يقول الشيخ ابن القيم رحمه الله،
و نختم الكلام على السورتين في ذكر قاعدة نافعة فيما يعتصم به العبد من الشيطان، و يحترز به منه و ذلك عشرة أسباب:
أحدها :
الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، قال تعالى: " وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ " الأعراف 200. و المراد بالسميع هنا سميع الإجابة لا السمع العام فقط.
الحرز الثاني:
قراءة هاتين السورتين، فإن لهما تأثيرا عجيبا في الاستعاذة بالله من شر الشيطان و دفعه، و لهذا قال النبي صلى الله عليه و سلم: " ما تعوذ متعوذ بمثلهما " و كان يتعوذ بهما كل ليلة عند النوم، و أمر عقبة بن عامر أن يتعوذ بهما دبر كل صلاة ". صحيح
و ذكر النبي صلى الله عليه و سلم : أن من قرأهما مع سورة الإخلاص ثلاثا حين يُمسي و ثلاثا حين يُصبح كفته من كل شيء ". صحيح رواه ابو داوود و الترمذي و النسائي
الحرز الثالث:
قراءة آية الكرسي ( ورد في فضلها أحاديث كثيرة صحيحة و أخرى ضعيفة و صح عنه صلى الله عليه و سلم قراءتَه آية الكرسي عند المنام و دبر الصلاة المكتوبة).
الحرز الرابع:
قراءة سورة البقرة؛ ففي الصحيح عنه صلى الله عليه و سلم أنه قال:( إن البيت الذي تُقرأ فيه البقرة لا يدخله الشيطان) رواه مسلم 780
الحرز الخامس:
خاتمة سورة البقرة؛ فقد ثبت في الصحيح عنه صلى الله عليه و سلم أنه قال: ( من قرأ الآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه) رواه البخاري 4764 و مسلم 808
الحرز السادس:
أول سورة حم المؤمن إلى قوله تعالى " إليه المصير "[/color] ففي الترمذي في حديث عبد الرحمن بن أأبي بكر بن أبي مليكة عن زرارة بن مصعب عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال" قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ( من قرأ حم المؤمن إلى قوله إليه المصير و آية الكرسي حين يصبح حُفظ بهما حتى يُمسي و من قرأهما حين يُمسي حُفظ بهما حتىيُصبح) [color=#FF0000]ضعيف
و عبد الرحمن المليكي و إن كان قد تُكُلم فيه من قبل حفظه فالحديث له شواهد في قراءة آية الكرسي و هو محتمل( أي معناه) على غرابته
الحرز السابع:
لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك و له الحمد و هو على كل شيء قدير، مائة مرة؛ ففي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: " من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك و له الحمد و هو على كل شيء قدير في اليوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب و كُتبت له مائة حسنة و مُحيت عنه مائة سيئة و كانت له حرزا من الشيطان يومه ذلك) متفق عليه.
فهذا حرز عظيــم النفع جليل الفائدة يسير سهل على من يسره الله عليه.
الحرز الثامن:
و هو من أنفع الحروز من الشيطان: كثرة ذكر الله عز و جل، و هذا بعينه هو الذي دلت عليه سورة الناس، فإن فيها وصف الشيطان بأنه الخناس؛ والخناس الذي إذا ذكر العبد ربه خنس؛ فإذا غفل عن ذكر الله الْتَقم القلبَ و ألقى إليه الوساوس، فما أحرز العبدُ نفسه من الشيطان بمثل ذكر الله عز وجل.
الحرز التاسع:
الوضوء و الصلاة، و هذا من أعظم ما يتحرز العبد به، و لا سيما عند الغضب و الشهوة، فإنهما نار في قلب ابن آدم
الحرز العاشر:
إمساك فضول النظر و الكلام و الطعام و مخالطة الناس، فإن الشيطان إنما ينال غرضَه من ابن آدم في هذه الأبوب الأربعة،
** فإن فضول النظر يدعو إلى الاستحسان و وقوع المنظور إليه في القلب و الاشتغال به.
** و أما فضول الكلام فإنها تفتح للعبد أبوابا من الشر كلها مداخل للشيطان، فإمساك فضول الكلام يسد عنه تلك الأبواب، و كم من حرب جرتها كلمة واحدة،؛ و قد قال النبي صلى الله عليه و سلم: " و هل يكب الناس على مناخرهم في النار إلا حصائد ألسنتهم؟" حسنه الشيخ الألباني رحمه الله في الإرواء 2/138.
و أكثر المعاصي إنما تولد من فضول النظر و الكلام، و هما أوسع مداخل الشيطان، فإن جارحتيهما لا يملان و لا يسأمان، بخلاف البطن فإنه إذا امتلأ لم يبق فيه إرادة للطعام. و أما العين و اللسان فلو تُركا لم يفتُرا.
و كان السلف يحذرون من فضول الكلام و كانوا يقولون: ما من شيء أحوج إلى طول السجن من اللسان.
** و أما فضول الطعام فهو داع إلى أنواع كثيرة من الشر، فإنه يُحرك الجوارح إلى المعاصي، و يُثقله عن الطاعات، و حسبك بهذا شرا، فكم من معصية جلبها الشبع و فضول الطعام؟
و لو لم يكن في الامتلاء من الطعام إلا أنه يدعو إلى الغفلة عن ذكر الله، فإذا غفل القلب عن الذكر ساعة واحدة غلبه الشيطان، و شهاه و هام به في كل واد، فإن النفس إذا شبعت تحركت، و طافت على أبواب الشهوات، فإذا جاعت سكنت و ذلت.
.... يليه إن شاء الله: فضول المخالطة.
مواقع النشر (المفضلة)