته وقوة لمعانه { يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ} أي يتصرف فيهما بالطول والقصر، والظلمة والنور، والحر والبرد { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً} أي إن فيما تقدم ذكره لدلالة واضحة، وعظة بليغة على وجود الصانع المبدع {لأُوْلِي الأَبْصَارِ} أي لذوي البصائر المستنيرة، وخصهم بالذكر لأنهم المنتفعون حيث يتأملون فيجدون الماء والبرد، والظلمة والنور تخرج من شيء واحد، فسبحان القادر على كل شيء {وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ} استدل على وحدانيته بتسبيح أهل السماء والأرض، ثم بتصريف السحاب وإنزال المطر، ثم بأحوال الحيوانات قال ابن كثير: يذكر تعالى قدرته التامة وسلطانه العظيم في خلقه أنواع المخلوقات على اختلاف أشكالها وألوانها وحركاتها وسكناتها من ماء واحد {فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ} أي فمنهم من يزحف على بطنه كالحية والزواحف {وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ} كالإِنسان والطير {وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ} كالأنعام وسائر الدواب قال أبو حيان: قدم ما هو أظهر في القدرة وأعجب وهو الماشي بغير آلة من رجل وقوائم، ثم الماشي على رجلين، ثم الماشي على أربع {يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} أي يخلق تعالى بقدرته ما يشاء من المخلوقات { إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} أي هو قادر على ما يشاء لا يمنعه مانع، ولا يدفعه دافع قال الفخر الرازي: واعلم أنَّ العقول قاصرة عن الإِحاطة بأحوال أصغر الحيوانات على الكمال، والاستدلال بها على الصانع ظاهرٌ، لأنه لو كان الأمر بتركيب الطبائع الأربع لكان في الكل على السويّة، فاختصاص كل واحدٍ من هذه الحيوانات بأعضائها وأعمارها ومقادير أبدانها لا بدَّ وأن يكون بتدبير قاهرٍ حكيم، سبحانه وتعالى عما يقول الجاحدون {لَقَدْ أَنزَلْنَا آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ} أي لقد أنزلنا إليكم أيها الناس آياتٍ واضحاتٍ، دالات على طريق الحق والرشاد {وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} أي يرشد من خلقه إلى الدين الحق وهو الإِسلام.
ادعاء المنافقين الإيمان
{وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ(47)وَإِذ َا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ(48)وَإِنْ يَكُنْ لَهُمْ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ(49)أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمْ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ(50)}.
سبب النزول:
قال المفسرون: هذه الآيات نزلت في بِشْر المنافق وخصمه اليهودي حين اختصما في أرض، فجعل اليهودي يجرّه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليحكم بينهما، وجعل المنافق يجرّه إلى كعب بن الأشرف، ويقول: إن محمداً يحيف علينا. وقد سبق بيان قصتهما في سورة النساء.
وأخرج ابن أبي حاتم من مرسل الحسن البصري قال: كان الرجل إذا كان بينه وبين الرجل منازعة، فدعي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهو محق أذعن، وعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم سيقضي له بالحق، وإذا أراد أن يَظْلم، فدعي إلى النبي صلى الله عليه وسلم أعرض، فقال: انطلق إلى فلان، فأنزل الله: {وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ } الآية.
