حجـــة الـــوداع-.. والرســــالة العظـــــيمة
--------------------------------------------------------------------------------
بعد أن أتم النبي- صلى الله عليه وسلم إبلاغ- الرسالة،- وفُتحت مكة- ،- ودخل الناس في- دين الله أفواجاً،- فرض الله الحج على الناس وذلك في- أواخر السنة التاسعة من الهجرة،- فعزم رسول الله- - صلى الله عليه وسلم- - على الحج،- وأعلن ذلك،- فتسامع الناس أن رسول الله- - صلى الله عليه وسلم- - يريد الحج هذا العام،- فقدم المدينة خلق كثير كلهم- يريد أن- يحج مع رسول الله- - صلى الله عليه وسلم- - وأن- يأتم به-.
- فخرج من المدينة في- الخامس والعشرين من ذي- القعدة من السنة العاشرة للهجرة،- وانطلق بعد الظهر حتى بلغ- ذي- الحليفة،- فاغتسل لإحرامه وادهن وتطيب،- ولبس إزاره ورداءه،- وقلد بدنه،- ثم أهل بالحج والعمرة وقرن بينهما،- وواصل السير وهو- يلبي- ويقول-: (لبيك اللهم لبيك،- لبيك لا شريك لك لبيك،- إن الحمد والنعمة لك والملك،- لا شريك لك-)،- فلما قرب من مكة،- نزل بذي- طوى،- وبات بها ليلة الأحد من اليوم الرابع من ذي- الحجة،- وصلى بها الصبح،- ثم اغتسل،- ودخل مكة نهاراً- من أعلاها،- فلما دخل المسجد الحرام طاف بالبيت،- وسعى بين الصفا والمروة،- ولم- يحل من إحرامه،- لأنه كان قارناً- وقد ساق الهدي- معه،- وأمر من لم- يكن معه هدي- من أصحابه أن- يجعلوا إحرامهم عمرة،- فيطوفوا بالبيت وبين الصفا والمروة،- ثم- يحلوا من إحرامهم،- وأقام النبي- - صلى الله عليه وسلم- - وأصحابه بمكة أربعة أيام من- يوم الأحد إلى- يوم الأربعاء-.
وفي- ضحى- يوم الخميس الثامن من ذي- الحجة توجه رسول الله- - صلى الله عليه وسلم- - بمن معه من المسلمين إلى منى،- فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر،- ثم مكث قليلاً- حتى طلعت الشمس،- وأمر بقبة من شعر تضرب له بنمرة- - وهو موضع بالقرب من عرفات وليس من عرفات- -،- فسار رسول الله- - صلى الله عليه وسلم- - حتى نزل بنمرة- ،- ولما زالت الشمس أمر بالقصواء فرحلت له،- فأتى بطن وادي- عرنة،- وقد اجتمع حوله الألوف من الناس،- فخطب الناس خطبة جامعة ذكر فيها أصول الإسلام،- وقواعد الدين،- وكان مما قاله- -صلى الله عليه وسلم- -: (إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم،- كحرمة- يومكم هذا في- شهركم هذا في- بلدكم هذا،- ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي- موضوع،- ودماء الجاهلية موضوعة،- وإن أول دم أضع من دمائنا دم ابن ربيعة بن الحارث،- كان مسترضعا في- بني- سعد فقتلته هذيل،- وربا الجاهلية موضوع،- وأول ربا أضع ربانا ربا عباس بن عبد المطلب،- فإنه موضوع كله،- فاتقوا الله في- النساء،- فإنكم أخذتموهن بأمان الله،- واستحللتم فروجهن بكلمة الله،- ولكم عليهن أن لا- يوطئن فرشكم أحداً- تكرهونه،- فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربا- غير مبرح،- ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف،- وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به،- كتاب الله،- وأنتم تسألون عني- فما أنتم قائلون؟ قالوا-: نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت،- فقال بإصبعه السبابة- يرفعها إلى السماء وينكتها إلى الناس-: اللهم اشهد،- اللهم اشهد،- ثلاث مرات-).
ثم أذن المؤذن ثم أقام فصلى بالناس الظهر،- ثم أقام فصلى العصر،- ولم- يصل بينهما شيئاً،- ثم ركب رسول الله- - صلى الله عليه وسلم- - حتى أتى موقف عرفات،- فاستقبل القبلة،- ولم- يزل واقفاً- حتى- غربت الشمس،- وهنالك أنزل عليه قوله تعالى-: »اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي- ورضيت لكم الإسلام دينا-« (المائدة -٣).
فلما- غربت الشمس أفاض من عرفات،- وأركب أسامة بن زيد خلفه،- ودفع رسول الله- - صلى الله عليه وسلم- - وهو- يقول-: (أيها الناس عليكم السكينة-)،- حتى أتى المزدلفة،- فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين،- ولم- يصل بينهما شيئاً،- ثم نام حتى أصبح،- فلما طلع الفجر صلاها في- أول الوقت،- ثم ركب،- حتى أتى المشعر الحرام- - وهو موضع بالمزدلفة- -،- فاستقبل القبلة،- ودعا الله وكبره وهلله ووحده،- ولم- يزل واقفاً- حتى أسفر الصبح وانتشر ضوؤه،- ثم دفع إلى منى قبل أن تطلع الشمس،- وهو- يلبي- ولا- يقطع التلبية،- وأمر ابن عباس أن- يلتقط له حصى الجمار سبع حصيات،- فلما وصل إلى منى رمى جمرة العقبة راكباً- بسبع حصيات،- يكبر مع كل حصاة-.
ثم خطب الناس خطبة بليغة أعلمهم فيها بحرمة- يوم النحر وفضله عند الله وحرمة مكة على- غيرها،- وأمرهم بالسمع والطاعة،- وأن- يأخذوا عنه مناسكهم- ،- ويبلغوا عنه،- ونهاهم أن- يرجعوا بعده كفاراً- يضرب بعضهم رقاب بعض-.
ثم انصرف إلى المنحر فنحر ثلاثاً- وستين بدنة بيده،- ثم أمر علياً- أن- ينحر ما بقي- من المائة-.
فلما أكمل- - صلى الله عليه وسلم- - نحر الهدي- استدعى الحلاق فحلق رأسه،- وقسم شعره بين من حوله من الناس-.
ثم أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة راكباً،- وطاف بالبيت طواف الإفاضة،- وصلى بمكة الظهر،- ثم رجع إلى منى في- نفس اليوم،- فبات بها،- فلما أصبح انتظر زوال الشمس،- فلما زالت ودخل وقت الظهر أتى الجمرات،- فبدأ بالجمرة الصغرى ثم الوسطى ثم جمرة العقبة،- يرمي- كل جمرة بسبع حصيات،- ويكبر مع كل حصاة،- وفعل ذلك في- بقية أيام التشريق،- وأقام النبي- - صلى الله عليه وسلم- - أيام التشريق بمنى- يؤدي- المناسك،- ويعلم الشرائع،- ويذكر الله،- ويقيم التوحيد،- ويمحو معالم الشرك-.
وفي- اليوم الثالث عشر من ذي- الحجة،- نفر النبي- صلى الله عليه وسلم من منى،- فنزل بخيف بني- كنانة من الأبطح،- وأقام هناك بقية- يومه وليلته،- وصلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء،- ونام نومة خفيفة،- وبعدها ركب إلى البيت،- فطاف به طواف الوداع،- ثم توجه راجعاً- إلى المدينة-.
وهكذا قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حجه،- بعد أن بين للمسلمين مناسكهم،- وأعلمهم ما فرض الله عليهم في- حجهم،- وما حرم عليهم،- فكانت حجة البلاغ،- وحجة الإسلام،- وحجة الوداع،- ولم- يمكث بعدها أشهرا حتى وافاه الأجل،- فصلوات الله وسلامه عليه إلى- يوم الدين-.
مواقع النشر (المفضلة)