+ الرد على الموضوع
صفحة 2 من 4 الأولىالأولى 1 2 3 4 الأخيرةالأخيرة
النتائج 6 إلى 10 من 18
  1. #6
    توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future الصورة الرمزية توفيق
    تاريخ التسجيل
    11 / 09 / 2006
    الدولة
    فلسطين
    العمر
    52
    المشاركات
    4,013
    معدل تقييم المستوى
    4400

    افتراضي رد: من درر الشيخ ابن القيم في التفسير

    أما سورة الناس فقد تضمنت أيضا: مستعاذا به و مستعاذا منه و مستعيدا،

    فأما المستعاذ به: فهو رب الناس ملك الناس إله الناس،

    فذكر ربوبيته للناس و مُلكَه إياهم و إلهيته لهم، و لا بد من مناسبة في ذكر ذلك في الاستعاذة من الشيطان.

    فأضافهم في الكلمة الأولى إلى ربوبيته المتضمنة لخلقهم و تربيتهم و تدبيرهم و إصلاحهم مما يُفسدهم. هذا معنى ربوبيته لهم و ذلك يتضمن قدرتَه التامة، و رحمتَه الواسعة، و علمَه بتفاصيل أحوالهم، و بإجابة دعواتهم و كشف كرباتهم.

    و أضافهم في الكلمة الثانية إلى ملكه، فهو ملكُهم الحق، الذي إليه مفزَعهم في الشدائد و النوائب، فلا صلاح و لا قيام إلا به.

    و أضافهم في الكلمة الثالثة إلى إلهيته، فهو إلههم الحق و معبودهم الذي لا إله سواه، و لا معبود لهم غيره، فكما أنه وحدَه هو ربهم و مليكهم لم يُشاركه في ربوبيته و لا في ملكه أحد، فكذلك هو وحده إلههم و معبودهم، فلا ينبغي أن يجعلوا معه شريكا في إلهيته، كما لا شريك معه في ربوبيته و ملكه.

    و هذه طريقة القرآن يحتج عليهم بإقرارهم بهذا التوحيد على ما أنكروه من توحيد الإلهية و العبادة.

    فإذا كان هو ربنا و مليكنا، فلا مفزع لنا في الشدائد سواء، و لا ملجأ لنا منه إلا إليه، و لا معبودَ لنا غيره، فلا ينبغي أن يُدعى و لا يُخافَ و لا يُرجى و لا يُحَب سواه، و لا يُذَل لغيره، و لا يُخضَع لسواه، و لا يُتوكل إلا عليه، لأن من ترجوه و تخافه و تدعوه إما أن يكون مربيك و القيمَ بأمورك، فهو ربك فلا رب سواه، أو تكونَ مملوكَه و عبَه الحق، فهو ملك الناس حقا و كلهم عبيده و مماليكه، أو يكون معبودَك و إلهك الذي لا تستغني عنه طرفة عين، بل حاجتك إليه أعظم من حاجتك إلى روحك و حياتك، و هو الإله الحق، إله الناس الذي لا إله لهم سواه، فهم جديرون أن لا يستعيذوا بغيره، و لا يستنصروا بسواه، فظهرت مناسبة هذه الإضافات الثلاث للإستعاذة من أعدى الأعداء و أعظمهم عداوة.

    ثم إنه سبحانه كرر الإسم الظاهر و لم يوقع المُضمَرَ موقعه، فيقول: رب الناس و مليكهم و إلههم، تحقيقا لهذا المعنى، فأعاد ذكرهم عند كل اسم من أسمائه، و لم يعطف بالواو لما فيها من معنى المغايرة.

    و قدم الربوبية؛ لعمومها و شمولها لكل مربوب، و أخر الإلهية لخصوصها، لأنه سبحانه إنما هو إله من عَبَدَه و وحده، و اتخذه إلها دون غيره، فمن لم يعبده و يوحده فليس بإلهه، و إن كان في الحقيقة لا إله سواه و لكن ترك إلهه الحق و اتخذ إلها غيره.

    و وَسطَ صفة الملك بين الربوبية و الإلهية، لأن المَلٍكَ هو المتصرف بقوله و أمره، المطاعُ إذا أمر، فملكه لهم تابع لخلقه إياهم، فملكهم من كمال ربوبيته، و كونه إلههم الحق من كمال ملكه، فربوبيته تستلزم ملكه، و ملكه يستلزم إلهيته، فهو الرب الملك الإله، خلقهم بالربوبية و قهرهم بالملك و استعبدهم بالإلهية.

    فتأمل هذه الجلالة و هذه العظمة التي تضمنتها هذه الألفاظ الثلاثة على أبدع نظام، و أحسن سياق: { رب الناس، ملك الناس، إله الناس} وقد اشتملت هذه الإضافات الثلاث على جميع قواعد الإيمان، و تضمنت معنى جميع أسمائه الحسنى لأن الإله هو الجامع لصفات الكمال و نعوت الجلال، فيدخل في هذا الاسم جميع الأسماء الحسنى؛ و لهذا كان القول الصحيح أن الله أصله الإله، و أن اسم الله تعالى هو الجامع لجميع معاني الأسماء الحسنى، و الصفات العليا، و أسرار كلام الله تعالى أجل و أعظم من أن تُدركها عقول البشر، و إنما غاية أولي العلم الاستدلال بما يظهر منها على ما وراءه.

    ..... يتبع ان شاء الله: الفرق بين استعاذة سورة الناس و سورة الفلق

     
  2. #7
    توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future الصورة الرمزية توفيق
    تاريخ التسجيل
    11 / 09 / 2006
    الدولة
    فلسطين
    العمر
    52
    المشاركات
    4,013
    معدل تقييم المستوى
    4400

    افتراضي رد: من درر الشيخ ابن القيم في التفسير

    يقول الشيخ رحمه الله:

    و سورة الناس مشتملة على الشر الذي هو سبب الذنوب و المعاصي و هوالشر الداخل في الإنسان الذي هو منشأ العقوبات في الدنيا و الآخرة.

    فسورة الفلق تضمنت الاستعاذة من ظلم الغير بالسحر و الحسد و هو شر من خارج.

    و سورة الناس تضمنت الاستعاذةَ من الشر الذي هو سبب ظلم العبد نفسَه، و هو شر من داخل.

    فالشر الأول لا يدخل تحت التكليف و لا يُطلَب منه الكف عنه؛ لأنه ليس من كسبه.
    و الشر الثاني في سورة الناس يدخل تحت التكليف و يتعلق به النهي، فهذا شر المعائب و الأول شر المصائب، و الشر كله يرجع إلى العيوب و المصائب و لا ثالث لهما.

    فتضمنت سورة الناس الاستعاذة من شر العيوب كلها؛ لأن أصلها كلَها الوسوسة.

    و أصل الوسوسة الحركة، أو الصوت الخفي الذي لا يُحَس فيُتَرز منه،
    فالوسواس: الإلقاءُ الخفي في النفس، إما بصوت خفي لا يسمعه إلا من أُلقي له؛ و إما بغير صوت كما يوسوس الشيطان إلى العبد.

    " الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ " وصفان لموصوف محذوف و هو الشيطان، فالوسوساس الشيطان؛ لأنه كثير الوسوسة.
    و أما الخناس فهو فعال من خَنَسَ يخنَسُ، إذا توارى و اختفى.

    فإن العبد إذا أغفل ذكر الله جثم على قلبه الشيطان، و بذر فيه الوساوس التي هي أصل الذنوب كلها، فإذا ذكر العبد ربه و استعاذ به انخنس.
    و الانخناس تأخر و رجوع معه اختفاء.
    قال قتادة: " الخناس له خرطوم كخرطوم الكلب في صدر الانسان، فإذا دكر العبد ربه خنس." ( ضعفه الشيخ الألباني في ضعيف الترغيب904)
    و يُقال رأسه كرأس الحية و هو واضع رأسه على ثمرة القلب يُمَنيه و يُحَدثه، فإذا ذكر الله خنَس و إذا لم يذكر عاد و وضع رأسه يوسوس إليه.

