حكم القيام لمصافحة القادم
السؤال:
- كثيراً من أتعرض لهذا الموقف. يأتي أحد الأخوة ليسلم علي فلا أقوم لعلمي أنه منهي عن الوقوف للسلام على القادم. فما حكم الإسلام في ذلك وما نص الحديث الدال على ذلك.
1- ما حكم الوقوف امام مديري وهو جالس ونحن نتحدث ؟ وما نص الحديث الوارد في ذلك؟
2- هل المقصود (بجذ أو إنهاك أو حف ) الشارب حلقة الموس ؟ كما جاء في الاحاديث.
الجواب:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعلى آله وصحبه، أما بعد
فإن القيام للقادم إذا كان لقصد المصافحة والتبشش به، أو للتهنئة وما شابه ذلك؛ فجائز بل هو من السنة ومكارم الأخلاق، ما لم يكن تعظيماً؛ وقد دلت عليه أدلة من السنة منها:
روى النسائي في الكبرى، والترمذي عن عائشة أم المؤمنين، قالت: ((كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا رأى فاطمة ابنته قد أقبلت رحَّب بها، ثم قام إليها فقبلها، ثم أخذ بيدها حتى يجلسها في مكانه)).
ومنها حديث كعب بن مالك في قصة توبته وفيه: "فقام إليَّ طلحة بن عبيد الله يهرول حتى صافحني وهنَّاني... الحديث"، قال الإمام النووي: القيام للقادم من أهل الفضل مستحبٌّ, وقد جاء فيه أحاديث, ولم يصحَّ في النهي عنه شيء صريح. اهـ.
وقال ابن القيم: وقد قال العلماء: يستحب القيام للوالدين والإمام العادل وفضلاء الناس, وقد صار هذا كالشعار بين الأفاضل. فإذا تركه الإنسان في حقِّ من يصلح أن يفعل في حقه لم يأمن أن ينسبه إلى الإهانة والتقصير في حقه, فيوجب ذلك حقداً, واستحباب هذا في حق القائم لا يمنع الذي قام له أن يكره ذلك, ويرى أنه ليس بأهل لذلك. وورد عن أنس - رضي الله عنه - قال: لم يكن شخص أحبَّ إليهم من النبي- صلى الله عليه سلم- وكانوا إذا رأوه لم يقوموا, لما يعلمون من كراهيته لذلك.اهـ.
أما النهي عن القيام للقادم فلم يصحَّ فيه حديث وإنما وردت أحاديث ضعيفة؛ منها ما رواه أحمد وأبو داودعن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: "لا تقوموا كما تقوم الأعاجم يعظِّم بعضهم بعضاً"، ولكنه ضعيف مضطرب السند وفيه من لا يُعرف، قال العراقي في تخريج أحاديث الإحياء: في سنده أبو العديس وهو مجهول.
وإنما الثابت عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- هو حرمة محبَّة الإنسان قيام الناس إليه افتخاراً أو تعاظماً، وهو ما أخرجه البخاري في " الأدب " و أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن، عن معاوية رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :"من أحبَّ أن يتمثَّل له الرجال قياماً فليتبوَّأ مقعده من النار".
قال الإمام ابن القيم في "حاشية السنن": والقيام ينقسم إلى ثلاث مراتب: قيام على رأس الرجل وهو فعل الجبابرة، وقيام إليه عند قدومه ولا بأس به، وقيام له عند رؤيته وهو المتنازع فيه. اهـ.
وقد أباح القيام للمصافحة كثير من أهل العلم واستدلوا بقصة سعد بن معاذ عند البخاري وفيه: "قوموا إلى سيدكم". وأجيب بأن قيامهم إليه كان لحاجة، وهي إنزاله عن دابته لمرضه رضي الله عنه،و يدلُّ عليه رواية أحمد: "قوموا إلى سيدكم فأنزلوه" حسَّنه الحافظ ابن حجر في الفتح وقال: وهذه الزيادة تخدش في الاستدلال بقصة سعد على مشروعية القيام المتنازع فيه. اهـ.
وعليه فيجوز لك القيام لمصافحة الناس عند قدومهم لاستقبالهم؛ أما وقوفك أمام مديرك وهو جالس، فلم يصح الدليل في النهي عنه، ولكن أكثر العلماء على كراهته، فيمكنك أن تستأذنه وتجلس، فلو تعذَّر فلا شيء عليك. والله أعلم.
أما "جزُّ أو إنهاك أو حفُّ الشارب": فإن الفقهاء قد اتفقوا على أن الأخذ من الشارب من خصال الفطرة، ولكن اختلفوا في ضابط الأخذ من الشارب, هل يكون بالقصِّ أو بالحلق أو بالإحفاء؟
فمذهب الحنفية، كما حكاه ابن عابدين في "رد المحتار" قال: واختلف في المسنون في الشارب هل هو القص أو الحلق؟ المذهب عند بعض المتأخرين من مشايخنا أنه القص، قال في (البدائع): وهو الصحيح، وقال الطحاوي: القص حسن، والحلق أحسن، وهو قول علمائنا الثلاثة. ا.هـ
وذهب المالكية إلى أن السنة: القصُّ لا الإحفاء, والشارب لا يحلق بل يقص, قال يحيى: سمعت مالكاً يقول: يؤخذ من الشارب حتى يبدو طرف الشفة وهو الإطار, ولا يجزه فيمثل بنفسه.
وذهب الشافعية إلى أن قص الشارب سنة للأحاديث الواردة في ذلك, قال النووي في "المجموع" : ضابط قص الشارب أن يقص حتى يبدو طرف الشفة، ولا يحفُّه من أصله هذا مذهبنا. اهـ.
وذهب الحنابلة إلى أنه يسن قص الشارب أي: قص الشعر المستدير على الشفة, أو قص طرفه, وحفُّه أولى نصًّا.
ومما سبق يتبين أن المذهب القائل بالتخيير بين القص والحف هو الراجح؛ لثبوت الأمرين عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقد روى مسلم عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " خالفوا المشركين احفوا الشوارب، و أعفوا اللحى"، وفي الصحيحين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "جزوا الشوارب، و أرخوا اللحى، خالفوا المجوس". وفيهما عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "الفطرة خمس...وقص الشارب".
قال الحافظ ابن حجر في الفتح: قال الطبري:..دلَّت السنة على الأمرين، ولا تعارض، فإن القص يدل على أخذ البعض، والإحفاء يدل على أخذ الكل، وكلاهما ثابت فيتخير فيما شاء... ويرجح قول الطبري ثبوت الأمرين معاً في الأحاديث المرفوعة.اهـ.
هذا؛ وإن كنا نرى أن التقصير أولى من الحف، لأنه الثابت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فعن ابن عباس قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يقص شاربه"، رواه الترمذي وحسنه، وأخرج البيهقي والطبراني من طريق شرحبيل بن مسلم الخولاني قال: "رأيت خمسة من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقصُّون شواربهم و روى الطبراني في "المعجم الكبير أن عمر رضي الله عنه كان إذا غضب فتل شاربه ونفخ".
حكم إحضار الصبيان إلى المساجد
السؤال:
يحضر بعض المصلين إلى المسجد ومعهم صبيانهم الذين لم يبلغوا سن التمييز ، وهم لا يحسنون الصلاة ، ويصفّون مع المصلين في الصف، وبعضهم يعبث ويزعج من حوله .. فما حكم ذلك ؟ وما توجيهكم لأولياء أمور أولئك الصبيان ؟
الجواب:
الذي أرى أن إحضار الصبيان الذين يشوشون على المصلين لا يجوز ؛ لأن في ذلك أذيّة للمسلمين الذين يؤدون فريضة من فرائض الله، وقد سمع النبي صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه يصلّون ويجهرون بالقراءة ؛ فقال صلى الله عليه وسلم : "لا يَجْهَرَنَّ بَعْضُكم على بَعْضٍ في القراءة" [1]، وفي حديث آخر : "لا يُؤْذِيَنَّ بَعْضُكم بعضاً" [2]، فكلّ ما فيه أذيّة للمصلّين فإنه لا يحل للإِنسان أن يفعله.
فنصيحتي لأولياء أمور هؤلاء الصبيان ألا يحضروهم إلى المسجد، وأن يسترشدوا بما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم ؛ حيث قال : "مُرُوا أَبْنَاءَكُم بالصلاة لِسَبْعٍ، واضْرِبُوهم عليها لِعَشْرٍ"[3].
كما أنني أيضاً أوجه النصيحة لأهل المسجد بأن تتسع صدورهم للصبيان الذين يشرع مجيئهم إلى المسجد، وألا يشقوا عليهم، أو يقيموهم من أماكنهم التي سبقوا إليها ؛ فإنه من سبق إلى شيء فهو أحق به؛ سواء كان صبياً أو بالغاً، فإقامة الصبيان من أماكنهم في الصف فيه :
أولاً : إهدار لحقهم ؛ لأن من سبق إلى مالم يسبقه إليه أحد من المسلمين فهو أحق به.
ثانياً : فيه تنفير لهم عن الحضور إلى المساجد.
وثالثاً : فيه أن الصبي يحمل حقداً أو كراهية على الذي أقامه من المكان الذي سبق إليه.
ورابعاً :أنه يؤدي إلى اجتماع الصبيان بعضهم إلى بعض؛ فيحصل منهم من اللعب والتشويش على أهل المسجد مالم يكن ليحصل إذا كان الصبيان بين الرجال البالغين.
أما ما ذكره بعض أهل العلم - من أن الصبي يقام من مكانه حتى يكون الصبيان في آخر الصف أو في آخر صف في المسجد استدلالاً بقول النبي صلى الله عليه وسلم : "لِيَلِنِي مِنْكُم أُولُو الأحلامِ والنُّهَى" [4] - فإنه قول مرجوح معارض بقول النبي صلى الله عليه وسلم : "مَنْ سَبَقَ إلى ما لَمْ يَسْبِقْهُ إليه أحدٌ فهو أحقُّ به" [5]، واستدلالهم بقول النبي صلى الله عليه وسلم : "لِيَلِنِي منكم أُولُوا الأحلامِ والنُّهَى" لا يتمّ ؛ لأن معنى الحديث : حث أولي الأحلام والنهى على التقدّم حتى يلوا النبي صلى الله عليه وسلم ؛ لأنهم أقرب إلى الفقه من الصغار، وأتقن لوعي ما رأوه من النبي صلى الله عليه وسلم أو سمعوه، ولم يقل النبي صلى الله عليه وسلم: لا يليني إلا أولو الأحلام والنهى. ولو قال : لا يلني إلا أولو الأحلام والنهى ؛ لكان القول بإقامة الصبيان من أماكنهم في الصفوف المتقدمة وجيهاً، لكن الصيغة التي جاء بها الحديث هي أمره لأولي الأحلام والنهى بأن يتقدّموا حتى يلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
[1] «موطأ مالك» 1/80 (177)، وأحمد (4/344)، والنسائي في «الكبرى» (8091)، والبيهقي في «الكبرى» (4480)، (من حديث البياضي رضي الله عنه). قال في «مجمع الزوائد» (2/265): «رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح».
[2] أبو داوود (1332)، والنسائي في «الكبرى» (8092)، وعبدالرزاق في «مصنفه» (4216)، والحاكم في «المستدرك» 1/311 (1169) وصححه ووافقه الذهبي. (من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه).
[3] أحمد (2/180، 187)، وأبو داوود (495)، وبنحوه مختصراً : الترمذي (407) وقال : «حسن صحيح». وقال الألباني في «صحيح أبي داوود» (466) : «حسن صحيح».
[4] مسلم (432).
[5] أخرجه بنحوه : أبو داوود (3071)، والطبراني في «الكبير» (814)، والبيهقي في «الكبرى» (11559، 11616، 11617)، والضياء المقدسي في «المختارة» (1434). وحسنه الحافظ ابن حجر في «الإصابة» 1/67 (145).
سماحة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين
ما يُفعل وقت الفتن
السؤال:
هل هذا الزمان هو المقصود من قول الرسول صلى الله عليه وسلم عندما سأله صحابي: ماذا أفعل عندما تكثر الفتن والفرقة ؟ فقال له ردًا على سؤاله: "اعتزل الناس اجلس في بيتك"، وفي [الصحيح] في كتاب الفتن، باب (كيف الحال إذا لم يكن خليفة) الحديث فيما معناه: أنه صلى الله عليه وسلم أمرهم عند نزول النوازل بالاعتزال، وقال: "ولو أن تعضّ على أصل شجرة": نرجو توضيح هذا الحديث، وأقوال العلماء فيه.
الجواب:
في الصحيحين، وغيرهما، واللفظ للبخاري: عن أبي إدريس الخولاني: أنه سمع حذيفة بن اليمان رضي الله عنه يقول: كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فقلت: يا رسول الله، إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر ؟ قال: "نعم" ، قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير ؟ قال: "نَعَم؛ وفيه دَخَن" [1] قلت: وما دَخَنُهُ ؟ قال: "قوم يَهْدُونَ بغير هَدْيِي تَعْرِفُ منهم وتُنْكِر" قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر ؟ قال: "نعم؛ دُعاةٌ على أبواب جهنم مَنْ أَجَابَهُم إليها قَذَفُوهُ فيها" قلت: يا رسول الله، صِفْهُم لنا، قال: "هُمْ من جِلْدَتِنا ويتكلَّمُون بألسِنَتِنَا" قلت: فما تأمُرُني إن أدركني ذلك ؟ قال: "تَلْزَمُ جَمَاعةَ المسلمين وإِمَامَهُم" قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام ؟ قال: "فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الفِرَقَ كُلَّها ولو أن تَعُضَّ بأَصْلِ شَجَرَةٍ، حتى يُدْرِكَكَ الموت وأنت على ذلك"[2].
والزمن ليس خاصًا بهذا الزمان، وإنما هو عام في كل زمان ومكان؛ من عهد الصحابة رضي الله عنهم زمن الفتنة والخروج على عثمان رضي الله عنه.
والمراد من اعتزال الناس زمن الفرقة: ما ذكره الحافظ ابن حجر رحمه الله في «الفتح» عن الطبري أنه قال: متى لم يكن للناس إمام فافترق الناس أحزاباً فلا يتبع أحدًا في الفرقة، ويعتزل الجميع إن استطاع ذلك خشية من الوقوع في الشر[3]. ومتى وجد جماعة مستقيمة على الحق لزمه الانضمام إليها وتكثير سوادها والتعاون معها على الحق؛ لأنها - والحال ما ذكر - هي جماعة المسلمين بالنسبة إلى ذلك الرجل وذلك المكان.
وبالله التوفيق. وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
ــــــــــــــــــــ
[1] معنى (وفيه دَخَنٌ): أي كَدَر، تشبيهًا له بدُخان الحطب، والمعنى: لا يكون ذلك الخير خالصاً بل فيه كَدَر، ولا تصفو القلوب بعضها لبعض؛ بل فيها حقد وفساد واختلاف. انظر: «شرح النووي على مسلم» (2/236، 237)، و«فتح الباري» (13/36).
[2] البخاري (3606، 7084)، ومسلم (1847).
[3] «فتح الباري» (13/37).
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
مواقع النشر (المفضلة)