مساعد الثبيتي من دبي: انتقد البروفيسور السعودي خالد الدخيل الفتوى التي افتى بها الشيخ عبد المحسن العبيكان والتي قال فيها بعدم جواز الخروج على الحكومة العراقية وقال الدخيل "فتوى سياسية لا دينية لم يوفق بها الشيخ على الاطلاق ويبدو انه اراد من خلفها ارضاء جهات معينة".
واشار البروفيسور السعودي الذي عمل استاذا زائرا في" معهد كارنيجي للسلام" انه تعرض لضغوط كبيرة وتهديدات اثناء دعوتة للسفير الاميركي بالرياض لافتا الى انه في ليلة المأدبة تعرض تلفونه المحمول لقطع ولم يعد يستقبل او يرسل اتصالات.
وذكر الدخيل ان ما يقال حول وجود حرية راي وتعبير في السعودية بخاصة في السنوات الاخيرة غير صحيح.
وبين ان الخطاب الديني في السعودية اقوى من خطابها السياسي مشيرا الى ان الدولة عاجزة امام المؤسسة الدينية ولاتملك القوة لاصدار قرار تعارضة الموسسة الدينية .
وشدد الدخيل على ان الدولة يجب ان تستوعب التطوارات العالمية وترفع هيمنة المتدينين على البلد موكدا على ان استمرار سيطرة الوهابيين ستجعل السعودية بلد خارج السياق ولاينتمي للقرن الواحد وعشرين.
واشار الى ان مناهج التعليم السعودية لاتنتمي للعصر الحديث ولاتتوافق مع فطرة الاسوياء برداءة ما تضمه من معلومات.
نبدا من الغياب عن الكتابة في الصحافة السعودية لماذا انت بعيد عن الكتابة في صحافة بلدك؟
لا أعرف إجابة محددة. هذا سؤال يوجه للمعنيين، خاصة في الصحف والمجلات السعودية. كل ما أعرفه أن هناك أمرا حال بيني وبين الكتابة في إحدى الصحف السعودية، وتحديدا صحيفة الحياة.
ومن برأيك كان خلف هذا القرار ؟
أيضا لا أعلم, كل ما أعرفه أنني كنت كاتبا إسبوعيا في صفحة الرأي في صحيفة الحياة لمدة ثلاث سنوات. بعدها تعرضت لمضايقات، عرفت لاحقا أنها كانت متعمدة. ولأنها كذلك كان الغرض منها دفعي إلى التوقف عن الكتابة، وهو ما حصل بالفعل. كان ذلك في عام 2003م. ومنذ ذلك الحين وأنا غير مسموح لي بالكتابة في هذه الصحيفة.
وماهي أسباب هذه المضايقات؟
صدقني لا أعلم . فجاة تعرضت لمضايقات فهمت انها تهدف إلى إبعادي بطريقة لبقة. طبعا فهمت الرسالة فتوقفت.
هل هناك سبب للإيقاف لفت انتباه الصحف السعودية بعدم استكتابك؟
كما أشرت، لم تتم عملية إيقافي عن الكتابة في صحيفة الحياة بشكل رسمي ومباشر، بحيث انه اتصل علي أحد المسؤولين في تحرير الصحيفة وأبلغني بقرار الإيقاف، بل حصل الأمر بطريقة قصد منها "الزحلقة". فبعد ثلاث سنوات من الكتابة الأسبوعية المنتظمة كما قلت بدأت المضايقات اما بتأخير نشر المقال أو عدم الثبات على يوم معين ينشر فيه، أو بالإلحاح علي بتغيير طريقة الكتابة. بعد ذلك أقترح علي تجنب الكتابة في مواضيع تخص السعودية. كانت عملية المضايقة تدريجية، إلى أن وصل الأمر الى تعمد عدم نشر المقال في بعض الأسابيع. أنا فهمت الرسالة طبعا غير المباشرة "فسحبت نفسي".
وماهي أسباب "الزحلقة" برأيك؟
أنت تلح في السؤال عن الأسباب. وأنا لا ألومك في ذلك. لكن كما تعرف لا تتم عمليات توقيف الكتاب في السعودية بشكل رسمي ومكتوب يوضح أسباب التوقيف. هناك كما يبدو أمور تحدث في لحظة ما بين جهاز التحرير في المطبوعة من ناحية، وبين جهات حكومية من ناحية أخرى. وفي النهاية يتخذ قرار التوقيف. والأنكى من ذلك، أنه لا يسمح لجهاز التحرير، أو لرئيس التحرير تحديدا، بإبلاغ الكاتب بسبب أو إسباب توقيفه. وبالتالي فأنا لم أعرف حينها سبب توقيفي. ربما أن رئيس التحرير في ذلك الوقت، جورج سمعان، أو مدير التحرير حينها، عبد الوهاب بدرخان، يعرف شيئا عن الأسباب، إلا أنه لم يخبرني بذلك. هذا رغم أنه كانت هناك اتصالات عبر الهاتف او الإيميل مع مدير التحرير، ولم يخبرني او يوضح لي شيئا. وفي احد الأسابيع كتبت مقالة لم تنشر، اعقبتها في الاسبوع التالي بمقال ايضا لم ينشر فقررت التوقف. وبعد توقفي لم يتصل بي أحد ليسأل عن عدم إرسالي لمقالتي الإسبوعية. قبل ذلك كان الأمر مختلفا. كان تأخر المقال أمر غير محتمل. ثم بعد توقفي بفترة ليست قصيرة اتصل بي جهاز التحرير ليعتذر عما حصل، ويفهمني بأنه أمر كان خارج إرادتهم.
-هل هناك مقال كتبته وتعتقد انه عجل برحيلك؟
كانوا كثيرا ما يقولون لي بإن المقالات التي تكتبها، وبخاصة عن السعودية حساسة، وتسبب شيئا من الحرج. كان ذلك قبل عملية المضايقات والزحلقة. طبعا من الواضح أنني لم أدرك المقصود بكل ذلك.
برأيك هذا التعامل مع الكاتب السعودي ماهي اسبابه، خاصة وأن هناك كتاب غير سعوديين يتعاطون مع قضايا المملكة ويكتبون بحرية، ولا تجد من يحاسبهم على آراءهم؟
هذه من تناقضات السياسة الإعلامية في السعودية. يتقبلون من كاتب غير سعودي ما يكتبه عن السعودية، وأحيانا يكون ما يكتبه نقدا حادا. اما نحن "فلا". وهذه للأسف سياسة فاسدة، تسيء ليس فقط للكاتب، بل للسياسة الثقافية والإعلامية السعودية، الأمر الذي يتطلب اعادة النظر فيها. عندما لا تحترم الدولة كتابها ومثقفيها، ولا تحتملهم، فهذا يعني أنها دولة من دون كتاب ومثقفين لهم مصداقيتهم وإحترامهم لدى الآخرين. ما يمارس بحق الكاتب السعودي لايجوز، وليس له ما يبرره. فمن غير المعقول أن تجد، مثلا، كتابا اميركيين كتوماس فريدمان ونيكولاس كريستوف يسمح بترجمة مقالاتهم في بعض الصحف السعودية رغم انهم - بخاصة فريدمان - يتهجمون غير ما مرة، وبشكل حاد ومباشر على السعودية، بل وعلى الملك نفسه ومع ذلك تجد – أعني فريدمان_ الصحف تتجشم عناء ترجمة مقالاته ونشرها. وكذلك الأمر مع كاتب آخر، هو جيم هوجلاند. هذا في حين يعاقب الكتاب السعوديون على أقل من ذلك بكثير. لا تصل درجة نقد هؤلاء الكتاب إلى واحد من المليون مما يكتبه أولئك الكتاب الأميركيون، ومع ذلك تغلق الأبواب في وجوههم. هذا على الرغم من أن ما يكتبه السعوديون، وإن اعتبره البعض قاسيا، فهو نابع من الحرص على مصلحة الوطن .أما ما يكتبه الكاتب الأميركي في حق السعودية، مهما كان، فهو نابع من إلتزام بالمصالح الأميركية أولا وقبل كل شيئ.
-تقول إنك مبعد من الكتابة في الصحافة السعودية لكنك كتبت في الوطن ردا على الأمير خالد الفيصل وكتبت في الرياض بعد وفاة الملك فهد, الا يدل ذلك على ان ليست هناك توجيهات بعدم استكتابك؟ ام ان السماح لك بالكتابة يرتبط بالمناسبات؟
أنا لم أقل بأن هناك توجيهات بعدم إستكتابي. قلت أنه تم إيقافي من الكتابة في الحياة. ربما أن هذا ترك أثره لدى الآخرين. وللعلم فإنه بحكم علاقتي مع بعض رؤساء تحرير الصحف أبديت رغبتي بالكتابة فجاءني رد بارد بالموافقة على شكل مجاملة تفرضها أدبيات العلاقة والمهنة، لكن من دون ترحيب حار، أو ربط الموافقة بشروط. وهناك في الحقيقة من إعتذر بلطف. والغريب أن الصحيفة الوحيدة التي حرصت على إستمراري بالكتابة فيها هي صحيفة "الإتحاد" الأماراتية. حيث أن هذه الصحيفة هي التي إتصلت بي عندما كنت أكتب في الحياة، وطلبت أن أكون أحد كتابها. والأكثر من ذلك أن الأخوان في "الإتحاد" قبلوا بكل أريحية أن ينشروا نفس مقالتي التي أكتبها لصحيفة الحياة في اليوم نفسه. وعندما أوقفت من الكتابة في الحياة، لم يؤثر ذلك في موقف "الإتحاد"، حيث ما زلت أكتب فيها المقالة الرئيسية في صفحة "وجهات نظر"، أو صفحة الرأي فيها. أما ما ذكرت في سؤالك، فإن ما كتبته في الوطن كان ردا على مقالة الأمير خالد الفيصل، وفي الرياض تم نشر مقالتي الإسبوعية نفسها في الإتحاد بحكم المناسبة. وهذه من نوع الإستثناء الذي سمح لي أن أطل من خلالها على القارئ المحلي. انا كاتب سعودي، وقناعتي الراسخة ان اكتب في صحف بلدي واتوجه لقارئي المحلي فهو الذي يهمني والكاتب لايمكن ان ينجح دون قارئه المحلي. لكن، كما يقال، تجري الرياح بما لا تشتهي السفن.
الاتوجد صحيفة عرضت عليك الكتابة فيها بعد ان اوقفتك الحياة ؟
أبدا.
-الاتعتقد ان تحاشي الصحافة السعودية لك عائد لسعي هذه الصحف لتحاشي المشاكل التي ربما تسببها حدة كتاباتك؟
هذه مسألة نسبية. هناك من يقول عكس ذلك فيقول خالد الدخيل عنده موقف نقدي، لكن اسلوبه لا يتسم بالحدة، بل بالتوازن. قناعتي انا إن كتاباتي ليست حادة . فقط لدي رأي ولا يمكن ان أساوم عليه.
هناك من يرى ان من اسباب عدم الرضا عليك الى جانب كتابتك الحادة انك رجل متحدٍ للأنظمة والقرارت على سبيل المثال تحديك لقرار مجلس الوزراء الذي نص على عدم انتقاد الموظف الحكومي لسياسات الدولة خرجت في يوم القرار في برنامج"60minute" ولم تلتزم بتوجيهات الدولة وواصلت نقدك؟
هذا القرار وحتى الخروج في هذا البرنامج تحدثت عنه بشكل وافي في مقالي بصحيفة الاتحاد وزدت بالحديث عنه في مقال كتبتة لصحيفة الـ"لنيويورك تايمز" الأميركية .انا لم اتحد احد , وعندما خرجت في البرنامج لم يكن في حسابي معاندة احد. اعتقد ان قرار منع الموظف في الحكومة من التحدث لوسائل الاعلام قرار غير موفق وهو بالمناسبة قرار رديء جدا من حيث الصياغة القانونية. اضف الى ذلك ان هذا القرار تنقصة الحصافة فهو يساوي بين النقد والمناهضة للدولة، وهذا غير صحيح. فعندما تنتقد وضعا ما في بلدك, فهذا لايعني بالضرورة انك مناهض للبلد أو للدولة . هذه وجهة نظر ليس إلا. ليس مهما إن كانت وجهة النظر هذه صحيحة أو خاطئة. قد تكون هذه أو تلك. المهم هل هي صادقة وموضوعية. الأمر يتعلق بحرية التعبير كحق وكمبدأ، ومدى ماهو متوفر من مساحة أو هامش هنا للتعبير. لماذا لا يستفاد من وجهات النظر، وفتح المجال أمام تعددها؟ هذا في صالح الدولة والمجتمع، وصالح صانع القرار. لكن يبدو أن هناك من لا يريد، لسبب أو آخر، أن يصل كل ذلك لصانع القرار. اتحدث هنا عن نفسي. انا عندما انتقد السعودية، أنتقد سياسات أو مواقف بعينها، ولا أنتقد الدولة تحديدا. هناك فرق يجب أن يكون واضحا بين الدولة وبين الحكومة. توجيه النقد لسياسات معينة، هو نقد موجه للحكومة، وليس للدولة. من يقول بعكس ذلك يجعل من الحكومة جهازا يختزل الدولة. وهذه رؤية اقل ما يقال فيها أنها خاطئة. الحكومة تمثل الدولة، وتمارس سلطاتها بإسم الدولة، لكنها لا تختزل الدولة. ومن هذا المنطلق فإن موقفي النقدي لايحمل موقفا مناهضا للحكومة، فضلا عن أن يكون منهضا للدولة.
