+ الرد على الموضوع
النتائج 1 إلى 5 من 5
  1. #1
    ابو مالك has a reputation beyond repute ابو مالك has a reputation beyond repute ابو مالك has a reputation beyond repute ابو مالك has a reputation beyond repute ابو مالك has a reputation beyond repute ابو مالك has a reputation beyond repute ابو مالك has a reputation beyond repute ابو مالك has a reputation beyond repute ابو مالك has a reputation beyond repute ابو مالك has a reputation beyond repute ابو مالك has a reputation beyond repute الصورة الرمزية ابو مالك
    تاريخ التسجيل
    20 / 03 / 2007
    الدولة
    الأردن
    العمر
    51
    المشاركات
    6,574
    معدل تقييم المستوى
    7072

    افتراضي الترويح عن النفس في الإسلام3

    رابعا: ضوابط الترويح في الإسلام:
    الحديث حول ضوابط الترويح طويل، لكني أوجز ذلك من خلال ما يأتي:
    1- الأصل في الترويح الإباحة:
    يدل لذلك حديث أبي الدرداء - رضي الله عنه- أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: (ما أحل الله في كتابه فهو حلال، وما حرم فهو حرام، وما سكت عنه فهو عافية، فاقبلوا من الله العافية، فإن الله لم يكن نَسيّاً، ثم قرأ هذه الآية: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِياً} [ مريم: 64])[72].
    ومن القواعد المتقررة فـي الشرع: أن الأصل في الأشياء الإباحة، حتى يدل الدليل الصحيح الصريح على التحريم[73].

    2- ثانياً: الترويح وسيلة لا غاية:
    الترويح وسيلة من الوسائل التي يستطيع بها الإنسان تحقيق التوازن بين جوانبه المختلفة، في حال وجود اختلال ناجم عن الإفراط في جانب على حساب الجوانب الأخرى، وإذا تجاوز النشاط الترويحي هذا الحد وأصبح هدفاً وغاية في ذاته، فإنه يخرج من دائرة المستحب أو المباح إلى دائرة الكراهة أو الحرمة.

    وبهذا الضابط يخرج الاحتراف لبعض الأنشطة الترويحية عن دائرة المباح أو المشروع؛ لأن فيه إخلالاً ببنية النظــام الاجتماعي وهيكله القائم على تعاليم الإسلام. وفيه قيادة أفراد الأمة إلى الهزل، وضعف المسؤولية، والعيش في أسوار الغفلة والسطحية والترف والانحلال.

    أضف إلى ذلك: تحقيق ذلك لرغبات أعداء الأمة في إلهاء أفرادها وإشغالهم عن جوهر الصراع الاستئصالي والحضاري الذي يمارسونه ضدها في أكثر من موقع من أراضيها.

    وأدلة هذا الضابط ظاهرة في الشريعة، فمنها:
    أ- أن الإسلام رفض الإفراط في كمية العبادات الشرعية التي جاء أمراً بنوعها أمر وجوب أو استحباب إذا خرجت عن حد المألوف المستطاع.

    ومن النصوص الدالة على ذلك:
    عن أنس بن مالك - رضي الله عنه- قال: (جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - يسألون عن عبادة النبي - صلى الله عليه وسلم - فلما أخبروها كأنهم تقالوها!.
    فقالوا: وأين نحن من النبي - صلى الله عليه وسلم - قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر.
    قال أحدهم: أما أنا فأنا أصلي الليل أبداً. وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر. وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبداً.
    فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: أنتم الذين قلتم: كذا وكذا، أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني)[74].
    عن أنس بن مالك - رضي الله عنه- قال: (دخل النبي - صلى الله عليه وسلم - فإذا حبل ممدود بين الساريتين، فقال: ما هذا الحبل؟، قالوا: هذا حبل لزينب، فإذا فترت تعلقت.
    فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: لا، حلوه. ليصل أحدكم نشاطه، فإذا فتر فليقعد)[75].
    عن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ( إذا نعس أحدكم في الصلاة فليرقد حتى يذهب عنه النوم، فإن أحدكم إذا صلى وهو ناعس لعله يذهب يستغفر فيسب نفسه)[76].
    عن أبي هريرة - رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ( إذا قام أحدكم من الليل فاستعجم القرآن على لسانه فلم يدر ما يقول فليضجع)[77].

    وغير ذلك من النصوص والآثار في هذا الباب كثير.

    فما الحال بأمر مباح لم يأمر الشارع بنوعه يزاد في كميته بصورة تسبب ضياع المأمور به، وتجحف بالتوازن بين جوانب الإنسان ومتطلباته المختلفة، وتسهم في تغيير هيكل النظام الاجتماعي الإسلامي؟!

    ب- أن في جعل الأنشطة الترويحية أهدافاً وغايات - يهدف لها الإنسان - تحقيقاً لمكائد اليهودية العالمية في استعباد الأمم واختلالها.

    وفي هذا السياق جاء في البروتوكول اليهودي الثالث عشر ما نصه: (... ولكي نبعدها أن تكتشف بأنفسها أي خط عمل جديد سنلهيها أيضا بأنواع شتى من الملاهي والألعاب ومزجيات الفراغ والمجامع العامة وهلم جرا. وسرعان ما سنبدأ الإعلان في الصحف داعين الناس إلى الدخول في مباريات شتى في كل أنواع المشروعات، كالفن والرياضة وما إليهما. هذه المتع الجديدة ستلهي ذهن الشعب حتماً عن المسائل التي سنختلف فيها معه، وحالما يفقد الشعب تدريجياً نعمة التفكير المستقل بنفسه سيهتف جميعاً معنا؛ لسبب واحد هو: أننا سنكون أعضاء المجمع الوحيدين الذين يكونون أهلاً لتقديم خطوط تفكير جديدة)[78].

    ويقول أحدهم واصفاً فعل اليهود: (... ولتحقيق هذا الهدف ينشرون في الأوساط الشعبية حياة التهتك والإباحية ليقوضوا بها وحدة العائلة التي تعتبر أساس المجتمع والأمة... ليفقدوهم الثقة بكل ما يعتزون به... ليتطلعوا إلى المادية فقط والاستهتار بكل شيء ما عداها، حتى تهون قيادتهم بينما اليهود يظلون على تعصبهم القومي يستمدون منه وحدتهم وقوتهم)[79].

    1- الجد الأصل، والترويح فرع:
    سبق ذِكْرُ أن النشاط الترويحي في التصور الإسلامي ما هو إلا حالة علاجية، لحصول الاختلال فـي إعطاء كل جانب من جوانب الكائن البشري ما يستحقه من النشاط والقوة؛ ليعود الإنسان بكافة جوانبه لمواصلة السير في طريقه إلى الله (عز وجل) بجد ونشاط ومثابرة.

    وسأحاول تأصـيل ذلك والتأكيد على أن الجد صاحب التقدمة والسبق، وأن الترويح تابع له، وفرع عنه، من خلال الأمرين الآتيين:
    أ- الأولوية للجد في حال التعارض:
    يقدم الإسلام الجد على الترويح، ويَظْهَر هذا جليّاً في سلوكياته - صلى الله عليه وسلم - وأقواله، ومن ذلك:
    ما رواه أبو برزة الأسلمي رضي الله عنه (أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يكره النوم قبل العشاء، والحديث بعدها)[80].
    قال الحافظ ابن حجر - أثناء شرحه لـهذا الحـديث -: (قوله: " وكان يكره النوم قبلها، والحديث بعدها"؛ لأن النوم قبلها قد يؤدي إلى إخراجها عن وقتها مطلقاً، أو عن الوقت المختار. والسمر بعدها قد يؤدي إلى النوم عن الصبح، أو عن وقتها المختار)[81].


    والملاحظ أن الشارع لم يكره الترويح المتمثل فـي النوم لراحة البدن أو السمر لكونه سيؤدي إلى تضييع الواجب يقيناً، بل لاحتمال أن يكون ذريعة إلى الوقوع في ذلك.

    ب- الجد والترويح ليسا بمتساويين في القد والمقدار:
    فالجد هو الأعم الأغلب في حياة الإنسان المسلم، والترويح معالجة واستثناء، وهذا أمر ظاهر لمن طالع النصوص الشرعية والسيرة النبوية، ومن ذلك:
    ما رواه أبو هريرة (رضي الله عنه) أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (ولا تكثر الضحك؛ فإن كثرة الضحك تميت القلب)[82] ، فنهى عن الإفراط في ذلك مع جواز الأصل.
    عن سماك قال: قلت لجابر بن سمرة: (أكنت تجالس رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: نعم، فكان طويل الصمت، قليل الضحك، وكان أصـحابه يذكرون عنده الشـعـر وشيئاً من أمورهم فيضحكون، وربما تبسم)[83].

    4- ألا يكون في النشاط الترويحي مخالفة شرعية:
    يعتبر هذا الضابط هو الأهم بين ضوابط النشاط الترويحي، ولتطبيقه صور مختلفة، منها:
    ألا يكون في النشاط الترويحي أذية للآخرين: من سخرية، أو لمز، ونبز، أو تـرويــع، أو غيبة، أو اعتداء على ممتلكاتهم بإتلاف أو استخدام... ونحو ذلك؛ ومن النصوص الدالة على ذلك:
    قال الله تعالى: {يَا أَيُّـهَا الَذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْراً مِّنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَى أَن يَـكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاسْمُ الفُسُوقُ بَـعـْدَ الإيمانِ وَمـَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلـَئـكَ هُـمُ الظَّالِمُونَ * يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَاًكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ} [الحجرات: 11، 12].
    وقوله - صلى الله عليه وسلم -: (لا يأخذن أحدكم متاع أخيه لاعباً ولا جاداً)[84].

    ألا يكون فـي النشاط الترويحي كذب وافتراء:
    قال - صلى الله عليه وسلم -: (ويل للذي يحدث فيكذب؛ ليضحك به القوم. ويل له، ويل له)[85].

    ألا يكون في النشاط الترويحي تبذير للمال واستهلاك باذخ له:
    قال الله تعالى: {وَآتِ ذَا القُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ الـسَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراًإنَّ المُبَذِّرِينَ كَانُوا إخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً} [ الإسراء: 26، 27]، وسياق الآيات في الإنفاق على ذي القربى والمسكين وابن السبيل، فكيف الحال في الترويح؟![86].

    ألا يكون في النشاط الترويحي اختلاط بين الرجال والنساء:
    لما يفضي إليه ذلك من النظر المحرم، والخلوة المحرمة، بالإضافة إلى أنه قد يكون ذريعة لمخالفات شرعية أكبر؛ قال الله تعالى: {وَإذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسـْـأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ} [الأحزاب: 53].
    وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ( إياكم والدخول على النساء، فـقـال رجل من الأنصار: يا رسول الله: أفرأيت الحمو؟ قال: الحمو الموت)[87].
    وعـن جرير - رضي الله عنه- قال: (سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن نظر الفجاءة فأمرني أن أصرف بصري)[88].


    ألا يكون في النشاط الترويحي نص على الحرمة:
    وسيأتي ذلك في فقرة أنواع الترويح غير المباح في العهد النبوي.

    5- ألا يشغل الترويح عن واجب شرعي أو اجتماعي:
    إذ الطابع العام لحياة المـسلم: الجـدية، وما الترويح إلا عامل مساعد للحياة الجادة، والاستمرار فيها، فإذا تجاوز الـترويـح هذا الحد فشغل عن الجد: فإنه يخرج إلى دائرة المكروه أو المحرم بحسب نوع الجد الذي يشغل عنه. فإذا كان شاغلاً عن أداء واجب أو ترك محرم فإنه محرم، وإن كان شاغلاً عن أداء مستحب أو ترك مكروه فإنه مكروه، لأنه أصبح ذريعة إلى الحرام أو المكروه، وما كان ذريعة إليهما أعطى حكمهما.

    يقول الإمام أبو زهرة في بيان قاعدة سد الذرائع: (... وذلـك لأن الـشـارع إذا كلف العباد أمراً فكل ما يتعين وسيلة إليه مطلوب، وإذا نهى الناس عن أمر فكل ما يؤدي إلى الوقـوع فـيـه حرام أيضاً، وقد ثبت هذا بالاستقراء للتكليفات الشرعية طلباً ومنعاً)[89].

    6- ألا يكون النشاط الترويحي ضارّاً بممارسه:
    إذا كان في النشاط الترويحي ضرر على ممارسه - أيّاً كان نوع الضرر -، ولم يوجد فيه نفع يفوق ذلك الضرر فإنه يحرم على ذلك الممارس مزاولته؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: (لا ضرر ولا ضـرار)[90]، ولما قد تقرر في الشرع من قواعد، كقاعدة: إذا اجتمع الحلال والحرام غُلّب الحرام[91]، وقاعدة: درء المفاسد مقدم على جلب المصالح[92].

    وبهذا تظهر حرمة أنواع من الرياضة في عصرنا كالملاكمة والمصارعة - بوضعهما الحالي والله أعلم -؛ لما تؤديا إليه من أضرار في الجسم، بل وربمـا أدى بعضـهـا إلى الوفاة أو الإعاقة، كما هو مشاهد في حياة كثير ممن يمارسها في هذا الوقت.

    خامسا: الترويح في العهد النبوي:
    أهداف الترويح في العهد النبوي:
    من يتأمل في صور الترويح في العهد النبوي يلحظ بجلاء أنه عمل على تحقيق جملة من الأهداف، يمكن إبراز أهمها من خلال ما يأتي:
    أ- تنمية السرور في أوساط المجتمع: وهذا جلي؛ إذ يُسَرِّي الترويح النفس، ويبعد منها الكآبة، ويزيل عنها الهم والملل، ويدخل عليها السرور والبهجة، وكل ثنايا هذا الفصل شاهدة على تحقق ذلك في العهد النبوي.
    ب- تعميق الجدية في المجتمع المسلم: إذ عملت البرامج الترويحية في العهد النبوي على تربية أفراد المجتمع المسلم وتهيئتهم لخدمة الإسلام، كالتدرب على المنازلة في الحرب، والرمي، وركوب الخيل.

    وهذا واضح في:
    حديث ابن عمر - رضي الله عنهما-: (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سابق بالخيل التي قد أُضمرت من الحفياء، وكان أمدها ثنية الوداع. وسابق بين الخيل التي لم تُضمر من الثنية إلى مسجد بني زُريق وكان ابن عمر فيمن سابق بها)[93].
    وحديث عقبة بن عامر - رضي الله عنه- أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو على المنبر يقول: ({وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الأنفال:60]، ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي)[94].
    قال النووي: (وفي الحديث فضيلة الرمي والمناضلة والاعتناء بذلك بنية الجهاد في سبيل الله تعالى،... والمراد بهذا كله: التمرن على القتال، والتدرب، والتحذق فيه، ورياضة الأعضاء)[95].


    جـ- التودد إلى الصحابة الكرام: ويظهر ذلك في مشاركته - صلى الله عليه وسلم - مع بعض أصحابه الكرام - رضي الله عنهم - في الرمي بالنبال، ففي حديث سلمة بن الأكوع - رضي الله عنه- قال: (مر النبي - صلى الله عليه وسلم - على نفر من أسلم ينتضلون، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ارموا بني إسماعيل فإن أباكم كان رامياً، ارموا وأنا مع بني فلان. قال: فأمسك أحد الفريقين بأيديهم، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ما لكم لا ترمون؟. قالوا: كيف نرمي وأنت معهم ؟، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ارموا، فأنا معكم كلكم)[96].

    د- تسلية الأهل وزيادة الترابط الاسري: ومن دلائل ذلك:
    ما جاء عن زوجه عائشة -رضي الله عنها- قالت: (خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفر، فنزلنا منزلاً، فقال لها: تعالي حتى أُسابقك، قالت: فسابقته فسبقته. وخرجت معه بعد ذلك في سفر آخر، فنزلنا منزلاً، فقال: تعالي حتى أسابقك، قالت: فسبقني، فضرب بين كتفي وقال: هذه بتيك)[97].
    كما يشهد لذلك حديث عقبة بن عامر الجهني - رضي الله عنه-: (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: كل شيء يلهو به الرجل باطل، إلا رمي الرجل بقوسه، وتأديبه فرسه، وملاعبته أهله، فإنهن من الحق)[98].

    هـ- إظهار فسحة الإسلام: إذ عمل الترويح في العهد النبوي على تجلية محاسن الإسلام وإبراز يسره وسماحته، ومن دلائل ذلك:
    حديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: (كنت ألعب بالبنات عند النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكان لي صواحب يلعبن معي. فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل يتقمعن منه، فيسربهن إلي فيلعبن معي)[99].
    وحديثها الآخر في لعب الحبش بالحراب في المسجد، أخبرت رضي الله عنها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال يومئذ: (لتعلم يهود أن في ديننا فسحة، إني أرسلت بحنيفية سمحة)[100].

    أنواع الترويح المباح في العهد النبوي:
    يمكن عرض بعض أنواع الترويح المباح التي كانت تمارس في العهد النبوي من خلال ما يأتي:
    إنشاد الشعر والرجز وسماعهما: ومن شواهد ذلك:
    ما جاء عن عمرو بن الشريد - رضي الله عنه- قال: (ردفت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوماً فقال: هل معك من شعر أمية بن الصلت شيء. قلت: نعم. فقال: هيه. فأنشدته بيتاً، فقال: هيه. ثم أنشدته بيتاً، فقال: هيه. حتى أنشدته مائة بيت)[101].

    وعن سلمة بن الأكوع - رضي الله عنه- قال: (فجعل عمي عامر يرتجز بالقوم:
    تالله لولا الله ما اهتدينا، ولا تصدقنا ولا صلينا، ونحن عن فضلك ما استغنينا، فثبت الأقدام إن لاقينا، وأنزلن سكينة علينا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من هذا؟، فقال: أنا عامر. قال: غفر لك ربك)[102].

    بل إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنشد الرجز بنفسه، ومن دلائل ذلك:
    ما جاء عن جندب - رضي الله عنه- قال: ( بينما النبي - صلى الله عليه وسلم - يمشي إذ أصابه حجر فعثر، فدميت أصبعه، فقال: هل أنت إلا أصبع دميت، وفي سبيل الله ما لقيت)[103].
    وعن البراء - رضي الله عنه- قال: (كان النبي - صلى الله عليه وسلم - ينقل التراب يوم الخندق حتى أغمر بطنه أو أغبر بطنه، يقول: والله لولا الله ما اهتدينا، ولا تصدقنا ولا صلينا، فأنزلن سكينة علينا، وثبت الأقدام إن لاقينا، إن الألى قد بغوا علينا، إذا أرادوا فتنة أبينا، ويرفع بها صوته: أبينا، أبينا)[104] ، وغير ذلك كثير.

    المسابقات العلمية:
    ومن دلائل ذلك:
    ما جاء عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ( إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها، وهي مثل المسلم، حدثوني ما هي؟، قال: فوقع الناس في شجر البادية، ووقع في نفسي أنها النخلة. قال عبد الله: فاستحييت. فقالوا: يا رسول الله أخبرنا بها، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: هي النخلة. قال عبد الله: فحدثت أبي بما وقع في نفسي، فقال: لأن تكون قلتها أحب إلي من أن يكون لي كذا وكذا)[105].
    وقد قال البخاري - رحمه الله تعالى- عند إخراجه هذا الحديث: ( باب طرح الإمام المسألة عند أصحابه ليختبر ما عندهم من العلم)[106].


    الغناء والضرب بالدف في الأعياد والأعراس والقدوم من الغزو أو السفر:
    وقد وردت في ذلك عدة نصوص، منها:
    ما جاء عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: (دخل أبو بكر وعندي جاريتان من جواري الأنصار تغنيان بما تقاولت به الأنصار يوم بعاث، قالت: وليستا بمغنيتين.
    فقال أبو بكر: أبمزمور الشيطان في بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وذلك يوم عيد.
    فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: يا أبا بكر: إن لكل قوم عيداً، وهذا عيدنا)[107] ، وذكر مسلم بسند آخر، وفيه: (جاريتان تلعبان بدف)[108].
    وعن الربيع بنت معوذ بن عفراء - رضي الله عنها- قالت: ( جاء النبي - صلى الله عليه وسلم - يدخل حين بُنِي عليَّ، فجلس على فراشي، كمجلسك مني، فجعلت جويريات لنا يضربن بالدف ويندبن من قتل من آبائي يوم بدر. إذ قالت إحداهما: وفينا نبي يعلم ما في غد!. فقال: دعي هذا، وقولي بالذي كنت تقولين)[109].
    وعن بريدة - رضي الله عنه- قال: ( رجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من بعض مغازيه، فجاءت جارية سوداء، فقالت: يا رسول الله: إني كنت نذرت إن ردك الله تعالى سالماً أن أضرب على رأسك بالدف، فقال: إن كنت نذرت فافعلي وإلا فلا، قالت: إني كنت نذرت. قال: فقعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فضربت بالدف)[110].
    قال الشوكاني: (والقائلون بالتحريم يخصون مثل ذلك من عموم الأدلة الدالة على المنع)[111].


    المزاح:
    كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - يمازح أصحابه الكرام - رضي الله عنهم -، ويمازحونه، ويتمازحون فيما بينهم.

    وكان كل ذلك منضبط بأمرين:
    الأول: أن يبقى المزاح في دائرة القول، ولا يتعداه إلى الفعل، ويدل لذلك:
    حديث عبد الله بن السائب بن يزيد عن أبيه عن جده - رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا يأخذن أحدكم متاع أخيه لاعباً ولا جاداً، فإذا أخذ أحدكم عصا صاحبه فليردها عليه)[112].
    وما جاء عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: ( حدثنا أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - أنهم كانوا يسيرون مع النبي فنام رجل منهم فانطلق بعضهم إلى حبل معه فأخذه ففزع فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا يحل لمسلم أن يروع مسلماً)[113].

    الثاني: أن يكون مزاحاً بالحق، لا كذب فيه، ويدل لذلك:
    ما جاء عن أبي هريرة - رضي الله عنه- قال: ( قالوا: يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنك لتداعبنا، قال: إني لا أقول إلا حقاً)[114].

    ومن صور مزاحه - صلى الله عليه وسلم - مع أصحابه الكرام:
    عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - (أن رجلاً استحمل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: إني حاملك على ولد الناقة، فقال: يا رسول الله: ما أصنع بولد الناقة!، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: وهل تلد الإبل إلا النوق)[115].
    وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: يا ذا الأذنين، قال محمود[116]: قال أبو أسامة: يعني يمازحه)[117].

    ومن صور مزاح أصحابه الكرام معه - صلى الله عليه وسلم -:
    عن عوف بن مالك الأشجعي - رضي الله عنه- قال: (أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة تبوك، وهو في قبة من أدم، فسلمت فرد، وقال: أدخل، فقلت: أكلي يا رسول الله، قال: كلك، فدخلت)[118].

    ومن صور مزاح الصحابة الكرام فيما بينهم:
    عن بكر بن عبد الله قال: (كان أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - يتبادحون بالبطيخ، فإذا كانت الحقائق كانوا هم الرجال)[119].
    والصور كثيرة، وما ذكر غيض من فيض، وإنما المراد التدليل والتمثيل لا الاستيعاب والحصر.


    النهي عن المزاح:
    ما ورد من الأحاديث في النهي عن المزاح، كقوله - صلى الله عليه وسلم -: (لا تمار أخاك، ولا تمازحه ولا تعده موعدة فتخلفه)[120] ، فهي محمولة على فرض صحتها على ما إذا اختل ضابط من الضوابط السالفة جمعاً بين النصوص المختلفة، يقول مناع القطان: ( ولا يجوز الإفراط في المزاح والمداومة عليه؛ لأنه يشغل عن مهمات الحياة، دنيا وأخرى، ويؤذي الناس، ويسقط المهابة والوقار، وينتهي إلى الهذر. والمهذار ساقط المروءة، وهذا هو الذي ورد فيه النهي: لا تمار أخاك ولا تمازحه)[121].

    التسرية عن الأطفال ومداعبتهم:
    وقد كان لذلك صور عدة، لعل من أبرزها:
    الأولى: اللعب بالبنات (العرائس):
    عن عائشة - رضي الله عنها- قالت: (كنت ألعب بالبنات عند النبي - صلى الله عليه وسلم - وكان لي صواحب يلعبن معي، فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل يتقمعن منه فيسربهن إلي)[122].
    وعنها - رضي الله عنها- قالت: (قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من غزوة تبوك أو خبير، وفي سهواتها ستر. فهبت ريح فكشفت ناحية الستر على بنات لعائشة، لعب. فقال: ما هذا يا عائشة؟، قالت: بناتي، ورأى بينهن فرساً لها جناحان من رقاع، فقال: ما هذا الذي أرى وسطهن؟. قالت: فرس. قال: وما هذا الذي عليه!. قالت: جناحان. قال: فرس له جناحان!. قالت: أما سمعت أن لسليمان خيلاً لها أجنحة؟!، قالت: فضحك حتى رأيت نواجذه)[123].

    الثانية: اللعب بالمراجيح:
    ومن دلائل ذلك:
    عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: ( تزوجني النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنا بنت ست سنين، فقدمنا المدينة، فنزلنا في بني الحارث بن الخزرج، فوعكت فتمزق شعري فوفى جميمة كثر[124]، فأتتني أمي:أم رمان، وإني لفي أرجوحة، ومعي صواحب لي...)[125].

    الثالثة: اللعب بالطيور:
    عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يدخل على أم سليم ولها ابن من أبي طلحة يكنى أبا عمير، وكان يمازحه. فدخل عليه فرآه حزيناً، فقال: مالي أرى أبا عمير حزيناً، فقالوا: مات نغره الذي كان يلعب به، قال فجعل يقول: أبا عمير: ما فعل النغير؟)[126].

    الرابعة: مداعبة الأطفال وإدخال السرور عليهم وهذا كثير، ومن ذلك:
    قال محمود بن الربيع - رضي الله عنه -: (إني لأعقل مجة مجها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في وجهي وأنا ابن خمس سنين من دلو)[127].
    عن عقبة بن الحارث - رضي الله عنه - قال: (خرجت مع أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- من صلاة العصر بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - بليال، وعلي يمشي إلى جنبه، فمر بحسن بن علي يلعب مع غلمان فاحتمله على رقبته، وهو يقول: وبأبي شبيه النبي، ليس شبيهاً بعلي، وعلي يضحك)[128].
    عن البراء - رضي الله عنه- قال: (رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - والحسن بن علي على عاتقه، يقول: اللهم إني أحبه فأحبه)[129].
    ومزاحه - صلى الله عليه وسلم - للحسن والحسين ابني بنته ومداعبته لهما وإدخاله السرور عليهما معروف مشهور.


    مداعبة الرجل أهله وترويحه عنهم:
    وهذا كثير في حياته - صلى الله عليه وسلم -، وقد سبق بعضه في ثنايا النصوص السالفة، ومن ذلك:
    وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: (كان يوم عيد، يلعب فيه السودان بالدرق والحراب. فإما سألت النبي - صلى الله عليه وسلم -، وإما قال: تشتهين تنظرين، فقلت: نعم. فأقامني وراءه، خدي على خده، وهو يقول: دونكم يا بني أرفدة، حتى إذا مللت، قال حسبك، قلت: نعم، قال: فاذهبي)[130].
    وفي لفظ لمسلم: قالت - رضي الله عنها- : (والله لقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقوم على باب حجرتي، والحبشة يلعبون بحرابهم في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، يسترني بردائه لكي أنظر إلى لعبهم، ثم يقوم من أجلي حتى أكون أنا الذي أنصرف، فاقدروا قدر الجارية الحديثة السن، الحريصة على اللهو)[131].
    ما جاء عن جابر - رضي الله عنه- قال: (تزوجت، فقال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ما تزوجت؟، فقلت: تزوجت ثيباً، فقال: مالك وللعذارى ولعابها).
    قال الراوي: فذكرت ذلك لعمرو بن دينار، فقال عمرو: سمعت جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما- يقول: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (هلا جارية تلاعبها وتلاعبك)[132].

    المسابقة بالأقدام:
    ومن شواهد وقوع ذلك في عهده - صلى الله عليه وسلم - ما يلي:
    ما ورد عن عائشة - رضي الله عنها - (أنها كانت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في سفر فسابقته على رجلي فسبقته، فلما حملت اللحم سابقته فسبقني، فقال: هذه بتلك)[133].
    ما جاء عن سلمة بن الأكوع - رضي الله عنه - قال: ( فبينما نحن نسير، قال: وكان رجل من الأنصار لا يسبق شداً، فجعل يقول: ألا مسابق إلى المدينة؟، هل من مسابق؟، فجعل يعيد ذلك.
    فلما سمعت كلامه، قلت: أما تكرم كريماً، ولا تهاب شريفاً. قال: لا، إلا أن يكون رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
    قال: قلت يا رسول الله بأبي وأمي، ذرني فلأسابق الرجل، قال: إن شئت.
    قال: قلت: أذهب إليك، وثنيت رجلي فظفرت فعدوت، قال: فربطت عليه شرفاً أو شرفين أستبقي نفسي، ثم عدوت في أثره فربطت عليه شرفاً أو شرفين. ثم إني رفعت حتى ألحقه فأصكه بين كتفيه، قال: قلت: قد سبقت والله، قال: أنا أظن، قال: فسبقته إلى المدينة)[134].

    المسابقة بالخيل والإبل:
    وهذا كثير، ومن ذلك:
    ما رواه ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: (سابق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين الخيل التي قد ضمرت، فأرسلها من الحفيا وكان أمدها ثنية الوداع.
    وسابق بين الخيل التي لم تضمر، فأرسلها من ثنية الوداع وكان أمدها بني زريق. وكان ابن عمر ممن سابق فيها)[135].
    وما ورد عن أنس - رضي الله عنه- قال: (كان للنبي - صلى الله عليه وسلم - ناقة تسمى العضباء لا تسبق، قال حميد: أو لا تكاد تسبق، فجاء أعرابي على قعود فسبقها, فشق ذلك على المسلمين حتى عرفه، فقال: حق على الله أن لا يرفع شيئا من الدنيا إلا وضعه)[136].

    المصارعة، ومن الشواهد الدالة على ذلك:
    ما جاء عن أبي جعفر بن محمد بن على بن ركانة عن أبيه (أن ركانة صارع النبي - صلى الله عليه وسلم - فصرعه النبي - صلى الله عليه وسلم -)[137].
    وما رواه سمرة بن جندب - رضي الله عنه - قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعرض غلمان الأنصار في كل عام فيلحق من أدرك منهم، قال: وعرضت عام فألحق غلاماً وردني، فقلت يا رسول الله لقد ألحقته ورددتني، ولو صارعته لصرعته، قال: فصارعه، فصارعته فصرعته، فألحقني)[138].

    حمل الأثقال:
    ومن شواهد ذلك:
    ما رواه أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: ( مر النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوم يرفعون حجرا، يريدون الشدة)[139].
    وعن طاووس قال: (مر ابن عباس - رضي الله عنهما – بعد ما ذهب بصره بقوم يجرون حجرا، فقال: ما شأنهم، قال: يرفعون حجرا، ينظرون أيهم أقوى، فقال ابن عباس: عمال الله أقوى من هؤلاء)[140].

    الرمي واللهو بالحراب:
    وهذا كثير جداً، ومن ذلك:
    ما جاء عن سلمة بن الأكوع - رضي الله عنه- قال: (مر النبي - صلى الله عليه وسلم - على نفر من أسلم ينتضلون، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (ارموا بني إسماعيل، فإن أباكم كان رامياً، ارموا، وأنا مع بني فلان. قال: فأمسك أحد الفريقين بأيديهم، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ما لكم لا ترمون. قالوا: كيف نرمي وأنت معهم ؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ارموا فأنا معكم كلكم)[141].
    وما روته عائشة - رضي الله عنها- قالت: (والله لقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقوم على باب حجرتي، والحبشة يلعبون بحرابهم في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، يسترني بردائه لكي أنظر، ثم يقوم من أجلي، حتى أكون أنا التي أنصرف)[142].

    السباحة، ويشهد لذلك:
    ما جاء عن عطاء بن أبي رباح قال: ( رأيت جابر بن عبد الله وجابر بن عمير يرتميان، فمل أحدهما فجلس، فقال له الآخر: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: كل شيء ليس من ذكر الله عز وجل فهو لهو أو سهو إلا أربع خصال: مشي الرجل بين الغرضين، وتأديبه فرسه، وملاعبته أهله، وتعليم السباحة)[143].
    وعن أبي أمامة بن سهل - رضي الله عنهما- قال: (كتب عمر - رضي الله عنه- إلى أبي عبيدة بن الجراح أن علموا غلمانكم: العوم، ومقاتلتكم: الرمي)[144].

    هذه بعض أنواع الترويح الواردة عن العهد النبوي، على أنه توجد في عصرنا أنواع من الرياضات تشابه أسماء ما كان يوجد من ترويح في ذلك العهد الكريم إلا أنها قد تلبست بجوانب من المخالفات الشرعية تخرجها من دائرة الحل إلى الحرمة كالمصارعة الحرة مثلا، وذلك موضوع طويل ليس موضع عرضه في هذه الورقات المختصرة.

    أنواع الترويح المنهي عنه في العهد النبوي:
    جاءت بعض النصوص في القرآن الكريم، والسنة النبوية الكريم بالنهي عن بعض أنواع الترويح ووسائله، ومن ذلك:
    أ‌- المعازف:
    إذ ورد في تحريمها نصوص كثيرة منها: قوله - صلى الله عليه وسلم -: (ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف)[145].
    ب‌- النرد:
    إذ قال - صلى الله عليه وسلم -: (من لعب بالنردشير فكأنما غمس يده في لحم الخنزير)[146].
    ت‌- الميسر:
    لقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا إنَّمَا الخَمْرُ وَالمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون} [المائدة: 90].
    ث‌- التحريش بين البهائم:
    لقول ابن عباس - رضي الله عنهما-: (نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -عن التحريش بين البهائم)[147].
    ج‌-اتخاذ ما له روح غرضاً:
    لما جاء عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (لا تتخذوا شيئاً فيه الروح غرضاً)[148].
    ح‌-تصويـر ما له روح:
    للآثار الواردة في ذلك، ومنها قوله - صلى الله عليه وسلم -: (من صور صورة في الدنيا كلف يوم القيامة أن ينفخ فيها الروح، وليس بنافخ)[149].
    خ‌-المبالغة في الضحك:
    لقوله - صلى الله عليه وسلم -: (أقل الضحك، فإن كثرة الضحك تميت القلب)[150].
    د‌- النظر إلى ما حرم الله:
    إذ وردت في ذلك نصوص كثيرة، منها قوله تعالى: {
    قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُـضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فَرُوجَهُنَّ} [النور: 30، 31].

    هذه بعض أنواع الترويح ومداخله التي ورد في النصوص النهي عنها على خلاف في بعضها هل النهي للحرمة أو للتنزيه، والموفق من رآه الله تعالى حيث يحب، واتقى الله تعالى واجتهد في طاعته، وبادر إلى امتثال أمره واجتناب نهيه، والله أعلم.

    أسأل الله تعالى سداده وتوفيقه، وما كان في هذا الورقات من صواب فهو من الله وحده لا شريك له. وما كان فيها من زلل فهي من نفسي وتقصيري والشيطان، والله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - منه برئيآن.

    وصلى الله وسلم على نبينا المصطفى المختار، وعلى آله وصحبه البررة أجمعين.


    [71] انظر: الفروسية، لابن القيم: 11, حاشية الروض المربع، لابن قاسم: 5 / 350.
    [72] المستدرك، للحاكم: 2/375، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.
    [73] انظر: الأشباه والنظائر، للسيوطي: 60.
    [74] البخاري (5063)، مسلم (1401).
    [75] البخاري (1150)، مسلم (784).
    [76] مسلم (786).
    [77] مسلم (787).
    [78] الخطر اليهودي (بروتوكولات حكماء صهيون)، للتونسي: 168.
    [79] المفسدون في الأرض،لـ: س. ناجي: 460، نقلا عن صحيفة الحارس الأمريكية.
    [80] انظر: البخاري (599).
    [81] فتح الباري، لابن حجر: 2/73.
    [82] ابن ماجه (4217)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (7321).
    [83] أحمد (20829)، وحسنه الأرنؤوط.
    [84] أبو داود (5003)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (7454).
    [85] أحمد (20067)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع(7013).
    [86] انظر: تفسير القرآن العظيم، لابنكثير: 3/36.
    [87] مسلم (2172).
    [88] مسلم (2159).
    [89] ابن حنبل حياته، وعصره، وآراؤه الفقهية، لأبي زهرة: 314.
    [90] أحمد (2867)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (7517).
    [91] الأشباه والنظائر، للسيوطي: 105، والأشباه والنظائر، لابن نجيم: 121.
    [92] الوجيز في القواعد الفقهية، للبرنو: 85.
    [93] مسلم، ح(4950).
    [94] مسلم، ح (5055).
    [95] شرح النووي على مسلم: 13/64.
    [96] البخاري (2743).
    [97] أحمد (24164)، وذكر الأرنؤوط بأن إسناده صحيح على شرط الشيخين.
    [98] سبق تخريجه والحكم عليه.
    [99] البخاري (5779).
    [100] أحمد، (26004)، وحسن إسناده الأرنؤوط.
    [101] مسلم (2255).
    [102] مسلم (1807).
    [103] البخاري (6146).
    [104] البخاري (4104).
    [105] البخاري (131).
    [106] البخاري - مع فتح الباري -: 1 / 147.
    [107] مسلم (892).
    [108] مسلم (2099).
    [109] البخاري (5147).
    [110] الترمذي (3690)، وقال: (حسن صحيح غريب من حديث بريدة), أحمد (23061)، وقوى إسناده الأرنؤوط, قال محقق تحريم النرد والشطرنج والملاهي: 289، (درجة الحديث بهذا السند رجالته ثقات إلا علي بن الحسين وقد تابعه زيد بن الحباب عن الحسين بن واقد في رواية أحمد وهو صدوق).
    [111] نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار، للشوكاني: 8 /119.
    [112] أبو داود (5003)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (7454).
    [113] أبو داود (5004) وصححه الألباني في صحيح الجامع (7534).
    [114] الترمذي (1990)، وقال: (هذا حديث حسن صحيح)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (2490)، من طريق ابن عمر عند الطبراني في الكبير ومن طريق أنس عند الخطيب في التاريخ.
    [115] أبو داود (4998) , الترمذي (1991)، وقال: (حسن صحيح غريب)، أحمد (13844)، وقال الأرنؤوط: إسناده صحيح.
    [116] من رواة الحديث.
    [117] الترمذي (1992)، وصححه الألباني في صحيح الجامع: (7786).
    [118] أبو داود (5000) , ابن ماجه (4042)، أحمد (24017)، وصححه الأرنؤوط.
    [119] الأدب المفرد، للبخاري: (266)، وصححه الألباني.
    [120] الترمذي (1995)، وقال: (حسن غريب)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (6288).
    [121] الترويح في ضوء النصوص الشرعية،"حلقة بحث الترويح في المجتمع الإسلامي"، لمناع القطان: 37.
    [122] البخاري (6130), مسلم (2440).
    [123] أبو داود (4932) , البيهقي: 10 / 229، وصححه الألباني في آداب الزفاق: 203.
    [124] مجتمع شعر الناصية، انظر: فتح الباري، لابن حجر: 7 / 224.
    [125] البخاري (3894).
    [126] البخاري (6129)، أحمد (12980)، واللفظ له.
    [127] البخاري (77)، قال ابن حجر في شرح الحديث: (قوله: ”تلاعبها وتلاعبك"، زاد في رواية النفقات: ”وتضاحكها وتضاحكك", وهو مما يؤيد أنه من اللعب. ووقع عند الطبراني من حديث كعب بن عجرة.. فذكر نحو حديث جابر، وقال فيه: ”وتعضها وتعضك", ووقع في رواية لأبي عبيدة: ”تذاعبها وتذاعبك", بالذال بدل اللام. وأما ما وقع في رواية محارب بن دثار عن جابر.. بلفظ: ”مالك وللعذارى ولعابها"، فقد ضبطه الأكثر بكسر اللام، وهو مصدر من الملاعبة أيضاً، يقال: لاعب لعاباً وملاعبة، مثل قاتل قتالاً ومقاتلة. ووقع في رواية المستملي بضم اللام، والمراد به: الريق، وفيه إشارة إلى مص لسانها، ورشف شفتيها، وذلك يقع عند الملاعبة والتقبيل).
    [128] البخاري (3750)،أحمد (40).
    [129] البخاري (3749).
    [130] البخاري (950) , مسلم (892).
    [131] مسلم (892).
    [132] البخاري (4791).
    [133] سبق تخريجه.
    [134] مسلم (4779).
    [135] البخاري (2870).
    [136] البخاري (2872).
    [137] أبو داود (4078) , الترمذي (1784) , وقال: (حديث حسن غريب وإسناده ليس بالقائم) , وحسنه الألباني في إرواء الغليل (1503).
    [138] البيهقي: 10 / 18.
    [139] كشف الأستار، للهيثمي(2053)، وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة(3295).
    [140] رياضة الأبدان، لأبي نعيم:20.
    [141] البخاري (2743).
    [142] مسلم (892).
    [143] سبق تخريجه.
    [144] أحمد (323)، وحسنه إسناده الأرنؤوط.
    [145] البخاري (5590).
    [146] مسلم (2260).
    [147] الترمذي (1708)، وقد رواه مرسلاً عن مجاهد (1709)وحكى أن المرسل أصح، وكذا قال المنذري في مختصر السنن: 3/391، وضعف الألباني المرفوع في ضعيف الجامع (6049)، و التحريش: الإغراء بين القوم أو الكلاب وذلك بتدريبها على ما يشبه المصارعة بهدف التسلي بذلك.
    [148] مسلم(1957).
    [149] البخاري مع الفتح (5963).
    [150] الأدب المفرد، للبخاري(252)، وحسنه الألباني.


    فيصل بن علي البعداني

     
  2. #2
    الأخطل الصغير is on a distinguished road
    تاريخ التسجيل
    15 / 10 / 2008
    الدولة
    مجهولة
    المشاركات
    112
    معدل تقييم المستوى
    317

    افتراضي رد: الترويح عن النفس في الإسلام3


     
  3. #3
    ابو مالك has a reputation beyond repute ابو مالك has a reputation beyond repute ابو مالك has a reputation beyond repute ابو مالك has a reputation beyond repute ابو مالك has a reputation beyond repute ابو مالك has a reputation beyond repute ابو مالك has a reputation beyond repute ابو مالك has a reputation beyond repute ابو مالك has a reputation beyond repute ابو مالك has a reputation beyond repute ابو مالك has a reputation beyond repute الصورة الرمزية ابو مالك
    تاريخ التسجيل
    20 / 03 / 2007
    الدولة
    الأردن
    العمر
    51
    المشاركات
    6,574
    معدل تقييم المستوى
    7072

    افتراضي رد: الترويح عن النفس في الإسلام3

    شكرا لمرورك على مشاركتي

     
  4. #4
    صناع الحياة has a reputation beyond repute صناع الحياة has a reputation beyond repute صناع الحياة has a reputation beyond repute صناع الحياة has a reputation beyond repute صناع الحياة has a reputation beyond repute صناع الحياة has a reputation beyond repute صناع الحياة has a reputation beyond repute صناع الحياة has a reputation beyond repute صناع الحياة has a reputation beyond repute صناع الحياة has a reputation beyond repute صناع الحياة has a reputation beyond repute الصورة الرمزية صناع الحياة
    تاريخ التسجيل
    09 / 06 / 2005
    الدولة
    مصر
    العمر
    52
    المشاركات
    21,349
    معدل تقييم المستوى
    26561

    افتراضي رد: الترويح عن النفس في الإسلام3


     
  5. #5
    ابو مالك has a reputation beyond repute ابو مالك has a reputation beyond repute ابو مالك has a reputation beyond repute ابو مالك has a reputation beyond repute ابو مالك has a reputation beyond repute ابو مالك has a reputation beyond repute ابو مالك has a reputation beyond repute ابو مالك has a reputation beyond repute ابو مالك has a reputation beyond repute ابو مالك has a reputation beyond repute ابو مالك has a reputation beyond repute الصورة الرمزية ابو مالك
    تاريخ التسجيل
    20 / 03 / 2007
    الدولة
    الأردن
    العمر
    51
    المشاركات
    6,574
    معدل تقييم المستوى
    7072

    افتراضي رد: الترويح عن النفس في الإسلام3

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة صناع الحياة مشاهدة المشاركة

    شكرا لمرورك العطر على مشاركتي أخ صناع الحياة

     

 
+ الرد على الموضوع

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

     

مواقع النشر (المفضلة)

مواقع النشر (المفضلة)

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك