الاعتكاف، سُنّة مهجورة...هذه أحكامها
الحمد لله الذّي أعظم على عباده المِنَّة، بِمَا دفع عنهم كيد الشّيطان وفَنَّه، ورَدَّ أَمَله وخيَّب ظنَّه.
إذ جعل الصوم حِصناً لأوليائه وجُنّة، وفتح لهم به أبواب الجنّة.
والحمد له،إذ أعظم للصائم أجره، وفتح له أبواب الخير ودَل.
أمّابعد:
فإنّمن أبواب الخير التّي مَنَّ الله بها على عباده:
هذه العشر الأواخر، فيها يضاعف الأجر..
شرع فيها الله عز وجلّ الاعتكاف.
والاعتكاف:
اللُبث في المكان لغةً،وفي المسجد اصطلاحاً وشريعةً.
وهو مستحب ومندوب إليه.
قال ابن العربي:
وهو: "من أفضل القُربَات، وأجلّ الرغائب"
ويستحب في رمضان أكثر من غيره، وبخاصة في العشر الأواخر منه، إذ كان ذلك آخر اعتكافه صلى الله عليه وسلم
ولمن أراد أن يتعلّم أحكامه ، فالاعتكاف -كما قال ابن رشد في بداية المجتهد-
بالجملة يشتمل على خمسة أبواب:
على عمل مخصوص/ وفي موضع مخصوص/ وفي زمن مخصوص / و شروط مخصوصة/ وتروك مخصوصة
الباب الأوّل:
العمل الذّي يخصه المعتكف.
قال ابن العربي فيبيان العمل الذّي يخص به:
"قراءة القرآن، والعلم، والتدريس، وكَتب الدّين"
فالمعتكف يتخيّر بين هذه القُربَات، ويفعل هذه وهذه.
الباب الثاني:
الموضع المخصوص.
الاعتكاف لا يكون إلاّ في المسجد.
قال ابن عبد البر:
"وأجمعوا أنّ الاعتكاف لا يكون إلاّ في مسجد"
ودليله قوله تعالى:
}وأنتم عاكفون في المساجد{ البقرة: 187.
للذكر والأنثى على السواء (في مذهب الجمهور).
وذهب الإمام أبوحنيفة إلى أنّ المرأة تعتَكِف في مسجد بيتها، قياساً على أنّ صلاتها في بيتها أفضل من صلاتها في المسجد.
وأجاز لها الاعتكاف في المسجد مع زوجها فقط، على نحو ما جاء في الأثر من اعتكافه صلى الله عليه وسلم مع أزواجه.
الباب الثالث:
زمن الاعتكاف.
ليس لأكثره حدّ واجب، وإن كانوا كلّهم يختارون العشر الأواخر من رمضان استحباباً.
وأمّا أَقَلّه:
فقد ذهب مالك إلى القول:
بأنّ أقل الاعتكاف يوم وليلة، وذلك لأنّه اشترط الصيام في الاعتكاف.
فقال بأنّه لايتحقق إلاّ بنهار رمضان، وشيء من الليل حتىّ يمسِك فيه، لأنّه لا ينعقد إلابه.
أمّا إمام الحنفية، والإمام الشّافعي وأكثر الفقهاء فقالوا بأنّه لا حدّله.
فاغتنم الفرصة أخيفإنّه لا حدّ لأقله، فاستحضر النية فقط عند الدخول إلى المسجد، وامكث ما بَدَا لك تتقرب إلى الله.
سؤال1:
ماهو الوقت الذّي يدخل فيه المعتكف إلى معتكفه ؟.
قال الشّافعي:
"من أراد أن يعتكف يوماً واحداً دخل قبل طلوع الفجر، وخرج بعد غروبها"
وأمّا إن أراد أن يعتكف عشر أيام الأخيرة من رمضان، فإنّه يدخل قبل غروب شّمس ليلة الواحد والعشرين.
سؤال2:
متى يخرج من معتكفه ؟.
إذا اعتكف الرجل يوماً واحداً فإنّه يخرج بعد غروب شمس ذلك اليوم.
وإن اعتكف عشرة أيام الأخيرة من رمضان فيخرج بعد غروب شمس ليلة العيد.
الباب الرابع:
شروط الاعتكاف.
شروطه ثلاثة:
النية، والصوم، وترك مباشرة النساء.
1. فالنية أن: تستحضر قلبك عند الدخول إلى المعتكف
(المسجد للرجل،ومسجد البيت أفضل للمرأة)
2. أمّا الصيام فشرطه الجمهور بخلاف الشّافعي.
وسبب اختلافهم أنّ اعتكاف رسول الله صلى الله عليه وسلم وقع في رمضان.
فالجمهور رأى بأنّ الصيام شرط، لأنّ النبي صلى الله عليه وسلم اعتكف في رمضان.
والشّافعي رأى أنّ الصوم اقترن برمضان، لابالاعتكاف.
3. وأمّاالمباشرة فقد اتفقوا على أنّها تفسد الاعتكاف.
الباب الخامس:
موانع الاعتكاف.
قال ابن رشد:
"وأمّا موانع الاعتكاف فاتفقوا على أنّها ما عدا الأفعال التّي هي من أعمال المعتكف"
(أي ما عدا قراءة القرآن، والذكر، وكتابة العلم)
قال ابن المنذر:
وأجمعوا على أنّ للمعتكف أن يخرج من معتكفه للغائط والبول.
فلا يجوز للمعتكف الخروج من المسجد إلاّ لحاجة الإنسان، أو ما في معناه مما تدعو إليه الضرورة.
فقد ثبت من حديث عائشة رضي الله عنها عند البخاري ومسلم، أنّها قالت:
"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اعتكف يُدني إليّ رأسه وهو في المسجد فأُرجِّله،وكان لا يدخل البيت إلاّ لحاجة الإنسان"
وقال أبو الحكم بن سعيد البلوطي:
والجميع متفقون على أنّ المعتكف له أن يخرج إلى الجمعة.
(وهذا في حالة: ما إذا كان معتكفا في مسجد لا تقام فيه الجمعة)
وفي الاستذكار لابن عبد البر:
"وإذا حاضت المعتكفة رجعت إلى بيتها، فإذا طَهُرت رجعت إلى المسجد ساعتئذ، وتبني كما إذا حاضت في شهر صيامها"
[frame="15 98"]وأجمع العلماء على أنّ الكذب والغيبة لا يبطلان الاعتكاف.[/frame]
واتفقوا على أنّ من خرج من معتكفه في المسجد لغير حاجة ولا ضرورة، ولا برٍّ أُمِر به أو نُدِب إليه فإنّ اعتكافه قد بَطُل.
سؤال 1:
هل يقضي من أبطل اعتكافه ؟.
قال ابن بطّال:
"وأهل العلم متفقون على أنّه لا يجب قضاء الاعتكاف إلاّ على من نواه وشرع في فعله ثمّ قطعه لغير عذر"
سؤال 2:
هل يجوز أن يمنع الرجل زوجه من الاعتكاف ؟
أجمعوا على أنّ للرجل أن يمنع زوجه من الاعتكاف، وإن دخلت فيه كان له إخراجها منه، إلاّ الأوزاعي فإنّه قال: ليس له أن يخرجها بعد دخولها فيه.
وعند ابن المنذر وغيره:
أنّ المرأة لا تعتكف حتّى تستأذن زوجها، وأنّها إذا اعتكفت بغير إذنه كان له أن يخرجها، وإن كان بإذنه فله أن يرجع فيمنعها.
شكرا لكاتب المقالة ابو سعيد الباتني جعلها الله في ميزان حسناته
مواقع النشر (المفضلة)