سورة الحجرات
لا يخفى تآخي هاتين السورتين الفتح والحجرات مع ما قبلهما لكونهما مدنيتين ومشتملتين على أحكام فتلك فيها قتال الكفار وهذه فيها قتال البغاة وتلك ختمت بالذين آمنوا وهذه افتتحت بالذين آمنوا وتلك تضمنت تشريفاً له صلى الله عليه وسلم خصوصاً مطلعها وهذه أيضاً في مطلعها أنواع من التشريف له صلى الله عليه وسلم أقول: لما ختمت {ق} بذكر البعث واشتملت على ذكر الجزاء والجنة والنار وغير ذلك من أحوال القيامة افتتح هذه السورة بالإقسام على أن ما توعدون من ذلك لصادق وإن الدين - وهو الجزاء - لواقع ونظير ذلك: افتتاح المرسلات بذلك بعد ذكر الوعد والوعيد والجزاء في سورة الإنسان
سورة الطور
أقول: وجه وضعها بعد الذاريات: تشابههما في المطلع والمقطع فإِن في مطلع كل منهما صفة حال المتقين بقوله: {إِنَّ المُتَقينَ في جناتٍ} وفي مقطع كل منهما صفة حال الكفار بقوله في تلك: {فويلٌ للَذينَ كفروا} وفي هذه: {فالذينَ كَفَروا}
سورة النجم
أقول: وجه وضعها بعد الطور: أنها شديدة المناسبة لها فإن الطور ختمت بقوله: {وإِدبار النجوم} وافتتحت هذه بقوله: {والنجمِ إِذا هوى} ووجه آخر: أَن الطور ذكر فيها ذرية المؤمنين وأنهم تبع لآبائهم وهذه فيها ذكر ذرية اليهود في قوله: {هوَ أَعلم بكم إِذ أَنشأَكم من الأَرض} ولما قال هناك في المؤمنين: {أَلحقنا بهم ذريتهم وما أَلتناهم من عملهم من شيء} أي: ما نقصنا الآباء بما أعطينا البنين مع نفعهم بما عمل آباؤهم قال هنا في صفة الكفار أو بني الكفار: {وأن ليسَ للإِنسان إِلا ما سعى} خلاف ما ذكر في المؤمنين الصغار وهذا وجه بين بديع في المناسبة من وادي التضاد
سورة القمر
أقول: لا يخفى ما في توالى هاتين السورتين من حسن التناسق في التسمية لما بين النجم والقمر من الملابسة ونظيره توالى الشمس والليل والضحى وقبلها سورة الفجر ووجه آخر وهو: أن هذه السورة بعد النجم كالأعراف بعد الأنعام وكالصافات بعد يس في أنها تفصيل لأحوال الأمم المشار إلى إهلاكهم إلى قوله هناك: {وأَنه أَهلكَ عاداً الأولى وثمود فما أَبقى وقوم نوح من قبل إِنهم كانوا هُم أَظلم وأَطغى والمؤتَفِكة أَهوى}
سورة الرحمن
أقول: لما قال سبحانه وتعالى في آخر القمر: {بل الساعةِ موعدهم والساعة أَدهى وأَمر} ثم وصف حال المجرمين في سقر وحال المتقين في جنات ونهر فصل هذا الإجمال في هذه السورة أتم تفصيل على الترتيب الوارد في الإجمال فبدأ بوصف مرارة الساعة والإشارة إلى إدهائها ثم وصف النار وأهلها والجنة وأهلها ولذا قال فيهم {ولِمن خافَ مقام ربهِ جنتان} وذلك هو عين التقوى ولم يقل: لمن آمن وأطاع أو نحوه لتتوافق الألفاظ في التفصيل والمفصل وعرف بذلك أن هذه السورة بأسرها شرح لآخر السورة التي قبلها فلله الحمد على ما ألهم وفهم
سورة الواقعة