لكن هناك من يرى من خلال ما تكتب انك لا تدين بالولاء لوطنك؟
من يتحدث بمثل هذه الاقاويل , لا يتعدى امرين اما جاهل لا يدري عن ما يتحدث او منافق. مثل هذه الاتهامات كانت مقبولة في الستينات. ففي تلك الاعوام كان المثقف دائما مناهضا لحكومتة ويعمل على اسقاطها بالتعاون مع جهات خارجية. اما الآن فقد انتهى، أو يجب أن يتوقف مثل هذا الكلام. والمؤسف أن الحكومة لا تزال تحتفظ بهذا التصور التقليدي عن المثقف. هذا على الرغم من أن تركيبة المجتمع تغيرت بشكل كبير، وتغيرت ثقافته وأولوياته بحكم التوسع في التعليم، والتنمية الإقتصادية والإجتماعية، والثورة التي حصلت في تكنولوجيا الإتصالات. حتى المشهدين الإقليمي والدولي أصابهما تغير كبير كذلك نتيجة لعوامل عدة أبرزها نهاية الحرب الباردة. من يعتقد أن الموقف النقدي من الدولة يعبر عن عدم ولاء لها لا يزال يفكر على طريقة ما أسميه بـ"ثقافة ستينيات" القرن الماضي. لقد تغير مفهوم المثقف، وتغير موقفه السياسي بالتوازي مع تلك التغيرات. وأنا أقصد بذلك المثقف الذي لا ينتمي إلى تيار الإسلام الصحوي. لاحظ إنقلاب المواقف هنا. في ستينيات القرن الماضي كان المثقف الإسلامي أكثر ولاء للدولة من المثقف العلماني، خاصة من ينتمي إلى التيار اليساري أو القومي. الآن أصبح الأمر على العكس من ذلك. تراجع اليسار، ومعه تراجع الخط القومي بصيغته البعثية والناصرية. وحل محل ذلك التيار الليبرالي الذي يؤمن بشرعية الدولة، لكنه يطالبها بالإصلاح، خاصة الإصلاح السياسي، ويطالبها بالحريات. من ناحيته اصبح المثقف الصحوي يحتل موقع المثقف اليساري، لكن من منطلقات مختلفة تماما. ومن حيث الموقف النقد، كيف يمكن فهم موقف صحافي أو كاتب اميركي يمارس نقدا حاد في طرحة وانتقاده لسياسات الحكومة الأميركية، وآخرها حرب العراق. ومع ذلك تجده من اكثر الاميركيين ولاء لنظامه السياسي. لم يحدث أن تم التشكيك في ولاء هذا الصحفي أو الكاتب الأميركي. وعندما يحدث ذلك من جهات رسمية تتعرض الحكومة لهجمة نقدية أشد، مما يعكس رفضا قاطعا لربط الولاء للدولة بمجرد التسبيح والتهليل لسياسات الحكومة.
الاتهامات لاتتوقف عند اتهامك بعدم الولاء بل تتجاوز الى اتهامك بأنك احد الاصوات المشبوهة كما فسر البعض مقال الامير خالد الفيصل عندما كتب في صحيفة الوطن السعودية يرد على احدى مشاركاتك الفضائية؟
ان اكون من الاصوات المشبوهة هو استنتاج من البعض, لكن الأمير خالد لم يتهمني بذلك مباشرة لو تمعنت في مقاله. هو ألمح إلى ذلك إلماحا. وقد رفضت ذلك في حينه.
واسباب رد الأمير عليك بذلك المقال الذي عنونه ب "بل تواجه وتواجه يا أستاذ العلوم السياسية"؟
كنت ضيفا على برنامج "أكثر من رأي" على محطة الجزيرة، وكان الحديث يدور حول طرد وزارة الخارجية البريطانية لأحد الدبلوماسيين السعوديين. وسألني المذيع هل سترد السعودية بالمثل وتطرد احد الدبلوماسيين البريطانيين، فقلت لا أتوقع ان تقدم السعودية على ذلك. وكان تبريري أن السعودية لا تتبنى سياسة المواجهة في علاقاتها الخارجية. وقد صادف ان الامير خالد كان يتابع البرنامج. ومن الواضح من مقالته انه استاء من إجابتي. وكما تعرف هناك حساسية لدى بعض الرسميين السعوديين تجاه محطة الجزيرة، وتجاه أي سعودي يقبل بالحديث إلى هذه القناة. في هذا الإطار إعتبر الأمير خالد ما قلته حينها بأنه اتهام للسياسة السعودية بالجبن، وربما إتهام لصانع القرار السعودي بالجبن أيضا. وهو على أية حال فهم غير صحيح. المهم أن الامير خالد كتب وقتها مقالا مطولا في صحيفة "الوطن" السعودية أراد منه أن يثبت، ومن وقائع التاريخ السعودي، عكس الإستنتاج الذي توصل إليه هو. وقد بدأ مقالته بديباجة تحدث فيها عن بعض الفضائيات التي تستأجر أصواتا مشبوهة. وفي هذا ما يمكن القول بأنه إتهام موجه لي شخصيا بحكم المناسبة، وحكم الموقف من قناة الجزيرة. على أي حال كتبت مقالا في الصحيفة نفسها مقالا أوضحت فيه أن الأمير يدافع عن قضية لا وجود لها.
هناك من رأى ان ردك على الامير خالد كان اعتذارا وبطريقة ذكية جدا؟
أبدا. أكدت في المقال ما قلته على القناة الفضائية. والحقيقة أن رد الأمير فتح المجال أمامي لشرح وتفصيل الأسباب والمعطيات التي تبرر القول بأن السياسة الخارجية السعودية لا تتبنى أسلوب المواجهة.
وبرأيك الأسباب التي تدفع السياسة السعودية لعدم المواجهة؟
السعودية تعتمد في سياستها الخارجية على عنصرين التوازنات السياسية والمساعدات المالية وعندما تعلق موقفك بهذين الأمرين فأنت تصبح كمن يرهن مواقفه السياسية بمواقف الآخرين، وبالظروف السياسية لتلك التوازنات على المستويين الإقليمي والدولي. ولهذا تحرص السعودية على ان لا تصطدم باحد، ولا تثير احدا حتى لا يضطروها الى اتخاذ قرارات لاتريد اتخاذها. وأبرز شاهد هو السياسة الامنية للسعودية. فبلد بحجم المملكة الجغرافي، وحجمها الإقتصادي، وبمثل مكانتها وعمقها الاستراتيجي لاتملك قوة عسكرية تتناسب مع هذا كل ذلك. و بسبب من ضعفها العسكري يصبح مجال حركتها السياسية أقل رحابة مما يجب.
ايضا من ضمن الاتهامات التي تتهم بها علاقتك بجهات خارجية؟.
مثل من .
السفير الاميركي بالرياض؟
مجرد مأدبة واحالوها الى علاقة مع جهات خارجية.
يقال إن في المأدبة، انت ومن دعيت، كان تركيز حديثكم امام السفير الاميركي على السلبيات الموجودة في السعودية أي نقلتم له الوجه غير الحسن لبلدكم؟
غير صحيح, المأدبة ضمت شخصيات حكومية وشخصيات من مجلس الشورى واعلاميين واساتذة جامعات و كان من المدعوين شخصيات رسمية واخرى غير رسمية. كلا، قال وجهة نظره واعتقد ان السفير خرج بتصور مختلف عن كيف يفكر السعوديون وكيف ينظرون لسياسة بلده. ثم ان العلاقة بين الولايات المتحدة والسعودية لايجب ان تكون فقط من خلال قناة العلاقة الرسمية.
يقال إن هذه المأدبة اثارت سخط بعض الأطراف وسعت جاهدة لثنيك عن اقامة الدعوة؟
هذا صحيح وبالفعل تعرضت لضغوط لإلغاء المناسبة. لكنني لم استجب لهذه الضغوط.
ضغوط ممن؟
ليس مهما أن تعرف ممن.
اذا كيف تبلغت بالتحذير؟
لا داعي لذكر اسماء.
وما صحة التشويش على تلفونك المحمول ومن بعد قطعه ليلة المأدبة؟
هذا صحيح فليلة المأدبة هاتفي لم يعد يستقبل أو يرسل .
من الذي تسبب بفصل خط تلفونك؟
- ا أعلم ولست متأكد هل الفصل جاء عمدا ام كانت مصادفة, لكن ما استغربه ان يكون هذا الخلل هو المرة الاولى والاخيرة لتلفوني المحمول وربما أن المأدبة تفسر ما حدث.
يلاحظ في مقالاتك انك تكتب بشكل فيه الكثير من الجرأة هل سبق وعرضتك هذه الجرأة لمشاكل؟
مرة واحدة استدعيت لوزارة الاعلام وأوقفت بعد هذه الدعوة عن الكتابة في صحيفة الحياة لمدة شهر.
لو نعود للإتهامات الموجهة لك فانت تتهم انه في الوقت الذي قاطع مثقفو بلدك الجزيرة ورفضوا الإدلاء باحاديث لها كسرت هذه القاعدة وكنت الصوت السعودي الحاضر على شاشة الجزيرة, لماذا شذذت عن رأي الجماعة؟
انا لا أؤمن بمقاطعة الجزيرة واعتقد ان مقاطعة الجزيرة غير مجدية واسلوب "غير ذكي" للتعامل مع قناة مثل الجزيرة. هذه محطة جماهيرية، مقاطعتها من قبل دولة بحجم السعودية تزيد من شعبيتها. وبالتالي لايوجد مبرر للمقاطعة رغم كل مايقال عن الجزيرة، وموقفها من السعودية. الجزيرة قناة كبيرة ولها متابعين ويمكن للمسؤول السعودي ان يمرر ما يريد تمريره للمشاهد العربي عبر هذه القناة. اذا اردت مواجهة الجزيرة لاتقاطعها بل ابحث عن ايجاد وسائل اعلامية تنافسها في شعبيتها، وتسمح لك بأخذ زمام المبادرة في التعامل مع الرأي والخبر.
-تعتبر وفق نظر البعض الى جانب داود الشريان وتركي الحمد من ابرز الكتاب السعوديين والبعض الآخر يرى انكم من الكتاب العرب الممتازين ومع ذلك اقفلت صفحات الرأي في الصحف السعودية ابوابها دونكم.. هناك من رأى ان الصحف السعودية ترسخ للاعلام الرديء بابراز الفاشلين على حساب الناجحين هل ترى ذلك؟
استغرب ماحدث بحقنا نحن الثلاثة فالشريان كاتب مقالة يومية متميز والحمد محلل سياسي متميز أيضا. اعتقد ان السبب في هذه المعاملة عائد للمواقف النقدية لهما. لكن ربما أن السماح بعودة داود للكتابة في الحياة بداية أخرى جديدة. لا يليق ببلد بحجم وتاريخ السعودية أن يضيق ذرعا بالنقد، وخاصة عندما يأتي هذا النقد من مواطنيه.
وحرية الاعلام التي يقال إنها بدأت المسيرة قبل ثلاث سنوات , كيف تضيق بنقدكم؟
في السعودية لايوجد حرية اعلام ولاحرية تعبير.
ومايطرح من قضايا كان الى قبل سنوات قليلة يغض الطرف عنها والتطرق لها يدخلك لدائرة المحذور؟
ما يحدث في السعودية الآن أن هناك هامشا لحرية التعبير. وهناك فرق بين ان يكون هناك هامش لحرية التعبير، وبين حرية التعبير كمبدأ. حرية التعبير، كمبدأ وحق، غير موجودة تماما بالسعودية.
وماهي علامات الحرية اذا لم تكن السعودية في السنوات الأخيرة لا توجد بها حرية؟
علامات الحرية ان يكون في دستور البلاد ما ينص على حرية التعبير وحرية الرأي وعلى جميع اشكال الحريات الى جانب توفر آليات قانونية وسياسية لحماية وتفعيل هذه الحرية وهذا يتطلب وجود مؤسسات مجتمع مدني وهي للاسف غير موجودة، والموجود منها ضعيف ومرتبط بالحكومة بشكل أو بآخر. دستور البلاد، أو "النظام الاساسي للحكم" لا يتضمن أية مادة تتطرق لموضوع الحريات، وتوفر ضمانة حمايتها وكفالتها كحق للمواطن. نعم هناك هامش حرية وهو افضل من السابق بلا شك، ولكن مع الاسف هذا الهامش يظل مرتبط بالظروف وما يريده صانع القرار. فعلى ضوء هذين الامرين يضيق الهامش ويتسع وربما يختفي.
وعلى أي اساس يضيق أو يتسع هذا الهامش؟
هناك ظروف عدة تحدد اتساع هامش الحرية او ضيقه. فإذا كانت هناك ضغوط خارجية اتسع هذا الهامش، مثلا. واذا اقتنع صانع القرار بتوسيع هامش الحرية اتسع وان اقتنع بالعكس ضاق. يعني اتساع وتضييق هامش الحرية هو عملية سياسية مرهونة بالظروف السياسية في الداخل والخارج، وليس بضوابط الدستور والقانون.
هامش الحرية الحالي هل تتوقع له ان يضيق ؟
بالفعل بدأ يضيق فقبل ثلاث سنوات وصلت النقاشات في البلد حول الاصلاح والانفتاح الى قمتها. الآن اختفت هذه الدعوات وانتهت كلمة"الاصلاح" من الخطاب السعودي الرسمي وغير الرسمي.
في نقطة اخرى اخذ عليكم في مطالبكم الاصلاحية انكم لم تكونوا موفقين في مطالبكم برفع سقف المطالبة الى اعلى سقف كمطالبتكم بملكية دستورية, البعض رأى ان هذه المطالبة فيها تجاوز للمنطق بسعيكم لإلغاء رجال والدهم هو من أسس هذا الكيان الذي تنشدون اصلاحه وبالتالي فانتم تسعون لإلغاء وجودهم؟
أولا ليس صحيحا أن الهدف من الإصلاح عموما، ومن عريضة الملكية الدستورية خصوصا، هو إلغاء أو تهميش دور القيادة. كل ما في الأمر أنه كان هناك سوء فهم لمصطلح "الملكية الدستورية". فهم هذا المصطلح من قبل بعض الأخوان على أنه مجرد مطالبة بأن تحتكم الدولة إلى دستور. هناك فهم آخر، وأكثر دقة وأكثر إجماعا بين المختصين في القانون والعلوم السياسية. وعلى هذا الأساس كنت من المعترضين على هذه العريضة ولم اوقع عليها. ثم ان عريضة الملكية الدستورية، وإن اتفقنا على انها لم تكن موفقة، إلا أنها كانت مجرد واحدة من بيانات سبقتها، تضمنت مطالب باصلاحات كبيرة وتتناسب مع طبيعة المرحلة. فلماذا نحمل وزر عريضة الملكية الدستورية أكثر مما تحتمل. ارجو ان لانتوقف عند هذه العريضة الذي اعترض عليها الكثير من داخل الحكومة وخارجها، وحتى كثير من الاصلاحيين، ونلغي ما سبقها بدعوة ان هذه العريضة لم تكن موفقة. ولا يفوتني هنا التنويه بالتفهم الكبير الذي أبداه الملك عبدالله بن عبدالعزيز للموقف، والذي على أساسه أطلق سراح الإخوة علي الدميني، وعبدالله والحامد، ومتروك الفالح.
الا تعتقد بأن عريضة الملكية الدستورية "ضربت"مساعيكم للاصلاح؟
اعتقد انها استغلت من جهات لضرب الاصلاح , ومع هذا لايجب ان تكون هذه العريضة مبررا للاستمرار في ضرب الاصلاح لأنه لو كانت العرائض السابقة تحمل ما تحمله عريضة الملكية الدستورية لالتمسنا العذر لوقف دعاوي الاصلاح اما ان كانت العرائض السابقة مقبولة في مطالبها فمن غير العدل تناسيها.
كان عام 2003 عام المطالب الاصلاحية في السعودية ,ما جاء بعده من اعوام خفت المطالب حتى قاربت على التلاشي, هل انتهى زمن المطالبة بالاصلاح في السعودية؟
مطلب الاصلاح مطلب ملح، وهو أولا وأخيرا في صالح الدولة. وهذا هو السبب الرئيس وراء الإصرار عليه. الإصلاح هو مصدر قوة وضمانة للدولة، وليس من مصلحة أحد أن يتوقف الإصلاح. لهذا لن يتوقف مطلب الإصلاح. ما حدث للمطالب الإصلاحية يعيدنا الى ما سبق وتحدثنا عنه حول هامش الحرية. كان من المفترض أن يكون إتساع هامش الحرية إستجابة لحاجات الدولة، ولمطالب داخلية. لكن الذي حصل لم يكن كذلك تماما. بدأت الإستجابة للإصلاح بعد غزو الكويت، ووصول القوات الاميركية لتحرير الكويت. بعد ذلك بدأ الهامش يضيق، حتى عاد للإتساع بعد احداث سبتمبر. مع قدوم القوات الاميركية للمنطقة لتحرير الكويت ظهر النظام الاساسي للحكم، ونظام مجلس الشورى، ونظام المناطق. وبعد أحداث الحادي عشر من سبتبمبر جاء مركز الحوار الوطني والانتخابات البلدية وبدأنا نسمع بقبول التعددية الفكرية والمذهبية. مما سبق نلاحظ ان وتيرة الاصلاح في السعودية تتأثر بعوامل خارجية أكثر من تأثرها بالمعطيات والحاجات الداخلية رغم وجودها وإلحاحها. الضغوط الخارجية أثرت ايجابا على الحركة الاصلاحية في البلد. لكن يجب أن يكون الأمر على العكس من ذلك.
هناك من يرى ان مجلس الشورى بوضعه الحالي غير مفيد بل ان استمراره بهذه الآلية غير مجدٍ ومكلف للبلد ماديا؟
في النظام الاساسي للحكم وفي نظام مجلس الشورى توجد مواد تنص على ان مجلس الشورى شريك في العملية التشريعية مع مجلس الوزراء. لكن قيادة مجلس الشورى وصانع القرار لا يريدان الدفع بهذا الاتجاه. ومع ذلك يبقى الامل قائما ان يكون لمجلس الشورى دور في رسم سياسات البلد استنادا الى الدستور الذي ينص على ذلك. وليس هناك ما يمنع دستوريا من أن يتطور مجلس الشورى ليصبح المؤسسة التي تتولى السلطة التشريعية.
الحوار الدائر في السعودية من خلال مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني والذي شاركت في احدى فعالياته هل تعتقد بالفعل وجود حوار في هذا الحوار؟
فكرة الحوار رائعة جدا ويشكر من قام على تدشينها، وهو الملك عبدالله بن عبدالعزيز. لكن ان استمر الحوار على ماهو عليه بتحويله لموسسة بيروقراطية برعاية الحكومة فهذا سينفي فائدته وسيصبح غير مجدٍ بخاصة ان الحكومة غير طرف في الحوار.
واذا استمرت الحكومة بعيدة عن الحوار بحيث لا تكون طرفا فيه؟
عندها سيصبح الحوار مكانا لتجزئة الوقت وامتصاص الاحتقانات الموجودة في المجتمع. هذا الحوارحتى يكون طبيعيا ومجديا يجب ان يترك مفتوحا بين شرائح المجتمع بحيث يطرح في الجامعات والاعلام فهذا هو المكان المناسب له . وان لم يطرح في هذه الاماكن فإن الحوار سيخضع للأطر والاطروحات البيروقراطية وسيكون شبيه بالنوادي الادبية او نوادي الطلبة السعوديين في الخارج.
الحكومة الراعية للحوار هل توجه الحوار وفق ما تريده؟
لا. ففي الداخل هناك حرية نقاش .لكن الآلية التي يتم بها الحوار وطريقة دعوة الضيوف تقتل الحوار. على سبيل المثال تدعى ثمانون شخصية ضف عليها خمسين امرأة ويتحاورون في ما بينهم في مدة لاتتجاوز ثلاث ساعات لايوجد وقت لطرح فكرة او عمل مداخلة وان وجدت فرصة للحديث فهي لا تتجاوز دقيقتين لاتستطيع ان تطرح فيها ما تود قوله وان وجدت مرة اخرى فرصة لعمل مداخلة للرد على فكرة احد المدعوين فإنها لا تاتي سوى بعد اكثر من ساعة ويحصل عادة نسيان ما تود التداخل حوله، وربما يكون الحديث قد تجاوزه كثيرا. المكان الطبيعي للحوار هو المجتمع بمؤسساته المختلفة: في مجلس الشورى، والجامعات، ووسائل الإعلام، والمؤسسات الأخرى. كذلك لا ينبغي أن يتحول الحوار الى مناسبات موسمية، كما هو حاصل الآن، تحكمها أنظمة وأطر بيروقراطية، وتغيب عنها الحكومة، وهي الطرف الذي يجب ان يكون طرفا اساسيا في الحوار. فالحكومة هي صانعة سياسات البلد وهي التي تضع أنظمته. وكل ذلك يجب أن يكون أحد أهم مواضيع الحوار. الناس لديها مواقف، وردود افعال تجاه الحكومة وسياساتها، وتريد مناقشة الحكومة، بل ومحاسبتها أحيانا. هذا يحدث حتى في الدول التي تملك برلمانات تتولى مراقبة الحكومة ومحاسبتها. ان استمر الحوار بغياب الحكومة فلا يوجد حوار. فقط تضييع وقت.
أود سؤالك عن السر السعودي في اقحام رجال الدين في كل شيء مجلس الشورى يقودونه، مناهج التعليم هم من يقررها، حتى الحوار الوطني كانوا هم ابرز من يديره ويشارك فيه وهناك غير ذلك كثير؟
اضف الى ذلك تعليم البنات. بل حتى التعليم بشكل عام يخضع للمؤسسة الدينية. ولهذا السبب اتهم وزبر التعليم السابق الدكتور محمد الرشيد بالعلمانية. ربما أن تعيين الوزير الأخير جاء لترضية المؤسسة الدينية. اعتقد ان السبب في الاعتماد على رجال الدين كمصدر يكاد أن يكون حصريا لشرعية الدولة مرده الإعتقاد بأن الأسس التي قامت عليها الدولة من خلال الاتفاق التاريخي بين محمد بن سعود ومحمد عبد الوهاب لا تزال هي الأسس نفسها، ولم تتغير. هذا رغم حقيقة أن المجتمع تغير عما كان عليه في القرن الثاني عشر الهجري/ الثامن عشر الميلادي.
لكن الا ترى ان الوضع اختلف فلايجوز سحب اتفاق قبل اكثر من قرنيين على مرحلة مختلفة تماما وتتعامل مع واقع مغاير محكوم باتفاقات ومعاهدات وعالم اصبح قرية صغيرة؟
هذا هو السؤال الذي اطرحه , واتساءل معك فالعقد المسمى بوثيقة الدرعية استنفذ اغراضه وما كان قائما في القرن الثامن عشر يجب ان لم يعد كذلك في القرن الواحد والعشرين. هناك امور كثيرة اختلفت ففي ما مضى كان ما يمثله كل من طرفي الإتفاق، محمد بن سعود ومحمد عبدالوهاب، إنعكاس لواقع المجتمع آنذاك. حيث كان المجتمع اميا فقيرا بسيطا. الآن تغير الوضع تماما. مجتمع الدرعية، بل المجتمع النجدي اختفى بشكل يكاد أن يكون كاملا. بل حتى مجتمع الجزيرة آنذاك لم يعد له وجود الآن. انقلبت التركيبة الاجتماعية الآن لديك مثلا خمسة ملايين طالب في مختلف مراحل التعليم، ولديك رجال اعمال وصحافيين ونساء عاملين وفنانين ورسامين يعيشون من خلف هذه المهنة.
اذا لماذا لايستوعب السعوديون هذه الحقيقة ويكون المنصب لذوي القدرات والكفاءات وليس للأكثر تدينا؟
طبيعة الامور تقول بذلك , وبخاصة في ظل التطورات الحالية يجب ان يوسع العقد ليشمل اطرافا اخرى. المؤسسة الدينية لم تعد لوحدها تمثل المجتمع بل لم تعد تلاءم طبيعة المرحلة وبالتالي فإن الإتكاء على وثيقة تتجاوز القرنين ونصف امر غير منطقي .
هناك من يرى ان هولاء الذين تسعى الدولة لإرضائهم هم سبب ما مر البلد به من فتن ابتداء بالسبلة مرورا بتمرد جهيمان وانتهاء بما يفعلة بن لادن ورفاقه, البعض يفسر هذه المحاباة بأنه لكي تحترم فيجب رفع السلاح؟
للأسف فإن الدولة ترسخ لهذا الانطباع فمن يحمل السلاح هو الذي يحترم. فالدولة تجامل المؤسسة الدينية ومع ذلك فجميع مشاكلها جاءت من الخطاب الديني ,فالارهاب خرج من عباءة الخطاب الديني ومع ذلك نجد في الخطاب الرسمي من يسمي هولاء الارهابيين "بفئة ضالة" اي ان هولاء فقط مخطئين وليسوا قتلة مجرمين.
بدأ بخاصة بعد الحادي عشر من سبتمبر تصيد من التيارات المناوئة للاسلاميين بحيث بدأوا بخلط الاوراق ووضع الإسلامي مع الارهابي في سلة واحدة هل انت مع هذا الخلط؟
هذا لا يجوز فهناك اسلاميون ليسوا ارهابيين. ما أقوله إن الخطاب السلفي المتشدد هو أحد أسباب ما يحدث في السعودية وغيرها من بلاد العالم. لا يجب هنا أن ننسى دور الدولة، وسياساتها التعليمية، والثقافية، وغير ذلك.
يأخذ الليبراليون على الدولة اندفاعها لمعاقبتهم بمجرد خطأ لأحدهم في الوقت الذي يأخذ الإسلامي الدثور والاجور رغم انه من هيج الشارع ودعى للخروج على الدولة في فترة من الفترات بل وحرم العمل بموساساتها والدراسة في مدارسها؟
السبب في تصوري تاريخي بشكل أساسي. الخطاب الديني كان الطرف الآخر الذي شارك في قيام الدولة. التيار الليبرالي لم يكن هناك. الإشكالية هنا تتعلق بتجميد التاريخ عند مرحلة معينة، وعدم إدراك أن التاريخ متحرك.
برأيك هل تعتقد ان الارهاب نتاج الفكر الوهابي كما يقال؟
الوهابية في الاسس هي ايديولجية الدولة. الحركة الوهابية التي اسست الدولة وينتمي لها ابن باز آخر كبار الوهابيين التقليديين لايمكن ان تكون مناهضة للدولة ولايمكن ان تكون سببا لخروج الارهاب لأنها عقديا تحرم الخروج على ولي الأمر.
اذا هولاء غير وهابيين ومايقال عن علاقة الارهاب بالوهابية يقصد منه تشويه هذا الفكر؟
التطورات التي حدثت في المجتمع السعودي وفي المنطقة اثرت على تطور الخطاب الديني وتغيره وبالتالي المؤسسة الوهابية لم تعد واحدة متماسكة كما كان عليه الامر حتى قبل السبعينات ففي هذا التاريخ دخل التعليم الحديث ووفد فكر ديني مختلف من الخارج وبالتالي بدأت هذه الموسسة بالتفكك واصبحنا نشاهد مؤسسة دينية رسمية واخرى غير رسمية وصار داخل المؤسسة الدينية تيارات كثيرة اخوان وسروريين وجهاديين ووهابين جدد. اقول إن الوهابية لم تكن مسؤولة عن الارهاب فعمرها اكثر من 250 عام فلماذا لم يظهر الارهاب سوى في العشر السنوات العشر.
ظهر قبل سنوات من خلال السبلة وحركة جهيمان؟
حركة جهيمان العتيبي ارهاب وما قام به يندرج تحت الارهاب. اما السبلة فليست ارهاب.
ماهي؟
السبلة مواجهة بين منطق الدولة ومنطق القبيلة, فقد كان الاخوان جيش الدولة الذي وحدها وبخاصة تحت قيادة سلطان بن بجاد وفيصل الدويش وهذان الاثنان كان لهما مطامع سياسية ويريدان مقابلا سياسيا جزاء ما قدموه عسكريا. ففيصل الدويش من قبيلة مطير، ومطير تنتشر حول المدينة، وكان يريد زعامة المدينة وسلطان بن بجاد من قبيلة عتيبة وعتيبة تنتشر حول مكة وكان يريد زعامة مكة, والملك عبدالعزيز كان معترضا على مطامعهما وكان محقا وحكيما في اعتراضه، فمن غير المعقول ان تقام دويلات قبلية داخل الدولة, فكانت المواجهة.
في قضية اخرى هناك من يلقي على المناهج التعليمية مشكلة الارهاب وانها السبب في ظهوره؟
عندما تتساءل وتقول إن المناهج تدرس بهذه الطريقة لأكثر من ستين عاما فلماذا لم تكن سببا في حدوث الارهاب قبل سنوات فأنت على حق. لكن مع ذلك لانستطيع تبرئة المناهج التي اعتبرها عنصرا تضافرت معه عناصر أهمها الأوضاع السياسية المرتبكة في المنطقة، وما يتواكب معها من عدم إستقرار. الوجود الاسرائيلي والسياسة الاميركية في المنطقة تساعد وتبرر إنتاج وإعادة إنتاج هذا الفكر. الى جانب ذلك هناك مواقف وسياسات الحكومات العربية التي لا تتوقف عن مسايرة ومجاراة السياسة الأميركية، خوفا منها بشكل أساسي. هناك أيضا التعليم، وهو لدينا يعاني من مشاكل كثيرة . انظر للجغرافيا يسمونها الجغرافيا الاسلامية قسموا العالم ايديولجيا فانت عندما تدرس الجغرافيا تدرسها كعلم تتعرف من خلاله على طبيعة العالم ومناخه وتضاريسه لاتدرسها كايديولوجيا, اضف الى ذلك التاريخ لا يرد فيه شيء عن تاريخ اوروبا ولاعن التاريخ العربي وانا اواجه مشكلة مع طلابي فهم يجهلون تاريخ العالم. للأسف ما يمارس في مناهج التعليم هو اقرب للعزل الذهني فعندما تعزل عقلية الطالب وتحشوها في المقابل بمواد دينية تركز فيها على الولاء والبراء وفي منطقة ملتهبة غير مستقرة ماذا تتوقع ان يكون الرد.
الاتعتقد ان القائمين على المناهج التعليمة يرسخون لهذا العزل، انظر من ضمن الاضطراب الحاصل في المناهج السعودية ان الطالب يعلم ان الشيوعية والرأسمالية إلحاد وكفر ومع ذلك البلد الذي ينتمي له الطالب هو جزء من النظام الراسمالي العالمي اصبحت الدولة في مناهجها كأنها ضد نفسها؟
بالتأكيد سؤالك في محله فالدولة تعمل ضد نفسها. واعتقد السبب عجز الدولة امام المؤسسة الدينية ... فالدولة تصدر قرارات ولا يعمل بها بسبب رفض المؤسسة الدينية، يعني الخطاب الديني اقوى من الخطاب السياسي في السعودية.
وهل تعتقد انه اذا ما استمر الوضع بهيمنة الخطاب الديني وقوته امام الخطاب السياسي فإن البلد سوف يستمر في عزلته وتخلفه كما يرى البعض؟
بالتأكيد فالسعودية خارج السياق ولا تنتمي للقرن الواحد والعشرين والسبب هيمنة الخطاب الديني.
برأيك الى متى يستمر الخطاب الديني مهيمنا في السعودية؟
الى ان يعترف بأن الخطاب الديني واحد من الخطابات الموجودة في البلد لايتميز عنها بشي.
اذا لماذا لاتسعى الحكومة الى تجديد نفسها وايجاد مخرج لتحديث البلد والحد من هيمنة خطاب واحد يتهمه البعض بالإقصاء والتشدد والقسوة وقصر نظره وعدم المامه بما يحدث في العالم من تطور؟
المشكلة الآن، فالموظف في الحكومة وصل الى قناعة انه ان ابتغيت ان تسير في عملك وتحافظ على وظيفتك يجب ان تراعي مصالحك وتقر بالواقع اي ما يسير عليه غيرك داخل الحكومة فيجب ان تسير عليه. اتساءل معك او مع البعض الذي تستند عليهم في اسئلتك لماذا هذا الركون المبالغ فيه للخطاب الديني اعتقد السبب هو عدم تبلور فكرة اصلاح مناسبة للمرحلة الى جانب انه لاتوجد ارادة سياسية لتغيير الوضع.
او ربما السبب عدم الثقة في التيار المقابل وهو التيار الليبرالي؟
الحقيقة يبدو أن الحكومة تطمئن إلى التيار الديني أكثر من اطمئنانها إلى التيار الليبرالي. هناك اسباب عدة لذلك، أحدها سوء فهم وتقدير من قبل الدولة للتيار الليبرالي، والآخر حداثة هذا التيار، والاعتقاد بأنه لهذا السبب لا يخدم الدولة سياسيا. والعامل الثالث مرتبط بالذي قبله، وهو ضعف هذا التيار، وضعف قاعدته الإجتماعية، والرابع والأهم في نظري أن التيار الليبرالي لم يتحول بعد إلى أيديولوجيا واضحة ومؤثرة، ومن هنا هشاشة الإنتماء إليه، وبالتالي تقصير أصحاب هذا التيار في حق ما يقولون أنهم يؤمنون به فكريا وسياسيا.
يأخذ البعض على المناهج التعليمية السعودية رداءتها فهي تدرس ما يعود للقرون الهجرية الاولى فما يستفيد الطالب من معرفة "بنت لبون" "وجذعه" او كيف يستطيع الطفل الصغير ان يستوعب طريقة غسل وتكفين الميت؟
هذا خطاب لايقبله المجتمع وهذه مناهج تتنافى مع فطرة الأسوياء انظر الى كيف يدخل طفل صغير في قضايا اكبر منه, فندرسه مفهوم الكفر يعني موضوع كهذا جزء من علم الفلسفة والكلام والتوحيد ولايتحدث فيه سوى الضالعين في العلم ونناقشه امام طفل لا يتجاوز عمره عشر سنوات لا يعرف عن الكافر شيئا سوى ان اهله يقولون له "إن الكافر واحد مش كويس".
ايضا من المآخذ التي يؤاخذ بها البعض رداءة الإعلام.. فهو بعيد عن هموم الناس وان تغير قليلا في السنوات الاخيرة الى جانب انه إعلام يمارس دور "جابر العثرات" فلو نظرنا لتصريح الرجل الثالث في السياسة السعودية الامير سعود الفيصل الذي تحدث فيه عن ايران لم ينقل في وسائل الاعلام السعودية, يبدو انهم اعتبروا ما قاله الامير من حديث كان قويا عن ايران ربما استعجالا فمارسوا دور جبر العثرات ولم ينشروه على الرغم انه كان حديث وسائل الإعلام العالمية؟
اذكر اني تحدثت مع نائب رئيس تحرير لصحيفة سعودية فقلت لم تبق وكالة ولا قناة في العالم الا تحدثت عن تصريحات الامير سعود الفيصل اين صحيفتكم عن الخبر فلم يكن لديه اجابة. يبدو ان رؤساء تحرير الصحف السعودية غير مصدقين لتصريحات بهذا الوضوح والجرأة وهذا يحيلنا الى ما قلته في قناة الجزيرة بأن السعودية لا تواجه ومن هذا فمعرفتهم بأن بلادهم تتبع في سياستها عدم المواجهة جعلهم مرتبكين غير مصدقين على الرغم انه بامكان احدهم ان يرفع التلفون على الديوان الملكي او وزارة الخارجية او وكالة الانباء ويستفسر.
اصدر الشيخ عبد المحسن العبيكان فتوى حرم فيها الخروج على الحكومة العراقية , لماذا هاجمت العبيكان هجوما قاسيا وبمقالتين منفصلتين البعض استغرب ما كتبت وانت الذي لاتوجد لك خصومات مع احد؟
العبيكان لا اعرفه ومع ذلك احترمه كثيرا, لكن بصراحة ما قاله حول هذه المسألة كان فتوى سياسية، ولم تكن فتوى فقهية. اساس، ومنطلق ما قاله سياسي وليس فقهيا. لم يكن موفقا على الإطلاق. أراد أن يخرج موقفا سياسيا بآلية فقهية، ولم ينجح في ذلك. الموقف الذي عبر عنه عكس الحالة التي وصل إليها العرب والمسلمون من ضعف مهين. كيف يفتي العبيكان ويقول بأنه يجوز للكافر ان يعين ولي امر المسلمين؟
لكن الرجل اعلم بالدين واقدر على الفتوى واستند على نصوص دينية؟
النص الوحيد الذي إستند إليه هو ما جاء في القرآن عن قصة يوسف في انه قبل منصب وزير لدى عزيز مصر. وحقيقة استغرب ذلك فلا يوجد شبه بين الحالتين لعدة اسباب. فعزيز مصر لم يذهب ليوسف ويحتل بلده، ومن ثم يعينه. الذي حدث أن يوسف هو من ذهب الى مصر، وطلب منصبا من فرعون. ويجوز الاستناد على قصة يوسف في انه لو ذهب مسلم لبريطانيا مثلا واعطاه بلير منصبا ففي هذه الحالة ان شك في انه لا يجوز قبول منصب من كافر فيمكن ان يجد لنفسه مخرجا بالعودة لقصة يوسف. اما ان تأتي جيوش وتحتل بلدا مسلما عربيا وتعين من عندها حاكما لها، ثم يأتي شيخ مسلم ويقول بوجوب طاعته فهذا غير صحيح. وبودي ان اسأل العبيكان هنا هذا السؤال المتأخر: ماذا لوجاءت القوات الاميركية وإحتلت السعودية، واسقطت قيادتها واستبدلتها بقيادة اخرى. هل يعتبر العبيكان أن هذه القيادة المعينة من قبل الأميركيين شرعية , ولا يجوز الخروج عليها؟ انا لا أعتبرها شرعية على الإطلاق، ويجب مقاومتها، والعمل على إسقاطها. ولا اظن العبيكان يختلف معي في ذلك.
برأيك ان لم تكن تستند هذه الفتوى على نص ديني لماذا اخرجها العبيكان؟
كما قلت هذه فتوى سياسية لا دينية هدفها إظهار أن السعودية لا تريد الإصطدام مع السياسات الأميركية في العراق مع بداية الحرب هناك. وهذا تطلب بشكل أساسي إيجاد مبرر لمنع الشباب من الإستجابة لمطالب الجهاديين بالذهاب إلى العراق. لا شك في أن الهدف مشروع. لكنه هدف سياسي، وكان ينبغي التعامل معه على هذا الأساس من دون حاجة إلى زج الدين في الموضوع. إقحام الدين في الموضوع لم يكن له ما يبرره. يل إنه كشف الهدف السياسي بشكل لا يليق.
اخيرا قلت في حديث تلفزيوني قبل فترة ولم يسمح لك بتكملة اجابتك إن السوق السعودية تعرضت لعملية سرقة كبيرة, من الذي سرق سوق الأسهم السعودية؟
غياب الرقابة على السوق أو ضعفها، وغياب المعلومة عن الشركات المساهمة، وهيمنة المضاربين الكبار على السوق. أضف إلى ذلك نظام الإكتتاب في الأسهم الجديدة الذي يحابي المساهمين المؤسسين للشركات على حساب بقية المساهمين. كل ذلك جعل المساهم الصغير ضحية لأصحاب الثروات، أو الهوامير. تصور أن المساهم المؤسس يحصل مقدما على ملايين الأسهم. المساهم المكتتب لا يحصل إلا على فتات ما تبقى. المساهمون المؤسسون يسمح لهم بالإحتفاظ بما بين 70% إلى 80% من رأسمال الشركة، والباقي هو الذي يطرح للإكتتاب. أيضا لا يسمح إلا بطرح شركة واحدة للإكتتاب كل مرة. والنتيجة عرض ضئيل من الأسهم، في مقابل إقبال كبير على السوق. لهذا السبب كانت أسعار الشركات، وعددها قليل على أية حال، تتقافز، وتتضاعف بشكل غير طبيعي. خلال أسابيع قليلة تتضاعف قيمة السهم مئات المرات. كل ذلك شكل آلية من قبل أصحاب الثروات سمحت لهم بإستخدام أموال الصغار لمضاعفة ثرواتهم. ولأن الوضع كله لم يكن طبيعيا، والرقابة كانت ضعيفة، مع سيطرة البنوك على عملية الوساطة بين الشركات والمساهمين، حصلت النتيجة المتوقعة، وهي الإنهيار. من الذي خسر؟ صغار المساهمين، لم يخسروا أرباحهم، بل خسروا رؤوس أموالهم ايضا. أما الكبار فلم يخسروا نسبيا، وفي الأغلب إلا جزءا من أرباحهم. ماذا تسمي ذلك؟ مثلا أحد المساهمين المؤسسين في أحد الشركات الكبيرة كان يملك ستة ملايين سهم, وربح خلال اقل من سنة من طرح أسهم شركته للتداول ثلاثة مليارات وثلاثمائة مليون ريال سعودي. يقابله المساهم العادي الذي حصل بعد التخصيص على خمسة اسهم فقط. تخيل ربح هذا الأخير. ماذا تسمي نتيجة المقارنة بين الإثنين؟
منقول من منتدى إيلاف .
مواقع النشر (المفضلة)