بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ومن اهتدى بهديه، واتبع سنته إلى يوم الدين، أما بعد:
فموضوع درسنا هذا اليوم هو شركات التسويق الهرمي، وهذه الشركات قد برزت في الآونة الأخيرة، وتعددت وحصل فيها خلاف كثير بين العلماء المعاصرين، باعتبارها نازلة من النوازل، ونحن نذكر في هذا الدرس حقيقة هذه الشركات، والتكييف الفقهي لها، ثم حكمها الشرعي، مع الإشارة إلى آراء العلماء المعاصرين فيها، وبيان القول الراجح.
هذه الشركات نشأت أول ما نشأت في بلاد الغرب، ثم انتقلت للمجتمعات الإسلامية؛ ولهذا حصل الخلاف بين العلماء فيها، ويتلخص عملها في أن هذه الشركات تقوم بإقناع الشخص بشراء سلعة أو منتج على أن يقوم بإقناع الآخرين بالشراء، ثم هؤلاء المشترين يقنعون آخرين وهكذا، وكلما زادت طبقات المشتركين حصل الأول على عمولات أكثر تبلغ آلاف الريالات، وكل مشترك يسعى لإقناع من بعده بالاشتراك مقابل هذه العمولات الكبيرة، وهذا ما يسمى بالتسويق الهرمي أو الشبكي.
ومن أمثلة هذه الشركات، شركة بزناس، وشركة هبة الجزيرة، وأيضًا شركة سمارتس واي، وجولد كويست، وسفن دايموند ونحوها، لكن أبرزها شركة بزناس وشركة هبة الجزيرة، وقد تختلف فيما بينها في الطريقة وفي الأسلوب، ولكنها في الأصول والجذور متفقة، فيجمعها أنها تنبني على التسويق الهرمي أو الشبكي، فمثلًا شركة بزناس فكرتها أن يشتري الشخص منتجات الشركة، وهي عبارة عن برامج، وموقع بريد إليكتروني بمبلغ تسعة وتسعين ريالا، ويُعطى بعد الشراء الفرصة في أن يسوق منتجاتها لآخرين مقابل عمولات محددة، ثم يقوم هذا الشخص بإقناع آخرين إلى آخره، كما ذكرنا حتى تتكون شجرة على شكل هرم.
وتشترط الشركة لاحتساب العمولات ألا يقل مجموع الأفراد الذين يتم استقطابهم عن تسعة أشخاص في شجرة المشتري، على ألا يقل عدد الأعضاء تحت كل واحد من الاثنين الأولين عن اثنين، وتبلغ العمولة خمسة وخمسين دولارًا، ويتم صرف العمولة في مقابل كل تسعة أشخاص في التسلسل الهرمي، وتتضاعف في كل مرة يضاف فيها مستوى جديد، أو طبقة جديدة للشركة، وإذا افترضنا أن الشركة تنمو كل شهر، بمعنى أن كل شهر ينضم شخصان إلى كل شخص في الهرم، فهذا يعني أن العمولة التي يحصل عليها العضو تصل إلى أكثر من خمس وعشرين ألف دولار في الشهر الثاني عشر، ويستمر هذا التضاعف في كل شهر، وهذا في الحقيقة هو مصدر الإغراء في هذا النوع من البرامج، لمجرد مقابل دفع مبلغ زهيد تسعة وتسعين دولار، يحصل المشترك على مئات بل آلاف أضعاف هذا المبلغ، وهذه هي فكرة هذه الشركة، قد لا تكون مفهومة للجميع بالقدر الكافي؛ لأن طريقتها يشوبها شيء من الغموض، ولكن فكرتها تدور حول التسلسل الهرمي، وأن الإنسان يُعطيهم تسعة وتسعين دولار، وبعد ذلك يحصل على عمولات كبيرة تصل إلى عشرات الآلاف من الدولارات، وهذه الشركة أول ما برزت هنا في المملكة سعوا لاستصدار فتاوى من بعض المشايخ، وقد حصلوا بالفعل على بعض الفتاوى، وإن كانوا يريدون فتوى تكون أكثر قوة دعم لهم.
واذكر أنه قبل ثلاث سنوات جمعوا عددًا من طلاب العلم كنتُ واحدا منهم، وقد حضر رئيس الشركة من عُمان، وشرح لنا طريقة الشركة بالتفصيل، اشترطنا عليه أن يلتزم بما نصدره من فتوى فالتزم بهذا.
ثم لمَّا رؤي اتجاه الموجودين إلى المنع طُلب استكمال اللقاء في وقت آخر، كان اجتماعنا في رمضان قبل ثلاث سنوات وُعدنا باستكمال الاجتماع بعد رمضان، ولكن لم يحصل هذا إلى الآن.
وسعى بعض الإخوة إلى إقناع اللجنة الدائمة بعدم إصدار فتوى في الشركة، وذهبوا إلى بعض المشايخ حتى في منازلهم، ولكن المشايخ أعضاء اللجنة أصدروا فتوى واضحة وصريحة في هذه الشركة ومثيلاتها.
وأما شركة هبة الجزيرة فهي شبيهة بشركة بزناس من حيث الفكرة، وطريقة عملها تقوم على بيع أسطوانة أو قرص حاسب آلي، محتوي على برامج لفنون شرعية، من فقه وحديث وتفسير، تُباع هذه الأسطوانة بخمسمائة ريال، وكل شخص يتسوق من هذه الشركة فإنه يندرج تحت اسمه عدد من المشترين، وبمجرد اكتمال أربعة مشترين تحت هذا الشخص فإنه يستحق مبلغ ستمائة ريال مكافئة من الشركة، والمتسوق ليس ملزما بإحضار هؤلاء الأربعة.
أما إذا أحضر المتسوق عن طريقه أشخاصًا يرغبون في التسوق، فإنه يستحق عن كل شخص مبلغ قدره خمسة وسبعين ريال، وإذا اكتمل تحت المشتري ثلاثمائة وأربعون متسوقا فإن هذا المتسوق الأول يستحق مبلغا قدره اثنان وأربعون ألف ريال وخمسمائة ريال، إذا اكتمل تحت المشتري ثلاثمائة وأربعون متسوقا فإن المتسوق الأول يستحق مبلغا قدره اثنان وأربعون ألفا وخمسمائة ريال، هبة من الشركة، وتجميع الثلاثمائة والأربعون متسوق مسئولية الشركة لا المشتري، يعني أنك مجرد ما تشتري الأسطوانة بخمسمائة ريال قد تحصل على عمولات تصل إلى اثنين وأربعين ألف وخمسمائة ريال، ويعتبرون أن هذا هبة من الشركة.
يقولون: أنت اشتريت هذه الأسطوانة لتنتفع وتستفيد منها، وهذه عمولات على كونك أتيت بالمشترين من بعدك، أو حتى لو لم تأت بأحد فإنك تستحق أيضًا عمولات، وهذه العمولات إذا تراكمت تصل إلى اثنين وأربعين ألف وخمسمائة ريال، إذن هذه الأسطوانة، وهذا النوع من التسويق الهرمي، كما ذكرت هذا النوع من الشركات يُعتبر نازلة من النوازل، لأنها لم تكن معروفة في المجتمعات الإسلامية من قبل، ومن هنا اختلف العلماء المعاصرون في حكمها على قولين:
القول الأول: المنع وأن هذا النوع من الشركات محرم شرعًا، وإلى هذا ذهب أكثر العلماء المعاصرين، وصدر به فتوى من الجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
القول الثاني: الجواز، ثم اختلف أصحاب هذا القول فمنهم من أجازها مطلقًا من غير قيود، ومنهم من قيدها، بأن تقدم الشركة خدمات حقيقية نافعة وليست صورية.
ومنهم من قيدها بشرطين:
الأول: أن تبيع الشركة المنتج بسعر السوق.
والثاني: أن يكون المشتري لهذا المنتج بحاجة إليه وراغبا فيه.
ونأتي لأدلة لكل قول ثم نبين القول الراجح.
ولعلنا نبدأ بالقول الثاني وهم القائلون بالجواز: فعللوا قولهم بالجواز بأن الأصل في العقود الحِل والإباحة، وأن ما ذكر من عمولات يحصل عليها المشتري قد تصل إلى أكثر من أربعين ألفا إنما هي مبنية على حق السمسار، وهو الوسيط بين البائع والمشتري، فهي مقابل سمسرة، هذه العمولات مقابل سمسرة، قالوا: وأخذ العمولة مقابل السمرة جائز شرعًا، وكون نصيبه يزيد بزيادة عدد المشترين لا مانع منه، لأن الأصل هو صحة العقود إذا سلمت من الغرر والمخاطرة والربا، إذن هذه وجهة أصحاب هذا القول، فمعتبر أن هذه العمولات مقابل سمسرة، وهذا يشتري منتج والأصل في العقود الصحة، فما المانع من صحة هذا التعامل. وأما زيادة المبلغ، فقالوا: بسبب زيادة أعداد المشترين، فنزيد قيمة هذه السمسرة.