    و جيء بلفظ الفعال دون الفاعل، إعلاما بشدة هروبه و رجوعه، و عظم نفوره عند ذكر الله، و أن ذلك دأبه، فذكر الله يقمَع الشيطان و يؤلمه و يؤذيه، و لهذا كان شيطان المؤمن هزيلا، لأنه يعذبه بذكر الله و طاعته.
    و في أثر عن بعض السلف:" إن المؤمن ينضي شيطانَه كما يُنضي الرجلبعيره في السفر." لأنه كلما اعترضه صَب عليه سياط الذكر و التوجه و الاستغفار و الطاعة، فشيطانه معه في عذاب شديد.

    و أما شيطان الفاجر فهو معه في راحة و دعة و لهذا يكون قويا عاتيا شديدا، فمن لم يُعَذب شيطانه في هذه الدار بذكر الله و توحيده و استغفاره و طاعته، عذبه شيطانه في الأخرة بعذاب النار، فلا بد لكل أحد أن يعذب شيطانَه أو يُعدبُه شيطانُه.

    و تأمل كيف جاء بناء الوسواس مكررا لتكريره الوسوسة الواحدة مرارا، حتى يعزم عليها العبد. و جاء بناء الخناس على وزن الفعال، الذي يتكرر منه نوع الفعل، لأنه كلما ذكر الله انخنس فإذا غفل العبد عاد بالوسوسة؛ فجاء بناء اللفظين موافقا لمعنييهما.

    و قوله تعالى: " الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ "، صفة ثالثة للشيطان، فذكر وسوسته أولا، ثم ذكر محَلها ثانيا، و أنها في صدور الناس.
    و قد جعل الله للشيطان دخولا في جزف العبد و نفوذا إلى قلبه و صدره، فهو يجري منه مجرى الدم، و قد وُكلَ بالعبد فلا يُفارقه إلى الممات.

    و من وسوسته أنه يشغل القلب بحديثه حتى يُنسيَه ما يريد أن يفعله، و لهذا يُضاف النسيان إليه، كما قال تعالى عن صاحب موسى: " فإني نسيت الحوت و ما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره ". الكهف63
    و تأمل حكمة القرآن و جلالتَه كيف أوقع الاستعاذةَ من شر الشيطان الموصوف بأنه الوسواس، إلى آخر السورة و لم يقل من شر وسوسته؛ لتعم الاستعاذة جميع شره، فإن قولَه " مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ " يعم كل شر، و وَصفَه بأعظم صفاته و أشدها شرا، و هي الوسوسة التي هي مبادئ الإرادة، فإن القلب يكون فارغا من الشر فيُوسوس إليه، و يخطر الذنب بباله، فيُصوره لنفسه و يُشهيه فيصير شهوة، و يُزينها و يُحسنها له فتصير إرادة، ثم لا يزال يمثل و يشهي و يُنسي ضررها، و يطوي عنه سوء عاقبتها، فلا يرى إلا التذَاذَهُ بالمعصية فقط، و ينسى ما وراء ذلك، فتصير الإرادة عزيمة جازمة فيشتد الحرص من القلب، فلا يزال الشيطان بالعبد يقودُه إلى الذنب و ينظم شمل الاجتماع بألطف حيلة و أتم مكيدة.
    فأصل كل معصية و بلاء إنما هو الوسوسة؛ فلهذا وصفه بها لتكون الاستعاذة من شرها أهم، و إلا فشره بغير الوسوسة حاصل أيضا.


