إن الزلازل والكوارث تفضَح عجز البشر، وتظهر الضعف والذل والعجز والهزيمة أمام قوة رب العالمين، إنَّها آية لمن تدبَّرها، كيف تحركت الأرض الراسية؟! وتزلزلت الجبال الشامخة؟! وغارت أنهار وتطاولت بحار وطمرت القرى بمن فيها؟! {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الحَقُّ} [فصلت: 53].
يغتر الخلق بقوتهم حين يعمرون الأرض ويملكونها: {حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ} [يونس: 24].
كم من البشر اليوم في قوتهم يتغطرسون، وبدنياهم يتباهَون، ويقولون: مَن أشدُّ منا قوة؟! أولم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوَّة، إنها والله آية فأين المعتبرون؟! {وَكَأَيِّن مِّنْ آيَةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ} [يوسف: 105].
إنَّ عظمة الله وقوَّته وقهْرَهُ تَبْعَثُ الرَّهبة في القلوب، وتزْرَعُ الخَشْيَة في النُّفوس، وتَدْعُو إلى قدر الله حقَّ قدره، والخوف من حسابه وعذابه وانتقامه وعقابه، وما تجرَّأ مَن تجرَّأ على المعاصي والذنوب، ومُحادَّة الله في أمره وشرعه وحكمه وقدره، إلا حين قلَّ خوفهم من الله، وتناسَوا قوَّة الله وبطشِه، كما قال الحق سبحانه: {مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحج: 74].
نَعَم، ما قدروا الله حقَّ قَدْرِه حين كفروا بالله، وما قدروا الله حق قدره حين اجتَرَؤوا على مَحارم الله، وما قدروا الله حق قدره وهم يُحادُّون الله ورسوله، ويعارضون شرعه وشريعته: {مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا} [نوح: 13]، ما وقر الله من جعل دينه هزوًا ولعِبًا وسخرية واستخفافًا: {أَلاَ يَظُنُّ أُوْلَئِكَ أَنَّهُم مَّبْعُوثُونَ*لِيَوْمٍ عَظِيمٍ*يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ العَالَمِينَ} [المطففين: 4 – 6].
ومِن هنا كانتِ المواعيد الربانيَّة والزواجر الإلهيَّة، مذكرةً بعظمة الله ولقائه، وقدرته وقوَّته وقهرِهِ، وهو سنن للداعين إلى الله أن يعظموا في قلوب الخلق، وأن يعظموا أمره ونهيَه، فإن أتقى الناس وأخشاهم لله من كان بالله عالمًا، ومَن كان بالله أعرَف فهو له أخوف: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلَمَاءُ} [فاطر: 28].
وثَمَّة عبرة في الزلازل والكوارث، وما ترى في أعطافها من المصائب والمشاهد الداميات، والتي تعبر عنها مقولة الحكيم الرباني: "ألا ما أهون الخلق على الله إن هم عصَوا".
رجالٌ ونساء وأطفال بينما هم نائمون، أو في دنياهم غافلون، إذا بالأرض تنطبق على الأرض، والبحر يطغى ويغرق الأرض، ويهلك الجميع وتدمَّر القرى والبنايات، ويُقفَل الستار على خراب ودمار: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ القُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} [هود: 102].
ألا ما أهون الخلق على الله إن هم عَصَوا: {أَفَأَمِنَ أَهْلُ القُرَى أَن يَأْتِيَهُم بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَائِمُونَ*أَوَ أَمِنَ أَهْلُ القُرَى أَن يَأْتِيَهُم بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ*أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلاَّ القَوْمُ الخَاسِرُونَ} [الأعراف: 97 – 99].
[/align]
مواقع النشر (المفضلة)