الحلقة الثامنة والسبعون
أخرج أحمد والطبراني والبيهقي عن أبي أمامة والنسائي عن طارق إبن شهاب وإبن ماجة عن أبي أمامة وعن أبي سعيد أنه عليه السلام قال " أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر".
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــ
شواهده سائر أيات الجهاد والامر بالمعروف والدعوة إلى الخير ...
موضوعه : الكلمة هي إستراتيجية التغيير الاسلامي ومفتاح مشروع الاصلاح ولب رؤيته :
ما ينبغي علينا أن نتعامى عن صيغة المبالغة والمفاضلة " أفضل " كما لاينبغي علينا غض الطرف عن الامر الموصوف هنا بهما معا مبالغة ومفاضلة ويكفي قول محمد عليه السلام فيه "رأس الامر الاسلام وعموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد " في حديث معاذ السائل عن الطريق إلى الجنة . فكل شئ هنا في مبتدإ الحديث لا يرضى بغير مقام الذروة والافضلية المطلقة وهو مبتدأ جملة إسمية من شأنها تقرير الحقائق الكلية العظمى لا تقبل عليها ناسخا ينصب خبرها بعد رفع والرفع أقوى مقامات القول في مثل قول إبراهيم عليه السلام ردا على سلام الملائكة التي حيته ب" سلاما " فقال " سلام " كما لا تقبل ناسخا ينصب مبتدأها . فإذا جمعت الان عندك ثلاثة أركان من القوة في فاتحة الحديث وهي الجملة الاسمية و صيغة أفعل للمبالغة والمفاضلة وذروة الاسلام فإنك ستفاجأ مباشرة بأن المخبر عنه بسائر تلك القوى الثلاث ليس هو سوى كلمة حق عند سلطان جائر ولك الان أن تطرح سؤالا كبيرا آن أوانه : هل تتوفر الكلمة حقا على كل تلك القوى بما يبوؤها ذروة الذروة في إستراتيجية التغيير الاسلامي وكيف يكون لكلمة مستضعفة تنهشها أسياف بتارة من صوب دولة ظالمة جائرة وحدب قوى لائكية مسنودة بالعسكر والمال والاعلام الساحر أن تكون مفتاح مشروع الاصلاح الاسلامي لا بل كيف يختصر الحديث أخطر المحاور التي تسيل لعاب الاقلام اليوم ونواهل الرماح الصارمة وهي محور التغيير والاصلاح في كلمة واحدة هي كلمة حق ؟ وإذا سلمنا بذلك فكيف ذلك ؟ الاسئلة لا تتناهي من هذا العجب العجاب الذي يعلن به الحديث ومنها ماهي كلمة الحق المقصودة هنا ولعل أخطر الاسئلة طرا التي لا قبل لنا اليوم بالتصدي لها حسن جواب هي : أنى لكلمة حق كانت كفيلة بالامس بأن تصيخ لها الاسماع بحكم قلة عدد الناس وعدم إزدحام وسائل الاعلام وبساطة الحياة أن تشق لها اليوم طريقا في لجج من الاكتظاظ والازدحام لا بل في ظلمات من القمع والمنع والقهر لاحدود لها وأي أثير يفسح لها اليوم مجالا وثورة الاتصالات تعصف بالكون بأسره أو باختصار شديد هل يغني حقا اليوم في عصر العولمة الجارفة العابرة للانسان المقتحمة للبيوت في قفار البوادي أن نعول على كلمة حق أساسا أوليا جامعا لاستراتيجية التغيير ومشروع الاصلاح ؟
الدرس الاول : رسالة الجهاد واحدة لا تتغير : تحرير إرادة الانسان في إختيار لون حياته :
أزعم أن الذي يشغب أكثر على تلك الرسالة بسوء الفهم وسوء التنزيل هم نحن قبل أعداء الاسلام ولست أبرؤهم ولكن النقد الذاتي الذي سماه القرآن توبة وأوبة وفيئا وحسابا مطلوب لتصحيح مسارنا ولالغاء كل فرصة من فرص التدخل الخارجي في شؤوننا بإسم الاصلاح أو الحد من آثارها على الاقل . الادلة من القرآن والسنة أكثر من أن تحصى على أن رسالة الجهاد بسائر أنواعه لا تبغي سوى تحرير إرادة الانسان مطلقا من الخضوع لهذا أو ذاك تحت ذهب المعتز أو سيف الحجاج كما يقولون في صياغة لون حياته دينا وعقيدة ومذهبا وتفكيرا والاسلام إعترف بالاديان السماوية إعتراف وجود لا إعتراف شرعية ورتب على ذلك الاعتراف أواصر وتشريعات تصل إلى حد إجازة التناكح بينها ومن ثم التوارث وإمكانيات الحوار والتعايش وعبر التاريخ الطويل لم يجد اليهود مرفأ آمنا هربا من ظلم الرومان سوى في الدولة الاسلامية وذهب بذلك محمد عليه السلام إلى حد القول بأن " من آذى ذميا فقد آذاني " و" أنه لا يجد ريح الجنة ".
وكفل عمر اليهود من بيت المال ضربا من التغطية الاجتماعية التي تقوم عليها أروبا اليوم ولا ذكر لها عندنا وإشترط إبن تيمية على المغول إطلاق سراح أهل الكتاب قبل المسلمين ففعل .
الدرس الثاني : الجهاد لا يحصر في لون واحد وصورة واحدة فهو إتجاه عام وخطة كلية :
أزعم مرة أخرى أن الذي يشغب على هذا التصور الاسلامي للجهاد هم نحن قبل غيرنا وكلمة الجهاد مظلومة منا ومنهم على حد سواء فهي عندنا جميعا تقريبا وإلى حد النخاع لا تعني سوى الجهاد القتالي وليس لسائر وجوهها الاخرى إن وجدت قيمة كبيرة وهل يعفينا من ذلك مستوى القمع وذروة القهر التي تتعرض لها الامة من حكامها على مدى عقود طويلة أو من عدوها الخارجي ؟ والدليل على ذلك أن القرآن يقدم دوما إنفاق المال على إنفاق النفس ويسمي ذلك جهادا وسنة محمد عليه السلام تبرز أن الجهاد القتالي كان دوما دفاعيا عن حياض الاسلام حتى إضطر إلى القبول بقتل سمية وتهجير الاصحاب ثم تهجير الاسلام بأسره إلى المدينة ولم يبدأ خصمه يوما بحرب وفتح مكة مسالما ووطأ لذلك بالصلح وحتى حيال الروم لم يبادئهم سوى بعد تنسم رياح الغدر منهم وبالخلاصة فإن الجهاد القتالي هو بمثابة الكي بالنار إذا أخفقت سائر الطرق الاخرى وبالخلاصة فإن المؤمن مجاهد في الحياة أو لا يكون والجهاد لابد له من قاعدة هي جهاد النفس هوى وشيطانا ثم جهاد الناس مؤمنهم بالحض على الخير وكافرهم بالحجة وحسن الصحبة وكل ذلك ينبجس عنه قوله " وجاهدهم به ـ أي بالقرآن ـ جهادا كبيرا " . وظالمهم بالردع .
