.. الدرس الأول ..
.. هدي الرسول صلى الله عليه وسلم في الصوم ..
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه .
وبعد :
يقول ابن القيم رحمه الله تعالى : وكان من هديه صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان الإكثار من أنواع العبادات , فكان جبريل عليه الصلاة والسلام يدارسه القرآن الكريم في رمضان , وكان إذا لقيه جبريل أجود بالخير من الريحِ المرسلة , وكان أجود الناس , وأجود ما يكون في رمضان , يكثر فيه من الصدقة والإحسان وتلاوة القرآن الكريم , والصلاة والذكر والاعتكاف .
وكان يخص رمضان من العبادة بما لا يخص غيره به من الشهور , حتى إنه كان ليواصل فيه أحياناً ليوفر ساعات ليله ونهاره على العبادة , وكان ينهى أصحابه عن الوصال , فيقولون له : إنك تواصل , فيقول : ((
لست كهيئتكم , إني أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني )) متفق عليه .
والله عز وجل يغذي رسوله عند هذا الوصال بلطائف المعارف , ودرِ الحكم وفيض أنوار الرسالة , لا أنه طعام وشراب حقيقة , إذ لو كان كذلك لما كان عليه الصلاة والسلام صائماً .
فلما قرت عينه عليه الصلاة والسلام بمعبوده , وانشرح صدره بمقصوده وتنعم باله بذكر مولاه , وصلح حاله بالقرب من ربه نسي الطعام والشراب كما قال الأول :
فقوت الروح أرواح المعاني **** وليس بأن طعمت ولا شربتا
فليس يضيرك الاقتار شيئاً **** إذا ما أنت ربك قد عرفتا
والرسول صلى الله عليه وسلم أذكر الذاكرين وأعبد العابدين , جعل شهر رمضان موسماً للعبادة , وزمناً للذكر والتلاوة , ليله صلى الله عليه وسلم قيام يناجي مولاه ويضرع إلى ربه يسأله العون والسداد والفتح و الرشاد ,يقرأ بالسور الطوال , ويطيل الركوع والسجود , شأن النهم الذي لا يشبع من العبادة , جعل من قيامه لليل زاداً وعتاداً , وقوة وطاقة , قال تعالى : (
يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلاً ) , وقال تعالى : (
ومن الليل فتهجد به نافلة ً لك , عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً ) .
ونهاره عليه الصلاة والسلام دعوة وجهاد ونصح وتربية ووعظ وفُتيا .
وكان من هديه صلى الله عليه وسلم أن لا يدخل في صوم رمضان إلا برؤية محققة أو شهادة شاهد واحد .
وكان عليه الصلاة والسلام يحث على السحور ,فقد صح عنه أنه قال : ((
تسحروا فإن السحور بركة )) , لأن وقت السحور مبارك , إذ هو في الثلث الأخير من الليل , وقت النزول الإلهي , ووقت الاستغفار , قال تعالى : (
وبالأسحار هم يستغفرون ) , وقال تعالى : (
والمستغفرين بالأسحار ) , ثم إن السحور عون على الصيام والعبادة , ثم هو صرف للنعمة في عبادة المنعم سبحانه وتعالى .
وكان عليه الصلاة والسلام فيما يصح عنه أمراً وفعلاً يعجل الإفطار بعد غروب الشمس , فيفطر على رطب أو تمر أو ماءٍ , لأن خاليَ المعدة أوفقُ شيءٍ له الحلاوة , فكان في الرطب والتمر ما يوافق الصائم الجائع .
وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال : ((
إن للصائم عند فطره دعوةٌ ما ترد )) , فكان يدعو عليه الصلاة والسلام بخيري الدنيا والآخرة .
وكان يفطر صلى الله عليه وسلم قبل أن يصلي المغرب , وفي الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : ((
إذا أقبل الليل من هاهنا , وأدبر من هاهنا فقد أفطر الصائم )) .
وسافر رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان , فصام وأفطر , وخير الصحابة بين الأمرين .
وكن يأمرهم بالفطر إذا دنوا من عدوهم ليتقووا على قتاله , وخرج صلى الله عليه وسلم لبعض غزواته وسراياه في رمضان بل كانت بدر الكبرى في رمضان , فنصره الله نصراً ما سمع العالم بمثله , وأفطر صلى الله عليه وسلم في غزوتين من غزواته في رمضان , كما أخبر بذلك عمر رضي الله عنه عند الترمذي وأحمد , ولم يحدد صلى الله عليه وسلم تقدير المسافة التي يفطر فيها الصائم بحد ولا صح عنه في ذلك شيء .
وكان من هديه صلى الله عليه وسلم أن يدركه الفجرُ وهو جنبٌ من أهلهِ , فيغتسل بعد الفجر ويصوم , وكان يُقبل بعض أزواجه وهو صائم في رمضان , وشبه قبلة الصائم بالمضمضة بالماء .
وكان من هديه صلى الله عليه وسلم إسقاط القضاء عمن أكل وشرب ناسياً , وأن الله سبحانه هو الذي أطعمه وسقاه , والذي صح عنه عليه الصلاة و السلام : أن الذي يُفطر به الصائم : الأكل والشرب والحجامة والقيء , والقرآن الكريم دل على أن الجماع مُفطر كالأكل والشُرب .
واعتكف عليه الصلاة والسلام في العشر الأواخر من رمضان , فجمع قلبه مع الله تعالى , وفرغ باله من هموم الدنيا , وسرح عين قلبه في ملكوت السماوات والأرض , وقلل من التقائه بالناس , فأكثر من التبتل والابتهال ودعاهم ذي الجلال والإكرام , وعكف قلبه على مدارسة الأسماء والصفات , وعلى مطالعة الآيات البينات , والتفكر في مخلوقات رب الأرض والسماوات , فلا إله إلا الله كم من معرفة حصلت له , وكم من نور ظهر له , وكم من حقيقة ظفر بها ؟ فهو أعلم الناس بالله , وأخوف الناس من أهله , وأتقى الناس لله , وأبلغ الناس توكلاً على الله , وأبذل الناس لنفسه في ذات الله ! فعليه الصلاة والسلام ما تضوع مسك وفاح , وما ترنم حمامٌ وناح وما شدا بلبل وصاح ....
إمامَ المُرسلينَ فداكَ رُوحـــي .. ... .. وأرواحُ الأئمةِ والدُّعــــاةِ
رسولَ العالمينَ فداكَ عرضي .. ... .. وأعراضُ الأحبّةِ والتُّقــاةِ
و أفوض أمري إلى الله
إن الله بصير بالعباد
... محبكم في الله ...
... نجد علي ...
مواقع النشر (المفضلة)