وأما من قيد الجواز بأن تكون هذه المنتجات تحتوي على خدمات حقيقية وليست صورية فقال: لأنها إذا كانت صورية، فإنه يرد عليها عدة محاذير شرعية من الربا والغرر وغيره، وأما من قيد ذلك بالشرطين: بأن تكون الشركة تبيع المنتج بسعر السوق، وأن يكون المشتري راغبا في ذلك، فقال: لأن هذه العمولات تكيف على أنها هبة إذا تحقق هذان الشرطان، يعني هذه العمولات إذا تحقق هذان الشرطان تعتبر هبة من الشركة، فإذا كانت الشركة تبيع المنتج بسعر السوق، وكان المشتري راغبا في شراء المنتج، فإن ما زاد على ما أُعطي المشتري بعد ذلك يُعتبر هبة من الشركة، والواقع أن هذا التقيد مؤداه للقول الأول؛ لأن الشركة في الواقع لا تبيع المنتج بسعر السوق. فالقائل بهذا القول بناءً على هذا يلزمه بأن يقول بالمنع، فيكون مؤدى هذا التفصيل هو القول الأول.
إذن هذه هي وجهة القائلين بالجواز على التفصيل الذي أوردناه.
وأما القائلون بالمنع فقد صدر في هذا فتوى من اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، وأجابت إجابة مفصلة بتاريخ الرابع عشر من شهر ربيع الأول لعام ألف وأربعمائة وخمسة وعشرين للهجرة، فتوى رقم اثنين وعشرين ألف وتسعمية وخمسة وثلاثين، ذهبت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء برئاسة سماحة المفتي إلى: أن هذا النوع من المعاملات محرم، وذلك لأن مقصود المعاملة هو العمولات، وليس المنتج، المقصود هو العمولات وليس المنتج، وهذه العمولات قد تصل إلى عشرات الآلاف، في حين لا يتجاوز ثمن المنتج بضع مئات، وكل عاقل إذا عرض عليه الأمران، فإنه سيختار العمولات، ولهذا كان اعتماد هذه الشركات في التسويق والدعاية لمنتجاتها هو إبراز حجم العمولات الكبيرة التي يمكن أن يحصل عليها المشترك، وإغراؤه بالربح الفاحش مقابل مبلغ يسير هو ثمن المنتج، الواقع أن المنتج الذي تسوقه هذه الشركات هو مجرد ستار وذريعة للحصول على العمولات والأرباح، ولهذا فإن أكثر المشترين إن لم نقل جميع المشترين لهذا المنتج، الذي هو مثلًا في شركة هبة الجزيرة أسطوانة، إنما قصدهم العمولات والمكافآت، وليس قصدهم الانتفاع بهذا المنتج، ولهذا نجد أن منهم من يشتري هذا المنتج وليس عنده جهاز الحاسب أصلًا، ومنهم من يشتري هذا المنتج وليس عنده اهتمام بالعلم الشرعي، بل قيل إن من المشترين من يشتري هذا المنتج وهو لا يتحدث باللغة العربية لأنه الغرض هو الحصول على العمولات، بل قيل إنه أيضًا إن منهم من ليس بمسلم أصلًا، وبعضهم يشتري هذا المنتج ويُعطيه غيره، ولا يعبأ به، وأيضًا بعضهم يشتري عددا كبيرًا من هذا المنتج، حتى ذكر أن أحدهم اشترى بأكثر من مائتي ألف، معلوم أنه تكفيه أسطوانة واحدة في منتج واحد، فماذا يفعل بهذا العدد الهائل من الأسطوانات، وبهذا نعرف بأن الهدف الحقيقي للمشتركين في هذه الشركات إنما هو الحصول على هذه العمولات وهذه المكافآت التي تصل إلى آلاف مؤلفة، وإذا كان ذلك كذلك فإن هذا التعامل أو حقيقة هذه المعاملة أنها محرمة لوجوه:
الوجه الأول: أنها تضمنت الربا بنوعيه ربا الفضل وربا النسيئة، المشترك يدفع مبلغًا قليلًا من المال ليحصل على مبلغ كبير، فهي نقود بنقود مع التفاضل والتأخير، وهذا هو الربا المحرم، والمنتج الذي تبيعه الشركة على العامين ما هو إلا ستار للمبادلة، فهو غير مقصود للمشترك، ولا تأثير له في الحكم؛ ولهذا فإن هذا المنتج يُباع مثلًا بخمسمائة ريال بينما قيمة السوقية - وليس ما تدعيه الشركة - أقل من هذا بكثير، وبناء على أن الشركة لا تحتفظ بحقوق يعني أنها تسمح بالنسخ فربما يصل إلى عشرة ريالات أو أقل، وإذا تتجاوزنا فربما نقول أنه يصل إلى مائة ريال، فيكون المبلغ المتبقي يتناول الربا، يعني أربعمائة ريال مثلًا أو أكثر، يدفعها الإنسان ويحصل مقابل هذا المبلغ على أضعاف مضاعفة، هذا هو الربا الفضل وأيضًا يجتمع معه ربا النسيئة لأن فيه تأخير، وأيضًا من المحاذير التي اشتملت عليها هذه المعاملة أنها من الغرر المحرم شرعًا. لأن المشترك لا يدري هل ينجح في تحصيل العدد المطلوب من المشتركين أم لا؟
وهذا التسويق الشبكي أو الهرمي مهما استمر فإنه لا بد أن يصل إلى نهاية يتوقف عندها، لا بد أن يصل إلى نهاية يتوقف عندها، ولا يدري المشترك حين انضمامه إلى الهرم، هل سيكون في الطبقات العليا فيكون رابحًا، أو في الطبقات الدنيا فيكون خاسرًا.
والواقع أن معظم أعضاء الهرم خاسرون إلا القلة القليلة، فالغالب هو الخسارة، وهذه هي حقيقة الغرر، وهي التردد بين أمرين أغلبهما أخوفهما، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم، عن الغرر.
المحذور الثالث مما اشتملت عليه هذه المعاملة: أكل أموال الناس بالباطل، حيث لا يستفيد من هذا العقد إلا الشركة، ومن ترغب إعطاءه من المشتركين، بقصد خداع الآخرين، وقد قال الله تعالى:يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ
ولهذا نجد أن بعض الدول الغربية منعت هذا التعامل إذا كان بدون منتج، فعملت هذه الشركات واحتالت ووضعت هذا المنتج ليكون غطاءًا وستارًا؛ ليحميهم من الملاحقة القانونية في بلاد الغرب، ثم انتقل إلى بلاد المسلمين بهذا التصور.
رابعًا: اشتملت أو تشتمل هذه المعاملة على الغش والتدليس والتلبيس على الناس، من جهة إظهار المنتج، وكأنه هو المقصود في المعاملة، والحال خلاف ذلك، ومن جهة إغرائهم بالعملات الكبيرة التي لا تتحقق غالبًا، وهذا في الحقيقة من الغش المحرم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:من غش فليس منا
فهذا النوع من التسويق في الحقيقة يصنف من حيث المبدأ ضمن صور الغش والاحتيال التجاري، وقد تناولت كتبٌ ودراسات وأبحاث تحذر من هذه الشبكات، والوهم والتغرير التي توقع أتباعها، وتأتيهم من جهة الطمع، وتجعلهم يحلمون بالثراء السريع، مقابل مبالغ محدودة يبذلونها، وهي في نهاية الأمر تصب في جيوب أصحاب هذه الشركات والمنظمات، ولا يحصد الأتباع سوى السراب.
ولذلك كما أشرنا هناك قوانين في العديد من دول العالم، التي تمنع من التنظيم الهرمي، أو التسويق الهرمي، بشكل أو بآخر.
وعلى سبيل المثال، هيئة الأوراق المالية بباكستان، حذرت الناس من التعامل مع شركة بزناس العاملة هناك، وقالت في تحذيرها: إن الشركة المذكورة تطلع بممارسات غير مشروعة وتحايلية وغير أخلاقية، كما أن هناك شركة شبيهة بشركة بزناس تعمل في نفس المجال اسمها سكايبز، وهي مقرها الولايات المتحدة، ولها فروع في العالم، هذه الشركة قد رفعت وزارة التجارة الأمريكية ضدها قضية، تتهمها بالغش والاحتيال على الناس، رفعت وزارة التجارة الأمريكية قضية ضدها بتهمة الغش والاحتيال على الناس، وصدر قرار المحكمة بإيقاف عمليات الشركة وتجميد أصولها تمهيدًا لإعادة الأموال إلى العملاء، وهي شبيهة بشركة بزناس.
فإذًا إذا كان هذا عند دول الغرب أنهم يصنفون هذه الشركات من شركات الغش والاحتيال التجاري، لا شك أن شريعة الإسلام تمنع مثل هذا، بل هي أولى بأن تمنع هذه الطرق وهذه الأساليب، التي تقوم في أساسها على الغش وعلى الاحتيال التجاري. هذه هي وجهة أصحاب هذا القول، وكما ترون أدلة هذا القول قوية، وظاهرة جدا، لهذا فإن هذا القول هو الراجح والله تعالى أعلم في هذه المسألة، وهو تحريم هذا النوع من الشركات، وهذا النوع من التعامل، لهذه الوجوه التي ذكرناها.
والذي يظهر لي أن سبب الخلاف في هذه المسألة يرجع إلى الخلاف في قيمة المنتج الذي تسوقه الشركة، الشركة تدعي أن قيمة هذا المنتج 500 ريال مثلا في ... ... الجزيرة، ولكن قيمته الحقيقية السوقية أقل من هذا، أقل من هذا بكثير، والعبرة بالقيمة السوقية لا بما تدعيه الشركة، انتبهوا إلى هذه النقطة. العبرة في الحقيقة بالقيمة السوقية لا بما تدعيه الشركة، ولهذا إذا كانت الشركة جادة فلتضع هذا المنتج في الأسواق، وتنظر كم تساوي قيمته.
ولا يعقل أن أسطوانة واحدة تصل قيمتها 500 ريال، وعلى كل حال لو كانت قيمته السوقية تصل إلى هذا لكان هذا مقبولا، ولكان القول بأن ما زاد على ذلك مقابل هبة أو سمسرة، قد يكون مقبولا، ولكن الإشكال هو في هذه النقطة، أن القيمة الحقيقية السوقية لهذا المنتج لا تصل لما تباع به في الأسواق، فترد هذه المحاذير.
والقائلون بالجواز يقولون: إن قيمة هذا المنتج هذه هي قيمته السوقية، ولكن هذا ليس بصحيح، هذا ليس بصحيح، ولهذا أجاب أصحاب القول الأول، وهم قائلون بالمنع، على القائلين بالجواز بأن هذه العملات مقابل السمسرة قالوا بأن هذا غير صحيح، إذ أن السمسرة عقد يحصل بموجبه السمسار على أجر لقاء بيع السلعة، هذه هي حقيقة السمسرة، عقد يحصل السمسار بموجبه على أجر لقاء بيع السلعة، وأما التسويق الشبكي، فإن المشترك في الحقيقة هو الذي يدفع الأجر، هو الذي يدفع الأجر لتسويق المنتج، كما أن السمسرة مقصودها تسويق السلعة حقيقة، خلاف التسويق الشبكي، فإن المقصود هو تسويق العملات وليس المنتج، تسويق العملات وليس المنتج، فالفرق إذًا بين السمسرة وبين التسويق الشبكي ظاهر.
وأما القول بأن هذه العملات من قبيل الهبة فلا يسلم أيضًا، ولو سُلِمْ فليس كل هبة جائزة، لو سلم بأن هذه العملات من قبيل الهبة ليس كل هبة جائزة، فمثلًا الهبة على القرض ربا،كل قرض جر نفعا فهو ربا
الهبة على قرض قبل الوفا فإنها تكون ربا، أو الهبة بعد الوفا المشترطة تكون ربا، وكذلك أيضًا هدايا وهبات العمال غلول، وهبة الموظف لرئيسه في العمل محرمه. فليس إذًا كل هبة تكون مباحة. وهذه العملات إنما وجدت في الحقيقة لأجل الاشتراك في التسويق الشبكي، فمهما أعطيت من أسماء سواء كانت هدية أو هبة أو غير ذلك فلا يُغير ذلك من حقيقتها شيئًا، والحاصل أن هذا النوع من التعامل أنه يشتمل على محاذير من الناحية الشرعية.
وإذا كانت بعض الدول غير المسلمة تمنع منه فالأولى أن يمنع مثل هذا التعامل في المجتمعات الإسلامية، إذ أنه يقوم في الأساس على الغش والتغرير والخداع وإغراء الناس ببذل مبلغًا زهيدا والحصول مقابل ذلك على أرباح كبيرة. فتقوم هذه الشركات في الأساس على هذه الفكرة. ثم أيضًا أي إنسان عاقل يعتقد أنه لا يمكن أي إنسان عاقل إذا تأمل هذه المعاملة فإنه سيدرك أنه لا يمكن لشركة تجارية هدفها الربح أن تبيع منتجا بمائة ريال أو خمسمائة ريال وتهب الناس هبة لوجه الله تعالى، وهذه الهبة تصل إلى أكثر من 42 ألف وخمسمائة ريال، هل هذا معقول؟ أي إنسان يدرك بعقله وفطرته أن هذا غير ممكن؛ لأن هذه شركة تجارية هدفها الربح، فحينئذ لا تكون هذه الهبات هبات محضة تريد منها هذه الشركة الثواب والأجر من الله عز وجل والإحسان إلى الناس، فإن هذا ليس بخُلق لمثل هذه الشركات.
ولهذا فإن مثل هذه العملات تشمل شيئًا من التغرير والخداع والالتفاف واللعب على الناس حتى تحصل من ورائهم على الأموال الكبيرة والمبالغ العظيمة، ويبقى هذا المشترك ينتظر ما وعد به من هذه الأرباح وهذه الألوف المؤلفة التي ربما يحصل عليها أول المشتركين وهم فئة قليلة ربما لا تصل إلى عشرة بالمائة، وأما بقية المشتركين فإنهم لا يحصلون على شيء، ولهذا نقول إن هذا نوع من التعامل وهذه الشركات قائمة على الغش والتغرير والخداع فهي محرمة شرعًا. وما ظنك بشركات ولدت ونشأت وترعرعت في بيئات كافرة تقوم في أساسها على الربا والميسر، هل تظن أن مثل هذه الشركات تكون تأتي إلى المجتمعات الإسلامية وتكون موافقة للشريعة الإسلامية، ولهذا ينبغي يعني على طلاب العلم الحذر عندما ترد مثل هذه الشركات وهذا النوع من التعاملات، وعدم الاستعجال في الفتيا فيها إلا بعد التأمل والنظر. بعض الأخوة يتعجل في الإجابة، ومثل هذه الشركات تفرح بمثل هذه الفتاوى وهذه الإجابات وتبرزها، وربما نشرتها في الصحف وبينت أن تعاملها أنه شرعي وجعلت هذه الفتوى دعاية لهذه الشركة. وهذا يؤكد ما ذكرناه في أول درس من أهمية الفتوى الجماعية في النوازل وفي القضايا المعاصرة؛ لأنها أقرب إلى التوقيف وإلى إصابة حكم الله ورسوله من الفتوى الفردية التي ربما يفوت المفتي فيها يعني بعض الأمور أو ينقصه بعض التصور.
هذا هو ملخص الكلام في هذا النوع من الشركات. وبودنا أن نغطي أبرز المعاملات المالية المعاصرة، ولذلك لعلنا ننتقل إلى موضوع ربما لا يأخذ وقتًا كثيرًا، لعلنا ننتقل لموضوع آخر ربما لا يأخذ منا وقتًا كثيرًا، حتى مع انتهاء هذه الدورة إن شاء الله نكون قد غطينا أبرز المعاملات المالية المعاصرة، يكون يعني من تابع هذه السلسلة من الدروس قد حصل على فائدة وخلاصة لأبرز المعاملات المالية التي يحتاجها.
الموضوع الآخر الذي نريد أن نتحدث عنه هو بطاقات التخفيض.
وحقيقة هذه البطاقات هو أن بعض الجهات من مؤسسات وغيرها تقوم بإصدار بطاقة للتخفيض مقابل رسم مالي، ويحصل من مُنِحت له هذه البطاقة على تخفيض لدى بعض المحلات والمؤسسات التجارية، وكذلك ربما بعض الفنادق والمطاعم والمستوصفات والصيدليات، وتعطي الجهة التي منحت هذا التخفيض تعطي صاحب البطاقة دليلا بأسماء المحلات والمؤسسات وربما المستوصفات التي يشملها هذا التخفيض.
والغالب أن هذه المحلات لا تأخذ من هذه الجهة لا تأخذ شيئًا وإنما تخفض لهؤلاء الحاملين لهذه البطاقات باعتبار أنهم عملاء، فغرضهم من هذا التخفيض كسب أكبر عدد من العملاء ووضع اسم هذه الشركات في الدليل الذي تصدره هذه الجهة. وفي معنى هذا بطاقة المعلم أو المعلمة التي يؤخذ عليها رسوم ويحصل المعلم أو المعلمة على تخفيضات لدى بعض المستوصفات وبعض الفنادق والمطاعم والمحلات التجارية.
وفي معنى هذا أيضًا بطاقات التخفيض التي تصدرها بعض المستوصفات، مقابل رسم معين، وعلى أن حامل هذه البطاقة كلما تردد على هذا المستوصف يحصل على تخفيض. ورأيت بعض المكتبات التجارية أيضا تصدر هذه البطاقات أيضا مقابل رسوم معينة، فما حكم هذه البطاقات؟ نقول أولا: لو أن هذه البطاقات خلت من الرسوم فإن هذه لا بأس بها، إذا خلت هذه البطاقات من الرسوم فإنها لا بأس بها، كما لو مثلا أصدرت بطاقة المعلم بدون أن يبذل المعلم أي رسم، ولكن باعتبار أنه معلم، ويعطى هذه البطاقة يذهب بها لبعض المحلات والمستوصفات والمكتبات فيحصل على خصم، فإن هذا لا بأس به؛ لأنه ليس فيه أي محذور شرعي، غاية ما في الأمر هو أن هذه المحلات تعاونت مع الجهة التي يتبعها صاحب البطاقة، وقامت بتخفيض منتجاتها له، وهذا لا حرج فيه، وليس فيه ربا ولا جهالة ولا غرر ولا ميسر، والأصل في المعاملات الحل والإباحة.
إذًا بطاقة التخفيض إذا خلت من دفع رسم من صاحب البطاقة، فإنه لا حرج فيها، وأما إذا اشتملت على دفع رسوم مالية من أصحاب البطاقات، فإن هذه محرمة، ويترتب عليها عدة محاذير شرعية، قد صدر بها فتاوى من اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
وحاصل هذه الفتاوى أن بطاقة التخفيض المذكورة التي يدفع صاحبها رسما ماليًا أنها محرمة لأمور:
الأمر الأول: اشتمالها على الغرر والمخاطرة، وذلك أن من يدفع هذا الرسم قد يحصل على ما أراد من تخفيض وقد لا يحصل، وربما حصل على أكثر مما دفع أو أقل، وهذا هو معنى الغرر، هو يبذل مالا، وقد يحصل على أكثر من هذا المال، وقد يحصل على أقل من هذا المال، وقد لا يحصل على شيء.
ثانيًا: أيضًا من المحاذير الشرعية التي تترتب على بطاقات التخفيض، اشتمالها على الربا، اشتمالها على الربا؛ لأن دفع مصدرها نسبة التخفيض لحاملها في حال امتناع صاحب المتجر عن التخفيض هو الربا المحرم، أي لو أن صاحب المتجر أو صاحب المحل امتنع عن التخفيض، فالجهة المصدرة قامت بدفع نسبة التخفيض لحامل البطاقة، حينئذ يكون حامل البطاقة وقع في الربا، يكون قد بذل مالاً مقابل مال أكثر منه أو أقل، والغالب أنه يكون أكثر، وأن التخفيض يتجاوز رسم إصدار البطاقة.
أحيانًا صاحب المحل التجاري يمتنع عن التخفيض لأي سبب من الأسباب، فيرجع حامل البطاقة إلى المصدر؛ باعتبار أنه أخذ منه رسمًا ماليًا، المصدر يلتزم بدفع نسبة هذا التخفيض، والغالب أن نسبة هذا التخفيض تكون أكبر من رسم البطاقة، وحينئذٍ تكون المسألة من قبيل مال بمال مع التفاضل، فيكون قد وقع في الربا.
ثالثًا: أن لها آثارًا سلبية، ومنها إثارة العداوة والبغضاء بين أصحاب المحلات المشتركين في التخفيض وغير المشتركين، وأيضًا ربما تحمل صاحبها أو حاملها على الاسترسال في الشراء، فيؤدي هذا إلى أن يشتري سلعا ليس بحاجة لها، أو إلى الإسراف أو غير ذلك.
فالخلاصة أن بطاقات التخفيض، أنها على قسمين:
القسم الأول: بطاقات لا يدفع حامل البطاقة أي رسم قليلا كان أو كثيرا، وإنما تمنح له مجانًا، وتقوم بعض المحلات والمستوصفات والفنادق بالتخفيض له، فإن هذا النوع من البطاقات لا بأس به.
النوع الثاني: أن يدفع حامل البطاقة رسمًا ماليًا لقاء الحصول على البطاقة، فإن هذا محرم لما يشتمل عليه من الغرر والجهالة، ولما قد يشتمل عليه أيضًا من الربا، ولهذا فإن هذه البطاقة، هذا النوع من بطاقات التخفيض محرم من الناحية الشرعية، فيما يظهر، والله تعالى أعلم.
ونكتفي بهذا القدر، وما تبقى من الوقت نجيب فيه عما يتيسر من الأسئلة.
قبل أن نُجيب عن الأسئلة الواردة، يبدأ اليوم الاكتتاب في شركة المراعي، وقد سمعتم في هذا فتاوى مختلفة، فمنهم من أجاز بعض المشايخ أجاز الاكتتاب فيها، وبعضهم منع. الواقع أن هذه الشركة نشرت قوائمها المالية في الصحف، وقد اشتملت على 535 مليون قروض ربوية، 535 مليون قروض ربوية من بنوك تجارية، يعني بنسبة اثنين وعشرين في المائة أو أكثر، وهذا قد نشر في الصحف، ومادام أن هذه الشركة لديها هذه القروض الربوية، بهذه النسبة الكبيرة، فإنها لا تجوز المساهمة فيها.
لكن الذي أحب أن أشير إليه هو أنه نشر أيضًا في بعض الصحف عن مصدر في الشركة أن هذه القروض تحولت إلى قروض إسلامية. والواقع أنني لا أدري كيف تتحول القروض إلى قروض إسلامية، القرض الربوي كيف يتحول إلى قرض إسلامي، لا يمكن هذا إلا بوضع الفائدة، وهي قروض على بنوك تجارية، ولا تقبل البنوك التجارية بوضع هذه الفوائد، ولذلك لو أن هذه الشركة كانت جادة في التحول، كان ينبغي أن تختار لجنة أو هيئة من العلماء الثقات وأن يكون رأيهم، وأن يرسموا سياسية لهذه الشركة للتخلص من هذه القروض الربوية؛ وذلك بوضع الربا أولا، بوضع الربا، ثانيًا: رسم سياسة مستقبلية للشركة حتى لا تتعامل بالربا مستقبلًا، وأن تحرص الشركة على هذا وتبين هذا للناس.
ولهذا نبعث بهذه الرسالة للقائمين على هذه الشركة بأن يفعلوا ذلك، وأن يحولوا هذه الشركة إلى شركة نقية، وذلك أولا بوضع الربا، ثانيًا: برسم سياسة مستقبلية للشركة بحيث لا تتعامل بالربا مستقبلًا، ويكون هذا بإشراف بعض المشايخ والعلماء، ولذلك فالقول بأن هذه القروض تحولت إلى قروض إسلامية، يعني بهذا الإجمال، غير مقبول. القرض الربوي لا يتحول إلى قرض مباح، لا نقول أيضًا إلى قرض إسلامي، إلى قرض مباح إلا إذا وضع الرباوَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ
فمثل هذا الكلام المجمل قد يكون فيه تمويه على العامة وعلى بعض الناس، لكن حقيقة الأمر أنه لا بد من أن يبين العلماء هذا ويوضحوا للناس أن القروض الربوية لا يمكن التصحيح فيها إلا بوضع الربا. فلو أن هذه الشركة أعلنت أو القائمون عليها أعلنوا توبتهم وذلك أولا بوضع الربا، والتعهد أمام الناس بعدم الوقوع في مثل هذه التعاملات الربوية مستقبلًا لكان هذا مقبولًا، أما بهذا الإجمال، فإن هذا غير مقبول.
أحسن الله إليكم، هذا سائل يقول: توفي والدي وترك لنا مجموعة أسهم في عدة شركات، السؤال يقول هل لا بد لنا من تطهيرها من الربا؟
ج: نعم إذا كانت هذه الشركات شركات مختلطة فإنها تنتقل للورثة حلالا، ولا يلزمه التطهير، لا يلزمه التطهير؛ لأن القاعدة أن ما كان محرما لكسبه فإنما يحرم على الكاسب فقط، ولا يحرم على من انتقل المال إليه، قاعدة مفيدة ذكرها شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - أن المحرم ينقسم إلى قسمين: محرم لوصفه، ومحرم لكسبه.
أما المحرم لوصفه هو محرم على الكاسب ومن انتقل إليه، كالخمر والخنزير وغيره مما ماثله.
والقسم الثاني: محرم لكسبه كالمتحصل من الربا ونحوه، فإن هذا إنما يكون محرما على الكاسب فقط، ولا يكون محرما على من انتقل إليه، لا يكون محرما على من انتقل إليه، وبناء على ذلك لو كان الأب يتعامل بالربا ثم انتقلت التركة لورثته، فإن هذا المال يكون للورثة حلالًا. وعلى هذا نقول للأخ السائل: إن هذه الأموال التي انتقلت إليكم من هذه الشركات بالنسبة لكم مباحة، ولا يلزمكم التطهير، ولكن يلزمكم يعني تصفية مباشرة حتى لا تدخل عليكم الأرباح من فوائد ربوية، حصلت بعد وفاة والدكم. أما ما حصل لكم قبل وفاة الوالد فإنه مباح، ولا يلزمكم التطهير، باعتبار أن كسب الوالد يعني وما اشتمل عليه من المحرم، إنما هو من قبيل المحرم لكسبه، وانتقاله لكم يجعله مباحًا بالنسبة لكم، ولا شيء عليكم، ولا يلزمكم التطهير.
أحسن الله إليكم، يقول: ما حكم التعامل مع بطاقة اتحاد البصمة التي يستحق حاملها تخفيضًا في عيادات طبية، وفي دخول في أماكن ترفيهية مختلفة، علمًا أن عددا من الشباب يتعامل مع هذه البطاقة؟
ج: الذي يظهر من هذه البطاقة أن حاملها يدفع رسمًا، وعلى القاعدة إذا كان حامل بطاقة التخفيض يدفع رسمًا للجهة المصدرة، فإنها محرمة، إذا كان يدفع رسما ولو قل أو كثر، فإن هذه البطاقة تكون محرمة، أما إذا كان حاملها لا يدفع رسمًا فلا بأس. غاية ما في الأمر أن أصحاب المحلات أو المستوصفات أو غيرها يتنازلون عن بعض حقهم لمن يحمل هذه البطاقات. ولكن الغالب على بطاقات التخفيض هو دفع رسم مالي مقابل إصدارها، وحينئذٍ نقول في جميع أنواع بطاقات التخفيض أنها تسري عليها هذه القاعدة: إذا كان حامل البطاقة يدفع رسمًا فإنها لا تجوز، وإذا كان لا يدفع أي رسم فإنها جائزة.
أحسن الله إليكم: هذه سائلة عبر الإنترنت تقول: أريد أن أدخل في المساهمة مع شركة المراعي لكني لا أريد الأرباح منهم؛ لأني عرفت أنها محرمة، بل أريد فتح محفظة لأني طلبت من البنك فتح لي محفظة فرفض إلا بشروط معقدة، فقالوا إذا جاء أي اكتتاب اشتركي فيه، فإذا اشتركت هل آخذ رأس مالي فقط.
ج: أولاً: ألا يمكن يعني فتح محفظة في الشركات النقية، إن أمكن هذا فيقتصر الأخ على فتح محفظة في الشركات النقية؛ لأنه يوجد الآن أكثر من 20 شركة نقية ولا تتعامل بالربا، وهي الآن في تزايد ولله الحمد، هي الآن في تزايد، ونأمل خلال السنوات المقبلة أن تصبح جميع الشركات شركات نقية. قد كان قبل سنوات لا يوجد ولا شركة واحدة، ثم قبل ثلاث سنوات وجد ثلاث شركات فقط، والآن أصبحت تزيد على عشرين شركة.
والمجتمع في الحقيقة مسئول بالدرجة الأولى يعني عن دعم هذه الشركات ومقاطعة الشركات غير النقية، وينبغي التعاون على البر والتقوى، والتواصي بين أفراد المجتمع على أن تدعم هذه الشركات النقية، ويشجع القائمون عليها، وتقاطع الشركات غير النقية.
ولهذا نقول للأخ السائل: إن أمكن تفتح محفظة في الشركات النقية، فلا بأس بهذا، وأما أن تدخل في شركة تعلن صراحة أنها اقترضت بالربا لأجل فتح محفظة، فلا أرى أن هذا مبرئًا للذمة، وأنت لست مضطرا إلى فتح محفظة، إن تيسر لك أن تفتح والحمد لله، وإلا لست يعني مضطرا إلى هذا.
وهذه نقطة يا إخوان مهمة، يعني بعض الناس كان يعتبر أن الاستثمار أنه أمر ضروري، وأنه لا بد منه، هذا ليس بصحيح، الاستثمار أمر كمالي، إن تيسر للإنسان يستثمر بطريق مباح فالحمد لله، إن لم يتيسر فليس ملزمًا بالاستثمار.
وينبغي أن يحرص المسلم غاية الحرص على كسب الحلال ويكون تعامله مباحًا، وأن يبتعد عما فيه شبهة، النبي صلى الله عليه وسلم يقول:إن الحلال بين وإن الحرام بين وبينهما أمورٌ مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات فقد وقع في الحرام
وأرى أنه في السنوات الأخيرة ولله الحمد حصل عند الناس وعي بالنسبة للشركات المساهمة، يعني أذكر قبل مثلا عشر سنوات ما كان أحد يسأل عن الشركات النقية، والشركات غير النقية، وهل هذه الشركة مساهمة، عندها قروض أو ليس عندها قروض، لكن ولله الحمد الآن أصبح كثير من الناس يسأل، فأصبح عند الناس وعي، وهذا الوعي سوف يعني تكون آثاره حميدة بإذن الله عز وجل، وسوف يشكل وسيلة ضغط على القائمين على هذه الشركات حتى يخلصوا هذه الشركات من الربا.
وسبق أن شرحنا هذا بالتفصيل في ثاني درس من هذه السلسلة من الدروس، وذكرنا كلام العلماء في حكم الشركات المساهمة التي أصل تعاملها مباح ولكنها تتعامل بالربا، تتعامل بالربا إما إقراضًا أو اقتراضًا أو استثمارا، وذكرنا أن للعلماء في المسألة رأيين، وأن القول بالمنع مطلقًا أنه هو الذي عليه أكثر العلماء المعاصرين، ولو كان الربا بنسبة واحد بالمائة، وأن هذا هو الذي عليه المجامع الفقهية: مجمع الرابطة، ومجمع منظمة المؤتمر، وهو الذي عليه اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، وأن هذا هو القول الذي تؤيده الأدلة والقواعد الشرعية، فيما يظهر، والله تعالى أعلم.
وذكرنا أن من قال بالجواز استندوا إلى قواعد ذكرها العلماء، لكن لا تنطبق على هذه المسألة؛ لأن المساهم في الحقيقة يساهم بمال وعمل، وليس بمال فقط، بمال وعمل، ولكن هذا العمل لا يباشره، وإنما يوكل غيره في القيام عنه به. فأنت عندما تساهم في شركة من الشركات جميع أعمال الشركة تنسب إليك؛ لأنك أحد ملاك الشركة في الحقيقة، وحينئذ إذا كانت الشركة تتعامل بالربا إقراضًا أو اقتراضًا فأنت بين أمرين: إما أن ترضى أو لا ترضى، فإن رضيت فقد رضيت بالربا، وإن لم ترض فواجب عليك الإنكار والتغيير، فإن عجزت واجب عليك الخروج.
أما إن الإنسان يبقى في شركة، وهو يعلم بأنها تتعامل بالربا الذي أذن الله تعالى فيه بالحرب، فما الذي يسوغ هذا؟ ولو بنسبة واحد بالمائة لأن هذه النسبة ولو قليلة سوف تنسب لك أيها المساهم، فما حجتك أمام الله عز وجل، والنبي صلى الله عليه وسلم لعن آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه، حتى مجرد شهادة على الربا فقط موجبة للعنة، فكيف بمن يمارس الربا، ولكن ليس مباشرة، وإنما بالوكالة، لا شك أنه أشد ممن يشهد على الربا أو يكتب الربا.
فإذًا نقول: إن هذه الشركات التي تتعامل بالربا لا تجوز المساهمة فيها، ولا الدخول فيها. ونعود لسؤال الأخ ونقول: إذا أمكنك أن تفتح محفظة في الشركات النقية، وهذا في ظني أنه متيسر، فلا حرج في هذا، وأن يكون تعاملك مع الشركات النقية، أما إذا لم يمكنك هذا فأنت لست مجبرًا ولست ملزمًا بأن تفتح محفظة استثمارية، والاستثمار أمر كمالي، وليس يعني الإنسان مضطرا إليه، فحينئذٍ نقول ليس لك أن تفتح محفظة لأجل اكتتاب في شركة تتعامل بالربا.
أسماء الشركات النقية موجودة نشرت في بعض مواقع الإنترنت، موجودة في بعض المواقع الإسلامية، وهي معروفة لدى الكثير من الإخوان، وممكن الذي لا يمكنه معرفة هذه المواقع أن يتصل بي، وقت آخر، ويمكن أن أذكر له بعض المواقع الإسلامية التي توجد فيها أسماء هذه الشركات، لكنها بكل حال موجودة ومنشورة في أكثر من موقع الحقيقة، تتناقلها مواقع الإنترنت، من بعض الإخوة طلاب العلم الذين قاموا بدراسة هذه القوائم المالية للشركات، وصنفوا الشركات بناء على هذا إلى شركات نقية وشركات مختلطة.
أحسن الله إليكم، هذا شيخ أخ من المغرب مقيم في هولندا يقول: سؤالي حول الرهن، يقول: عندنا في المغرب ما يسمونه بالرهن، وهو أن ترهن بيتا لمدة معينة، وبعدها تخرج من البيت ويعيد لك صاحب البيت المال الذي أعطيته من قبل، يقول: التفصيل: زيد له بيت يرهنه لعمرو بأربعة مليون ريال مغربي، لمدة ثلاث سنوات، وبعد مرور هذه المدة يخرج عمرو من البيت ويعيد زيد النقود لعمرو بعد أن سكنه لمدة ثلاث سنوات بدون مقابل، يقول: ما حكم الشرع في هذه المسألة؟
ج: نعم، هذا يسميه بعضهم بيع الوفاء، وصورة هذه المسألة أن شخص يقرض آخر مبلغا من المال، وحتى يضمن حقه يرهنه شيئا، كما ذكر الأخ السائل، يرهنه مثلًا بيته يسكن فيه خلال هذه المدة حتى يعيد له القرض، فإذا أعاد له القرض بعد ثلاث سنوات أخذ هذا بيته، وهذا أخذ قرضه، استرد قرضه، وذاك أخذ بيته، هذا محرم؛ لأنه من قبيل القرض الذي جر نفعًا، وكأن هذا يقول: أقرضني على أن أسكنك بيتي لمدة ثلاث سنوات، وهذا محرم لأن كل قرض جر نفعًا هو ربا.
وهذا النوع من التعامل يُسمى بيع الوفاء، وموجود من قديم، وهو محرم ولا يجوز، وذلك لأنه يعتبر من قبيل القرض الذي جر نفعًا.
ولهذا نقول: إن القرض لا يجوز أن يؤخذ عليه رهن إلا إذا كان الرهن لا ينتفع به، لو قيل هل يجوز أن يؤخذ على القرض رهن، نقول هذا فيه تفصيل: إن كان هذا الرهن لا ينتفع به جاز، وإلا لم يجز؛ لأن القاعدة أنه لا يجوز الانتفاع بالقرض، كل قرض جر نفعًا هو ربا، وذلك لأن صورة القرض في الأساس صورة ربوية، لكن الشريعة استثنتها إذا كانت مبنية على الإرفاق والإحسان والتكافل، فإذا أصبح يراد به المعاوضة رجع القرض إلى أصل صورته، وهو أن أصل الصورة، صورة الربا، أنها في الأصل هي صورة ربوية.
فمثلًا لو أتى إليك شخص، وقال: أقرضني عشر آلاف ريال، قلت له أنا أقرضك، لكن أرهني سيارتك هل يجوز هذا، نقول هذا فيه تفصيل: إن كان المرتهن لا ينتفع بالسيارة، أوقفها عند بيته لا ينتفع بها، وإنما فقط رهنها من أجل توثقة هذا القرض، فهذا لا بأس به، أما إن كان هذا المرتهن ينتفع بهذه السيارة يقضي عليها حوائجه، وينتفع بها، فيصبح هذا القرض من قبيل القرض الذي جر نفعًا، ويكون محرمًا.
نعم.
أحسن الله إليكم، يقول: هل يجوز استعمال بطاقات المعلم لأجل التخفيض، علمًا بأنني لم أدفع أي مبلغ للحصول على هذه البطاقة؟ وهل يجوز استعمال البطاقات التجارية للحصول على التخفيض إذا كانت من دون أي مبلغ، وحصلت عليها دون مقابل؟
ج: نعم، إذا كان بطاقة المعلم أو غيرها يحصل عليها الإنسان بدون دفع أي رسم، فإن هذا لا بأس به، فإن هذا لا بأس به؛ لأن غاية ما في الأمر أن هذه المحلات تتنازل عن بعض حقها لبعض الناس، وهذا لا مانع منه، وكونها تتنازل لبعض الناس دون بعض لا مانع منه؛ لأن الإنسان حر في بيعه وشرائه. فغاية ما في الأمر أن هذه المحلات أو المستوصفات أو الفنادق أو غيرها تتنازل عن بعض حقها لبعض الناس لمن يحمل هذه البطاقة. وهذا في الحقيقة ليس فيه أي محذور شرعي، ليس فيه، ربا وليس فيه جهالة، وليس فيه غرر، وليس فيه ميسر، والأصل في المعاملات الحل والإباحة، غاية ما في الأمر أن هذه المحلات تنازلت عن بعض حقها.
الإشكال عندما يؤخذ رسم على حامل هذه البطاقة. وبطاقة المعلم، الذي يظهر، أنها كانت في السابق يدفع رسم على إصدارها، كما ظهر هذا من الفتاوى الموجودة. فإن الفتاوى التي بعثت للمشايخ في اللجنة الدائمة وغيرهم يذكر المعلمون أنه يؤخذ رسوم على إصدار هذه البطاقات. لكن يبدو أنهم نبهوا على هذا، فأصبحت يعني مثل هذه البطاقات لا يؤخذ عليها رسم.
على كل حال نحن نذكر قاعدة، وعليها تطبق، يعني حال المسائل، فنقول بطاقة التخفيض سواء كان بطاقة المعلم أو غير المعلم، إذا كان يؤخذ رسم مقابل إصدارها، فإنها تكون محرمة، أما إذا كان لا يؤخذ عليها أي مقابل فإنه لا بأس بها.
أحسن الله إليكم، يقول: هل يجوز شراء مجموعة عملات نادرة أو قديمة بسعر أقل أو أكثر؟
ج: نعم، هذه العملات النادرة أو القديمة إذا كانت لا يتعامل بها الآن، أبطل التعامل بها، ترك الناس التعامل بها، ولم تعد أثمانًا، فإنها حينئذ تصبح من قبيل عروض التجارة. ولا بأس بأن تباع بأكثر أو أقل لأنها كسائر عروض التجارة، أما لو كانت هذه العملات لا زالت يتعامل بها، وأنها أثمان، وأقيام للسلع والبضائع، فإنه لا يجوز، لا يجوز أن تباع وتشترى بجنسها، إلا مع التماثل والتقابض، وبغير جنسها إلا مع التقابض، لكن الذي يظهر من سؤال الأخ أن هذه العملات أنها قديمة ونادرة بحيث لم تعد أثمانًا وأبطل التعامل بها.
وبهذا الاعتبار نقول: إنها قد أصبحت من قبيل العروض، وحينئذ لا بأس بأن تباع بأكثر أو أقل.
يقول: ما هو حكم بيع السيارات عن طريق التأجير المنتهي بالتمليك، وهل هناك صورة مباحة، وما هي شروطها؟
نعم، هذه المسألة سبق أن خصصنا لها درسًا، لعل الأخ السائل لم يحضر هذا الدرس، خصصنا لها درسًا في هذه السلسلة من الدروس، وتكلمنا عنها بالتفصيل، وذكرنا أن هناك صورا ممنوعة، وصورا جائزة، في التأجير المنتهي بالتمليك، وأن الضابط في المنع أن يقع البيع والتأجير في وقت واحد، وفي عقد واحد، وأن الضابط في الجواز أن يقع البيع بعد التأجير، بحيث يكون بعده زمانًا، ويكون التأجير حقيقيا لا صوريا، ويعد المؤجر المستأجر بأن يبيعه السلعة أو يهبه إياها وعدًا غير ملزم، وأنه بهذه الصورة تجوز، وأما الصورة الأولى فإنها لا تجوز، أن يقع التأجير والبيع في وقت واحد، ولذلك بالإمكان أن تصاغ صيغ هذه العقود صياغة شرعية صحيحة، بحيث يسلم الذي يريد هذا التعامل من الوقوع في المحظور.
وهذه الشركات أيضا التي تتعامل بالتأجير المنتهي بالتمليك أو التأجير مع الوعد بالتمليك، ينبغي أن تعرض هذه العقود على فقهاء حتى يقوموا بصياغتها صياغة صحيحة، ويحصلوا على غرضهم الذي أرادوا مع عدم الوقوع في المحظور. وعلى كل حال نحيل الأخ السائل للدرس الذي أشرت إليه، وهو موجود ومحفوظ على موقع الجامع، وبإمكانه أن يرجع إليه وسيجد تفصيلا أكثر في هذه المسألة.
أحسن الله إليكم، أسئلة كثيرة في نفس الموضوع هذا، يقول: بعض المكتبات تقدم بطاقة التخفيض عند شرائك منهم بمبلغ لا يقل عن قيمة معينة، مثلًا خمسمائة ريال، فما حكم هذه البطاقة؟
ج: نعم، نحن اشترطنا لهذه البطاقة ألا يبذل حاملها أي عوض، ألا يبذل حاملها أي عوض، فإذا كانت هذه المكتبة لا تطلب من حامل هذه البطاقة أي عوض، يعني لا تطلب منه أي مبلغ مالي، فإنه لا حرج في أخذ هذه البطاقة والاستفادة منها، وأما ما ذكر في السؤال من أن بعض المكتبات تشترط لإصدار هذه البطاقة الشراء بمبلغ لا يقل عن خمسمائة ريال مثلا، فهذا فيه تفصيل: إن كانت هذه الكتب، وهذه السلع التي في المكتبة، تباع بسعر السوق، يعني لا يزاد في قيمتها لأجل هذه البطاقة، الظاهر أن هذا لا بأس به لأن هذه المكتبة تنازلت عن بعض حقها لمن يشتري منها كمية كبيرة، وهذا كما لو كنت تبيع بضاعة، قلت للناس: من اشترى مني عشر قطع سأخفض عنه، من اشترى مني عشر قطع يستحق التخفيض، فلا مانع من هذا. أما لو كانت المكتبة تزيد في قيمة الكتب أو البضاعة التي تبيعها لأجل بطاقة التخفيض هذه، فمعنى ذلك أن بطاقة التخفيض هذه أصبح لها رسم لكن بطريق غير مباشر، فحينئذ لا تجوز.
إذا نقول للأخ السائل إن في هذا تفصيلًا: إذا كانت المكتبة تبيع بسعر السوق ولا تزيد في البضائع التي تبيعها والكتب لأجل هذه البطاقة، فإنه لا حرج في أخذ هذه البطاقة والاستفادة منها في التخفيض. أما إذا كانوا يزيدون في قيمة الكتب لأجل هذه البطاقة، فمعنى ذلك أن هذه البطاقة قد أصبح لها رسم وأصبح لها قيمة تدفع ضمن فاتورة الشراء، وحينئذ لا تجوز، فإذًا تكون على هذا التفصيل.
أحسن الله إليكم، يقول: ما حكم البيع على التصريف؟
ج: البيع على التصريف فيه تفصيل: صورة البيع على التصريف أن تقوم مؤسسة كبيرة أو شركة بإعطاء محل صغير بضاعة على أنه إن باع هذه البضاعة، وإلا فإنه يرجعها إلى هذه المؤسسة الكبيرة، يعني قام بتصرفيها وإلا يرجعها لهم مثل الألبان والصحف ونحو ذلك.
هذا فيه تفصيل في الحقيقة، هل نعتبر صاحب المحل الصغير هذا هل نعتبره مشتريًا أو نعتبره وكيلًا، مثلًا في الصحف أو في الألبان أو العصائر أو غيرها هل نعتبره مشتريًا أو نعتبره وكيلًا. إذا كان وكيلًا فالأمر ظاهر ما فيه إشكال في التصريف لا إشكال في ذلك؛ لأنه مجرد وكيل عن صاحب المؤسسة الكبيرة أو صاحب الشركة، وكيل بأجرة، كما لو كان عندك بضاعة ووكلت أحد الناس بأن يبيع لك هذه البضاعة أو بعضها بأجرة معينة. أما إذا كان صاحب المحل مشتريًا، فحينئذٍ إذا اشترى هذه البضاعة وحصل التفرق مكان التبايع لزم البيع، وليس له حينئذٍ أن يرد هذه البضاعة على الشركة أو المؤسسة الكبيرة.
والظاهر من حال المحلات أن المحلات الصغيرة تشتري هذه البضائع وهذه السلع أو الصحف أو الألبان أو غيرها، وبدليل أن الضمان يكون على صاحب المحل التجاري الصغير، يعني نفترض أن مثلا هذه الشركة أتت بألبان أو أتت بصحف أو غيرها، ثم إن هذا المحل احترق أو تلف من غير تعد من صاحبه ولا تفريط. لو كان وكيلًا لم يضمن؛ لأن الوكيل أمين لا يضمن إلا إذا تعدى أو فرط، أما المشتري فإنه يضمن بكل حال لقد اشترى البضاعة والبائع قد انتهى ولزم البيع وحصل التفرق من مكان التبايع.
والواقع أنه لو حصل مثل هذا فإن صاحب المحل الصغير هو الذي يقع عليه الضمان، وهذا يدل على أنه مشتر وليس وكيلًا، وحينئذٍ نقول: مادام أنه مشتر فلا يلزم الشركة الكبيرة إذا لم يصرف صاحب المحل الصغير هذه البضاعة لا يلزمهم قبولها، ويعتبر هذا الشرط شرطًا باطلًا، يعتبر شرطا غير صحيح، وإن كان البيع صحيحًا، لكن هذا الشرط أن صاحب المحل الصغير يشترط على الشركة الكبيرة أنها إن صرفها وإلا أرجعها عليهم هذا الشرط شرط غير صحيح ومن الشروط الفاسدة.
وقد ذكر الفقهاء أنه إذا شرط عليه نفقة البضاعة، وإلا رد عليه المبيع أنها من الشروط الفاسدة، نص على هذا الفقهاء الحنابلة وغيرهم، وحينئذٍ نقول إن هذه الشركة الكبيرة لو أن هذا اللبن مثلًا أو العصير أو الصحف أو غيرها لم تصرف يعني لم تبع لا يلزمهم قبولها ولو شرط عليهم ذلك؛ لأن هذا الشرط شرط غير صحيح، ومثل هذا الكلام تفرح به الشركات الكبيرة؛ لأنه في صالحها في الحقيقة، ولكن الواقع أن الشركات الكبيرة تقبل رد البضاعة عليهم من باب تشجيع أصحاب المحلات الصغيرة على الشراء منهم، فهم لا يمانعون في رد البضاعة التي لم يتم تصريفها عليهم، ويكون هذا من قبيل التنازل عن حقهم.
ولكن لو قدر أنه حصل مشاحة أو خصومة مثلا في المسألة، فإن الحكم الشرعي - كما يظهر والله أعلم - أن هذا الشرط شرط غير صحيح، وأن المحل الصغير يلزم بهذه البضاعة، ولا يلزم الشركة الكبيرة أن تتقبل هذه البضاعة التي لم يتم تصريفها؛ لأن هذا الشرط شرط غير صحيح، ولو كانت قد قبلت به، ولكن كما ذكرت الغالب أنه يقع التسامح في مثل هذه المسألة، وأن الشركات الكبيرة تقبل باسترجاع هذه البضائع التي لم يتم تصريفها.
وبكل حال، يكون هذا لا بأس به على كلا التقديرين، سواء كان على تقدير أنه وكيل، أو على تقدير أنه مشتر، أو على تقدير أنه أيضًا أن الشرط فاسد، ولكن الشركات الكبيرة تتسامح في استرجاع هذه البضائع.
على جميع التقادير نقول: ليس في ذلك حرج، ليس في ذلك حرج في البيع على التصريف، لا حرج في ذلك مطلقًا، ولكن ثمرة هذا الكلام إنما تظهر فيما لو حصل مشاحة أو خصومة بين هذا المحل الذي اشترط البيع على التصريف، وبين الشركة الكبيرة، لو حصل مشاحة هنا تظهر ثمرة مثل هذا الكلام، وإلا مادام أن الأمور مبنية على التسامح وعلى قبول البضاعة التي لم يتم تصريفها فيكون الأمر فيه سعة والحمد لله.
أحسن الله إليكم، يقول: اشتريت علاجًا بمبلغ 39 ريالا وتسعين هللة وأخذ صاحب الصيدلية أربعين ريالًا ببطاقة الصراف، فهل في ذلك شيء؟
ج: نقول: ليس في ذلك شيء؛ لأن غاية ما في الأمر أن صاحب الصيدلية اعتبر هذا العلاج أنه بأربعين ريالًا، وحينئذٍ لا حرج في ذلك، ولا يجري الربا بين دواء وبين نقد؛ لأن هذه بضاعة، وهذا الدواء مقابل مال، فكأنه يقول: أبيعك هذا لأن لا يوجد عندي صرف، أو لن يبيعك بهذه الطريقة أو عن طريق الصراف، لا أبيعك هذا الدواء إلا بأربعين ريالًا، وقد قبلت بهذا ولا حرج في ذلك.
وهنا أنبه على مسألة وهو أنه لا بد عند النظر في مثل هذه المسائل أن ينظر إلى اعتبار كون المال يعني ربويا، ليست كل الأموال ربوية، الأموال الربوية هي التي تجري فيها علة الربا، وما هي علة الربا؟ علة الربا في الأثمان في الذهب والفضة والأوراق النقدية هي الثمنية، وفي غيرها الطعم مع الكيل أو الوزن. وحينئذٍ غير المطعومات عدا الذهب والفضة والأوراق النقدية، غير المطعومات كلها لا يجري فيها الربا، كل المطعومات لا يجري فيها الربا.
فلو بعت سيارة بسيارتين يجوز، بعت قلما بقلمين مثل ما ذكر الأخ السائل الدواء، لا يجري فيه الربا؛ لأنه غير مطعوم، غير المطعومات كلها من غير والذهب والفضة والأوراق النقدية لا يجري فيها الربا. وحينئذٍ بالنسبة لسؤال السائل نقول: لا إشكال ولا حرج في هذا؛ لأن الدواء ليس من الأموال الربوية، غاية ما في الأمر أن صاحب الصيدلية قال: لا أبيعك هذا الدواء إلا بهذا المبلغ لكوني مثلا لا أجد لك صرفًا مثلا بالهللة، أو أن البيع والشراء كان عن طريق الصراف أو غير ذلك. المقصود أنه أراد أن يبيعك بهذا المبلغ وقد قبلت بهذا وحصل التراضي فلا إشكال في ذلك.
أحسن الله إليكم، يقول: بالنسبة للتأمينات التعاونية على الرخص والسيارات هل سيكون لكم حديث عنها؟ وما رأي فضيلتكم فيمن يختار أقوى الشركات بالنسبة لتعاملها مع الناس إذا حصل له حادث مروري وأنَّ أكثر الناس مقبلين عليها؟
ج: نعم، هو إن شاء الله تعالى، سيكون هناك حديث عن التأمين وأنواعه وحكمه الشرعي، سواء كان تأمينًا تجاريًا، أو تأمينًا تعاونيا. ولعلنا أيضًا نتعرض لهذه المسألة التي ذكرها الأخ السائل، وهي اختيار مثل هذا النوع من الشركات، وأيضًا نتكلم إن شاء الله تعالى عمَّا إذا قام الإنسان بالتأمين ثم احتاج إليه، فهل له أن يأخذ أكثر مما دفع أو ليس له ذلك؟، وكلام العلماء في ذلك، وبيان القول الراجح، هذا إن شاء الله تعالى لعلنا سوف نتناوله بالتفصيل في درس قادم، إن شاء الله تعالى.
أحسن الله إليكم، يقول: ما الحكم إذا كانت الشركة الهرمية لا تُعطي مالًا للمتسوق الأول، بل تعطي جائزة رمزية بسيطة عن كل مشترك عن طريقه؟ يقول: وما الحل لمن وقع فيها؟
ج: نعم، التسويق الهرمي بجميع أشكاله لا يجوز، تكتنفه محاذير شرعية عديدة، حتى ولو كان بالصورة التي ذكرها السائل، ولذلك هي مصنفة في دول الغرب من ممارسات الغش والاحتيال، وكما ذكرنا كانت تمنع، منعت بموجب القوانين والأنظمة الموجودة هناك، ثم قامت هذه الشركات والتفت ووضعت منتجات وهمية، يعني ليس لها قيمة حقيقية، وإنما قيمة رمزية، كأن يأتي بمنتج قيمته عشرة ريالات، ويباع بخمسمائة ريال، أو قريب من هذا.
فهي في الحقيقة مصنفة على أنها من ممارسات الغش والاحتيال. ثم أيضًا ترد عليه مسألة الربا، وهي أشكل ما في المسألة؛ لأنها مال مقابل مال مع التفاضل، ومع النسء اجتمع فيها ربا الفضل وربا النسيئة، اجتمع فيها ربا الفضل وربا النسيئة، هذا فضلًا عن الميسر وفضلا عن الغرر وعن آكل المال بالباطل.
وقد لا تكون جميعًا على صورة واحدة، هي لها عدة صور كما ذكرنا. يعني مثلًا بزناس تختلف عن هبة الجزيرة تختلف عن الشركات الأخرى في بعض الصور، ولكنها من حيث الفكرة متفقة ليس بينها اختلاف، هي من حيث الفكرة واحدة، ولذلك نقول: إن جميع هذه الشركات القائمة على التسويق الهرمي أنها غير جائزة، وأنها محرمة.
نعم.
أحسن الله إليكم، يقول: أردت شراء سيارة من شركة بالتقسيط فأخبرني أحد الإخوة بعدم الجواز لأن الشركة تأخذ مبلغا زائدا عند التأخر عن سداد قسط من تلك الأقساط، فقلت له إني واثق وعازم على عدم التأخر مطلقًا، فهل يجوز لي الإقدام على الشراء والحالة هذه؟
ج: أولًا نقول: ليس لهذه الشركة أن تأخذ غرامة عند التأخر في السداد، وهو ما يسمى بالشرط الجزائي. الشرط الجزائي في الديون محرم، بل هو ربا الجاهلية؛ لأن ربا الجاهلية إذا حل الدين، قال الدائن للمدين: إما أن تقضي وإما أن تُربي. أما الشرط الجزائي في غير الديون لا بأس به.
فهذا الذي تمارسه هذه الشركة هو شرط جزائي في دين، تقول: إذا حل القسط إما أن تقضي وإما أن تُربي. فلا شك أن تعامل هذه الشركة أنه محرم. وأما سؤال الأخ وقوله أنه يريد أن يدخل في هذه الشركة مع عزمه على سداد الأقساط من غير تأخير، فنقول: إن هذا لا يجوز لأمور:
الأمر الأول: إن قبوله بهذا العقد المشتمل على هذا الشرط الربوي أنه لا يجوز، عندما يوقع على أنه إذا تأخر عن السداد أحتسب عليه غرامة. معنى ذلك أنه قد وقع على قبول الربا وقبل الربا، وهذا لا يجوز، والربا أمره عظيم عند الله عز وجل، وملعون آكله وموكله وكاتبه وشاهداه، فلا يجوز أصلًا قبوله بهذا العقد.
ثانيًا: أن عزمه على السداد من غير تأخير قد لا يمكنه، قد لا يتمكن من هذا، قد لا يتمكن من السداد من غير تأخير ولو كان عازما على ذلك. ونظير هذا ما ذكرناه في بطاقات الائتمان: بطاقات الفيزا ونحوها، وقلنا: إنها لا يجوز الدخول فيها ولو كان حامل البطاقة عازما على السداد خلال فترة السماح المجانية؛ لأن الإنسان لا يدري ما يطرأ له، ولا يدري ما يعرض له.
وحدثني أحد الأشخاص أنه فعل ذلك وأنه أصدر بطاقة ائتمان وكان عازما على السداد خلال فترة السماح المجانية كان عازما عزمًا أكيدًا، يقول: ثم عرض لي عارض فلم أستطع السداد فألزمت بدفع الربا. ولهذا نقول للأخ: لا يجوز لك أن تشتري من هذه الشركة، وينبغي مناصحتهم، ينبغي مناصحة القائمين على هذه الشركة وبيان أن هذا التعامل التي يتعاملون به أنه تعامل محرم وأنه لا يجوز.
والحمد لله الشركات التي تبيع بالتقسيط من غير اشتراط هذا الشرط كثيرة، فبإمكانه أن يلجأ لمثل هذه الشركات التي تبيع من غير اشتراط هذا الشرط المحرم.
أحسن الله إليكم وأثابكم ونفعنا بعلمكم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
منقول
مواقع النشر (المفضلة)