الدرس الثالث : كلمة الحق أنسب ترياق جهادي للانسان ولكنه ليس هو الايسر لنفوسنا :
من أروع ما قال الامام الشاطبي في موافقاته أن التكليف لا ينبغي له أن يخلو من شدة لا ترغب فيها النفس البشرية لا يصل ذلك إلى حد العنت إلا حل اليسر ودون حصول توافق تام بين الشهوة وبين التكليف ويساق هذا بمناسبة القول بأن الجهاد بالكلمة لئن كان لحمة وسدى الاصلاح الاسلامي فإنه ليس هو الارغب لنفوسنا التي تحرص دوما على الاستعجال فطرة ينضح بها قوله " خلق الانسان على عجل ". ولاشك أن إعداد قنبلة تفجر مبنى ما لا يستغرق سوى أيام قليلة تعفيك من لقاء الناس ودفع مجادلاتهم فضلا عن طعم سجونهم وعذاباتهم أما تسطير خطة إصلاحية شاملة كاملة عمادها الكلمة فهي مهمة عمرها اليوم في العصر الحديث أكثر من ثلاثة قرون يوم بدأتها الحركة السلفية في الجزيرة العربية والسودان وغيرهما ومازالت مرشحة لقرون أخرى طويلة قادمة لا بل ليست مرشحة ليوم تتقاعد فيه أو ترفع الراية البيضاء ومعلوم أن الصهيونية اليوم وربيباتها من صليبية وغيرها تنضح تقاريرها بأن الخطر الاسلامي الداهم هو خطر الوسطية بما تتوافر عليه من تخطيط وحكمة وكلمة حق كفيلة بصنع العقول وبناء النفوس وخلخلة أركان الاستقرار الدولي لصالح الرؤية الاسلامية أما خطر تيارات الغضب والتكفير والقتال فهو إما زائل وإما يسدي أجل خدمة لتيارات اليمين المسيحي والصهيوني المتطرف في الغرب لتأبيد الحرب على الاسلام وبلاده . الوجه الاخر لكون كلمة الحق أنسب ترياق للانسان يكمن في أن الانسان ذلك الجهاز النفسي المعقد بصنعة رحمانية مفطور على قبول الهداية من تلقاء نفسه بسائر المؤثرات الداخلية والخارجية طوعا لا كرها وليس أدل على ذلك من كون الايمان الذي هو كلمة تلخص النظرة إلى الوجود لا يقبل من مقلد فضلا عن مكره ولذات السبب كان النفاق أبغض العمل في الدنيا والاخرة لكونه غمط الكلمة الحرة فأخرجها في ثوب كاذب بخلاف الكافرالصريح الشهم ولذات السبب عد القرآن صلح الحديبية الذي إعتبره سائر الصحابة بمن فيهم زعيمهم وقائدهم عمر دنية ومذلة وهوانا فتحا مبينا بسبب دحره عبر وثيقة الصلح المكتوبة والممهورة للحواجز المادية خوفا وطمعا تمنع الناس من حرية الارادة في إختيار لون الحياة المناسب لهم عقيدة ودينا ولغة ومذهبا ومسلكا .
الدرس الرابع : الاسلام دين سياسي بإمتياز :
الاسلام دين منزل من السماء بلا ريب وهو تشريع شامل للحياة بأسرها بلا ريب كذلك سوى أن الناظر فيه قرآنا وسنة يلفى جزء كبيرا منه متجها نحو الاصلاح السياسي وكبر ذلك الحجم يكون أحيانا خاصة في القرآن كيفيا من مثل صراحة وصرامة الايات الدستورية في النساء وغيرها حتى أن سائر الامر الالهي بلفظ الامر لحما ودما وليس صيغة صرفية فحسب كان متعلقا بالشأن السياسي من مثل الامر بالقسط والعدل وأداء الامانة والحكم بالعدل وغير ذلك كثير أما في السنة فإن لفيفا ضخما جدا من الاحاديث يتناول الشأن السياسي وليست السيرة بأسرها سوى تعبير صريح عن بناء كيان سياسي للامة وللجماعة يومها وذلك عبر صيغ البيعات خاصة مع الانصار ودستور المدينة ووثيقة صلح الحديبية وغير ذلك كثير وذات النهج في الخلافة الراشدة وفي هذا الحديث يتمحور درسنا الرابع منه حول أن كلمة الحق وهي تستهدف بناء الحياة الانسانية على أسس الحرية والعدالة والكرامة والتراضي والشورى والمؤاخاة والتعارف والتعاون ونبذ الظلم والعدوان إنما تتخول إلى ذلك بتجفيف أكبر وأخطر منابع الظلم الكفيل بحصد سائر تلك القيم والمثل وهو الظلم السياسي الذي عبر عنه هنا ب " عند سلطان جائر " ومعلوم أنه عليه السلام قال ذلك والشأن السياسي لا يحتل سوى حيزا معلوما محدودا يومها أما اليوم فإن السياسة التي لا تفرط فيها الدولة العربية المجزأة المرتبطة قهرا بقطار العولمة القسرية تستحوذ على سائر مناشط الانسان بما يعني أن كلمة الحق الكفيلة بإصلاح جور السلطان بالحد منه أو بعزله ينبغي عليها أن تكون كلمة حق سياسية محكمة الاركان محل إلتفاف من سائر المصلحين وبناة التغييرأما العزوف عن ذلك وقوفا أسلم على ربوة الفرجة أو تلذذا بدسامة عيش على نخب موائد السحت فهو بمثابة التولي يوم الزحف قيمة أخلاقية لا حكما دينيا وفي الحالين فإن أدسم هدية على طبق من ذهب وورد لاعداء الامة اليوم هي التخلي عن كلمة الحق السياسية وهل يفيد المقهورين شيئا أنك تعتقد في شمول الاسلام بما في ذلك نزوعه السياسي في حين يفيد العدو من ذلك كثيرا.
الدرس الخامس : تسعة أعشار كلمة الحق اليوم هي في الاعلام بسائر أنواعه :
لكأنك بيننا اليوم يا سيدي يا رسول الله. الحديث يضع إصبعه كما يقولون على ذات السلاح الذي يقهر الظالمين قهرا وينصر المستضعفين نصرا وليس هو سوى الاعلام بسائر أنواعه ولست أرى اليوم من خدمة جليلة نسديها أغنياء ومفكرين وإعلاميين للدعوة الاسلامية المعاصرة سوى بالاعلام وليس أصح من كلمة " الاعلام هو السلطة الرابعة " بل لعله تحول بفعل الثورة التقنية إلى السلطة الاولى فهل لو عجزنا عن الاعلام الفضائي نفرط فيما سواه ولم يلتقط المسلمون فتات الفضائيات تمن به منا ومتى كان الحصار الدولي مانعا من البث الفضائي منعا باتا تكون المحاولة معه عبث عابث وهل يحسن بنا أفرادا وجماعات لزوم الصمت إذا إنعدمت مساحات التعبير ولم لا يتحول المسلم والداعية إلى محطة فضائية وإلكترونية وإذاعية وهذا يوسف عليه السلام لم تكممه أسوار السجون فيؤثر في زملائه ؟
الدرس السادس : كلمة الحق لها قوة لا تقهر وسحر لا يقاوم أما قوة الصرع فللثيران :
ليس أبلهنا اليوم سوى من يظن خرصا بأن قوة القنابل والتفجيرات يمكن أن تحدث تغييرا وليس ذلك من منطلق التجربة التي إستوعبها من جربها في مصر والجزائر وغيرهما ولكن من منطلق الحقائق العلمية الاجتماعية الثابتة وهذا الحديث لها جميعا وكاء جامع فهو ناطق بأن الاسلام دين القوة الباقي في البشرية إلى يوم القيامة وقوته في قوة كلمته عقيدة توحيدية وعبادة مخلصة وخلقا زكيا وتشريعا عادلا سوى أنها قوة تتطلب الصبر والمصابرة وعدم الاستعجال وليس أكثرنا اليوم أنانية وعجبا وتهورا سوى من يريد قطف ثمرة لم تغرس شجرتها بعد من جديد بعد ما إجتثتها العوادي منذ عقود بل قرون وقل لي بربك هل تعرف رجلا واحدا أسلم كرها خوفا من قنابلك ؟
الخلاصة : الدعوة الاسلامية المعاصرة بحاجة إلى فرسان كلمة حق في سائر المجالات الاعلامية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية والفكرية والتربوية وهي التي توجه الجهاد القتالي ردا للعدوان في الارض المحتلة أما دون فقه كلمة الحق علما وعملا فلا ينجينا من الوهدة لاجهاد قتالي في أرض محتلة ولا حركة تغيير سلمية في وجه سلطان جائر .
مواقع النشر (المفضلة)