السبب في كتابة هذه الكلمات هو ما حدث من تطاول المدعو بيحيى الجمل على مقام رب العزة سبحانه وتعالى بكلام لا يليق حتى في حق المخلوق.
فقد قال هذا المخذول: "لوأن ربنا اتعرض على الاستفتاء ونال 70 % يبقى ربنا يحمد ربنا" وأخذ يكررها كما لوكانت المرة الواحدة من هذا الخزي لا تكفي في أن تهوي به في جهنم سبعين خريفاً!
ألم يعلم قوله صلى الله عليه وسلم عن رب العزة أنه سبحانه قال:« ... يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم، يا عبادي كلكم عارٍ إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم، يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم، يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني، يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعاً فاستغفروني أغفر لكم، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئاً،يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقصذلك من ملكي شيئاً ... » رواه مسلم في صحيحه عنأبي ذر رضي الله عنه.
فكيف يأبه الله تعالى بقبول عباده له إلهاً ومعبوداًمن عدمه أو إيمانهم من كفرهم وهو سبحانه الغني عن عباده وجميع خلقه؟
قال تعالى: {أَفَغَيْرَدِينِ اللَّـهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ} [ آلعمران:83]
وقال تعالى: {وَلِلَّـهِ يَسْجُدُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُم بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ} [الرعد:15]
فلا يدل مثل هذاالكلام إلا على جهل مطبق من صاحبه بمقام رب العزة جلّ جلاله:
قال الله تعالى: {وَمَا قَدَرُوااللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُون} [الزمر:67]
روى البخاري ومسلم رحمهما الله تعالى في صحيحهما واللفظ لمسلم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: «جاء حبر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد! أو يا أبا القاسم! إن الله تعالى يمسك السماوات يوم القيامة على إصبع. والأرضين على إصبع. والجبال والشجر على إصبع. والماء والثرى على إصبع. وسائر الخلق على إصبع. ثم يهزهن فيقول: أنا الملك. أنا الملك. فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم تعجباً مما قال الحبر تصديقاً له. ثمقرأ:{وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُون} [الزمر:67] ».
وروى الإمام الألباني رحمه الله تعالى في السلسلة الصحيحة عنعبد الله بن عمر رضي الله عنهما: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية ذات يومعلى المنبر:{وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُون} [الزمر:67] ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول هكذا بيده ويحركها يُقبِل بها ويُدبِر يمجّد الربَ نفسه: أنا الجبار، أنا المتكبر، أنا العزيز، أنا الكريم، فرَجَف برسول الله صلى الله عليه وسلم المنبرُ حتى قلنا ليَخِرَّن به».
فما بال هذا ومن يعتذرون له صارواأضلّ وأقسى قلوباً من الجمادات!؟
يقول د. عبد العزيز بن محمد العبد اللطيف في "نواقض الإيمان القولية والعملية": أن "الإيمان بالله تعالى مبني على التعظيم والإجلال للرب عزّ وجلّ، ولا شك أن سب الله تعالى والاستهزاء به يناقض هذا التعظيم ولا يجامعه".
ويقول الفخر الرازي رحمه الله في تفسيره: "والعمدة الكبرى في الإيمان تعظيم الله بأقصى الإمكان، والجمع بينهما –أي بين التعظيم والاستخفاف- مُحال".
قال ابن القيم رحمه الله في مدارج السالكين عن منزلة التعظيم:"هذه المنزلة تابعة للمعرفة، فعلى قدر المعرفة يكون تعظيم الرب تعالى في القلب، وأعرف الناس به أشدهم تعظيماً وإجلالاً له، وقد ذم الله تعالى من لم يعظمه حق عظمته ولا عرفه حق معرفته ولا وصفه حق صفته، قال تعالى: {مَا لَكُمْ لَاتَرْجُونَ لِلَّـهِ وَقَارًا} [نوح:13]
قال ابن عباس ومجاهد: "لاترجون لله عظمة" وقال سعيد بن جبير رحمه الله: "ما لكم لاتعظمون الله حق عظمته".
فهو سبحانه "القهار الذي دان كل شيء لعظمته وخضع كل مخلوق لجبروته وعزته".
روى الإمام الألباني رحمه الله تعالى في صحيح أبي داود عن أبي هريرة رضي الله عنه: قال صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه سبحانه وتعالى: «قال الله عز وجل : الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري، فمن نازعني واحدا منهما قذفته في النار».
قال ابن سعد رحمه الله في شرح هذا البيت:"واعلم أن معاني التعظيم الثابتة لله وحده نوعان: أحدهما أنه موصوف بكل صفة كمال، وله من ذلك الكمال أكمله وأعظمه وأوسعه فله العلم المحيط والقدرة النافذة والكبرياء والعظمة، ومن عظمته أن السموات والأرض في كف الرحمن أصغر من خردله كما قال ابن عباس وغيره ."
فلله تعالى الكبرياء والعظمة، الوصفان اللذان لا يقدر قدرهما ولا يبلغ كنههما إلا هو .
وقال:" النوع الثاني من معاني عظمته تعالى: أنه لا يستحق أحد من الخلق أن يُعظَّم كما يُعظَّم الله، فيستحق جلّ جلاله من عباده أن يعظموه بقلوبهم وألسنتهم وجوارحهم، وذلك ببذل الجهد في معرفته ومحبته والذلِّ له والخوف منه وكثرة ذكره وشكره.
ومن تعظيمه تعظيم ما حرمه وشرعه من زمان ومكان وأعمال: {ذَٰلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّـهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج:32]، وقال تعالى: {ذَٰلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّـهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَرَبِّهِ} [الحج:30]
ومن تعظيمه سبحانه انه لا يعترض على شيء مما خلقه أو شرعه {مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّـهِ وَقَارًا ﴿١٣﴾ وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا}[نوح: 13-14]
هذا وقد أمر الرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُسبَّح الله بهذا الاسم في الركوع، فقال صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه مسلم رحمه الله عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: «ألا وإني نهيت أن أقرأ القرآن راكعا أو ساجدا . فأما الركوع فعظّموا فيه الرب عز وجل»." اهـ
هذا ووالله ليعجب المرء ممن يدّعون الإسلام ثم يذهبون يعتذرون لمثل هذا القول ويُهونون منه، فسبحان الله! هل يعرف أحد من هؤلاء ما يقول؟ قال ابن تيمية رحمه الله في كتاب الايمان:" ومن لم يكن في قلبه بغض ما يبغضه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، من المنكر الذي حرّمه من الكفر والفسوق والعصيان لم يكن في قلبه الإيمان الذي أوجبه الله عليه، فإن من لم يكن مبغضاً لشيء من المحرمات أصلاً لم يكن معه الإيمان أصلاً".
وقال رحمه الله: " الإله هو المستحق للعبادة، فكل مايعبد به فهو من تمام تألُّه العباد له، فمن استكبر عن بعض عبادته سامعاً مطيعاً فيذلك لغيره لم يحقق قول لا إله إلا الله في هذا المقام".
فليراجع إذن كل امرئ قلبه ودعواه في محبة الله وتعظيمه فوالله ما ينفع العبد أحد من دون الله إن أظهر لهم خلاف ما يبطن لعالم الغيب سبحانه، فمدار التقوى كما قال صلى الله عليه في الحديث الذي رواه الألباني رحمه الله في صحيح الجامع عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «التقوى ها هنا» وأشارإلى القلب.
أما بالنسبة لاتهامه الضمني لمنتهجي منهج السلف بأنهم "وهابية"، فهذه ليست بسُبَّة ولا منقصة إلا عند الجهلاء وأهل التضليل أمثاله، أما أن يقول بأنهم ليسوا من الإسلام في شيء! فهذا لا أجد له وصفاً أنسب مما قال ابن القيم رحمهالله:
فوالله لا يسع المرء فيما يعاين من أمر الناس إلا قوله صلى الله عليه وسلم: «وإنّ أمتكم هذه جعل عافيتها في أولها . وسيصيب آخرها بلاء وأمور تنكرونها . وتجيء فتنة فيرقق بعضها بعضها. وتجيء الفتنة فيقول المؤمن: هذه مهلكتي، ثم تنكشف، وتجيء الفتنة فيقول المؤمن: هذه هذه. فمن أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة ، فلتأته منيته وهويؤمن بالله واليوم الآخر . وليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه». (رواه مسلم في صحيحه عن عبد الرحمن بنعبد رب الكعبة عن عمرو بن العاص رضي الله عنه).
قال تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْقَبْلِكُمْ ۖ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّىٰ يَقُول َالرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللَّـهِ ۗ أَلَا إِنَّنَصْرَ اللَّـهِ قَرِيبٌ} [البقرة:214]
مواقع النشر (المفضلة)