المقدمــــــــــة
الحمد لله المنفرد بالقدرة ، العظيم ، الذي لا يقدر أحدٌ منا قدره ، خلق الآدمي فشق سمعه بفضل منه ، وبفضل منه شق بصره ، اخبره أنه إن أمر تلك العين أن تنظر إلى الحرام أنها لن تعصيه ، وإن أمر تلك الأقدام أن تمشي إلى الحرام أنها لن تعصيه ، لكنه أخبر أنه مؤاخذُ بمثاقيل الذرة ، فليفعل ما يشاء ، وأخبره أنه إن عززه في هذه الدنيا وأكرمه وأعلى مكانه وقدره أنها لن تطول الحال على ما هي عليه ، بل سوف يوسد في نهاية أمره إلى حفرة ، وأخبر إذا تقطعت تلك الأشلاء وتمزقت تلك الأعضاء وتفتت تلك العظام وسالت تلك العيون على الخدود ، وماج في ذلك اللحد وعاث الدود ، أنها ليست النهاية ، بل لها آمر لا يرد أمره فسوف يعيدها كما بدأها أول مرة ليسأله عن الكلم والنظرة ، لأنه ما خلقه عبثا فلن يتركه سدا ... وأصلي وأسلم على من رفع الله في العالمين ذكره ، محمد صلوات ربي وسلامه عليه ...
أما بعد ...
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
إخواني :
في بداية هذا اللقاء ، دعونا ندخل هذا اللقاء بمثالٍ بسيط ،،، تخيلوا لو أني وضعتُ هدفاً هناك ، ثم أعطيت كل واحد من هؤلاء الذين أنعم الله عليهم بنعمة النظر ثلاثة أسهم ، ثم جاء المبصر الأول وهو ينظر إلى الهدف ، فأخرج ذلك السهم ، ووضعه في كبد القوس ، ونحن ننظر إليه ، فإذا به مفتول العضلات يشد ذلك الوتر ثم يطلق إذا به بعيداً عن الهدف ، وبينما ذلك الهدف لم يمسه سهم واحد ، إذا بذلك الأعمى هناك نسمع قرع العصا على الأرض ، جاء يهد الخطى ، لا يرى غير الظلام ، فإذا به يتحسس ويأخذ من السهام ، ثم ينطلق هناك في تلك الزاوية الصعبة فيضع العصا ، ويمسك باليسرى لك القوس ، ويأخذ باليمنى ذلك السهم ، ثم يضعه في كبد القوس ، فإذا به يشد ذلك الوتر فإذا به يطلق ، فيصيب كأحسن ما تكون الإصابه ، غطى السكوت المكان ، لي ولك أن نتساءل ونراجع أنفسنا ، ونقف معها وقفة حق ، أعمى أصاب هدفاً أخطأه المبصرون ، إي وربي ، يوم أن أخطأت أنا وأنت أصاب هو !!
ذاك أعمى ما رأى غير الظلام
لا رأى شمساً ولا عرف القمر
يسمع الأشياء يجهل شكلها
كيف يبدوا الطير أو كيف الشجر
نزل ذلك الملك فكتب الله جلّ في علاه أن هذا الجنين لا يرى شيئاً إلا الظلام حتى أن يوسد قبره هناك ، بدأ يحبوا لكنه يكبوا ، لا يرى الجدران ولا يتقيها ، بدأ يقف ، سمع أصوات الأطفال يلعبون ويركضون ظن أنه يرى ، نسي أنه أعمى فانطلق فإذا به يكبوا خاراً على وجهه ، فإذا به يكل ويمل فانقلب راجعاً إلى البيت ، كبر ذلك الأعمى ، واشتد عوده ، سمع أن هناك ثمة رجل يقال له محمد ابن عبد الله يكلم الناس أنه هناك إله خالق بارئ مصور هو الذي رفع السماء ، لكن الأعمى ما رأى السماء ، هو الذي بسط الأرض ، لكن هذا الأعمى ما رأى الأرض ، هو الذي نصب الجبال ، ما رأى الجبال ، فقالوا له هو الذي شق سمعك الذي تسمع به ، هو الذي حرك أقدامك التي تتحرك بها ، فذهب بتلك الأقدام إلى محمد عليه الصلاة والسلام ، وقف أمامه محمد ، فبما يكلمه محمد صلوات ربي وسلامه عليه ؟ بما يبدأ وأي كلام يقول ؟ فإذا بذلك الأعمى منتصباً واقفاً عند رسول الله يسمع قول الله جلّ وعلا : ( إن الدين عند الله الإسلام ) فإذا بذلك الأعمى بعد أن اهتزت أركانه ، وارتعدت فرائصه ، ووجل قلبه ، واقشعر جلده ن فإذا به يرفع مباشرة تلك السبابة التي ما رآها في حياته ، يرفعها إلى السماء ، أشهد أن لا إله إلا الله ، دخل ذلك الدين في قلب لك الاعمى ، فانكشفت تلك الغطاءات وتكل الحجب فأبصر ذلك القلب ، ( أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله ) ما قال ربي أفمن شرح الله عينه للإسلام ، ( أفمن شرح الله صدره ) فشرح ذلك الصدر ، عاد ذلك الأعمى وسمع الخبر وشاع الأمر ، هل تظن أن كفار قريش قالوا : هذا مسكين أعمى اتركوه ، لا وربي ، قالوا وما بقي إذا ذلك الأعمى الضعيف ويتجرأ !! والله لا جرم لنجعلنه عبرة للأقوياء والضعفاء ، يقول : أخذوني إلى مكان لا أعرفه ، فجردوني من ثيابي وقيدوني ، وضع السلاسل والأغلال في قدميه ، يقول : وبينما أنا واقف ـ تخيل حاله واقف والأيادي مقيدة والأقدام مقيدة ، ثم بلا سابق إنذار ولا إخبار يجرونه حتى يندك رأسه على الحصى ، ثم يسحبونه حتى تأكل الأحجار من ظهره ، جاء بجروح تثعب دما ، ودماء تنزف ( أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا ) لكن ما غيرتهم المتغيرات ، ولا هزتهم الشهوات ، فاطمئن ابن أم مكتوم على أن الطريق واضح ، وعلى أن هذه الجروح سوف تضمد هناك ، فرجع ، وعذب ، ثم جاء إلى النبي عليه الصلاة والسلام جالساً في ذلك المجلس ، كل الصحابة ينظرون إلى محمد عليه الصلاة والسلام ويسمعون عنه ، ابن أم مكتوم لا يرى مجرد سماع فقط ، قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه : ( أن الله جلّ وعلا يقول : أعددت لعبادي الصالحين ) فإذا بابن أم مكتوم يقترب ويسمع ، يحلل في ذلك العقل ، يقول الصاحين ما قال المبصرين يعني قد أكون أنا منهم ، ( أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ) لا تسل ذلك القلب الذي كاد أن يطير من الفرح لما سمع مالا عين رأت ، يعني قال في نفسه هؤلاء المبصرون ما رأوا تلك الجنة إذاً لم يفتني شيء ، فذهب ، الموت يلوح بين ناظريه في كل حين لكنه ما نسي أن رب العالمين الرحمن الرحيم يراه في كل حين ، مر عليه النبي عليه الصلاة والسلام وهو مقيد يعذب فأسمعه كلاماً ضمد به جراحه ، قال له : ( أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ) يحلل الآيات ، فإذا به يقول : ( أحسب الناس أن يتركوا )، أنا من الناس ، أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ) أنا مؤمن ، فإذاً لن أترك والطريق على ما يرام وأنت سائر هناك إلى ذلك الهدف الذي لم يره المبصرون ، ما ألذ تلك الحياة ،
جلس يوماً عند رسول الله ، يقول له النبي عليه الصلاة والسلام ولمن معه من الصحابة رضوان الله عليهم : ( خيركم من تعلم القرآن وعلمه ) صحيح الحديث هذا يمر علي وعليك ، صحيح إيه إن شاء الله بنتعلم بعدين ، بإذن الله الأمور إن شاء الله زينة لكن مشغولين شوي في الدنيا ، سنتعلم هناك ، إذا دفنا قلنا يا رب ارجعون لعلنا نحفظ القرآن ، نعمل صالحاً فيما تركنا ، المصحف في كل مكان لكن تركناه ، تعرف ماذا فعل هذا الحديث بابن أم مكتوم ، بدأ يحلل في الحديث ، قال النبي عليه الصلاة والسلام ( خيركم ) يعني قد لا أدخل الجنة فقط ، بل من أفضل من يدخلها ، فإذا بذلك الحديث فرصة لا تفوت ، ليست صفقة بمليون أتركها إذا مت ، فجاء عند النبي عليه الصلاة والسلام في وقت ما عند النبي عليه الصلاة والسلام أحد من الصحابة ، في وقت الظهيرة يجر خطاه ، يسأل ، أين محمد ، قالوا امضِ ، والله جلّ وعلا يره ، أين رسول الله ، قالوا : امضِ ، أين رسول الله ؟ امض ، حتى قالوا هو هناك امضِ أمامك ، فكأنه سمع صوت رسول الله ، إي والله صوت النبي ، يكلم أبا جهل ويكلم شيبة ويكلم عتبة ، لأنه يرى هؤلاء تحت السياط ، وتحت العذاب والشمس قد قطعت أجسادهم يريد أرحم الخلق بالخلق صلوات ربي وسلامه عليه يريد أن يكفوا عذابهم عن أصحابه ، فجاء ابن أم مكتوم قال : السلام عليك يا رسول الله ، علمني مما علمك الله ، أنت قلت لنا أمس أن مت تعلم القرآن وعلمه هو خير هذه الأمة ، وهو خير أصحابك ، علمني يا رسول الله ، ظن أن النبي عليه الصلاة والسلام ، التفت له وابتسم لأنه هو الذي دعاهم لهذا وهم أتباعه ، لكن والله ما تبسم له النبي عليه الصلاة والسلام ، كان مشغول يأخذ من هذا ويتكلم مع هذا ثم يقاطع هذا ، فالتفت النبي عليه الصلاة والسلام وعبس في وجه ذلك الأعمى ، ذلك الأعمى ما رآه ن ما زال متبسما ينتظر كلام النبي عليه الصلاة والسلام له ، المشهد هذا ما رآه احد إلا الله ، ما رآه أحد من الصحابة ، لكن في هذه اللحظات وهذه الثواني لما عبس النبي عليه الصلاة والسلام في وجه ذلك الأعمى تحسبونه هيناً وهو عند الله عظيم ، لذلك المشهد فقط اهتزت السموات ، اهتزت سبع سموات ما بقي ملك مقرب إلا وخر للأذقان ساجدا ، لهذا الموقف ، فتكلم الله وجبريل ساجد عليه السلام ن واسرافيل ساجد عليه السلام ، فتكلم ربي جلّ في علاه ، لا يرضى ، فقال : ( عبس وتولى أن جاءه الأعمى ) فيرفع رأسه جبريل فيأخذ ست عشرة آيه فيها عتاب من الخلاق رب الأرباب سبحانه ، إلى محمد صلوات ري وسلامه على محمد ، ويقطع بها جبريل مئات الأعوام كلمح البصر ، يقول عليه الصلاة والسلام : ( لما انقلبت عائد إلى بيتي إذا بجبريل يتنزل على محمد ويقول له ( عبس وتولى أن جاءه الأعمى وما يدريك لعله يتزكى أو يتذكر فتنفعه الذكرى ) علها تنفعه تلك الآيات وذلك السهم فيصيب به أعلى الجنان ، ينزل أعظم ملك في أعظم رسول في أعظم أعمى ، هل رأيت في حياتك أي أعمى يركض ؟ والله ما رأينا ، لكن ذلك ال‘مى والله ركض ، الأعمى قبل أن يسير يضرب ضربةً عن يمينه وأخرى عن شماله وأخرى من أمامه ، ثم يخطوا خطوةً واحدة ، هذا الأعمى ، لا ،لم يصفه لي ولك رسول الله عليه الصلاة والسلام ، والله بل وصفه رب الرسول سبحانه جلّ في علاه ، يقول عنه واصفاً لأنه هو الذي يراه وهو خارج من بيته يريد أن يتقرب إلى الله : ( وأما من جاءك ) يمشي ، لا وربي ما كان يمشي ، ( وأما من جاءك يسعى وهو يخشى ) ما لذي جعله يسعى ، لأنه سمع : ( وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا ) يعني ننجي المتقين الخائفين منا ، فجاء يسعى ، وهو يخشى ،
يقول الصحابة : والله ما جاء بعد نزول هذه الآية ذلك الأعمى إلى الرسول صلى الله عليه وسلم إلا وأكرمه لا في عشية ولا في ضحاها ، إلا وقربه النبي عليه الصلاة والسلام وقال ( مرحباً بالذي عاتبني ربي من أجله )
والله الذي لا إله إلا هو ، أني أتفق معك أن بلال كان أشدهم عذابا جسديا ، وأن عمار أشدهم عذاباً نفسيا ، لأنه أمه معه ، بلال صحيح يعذب ، لكنه لا يلتفت ثم يرى أمه تجر أمامه ، لا يرى رأس أمه وهو تدكدكه الأحجار ، لا يرى السياط وهي تنزل على وجه أمه ، فكان عماريعذب عذاب نفسي ، يقتلونه مرتين ، و بلال أشدهم عذابا جسديا ، لكن عبدالله ابن أم مكتوم كان يعذب أشد من عذابهما من ناحية ، تعرف لما ؟ إذا جاء الرجل من قريش وانتصب فوق رأس بلال ، فرفع بلال إليه بصره ، وإذا بذلك السوط يرتفع بلال يغمض عينيه وينأى بوجهه ولو كان مقيد ، عمار كذلك ، أم عمار كذلك ، ابن أم مكتوم ، لا ، كان يأتي الرجل من قريش فيسمع خطواته ، ثم يقف ذلك الرجل ، فلا يحس ابن أم مكتوم بذاك الذي انتصب فوق رأسه ورفع سوطه إلى الأعلى ، ابن أم مكتوم لا يعلم ما زالت العينان العمي مفتوحة فإذا بذلك الرجل ينزل على ابن أم مكتوم حتى يخط ذلك السوط في وجهه ،
يتبع
مواقع النشر (المفضلة)