أقول: هذه السورة متآخية مع سورة الرحمن في أن كلا منهما في وصف القيامة والجنة والنار وانظر إلى اتصال قوله هنا: {إِذا وقعت الواقعة} بقوله هناك: {فإِذا انشقت السماء} ولهذا اقتصر في الرحمن على ذكر انشقاق السماء وفي الواقعة على ذكر رج الأرض فكأن السورتين لتلازمهما واتحادهما سورة واحدة ولهذا عكس في الترتيب فذكر في أول هذه السورة ما ذكره في آخر تلك وفي آخر هذه ما في فافتتح الرحمن بذكر القرآن ثم ذكر الشمس والقمر ثم ذكر النبات ثم خلق الإنسان والجان من مارج من نار ثم صفة القيامة ثم صفة النار ثم صفة الجنة وابتدأ هذه بذكر القيامة ثم صفة الجنة ثم صفة النار ثم خلق الإنسان ثم النبات ثم الماء ثم النار ثم النجوم ولم يذكرها في الرحمن كما لم يذكر هنا الشمس والقمر ثم ذكر القرآن فكانت هذه السورة كالمقابلة لتلك وكردّ العجز على الصدر سورة الحديد قال بعضهم: وجه اتصالها بالواقعة: أنها قدمت بذكر التسبيح وتلك ختمت بالأمر به قلت: وتمامه: أن أول الجديد واقع موقع العلة للأمر به وكأنه قال {فسَبِح باسم ربك العظيم} لأنه {سبح للَهِ ما في السموات والأَرض}
سورة المجادلة
أقول: لما كان في مطلع الحديد ذكر صفاته الجليلة ومنها: الظاهر والباطن وقال: {يعلمُ ما يلجُ في الأَرضِ وما يخرجُ منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم أينما كُنتُم} افتتح هذه بذكر أنه سمع قوله المجادلة التي شكت إليه صلى الله عليه وسلم ولهذا قالت عائشة رضي الله وذكر بعد ذلك قوله: {أَلم تر أَن اللَهَ يعلمُ ما في السموات وما في الأَرض ما يكون من نجوى ثلاثة إِلا هو رابعهم} وهو تفصيل لقوله: {وهوَ معكُم أَينما كنتُم} وبذلك تعرف الحكمة في الفصل بها بين الحديد والحشر مع تآخيهما في الافتتاح ب {سبح} سورة الحشر آخر سورة المجادلة نزل فيمن قتل أقرباؤه من الصحابة يوم بدر وأول الحشر نازل في غزوة بني النضير وهي عقبها وذلك نوع من المناسبة والربط وفي آخر تلك: {كتب اللَه لأَغلبن أَنا ورسُلي} وفي أول هذه: {فأَتاهم اللَهُ مِن حيثُ لم يحتسبوا وقذفَ في قلوبهم الرعب} وفي آخر تلك ذكر من حاد اللَه ورسوله وفي أَول هذه ذكر من شاق اللَه ورسوله
سورة الممتحنة
أقول: لما كانت سورة الحشر في المعاهدين من أهل الكتاب عقبت بهذه لاشتمالها على ذكر المعاهدين من المشركين لأنها نزلت في صلح الحديبية ولما ذكر في الحشر موالاة المؤمنين بعضهم بعضاً ثم موالاة الذين من أهل الكتاب افتتح هذه السورة بنهي المؤمنين عن اتخاذ الكفار أولياء لئلا يشابهوا المنافقين في ذلك وكرر ذلك وبسطه إلى أن ختم به فكانت في غاية الاتصال ولذلك فصل بها بين الحشر والصف مع تآخيهما في الافتتاح ب {سبح}
سورة الصف
أقول: في سورة الممتحنة ذكر الجهاد في سبيل الله وبسطه في هذه السورة أبلغ بسط
سورة الجمعة
أقول: ظهر لي في وجه اتصالها بما قبلها: أنه تعالى لما ذكر في سورة الصف حال موسى مع قومه وأذاهم له ناعياً عليهم ذلك ذكر في هذه السورة حال الرسول صلى الله عليه وسلم وفضل أمته تشريفاً لهم ليظهر فضل ما بين الأمتين ولذا لم يعرض فيها الذكر اليهود وأيضاً لما ذكر هناك قول عيسى: {ومُبشراً برسول يأَتي من بَعدي اسمُهُ أَحمد} قال هنا: {هوَ الذي بعث في الأُميين رَسولاً منهم} إشارة إلى أنه الذي بشر به عيسى وهذا وجه حسن في الربط وأيضاً لما ختم تلك السورة بالأمر بالجهاد وسماه تجارة ختم هذه بالأمر بالجمعة وأخبر أنها وأيضاً: فتلك سورة الصف والصفوف تشرع في موضعين: القتال والصلاة فناسب تعقيب سورة صف القتال بسورة صلاة تستلزم الصف ضرورة وهي الجمعة لأن الجماعة شرط فيها دون سائر الصلوات فهذه وجوه أربعة فتح الله بها
سورة المنافقون
أقول: وجه اتصالها بما قبلها: أن سورة الجمعة ذكر فيها المؤمنون وهذه ذكر فيها أضدادهم وهم المنافقون ولهذا أخرج الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة الجمعة بسورة الجمعة يحرض بها المؤمنين وبسورة المنافقين يفزع بها المنافقين وعام المناسبة أن السورة التي بعدها فيها ذكر المشركين والسورة التي قبل الجمعة فيها ذكر أهل الكتاب من اليهود والنصارى والتي قبلها وهي الممتحنة فيها ذكر المعاهدين من المشركين والتي قبلها وهي الحشر فيها ذكر المعاهدين من أهل الكتاب فإنها نزلت في بني النضير حين نبذوا العهد وقوتلوا وبذلك أتضحت المناسبة في ترتيب هذه السور الست هكذا لاشتمالها على أصناف الأمم وفي الفصل بين المسبحات بغيرها لأن إيلاء سورة المعاهدين من أهل الكتاب بسورة المعاهدين من المشركين أنسب من غيره وإيلاء سورة المؤمنين بسورة المنافقين أنسب من غيره فظهر بذلك أن الفصل بين المسبحات التي هي نظائر لحكمة دقيقة من لدن حكيم خبير فلله الحمد على ما فهم وألهم هذا وقد ورد عن ابن عباس في ترتيب النزول: أن سورة التغابن نزلت عقب الجمعة وتقدم نزول سورة المنافقون فما فصل بينهما إلا لحكمة والله أعلم
سورة التغابن
أقول: لما وقع في آخر سورة المنافقون: {وأَنفِقوا ممّا رَزقناكُم مِن قبلِ أَن يأَتي أَحدكُم الموت} عقب بسورة التغابن لأنه قيل في معناه: إن الإنسان يأتي يوم القيامة وقد جمع مالاً ولم يعمل فيه خيراً فأخذه وارثه بسهولة من غير مشقة في جمعه فأنفقه في وجوه الخير فالجامع محاسب معذب مع تعبه في جمعه والوارث منعَّم مثاب مع سهولة وصوله إليه وذلك هو التغابن فارتباطه بآخر السورة المذكورة في غاية الوضوح ولهذا قال هنا: {وأَنفِقوا خيراً لأَنفُسَكُم ومَن} وأيضاً ففي آخر تلك: {لا تُلهِكُم أَموالِكُم وَلا أَولادكُم عَن ذكرِ اللَهِ} وفي هذه: {إِنَّما أَموالكُم وأَولادكم فتنة} وهذه الجمة كالتعليل لتلك الجملة ولذا ذكرت على ترتيبها وقال بعضهم: لما كانت سورة المنافقون رأس ثلاث وستين سورة أشير فيها إلى وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: {ولَن يؤخِر اللَهُ نفساً إِذا جاءَ أَجَلُها} فانه مات على رأس ثلاث وستين سنة وعقبها بالتغابن ليظهر التغابن في فقده صلى الله عليه وسلم
سورة الطلاق
أقول: لما وقع في سورة التغابن: {إِنَّ مِن أَزواجِكُم وأَولادِكُم عدواً لَكُم} وكانت عداوة الأزواج تفضي إلى الطلاق وعداوة الأولاد قد تفضي إلى القسوة وترك الإنفاق عليهم عقب ذلك بسورة فيها ذكر أحكام الطلاق والإنفاق على الأولاد والمطلقات بسببهم
سورة التحريم
أقول: هذه السورة متآخية مع التي قبلها بالافتتاح بخطاب النبي صلى الله عليه وسلم وتلك مشتملة على طلاق النساء وهذه على تحريم الإيلاء وبينهما من المناسبة مالا يخفى ولما كانت تلك في خصام نساء الأمة ذكر في هذه خصومة نساء النبي صلى الله عليه وسلم إعظاماً لمنصهن أن يذكرن مع سائر النسوة فأفردن بسورة خاصة ولهذا ختمت بذكر امرأتين في الجنة: آسية امرأة فرعون ومريم ابنة عمران سورة تبارك أقول: ظهر لي بعد الجهد: أنه لما ذكر آخر التحريم امرأتي نوح ولوط الكافرتين وامرأة فرعون المؤمنة افتتحت هذه السورة بقوله: {الَذي خَلقَ الموتُ والحياة} مراداً بهما الكفر والإيمان في أحد الأقوال للإشارة إلى أن الجميع بخلقه وقدرته ولهذا كفرت امرأتا نوح ولوط ولم ينفعهما اتصالهما بهذين النبيين الكريمين وآمنت امرأة فرعون ولم يضرها اتصالها بهذا الجبار العنيد لما سبق في كل من القضاء والقدر ووجه آخر وهو أن تبارك متصل بقوله في آخر الطلاق: {اللَهُ الَذي خَلقَ سبعَ سمواتٍ ومِن الأَرض مثلهن} فزاد ذلك بسطاً في هذه الآية: {الَذي خَلقَ سبعَ سماواتٍ طباقاً ما ترى في خَلقِ الرحمَنِ مِن تفاوت فارجِع البصَر هَل تَرى مِن فطور} إلى قوله: {ولَقد زينّا السماءَ الدُنيا بمصابيح} وإنما فصلت بسورة التحريم لأنها كالتتمة لسورة الطلاق
سورة ن
أقول: لما ذكر سبحانه في آخر تبارك التهديد بتغوير الماء استظهر عليه في هذه السورة بإذهاب ثمر أصحاب البستان في ليلة بطاف عليه فيها وهم نائمون فأصبحوا لم يجدوا له أثراً حتى ظنوا أنهم ضلوا الطريق وإذا كان هذا في الثمار وهي أجرام كثيفة فالماء الذي هو لطيف رقيق أقرب إلى الإذهاب ولهذا قال: {وَهُم نائمون فأَصبحت كالصريم} وقال هناك: {إِن أَصبحَ ماؤكُم غوراً} إشارة إلى أنه يسرى عليه في ليلة كما سرى على الثمرة في ليلة
سورة الحاقة
أقول: لما وقع في {ن} ذكر يوم القيامة مجملاً في قوله: {يَومَ يَكشِفُ عن ساق} شرح ذلك في هذه السورة بناء على هذا اليوم وشأنه العظيم سورة سأل أقول: هذه السورة كالتتمة لسورة الحاقة في بقية وصف يوم القيامة والنار وقال إبن عباس: إنها نزلت عقب سورة الحاقة وذلك أيضاً من وجوه المناسبة في الوضع
مواقع النشر (المفضلة)