    .... يتبع ان شاء الله: أنواع شرور الشيطان

     
  3. #8
    توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future الصورة الرمزية توفيق
    تاريخ التسجيل
    11 / 09 / 2006
    الدولة
    فلسطين
    العمر
    52
    المشاركات
    4,013
    معدل تقييم المستوى
    4400

    افتراضي رد: من درر الشيخ ابن القيم في التفسير

    أنواع شرور الشيطان

    فأصل كل معصية و بلاء إنما هو الوسوسة؛ فلهذا وصفَه بها، لتكون الاستعاذة من شرها أهم، و إلا فشره بغير الوسوسة حاصل أيضا.

    فمن شره أنه لص سارق لأموال الناس، فكل طعام أو شراب لم يُذكَر فيه اسم الله عليه فله فيه حظ بالسرقة و الخطف، و كذلك يبيت في البيت الذي لم يُذكَر اسم الله، فيأكل طعام الإنس بغير إذنهم، و يبيت في بيوتهم بغير أمرهم و يدُل على عوراتهم، فيأمر العبدَ بالمعصية ثم يُلقي في قلوب أعدائه يقظة و مناما أنه فعل كذا و كذا.

    و من هذا أن العبد يفعل الذنب لا يطلع عليه أحد من الناس، فيُصبح و الناس يتحدثون به، و ما ذاك إلا لأن الشيطان يَجهَد في كشف سره و فضيحته، فيغتر العبد و يقول هذا ذنب لم يره إلا الله، و لم يشعر بأن عدوه ساع في إذاعته، و قَل من يتفطن لهذه الدقيقة.

    ( هنا حضرني سؤال أرجو من أحد مشايخنا أن يشاركنا بإيضاحاته، الأمر يخص الناس المثحدثين بإثم غيرهم ممن أراد الشيطان كشفَ ستر الله عليهم، أليس هؤلاء الناس بآثمين بالخوض في أعراض غيرهم خصوصا و أن الأمر هنا لا يعدو أن يكون نوعُ وسوسة من الشيطان إليهم هم أيضا فتصيرَ هذه الوسوسة سوء ظن و هذا مما نهينا عنه، نريد مزيد بيان حتى لا يُشكل فهمه)

    و من شره أنه يعقد على رأس العبد إذا نام عقدة تمنعه من اليقظة، كما في صحيح البخاري: " يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد" البخاري 1142 و مسلم 776 و غيرهما.

    و من شره أنه يبول في أذن العبد حتى ينام إلى الصبح( ورد هذا في حديث صحيح رواه البخاري و مسلم عندما ذُطر رجل إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه نام ليلة حتى أصبح فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم: ط ذاك رجل بال الشيطان في أذنيه "

    و من شره أنه يقعد لابن آدم بطُرق الخيركلها فما من طريق من طُرُق الخير إلا و الشيطان مرصد عليه يمنعه أن يسلُكَه، فإن خالفَه و سلكَه ثبطَه و عَوقَه، فإن عمله و فرَغَ منه سعى فيما يُبطله.

    و يكفي من شره أنه أقسم ليأتينهم من بين أيديهم و من خلفهم و عن أيمانهم و عن شمائلهم.

    فإذا كان هذا شأنه و همته في الشر فلا خَلاصَ منه إلا بمعونة الله و تأييده، و لا يمكن حصرُ أجناس شره فضلا عن آحادها، إذ كل شر في العالم فهو السبب فيه، و لكن ينحصر شره في ستة أجناس:

    .... يتبع إن شاء الله: الشرور الرئيسية الستة.

     
  4. #9
    توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future الصورة الرمزية توفيق
    تاريخ التسجيل
    11 / 09 / 2006
    الدولة
    فلسطين
    العمر
    52
    المشاركات
    4,013
    معدل تقييم المستوى
    4400

    افتراضي رد: من درر الشيخ ابن القيم في التفسير

    الشرور الستة للشيطان

    الشر الأول: الكفر و الشرك و معاداة الله و رسوله،

    فإذا ظفر بذلك من ابن آدم استراح، و هو أول ما يريد من العبد، فإن يئس منه من ذلك، و كان ممن سبق له الإسلام في بطن أمه، نقله إلى المرتبة الثانية من الشر و هي:

    البدعة:

    و هي أحب إليه من الفسوق و المعاصي، لأن ضررها متعد و هو ذنب لا يُتاب منه، و هي مخالفة لدعوة الرسل، و دعاء إلى خلاف ما جاءوا به، فإذا نال منه البدعة و جعله من أهلها، صار نائبا له و داعيا من دعاته، فإن أعجَزَ من هذه الرتبة نقله إلى

    المرتبة الثالثة: الكبائر، على اختلاف أنواعها

    فهو أشد حرصا على أن يوقعه فيها و لا سيما إن كان عالما متبوعا، فهو حريص على ذلك ليُنَفر الناس عنه، ثم يُشَيع من ذنوبه في الناس و يستنيب منهم من يُشَيعُها، تقربا بزعمه إلى الله، و هو نائب إبليس و لا يشعر، فإن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم، هذا إذا أحبوا إشاعتها، فكيف إذا تولوا هم إشاعتَها؟؟ فإن عجز عن هذه المرتبة نقله إلى..

    المرتبة الرابعة: الصغائر،

    التي إذا اجتمعت فربما أهلكت صاحبها كما قال النبي صلى الله عليه و سلم: "إياكم و محقرات الذنوب فإن مثل ذلك مثل قوم نزلوا بفلاة من الأرض" صحيح ، و ذكر حديثا معناه: أن كل واحد منهم جاء بعود حطب حتى أوقدوا نارا عظيمة فطبخوا. و لا يزال يسهل عليهم أمر الصغائر حتى يستهينوا بها، فيكون صاحب الكبيرة الخائف أحسن حالا منه، فإن أعجزه العبد في هذه المرتبة نقله إلى...

    المرتبة الخامسة: إشغاله بالمباحات التي لا ثواب فيها و لا عقاب،

    بل عاقبتها فوات الثواب الذي ضاع عليه باشتغاله بها، فإن أعجزه العبد في هذه المرتبة، و كان حافظا لوقته شحيحا به، يعلم أنه مقدار أنفاسه و انقطاعها، و ما يقابلها من النعيم و العذاب؛ نقله إلى

    المرتبة السادسة: أن يشغَلَه بالعمل المفضول عن ما هو أفضل منه؛

    ليُفَوت ثواب العمل الفاضل، فيأمرَه بفضل الخير المفضول و يحُضه عليه إذا تضمن ترك ما هو أفضل منه، و قَل من ينتبه لهذا من الناس، فإنه إذا راى فيه داعيا قويا إلى نوع من الطاعة، فإنه لا يكاد يقول هذا الداعي من الشيطان، لا فإن الشيطان لا يأمر بخير، و يرى أن هذا خير و لم يعلم أن الشيطان يأمره بشبعين بابا من أبواب الخير، إما ليتوصل بها إلى باب واحد من الشر، و إما ليُفَوتَ بها خيرا أعظمَ من تلك السبعين بابا و أجل و أفضلَ.

    و هذا لا يتوصل إلى معرفته إلا بنور من الله يقذفه في قلب العبد؛ يكون سببه تجريد متابعة الرسول و شدة عنايته بمراتب الأعمال عند الله و أحبها لله و أنفعها للعبد، و أعمها نصيحة لله و رسوله و لكتابه و لعباده المومنين خاصتهم و عامتهم، و أكثر الخلق محجوبون و ذلك لا يخطر بقلوبهم.

    فإذا أعجزه العبد في هذه المراتب سلط عليه حزبَه من الإنس و الجن بأنواع الأذى و التكفير و التبديع و التحذير منه، ليُشَوش عليه قَلبَه و ليمنَع الناسَ من اللانتفاع به.

