+ الرد على الموضوع
النتائج 1 إلى 5 من 5
  1. #1
    ابو مالك has a reputation beyond repute ابو مالك has a reputation beyond repute ابو مالك has a reputation beyond repute ابو مالك has a reputation beyond repute ابو مالك has a reputation beyond repute ابو مالك has a reputation beyond repute ابو مالك has a reputation beyond repute ابو مالك has a reputation beyond repute ابو مالك has a reputation beyond repute ابو مالك has a reputation beyond repute ابو مالك has a reputation beyond repute الصورة الرمزية ابو مالك
    تاريخ التسجيل
    20 / 03 / 2007
    الدولة
    الأردن
    العمر
    51
    المشاركات
    6,574
    معدل تقييم المستوى
    7072

    افتراضي صوم الصالحين (سادات الصائمين (13 - 39))

    (13) صوم أبي مسلم الخولاني:
    "المستلي بالأوراد والنوب، الخولاني عبدالله بن ثوب، حكيم الأمة وممثلها، ومديم الخدمة ومحررها".

    عن عطية بن قيس، قال: دخل ناس من أهل دمشق على أبي مسلم، وهو غاز في أرض الروم، وقد احتفر جورة في فسطاطه، وجعل فيها نطعًا وأفرغ فيه الماء، وهو يتصلَّق فيه، فقالوا: ما حملك على الصيام وأنت مسافر؟ قال: لو حضر قتال لأفطرت ولتهيأت له وتقوَّيت، إن الخيل لا تجري الغايات وهو بدن، إنما تجري وهن ضمر؛ ألا وإن أيِّمَنا باقية جائية"، وفي الحلية: "بين أيدينا أيام لها نعمل.

    (14) صوم عامر بن عبد قيس:
    القدوة، الولي، الزاهد، راهب هذه الأمة.

    كان يقول: "لذات الدنيا أربعة: المال، والسناء، والنوم، والطعام، فأما المال والنساء فلا حاجة لي فيهما، وأما النوم والطعام فلابد لي منهما، فوالله لأضرن بهما جهدي"، ولقد كان يبيت قائمًا، ويظل صائمًا.

    وعن علقمة بن مرثد قال: "انتهى الزهد إلى ثمانية، عامر بن عبدالله بن عبد قيس، وأويس القرني، هرم بن حيان، والربيع بن خيثم، ومسروق بن الأجدع، والأسود بن يزيد، وأبو مسلم الخولاني، والحسن بن أبي الحسن".

    وكان يقول: "ما أبكي على دنياكم رغبة فيها، ولكن أبكي على ظمأ الهواجر، وقيام ليل الشتاء".

    وعن قتادة: "لما احتضر عامر بكى، فقيل ما يبكيك؟ قال: ما أبكي جزعًا من الموت، ولا حرصًا على الدنيا، ولكن أبكي على ظمأ الهواجر وقيام الليل.

    (15) صوم الأسد بن يزيد النخعي:
    الإمام القدوة، القارئ القوام، الساري الصوام، الفقيه الأثير، الفقير الأسير، "هو نظير مسروق في الجلالة والعلم والثقة والسن يضرب بعبادتهما المثل.

    سئل الشعبي عن الأسود فقال: "كان صوَّامًا قوامًا حجاجًا".

    وعن علقمة بن مرثد، قال: "انتهى الزهد إلى ثمانية من التابعين منهم الأسود ابن يزيد كان مجتهدًا في العبادة يصوم حتى يخضر جسده ويصفرَّ، وكان علقمة ابن قيس يقول له: ويحك؛ لِمَ تعذب هذا الجسد؟ قال: راحةَ هذا الجسد أريد، "إن الأمر جد، إن الأمر جد، فلما احتضر بكى فقيل له: ما هذا الجزع؟ قال: ما لي لا أجزع، ومن أحق بذل مني، والله، لو أتيت بالمغفرة من الله - عز وجل - لهمَّنِي الحياء منه مما قد صنعته، إن الرجل ليكون بينه وبين الرجل الذنب الصغير فيعفو عنه، فلا زال مستحيًا منه.

    وروى شعبة عن الحكم أن الأسود كان يصوم الدهر.

    وروى حماد عن إبراهيم، كان الأسوَدُ يصوم حتى يسوَدَّ لسانه من الحر.

    وعن عبدالله بن بشر أن علقمة والأسود بن يزيد حجا، وكان الأسود صاحب عبادة، وصام يومًا فكان الناس بالهجير، وقد تربد وجهه، فأتاه علقمة فضرب على فخذه، فقال: ألا تتَّقِ الله، يا أبا عمرو، في هذا الجسد؟ علام تعذب هذا الجسد؟ فقال الأسود: يا أبا شبل، الجد الجد.

    قال حنس بن حارث: رأيت الأسود، وقد ذهبت إحدى عينيه من الصوم، لا ضير إن كان الجنة فسيبدل الله بعين أصح منها.

    ما ضرهم ما أصابهم جبر الله لهم بالجنة كل مصيبة.

    (16) صوم مسروق بن عبدالرحمن:
    "في العلم معروق، وبالضمان موثوق، ولعباد الله معشوق، أبو عائشة مسروق".

    عن الشعبي قال: "غشي على مسروق في يوم صائف، وكانت عائشة قد تبنته فسمَّى بِنتَه عائشة، وكان لا يعصي ابنته شيئًا، قال: فنزلت إليه، فقالت: يا أبتاه، أفطر واشرب، قال: ما أردت بي يا بنية؟ قالت: الرِّفق، قال: يا بنية، إنما طلبت الرِّفق لنفسي في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة"، وفي رواية: "إنما طلبت الرفق لتعبِي.

    قالت له عائشة الصديقة: "يا مسروق، إنك من ولدي، وإنك لَمِن أحبهم إلي".

    وكان لا يأخذ على القضاء أجرًا، وكان يقول: "لأن أفتي يومًا بعدل وحق أحبُّ إليَّ من أن أغزو سنة".

    قال الأصمعي: كان مسروق يتمثل:

    [poem=font="traditional arabic,6,blue,bold,normal " bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4," type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black""] ويكفيك مما أغلق الباب دونه=وأرخى عليه الستر ملح وجردق
    وماء فرات بارد ثم تغتدي=تعارض أصحاب الثريد الملبق
    تجشأ إذا ما هم تجشؤوا كأنما=غديت بألوان الطعام المفتق
    [/poem]

    (17) صوم العلاء بن زياد:
    "المبشر المحزون، المستتر المخزون، تجرد من الثلاد، وتشمر للمهاد، وقدم العتاد للمعاد، العلاء بن زياد".

    كان ربانيًّا تقيًّا قانتًا لله، بكاء من خشية الله.

    قال قتادة: كان العلاء بن زياد قد بكى حتى غشي بصره، وكان إذا أراد أن يقرأ أو يتكلم، جهشه البكاء، وكان أبوه قد بكى حتى عمي.

    قال الحسن لعلاء بن زياد، وقد سله الحزن: كيف أنت يا علاء؟ فقال: واحزناه على الحزن.

    قال الحسن: "قوموا فإلى هذا والله انتهى استقلال الحزن".

    وعن هشام بن حسان أن العلاء بن زياد كان قوت نفسه رغيفًا كل يوم، وكان يصوم حتى يخضر، أو يصلي حتى يسقط فدخل عليه أنس بن مالك والحسن فقالا: إن الله تعالى لم يأمرك بهذا كله، فقال: إنما أنا عبد مملوك لا أدع من الاستكانة شيئًا إلا جئته به".

    قال له رجل: رأيت كأنك في الجنة فقال له: ويحك، أما وجد الشيطان أحدًا يسخر به غيري وغيرك.

    وكان يقول: "لينزل أحدكم نفسه أن قد حضره الموت فاستقال ربه تعالى نفسه، فأقاله فليعمل باعة الله عز وجل".

    قال سلمة بن سعيد رئي العلاء بن زياد أنه من أهل الجنة، فمكث ثلاثًا لا ترقأ له دمعة، ولا يكتحل بنوم ولا يتذوق طعامًا فأتاه الحسن فقال: أي أخي، أتقتل نفسك أن بشرت بالجنة، فازداد بكاءً"، فمل يفارقه حتى أمسى، وكان صائمًا فطعم شيئًا.

