فبداية، لا بد من فهم حقيقة ومعنى الابتلاء في دين الله تعالى، وبهذا الفهم لمعنى الابتلاء، تكون الإجابة عن سؤالك الكريم.
وأصل معنى الابتلاء هو الاختبار، فالابتلاء اختبار من الله تعالى لعبيده، ومع أن الله تعالى يعلم كل ما يقع للعباد قبل وقوعه وبعد وقوعه أيضاً، إلا أن الله يبتلي العباد لتظهر ظهور العيان حقيقة حالهم وما هم عليه، كما قال تعالى: {أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين} وقال تعالى: {ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم و الصابرين}.
فصار بذلك معنى الابتلاء شاملاً لجميع أحوال الناس، سواء كان ذلك في أمور الخير التي يحبونها، أو في أمور الشر التي يكرهونها، فالخير والنعمة ابتلاء، والشر والمصيبة ابتلاء أيضاً، سواء بسواء، كما قال تعالى: {ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون} والمعنى أن الله يبتلي العباد بأمور الشر والخير لهم لاختبارهم وامتحانهم، والمرجع والمعاد إلى الله تعالى، فيجازي العباد بعدله أو رحمته وعفوه.
وبهذا البيان يتضح أن الابتلاء لا بد أن يصيب العباد، سواء كان ذلك في النعم والأفراح، أو في المصائب والأحزان، فكل ذلك بلاء من الله تعالى كما قال جل وعلا: {فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعّمه فيقول ربي أكرمن* وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانن} فأخبر تعالى أن الإكرام والنعمة ابتلاء، كما أن التضييق في الأرزاق بلاء كذلك، فهذا هو أصل حقيقة الابتلاء في هذا الدين القويم.
إذا علم هذا، فإن المصيبة في حق المسلم تكون نعمة تارة ونقمة تارة أخرى، فتكون نعمة إذا صبر ورضي بما أصابه الله تعالى، فهذا جزاؤه رضا الله تعالى ومغفرته وفضله، وتكون نقمة من الله تعالى إذا لم يصبر الإنسان على مصيبته، بل خرج إلى التسخط على قضاء الله، فجزاؤه حينها السخط والغضب من الجبار جل جلاله، كما ثبت في سنن الترمذي عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: (إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله تعالى إذا أحب قوماً ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط).
وبهذا يتقرر أن المسلم سواء كان مذنباً أم لا، إذا صبر واحتسب في مصيبته، فإن مصيبته نعمة من الله تعالى عليه بهذا الاعتبار، ومتى ما سخط على قضاء الله كانت مصيبته نقمة وغضاً من الله تعالى، وهذا هو الذي ينبغي أن تتوجه إليه بنظرك، وأن تتوجه إليه بعملك كذلك، فحاول أن تجعل همك هو الصبر على كل ما أصابك الله تعالى، والثناء عليه وشكره على كل حال، وكذلك أن تجعل النعمة من الله تعالى سبيلاً لشكره والخضوع له والتذلل لكرمه، كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله له خير، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له)، رواه مسلم في صحيحه.
فهذا هو الذي ينبغي أن توجه نظرك وعملك إليه، مع الالتفات إلى أن العباد مقصرون في طاعة الله تعالى لهم أخطاء وذنوب، ولا يسلم من ذلك إلا من سلمه الله تعالى، ولذلك كان الابتلاء من مكفرات الذنوب التي تزول وتتلاشى بالمصائب، كما قال صلوات الله وسلامه عليه: (ما يصيب المسلم من نصب -تعب- ولا وصب -مرض- ولا هم ولا حزن، ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه) متفق عليه، وثبت في الصحيحين أيضاً عنه صلوات الله وسلامه عليه أنه قال: (ما من مسلمٍ يصيبه أذى، وشوكة فما فوقها، إلا كفر الله بها سيئاته وحطت عنه ذنوبه كما تحط الشجر ورقها).
ونسأل الله لنا ولكم المغفرة والعافية في الدنيا والآخرة.
مواقع النشر (المفضلة)