الكذب والصدق وآثارهما
إياك والكذب ، فإنه يفسد عليك تصور المعلومات على ما هي عليه ، ويفسد عليك تصويرها وتعليمها للناس ، فإن الكاذب يصور المعدوم موجودا ، والموجود معدوما ، والحق باطلا ، والباطل حقا ، والخير شرا ، والشر خيرا فيفسد عليه تصورها وعلمه عقوبة له ثم يصور ذلك في نفس المخاطب المغتر به الراكن إليه ،فيفسد عليه تتصوره وعلمه.
ونفس الكاذب معرضة عن الحقيقة الموجودة نزاعة على العدم ، مؤثرة للباطل ، وإذا فسدت عليه تلك الفعال وسرى حكم الكذب إليها فصار صدورها عنه كصدور الكذب عن اللسان ، فلا ينتفع بلسانه ولا بأعماله.
ولهذا كان الكذب أساس الفجور ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن الكذب يهدي إلى الفجور ، وإن الفجور يهدي إلى النار ) رواه البخاري ومسلم عن عبد الله بن مسعود ، وأول ما يسري الكذب من النفس إلى اللسان فيفسده ، ثم يسري إلى الجوارح فيفسد عليها اعمالها كما افسد على اللسان اقواله ، فيعم الكذب أقواله وأعماله واحواله ، فيستحكم عليه الفساد ، ويترامى داؤه إلى الهلكة ، إن لم يتداركه الله بدواء الصدق يقلع تلك المادة من اصلها.
ولهذا كان اصل اعمال القلوب كلها الصدق ، واضدادها من الرياء والعجب ، والكبر والفخر ، والخيلاء والبطر والعجز والكسل ، والجبن والمهانة ، ووغيرها ، اصلها الكذب.
فكل عمل صالح ظاهر أو باطن فمنشؤه الصدق.
وكل عمل فاسد ظاهر أو باطن فمنشؤه الكـــذب.
والله تعالى يعاقب الكذاب بأن يقعده ويثبطه عن مصالحه ومنافعه, ويثبت الصادق بأن يوفقه للقيام بمصالح دنياه وآخرته.
فما استحلت مصالح الدنيا والآخرة يمثل الصدق , ولا مفاسدهما ومضارهما بمثل الكذب ، قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ }التوبة119
وقال تعالى {قَالَ اللّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ }المائدة119
وقال تعالى : {طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَّعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ }محمد21
{وَجَاء الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }التوبة90
من درر كتاب الفوائد لابن القيم
مواقع النشر (المفضلة)