    عن هشام بن زياد العدوي قال: تجهَّز، رجل من أهل الشام، وهو يريد الحج، فأتاه آتٍ في منامه فقال: ائت العراق، ثم ائت البصرة، ثم ائت بني عدي، فائت بها العلاء ابن زياد؛ فإنه رجل أقصم الثنية، بسام، فبشره بالجنة، قال: فقال: رؤيا ليست بشيء حتى إذا كانت الليلة الثانية، رقد فأتاه آت، فقال: ألا تأتي العرق فذكر مل ذلك حتى إذا كانت الليلية الثالثة جاءه بوعيد فقال: ألا تأتي العراق ثم تأتي البصرة ثم تأتي بني عدي فتلقى العلاء بن زياد، رجل ربعة، أقصم الثنية، بسام، فبشره بالجنة، قال فأصبح، وأخذ جهازه إلى العراق، فلما خرج من البيوت إذا الذي أتاه في منامه يسير بين يديه ما سار حتى قدم البصرة، فأتى بني عدي فدخل دار العلاء ابن زياد، فوقف الرجل على باب العلاء فسلم، قال هشام: فخرجت إليه، فقال لي: أنت العلاء بن زياد؟ قلت: هو في المسجد، قال: وكان العلاء يجلس في المسجد، ويدعو بدعوات، ويحدث قال هشام: فأتيت العلاء فخفف من حديثه وصلى ركعتين، ثم جاء فلما رآه العلاء تبسَّم فبَدَت ثنيته، فقال: هذا، والله، صاحبي قال: فقال العلاء: انزل، رحِمَك الله، قال: فقال الرجل: أدخلني قال، فدخل العلاء منزله، وقال: يا أسماء، تحولي إلى البيت الآخر، قال: فتحولت، ودخل الرجل، وبشره برؤياه، ثم خرج فرَكب، قال: وقام العلاء، فأغلق بابه، وبكى ثلاثة أيام، وقال: سبعة أيام لا يذوق فيهما طعامًا، ولا شرابًا ولا يفتح بابه، قال هشام فسمعته، يقول في خلال بكائه: أنا أنا، قال: فكنا نهابه أن نفتح بابه، وخشيت أن يموت، فأتيت الحسن، فذكرت له ذلك، وقلت: لا أراه إلا ميتًا لا يأكل ولا يشرب باكيًا، قال: فجاء الحسن حتى ضرب عليه بابَه، وقال: افتح، يا أخي، فلما سمع كلام الحسن قام ففتح بابه، وبه من الضر شيءٌ الله به عليم، فكلَّمه الحسن، ثم قال: رحمك الله، ومن أهل الجنة، إن شاء الله، أفقاتل نفسك أنت، قال هشام: حدثنا العلاء لي وللحسن بالرؤيا، وقال: لا تحدثوا بها ما كنت حيًّا".

    لك الله، يا علاء، أئن بشرت بالجنة صمت، وبكيت حتى أشرفت على الموت، لك الله، يا إمام، ولك من اسمك أوفر نصيب.

    (18) صوم سعيد بن المسيب سيد التابعين:
    عالم العلماء كما قال مكحول فقيه الفقهاء.

    حدث يزيد بن أبي حازم أن سعيد بن المسيب كان يسرد الصوم وقال ابن المسيب، ما أذن المؤذن منذ ثلاثين سنة إلاَّ وأنا في المسجد.

    (19) صوم أبي بكر بن عبدالرحمن راهب قريش:
    الإمام أحد فقهاء المدينة السَّبْعة وكان من سادات قريش، قال ابن سعد، كان يقال: له راهب قريش لكثرة صلاته.

    روَى الشَّعبِي عن عمر بن عبدالرحمن أن أخاه أبا بكر كان يصوم ولا يفطر.

    قال الذهبي: "قلت كان أبو بكر بن عبدالرحمن مِمَّن جمع العلم والعمل والشَّرف، وكان ممن خلف أباه في الجلالة".

    (20) صوم عروة بن الزبير:
    عالم المدينة أحد الفقهاء السبعة، وابن حواري رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مُكِّنَ من الطاعة، فاكتسب، وامتُحن بالمحنة، فاحتسب عروة بن الزبير بن العوام المجتهد المتعبد الصوام.

    قال الزهري: "جالست ابن المسيب سبع سنين لا أرى أن عالمًا غيره، ثم تحولت إلى عروة، ففجرت به ثبج بحر.

    وقال أيضًا: رأيت عروة بحرًا لا تُكدِّر الدلاء".

    عن هشام بن عروة أن أباه كان يصوم الدهر إلا يوم الفطر ويوم النحر، ومات وهو صائم ويعفوا يقولون له: أفطر فلم يفطر.

    وعن هشام بن عروة أن أباه كان يسرد الصوم.

    وعن هاشم أن أباه وقعت في رجله الأكلة، فقال ألا ندعو لك طبيبًا؟ قال: إن شئتم، فقالوا: نسقيك شرابًا يزول فيه عقلك؟ قال: امض لشأنك إن ربي ابتلاني ليرى صبري ما كنت أظن أن خلقًا يشرب ما يزيل عقله حتى لا يعرف به فوضع المنشار على ركبته اليسرى فما سمعنا له حسًّا، فلما قطعها جعل يقول لئن أخذت، لقد أبقيت، ولئن ابتليت، لقد عافيت، وما ترك جزءه بالقرآن تلك الليلة.

    وعن عبدالواحد مولى عروة قال: شهدت عروة بن الزبير قطع رجله من المعضل، وهو صائم.

    والله، لكأنها الأعاجيب، ولا تعجب؛ فإن أمه أسماء، وأبوه الحواري، وجدته صفية، وخالته عائشة، وجده الصديق.

    [poem=font="traditional arabic,6,blue,bold,normal " bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4," type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black""]
    فما استخبأت في رجل خبيثا=كمثل الدين أو حسب عتيق
    ذووا الأحساب من تراث=مخبرات وأصبر عن نائبة الحقوق
    [/poem]

    (21) صوم سليمان بن يسار:
    الفقيه الإمام عالم المدينة وفقيهها، عن أبي الزناد قال: كان سليمان بن يسار يصوم الدهر.

    وكان أخو عطاء يصوم يومًا ويفطر يومًا "صفة الصفوة" (2/84).

    (22) صوم عطاء بن يسار:
    الإمام الفقيه الواعظ المذكر كبير القدر كان يصوم يومًا ويفطر يومًا.

    (23) صوم إبراهيم النخعي:
    التقيُّ الخفي الفقه الرضي الإمام الحافظ، فقيه العراق، ومفتي أهل الكوفة إلى عمران.

    حدثت هنيدة، امرأة إبراهيم، أن إبراهيم كان يصوم يومًا ويفطر يومًا، قال سعيد بن جبير: تستفتوني وفيكم إبراهيم النخعي؟.

    وكان يقول رحمه الله: وددت أني لم أكن تكلمت، ولو وجدت بدًّا من الكلام ما تكلمت، وأن زمانًا صرت فيه فقيهًا لزمان سوء.

    (24) صوم الحسن البصري:
    إمام الدنيا بأسرها، قال عنه أبو جعفر الباقر: ذاك الذي يشبه كلامه كلام الأنبياء.

    قال أيوب السختياني: لو رأيت الحسن لقلت: إنك لم تجالس فقيهًا قط، وقال عنه عطاء: ذاك إمام ضخم يُقتَدَى به، وكان من رؤوس العلماء في الفتن والدماء والفروج.

    وقال علي بن زيد: سمعت من ابن المسيب وعروة والقاسم وغيرهم: ما رأيت مثل الحسن، ولو أدرك الصحابة وله مثل أسنانهم ما تقدموه.

    قال عوف: ما رأيت رجلاً أعلم بطريق الجنة من الحسن.

    رحم الله الحسن نبت في العلم وتحقبه وتشريه، به يسقون، وبه يدفع عنهم، قال السري بن يحيى: "كان الحسن يصوم البِيض، وأشهر الحرم، والاثنين والخميس".

    دعوه لا تلوموه دعوه:
    قيل له يومًا: يا أبا سعيد، أيُّ شيء يدخل الحزن في القلب، فقال: الجوع، قال: فأي شيء يخرجه، قال: الشِّبع، وكان يقول: توبوا إلى الله من كثرة النوم والطعام.

    وكان يقول: إذا لم تقدر على قيام الليل، ولا صيام النهار، فاعلم أنك محروم قد كبَّلَتْك الخطايا والذُّنوب.

