بسم الله الرحمن الرحيم
آداب الزيارة
الشيخ عبدالله بن صالح القصيِّر
بعض الناس يرفعون أصواتهم عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم ويطيلون الوقوف والمقام عنده، وهذا من المنكرات العظيمة، فإن الله سبحانه وعد الذين يغضون "أي يخفضون أصواتهم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم"، المغفرة والأجر العظيم، وتوعد الذين يرفعون أصواتهم عنده عليه الصلاة والسلام بقوله تعالى: ﴿ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ ﴾ [الحجرات: 2]، فرفع الصوت عند النبي صلى الله عليه وسلم من أسباب حبوط العمل، لأنه سوء أدب معه صلى الله عليه وآله وسلم وقلة احترام له عليه الصلاة والسلام.
وكذلك طول القيام عند قبره وتكرار السلام عليه صلى الله عليه وسلم يفضي إلى الزحام وكثرة الضجيج وارتفاع الأصوات عند قبره صلى الله عليه وآله وسلم، وذلك مما يخالف الأدب الشرعي الذي ينبغي لنا أن نلتزمه نحوه صلى الله عليه وآله وسلم.
والطواف بالكعبة عبادة عظيمة أمر الله تعالى بها واثنى على أهلها، وأمر أن يظهر البيت من أجلها، والطواف بأي بنايه غير الكعبة بدعة محرمة وفعلة منكرة، وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم ((إياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة)) وفي رواية ((وكل ضلالة في النار)) رواه أبو داود والنسائي بإسناد حسن. وبذلك يعلم أن الطواف على قبر الرسول صلى الله عليه وسلم أو على غيره من القبور من البدع والضلالات وأنواع الشركيات، وقد قال تعالى: ﴿ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً ﴾ [الكهف: 103، 104]، الآيات.
ومن شر المحدثات وأعظم المنكرات التي يرتكبها بعض الناس عند الزيارة، أن بعض الزائرين يدعو النبي صلى الله عليه وسلم فيسأله الشفاعة ويطلب منه قضاء الحاجة وتنفيس الكرب، ويشكو إليه الحال، وهذا مخالف لقوله تعالى: ﴿ وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ﴾ [غافر: 60]، فأمر سبحانه بدعائه وحده لا شريك له، ووعد بالإجابة، وسمى الدعاء عبادة، ووصف الذي يدعو غيره بأنه مستكبر عن عبادته، وتوعده بدخول النار صاغرا مهانا.
وقد قال تعالى: ﴿ وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً ﴾ [الجن: 18]، وأمر نبيه صلى الله عليه وسلم بقوله: ﴿ قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلا رَشَداً * قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنْ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً ﴾ [الجن: 21، 22]، فمن دعا غير الله كائنا من كان فقد جعله شريكا لله، وقد قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ ﴾ [النساء: 48]، وقال سبحانه: ﴿ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ ﴾ [المائدة: 72]، وقال تعالى: ﴿ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ ﴾ [الزمر: 65].
فهؤلاء الذين يدعون النبي صلى الله عليه وسلم عند قبره أو بعيدين عنه، إنما فعلوا الشرك الذي يحول بين صاحبه وبين المغفرة، ويحبط عمله ويحرم عليه الجنة، ويدخله النار، وذلك هو الخسران المبين، وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم أنكر على من قال له: ما شاء الله وشئت، قائلا: اجعلتني لله ندا؟ فكيف بمن يدعوه مع الله أو من دونه غيره ؟ وذلك هو الضلال المبين فإنه تسوية للمخلوق برب العالمين، وهو الذي أوجب على أهله الخلود في النار، كما قال تعالى عنهم: ﴿ قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ * تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ * إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * وَمَا أَضَلَّنَا إِلاَّ الْمُجْرِمُونَ ﴾ [الشعراء: 96، 99].
مواقع النشر (المفضلة)