وقال مقاتل: نزلت هذه الآية في بِشْر المنافق، دعاه يهودي في خصومة بينهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودعا هو اليهودي إلى كعب بن الأشرف، ثم تحاكما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحكم لليهودي، لأنه صاحب الحق، فلم يرض المنافق بقضائه صلى الله عليه وسلم. وقال: نتحاكم إلى عمر رضي الله عنه، فلما ذهبا إليه، قال له اليهودي: قضى لي النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يرض بقضائه، فقال عمر للمنافق: أكذلك؟ قال: بلى، فقال: مكانكما حتى أخرج إليكما، فدخل رضي الله عنه بيته، وخرج بسيفه، فضرب به عنق المنافق حتى برد، وقال: هكذا أقضي لمن لم يرض بقضاء الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
ولما ذكر دلائل التوحيد حذَّر من النفاق والمنافقين فقال {وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا} أي يقول المنافقون صدقنا بالله وبالرسول وأطعنا الله ورسوله {ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ} أي ثم يعرض جماعة منهم عن قبول حكمه {مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ} أي من بعدما صدر منهم ما صدر من دعوى الإِيمان {وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ} أي وليس أولئك الذي يدعون الإِيمان والطاعة بمؤمنين على الحقيقة قال الحسن: نزلت هذه الآية في المنافقين الذين كانوا يظهرون الإِيمان ويسرون الكفر {وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ} أي وإذا دعوا إلى حكم الله أو حكم رسوله { إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ} أي استنكفوا وأعرضوا عن الحضور إلى مجلس الرسول {وَإِنْ يَكُنْ لَهُمْ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ} أي وإن كان الحقُّ بجانبهم جاؤوا إلى رسول الله طائعين منقادين لعلمهم أنه عليه السلام يحكم بالحقِّ قال الفخر الرازي: نبّه تعالى على أنهم إنما يعرضون متى عرفوا أن الحقَّ لغيرهم، أما إذا عرفوه لأنفسهم عدلوا عن الإِعراض وأذعنوا ببذل الرضا {أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمْ ارْتَابُوا} أي هل في قلوبهم نفاقٌ؟ أم شكوا في نبوته عليه السلام؟ {أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ} أي أم يخافون أن يظلمهم رسول الله في الحكم، والاستفهام للمبالغة في التوبيخ والذم كقول الشاعر:
ألستَ من القوم الذين تعاهدوا على اللؤم والفحشاء في سالف الدهر
{بَلْ أُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ} أي بل هم الكاملون في الظلم والعناد لإِعراضهم عن حكم رسول الله.
الطاعة والامتثال من دأب المؤمنين
{إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ(51)وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَائِزُونَ(52)وَأَقْسَ مُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ قُلْ لا تُقْسِمُوا طَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ(53)قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلا الْبَلاغُ الْمُبِينُ(54)}.
{إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} أي كان الواجب عليهم عندما يُدعون إلى رسول الله للفصل بينهم وبين خصومهم أن يسرعوا ويقولوا سمعاً وطاعة، فلو كان هؤلاء مؤمنين لفعلوا ذلك قال الطبري: ولم يقصد به الخبر ولكنه تأنيبٌ من الله للمنافقين وتأديب منه لآخرين {وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ} أي وأولئك المسارعون إلى مرضاة الله هم الفائزون بسعادة الدارين {وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} أي ومن يطع أمر الله وأمر رسوله في كل فعلٍ وعمل {وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ} أي ويخاف الله تعالى لما فرط منه من الذنوب، ويمتثل أوامره ويجتنب زواجره {فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَائِزُونَ} أي هم السعداء الناجون من عذاب الله الفائزون برضوانه .. ذكر أن بعض بطارقة الروم سمع هذه الآية فأسلم وقال: إنها جمعت كل ما في التوراة والإِنجيل.
المنَاسَبَة:
لما ذكر تعالى المنافقين وما هم عليه من صفاتٍ قبيحة، أعقبه بذكر ما انطوت عليه نفوسهم من المكر والاحتيال والحلف الكاذب بأغلظ الأيمان، وختم السورة الكريمة بالتحذير من سلوك طريق المنافقين.
سبب النزول:
روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث غلاماً من الأنصار يقال له: مُدْلج إلى عمر ابن الخطاب وقت الظهيرة ليدعوه فوجده نائما، فدقَّ عليه الغلام الباب ودخل، فاستيقظ عمر وجلس فانكشف منه شيء فقال: وددت أنَّ الله نهى أبناءنا ونساءنا وخدمنا عن الدخول في هذه الساعات إلا بإذن، ثم انطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد الآية قد أنزلت {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمْ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ.. } فخرَّ ساجداً شكراً لله تعالى.
{وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ} أي حلف المنافقون بغاية الأيمان المغلَّظة {لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ} أي لئن أمرتهم بالخروج إلى الجهاد ليخرجن معك قال مقاتل: لما بيَّن الله إعراض المنافقين وامتناعهم عن قبول حكمه عليه السلام أتوه فقالوا: لو أمرتنا أن نخرج من ديارنا وأموالنا ونسائنا لخرجنا، وإن أمرتنا بالجهاد لجاهدنا فنزلت {قُلْ لا تُقْسِمُوا} أي لا تحلفوا فإن أيمانكم كاذبة {طَاعَةٌ مَعْرُوفةٌ} أي طاعتُكم لله ورسوله معروفة فإنها باللسان دون القلب، وبالقول دون العمل {إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} أي بصير لا يخفى عليه شيء من خفاياكم ونواياكم {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} أي أطيعوا الله بإخلاص النية وترك النفاق، وأطيعوا الرسول بالاستجابة لأمره والتمسّك بهديه {فَإِنْ تَوَلَّوا} أي فإن تتولَّوْا وتعرضوا عن طاعته {فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ} أي على الرسول ما كلف به من تبليغ الرسالة {وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ} أي وعليكم ما كلفتم به من السمع والطاعة واتباع أمره عليه السلام {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} أي وإن أطعتم أمره فقد اهتديتم إلى طريق السعادة والفلاح {وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلا الْبَلاغُ الْمُبِينُ} أي ليس عليه إلا التبليغ الواضح للأمة، ولا ضرر عليه إن خالفتم وعصيتم فإنه قد بلَّغ الرسالة وأدى الأمانة.
وعد الله المؤمنين بالاستخلاف في الأرض
{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ(55)وَأَقِيم ُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ(56)لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الأَرْضِ وَمَأْوَاهُمْ النَّارُ وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ(57)}.
{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} أي وعد الله المؤمنين المخلصين الذين جمعوا بين الإِيمان والعمل الصالح {لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ } أي وعدهم بميراث الأرض وأن يجعلهم خلفاء متصرفين فيها تصرف الملوك في ممالكهم، كما استخلف المؤمنين قبلهم فملكهم ديار الكفار قال المفسرون: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه المدينة رمتهم العرب عن قوسٍ واحدة، فكانوا لا يبيتون إلا في السلاح، ولا يصبحون إلاّ في لأَمتهم - أي سلاحهم - فقالوا أترون أنّا نعيش حتى نبيت آمنين مطمئنين لا نخاف إلاّ الله عز وجل!! فنزلت الآية، وهذا وعدٌ ظهر صدقُه بفتح مشارق الأرض ومغاربها لهذه الأمة وفي الحديث بشارة كذلك فقد قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن ملك أمتي سيبلغ ما زوي لي منها) {وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ} أي وليجعلنَّ دينهم - الإِسلام - الذي ارتضاه لهم عزيزاً مكيناً عالياً على كل الأديان {وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا} أي وليغيرن حالهم التي كانوا عليها من الخوف والفزع إلى الأمن والاستقرار كقوله {وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ} {يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا} استئنافٌ بطريق الثناء عليهم كالتعليل للاستخلاف في الأرض أي يوحدونني ويخلصون لي العبادة، لا يعبدون إلهاً غيري {وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ} أي فمن جحد شكر هذه النعم {فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ} هم الخارجون عن طاعة الله، العاصون أمر الله قال أبو العالية: أي من كفر بهذه النعمة وليس يعني الكفرَ بالله قال الطبري: وهو أشبه بتأويل الآية لأن اللهَ وعد الإِنعام على هذه الأمة بما أخبر في هذه الآية بأنه منعم به عليهم ثم قال {وَمَنْ كَفَرَ} أي كفر هذه النعمة {فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ} {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاة} أي أقيموا أيها المؤمنون الصلاة وأدوا الزكاة على الوجه الأكمل الذي يُرضي الله {وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} أي أطيعوا الرسول في سائر ما أمركم به رجاء الرحمة {لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الأَرْضِ} تسليةٌ للنبي صلى الله عليه وسلم ووعدٌ له بالنُّصرة أي لا تظننَّ يا محمد الكافرين الذين عاندوك وكذبوك معجزين لله في هذه الحياة بل الله قادرٌ عليهم في كل حين {وَمَأْوَاهُمْ النَّارُ} أي مرجعهم نار جهنم {وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ} أي بئس المرجع والمال الذي يصيرون إليه.
حالات الاستئذان داخل البيت، وتخفيف الثياب الظاهرة عن العجائز
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمْ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاءِ ثَلاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ الآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ(58)وَإِذَا بَلَغَ الأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ ءاياتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ(59)وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ(60) }.
سبب النزول:
قال ابن عباس: وجَّه رسول الله صلى الله عليه وسلم غلاماً من الأنصار يقال له: مُدْلج ابن عمرو إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقت الظهيرة ليدعوه، فدخل فرأى عمر بحالة كره عمر رؤيته ذلك، فقال: يا رسول الله وَدِدْت لو أن الله تعالى أمرنا ونهانا في حال الاستئذان، فأنزل الله تعالى هذه الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمْ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ.. }.
وقال مقاتل: نزلت في أسماء بنت أبي مَرْثَد كان لها غلام كبير، فدخل عليها في وقت كرهته، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إن خدمنا وغلماننا يدخلون علينا في حال نكرهها، فأنزل الله تبارك وتعالى هذه الآية.
وفي رواية: ثم انطلق - أي عمر - إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوجد هذه الآية قد أنزلت، فخرَّ ساجداً، شكراً لله. وهذه إحدى موافقات رأي عمر للوحي.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدّي أنه قال: كان أناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يعجبهم أن يباشروا نساءهم في هذه الساعات، فيغتسلوا، ثم يخرجوا إلى الصلاة، فأمرهم الله تعالى أن يأمروا المملوكين والغلمان ألا يدخلوا عليهم في تلك الساعات إلا بإذن بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمْ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} الآية.
فإذا صح أن سبب النزول قصة أسماء المتقدمة، كان قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} خطاباً للرجال والنساء بطريق التغليب، لأن دخول سبب النزول في الحكم قطعي، كما هو الراجح في الأصول.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمْ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} أي يا أيها المؤمنون الذين صدَّقوا الله ورسوله وأيقنوا بشريعة الإِسلام نظاماً وحكماً ليستأذنكم في الدخول عليكم العبيدُ والإِماء الذين تملكونهم ملك اليمين {وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ} أي والأطفال الذين لم يبلغوا مبلغ الرجال الأحرار ليستأذنوا أيضاً {ثَلاثَ مَرَّاتٍ} أي في ثلاثة أوقات {مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ} أي في الليل وقت نومكم وخلودكم إلى الراحة {وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنْ الظَّهِيرَةِ} أي وقت الظهر حين تخلعون ثيابكم للقيلولة {وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاءِ} أي ووقت إرادتكم النوم واستعدادكم له {ثَلاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ} أي هي ثلاثة أوقات يختل فيها تستركم، العوراتُ فيها بادية والتكشف فيها غالب، فعلِّموا عبيدكم وخدمكم وصبيانكم ألاّ يدخلوا عليكم في هذه الأوقات إلا بعد الاستئذان {لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَليْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ} أي ليس عليكم ولا على المماليك والصبيان حرجٌ في الدخول عليكم بغير استئذان بعد هذه الأوقات الثلاثة {طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ} أي لأنهم خدمكم يطوفون عليكم للخدمة وغير ذلك قال أبو حيان: أي يمضون ويجيثون ويدخلون عليكم في المنازل غدوةً وعشية بغير إذن إلا في تلك الأوقات {كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ الآيَاتِ} أي مثل ذلك التوضيح والبيان يبيّن الله لكم الأحكام الشرعية لتتأدبوا بها {وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} أي عالمٌ بأمور خلقه، حكيمٌ في تدبيره لهم {وَإِذَا بَلَغَ الأَطفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ} أي وإذا بلغ هؤلاء الأطفال الصغار مبلغ الرجال وأصبحوا في سنّ التكليف {فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} أي فعلموهم الأدب السامي أن يستأذنوا في كل الأوقات كما يستأذن الرجال البالغون {كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ} أي يفصّل لكم أمور الشريعة {وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} أي عليم بخلقه حكيم في تشريعه قال البيضاوي: كرره تأكيداً ومبالغة في الأمر بالاستئذان {وَالْقَوَاعِدُ مِنْ النِّسَاءِ} أي والنساء العجائز اللواتي قعدن عن التصرف وطلب الزواج لكبر سنهن {اللاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحًا} أي لا يطمعن في الزواج ولا يرغبن فيه لانعدام دوافع الشهوة فيهن {فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ} أي لا حرج ولا إثم عليهنَّ في أن تخفّف في ملابسها {غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ} أي غير متظاهرات بالزينة لينظر إليهن قال أبو حيان: وحقيقة التبرج إظهار ما يجب إخفاؤُه، وربَّ عجوزٍ شمطاء يبدو منها الحرصُ على أن يظهر بها جمال {وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ} أي وأن يستترن بارتداء الجلباب ولبس الثياب كما تلبسه الشابات من النساء، مبالغةً في التستر والتعفف خيرٌ لهنَّ وأكرم، وأزكى عند الله وأطهر {وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} أي يعلم خفايا النفوس ويجازي كل إنسان بعمله، وفيه وعدٌ وتحذير.
إباحة الأكل في بيوت معينة دون إذن أهلها
{لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلا عَلَى أَنفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ(61) }.
{لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ} أي ليس على أهل الأعذار "الأعمى، والأعرج، والمريض" حرج ولا إثم في القعود عن الغزو لضعفهم وعجزهم {وَلا عَلَى أَنفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ } أي وليس عليكم أيها الناس إثم أن تأكلوا من بيوت أزواجكم وعيالكم قال البيضاوي: فيدخل فيها بيوت الأولاد لأن بيت الولد كبيته لقوله عليه السلام: إن أطيبَ ما يأكل المرءُ من كسبه، وإنَّ ولده من كسبه {أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالاتِكُمْ} أي لا حرج في الأكل من بيوت هؤلاء الأقارب قال الرازي: والظاهر أن إباحة الأكل لا تتوقف على الاستئذان لأن العادة أن هؤلاء القوم تطيب أنفسهم بأكل الأقارب {أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ} أي البيوت التي توكّلون عليها وتملكون مفاتيحها في غياب أهلها قالت عائشة: كان المسلمون يذهبون مع رسول الله في الغزو ويدفعون مفاتحهم إلى ضمنائهم ويقولون: قد أحللنا لكم الأكل منها فكانوا يقولون: إنه لا يحل لنا أن نأكل، إنهم أذنوا لنا من غير طيب أنفسهم وإنما نحن أمناء فأنزل الله {أَوْ مَا مَلكْتُمْ مَفَاتِحَهُ} {أَوْ صَدِيقِكُمْ} أي أو بيوت أصدقائكم وأصحابكم قال قتادة: إذا دخلت بيت صديقك فلا بأس أن تأكل بغير إذنه {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا} أي ليس عليكم إثم أو حرج أن تأكلوا مجتمعين أو متفرقين قال المفسرون: نزلت في حيٍ من كنانة كان الرجل منهم لا يأكل وحده، يمكث يومه فإن لم يجد من يؤاكله لم يأكل شيئاً: وربما كانت معه الإِبل الحُفَّل فلا يشرب من ألبانها حتى يجد من يشاربه فأخبرهم تعالى بأن الرجل إذا أكل وحده لا حرج عليه {فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّموا عَلَى أَنفُسِكُمْ} أي إذا دخلتم بيوتاً مسكونة فسلموا على من فيها من الناس {تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً} أي حيُّوهم بتحية الإِسلام "السلام عليكم" وهي التحية المباركة الطيبة التي شرعها الله لعباده المؤمنين قال القرطبي: وصفها بالبركة لأن فيها الدعاء واستجلاب المودة، ووصفها بالطيب لأن سامعها يستطيبها {كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} قال ابن كثير: لما ذكر تعالى في هذه السورة الكريمة من الأحكام المحكمة، والشرائع المُبْرمة، نبَّه عباده على أنه يبين لهم الآيات بياناً شافياً ليتدبروها لعلهم يعقلون.
الاستئذان عند الخروج، وأدب مخاطبة النبي صلى الله عليه وسلم والتحذير من مخالطة آمره
{ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ(62) لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ(63)أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ(64)}.
سبب النزول:
أخرج ابن إسحاق والبيهقي في الدلائل عن عروة ومحمد بن كعب القرظي وغيرهما قالوا: لما أقبلت قريش عام الأحزاب، نزلوا بمجمع الأسيال من رومة - بئر بالمدينة - قائدها أبو سفيان، وأقبلت غَطَفان، حتى نزلوا بنعمى إلى جانب أُحُد، وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر، فضرب الخندق على المدينة، وعمل فيه، وعمل المسلمون فيه، وأبطأ رجال من المنافقين، وجعلوا يأتون بالضعيف من العمل، فيتسللون إلى أهليهم بغير علم من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا إذن، وجعل الرجل من المسلمين إذا نابته النائبة من الحاجة التي لا بدّ منها، يذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ويستأذنه في اللحوق لحاجته، فيأذن له، وإذا قضى حاجته رجع، فأنزل الله في أولئك المؤمنين: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ} إلى قوله: {والله بكل شيء عليم}.
وقال الكلبي: كان النبي صلى الله عليه وسلم يعرّض في خطبته بالمنافقين ويعيبهم، فينظر المنافقون يميناً وشمالاً، فإذا لم يرهم أحد انسلوا وخرجوا ولم يصلوا، وإن أبصرهم أحد ثبتوا وصلوا خوفاً، فنزلت هذه الآية، فكان بعد نزول هذه الآية لا يخرج المؤمن لحاجته ، حتى يستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان المنافقون يخرجون بغير إذن.
نزول الآية (63):
{لا تَجْعَلُوا} الآية: أخرج أبو نعيم في الدلائل عن ابن عباس قال: كانوا يقولون: يا محمد، يا أبا القاسم، فأنزل الله: {لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا} فقالوا: يا نبي الله، يا رسول الله.
{ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} أي إنما المؤمنون الكاملون في الإِيمان الذين صدقوا الله ورسوله تصديقاً جازماً لا يخالجه شك {وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ} أي وإذا كانوا مع الرسول في أمرٍ هام فيه مصلحة للمسلمين {لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ} أي لم يتركوا مجلسه حتى يستأذنوه فيأذن لهم قال المفسرون: نزلت هذه الآية في وقت حفر الخندق، فإن بعض المؤمنين كانوا يستأذنون في الانصراف لضرورة، وكان المنافقون يذهبون بغير استئذان فنزلت تمدح المؤمنين الخالصين، وتُعرِّض بذم المنافقين {إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} هذا توكيدٌ لما تقدم ذكره تفخيماً وتعظيماً لشأن الرسول صلى الله عليه وسلم أي إن الذين يستأذنونك يا محمد أولئك هم المؤمنون حقاً قال البيضاوي: أعاده مؤكداً على أسلوب أبلغ فإِن جعل المستأذنين هم المؤمنين عكس الأسلوب الأول وفيه تأكيد للأول بذكر لفظ الله ورسوله فيكون مصدقاً ودليلاً على صحة الإِيمان {فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ} أي فإِذا استأذنك هؤلاء المؤمنون لبعض شئونهم ومهامهم {فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ} أي فاسمح لمن أحببت بالانصراف إن كان فيه حكمة ومصلحة {وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ اللَّهَ} أي وادع الله لهم بالعفو والمغفرة فإِن الاستئذان ولو لعذرٍ قصورٌ لأنه تقديم لأمر الدنيا على أمر الدين {إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} أي عظيم العفو واسع الرحمة {لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا} أي لا تنادوا الرسول باسمه كما ينادي بعضكم بعضاً باسمه بل قولوا : يا نبيَّ الله ويا رسول الله تفخيماً لمقامه وتعظيماً لشأنه قال أبو حيان: لمّا كان التداعي بالأسماء على عادة البداوة أُمروا بتوقير رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعائه بأحسن ما يدعى به نحو يا رسول الله، يا نبيَّ الله، ألا ترى إِلى بعض جفاةِ من أسلم كان يقول يا محمد فنهوا عن ذلك قال قتادة: أمرهم تعالى أن يفخموه ويشرّفوه {قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا} أي قد علم الله الذين ينسلُّون قليلاً قليلاً ويخرجون من الجماعة في خفية يستتر بعضهم ببعض قال الطبري: واللواذ هو أن يلوذ القوم بعضُهم ببعض، يستتر هذا بهذا وهذا بهذا {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} أي فليخف الذين يخالفون أمر الرسول ويتركون سبيله ومنهجه وسنته {أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} أي تنزل بهم محنة عظيمة في الدنيا أو ينالهم عذاب شديد في الآخرة {أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} أي له جل وعلا ما في الكون ملكاً وخلقاً وعبيداً {قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ} أي قد علم ما في نفوسكم من الإِيمان أو النفاق، والإِخلاص أو الرياء {وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا} أي ويوم القيامة يرجعون إِليه فيخبرهم بما فعلوا في الدنيا من صغيرٍ وكبيرٍ، وجليل وحقير ويجازي كلا بعمله {وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} أي لا تخفى عليه خافية لأن الكل خلقه وملكه.
مواقع النشر (المفضلة)