    [poem=font="traditional arabic,6,royalblue,bold,n ormal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4," type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black""]
    دعوة لا تلوموه دعوه=فقد علم الذي لم تعلموه
    رأى علم الهدىفسمى إليه=وطالب مطلبا لم تطلبوه
    أجاب دعاءه لما دعاه=وقام بأمره وأضعتموه
    بنفسي ذاك من فطن لبيب=تذوق مطعما لم تطعموه
    [/poem]


    هذا قول الحسن، وبكاء الحسن، وهذا صدق رضيع أم سلمة كان يقول، وهو يبكي: أي رب، ما أخسر صفقة من صرف عن بابك، وضرب دونه حجابك، ثم أنشد:

    [poem=font="traditional arabic,6,blue,bold,normal " bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4," type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black""]
    إذا لم أشكرك جهدي وطاقتي=ولم أصف من قلبي لك الود أجمعا
    فلا سلمت نفسي من القسم ساعة=ولا أبصرت من الشمس مطلعا
    [/poem]

    ثم استغفر، وبكى وقال: القلب الذي يحب الله يحب التعب ويؤثر النصب، هيهات، لا ينال الجنة من يؤثر الراحة، من أحب ما عند الله سخا بنفسه إن صدق، وترك الأمانيَّ؛ فإنها سلاح النوكي.

    (25) صوم ابن سيرين:
    ابن سيرين الإمام شيخ الإسلام.

    عن حبيب بن الشهيد كنت عند عمرو بن دينار، فقال: "والله ما رأيت مثل طاووس، فقال أيوب السختياني، وكان جالسًا: والله لو رأى محمد بن سيرين لم يقله.

    وعن ابن عون قال: ثلاثة لم تَرَ عيناني مثلهم: ابن سيرين بالعراق، والقاسم بن محمد بالحجا، ورجاء بن حيوة بالشام؛ كأنهم التقوا فتواصوا.

    ذكر محمد عند أبي قلابة فقال: اصرفوه كيف شئتم، فلتجِدْنه أشدكم ورعًا، وأملككم لنفسه، ومَن يَستَطِع ما يطيق محمد يركب مثل حدِّ السنان.

    عن أيُّوب قال: كان محمد يصوم يومًا ويفطر يومًا، قال ابن عون: كان محمد من أشد الناس إزارًا على نفسه.

    (26) صوم عبدالرحمن بن الأسود بن يزيد النخعي:
    الإمام بن الإمام، قال هلال بن خبَّاب: كان عبدالرحمن بن الأسود وعقبة مولى أديم وسعد أبو هشام - يحرمون من الكوفة، ويصومون يومًا، ويفطرون يومًا حتى يرجعوا.

    وعن الحكم أن عبدالرحمن بن الأسود لما احتضر بكى فقيل له: ما يبكيك؟ فقال: أسفًا على الصلاة والصوم، ولم يزل يتلو حتى مات.

    قال الشعبي: أهل بيت خلقوا للجنة: علقمة، والأسود، وعبد الرحمن.

    وروي أن عبدالرحمن صام حتى أحرق الصوم لسانه.

    (27) صوم عبدالرحمن بن أبي نعم البجلي الكومي:
    الإمام الحجة القدوة الربَّاني أبو الحكم.

    قال بكير بن عامر: كان لو قيل له: قد توجَّه إليك ملك الموت - ما كان عنده زيارة عمل.

    قال عبدالملك بن أبي سليمان: كان يفطر في الشهر مرتين، ورُويَ أنه أنكر على الحجاج كثرةَ القتل، فهم به، فقال له: مَن في بطنها أكثر مِمَّن على ظَهْرِها.

    (28) صوم عراك بن مالك الغفاري:
    أحد العلماء العاملين كان يسرد الصوم، وقال عمر بن عبدالعزيز: ما أعلم أحدًا أكثر صلاةً من عراك بن مالك.

    (29) صوم منصور بن المعتمر
    حليف الصيام والقيام، خفيف التطعم والمنام، الحافظ القدوة أبو عتاب السلمي.

    قال أبو بكر بن عباس: رحم الله منصورًا؛ كان صوامًا قوامًا، قال الثوري: لو رأيت منصور بن المعتمر، لقلت: يوم الساعة.

    حدَّث زائدة أن منصورًا صام أربعين سنة، وقام ليلها، وكان يبكي، فتقول له أمه، يا بني، قتلت قتيلاً؟ فيقول: أنا أعلم بما صنعت بنفسي، فإذا كان الصبح أكحل عينيه، ودهن رأسه، وبرق شفته، وخرج إلى الناس.

    وذكر سفيان بن عيينة منصورًا فقال: قد كان عَمِي من البكاء، وقال سفيان: إن منصور بن المعتمر صام ستين سنة؛ يقوم ليلها، ويصوم نهارها.

    عن مفضل قال: حبس ابن هبيرة منصورًا شهرًا على القضاء يريده عليه فأبى، وقيل: إنه أحضر قيدًا ليقيده به ثم خلاه، وكانت أمه فظَّة عليه، تصيح به، وتقول: يا منصور، يريدك ابن هبيرة على القضاء فتأبى؟ وهو واضع لِحيَته على صدره ما يَرفَع طرفه إليها.

    (30) صيام سليمان بن طرخان:
    الإمام شيخ الإسلام، أبو المعتمر التيمي كان مقدمًا في العلم والعمل.

    عن محمد بن عبدالأعلى قال لي معتمر بن سلميان: لولا أنك من أهلي ما حدثتك بذا عن أبي، مكث أبي أربعين سنة؛ يصوم يومًا، ويفطر يومًا، ويصلي صلاة الفجر بوضوء عشاء الآخرة.

    عَن معاذ بن معاذ ما أتيْنا سلميان التيمي في ساعة يطاع الله فيها إلا وجدناه مطيعًا.

    قال حمد بن سلمة عن سليمان التيمي: كنا نرى أنه لا يحسن يعصي الله.

    عن عبدالله بن المبارك، قال: أقاسم سليمان التيمي أربعين سنة إمام الجامع بالبصرة يصلي العشاء والصبح بوضوء واحد.

    وعن حماد بن سلمة، قال: لم يضع سليمان التيمي جنبه بالأرض، أي: ليلاً عشرين سنة.

    عن شعبة قال: ما رأيت أحدًا أصدق من سليمان التيمي - رحمه الله - كان إذا حدث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - تغير لونه.

    (31) صوم الزهري:
    الإمام العلم حافظ زمانه محمد بن شهاب الزهري.

    عن معاذ بن صالح أن أبا جبلة حدثه، قال: كنت مع ابن شهاب في سفر، وصام يوم عاشوراء، فقيل له: لِمَ تصوم وأنت تفطر في رمضان في السفر؟ فقال: إن رمضان له عدة من أيام أخر، وإن عاشوراء يفوت.

    (32) صوم ابن جريح:
    الإمام الحافظ شيخ الحرم أبو الوليد عبدالملك بن عبدالعزيز بن جريج القرشي.

    قال عطاء بن أبي رباح: سيِّدُ شباب أهل الحجاز ابنُ جريج.

    قال عبدالرزاق: ما رأيتُ أحسن صلاة من ابن جريج.

    وقال: كنتُ إذا رأيت ابنَ جريج أُعْلِمْت أنه يخشى الله.

    قال أبو عاصم النبيل: كان ابن جريج من العباد؛ كان يصوم الدهر سوى ثلاثة أيام من الشهر.

    (33) صوم عبدالله بن عون:
    ابن أرطبان سيد القرآن في زمانه، الإمام القدوة، الحافظ، عالم البصرة، الحافظ للسانه، الضابط لأركانه.

    عن خارجة بن مصعب قال: صحبت عبدالله، يعني: ابن عون، أربعًا وعشرين سنة، فما أعلم أن الملائكة كتبت عليه خطيئة.

    قال الذهبي: كان ابن عون عديم النظر في وقته زهدًا وصلاحًا.

    قال ابن المبارك: ما رأيت مصليًا مثل ابن عون، وما رأيت أحدًا ممن ذكر لي إلا كان إذا رأيت دون ما ذكر لي إلا ابن عون وحيوة بن شريح.

    قال بكار بن محمد: كان ابن عون يصوم يومًا ويفطر يومًا.

    قال الأوزاعي: إذا مات ابن عون والثوري استوى الناس، وقال: لو خيِّرت لهذه الأمة مَن ينظر لها ما اخترت إلا الثوري وابن عون.

    (34) صوم داود بن أبي هند:
    أبو بكر، الإمام الحافظ الثقة مفتي أهل البصرة.

    قال حماد بن زيد: ما رأيت أحدًا أفقه من داود.

    قال ابن جريج: ما رأيت مثل داود بن أبي هند، إن كان ليفرع العلم فرعًا.قال الفلاس: سَمِعْت ابن أبي عون يقول: صام داود بن أبي هند أربعين سنة لا يعلم به أهله – وكان خزازًا – يحمل معه غذاءه فيتصدق به في الطريق.

    قال ابن الجوزي: يظن أهل السوق أنه قد أكل في البيت، ويظن أهله أنه قد أكل في السوق.

    [poem=font="traditional arabic,6,blue,bold,normal " bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4," type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black""]
    ومستفتر عن سر يومي رددته=فأصبح في يومي بغير يقين
    يقولون خبرنا فأنت أمينها=وما أنا إن خبرتهم بأمين
    [/poem]

    قال محمد بن أبي عَدِي: أقبَل عليْنَا داود، فقال: يا فتيان، أخبركم، لعل بعضكم أن ينتفع به، كنت وأنا غلام أختلف إلى السوق، فإذا انقلبت إلى البيت جعلت على نفسي أن أذكر الله إلى مكان كذا وكذا، فإذا بلغت إلى ذلك المكان جعلت على نفسي أن أذكر الله كذا وكذا، حتى أتي المنزل، رحمك الله، يا إمام، صِيَام مع صدقة مع ذكر مع علم وفقه وحديث، حُزْت الخير أجمعه.

    (35) صوم ابن أبي ذئب:
    الإمام شيخ الإسلام أبو الحارث محمد بن عبدالرحمن بن أبي ذئب القرشي.

    قال أحمد: كان يشبه بسعيد بن المسيب، فقيل لأحمد خلف مثله قال: لا، ثم قال: كان أفضل من مالك، إلا أن مالكًا - رحمه الله - أشد تنقية للرجال منه – كان يصلي الليل أجمع، ويجتهد في العبادة، ولو قيل له: إن القيامة تقوم غدًا ما كان فيه مزيد من الاجتهاد.

    قال أخوه: كان أخي يصوم يومًا ويفطر يومًا، ثم سرد الصوم، وكان شديد الحال، يتعشَّى الخبز والزيت.

    قال أحمد بن حنبل: إن ابن أبي ذئب ثقة قد دخل على أبي جعفر المنصور فلم يَهَبْه أن قال له الحق وقال: الظلم ببابك فاشٍ، وأبو جعفر أبو جعفر.

    (36) صوم شعبة الخير أبي بسطام:
    سيد المحدثين كما قال سليمان بن المغيرة - الضخم الذي يحدث عن الضخامالإمام المشهور والعلم المنثور، شعبة بن الحجاج، الإمام أمير المؤمنين في الحديث، كان الثوري يقول: أستاذنا شعبة.

    وقال حمزة بن زياد عن شعبة: كان قد يبس جلده على عظمه من العبادة.

    وقال أبو بكر البكراوي: ما رأيت أعبد لله من شعبة؛ لقد عبدالله حتى جف جلده على عظمه من العبادة.

    وقال عمر بن هارون: كان شعبة يصوم الدهر كله لا يُرَى عليه.

    قال أبو قطن: كانت ثياب شعبة لونها لون التراب، وكان كثير الصلاة كثير الصيام سخي النفس.

    قال شعبة: كل من سَمِعْت منه حدثنا فأنا له عبد.

    قال يحيى بن معين: شعبة إمام المتقين.

    وقال ابن مهدي: ما رأيت أحدًا أكثر تقشُّفًا من شُعبَة.

    قال عبدالسلام بن مطهر: ما رأيت أمعن في العبادة من شعبة.

    (37) صوم غندر:
    الحافظ المجود أبو عبدالله محمد بن جعفر الهندي، لزم شعبة عشرين سنة.

    قال يحيى بن معين: أخرج غندر إلينا ذات يوم جرابًا فيه كتب، فقال: اجتهدوا أن تخرجوا فيه خطأ قال: فما وجدنا فيه شيئًا، وكان يصوم يومًا، ويفطر يومًا منذ خمسين سنة.

    قال ابن مهدي: كنَّا نستفيد من كتب غندر في حياة شعبة.

    وقال غندر: أثبت في شعبة مني.

    (38) صوم معروف الكرخي:
    الملهوف إلى المعروف، عن الفاني مصروف، وبالباقي مشغوف، وبالتحف محفوف وللُّطَف مألوف، الكرخي أبو محفوظ معروف علم الزُّهاد، بركة العصر أبو محفوظ البغدادي.

    قال ابن حنبل: وهل يراد من العلم إلا ما وصل إليه معروف؟

    قال ابن عبيد لإسماعيل بن شداد ما فعل ذلك الحبر الذي منكم ببغداد؟ قلنا: من هو؟ قال: أبو محفوظ معروف، قلنا: من هو؟ قال: أبو محفوظ معروف قلنا: بخير، قال: لا يزال أهل تلك المدينة بخير ما بقي فيهم.

    سئل: كيف تَصُوم؟ فغالط السائل وقال: صوم نبينا - صلى الله عليه وسلم - كان كذا وكذا وصوم داود كذا وكذا، فألح عليه فقال: أصبح دهري صائمًا، فمن دعاني أكلت، ولم أقل: إني صائم.

    قال عبيد بن محمد الوراق: مر معروف - وهو صائم - بسقاء يقول - رحمه الله -: من شرب فشرب رجاء الرحمة.

    وكان - رحمه الله - يقول: إن صليت بكم هذه الصلاة لا أصلي بكم ثانية، نعوذ بالله من طول الأمل؛ فإنه يمنع خير العمل.

    وكان يقول إذا أراد الله بعبد شرًّا أغلق عنه باب العمل، وفتح عليه باب الجدل.

    وعنه قال: ما أكثر الصالحين وما أقل الصادقين.

    (39) صوم أحمد بن حرب:
    الإمام القدوة شيخ نيسابور أبو عبدالله النيسابوري، كان من كبار الفقهاء والعباد، من صحَّت بدايته صحَّت نهايته أجسام ذللت منذ الصغر لخدمة سيدها ومولاها.

    قال زكريا بن حرب: ابتدأ أخي بالصوم، وهو في الكتاب، فلما راهق، حجَّ مع أخيه الحسين بن حرب، فأقاما بالكوفة للطلب، وبالبصرة وبغداد، ثم أقبل على العبادة لا يفتُر، وأخذ في المواعظ والتذكير، وحث على العبادة، وأقبلوا على مجلسه.

    هكذا صوم منذ الصغر مثلما كان ابن حنبل يحيى الليل، وهو غلام.

    قال محمد بن يحيى: مرَّ أحمد بن حرب بصبيان يلعبون، فقال أحدهم: أفسِحوا فإن هذا أحمد بن حرب الذي نام الليل فقبض على لحيته، وقال الصبيان: يهابونك وأنت تنام فأحيا الليل بعد ذلك حتى مات.