    فحينئذ يلبس المؤمن لَأمَةَ الحرب و لا يضعها عنه إلى الموت، و متى وضعها أُسرَ و أُصيبَ، فلا يزال في جهاد حتى يلقى الله، فتأمل هذا الفضل و تدبره و اجعله ميزانا لك تزن به نفسك و تزن به الناس و الله المستعان.


    ... يتبع: الصدر و القلب و الفرق بينهما.

     
  5. #10
    توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future توفيق has a brilliant future الصورة الرمزية توفيق
    تاريخ التسجيل
    11 / 09 / 2006
    الدولة
    فلسطين
    العمر
    52
    المشاركات
    4,013
    معدل تقييم المستوى
    4400

    افتراضي رد: من درر الشيخ ابن القيم في التفسير

    الصدر و القلب و الفرق بينهما


    و تأمل السر في قوله تعالى: " يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ " و لم يقل< قلوبهم> و الصدر هو ساحة القلب، و هو بمنزلة الدهليز و بيته، فمنه يدخل الواردات إليه فيجتمع في الصدر، ثم يلج في القلب، و من القلب تخرج الأوامر و الإرادات إلى الصدر، ثم تتفرق على الجنود، و مَن فهِم هذا فهم قولَه تعالى: " وَلِيَبْتَلِيَ اللّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحَّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ " آل عمران 154.

    فالشيطان يدخل إلى ساحة القلب و بيته و يُلقي ما يريد إلقاءه إلى القلب، فهو موسوِس في الصدر وسوسة واصلة إلى القلب؛ و لهذا قال تعالى: " فوسوس إليه الشيطان " طه120، و لم يقل < فوسوس فيه الشيطان> لأن المعنى أنه ألقى إليه ذلك و أوصله إليه فدخل في قلبه.


    و قوله تعالى " مِنَ الْجِنَّةِ وَ النَّاسِ "

    اختلف الناس في الجار و المجرور، بم تعلق؟,

    فقال الفراء و جماعة: هو بيانٌ للناس الموَسوسِ في صدورهم، أي أن الناس الموسوسُ في صدورهم قسمان: إنس و جن، فالوسواس يوسوس للجني كما يوسوس للإنسي، و هذا قول ضعيف جدا لوجوه منها أنه لم يقم دليل على أن الجني يوسوس في صدر الجني و يدخل فيه كما يدخل في الإنس، و الناس اسم لبني آدم فلا يدخل الجن في مسماهم؛

    و الصواب القول الثاني و هو أن قوله " من الجنة و الناس " بيانٌ للذي يوَسوِس و أنهم نوعان: إنس و جن، فالجني يوسوس في صدر الإنسي، و الإنسي يوسوس إلى الإنسي، فالموَسوِسُ نوعان إنسي و جني؛

    فإن الوسوسةَ هي الإلقاء الخفي في القلب و هذا مشترَك بين الجن و الإنس، و إن كان إلقاء الإنسي و وسوستَه إنما هي بواسطة الأذن، و الجني لا يحتاج إلى الواسطة، لأنه يدخل في ابن آدم و يجري منه مجرى الدم، على أن الجني قد يتمثل و يوسوس إليه في أذنه كالإنس كما روى البخاري عن عائشةَ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال: " إن الملائكة تحدث في العنان - و العنان الغمام - بالأمر يكون في الأرض فتسمع الشياطين الكلمة، فيقرها في أذن الكاهن، كما يقر القارورة، و يزيدون معها مائة كذبة من عند أنفسهم " البخاري 3114.

    فهذه وسوسة و إلقاء من الشيطان بواسطة الأذن، و نظير اشتراكهما في هذه الوسوسة اشتراكهما في الوحي الشيطاني قال تعالى: " وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً " الأنعام 112.


    ... يليه إن شاء الله: الحروز العشرة من الشيطان

     

 
+ الرد على الموضوع
صفحة 2 من 4 الأولىالأولى 1 2 3 4 الأخيرةالأخيرة

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

     

مواقع النشر (المفضلة)

مواقع النشر (المفضلة)

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك