... الدرس الثلاثون ...
... العيد غداً ...
الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله و آله و صحبه و بعد .
فغداً العيد و العيد غداً فما معنى العيد و كيف يكون العيد .
ليس العيد لمن لبس الجديد و لمن تفاخر بالعدد و العديد , إنما العيد لمن خاف يوم الوعيد , و اتقى ذا العرش المجيد .
ليس العيد نغمة و وتر , و لا مباهج فارغة و لا مظاهر و فوضى , بل العيد شكر للمنعم عز وجل و اعتراف بفضله و إظهار نعمته و المسيرة في موكب من المؤمنين إعزازاً للدين و كبتاً لأعداء المسلمين .
في العيد قضايا منها :
الأكل في صباح العيد قبل الصلاة و ذلك بتناول تمرات لنمتثل أمر الله في الإفطار كما امتثلناه في الصيام .
و منها زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو و الرفث و اسعاد للفقير و إحياء لروح التعاون و التراحم بين المسلمين و تزكية و قهر للشح .
و منها لبس الجديد من الملابس و التطيب اعترافاً بجميل صاحب الجميل تبارك و تعالى و تزين له فهو سبحانه جميل يحب الجمال , ثم هو إظهار لنعمة الله عز وجل , ففي الحديث حسن عليه الصلاة و السلام أنه قال : ( إن الله يحب إذا أنعم على عبد أن يرى أثر نعمته عليه ) .
و العيد أن يعود بعضنا على بعض بالزيارة و السلام و الصفاء و الحب .
و العيد صلة للأرحام و بر بالوالدين و عطف على الفقير و المسكين و رحمة بالجار .
العيد عند المسلمين تتجلى فيه الأفراح الإيمانية المنضبطة بضوابط الشرع المحفوفة بسياج الأدب , ففي العيد المزح الوقور و الدعابة اللطيفة و النكتة البريئة و البسمة الحانية و النزهة المباحة و القصص البديع .
العيد يذكر بيوم العرض الأكبر جمع حاشد و ألوف مؤلفة غني و فقير و كبير و صغير و أمير و مأمور و سعيد و شقي و مسرور و محزون .
العيد يوم الجوائز فمن صام و قام إيماناً و احتساباً فبشراه بالجائزة الكبرى و الفوز العظيم و الثواب الجسيم .
و من فجر في صيامه و تهاون في أر ربه و تعدى حدوده فيا ندامته و يا أسفه و يا حسرته .
يعود الناس من المصلى و هم فريقان :
فريق مأجور مشكور . يقول الله تعالى لهم : (( انصرفوا مغفوراً لكم فقد أرضيتموني و رضيت عنكم )) .
و فريق خاسر خائب يعود بالخيبة و الخسران و الأسف و الحرمان :
مر أحد الصالحين بقوم يلهون و يلغون يوم العيد فقال لهم : إن كنتم أحسنتم في رمضان فليس هذا شكر الإحسان , و إن كنتم أسأتم فما هكذا بفعل من أساء مع الرحمن .
رأى عمر بن عبد العزيز الناس يسرعون على جمالهم و خيولهم من عرفات مع الغروب , فقال ليس السابق اليوم من سبق جواده أو بعيره , و لكن السابق من غفر ذنبه .
يا أيها المسلم تفكر فيمن صلى معك الأعياد الماضية من الآباء و الأجداد و الأحباب و الأصحاب , أين هم؟ أين ذهبوا ؟ و أين ارتحلوا ؟
قال أبو العتاهية الزاهد :
فكم فجع الموت من والد *** و كم سكت الدهر من والده
و كم قد رأينا فتىً ماجداً *** تفرع من أسرة ماجده
يشمر للحرب في الدارعين *** و يطعم في الليلة البارده
رماه الفراق بسهم الردى *** فأصبح في الثلة الهامده
فمالي أرى الناس في غفلة *** كأن قلوبهم سامده
شروا برضا الله دنياهم *** و قد علموا أنها بائدة
إذا أصبحوا كالأسود *** باتت مجموعة حارده
مظاهرهم تعجب الناظرين *** و نياتهم بالردى فاسده
غداً تنال الجائزة و غداً توفى أجرك مكتوباً في سجلات الأعمال فاحرص أن يكتب فيه خير , و انتظر عيدك الكبر يوم تفوز إن شاء الله برضى الله و عفو الله . (( فمن زحزح عن النار و أدخل الجنة فقد فاز و ما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور )) .
ربنا تقبل منا إنك أنت التواب العليم , و تب علينا إنك أنت التواب الرحيم .
أيها الصائمون سلام عليكم و رحمة الله و بركاته , و استودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه , طاب صيامكم و قيامكم لكم ما فعلتم بأنفسكم .
قال تعالى : (( إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون لا يسمعون حسيسها و هم فيما اشتهت أنفسهم خالدون )) .
جعلنا الله و إياكم منهم و تقبل منا و منكم سائر أعمالنا و الله أعلم و صلى الله عليه و سلم على محمد و آله و صحبه .
إمامَ المُرسلينَ فداكَ رُوحـــي .. ... .. وأرواحُ الأئمةِ والدُّعــــاةِ
رسولَ العالمينَ فداكَ عرضي .. ... .. وأعراضُ الأحبّةِ والتُّقــاةِ
و أفوض أمري إلى الله
إن الله بصير بالعباد
... محبكم في الله ...
...نجد علي...
مواقع النشر (المفضلة)