    شكرا لكاتب المقالة سيد حسين العفاني وجعلها الله في ميزان حسناته

     
  2. #2
    صناع الحياة has a reputation beyond repute صناع الحياة has a reputation beyond repute صناع الحياة has a reputation beyond repute صناع الحياة has a reputation beyond repute صناع الحياة has a reputation beyond repute صناع الحياة has a reputation beyond repute صناع الحياة has a reputation beyond repute صناع الحياة has a reputation beyond repute صناع الحياة has a reputation beyond repute صناع الحياة has a reputation beyond repute صناع الحياة has a reputation beyond repute الصورة الرمزية صناع الحياة
    تاريخ التسجيل
    09 / 06 / 2005
    الدولة
    مصر
    العمر
    52
    المشاركات
    21,349
    معدل تقييم المستوى
    26561

    افتراضي رد: صوم الصالحين (سادات الصائمين (13 - 39))

    جزاك الله كل الخير
    شكرا لك وبارك الله فيك
    وإلى الأمام دائما

     
  3. #3
    ابو مالك has a reputation beyond repute ابو مالك has a reputation beyond repute ابو مالك has a reputation beyond repute ابو مالك has a reputation beyond repute ابو مالك has a reputation beyond repute ابو مالك has a reputation beyond repute ابو مالك has a reputation beyond repute ابو مالك has a reputation beyond repute ابو مالك has a reputation beyond repute ابو مالك has a reputation beyond repute ابو مالك has a reputation beyond repute الصورة الرمزية ابو مالك
    تاريخ التسجيل
    20 / 03 / 2007
    الدولة
    الأردن
    العمر
    51
    المشاركات
    6,574
    معدل تقييم المستوى
    7072

    افتراضي رد: صوم الصالحين (سادات الصائمين (13 - 39))

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة صناع الحياة مشاهدة المشاركة
    جزاك الله كل الخير
    شكرا لك وبارك الله فيك
    وإلى الأمام دائما

    الشكر موصول لك أخ صناع الحياة على تواجدك الدائم

     
  4. #4
    محب العلم is on a distinguished road
    تاريخ التسجيل
    25 / 01 / 2007
    الدولة
    السعودية
    المشاركات
    9
    معدل تقييم المستوى
    235

    افتراضي رد: صوم الصالحين (سادات الصائمين (13 - 39))

    شكر الله لكاتب المقال هذا الإبداع إلا أني تمنيت عليه أن علق على بعض المواضع التي تحتاج إلى تعليق وأن من أكمل الهدي هو هدي محمد صلى الله عليه وسلم وهو فيه الخير والفلاح أما ما حصل من بعض الصالحين من تجويع زائد ورغبة عن النساء وطول السهر وعدم النوم او النوم واقفا فهذا فيه مخالفة لهدي سيد المرسلين بأبي هو وأمي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماُ كثيرا والله الموفق والمعين على أمور الدنيا والدين ولعل لي عودة على هذه المقالة لتعليق عليها واستخراج العبر منها وفق الله الجميع لما يحب ويرضى

     
  5. #5
    ابو مالك has a reputation beyond repute ابو مالك has a reputation beyond repute ابو مالك has a reputation beyond repute ابو مالك has a reputation beyond repute ابو مالك has a reputation beyond repute ابو مالك has a reputation beyond repute ابو مالك has a reputation beyond repute ابو مالك has a reputation beyond repute ابو مالك has a reputation beyond repute ابو مالك has a reputation beyond repute ابو مالك has a reputation beyond repute الصورة الرمزية ابو مالك
    تاريخ التسجيل
    20 / 03 / 2007
    الدولة
    الأردن
    العمر
    51
    المشاركات
    6,574
    معدل تقييم المستوى
    7072

    افتراضي رد: صوم الصالحين (سادات الصائمين (13 - 39))

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محب العلم مشاهدة المشاركة
    شكر الله لكاتب المقال هذا الإبداع إلا أني تمنيت عليه أن علق على بعض المواضع التي تحتاج إلى تعليق وأن من أكمل الهدي هو هدي محمد صلى الله عليه وسلم وهو فيه الخير والفلاح أما ما حصل من بعض الصالحين من تجويع زائد ورغبة عن النساء وطول السهر وعدم النوم او النوم واقفا فهذا فيه مخالفة لهدي سيد المرسلين بأبي هو وأمي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماُ كثيرا والله الموفق والمعين على أمور الدنيا والدين ولعل لي عودة على هذه المقالة لتعليق عليها واستخراج العبر منها وفق الله الجميع لما يحب ويرضى
    شكرا لمرورك على مشاركتي وشكرا لتعقيبك على المشاركة

    ** أُحِلّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصّيَامِ الرّفَثُ إِلَىَ نِسَآئِكُمْ هُنّ لِبَاسٌ لّكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لّهُنّ عَلِمَ اللّهُ أَنّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالاَنَ بَاشِرُوهُنّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتّىَ يَتَبَيّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمّ أَتِمّواْ الصّيَامَ إِلَى الّليْلِ وَلاَ تُبَاشِرُوهُنّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيّنُ اللّهُ آيَاتِهِ لِلنّاسِ لَعَلّهُمْ يَتّقُونَ" البقرة الآية 187

    هذه رخصة من الله تعالى للمسلمين, ورفع لما كان عليه الأمر في ابتداء الإسلام, فإنه كان إذا أفطر أحدهم إنما يحل له الأكل والشرب والجماع إلى صلاة العشاء أو ينام قبل ذلك, فمتى نام أو صلى العشاء حرم عليه الطعام والشراب والجماع إلى الليلة القابلة, فوجدوا من ذلك مشقة كبيرة, والرفث هنا هو الجماع, قاله ابن عباس وعطاء ومجاهد وسعيد بن جبير وطاوس وسالم بن عبد الله وعمرو بن دينار والحسن وقتادة والزهري والضحاك وإبراهيم النخعي والسدي وعطاء الخراساني ومقاتل بن حيان, وقوله {هن لباس لكم وأنتم لباس لهن} قال ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير والحسن وقتادة والسدي ومقاتل بن حيان: يعني هن سكن لكم وأنتم سكن لهن, وقال الربيع بن أنس: هن لحاف لكم وأنتم لحاف لهن, وحاصله: أن الرجل والمرأة كل منهما يخالط الاَخر ويماسه ويضاجعه, فناسب أن يرخص لهم في المجامعة في ليل رمضان لئلا يشق ذلك عليهم ويحرجوا, قال الشاعر:
    إذا ما الضجيع ثنى جيدهاتداعت فكانت عليه لباسا
    وكان السبب في نزول هذه الاَية كما تقدم في حديث معاذ الطويل, وقال أبو إسحاق عن البراء بن عازب, كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان الرجل صائماً فنام قبل أن يفطر لم يأكل إلى مثلها, وإن قيس بن صرمة الأنصاري كان صائماً وكان يومه ذلك يعمل في أرضه, فلما حضر الإفطار أتى امرأته فقال: هل عندك طعام ؟ قالت: لا, ولكن أنطلق فأطلب لك, فغلبته عينه فنام, وجاءت امرأته, فلما رأته نائماً قالت: خيبة لك أنمت ؟ فلما انتصف النهار غشي عليه فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الاَية {أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم ـ إلى قوله ـ وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر} ففرحوا بها فرحاً شديداً, ولفظ البخاري ههنا من طريق أبي إسحاق سمعت البراء, قال: لما نزل صوم رمضان كانوا لا يقربون النساء رمضان كله, وكان رجال يخونون أنفسهم, فينزل الله {علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم} وقال علي بن أبي طلحة, عن ابن عباس, قال: كان المسلمون في شهر رمضان إذا صلوا العشاء, حرم عليهم النساء والطعام إلى مثلها من القابلة, ثم إن أناساً من المسلمين أصابوا من النساء والطعام في شهر رمضان بعد العشاء, منهم عمر بن الخطاب فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, فأنزل الله تعالى: {علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالاَن باشروهن} الاَية, وكذا روى العوفي عن ابن عباس, وقال موسى بن عقبة عن كريب عن ابن عباس, قال: إن الناس كانوا قبل أن ينزل في الصوم ما نزل فيهم, يأكلون ويشربون ويحل لهم شأن النساء, فإذا نام أحدهم لم يطعم ولم يشرب ولا يأتي أهله حتى يفطر من القابلة, فبلغنا أن عمر بن الخطاب بعد ما نام ووجب عليه الصوم وقع على أهله, ثم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أشكو إلى الله وإليك الذي صنعت. قال: «وما صنعت» ؟ قال: إني سولت لي نفسي, فوقعت على أهلي بعد ما نمت, وأنا أريد الصوم, فزعموا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما كنت خليقاً أن تفعل» فنزل الكتاب {أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم} وقال سعد بن أبي عروبة عن قيس بن سعد, عن عطاء بن أبي رباح, عن أبي هريرة في قول الله تعالى: {أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم ـ إلى قوله ـ ثم أتموا الصيام إلى الليل} قال: كان المسلمون قبل أن تنزل هذه الاَية إذا صلوا العشاء الاَخرة, حرم عليهم الطعام والشراب والنساء حتى يفطروا, وأن عمر بن الخطاب أصاب أهله بعد صلاة العشاء, وأن صرمة بن قيس الأنصاري غلبته عيناه بعد صلاة المغرب, فنام ولم يشبع من الطعام, ولم يستقيظ حتى صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العشاء, فقام فأكل وشرب, فلما أصبح أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بذلك, فأنزل الله عند ذلك {أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نساءكم} يعني بالرفث مجامعة النساء {هن لباس لكم وأنتم لباس لهن علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم} يعني تجامعون النساء وتأكلون وتشربون بعد العشاء {فتاب عليكم وعفا عنكم فالاَن باشرون} يعني جامعوهن {وابتغوا ما كتب الله لكم} يعني الولد {وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل} فكان ذلك عفواً من الله ورحمة, وقال هشيم عن حصين بن عبد الرحمن عن عبد الرحمن بن أبي ليلى, قال: قام عمر بن الخطاب رضي الله عنه, فقال: يا رسول الله, إني أردت أهلي البارحة على ما يريد الرجل أهله, فقالت: إنها قد نامت فظننتها تعتل فواقعتها, فنزل في عمر {أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم} وهكذا رواه شعبة عن عمرو بن مرة عن ابن أبي ليلى به, وقال أبو جعفر بن جرير: حدثني المثنى, حدثنا سويد, أخبرنا ابن المبارك, عن أبي لهيعة, حدثني موسى بن جبير مولى بني سلمة, أنه سمع عبد الله بن كعب بن مالك يحدث عن أبيه قال: كان الناس في رمضان إذا صام الرجل فأمسى فنام حرم عليه الطعام والشراب والنساء حتى يفطر من الغد, فرجع عمر بن الخطاب من عند النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة وقد سمر عنده, فوجد امرأته قد نامت فأرادها فقالت: إني قد نمت, فقال: ما نمت, ثم وقع بها, وصنع كعب بن مالك مثل ذلك, فغدا عمر بن الخطاب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فأنزل الله: {علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالاَن باشروهن} الاَية, وهكذا روي عن مجاهد وعطاء وعكرمة وقتادة وغيرهم في سبب نزول هذه الاَية في عمر بن الخطاب ومن صنع كما صنع, وفي صرمة بن قيس, فأباح الجماع والطعام الشراب في جميع الليل رحمة ورخصة ورفقاً.
    وقوله: {وابتغوا ما كتب الله لكم} قال أبو هريرة وابن عباس وأنس وشريح القاضي ومجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير وعطاء والربيع بن أنس والسدي وزيد بن أسلم والحكم بن عتبة ومقاتل بن حيان والحسن البصري والضحاك وقتادة وغيرهم: يعني الولد: وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: {وابتغوا ما كتب الله لكم} يعني الجماع, وقال عمرو بن مالك البكري عن أبي الجوزاء عن ابن عباس {وابتغوا ما كتب الله لكم} قال: ليلة القدر, رواه ابن أبي حاتم وابن جرير. وقال عبد الرزاق: أخبرنا معمر, قال: قال قتادة: ابتغوا الرخصة التي كتب الله لكم, يقول: ما أحل الله لكم, وقال عبد الرزاق أيضاً: أخبرنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن عطاء بن ابي رباح, قال: قلت لابن عباس: كيف تقرأ هذه الاَية {وابتغوا ما كتب الله لكم} ؟ قال: أيتهما شئت, عليك بالقراءة الأولى, واختار ابن جرير أن الاَية أعم من هذا كله.
    و قوله {وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل} أباح تعالىَ الأكل والشرب مع ما تقدم من إباحة الجماع في أي الليل شاء الصائم إلى أن يتبين ضياء الصباح من سواد الليل, وعبر عن ذلك بالخيط الأبيض من الخيط الاَسود, ورفع اللبس بقوله {من الفجر} كما جاء في الحديث الذي رواه الإمام أبو عبد الله البخاري: حدثني ابن أبي مريم, حدثنا أبو غسان محمد بن مطرف, حدثنا أبو حازم عن سهل بن سعد, قال: أنزلت {وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود} ولم ينزل {من الفجر} وكان رجال إذا أرادوا الصوم ربط أحدهم في رجليه الخيط الأبيض والخيط الأسود, فلا يزال يأكل حتى يتبين له رؤيتهما, فأنزل الله بعد {من الفجر} فعلموا أنه يعني الليل والنهار. وقال الإمام أحمد: حدثنا هشام, أخبرنا حصين عن الشعبي, أخبرني عدي بن حاتم قال: لما نزلت هذه الاَية {وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود} عدت إلى عقالين: أحدهما أسود والاَخر أبيض, قال: فجعلتهما تحت وسادتي, قال: فجعلت أنظر إليهما, فلما تبين لي الأبيض من الأسود أمسكت, فلما أصبحت غدوت إلى رسول الله فأخبرته بالذي صنعت, فقال «إن وسادك إذا لعريض إنما ذلك بياض النهار من سواد الليل» أخرجاه في الصحيحين من غير وجه عن عدي, ومعنى قوله: إن وسادك إذا لعريض, أي إن كان ليسع الخيطين: الخيط الأسود والأبيض المرادين من هذه الاَية تحتها, فإنهما بياض النهار وسواد الليل, فيقتضي أن يكون بعرض المشرق والمغرب, وهكذا وقع في رواية البخاري مفسراً بهذا, حدثنا موسى بن إسماعيل, حدثنا أبو عوانة عن حصين, عن الشعبي, عن عدي, قال: أخذ عدي عقالاً أبيض وعقالاً أسود, حتى كان بعض الليل نظر فلم يستبينا, فلما أصبح قال يا رسول الله جعلت تحت وسادتي, قال «إن وسادك إذا لعريض, إن كان الخيط الأبيض والأسود تحت وسادتك» وجاء في بعض الألفاظ «إنك لعريض القفا» ففسره بعضهم بالبلادة, وهو ضعيف, بل يرجع إلى هذا لأنه إذا كان وساده عريضاً فقفاه أيضاً عريض, والله أعلم. ويفسره رواية البخاري أيضاً حدثنا قتيبة حدثنا جرير عن مطرف عن الشعبي عن عدي بن حاتم قال قلت يا رسول الله ما الخيط الأبيض من الخيط الأسود, أهما الخيطان ؟ قال: «إنك لعريض القفا إن أبصرت الخيطين, ثم قال: لا بل هو سواد الليل وبياض النهار».
    وفي إباحته تعالى جواز الأكل إلى طلوع الفجر دليل عى استحباب السحور لأنه من باب الرخصة والأخذ بها محبوب, ولهذا وردت السنة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحث على السحور ففي الصحيحين عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «تسحروا فإن في السحور بركة» وفي صحيح مسلم عن عمرو بن العاص رضي الله عنه, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحور» وقال الإمام أحمد, حدثنا إسحاق بن عيسى هو ابن الطباع, حدثنا عبد الرحمن بن زيد عن أبيه, عن عطاء بن يسار, عن أبي سعيد, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «السحور أكلة بركة فلا تدعوه, ولو أن أحدكم تجرع جرعة ماء, فإن الله وملائكته يصلون على المتسحرين» وقد ورد في الترغيب في السحور أحاديث كثيرة حتى ولو بجرعة ماء تشبهاً بالاَكلين, ويستحب تأخيره إلى وقت انفجار الفجر, كما جاء في الصحيحين عن أنس بن مالك, عن زيد بن ثابت قال: تسحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قمنا إلى الصلاة, قال أنس: قلت لزيد: كم كان بين الاَذان والسحور ؟ قال: قدر خمسين آية. وقال الإمام أحمد: حدثنا موسى بن داود, حدثنا ابن لهيعة, عن سالم بن غيلان, عن سليمان بن أبي عثمان, عن عدي بن حاتم الحمصي, عن أبي ذر, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا تزال أمتي بخير ما عجلوا الإفطار وأخروا السحور» وقد ورد أحاديث كثيرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سماه الغذاء المبارك, وفي الحديث الذي رواه الإمام أحمد والنسائي وابن ماجه من رواية حماد بن سلمة, عن عاصم بن بهدلة, عن زر بن حبيش عن حذيفة, قال: تسحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم, وكان النهار إلاَ أن الشمس لم تطلع, وهو حديث تفرد به عاصم بن أبي النجود, قاله النسائي, وحمله على أن المراد قرب النهار, كما قال تعالى: {فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهنّ بمعروف أو فارقوهن بمعروف} أي قاربن انقضاء العدة فإما إمساك بمعروف أو ترك للفراق, وهذا الذي قاله هو المتعين حمل الحديث عليه أنهم تسحروا ولم يتيقنوا طلوع الفجر, حتى أن بعضهم ظن طلوعه وبعضهم لم يتحقق ذلك, وقد روى عن طائفة كثيرة من السلف, أنهم تسامحوا في السحور عند مقاربة الفجر, روي مثل هذا عن أبي بكر وعمر وعلي وابن مسعود وحذيفة وأبي هريرة وابن عمر وابن عباس وزيد بن ثابت, وعن طائفة كثيرة من التابعين منهم محمد بن علي بن الحسين وأبو مجلز وإبراهيم النخعي وأبو الضحى وأبو وائل وغيره من أصحاب ابن مسعود وعطاء والحسن والحاكم بن عيينة ومجاهد وعروة بن الزبير وأبو الشعثاء جابر بن زيد, وإليه ذهب الأعمش وجابر بن راشد, وقد حررنا أسانيد ذلك في كتاب الصيام المفرد, ولله الحمد, وحكى أبو جعفر بن جرير في تفسيره عن بعضهم: أنه إنما يجب الإمساك من طلوع الشمس كما يجوز الإفطار بغروبها. (قلت) وهذا القول ما أظن أحداً من أهل العلم يستقر له قدم عليه, لمخالفته نص القرآن في قوله {وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل} وقد ورد في الصحيحين من حديث القاسم عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يمنعكم أذان بلال عن سحوركم, فإنه ينادي بليل فكلوا واشربوا حتى تسمعوا أذان ابن أم مكتوم فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر» لفظ البخاري, وقال الإمام أحمد: حدثنا موسى بن داود, حدثنا محمد بن جابر عن قيس بن طلق عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال» ليس الفجر المستطيل في الأفق ولكن المعترض الأحمر» ورواه الترمذي ولفظهما «كلوا واشربوا ولا يهيدنكم الساطع المصعد فكلوا واشربوا حتى يعترض لكم الأحمر» وقال ابن جرير: حدثنا محمد بن المثنى, حدثنا عبد الرحمن بن مهدي, حدثنا شعبة عن شيخ من بني قشير, سمعت سمرة بن جندب يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا يغرنكم نداء بلال وهذا البياض حتى ينفجر الفجر أو يطلع الفجر», ثم رواه من حديث شعبة وغيره, عن سواد بن حنظلة, عن سمرة, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا يمنعكم من سحوركم أذان بلال ولا الفجر المستطيل ولكنه الفجر المستطير في الأفق», قال: وحدثني يعقوب بن إبراهيم حدثنا بن علية عند عبد الله بن سوادة القشيري عن أبيه, عن سمرة بن جندب, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا يغرنكم أذان بلال ولا هذا البياض ـ لعمود الصبح ـ حتى يستطير» رواه مسلم في صحيحه عن زهير بن حرب, عن إسماعيل بن إبراهيم هو ابن علية مثله سواء, وقال ابن جرير: حدثنا ابن حميد, حدثنا ابن المبارك عن سليمان التيمي, عن أبي عثمان النهدي, عن ابن مسعود, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا يمنعن أحدكم أذان بلال عن سحوره, أو قال نداء بلال, فإن بلالاً يؤذن بليل أو قال ينادي لينبه نائمكم وليرجع قائمكم, وليس الفجر أن يقول هكذا وهكذا حتى يقول هكذا», ورواه من وجه آخر عن التيمي به, وحدثني الحسن بن الزبرقان النخعي حدثني أبو أسامة عن محمد بن أبي ذئب, عن الحارث بن عبد الرحمن, عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان, وإنما هو المستطير الذي يأخذ الأفق فإنه يحل الصلاة ويحرم الطعام» وهذا مرسل جيد وقال عبد الرزاق: أخبرنا ابن جريج عن عطاء: سمعت ابن عباس يقول: هما فجران, فأما الذي يسطع في السماء فليس يحل ولا يحرم شيئاً, ولكن الفجر الذي يستنير على رؤوس الجبال هو الذي يحرم الشراب, وقال عطاء فأما إذا سطع سطوعاً في السماء, وسطوعه أن يذهب في السماء طولاً, فإنه لا يحرم به شراب الصائم ولا صلاة ولا يفوت به الحج, ولكن إذا انتشر على رؤوس الجبال, حرم الشراب للصيام وفات الحج, وهذا إسناد صحيح إلى ابن عباس وعطاء, وهكذا روي عن غير واحد من السلف رحمهم الله.
    (مسألة) ومن جعله تعالى الفجر غاية لإباحة الجماع والطعام والشراب لمن أراد الصيام يستدل على أنه من أصبح جنباً فليغتسل وليتم صومه ولا حرج عليه, وهذا مذهب الأئمة الأربعة وجمهور العلماء سلفاً وخلفاً, لما رواه البخاري ومسلم من حديث عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما أنهما قالتا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبح جنباً من جماع غير احتلام ثم يغتسل ويصوم وفي حديث أم سلمة عندهما: ثم لا يفطر ولا يقضي, وفي صحيح مسلم عن عائشة, أن رجلاً قال: يا رسول الله, تدركني الصلاة وأنا جنب فأصوم ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «وأنا تدركني الصلاة وأنا جنب فأصوم» فقال: لست مثلنا يارسول الله, فقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر, فقال «والله إني لأرجو أن أكون أخشاكم لله وأعلمكم بما أتقي» فأما الحديث الذي رواه الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق عن معمر, عن همام, عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, أنه قال «إذا نودي للصلاة صلاة الصبح وأحدكم جنب فلا يصم يومئذ» فإنه حديث جيد الإسناد على شرط الشيخين كما ترى, وهو في الصحيحين عن أبي هريرة, عن الفضل بن عباس, عن النبي صلى الله عليه وسلم, وفي سنن النسائي عنه عن أسامة بن زيد والفضل بن عباس ولم يرفعه: فمن العلماء من علل هذا الحديث بهذا, ومنهم من ذهب إليه, ويحكى هذا عن أبي هريرة وسالم وعطاء وهشام بن عروة والحسن البصري, ومنهم من ذهب إلى التفرقة بين أن يصبح جنباً نائماً فلا عليه, لحديث عائشة وأم سلمة, أومختاراً فلا صوم له, لحديث أبي هريرة, يحكى هذا عن عروة وطاوس والحسن, ومنهم من فرق بين الفرض فيتم فيقضيه, وأما النفل فلا يضره, رواه الثوري عن منصور, عن إبراهيم النخعي وهو رواية عن الحسن البصري أيضاً, ومنهم من ادعى نسخ حديث أبي هريرة بحديثي عائشة وأم سلمة, ولكن لا تاريخ معه, وادعى ابن حزم أنه منسوخ بهذه الاَية وهو بعيد أيضاً إذ لا تاريخ بل الظاهر من التاريخ خلافه, ومنهم من حمل حديث أبي هريرة على نفي الكمال فلاصوم له, لحديث عائشة وأم سلمة الدالين على الجواز, وهذا المسلك أقرب الأقوال وأجمعها, والله أعلم. {ثم أتموا الصيام إلى الليل} يقتضي الإفطار عند غروب الشمس حكماً شرعياً, كما جاء في الصحيحين عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إذا أقبل الليل من ههنا, وأدبر النهار من ههنا فقد أفطر الصائم» وعن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر» أخرجاه, وقال الإمام أحمد: حدثنا الوليد بن مسلم, حدثنا الأوزاعي, حدثنا قرة بن عبد الرحمن عن الزهري, عن أبي سلمة, عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم «يقول الله عز وجل إن أحب عبادي إليّ أعجلهم فطراً» ورواه الترمذي من غير وجه عن الأوزاعي به, وقال: هذا حديث حسن غريب, وقال أحمد أيضاً: حدثنا عفان, حدثنا عبيد الله بن إياد, سمعت إياد بن لقيط, سمعت ليلى امرأة بشير بن الخصاصية قالت أردت أن أصوم يومين مواصلة, فمنعني بشير وقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنه وقال «يفعل ذلك النصارى, ولكن صوموا كما أمركم الله {ثم أتموا الصيام إلى الليل} فإذا كان الليل فأفطروا» ولهذا ورد في الأحاديث الصحيحة النهي عن الوصال وهو أن يصل يوماً بيوم ولا يأكل بينهما شيئاً, قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق, حدثنا معمر عن الزهري عن أبي سلمة, عن أبي هريرة, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا تواصلوا» قالوا: يارسول الله إنك تواصل, قال «فإني لست مثلكم إني أبيت يطمعني ربي ويسقيني» قال: فلم ينتهوا عن الوصال فواصل بهم النبي صلى الله عليه وسلم يومين وليلتين ثم رأوا الهلال, فقال: «لو تأخر الهلال لزدتكم» كالمنكل لهم, وأخرجاه في الصحيحين من حديث الزهري به, وكذلك أخرجا النهي عن الوصال من حديث أنس وابن عمر, وعن عائشة رضي الله عنهما, قالت: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوصال رحمة لهم, فقالوا: إنك تواصل, قال: «إني لست كهيئتكم إني يطعمني ربي ويسقيني» فقد ثبت النهي عنه من غير وجه وثبت أنه من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم وأنه كان يقوى على ذلك ويعان, والأظهر أن ذلك الطعام والشراب في حقه إنما كان معنوياً لا حسياً, وإلا فلا يكون مواصلاً مع الحسي, ولكن كما قال الشاعر:
    لها أحاديث من ذكراك تشغلهاعن الشراب وتلهيها عن الزاد

    وأما من أحب أن يمسك بعد غروب الشمس إلى وقت السحر فله ذلك, كما في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا تواصلوا فأيكم أراد أن يواصل فليواصل إلى السحر» قالوا: فإنك تواصل يارسول الله صلى الله عليه وسلم, قال «إني لست كهيئتكم, إني أبيت لي مطعم يطعمني وساق يسقيني» أخرجاه في الصحيحين أيضاً, وقال ابن جرير: حدثنا أبو كريب, حدثنا أبو نعيم, حدثنا أبو إسرائيل العبسي عن أبي بكر بن حفص, عن أم ولد حاطب بن أبي بلتعة: أنها مرت برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتسحر فدعاها إلى الطعام, فقالت: إني صائمة, قال: وكيف تصومين. فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم, فقال: أين أنت من وصال آل محمد من السحر إلى السحر» وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق, حدثنا إسرائيل عن عبد الأعلى, عن محمد بن علي, عن علي: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يواصل من السحر إلى السحر, وقد روى ابن جرير عن عبد الله بن الزبير وغيره من السلف: أنهم كانوا يواصلون الأيام المتعددة, وحمله منهم على أنهم كانوا يفعلون ذلك رياضة لأنفسهم لا أنهم كانوا يفعلونه عبادة, والله أعلم. ويحتمل أنهم كانوا يفهمون من النهي أنه إرشاد من باب الشفقة, كما جاء في حديث عائشة: رحمة لهم, فكان ابن الزبير وابنه عامر ومن سلك سبيلهم يتجشمون ذلك ويفعلونه, لأنهم كانوا يجدون قوة عليه, وقد ذكر عنهم أنهم كانوا أول ما يفطرون على السمن والصبر لئلا تتخرق الأمعاء بالطعام أولاً, وقد روي عن ابن الزبير أنه كان يواصل سبعة أيام ويصبح في اليوم السابع أقواهم وأجلدهم, وقال أبو العالية: إنما فرض الله الصيام بالنهار, فإذا جاء بالليل فمن شاء أكل ومن شاء لم يأكل. قوله تعالى: {ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد} قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: هذا في الرجل يعتكف في المسجد في رمضان أو في غير رمضان, فحرم الله عليه أن ينكح النساء ليلاً أو نهاراً حتى يقضي اعتكافه وقال الضحاك كان الرجل إذا اعتكف فخرج من المسجد جامع إن شاء, فقال الله تعالى: {ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد} أي لا تقربوهن ما دمتم عاكفين في المسجد ولا في غيره. وكذا قال مجاهد وقتادة وغير واحد: أنهم كانوا يفعلون ذلك حتى نزلت هذه الاَية, قال ابن أبي حاتم: روي عن ابن مسعود ومحمد بن كعب ومجاهد وعطاء والحسن وقتادة والضحاك والسدي والربيع بن أنس ومقاتل, قالوا: لا يقربها وهو معتكف وهذا الذي حكاه عن هؤلاء هو الأمر المتفق عليه عند العلماء أن المعتكف يحرم عليه النساء ما دام معتكفاً في مسجده, ولو ذهب إلى منزله لحاجة لا بد له منها فلا يحل له أن يثبت فيه إلا بمقدار ما يفرغ من حاجته تلك من قضاء الغائط او الأكل, وليس له أن يقبل امرأته ولا أن يضمها إليه, ولا يشتغل بشيء سوى اعتكافه, ولا يعود المريض لكن يسأل عنه وهو مار في طريقه, وللاعتكاف أحكام مفصلة في بابها, منها ما هو مجمع عليه بين العلماء ومنها ما هو مختلف فيه, وقد ذكرنا قطعة صالحة من ذلك في آخر كتاب الصيام, ولله الحمد والمنة, ولهذا كان الفقهاء المصنفون يتبعون كتاب الصيام بكتاب الاعتكاف اقتداء بالقرآن العظيم, فإنه نبه على ذكر الاعتكاف بعد ذكر الصوم. وفي ذكره تعالى, الاعتكاف بعد الصيام إرشاد وتنبيه على الاعتكاف في الصيام أو في آخر شهر الصيام, كما ثبتت في السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يعتكف العشر الأواخر من شهر رمضان حتى توفاه الله عز وجل, ثم اعتكف أزواجه من بعده, أخرجاه من حديث عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها, وفي الصحيحين ان صفية بنت حيي كانت تزور النبي صلى الله عليه وسلم وهو معتكف في المسجد, فتحدثت عنده ساعة ثم قامت لترجع إلى منزلها, وكان ذلك ليلاً, فقام النبي صلى الله عليه وسلم ليمشي معها حتى تبلغ دارها, وكان منزلها في دار أسامة بن زيد في جانب المدينة, فلما كان ببعض الطريق لقيه رجلان من الأنصار, فلما رأيا النبي صلى الله عليه وسلم أسرعا, وفي رواية: تواريا, أي حياء من النبي صلى الله عليه وسلم لكون أهله معه, فقال لهما صلى الله عليه وسلم: «على رسلكما إنها صفية بنت حيي» أي لا تسرعا واعلما أنها صفية بنت حيي أي زوجتي, فقالا: سبحان الله يا رسول الله, فقال صلى الله عليه وسلم «إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم, وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شيئاً, أو قال: شراً» قال الشافعي رحمه الله: أراد عليه السلام أن يعلم أمته التبري من التهمة في محلها, لئلا يقعا في محذور, وهما كانا أتقى لله من أن يظنا بالنبي صلى الله عليه وسلم شيئاً, والله أعلم, ثم المراد بالمباشرة إنما هو الجماع ودواعيه من تقبيل ومعانقة ونحو ذلك, فأما معاطاة الشيء ونحوه فلا بأس به, فقد ثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدني إلي رأسه فأرجله وأنا حائض, وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان, قالت عائشة: ولقد كان المريض يكون في البيت, فما أسأل عنه, إلا وأنا مارة, وقوله {تلك حدود الله} أي هذا الذي بيناه وفرضناه وحددناه من الصيام وأحكامه وما أبحنا فيه وما حرمنا وذكرنا غاياته ورخصه وعزائمه, حدود الله أي شرعها الله وبينها بنفسه, فلا تقربوها أي لا تجاوزوها وتتعدوها, وكان الضحاك ومقاتل يقولان في قوله {تلك حدود الله} أي المباشرة في الاعتكاف, وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: يعني هذه الحدود الأربعة, ويقرأ {أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم ـ حتى بلغ ـ ثم أتموا الصيام إلى الليل} قال: وكان أبي وغيره من مشيختنا يقولون هذا ويتلونه علينا: {كذلك يبين الله آياته للناس} أي كما بين الصيام وأحكامه وشرائعه وتفاصيله كذلك يبين سائر الأحكام على لسان عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم {للناس لعلهم يتقون} أي يعرفون كيف يهتدون وكيف يطيعون, كما قال تعالى: {هو الذي ينزل على عبده آيات بينات ليخرجكم من الظلمات إلى النور وإن الله بكم لرؤوف رحيم}.


     

 
+ الرد على الموضوع

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

     

مواقع النشر (المفضلة)

مواقع النشر (المفضلة)

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك