سبل مقاومة الضغوط النفسية
لفضيلة الشيخ/محمد صالح المنجد
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد، فقد خلق الله هذه الحياة الدنيا التعب والنصب والكدر وقلة الراحة، والإنسان يتقلب فيها بين أنواع من المصاعب والمصائب والنعم، إنه يجهد باستمرار (لقد خلقنا الإنسان في كبد)، وهذه طبيعة الدنيا حتى ينتقل المؤمن للجنة حيث الدار التي فيها صفوا بلا كدر، وراحة بلا تعب، ونعيم بلا شقاء، وهنالك يرتاح أهل الإيمان إن لله عباد فطنا طلقوا الدنيا وخافوا الفتن نظروا فيها فلما علموا أنها ليست لحي سكنا جعلوها لجة واتخذوا صالح الأعمال فيها سفنا قيل للإمام احمد مثل راحة قال:' عند أول قدم في الجنة'، قال النبي صلى الله عليه وسلم لعبدالله بن عمر رضي الله عنه:'كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل'، لقد صارع الأنبياء الأهوال وتجشموا المشاق نصرة لدين الله، وكانت حياتهم فيها كثير من الابتلاءات 'أشد الناس ابتلاء الأنبياء' كما قال عليه الصلاة والسلام ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى المرء على قدر دينه فإن كان في إيمانه صلابة زيد في بلاءه، وهكذا يتفاوت الصالحون وهكذا تكون الراحة النفسية مع الأيمان بالرغم من الشدائد والابتلاءات؟
قال بعض السلف: إذا دخلت بيتي فأكلت رغيفي وشربت عليه الماء فعلى الدنيا العفاء، لم يكونوا ينشغلون من الدنيا إلا بما يحتاجون إليه والباقي عمل للآخرة، وكذلك فإن هناك نعم أساسية إذا تحققت للإنسان فهو سعيدا حقيقة وإن قال غير ذلك، 'من أصبح منكم آمن في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا' حديث حسن هكذا إذنا تعب العقلاء.
وأما بعض أهل الفراغ ففي راحة فمن التعب ما لابد منه للعاقل لكن تعب عن تعب ونصب عن نصب، فهناك تعب للعمل المثمر وهناك تعب مجرد السائق النفسي نتيجة المعاصي، وهناك هموم وغموم وأشياء تشغل الذهن والنفس بما حصل في الماضي، وأشياء من خشية حدوث أمور في المستقبل، لكن المشكلة أن كثير من الناس لا يرضون بما قسم الله: صغير يشتهي الكبر وشيخ ود لو صغر ورب المال في تعب وفي تعب من افتقر وخال يبتغي عملا وذو عمل به ضجر ويشقى المرء منهزم ولا يرتاح منتصرا كيف إذا يعيش المسلم في هذه الحياة؟ إنه يعمل لله تعالى، لذلك فإنه يبتلى بسبب تمسكه بالدين ويواجه مشاق في الحياة، قد يكون فقرا، قد يكون مرضا، قد تكون أنواع من المصاعب، قد يبتلى بعقوق الولد وأذى زوجة ونحو ذلك فهو يعمل ما يمكنه عمله في درء الشرور، وهو يسعى للدار الآخرة ومرضاة الله سبحانه وتعالى.
وتنقسم الضغوط النفسية التي يلقاها الإنسان إلى أقسام؛ فمنها ما لابد من التعايش معه واحتساب الأجر في تحمله، كالمرض الملازم، كالعاهة، وكذلك الصبر على ما يلقى المسلم من المشقة في التكاليف الشرعية التي لابد أن يقوم بها فهو يتحمل من أجل الأجر، ويحلو التعب فيها لما عند الله سبحانه وتعالى، وتتحول أنواع الإيلام الموجودة في الدنيا بسببها إلى تعايش مثمر مع هذه الابتلاءات طمعا بما عند الله، وهناك أنواع من الضغوط يحتاج الإنسان إلى استثمارها لأن المحنة تولد المنحة، وقد يصاب الإنسان بأنواع من الآلام النفسية نتيجة الضغوط بما عليه واقع المسلمين مثلا، وهناك أمورا وضغوط يمكن معالجتها وإزالتها باتخاذ الأسباب الشرعية أو تخفيف هذه المعاناة، فلابد من العمل امتثالا لقول النبي صلى الله عليه وسلم' احرص على ما ينفعك'.
ن مما نرى اليوم حولنا ضغوطا كثيرة فمن ذلك ما يقع من الضغوط النفسية نتيجة محرمات وخشية الفضيحة بسبب ذكرالمعصية أو بسبب ترك الواجبات، وبعضهم يعاني من الضغوط نتيجة الانحراف والابتعاد عن شرع الله، بعضهم يعاني من الظروف نتيجة الفشل في محاولات الإصلاح في المكان الذي يعيش فيه، وبعضهم يضيق بسبب ما ارتكبه من المعاصي ويضيق صدره قرناء السوء، وآخرون يعانون من ضغوط نتيجة العوامل المادية والضيق المالي وركبان الهموم بسبب الديون، وكذلك ما يحدث للطلاب بسبب الاختبارات أو أنظمة الجامعة والمدارس، أو الفشل في تحقيق النجاح أو الخوف من الإخفاق، أو أيضا المعاناة بسبب دراسة اللغة الأجنبية أو الابتعاد عن الأهل، ما يحدث من الملل بسبب الدراسة المتواصلة أو العمل المتواصل، الإخفاق في تحصيل المعدل العالي اللازم لإكمال الدراسة أو الوصول إلى كلية محترمة كما يقولون.
هناك أنواع من المعاناة بسبب فقدان بعض الأقارب، ضغوط نفسية تحصل لفقدان العائل الذي هو الأب وربما الأم التي كانت مصدر عظيم للعاطفة والتسكين النفسي، يحس بعضهم بالغربة في بيته، يعاني من عدم احترام الناس له ويقول: تغيرت أحوالنا بعد وفاة الوالد أو الوالدة، صاروا في ضغوط نفسية، وكذلك ضغوط بسبب الوحدة وأحيانا بسبب الاجتماع مع من لا يناسب الاجتماع معه، وكذلك عدم احترام من حوله له فيقول: أهلي لا يثقون بي أهلي يشكون بي باستمرار ويعاني من أنواع من الوسوسة، وربما يحاول التنفيس بأحلام اليقظة عندما يفتح تلك الموجات التي تنقله إلى عالم من الخيال، وبعضهم ينفس في إيذاء من حوله ويقول ضربت أخواتي وكانت النتيجة ارتفاع معنوياتهم بسبب نصرة الأب لهم وأنا رجعت إلى الإخفاق مرة أخرى، هناك من يعاني من الضغوط بسبب إيذاء من حوله له، وربما التمييز في المعاملة أو تصديق الأخ الأصغر أو تفضيل الأخ الأكبر ونحو ذلك، هناك ضغوط بسبب تشاجر الوالدين وربما يعاني منها كثير الأطفال الذي يحرمون من الحنان، وأيضا يصابون بالعقد النفسية، كذلك منع بعض الآباء لأولادهم من ممارسة الأشياء المفيدة تسبب ضغوط إن هذه الضغوط تصيب بضيق التنفس وعدم الانتباه، وكثرة التفكير وسرعة الغضب، والمزاجية، والانفعالية السلبية، وعدم الشهوة للأكل أو الشرب، وكثرة الطفش كما يعبرون، وهناك ضغوط نفسية بسبب الغيرة من الضرة على ضرتها، وبسبب معاملة الزوج السيئة، وهناك ضغوط نفسية بسبب هؤلاء العوانس القاعدات في البيوت، فهي لم تخطب أو توال الخطاب بغير فائدة وهي تقول: وما هي العيوب الموجودة فيني حتى ينصرفوا عني.
وتوجد ضغوط نفسية بسبب السحر أو الإصابة بالعين أو الأمراض وأحيانا أمراض نفسية مهلكة، افتح الاختبار فلا أرى شيئا تتبخر المعلومات التي درستها كلها بحيث لا أتذكر شيئا أكتبه ثم أقول: ولماذا المذاكرة إذا كنت لا آتي بنتيجة أرمي بالكتاب وأحاول الغوص في النوم ولا أصل إلا للأرق، طول المناهج ومطالبة المدرسين بكثرة الواجبات أو بالتحضير المكثف ومشاريع يجب أن تسلم في أوقات معينة، وتتراكم المواد والاختبارات تقترب وكان الإهمال هو السائد إذا ضغط نفسي آخر، السعي في تحصيل بعض الحقوق التي يماطل من هي عنده في تسليمها ويحتاج الإنسان إلى المال، والمال مرهون بهؤلاء الذين لا يرحمون فيماطلون، ضغط الدوام الطويل والسعي إلى في التوفيق بين الأشياء المتعارضة، الأهل يشدون من جهة وهناك أمور أخرى يحتاج إلى عملها من جهة أخرى، المصائب المتوالية، وآخر يقولون له من بلده وهو في الغربة: أرسل بالمال وعجل وإلا فالحساب عسير وسنعرف كيف نتعامل معك عندما تأتي في الإجازة، والخلافات حتى بين بعضهم من ظاهره استقامة يعاني من جرائها أناس ممن يرمقونهم يعانون من الضغوط النفسية ويقولون: ولماذا يختلف هؤلاء؟ ولماذا تستحل الفرقة بين أبناء الإسلام؟ ولماذا تتشتت الفرقة الأعمال الدعوية بسبب هذه الطريقة؟ ولماذا يكون هناك أمور من التعاملات التي لا تليق؟، كثرة المسؤوليات ضيق الأوقات كثرة الارتباطات الهموم المتعددة بسبب الندية في الدراسة أحيانا، وصعوبات أخرى بسبب تراكم الأشياء وعدم تصريفها، ووساوس شيطانية تسبب ضغوط أيضا فهو يسئ الظن بالآخرين، والشيطان تارة يجعله يسئ الظن أحيانا بابنه أو بزوجته أو بأهله أو بصحابه، فهو شكاك موسوس في من حوله، وأبي لا يعطيني نقودا إلا إذا طلبت منه وهكذا لا أجد إلا المشاجرات في وسط البيت وأنادي ألحقوني قبل أن أنتحر، وأيضا فإنني أجد أن الحياة قد صارت مملة هكذا يقول البعض، والأشياء متشابهة والأمور متشابكة ولا أرى طريقا واضحا للخروج والخلاص، وآخرون يعانون من ضغوط بسبب اتهامات هم منها بريئة فهم يقولون: ظن الآخرون بنا ظن السوء أو أنهم زادوا على القضية الأصلية، وهكذا فإنهم لم يعودوا يصدقوا شخصا عمل معصية مرة مع أنه تاب منها لكنهم لا يثقون به، فيكون ذلك التاريخ السابق أيضا مسبب لضغوط نفسية، تأخر الرواتب، تأخر صرف المكافآت، نقص الأموال، انتهاء الراتب قبل آخر الشهر بمدة طويلة، إنها أنواع من الضغوط خصوصا عندما يرى المسلم تسلط الأمم الكافرة وجيوش اليهود والصليبيين وهذه الحمم المتواصلة التي تقصف رؤوس الأبرياء، وتسلط نيرانها وحممها على بيوت هؤلاء المساكين، ليس له حول ولا قوة وهؤلاء المجرمون لا يزالون يقاتلونهم ويصلونهم بهذه الأسلحة الفتاكة، فيرى المسلم تخاذل من أبناء الدين، وآخرين من المسلمين على تفاوت قوتهم ومراكزهم وتخاذل ربما من بعض من يظنهم من المرموقين والذين ينظروا إليهم على أنهم من أهل العلم، فما هو العمل إذا تول هؤلاء الكبراء، وهؤلاء الذين ينظر إليهم على أنهم أيضا من المقدمين في الأمة علما، أين من ينصر الدين؟ وكيف العمل في هذه الجرائم التي تتوالى على المسلمين في بلدان مختلفة، تخف حينا وتشتد أحيانا، وهكذا يرى الكثيرون أن هذه الضغوط النفسية بسبب نشرات الأخبار المصورة، وتولد لدينا نوع من الإحباط بحيث لا نرى طريقا ولا فرجا قريبا فما هو الحل، ضغطا نفسيا على أثر ضغطا نفسي، أشياء يعاني منها المسلم بسبب واجبات شرعية، وأشياء بسبب معاصي، وأشياء بسبب مصائب، ضغوط بأسباب مختلفة ولكل واحد منها طريقة في التعامل، هذه الضغوط النفسية التي تكون أحيانا نتيجة خوفا من المستقبل، فيقول هذا الطالب: ولو درست ما هي النتيجة إذا لم أجد كلية تقبلني، ولو أني أخذت الشهادة بعد سنوات من الكفاح في الجامعة فإذا لم أجد وظيفة فماذا نفعتني هذه الشهادة؟ وهكذا ضغط نفسي آخر، ويقولون في أمور وحقول متعددة: حاولنا وفشلنا، وأحيانا يقع الضغط النفسي بسبب منكرات لم يستطع محاربتها ولا إزالتها ولا القضاء عليها، وبعضهم يقول لك: إن معاناتي النفسية بسبب تحميلي مسؤوليات كبيرة في العائلة أنا لا أستطيع القيام بها وحدي، لقد مات أبي وخلف ديون وخلف أيتام وماذا أفعل حيال هذه المصيبة؟، وهؤلاء الغرماء لا يزالون يطالبون وأمور أخرى تحدث من أنواع الضغوط النفسية نتيجة لعلاقات محرمة، وأنواع من العشق الذي يمزق النفس تمزيقا ويسبب ضغوطا، فهذا الذي تعلق به أو عشقه قد انتقل إلى شخص آخر أو ابتعد عنه مهجره وتركه، فهو يكاد يقتل نفسه بزعمه، وأيضا فإن ما يحدث من جراء عدم العدل في القيام بهذه المهمات الكبيرة المتوالية، وما تقول عنه المدرسات من ضغط الجدول الدراسي وعدم احترام الطالبات لهؤلاء المدرسات، وأمور أيضا من قلة الأدب التي تولد ضغوط نفسية عند هؤلاء، وعندما يصاب تاجر بفشل تجاري وتنتكس تجارته ويخسر، وعندما يكون هناك شخص من الأشخاص قد اشترى بالتورق أشياء ليبيعها ليفتح بها مشروع صغيرا ثم يخسر هذا المشروع ما هو الحل؟، ويقولون: الشركة تمص نشاطنا وتستهلك شبابنا وتفنى أعمارنا في خدمتها، ثم تلقينا بعد ذلك بهذا الراتب التقاعدي ونحن في غاية الإنهاك، إن هذه الأعمال تسبب ضغطا نفسيا أيضا، وإن الصراعات في المناصب والمراتب في هذه الشركات، وما يحدث من الحقد من بعضهم للآخر وأنواع من المكائد التي تكون في أوساط هذه الأعمال إنها أيضا مسببة للضغوط، وتمييز عنصري وتفرقة على أسس جاهلية تسبب أيضا أنواع من الضغوط، وكذلك وجود هذه الديون الطويلة التسديد مائة وخمسين ألف لا أزال راضخ للبنك لتسديدها، أريد التقاعد لكن إذا تقاعدت لا أستطيع تسديد هذه الأموال، ماذا ستكون الحال عندما نسمع كثير وكثير من مثل هذه الأسباب، لا شك أيه الأخوة أن هناك أساب ترجع إلى ضعفنا وتخاذلنا وعدم تمسكنا بديننا وتركنا للواجبات أو فعل المحرمات، وهذه الضغوط لا حل لها إلا بالعودة إلى الله والتوبة إليه والقيام بالواجبات وترك المحرمات، والخروج من غضب الرب وترك محاربة الله بالمعاصي حتى نتخلص من هذه الضغوط النفسية بسبب هذه المعاصي والتقصيرات، لا حل مطلقا لهذه الأنواع من الضغوط النفسية إلا بقيامنا بالواجب، وبعض الناس يحلو لهم أن يكبوا الأخطاء على غيرهم ليتركوا أنفسهم في سبات وفي سعادة مزعومة، وبعضهم أيضا يلقيها على الأعداء فيقول: هم أقوى منا وماذا عسانا أن نفعل؟ فلنستسلم لهذا القدر، ومتى كان المسلم يستسلم لغير الله، ولذلك فلابد من القيام بالواجب الشرعي في نصرة إخوانهم تطبيقا لقوله تعالى( إنما المؤمنون إخوة)، وقوله عليه الصلاة والسلام:' مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى و السهر'، لا فرق بين بلدان المسلمين في نصرة أشقاءنا في مكة لي أشقاء وفي بغداد أبنائي وفي دلهي أحباء وجند الله إخواني يجب أن نمد يد العون لإخواننا (ولا تهنوا في ابتغاء القوم إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون) (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض)، يقدم المسلم ما يستطيع أن يقدمه من الإعانات المادية والمعنوية والدعاء وغير ذلك من أسباب النصرة، والتخذيل في الأعداء في جهة أخرى، وكذلك هذه النصرة المالية والإعلامية والمساندة النفسية والوقوف بجانب إخوانه، إن التقصير سيؤدى إلى ضغوط نفسية عند الجميع عند المخذول والذي خذله، وأما بالنسبة لهذه المصائب التي لا يستطيع الإنسان لها دفعا أو خروجا منها بأسباب يقدر عليها، وإنما حلت به ولازمته وكان ذلك قدر الله فإنه يجب على المسلم أن يعلم بأن الله قد قضى هذه وكتبها في اللوح المحفوظ، وأن هذه الكتابة للمقادير في اللوح المحفوظ قبل خلق السماوات والأرض بخمسين سنة لها أهمية بالغة في المعالجة النفسية من هذه الضغوط(كي لا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما أتاكم) كي لا تأسوا على ما فاتكم: حتى لا يصيبكم الهلاك النفسي، ولا تفرحوا بما أتاكم: حتى لا تصابوا بالجزع والإحباط بما فات وأيضا بما أصابكم، لا تجزعوا عند الإصابة حتى ولو كانت الإصابة من الأعداء فإن هناك فرق كبير بينكم وبينهم،( إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون وكان الله عليما حكيما)، إن المسلم فعلا ليرتفع ضغطه حين يرى هذه المشاهد مما يفعله اليهود بالمسلمين في فلسطين على سبيل المثال من أنواع التقتيل والتدمير والجرح والإصابات والاعتداء على مصادر الأرزاق، وتجريف الأراضي وتقطيع أشجار الزيتون حتى بالمناشير الكهربائية وشد الحجاب عن العفيفات وسد الطرقات، إن هذه أنواع من الكروبات ولكن لا ننسى أن مواجهة هؤلاء ستسبب لهم أيضا آلام نفسية عظيمة، حتى يقول مجلس الأمن القومي لديهم إن 60% من اليهود يشعرون بالخوف وغير آمنين، و25% لا يعرفون مواجهة ما يحدث، بينما يقول من جهة أخرى 43% أن لديهم القدرة على الصمود، وأصبحوا يكتبون عن حجم الاضطراب النفسي والرعب لديهم في داخل المجتمع اليهودي، وإن هذه الحالات النفسية المدمرة كما نقلت مجلة نتيس وهي الصادرة عن مركز آرييل عن تراجع كبير من اليهود عن السكن في المستوطنات بالضفة والقطاع، حيث انخفضت النسبة في الضفة إلى 43% ، وانخفضت الرغبة لديهم في المستوطنات في قطاع غزة إلى 71% بسبب تصاعد أعمال المسلمين في فلسطين، ووقف رئيس أبحاث المركز القومي في جامعة حيف ليكشف عن نتائج الدراسة التي كشفت أن هذا الجمهور اليهودي يظهر الكثير من الخوف أكثر من العرب، والنساء في ذلك عندهم أكثر من الرجال، والمتزوجون أكثر ممن ليس لديهم أطفال بسبب أعمال المسلمين في فلسطين، ويقولون أن هذه الانتفاضة أدت إلى هبوط المتعة لديهم في التسوق والسياحة، وارتفاع حالات الإحساس بالضائقة وحاجة عدد زائد منهم إلى تقديم الدعم النفسي، إذا معاناتنا في مواجهتهم فيها فرق كبير عن معاناتهم(إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون)، لكن الفرق ذكره الله في قوله عز وجل (وترجون من الله ما لا يرجون)، ثم إنهم يخافون الموت جدا(ولتجدنهم أحرص الناس على حياة)، بينما المسلم الحق يتمنى الشهادة في سبيل الله، وإذا انتقلنا إلى سبب آخر من أسباب الضغوط النفسية فهو وما أكثر انتشاره الضغوط المالية، لقد كشف من خلال الإحصاءات أن 70% من مشكلات الناس مردها إلى قلة المال في نظرهم، ويزعم بعضهم أن معظم المشكلات ستنحل لو زاد الدخل 10% فقط، فعندهم أن زيادة المال هو الحل، وبعضهم يلجأ إلى وسائل متعددة لأجل تحصيل هذه الزيادة، وأن هذه الضغوط المالية تكون نتيجة متطلبات كثيرة بسبب تعقيد الحياة التي يعيش فيها الناس البوم، فرجل من السلف كان يعيش في غرفة حجرة واحدة صغيرة ما ذا يوجد فيها من متاع؟ وما هي أنواع الأجهزة الموجودة؟ أو الأثاث والفرش الذي تتحمله غرفة كهذه؟، إن هذه العيشة البسيطة كانت أسعد وأهدئ بكثير من عيشتنا اليوم التي فيها للسيارات متطلبات وللبيوت متطلبات، أنواع المعيشة هذه المختلفة والتطورات التي حصلت تلاحق الإنسان باستمرار، أن يأتي بالجديد وأ نيأتي بالموديل الذي بعده، وأن يصلح هذه ويقتني هذا ويبحث عن الأرخص ويغشى الأسواق ويتعب نفسه، وتنتهي الأموال وينتهي الراتب ولم يحصل ما كان يريده من هذه الأمور الدنيوية بسبب عدم القناعة، إنه سبب ضخم لتولد الضغوط النفسية، أما بالنسبة للدين فإنها ذل في النهار وهم في الليل، وقد يكون الدين بحق كرجل اقترض لأهله، وقد يكون الدين بباطل كرجل اقترض للمعاصي أو السياحات المحرمة أو التوسع في الدنيا بغير حكمة وليس هذا مقاسه ولا مركبه، فهذه الأشياء التي اقترضت لأجل واجب شرعي إنها من جهة يعذر فيها صاحبها، فلو حصل عليه ضغط نفسي بسبب هذه الديون وهو محق بالاقتراض إنه لا يلوم نفسه على الأقل لماذا اقترضت لأنه ملجأ إليه، لكنه يلوم نفسه مرارا إذا اقترض بلا حاجة، بل إن بعضهم أخبرني بأنه يستعمل بطاقة الفيزا التي فيها سحب على المكشوف وتتوالى عليه هذه الغرامات التأخيرية المالية وعنده في مصرف آخر حساب فيه أموال، يقول: لكن هذه موضة في المجتمع أنك تعطي رقم البطاقة على كل شيء إنها مأساة حقيقة، أما الإنسان الذي اقترض بسبب شرعي فإنه سيعاني من ضغوط ولا شكك، لكن لعل صدقه في الاقتراض سبب في تفريج الله عنه،عن أبي اليسر رضي الله عنه قال: كان لي على فلان ابن فلان مال فأتيت أهله فسلمته فقلت: أثم هو؟ قالوا:لا. فخرج علي ابن له جفر قارب البلوغ. فقلت له: أين أبوك؟. قال: سمع صوتك فدخل أريكة أمي- يعني سريرها- فقلت: أخرج إلي فقد علمت أين أنت فخرج، فقفلت: ما حملك على أن اختبأت مني، قال: أنا والله أحدثك ثم لا أكذبك خشيت والله أن أحدثك فأكذبك لو خرجت إليك وأقول سأسدد سأعمل سآتي بكذا سأبيع كذا خشيت والله أن أحدثك فأكذبك وأن أعدك فأخلفك وكنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم- يعني أكذب على صاحبي أشد من الكذب على غيره- وكنت والله معسرا، قلت: آلله، قال: آلله، قلت: آلله ثلاثا، فأتى بصحيفته التي كتب فيها الدين فمحاها بيده ثم فقال: إن وجدت قضاء فاقضني وإلا أنت في حل فأشهد ظفر عيني هاتين- ووضع إصبعيه على عينيه- وسمع أذني هاتين ووعاه قلبي هذا- وأشار إلى مناط قلبه- رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول:' من أنظر معسر أو وضع عنه أظله الله في ظله' والحديث في صحيح مسلم، فإذا قد ييسر الله أشياء بسبب الصدق والصدق منجاة، ولذلك من أعظم معالجات الضغوط النفسية في مثل هذه الأحوال الصدق مع النفس مع الله مع الناس، إن هناك أنواع من الضغوط النفسية التي يشعر بها بعض الناس نتيجة الحرمان، وذلك بسبب ما تسببه الدعايات التجارية التي تمارس فنونها بإقناع الناس بأنهم يحتاجونها سريعا وتهيج قلوب الفقراء لهذا الأمر، وهم يرون الدعايات والألوان والصور تعرض، فيتمنى الفقير هذا ويرى ذلك المسكين السيارة التي يحلم بها، وآخر الجوال الذي تمنى امتلاكه، وآخر البيت الذي يحلم به، وهكذا حتى من أنواع المأكولات التي تسمى فاخرة، ولا يستطيع أن يقتني ويشتري هذه السلع، وتزداد الآلام النفسية عندما يطالب الأولاد ويقول الطفل لأبيه:أعطني هات أريد كذا صاحبي عنده كذا وأنا لا يوجد عندي، ولقد عرفت شركات الدعاية والتسويق ما هي اليد التي توجع صاحبها ومن أين يمسكونه، من المكان الذي يوجعه التزيد في الدعايات على الأطفال وكذلك على النساء، فإن الطفل إذا طالب فإن الأب يتمزق نفسيا وهو لا يستطيع أن يجيبه، وربما لا يريد أن يصرف هذا المبلغ لكن بسبب ضغوط الأولاد وكذلك النساء، فلا تعجب إذا قالت شبكة ياهو على الإنترنت أن 67% على الشبكة موجه للأطفال تحديدا، إنهم في الدعايات يستغلون ذلك الجانب العاطفي في الأشخاص وكثير من الناس عندهم عاطفة جياشة، ورجل رحيم رقيق القلب لكل ذي قربا ومسلم وعفيف متعففا ذي عيال، فأما المسلم فيصبر ويصبر لا يستطيع أن يدفع أيركب مركب الدين كلا، يصبر ويصبر غيره، وقال تعالى(وإما تعرضن عنهم ابتغاء رحمة من ربك ترجوها فقل لهم قولا ميسورا)، على الأقل كلمة طيبة إذا ليس عندك مالا يسعهم أو صلات تصلهم بها أو أشياء تعطيهم إياها فيجدون منك على الأقل كلمة طيبة، المسلم لا يركب المركب الذي يسبب الضغوط النفسية له، بل يَصبر ويُصبر ويقاوم دواعي هذه الدعايات الإعلانية ويوعي غيره من أهله بخطورة بعض الأشياء، والعواقب الوخيمة في الدخول في بعض مشاريع الاقتراض، إن هذا الإقبال الكبير على مسألة التورق في هذه المصارف كارثة كبرى، فتنذر بأنواع من الانهيارات الاقتصادية للأسر، وذهاب واضمحلال المدخولات المالية لهؤلاء الأشخاص، بل إن الحقيقة أن الواحد منهم يرهن نفسه عند البنك بهذا التعامل، وإن الاستمرار في إعطاء البطاقات الإتمانية وإعطاء أرقام البطاقات الإتمانية سيكون له ضرر ضخم جدا، أيه الإخوة المسألة ليست سهلة أبدا وبعض الناس لا يتصور حجم الكارثة، إن الاستمرار في أخذ البطاقات الإتمانية وإبراز أرقامها وإعطائها لهؤلاء القائمين عن آلات المحلات والسحب على المكشوف إنه ينذر بخطر دائم، وإنه سيسبب أنواع من القلق العظيم والضغوط النفسية عندما يحمل الراتب ما لا يتحمله، إن هذه التوسعات وهذه الإستدراجات التي تحصل من هؤلاء أصحاب الفكر التجاري المزعوم ستسبب ورطات عظيمة لهؤلاء، والمشكلة أن كثير من الناس لا يقنعون أين الرضا بقضاء الله وقدره، أين نصيحة النبي عليه الصلاة والسلام بأن ينظر الإنسان إلى من و أقل منه في أمور الدنيا وإلى من هو أحسن منه في أمور الدين، لأنه إذا نظر إلى من هو أقل منه في أمور الدنيا قد يقتنع ويحمد الله ويشكره على نعمته ولا يزدري نعمة الله عليه، وليتذكر أن الأغنياء محاسبون على أموالهم بهذا الحساب الطويل، قال عليه الصلاة والسلام:' يدخل الفقراء الجنة قبل الأغنياء بخمسمائة عام' وهو نصف يوم (وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون)، فإذا كنت الآن فقيرا أو ضيق ذات اليد قدر عليك رزقك ليس لأن الله ساخط عليك، وقد يكون لفائدة عظيمة ستعرفها فيما بعد وتستفيد من قلة المال وقلة المال أقل للحساب، ثم الإقال بأن الرزق على الله( وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها)، وأين اتخاذ الأسباب الشرعية لتحصيل المال من الوجوه المباحة بدل من عمليات الاقتراض الربوية أو هذه العمليات المدمرة، ألم يقل نبينا صلى الله عليه وسلم:' فاتقوا الله وأجملوا في الطلب ولا يحملن أحدكم استبطاء الرزق أن يطلبه بمعصية الله فإن الله تعالى لا ينال ما عنده إلا بطاعته' صحيح الجامع، أين مراعاة الأولويات في الإنفاق وتقديم الأهم، وأين إشعار الزوجة والأولاد بالمسؤولية المالية، وإن معايشة الحال والمشاركة جيدة وتطلع الآخرين على الحقيقة، واليقين بأن الرزق عند الله يدفع المسلم حقيقة إلى بذل الأسباب وتطبيق قول الله( هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور) سورة تبارك، وإن الدعاء مهم وأعمال الخير وصلة الرحم سبب في بسط الرزق، وإن ترشيد الإنفاق من الحكمة (وآتي ذي القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيرا) وقال (ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط)، والسعي العفيف للاستغناء عن الناس مطلوب وقد قال عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه: دلوني على السوق، أما بالنسبة للضغوط الاجتماعية فإن ن كثير من الناس يعاني منها وقد تقدمت أمثلة، ورجال لا يقنعون بزوجاتهم بغض النظر عن صور النساء والضغط من هذه الناحية سببه معصية، وكذلك فتنة المرأة بصور الرجال فلا ربما ندبت حظها على هذا الزوج، وأيضا فإن الله لما قال(قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم) (وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن) فإن من فوائد ذلك أن يقنع الإنسان بما عنده، وأن لا تتطلع عينيه إلى الأشياء المحرمة التي تسبب له ضغط نفسي، إن قضية الضغوط النفسية الحادثة داخل الأسر بسبب الخلافات أو بسبب التنازعات المالية بين الزوجين: اصرفي عليك الخادمة والسائق عليك فاتورة الهاتف والكهرباء عليك إيجار البيت وماذا عليه هو وقد قال الله (الرجال قوامون على النساء)، إن مساعدة المرأة لزوجها تسبب ولا شك تخفيف من الضغوط النفسية التي يعاني منها، فأسنان أولاده تحتاج إلى تصليح كما أن أشياء في البيت تحتاج إلى تصليح، وأمور كثيرة من هذه الثغرات التي تنفتح بمصاريف وليس عنده ما يغطي كل شيء، فهو موزع مسكين ملاحق وملحوق بهذه الأشياء ولذلك فإنه لابد من تقوى الله تعالى وتهديد المرأة به فإنه لا شك من الكوارث، والضغوط النفسية بسبب الطلاق وبسبب تشرد الأسر كفيلة بأنه إذا فكر فيها الزوج أن لا يتسرع وكذلك الزوجة أن تتقي الله ولا تطلب الطلاق، فإنه ما من امرأة تطلب الطلاق من غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة، وإن تكالب الناس اليوم على الدنيا هو الذي يجعلهم يطلبون أشياء غير مقدور على تحقيقها، والنبي عليه الصلاة والسلام لما أكثر نساءه عليه من النفقة التي لا يستطيعها مع بعض الحوادث الأخرى، عمد إلى تربيتهن بالإيلاء منهن شهرا والامتناع عن الدخول عليهن هذه المدة ثم نزلت آيات تأديبية للنساء (إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا وإن كنت تردن الله ورسوله والدار الآخرة)، فالقضية هنا شيء عظيم للنساء في مقابل تسريح لأن هذه المنزلة والرتبة لا تنال بهذه المطامع الدنيوية، وقد اختار أمهات المؤمنين كلهن رضي الله عنهن رسول الله صلى الله عليه وسلم ورباهن على الشدة التي كان عليها عيشه عليه الصلاة والسلام، من كانت تريد المصلحة لها ولزوجها أن تكف عن سلسلة المطالبات الكثيرة التي تسبب أنواع من الضغوط النفسية لهذا الزوج المسكين، وعلى الزوج أن ينفق فإن من المطلقات من عندها أولاد له وترضعهم وهو لا يعطيها النفقة والمصروف، وتريد أن تشتري كسوة أو طعاما ولا تجد مال لتشتري به فيكون لها أثر سلبي حتى على الصحة والعقل، ولذلك فإن الشح ومنع الحقوق من أعظم أسباب الضغوط النفسية، فأين كفالته لهؤلاء الأولاد وعلى فرض أن القاضي قد حكم بنفقة للولد فهو يتهرب، وإذا أعطاهم أذلهم حتى يعطيهم وما هو المطلوب، وقوف أبو الزوجة عند الشرطة أو المحاكم وهو يطلب النفقة لأولاد المطلق وقد رمهم على المطلقة، ففوق ما حملها من مسؤولية التربية والعناية وتحمل الأذى لا يعطي كذلك المال، وتراهم حائرين في دروب المحاكم والمخافر، وكثير منهم لا يريد هذه المسالك ولا الفضيحة ولا تشويه السمعة، فيطوي على قروض وديون بسبب مطلقة في بيتها، ونفسه لا تقوى أن يقول لها ارمي بالأولاد في الشارع، ولو أنه قال لها هذا لترمي الأولاد على أبيهم فهي إذا ستعيش عنده بعذاب نفسي وضغوط نفسية من نوع آخر، ولذلك فإن قضية 'سددوا وقاربوا' وأن الإنسان يسلك المسلك الأهون ويتحمل المفسدة الأقل في درء المفسدة الأعظم كثير ما تكون هي الطريقة الوحيدة، وكثير ما لا يوجد حل لهذه المشكلة فيكون الحل لهذه الضغوط هو العمل بهذه القاعدة الشرعية العظيمة ' تحمل المفسدة الأقل لدرء المفسدة الأكبر'، وأما معاناة المطلقة من ضغوط بسبب نظرة المجتمع لها فإنه لابد أن يقوم أناس من المحتسبين الأخيار بعمل الروابط المطلوبة لتزويج هؤلاء المطلقات، إن سعينا الاجتماعي في تعريفي مريدي الزواج لأهل هذه البيوت، سواء من الذين عندهم بنات بسن الزواج أو تخطين ذلك بقليل أو بكثير أو من المطلقات، إنها من أنواع العبادات العظيمة لأن أي سعي منا في تخفيف المعاناة النفسية لإخواننا أو أخواتنا أجره عظيم عند الله، وبسبب الذهول عن هذه المساعي وعدم الانتباه لأهميتها تحدث مشكلات ضخمة في المجتمع، ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم:'أن أحب الأعمال إلى الله سرور تدخله في قلب مسلم أو تقضي عنه دينا أو تطرد عنه جوعا أو تنفس عن كربة'، 'ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة'، وأيضا فإن ما يوجد من العقوق من قبل الأولاد للأبوين أو أحدهما إنه يحتاج إلى أنواع من التدخلات الحكيمة ممن يعرف هذه العائلة أو من الأقارب والجيران والمعارف وأصدقاء الولد وأصدقاء الوالد، إن هذه المساهمات الايجابية فيها تخفيف عظيما من الضغوط النفسية التي يعاني هؤلاء، إن المجتمع الغربي لا يرحم والأوصال متقطعة، وحتى لو أرادوا العلاجات النفسية تكون بالفلوس، أما المجتمع الإسلامي فإن أفراده يرحم بعضهم بعضا، ويتدخل بعضهم لمصلحة بعض، ويعطف بعضهم على بعض، ويحنو يعضهم على بعض، ولا يوجد شيء يحسن وضع أخ مسلم أو أخت مسلمة ويمكن عمله إلا ويقوم به المسلم والمسلمة لأخيه وأخته في الله، ولذلك لابد أن تقوم هذه الجهود وربما يأتي الحل أحيانا من شخص لا يعيش جو المشكلة، لكن نظر صائب وحكمة منه جعلته يتوصل إلى حل غفل عنه هؤلاء الغارقون في المشكلة، فإذا اشتكى لك أبوا من عقوق ولده أو معاناته معه فسأله عن هذه المشكلة وكيف نشأت وما أسبابها في نظره، ثم أبدا في تقليب وجهات النظر والتذكير والآراء وعصر الذهن للخروج بحلول تقدمها لأخيك المسلم وتساعده على تنفيذها، وأيضا لابد أن نشعر بأن الابتلاء بمثل هذا له مقابل، فإن الكافر إذا ابتلي بمثل هذا وليس عنده حل ينتحر، فإن المسلم يعلم أنه لا تصيبه شوكة ولا هم ولا غم ولا وصب ولا نصب الآلام النفسية والجسدية كلها مكفرات للخطايا، ولربما فرح أحدهم بالبلاء كما يفرح أحدكم بالرخاء، أما بالنسبة للضغوط النفسية بسبب العمل فإن هذه المهن والأعمال والوظائف المختلفة تولد ضغوطا، وإن 27% من الموظفين الذين أجريت عليهم إحدى الدراسات كان وظائفهم هي العامل الوحيد للضغوط في حياتهم يعني لم يشتكوا إلا من هذه النقطة، وفي اليابان مصطلح 'كراتشي كراشي' الموت بسبب الإفراط في العمل، بل أن أمراض السرطان في بعض الدول الغربية تصنف في وحد العلاج النفسي، لأنهم اكتشفوا رابط بين الضغوط الضخمة وبين حدوث أنواع من السرطانات، وإنه ينبغي أن يتعامل المسلم بالحكمة مع مثل هذه الأمور، إنهم يتحدثون كثيرا عن قضية متاعب المهنة، وما يحدث نتيجة تضارب آراء المدراء ومطالبهم من الموظفين، والله ضرب لنا مثلا ' رجلا فيه شركاء متشاكسون'، وبعض الموظفين الواحد منهم مسكين لأن فوقه شركاء متشاكسون، فهو متمزق نفسيا في إرضاء هذا وهذا، كثرة العمل، المطالبة بالإنجاز بدون أن يعطا الوقت الكافي السريع المتواصل، لا يوجد وقت للراحة، أو يكون هناك أنواع من التعامل مع الجمهور وبعض الجمهور لا يرحم، تأخر الرواتب وعدم إعطاء الحوافز، أكل الحقوق لا شك أن كلها تولد أنواع من الضغوط النفسية على هؤلاء الذين يعملون في هذه الوظائف، وقد يقال انتقل إلى وظيفة أخرى لكن هذا كثيرا ما لا يكون متوفر بسبب شح سوق الوظائف وندرتها، فيتحمل الإنسان أشياء لأجل أن يعيش، لكنه حديث عظيم عن النبي صلى الله عليه وسلم:' احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيئا فلا تقل لو أني فعلت كان كذا وكذا ولكن قل قدر الله وما شاء فعل فإن لو تفتح عمل الشيطان'، وإنه حديث عظيم آخر:' إن روح القدس- جبريل عليه السلام- نفث في روعي وألقى في نفسي أن نفسا لن تموت حتى تستكمل أجلها وتستوعب رزقها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب ولا يحملن أحدكم استبطاء الرزق أن يطلبه بمعصية الله فإن الله تعالى لا ينال ما عنده إلا بطاعته'، وإن قضية البحبحة من رب العمل على من عنده بما لا يضر ولا يجوز لمدير في قطاع حكومي عام أن يتنازل عن حقوق العمل لهؤلاء الكسالى من الموظفين، لكنا نتكلم عن نظرة الاعتدال وقد توصل بعض الغربيين إلى إيجاد فترة راحة أثناء ساعات العمل يلزم الموظفين بأخذها حتى يزيد الإنتاج، لكن هناك الناس الماديين الذي يفكرون بزيادته ولو على حساب أعصاب هذا العامل وجسده، ولذلك ربما يقصر عمره، بعض الأعمال أعمار الذين يعملون فيها في المتوسط قصيرة بسبب كثرة هذه الأعباء الملقاة وصعوبة الأعمال وعدم الرحمة، إن هذا الشخص الذي هو دائما مستعجل لكي يحاول الوصل إلى الأشياء يحتاج إلى أن يفكر جيدا بأن التأني من الله والعجلة من الشيطان، وأنه مهما بلغ في إحصاء الأمور وتجمعيها فإنه لن يصل إلى النتيجة الكاملة، وإن بعض السرعات في الخروج وقيادة السيارة قد تسبب حوادث تقعده إلى نهاية عمره، وأيضا فإن الإنسان يرحم نفسه فإذا لم يكن هذا ممكن فلماذا يحمل نفسه ما لا يحتمل، وبعضهم يجعل المثالية الزائفة دائما هدفا يريد أن يصل إليه فيتعب ويتعب من حوله، وإن المناصب القيادية في الأعمال توجب المسلم أن يرحم من تحت أمرته من الموظفين، ولذلك سيروا بسيرة أضعف القوم وأعطوا المهمات على حسب طاقات الأشخاص، وكذلك أنت أيه الداعية الذي تقود فريق من الدعاة أنه ينبغي عليك أيضا أن ترحم سيرهم وأن لا تكلفهم ما لا يطيقون، إن تطوير الأساليب التي تقلل من الجهد والوقت من الحكمة العظيمة، وإن جعل وقت للتأمل والراحة في بعض الأعمال مفيد جدا، وكذلك فإن المسلم يعلم أن الهموم الكثيرة والضغوط النفسية تنفس بذكر الله (ألا بذكر الله تطمئن القلوب)، وإن القلب المتصل بالله بعيد عن هذه الاضطرابات والقلاقل لكن الإنسان لا يخلو، والنبي عليه الصلاة والسلام مرة وجد نفسه بقرن الثعالب هائم على وجه من الهم الذي حصل له بسبب إعراض القوم عن قبول دعوته:' فلم استفق إلا وأنا بقرن الثعالب لقيت من قومي ما لقيت'، لكن قيام الليل مع الدعاء والأذكار والصلوات 'أرحنا بالصلاة يا بلال'، وقفة للترديد مع المؤذن كفيلة لراحة نفسية من المشكلات، إن سماع آيات كفيل بالراحة النفسية العظيمة، إن ترداد الأذكار كفيل بالراحة النفسية العظيمة، أما أولئك القوم الجهلة فإنهم يقولون: هنا غرفة مصمتة تدخل فيها فتصرخ بأعلى ما عندك وأطول وقت للصراخ لتنفيس الطاقة الحبيسة حتى ترتاح، فأنظر إلى هؤلاء المجانين ماذا يفعلون، وهنالك أنواع من دور العلاج لهذه الضغوط فيه زجاج مثبت في الحائط لا يتطاير شظاياه عند كسره، فيدخلون الشخص في الغرفة المحاطة بالزجاج ويسلمونه المطرقة ويغلقون عليه الباب، ليقوم بتكسير كل الزجاج الموجود في الغرفة وتحطيمه ليرتاح، فأي راحة هذه التي يريد أتباع الفيل وغيرها أن يدخلوا المسلمين في متاهاتها، أحلم وتخيل ثم إذا أيقظت إلى العمل في اليوم التالي وواجهت الواقع انتهت الأحلام والخيالات أتضحك على نفسك، ولذلك العلاج للضغوط النفسية بالقرب من الله واللجوء إلى الله والتوكل على الله، وليس قضية أغمض عينيك استرخي خذ نفسك عميق تخيل أن تعيش في عالم آخر، نحن نعيش في الواقع فلماذا نتخيل، ولو قالوا مثلا الرياضة مفيدة والمشي جيد وممارسة الرياضة، صحيح هذا مفيد والحديث يقول 'احرص على ما ينفعك'، لكن قضية مخادعة النفس بهذه الأشياء إنها أمور عجيبة، وإنك لتستغرب من العقليات التي ابتكرت مثل هذه الطرق، إن مسألة الخداع النفسي هذه لا تحل القضية، ضع إبهامك على الجبهة وإبهامك الآخر على رأسك من الخلف وأشر بالأصابع 31 مرة وخذ نفسا عميقا افتح عين وأغمض عين، إن المسألة وراء الذين يقولون مأساة عقل، أيه الإخوة إن ضغوطنا النفسية الناتجة عن عدم وظائف مثلا، أو عدم قبول في مدارس أو كليات ينبغي أن ينشأ معه بذل شرعي وليس دفع رشاوى، ومن الأشياء الشرعية الشفاعة الحسنة قال تعالى( ومن يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها)، وقال عليه الصلاة والسلام:' اشفعوا فلتؤجروا وليقضى الله على لسان رسوله ما شاء'، إذا فالشفاعة الحسنة التي تسبب التخفيف من معاناة إخواننا، والسعي في إيجاد ما ينفعهم وما يسد حاجتهم إنها قضية مهمة جدا، أما الضغوط بسبب الأمراض فإن من الأمراض ما يكون مزمن ولذلك لابد من التعايش معه والرضا بالقضاء لابد منه، قال عليه الصلاة والسلام:'ما من مسلم يصبيه أذى شوكة فما فوقها إلا كفر الله بها سيئاته كما تحط الشجرة ورقها' رواه البخاري، وليتأمل المريض سواء أكان مرض مزمن أو غير مزمن حديث النبي عليه الصلاة والسلام:' ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر بها من خطاياه'، إن بعض الناس يصعب عليه نفسيا أن ينظر إليه بنظرة الإشفاق، ويقول: أموت ولا أتمنى أن ينظر إلي نظرة إشفاق، لكن إذا حدث هذا قدر الله فلابد من الرضا به والتعايش مع الوضع، وترضيت النفس بهذا الواقع مع السعي في بذل الأسباب التي ترفع أو تخفف على الأقل من وطأة هذا، وحتى أصحاب العاهات إنهم إذا نظروا فيمن كان من العظماء من أصحاب العاهات كان ذلك دافع لهم إلى محاولة الإنتاج،أبانٍ بن عثمان بن عفان من كبار العلماء والفقهاء من التابعين ومن المعدودين في فقهاء المدينة العشرة المشهورين، كان فيه صمم وحول وبرص وأصابه الفالج (الشلل النصفي)، والأحنف بن قيس الضحاك لحنف في رجليه واعوجاج، كان أعرج أعور متراكب الأسنان صغير الرأس قصير القامة بارز الوجه منخسف العينين وقد جمع السيادة والشرف والحنكة والحلم والحزم والمروءة والرأي، والناس يستشيرونه ويحتاجون إليه، ومحمد بن عيسى الترمذي صاحب كتاب السنن كان ضريرا، وعطاء بن أبي رباح كان أعرج أعور أسود أفطس الأنف كان مفتي مكة ومفتي الحج بلا منازع، كان رأسه داخل في جسده هذا من الخلقة وهكذا خلقة الله، فمرت به عجوز وهو يقول: الله أعتق رقبتي من النار، قالت: وأي رقبة لك يا بني، فكان سيد الناس فالشكل يزول، وقضية العاهات يمكن التغلب على كثير مما ينشأ بسببها، المهم أن يكون هناك توكل على الله فعلا، أن يكون هناك لجوء إلى الله عز وجل، تأمل الضغوط النفسية التي يمكن أن تحصل بسبب اتهام الأبرياء، إن مريم عليها السلام تمنت (يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا) لأنها تعلم ما سيتهمها به قومها، وكانوا قوما بهتا يبهتون ويظلمون، بمجرد إن رأوها (يا مريم لقد جئت شيئا فريا)، واتهمها بعد ذلك اليهود بالزنا واتهموها بالفاحشة ولكنها كانت امرأة طاهرة جدا، وأصعب شيء على الإنسان أن يتهم وهو برئ، أن يتهم بالكذب وهو صادق، أن تتهم بالفاحشة وهي عفيفة، ولذلك المرأة لما كانت مع بنت القوم وعليها وشاح أحمر وجاءت الحدية تحسبه لحما فخطفت وشاح البنت، وهذه جارية أمة معهم فسألوها: أين الوشاح أنت أخذتيه، اتهموني به فعذبوني وفتشوها في كل مكان، فبينما هم حولي وأنا في كربي إذ أقبلت الحدية حتى وازت برؤوسنا ثم ألقته فأخذوه، فقلت لهم هذا الذي اتهمتموني به وأنا منه بريئه، الله