تعليل النفس للصبر على الطاعة
مر بي حمالان تحت جذع ثقيل, وهما يتجاوبان بإنشاد النغم , وكلمات الاستراحة .
فاحدهما يصغي إلى ما يقوله الآخر ثم يعيده أو يجيبه بمثله , والآخر همته مثل ذلك.
فرأيت أنهما لو لم يفعلا هذا زادت الشقة عليهما, وثقل الأمر , وكلما فعلا هذا هان الأمر.
فتأملت السبب في ذلك , فإذا به تعلق فكر كل واحد منهما بما يقوله الآخر, وطربه به,
وإجالة فكره في الجواب بمثل ذالك, فينقطع الطريق, وينسى ثقل المحمول, فأخذت من
هذا إشارة عجيبة ,ورأيت الإنسان قدحمل من التكليف أمورا صعبة ,ومن أثقل ما حمل مداراة
نفسه, وتكليفها الصبر عما تحب, وعلى ما تكره. فرأيت الصواب قطع طريق الصبر بالتسلية
والتلطف للنفس,كما قال الشاعر:
فان تشكت فعللها الجرة من ضوء الصباح وعدها بالرواح ضحى
ومن هذا ما يحكى عن بشر الحافي رحمة الله عليه: سار ومعه رجل في طريق فعطش صاحبه,
فقال له : نشرب من هذا البئر؟ فقال بشر :اصبر إلى البئر الأخرى , فلما وصلا إليها قال له :
البئر الآخر. فما زال يعلله ثم التفت إليه فقال له: هكذا تنقطع الدنيا.
ومن فهم هذا الأصل علل النفس وتلطف بها ووعدها الجميل لتصبر على ما قد حملت كما كان بعض السلف يقول لنفسه: والله ما أريد بمنعك من هذا الذي تحبين إلا الإشفاق عليك.
وقال أبو يزيد رحمه الله: ما زلت أسوق نفسي إلى الله تعالى وهي تبكي, حتى سوقتها وهي تضحك.
مواقع النشر (المفضلة)