تجلِّيات الـــرُّوح فــي بحــر الدُّمُـــوع
::::
قد لا يكون مناسبا أن نبث فورة مشاعرنا في لحظة من لحظات تجلِّي الزمن،
وقد يظن البعض أن بثنا مشاعرنا عبر فيوض النور ضعفا،
ولكني أقول ما أروع هذا الضعف!
ما أجمل هذا الوهن الذي تنكسر فيه الروح على سجفات الحنين والأمل والشَّوق المتجدد الذي يفجِّر طاقاتٍ مختزنة في ضمير الإنسان الملفلف بوجع،
المغموس في عبير الذكريات المضمخ بتوهّج لا ينتهي ،
أقولها صريحة واضحة مزلزلة :
لا ليس ضعفا،
لا ليس وهناً..
إنها لحظات تتجلى فيها الروح ..
تتكشف فيها المشاعر والأحاسيس..
قد لا يرانا الناس والدمعة تترقرق في حدقاتنا ،
وقد يروننا ولكنهم لا يعلمون أن هذه الدموع التي تتحدر كالجمان المتلألئ، هي فيض من حنين ينبع من عمق أعماق النفس.
نعم إنني الآن أرتفع، إنني أتسامى.
دموعي التي تتحدر ترفعني تنتشلني من قاع الأسى،
الدموع تغسل الأدران وتنير الروح، تنظف النفس من شوائب تشدها للقاع ،
قد لا يبدو للناس أننا نتوهج،
قد لا يبدو للناس أننا نسمو ونرتفع إلى أعلى قمة هذا الطوفان من العذاب، وهذا البحر من الدموع.
هي لحظة من لحظات الشَّوق لا يعرفها إلا من انصهرت روحه بالألم فتعذب، وانكوت نفسه بالعذاب فتوهج.
من يعرفني الآن بعد هذه السنين؟
من يتعرف إلى وجهي الحزين؟!
( من الصعب بل أكاد أقول من المستحيل أن يعرفوك/ يعرفوني ..)
وجوهنا غريبة.
أجسادنا أحلامنا أشواقنا غريبة
أرواحنا تطير في الفضاء لكنها تتعانق في مساحة ما من الوجود،
تتشابك بالأمل وترتفع على مد الطوفان.
إنني الآن أتسربل بدموعي .. بعذابي بألمي.. فأسمو
فيا لهذه الدموع
***
أواه مما يخضب الرّوح، مما يسمو بها يرفعها على تشظيات الألم ، يشعشعها بالحنين.
أواه يا دموعي التي سالت وما زالت تسيل
أواه يا جراحي التي ما فتئت تنبجس من عمق يمتد عبر شرايين النَّفس ، وعبر دهاليز الأنين..
أواه يا أنين
يا أيها الممتد في خلاياي حتى النخاع إلى آخر ذرة من ذرات جسمي الذي يتلألأ ..
أواه مما يرفعني بدمعي على مشارف الضياء.
أنا الآن بلورة من ضياء ممزوجة بالنّدى
تقطرت من جبين زهرة برِّيَّة نَمَتْ على كثيب رمل تحت شجرة لوز ذات يوم...
كل حسون غنى على برعم جوارها أنَّ واشتكى..
وكل بلبل رف جوارها حنّ وبكى
وكل من رأى أنينَها تحدرت دموعه ومضَّه البكاءْ
هذا أنا زهرة بريَّة ...
نحلة تطير لا تهدأ ولا يتوقف رفيفها عن الحنين ...
***
قد لا يكون مناسبا أن نبث فورة مشاعرنا في لحظة من لحظات تجلِّي الزمن
قد لا يكون منطقيا أن أبث فورة الدموع
لكنها مشاعر رقراقة تناثرت في لحظة الألم تتسامى بها النفس
مواقع النشر (المفضلة)