عز وجل يجيب دعوة المظلوم ولذلك مهم أن المتهم البريء يلجأ إلى الله بالدعاء، فهذه الضغوط النفسية التي يحس بها يذهبها الله عز وجل، أما الضغوط النفسية الحاصلة بسبب ضغط الشهوة فإنها كبيرة جدا، فضائيات صور أفلام جنسية انترنت مشاهد فظيعة أسواق تبرج، النساء في الشوارع مُطْلقات وهذه الوسائل تبث ليلا ونهارا مما يؤدي إلى إثارة الشهوات والغرائز جنس في مكان فماذا سيحدث نتيجة ذلك، معاناة نفسية وضغوط نفسية، الشريعة تقول الزواج فإن لم يمكن فالصيام، بعضهم يقولوا صمنا ولم ينفع سينفع ولو بعد حين لأن كلام الله ورسوله خير، ولا يمكن أن الشرع لا يرشد إلى شيء لا ينفع، بل هو النفع الكبير ولكن قد لا يظهر أثره إلا بعد حين، إن قضية اتخاذ الأسباب لعدم إثارة الغرائز مهمة في تلافي الضغوط النفسية التي ستحدث بسبب ثوران هذه الغرائز، وأنه لو كان مرتاح من أول الأمر لكفي عنان شديدا، لكن بعدما دخلت الصورة في ذهنه وتعلق بفلان أو صار متعلقا بفلانة، إن هذه الأشياء التي تحدث نتيجة لهذه الضغوط بسبب المعاصي وإطلاق البصر حلها أولا كان سهلا، فينبغي أن لا يدخل الإنسان هذا الدرب الضيق، فإنك لو أدخلت دابة حصان في زقاق ضيق جدا كلما دخل أكثر كلما صعب خروجه، وكيف ستلف عنقه ويستدير في الزقاق الضيق، أما تراك أنك ستشده بذنبه ليرجع إلى الخلف فتعاني رفسة، إذا تذكر مثل الحصان في الزقاق الضيق قبل إطلاق البشر في الشهوات لأن هذه الضغوط النفسية كان يمكن تلافيها من قبل، على أن اللجوء إلى الله والاجتهاد في الصيام والسعي في أعفاف النفس ومخالطة الأخيار والبعد عن أماكن الفتنة وتجنب الأسواق وغيرها إنه سبب كبير للنجاة، إن بعض الناس يعاني من ضغوط نفسية نتيجة الفراغ والملل، وهذه المسألة يفترض أن تكون سهلة لأن إشغال النفس بالبرامج المفيدة لا يحتاج إلا إلى همة، أما البرامج فكثيرة والناصحون في هذا المجال لن تعدمهم، فبقي أنك تلجأ إلى الله بعد هؤلاء في إشغال هذه الطاقة الحبيسة في نصرة الله ورسوله، أيه الأخوة إن هؤلاء الشباب الذين يعانون من العاطفة الهوجاء فتسبب لهم ضغوط نفسية، وكانوا يجب أن يأسسوا علاقاتهم على تقوى من الله ورضوانه، فلما أسسوا علاقاتهم على غير تقوى من الله ورضوانه، وجعلوها منفلتة بلا ضوابط دخلوا في قضية العاطفة والتعلق والعشق، فصار عندهم معاناة رهيبة وضغوط نفسية، أفلا أسسوا هذه العلاقات على تقوى من الله ورضوان، واختاروا من يصاحبونهم ليس على الشكل، ولا على الصورة، ولا على الحسب والنسب، ولا على المال، ولا على أمور الدنيا بل على أساس الدين، إن قضية هذه الاستعجالات التي تحرم من رؤية الثمرة، إن المعانة من التجريح واللوم، إن قضية الارتباطات المشتتة التي تجعل الإنسان يعاني من ضغوط، لوم الآخرين وتعنيفهم، المصادمات للأشخاص، كثرة المنتكسين، الشعور بالنقص، عدم وضوح الهدف، التثبيط وما يمارسه الأعداء لأجل أن نصاب بالإحباط، كل ذلك يجب أن نقاوم وأن نخرج عن المخطط الذي رسموه، أما أن نبقى نحن نعيث داخل المخطط الذي رسموه لأجل أن نعيش دائما محبطين فإننا نرفض ذلك، لذلك كثير ما يفكر المسلم أن هذه الوسائل الإعلامية المخطط لها بدقة لتجعلنا نعيش من خلال الصورة والمشهد وما نسمعه تحت ضغوط نفسية كثيرة جدا تفقدنا صوابنا، ويجد الإنسان الراحة في البعد عن هذه الأشياء والاشتغال بما ينفعه، المشكلة أن الجواذب أحيانا والإيهام أن هذه الإطلاع مفيد ومهم أحيانا تكتشف معه أن متأزم نفسيا من جرائه، وليس كل النفوس تطيق الإطلاع على كل الأوضاع، ولذلك تترك الأمور لأهلها فلا تقحم نفسك فيما لا تحسنه، أيه الإخوة إن الضغوط النفسية الحادثة بسبب التمسك بالدين كبيرة فإن المتدين يبتلى، نوح عليه السلام اتهموه وسخروا منه وقالوا ساحر أو مجنون كل الرسل (ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون) سورة الذاريات، وآذى اليهود موسى عليه السلام حتى برأه الله تعالى ما قالوا، وقالوا عن محمد صلى الله عليه وسلم كاذب وشاعر وكاهن وبه جنة، ولذلك فإن الصمود مهم (وإن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون)، المؤمن له عزة وله استعلاء، أيه الأخوة إن بعض الشباب يعانون من ضغوط نفسية نتيجة وجودهم في مكان يعتقدون أنه وسط بين أهل الصلاح وأهل الضلال (له أصحاب يدعونه إلى الهدى أتنا قل إن هدى الله هو الهدى)، لقد قال الله تعالى (قلنا أندعوا من دون الله ما لا ينفعنا وما لا يضرنا ونرد على أعقابنا بعد إذ هدانا الله كالذي استهوته الشياطين في الأرض حيران له أصحاب يدعونه إلى الهدى أتنا قل إن هدى الله هو الهدى) سورة الأنعام، إذا لا تقف في المنتصف أبدا، وقضية الوقوف في الوسط هذه هي في الحقيقة المنافق كالشاة الحائرة بين الغنمين، لا هو يمشي مع هؤلاء ولا مع هؤلاء، سلم نفسك لهؤلاء الأخيار، وإذا دعوك إلى الهدى أتنا أذهب إليهم، إن أبا طالب في النار كان معه النبي عليه الصلاة والسلام من جهة ورفقاء السوء من جهة أخرى، فتغلب أهل الباطل هؤلاء بسبب آفة في نفسه استغلوها يموت على غير ملة أبيه، وأيضا فإن ما يحدث من أنواع الإغواء للمتدين حتى إن بعض أهله ليرصد له جائزة إن سلك طريق الانحراف، إنه يسبب ضغوط لكن الصبر والصحبة الطيبة إنه يساعد المسلم على الصمود، إن الشيطان قعد لابن آدم لأطرقه، فقعد له في طريق الإسلام فقال: تسلم وتذهب دينك ودين آبائك وآباء أبيك فعصاه وأسلم، ثم فقعد له في طريق الهجرة فقال: تهاجر وتترك أهلك ومالك فعصاه وهاجر، ثم قعد له في طريق الجهاد فقال: تقاتل وتقتل وتنكح المرأة ويقسم المال فعصاه وجاهد، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:'فمن فعل ذلك كان على حقا على الله عز وجل أن يدخله الجنة، ومن قتل كان حقا على الله عز وجل أن يدخله الجنة، وإن غرق كان حقا على الله عز وجل أن يدخله الجنة، أو وقصته دابته كان حقا على الله عز وجل أن يدخله الجنة' رواه النسائي وهو حديث صحيح، أيه الإخوة إن أنواع الضغوط التي تحدث في التجارة بسبب أيضا الإغراءات المحرمة، في التجارة هناك ضغوط نفسية على الذين يخافون الله، تعرض عليه صفقات محرمة ونقليات وأعمال وهو يعلم أن هذه فيها معاونة أعداء الله على الحرام هل يرفضها، صفقات فيها أرباح مضاعفة لكن في مجالات محرمة وتعرض عليه رشاوى، هذه تسبب صراعا نفسيا قال تعالى( وكلوا مما رزقكم الله حلال طيبا)، إن ابتغاء الحلال وكان طيبا ليخفف على الإنسان ويهون عليه عندما يرفض هذه العروض، عندما نذكر حديث 'كل جسد إن نبت من سحت فالنار أولى به' يخفف على الإنسان المعاناة وهو ثابت خشن، وما حوله يأكلون الحرام، ويغشون في المعاملة، ويحلفون على الكذب، ويكتمون عيوب السلع ويظهروها تجميلا وتزينا له، والبيوع المحرمة فتتضاعف أرباحهم رقميا لكن لا توجد بركة فيها، ولذلك هم يبعثون فجار يوم القيامة، أما من اتقى الله وبر وصدق وشاب بيعه بالصدقة فإنه يبارك فيه، فإن صدق وبين بورك له في بيعه، إن قول الله (ومن يتقى الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب) إنه يهون على الإنسان الصمود على الضغوط الناشئة عن قضية الأرباح العالية للتعاملات المحرمة، وأحيانا يكدح ليحصل على 5% وغيره بمجهود يسير يأتي بــ100%، لو كانت حلال لقلنا هنيئا عليه، لكن المشكلة أنها كثيرا ما تكون في الحرام، فبعضهم مثلا يسلك سبيل التجارة بالمخدرات، أيه الإخوة عموما الدنيا مليئة بالمشكلات والمنغصات وأنواع من مثيرات الأعصاب، يحتاج الإنسان إلى شيء من النظرة الإيجابية والتفاؤل: قال: السماء كئيبة وتجهما قلت ابتسم يكفي التجهم في السماء قال: الصبا ولى فقلت له ابتسم لن يرجع الأسف الصبا المتصرم قال: العداء حولي قد علت صيحاتهم أأسر والأعداء حولي في الحما قلت:ابتسم لم يطلبوك بذمهم لولا لم تكن منهم أجل وأعظم قال:الليالي جرعتني علقما قلت ابتسم ولئن جرعت العلقم فلعل غيرك إن رءاك مرنما طرح الكآبة جانبا وترنم لكن المسلم يترنم بذكر الله، تذكر طبيعة هذه الدنيا: طبعت على كدر وأنت تريدها صفوا من الأقذاء والأكدار ومكلف الأيام ضد طباعها متقلب في الماء جدوى ماء لعل الله جعل على المؤمنين الحياة منغصة في بعض الأشياء لكي لا يؤلفها ويركنوا إليها، ولكي يتذكروا أن هناك دار لا منغصات فيها، إن تذكر مصائب الآخرين مهمة في نسيان مصيبتك، والتسلي بمصيبة فقد النبي صلى الله عليه وسلم يهون عليك المصيبة فإن المصيبة لها ضغوط نفسية، وعلينا أن نتعوذ بالله من الهم والغم والحزن، والنبي عليه الصلاة والسلام كان يعوذ من ذلك، ومرة أخرى إن التفاؤل والنظرة الإيجابية للأمور وأن نرى حتى في المحنة منحة تعطينا طعما آخر للحياة، تبعدنا عن ألآلام هذه الضغوط: أيه هذا الشاكي وما بك داء كيف تغدو إذا غدوت عليلا إن شر النفوس نفس يؤوسا يتمنى قبل الرحيل الرحيلا ويرى الشوك في الورود ويعمى أن يرى فوقها الندى أكليلا هو عبئا على الحياة ثقيل من يرى في الحياة عبئا ثقيلا والذي نفسه بغير جمال لا يرى في الوجود شيئا جميلا وأيضا على رأس القائمة (وننزل من القرآن ما هو شفاء) سورة الفاتحة المعوذات، وأن نتذكر أن هذه السور التي فيها تسلية النبي عليه الصلاة والسلام بما أصاب الأنبياء من قبله، والشافعي لما طلب من الذي عاده أن يقرأ عليه من آيات سورة أل عمران في غزوة أحد، وما أصاب النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من مصيبة إنه كفيل بالتعزية، وأيضا ليلتف الإنسان إلى من حوله فإنه إذا رأى من شاركه في المصيبة هان عليه ذلك، وأما أهل النار فلا يستفيدون من هذه الميزة (ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم في العذاب مشتركون) سورة الزخرف، أيه الأخوة إن الله جعل من العبادات كالجهاد في سبيله ما يزيل الهم والغم، 'عليكم بالجهاد في سبيل الله فإنه باب من أبواب الجنة يذهب الله به الهم والغم'، وهناك أناس من المسلمين مظلومين وقد غاظهم تسلط الكفار عليهم فما هم الحل؟ (قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين)، أيه الأخوة إن الرضا بالقضاء مهم جدا وإن حسن الظن بالله في غاية الأهمية في علاج الضغوط النفسية: كن عن همومك معرضا وكِل الأمور إلى القضاء وابشر بخير عاجلا تنسى به ما قد مضى فلربما أمر مسخطا لك في عواقبه رضا قال عليه الصلاة والسلام:'لا يفرك مؤمنا مؤمنة إن كره منها خلقا رضي منها خلقا آخر': ولربما ضاق المضيق ولربما اتسع الفضاء الله يفعل ما يشاء فلا تكن معترضا الله عودك الجميل فقف على ما مضى ترقب الفرج من الله (إن مع العسر يسرا، إن مع العسر يسرا) سورة الشرح، أيه الإخوة إن بعض الضغوط النفسية تكون نتيجة الحيرة في اتخاذ القرار، فلا ننسى صلاة الاستخارة وتأمل في أدعيتها' فاصرفني عنه واصرفه عني '، هذه الدعاء في صلاة الاستخارة مهم جدا' اصرفني عنه واصرفه عني ' فما الفرق؟، اصرفه عني: أي لا تقدره لي وهو شر، واصرفني عنه: حتى لا آسف على فواته حتى لا يتعلق قلبي به اصرفني أنا عنه، أما وقد جعلته بعيد عني وليس من نصيبي فأيضا اجعلني مطمئن النفس غير متأسف على فواته، انظر كيف راعا الجهتين' اصرفني عنه واصرفه عني' ثم 'واقدر لي الخير حيث كان' لأنه لا يمكن التخيير على شيء والخير في غيره، واستخير على شيء ثاني والخير في غيره وهكذا لأن لم يخطر ببالي، قال'واقدر لي الخير حيث كان ثم رضني به' فإن بعض الناس عنده نعم ولكنه لا يراها شيئا، ووطن نفسك على تحمل المشاق واستعن بإخوان الصدق وخذ بالأسباب الشرعية لأنه ما من شيء أصعب من أن يكون الإنسان عنده مجال للعمل ولا يعمل إنه كسل مقيت، الشيء الذي في الماضي إذا لم يكن من الفائدة التفكير فيه فيجب نسيانه، إلا أن يكون ذنب فأنت تستحضره لتتوب منه مرة أخرى، قضية الانشغال بالهموم المستقبلية إذا ليس عندك أشياء من التخطيط أو من التدبيرات لتفكر في المستقبل فإذا قضية التفكير والقلق في المستقبل لا داعي لها، كِل الأمور إلى الله عز وجل وأعلم أن كل شيء بقضاء وقدر، ووطن نفسك على الأسوأ حتى ولو حصل الأقل فأنت قابل له، وأعلم أن قضاء الله دائما خير للمسلم، واشكر النعمة وانظر إلى منه أسفل منك، وترقب ساعة الفرج، وأعلم أن المصائب مراهم للقلوب والنفوس، وأعلم أنه مع العسر يسرا وأن ربك واسع الرحمة (وأن في السماء رزقكم وما توعدون)، وأن لك في المصابين أسوة، وأن الله إذا أحب قوم ابتلاهم، كرر أدعية الكرب واترك الأراجيف والإشاعات، وخذ ما ينفع واسأل الله من فضله، اللهم إن نسألك أن تنفسنا كروبنا وأن تفرج همومنا وأن تغفر ذنوبنا، اللهم اقض ديوننا واستر عيوبنا واغفر زلاتنا، اللهم انصر الإسلام والمجاهدين في سبيلك يا رب العالمين، اللهم انصرهم نصرا مؤزرا، اللهم انصرهم نصرا عاجلا، اللهم أيدهم بمدد من عندك، اللهم أكسر جيش أهل الصليب، اللهم وردهم على أعقابهم أذلة صاغرين، اللهم ابطش بهم يا جبار إنك على كل شيء قدير، وبالإجابة جدير وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، يبدو أن الأسئلة قد لا يكون لها مجال وقد تأخر الوقت فأرجو المعذرة من الإخوان ولعنا نستفيد منها إن شاء الله في بعض المحاضرات القادمة ويبدو أن فيها بعض النقاط الجيدة، سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت استغفرك وأتوب إليك.
مواقع النشر (المفضلة)