||~ ۰ღ ۰•من تعلم كيف تفكر .. وتعلم كيف تتفكر • ۰ღ ۰••||~
"عندما خلق الله العقل .. قال له أقبل فأقبل .. ثم أدبر فأدبر ثم قال : ما خلفت خلقا أعز على منك .. بك أجازى وبك أعاقب "
حديث قدسي
" تفكر ساعة .. خير من عبادة سنة "
حديث شريف
العقل هو أعز خلق الله على الله .. فكما ينص الحديث القدسي المشرف هو أداة للحساب فى الثواب والعقاب ..فهو أداة التفكير
وأتى الحديث النبوى الشريف الذى تحدث عن التفكر
فما الفارق بين التفكير والتفكر؟
وقبل هذا وذاك ..
كيف انطوى العقل على تلك الأهمية القصوى الواضحة من الأحاديث البانية للعقيدة الإسلامية ؟
ترى هل هو اهتمام غير مقصود ؟!
كلا بالطبع .. فالرسول عليه وعلى آله وصحبه أبلغ الصلوات وأجل التسليم ما كان لينطق عن الهوى
وليت الأمر اقتصر على الحديثين السابقين فقط ,,
فهما إلى جوار الاهتمام التشريعى الإسلامى بالعقل وإعمال التفكير مجرد قطرة من بحر
فكيف لا ندعو أنفسنا للحظات نتوقف عندها
لندرك كيف ندرك .. ونفكر كيف نفكر ..
التفكير
التفكير هو الوظيفة التقليدية للعقل البشري فيما يواجه من أفعال ..
فالتفكير هنا عبارة عن ردة الفعل الطبيعية نتيجة لفعل قائم أمام العقل ليتخذ إزاءه التصرف المناسب
أى أنه إجراء تالى على حدوث الفعل ذاته ..
ولا يتحرك إلا إذا واجه ما يستدعى الاستخدام
فماذا عن التفكر ؟
التفكر
التفكر هو تصرف ايجابي يمتلك المبادرة فى الظهور دون حاجة إلى استثارة ..
وهو الجانب الثانى من العقل البشري البالغ الغموض والتعقيد وهو الرافد الأهم فبه تتضح الفوارق الرئيسية بين شخص وآخر
فإن كان التفكير أمرا طبيعيا وغريزيا فى كل إنسان مهما كان ذكاؤه محدودا
فالتفكر موهبة تتفجر بالعقل البشري وتدفعه لرتب العبقرية تبعا للحيز الذى يشغله الفكر بالمقارنة للتفكير فى مساحة العقل ..
ولكى تتضح المقارنة أكثر ..
فالتفكير هو الأداة التى تنظم الحياة اليومية بردود أفعال يتخذها الإنسان حال تعرضه للمواقف التقليدية فى يومه العادى ..
فهو يعمل ويفكر كيف ينجز عمله ليتسنى له الفراغ منه ..
ويعمل عقله على إيجاد الحلول لمطالبه اليومية وأبسط السبل وأسهلها لجعل حياته أكثر رخاء تبعا لمفهوم الرخاء فى قناعاته
أما التفكر فهو اللحظات التى ينفرد الإنسان فيها بعقله متأملا ومتسائلا بلا حدود
ولا يكون الهدف فى الأغلب الأعم من التفكر هو البحث عن إجابة .. بقدر ما يكون تقريرا للضعف الإنسانى ..
فالباحث خلف دقة النظام فى الكون .. والمتسائل عن إعجازية الخلق فى بنائه من الميلاد إلى الموت .. لا يتفكر بحثا عن كيفية تمام تلك الأمور الخوارق بقدر ما يتأمل فيها تذكيرا لنفسه بعظمة الخالق سبحانه وتعالى وإقرارا بربوبيته المطلقة ..
وهذا الجانب الفكرى هو أسمى جوانب الفكر الإنسانى على الإطلاق
وبالرغم من أن الفكر والتفكير يجمعهما مكان واحد .. هو العقل البشري
إلا أنهما يولدان كنقيضين لا يجتمعان إلا على خصام ..
فإن زادت مساحة التفكير بمفهومه السابق فى العقل انحسرت مساحة التفكر بطبيعة الحال .
فالتفكير لشواغل الدنيا .. والفكر لشواغل الآخرة ..
ولذلك عانى عباقرة المفكرين فى العالم عبر كل العصور أشد المعاناة من مجتمعاتهم التى لم تدرك بطبيعة الحال مدى المساحه الفاصلة بين المفكرين والعوام ..
وانتهى الأمر باتهامات الجنون والزندقة لأعظم العقول البشرية تحت تأثير القصور الحادث فى الإدراك .
ولنا أن نتخيل المفارقة بين مفكر عبقري تساوت عنده قطعة الطين بأرائك الطعام .. كنتيجة طبيعية لما هداه عقله إلى حقيقة الدنيا ..
وبين مجتمعه الأقرب حتى فى أهل بيته وهم اللاهثون من حوله خلف الترف كما يتصورنه
والقائمة طويلة لا تؤذن بحصر ..
الفاروق عمر ـ الإمام على بن أبي طالب ـ الإمام الحسن ـ الإمام الحسين ـ أبوالدرداء ـ ورقة بن نوفل ـ عمرو بن نفيل ـ الإمام أبي حنيفة النعمان ـ الإمام أبي الحسن الشاذلى - رضى الله عليهم وأرضاهم
ومن المتقدمين
العز بن عبد السلام ـ الإمام أبي حامد الغزالى ـ عبد الرحمن بن خلدون
ومن المعاصرين
محمد السباعى " والد الأديب الكبير يوسف السباعى " ـ عبد الرحمن الكواكبي ـ عباس العقاد ـ د. مصطفي محمود ـ الإمام محمد متولى الشعراوى
وهم بالطبع مجرد أمثلة تقصر عن حصر لا يدرك
كل هؤلاء جمعهم ديدن الفكر الحقيقي فسبقوا عصورهم ورحل من رحل منهم دون أن نغتنم من فكره إلا الربع أو أقل قليلا ..
كيف نفكر .. ونتفكر
الدنيا أقل من أن تصبح غاية .. وأكبر من أن تصبح وسيلة
تلك العبارة المأثورة .. تلخص فى عبقرية كيفية الدمج الصعب بين التفكير والتفكر ..
فهى أقل من أن تصبح غاية لأنها ببساطة مهما استطالت فانية دون أدنى شك
وأكبر من وسيلة .. نهمل ما بها ونمر عليها مرور المهمل على اعتبار فنائها .. لأنها ببساطة دار البناء التى تعد لدار البقاء ..
فلذا لا يمكن تحت زعم الزهد والبعد عن الناس .. أن يترك العلماء والمفكرون دور علمهم فى الهداية والتبصير تحت مبرر الهروب من قصور العقل وفناء الدنيا
فالخطوة الأولى للإدراك ..
أن نؤمن ايمانا مطلقا منطقيا بأن الدنيا بأحوالها أرخص من أن يعصي فيها الله عز وجل ثمنا لمتعة لا شك فى فنائها..
فالمنطق البسيط يقودنا إلى مدى الحماقة القابعة خلف التضحية بالدائم لأجل الفانى
وما إن يتملك العقل تلك الحقيقة البازغةحتى تتسع مساحة الفكر بعقله فتجده فى أبسط شئونه الحياتية متصرفا من إيمانه بحقيقة دور البشر على الأرض .. وتلك غاية الإدراك
لأن تلك الحقيقة البسيطة وحدها كفيلة بإنهاء ثلاثة أرباع معاناة الإنسان بحياته ...
لأنه مع غياب الفكر يتسلط على الإنسان خوف المستقبل فيتخذ من سبل التفكير ما يؤمن له ـ كما يعتقد ـ مستقبله ..
فتخيلوا مدى الفارق الذى ستصنعه حقيقة الإدراك مع الإنسان عندما يلقي خلف ظهره كل تبعات الحياة القادمة ومسئولياتها ويتركها لمن يتولاها - سبحانه وتعالى -
وليس الأمر أمر مستقبل فقط .. بل فى الحياة الحاضرة والماضية ..
فكثير من الناس يهمها إلى درجة التعقيد مدى ما تسبب فيه ماضيه من آثار لحاضره وتجده رائحا غاديا يفكر كيف ستكون الحياة لو لم يفعل كذا وكذا
مع أن الفكر الأبسط فى الحياة يقوده إلى نتيجة قطعية باستحالة عودة الزمن ..
ففيم اللهاث خلف ما كان إذا ؟!!
ولو تزيي الإنسان بلمحة إيمانية واجبة .. لأدرك أن تلك الخواطر المنبعثة من كلمة " لو " ما هى إلا ترهات شيطانية لأن العقل مهما بلغت قوة إدراكه لن يستطيع رسم الحاضر فى خياله وفق ما يتوقعه للماضي .. فمن يدريه لعل فعله الكاره له كان منجيا له من مهالك لا يعلمها
وفى الشأن الحاضر ...
يلهث العقل فى التفكير فى محاولة تنسيق أحداث يومه بما يؤمن له عدم إرهاق عقله بأى هموم !!
والخوف الحادث نتيجة هذا التفكير يتسلط على عقل الإنسان فيمنعه فى بعض الأحيان من رد كرامته إذا أهدرت تحت تأثير خوفه
بل ويدفعه لرذائل أخرى .. كحجب عينه عما يـُري تجنبا للمتاعب كما يقال
ويدفعه للنفاق حتى لمن هم أقل منه قدرا طمعا فى راحة البال كما يقول التعبير الدارج
مع أن أعماق أى انسان طبيعى مليئة بيقين أن الروح بيد خالقها .. والحياة وفق إرادة مسيرها
ففيم الخوف .. وفيم الترقب .. ؟!!
مر الإمام الحسين بن على - رضي الله عنهما - على شخص يرتكن بظهره إلى حائط ويتوسد ذراعيه هما وغما ...
فتبسم الإمام الحسين وهتف بالرجل ..
" يا هذا .. أيحدث فى كون الله ما لا يريد ؟!"
فأجاب الرجل قاطعا " كلا بالطبع "
فعقب الإمام الحسين رضي الله عنه " ففيم البكاء إذا يا رجل ؟"
ومع أن ما عبر به الإمام الحسين - رضي الله عنه - حقيقة بسيطة ومعروفة وقابعه بأعماق أى إنسان متزن إلا أنه عندما يسمعها المرء منا يحس وكأنها حقيقة جديدة لم يعرفها قبلا !!
والسبب الرئيسي هو مركز التفكير فى حياة أى انسان ...
فمن ارتكزت قناعاته على حقائق الحياة كما هي ..
واجه الحياة بحقائقها فلا يبتئس
أما المنشغلون .. فانشغالهم يعمى عيون بصائرهم
فيحتاج الواحد منهم إلى وكزة من عصا الفكر تفيقه
وليتنا نفيق !!!
مواقع النشر (المفضلة)