[align=center]
[align=right] الحديث الخامس [/align]
--------------------------------------------------------------------------------
إبطال المنكرات والبدع
[
عن أم المؤمنين أم عبد الله عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ". رواه البخاري ومسلم . وفي رواية مسلم " من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد "
[align=right]أهمية الحديث[/align]
هذا الحديث أصل عظيم من أصول الإسلام : وكما أن حديث " إنما الأعمال بالنيات " ميزان للأعمال في باطنها ، وكل عمل لا يراد به وجه الله تعالى فليس لعامله فيه ثواب؛ فكذلك حديث النبي صلى الله عليه وسلم هذا ميزان للأعمال في ظاهرها ، وكل عمل لا يكون عليه أمر الله ورسوله فهو مردود على عامله ، وكل من أحدث في الدين ما لم يأذن به الله ورسوله فليس من الدين في شئ .
قال النووي رحمه الله تعالى : هذا الحديث ينبغي حفظه وإشهاده في إبطال المنكرات .
وقال ابن حجر الهيتمي : هو قاعدة من قواعد الإسلام و أعمها نفعاً من جهة منطوقه ؛ لأنه مقدمة كلية في كل دليل يستنتج منه حكم شرعي .
[align=right]لغة الحديث :[/align]
" من أحدث " : أنشأ واخترع من قبل نفسه وهواه .
" في أمرنا " : في ديننا وشرعنا الذي ارتضاه الله لنا .
" ما ليس منه " : مما ينافيه ويناقضه ، أو لا يشهد له شئ من قواعده وأدلته العامة .
" فهو رد " : مردود على فاعله لبطلانه وعدم الاعتداد به .
[align=right]فقه الحديث وما يرشد إليه : [/align]
1- الإسلام اتباع لا ابتداع : والرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه حفظ الإسلام من غلو المتطرفين وتحريف المبطلين بهذا الحديث الذي يعتبر من جوامع الكلم ، وهو مستمد من آيات كثيرة في كتاب الله عز وجل ، نصت على أن الفلاح والنجاة في اتباع هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم دون تزيد أو تنطع ؛ كقوله تعالى : ( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يُحببكم الله ) [ آل عمران : 31 ] وقوله : ( وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ) [ الأنعام : 153 ] .
وروى مسلم في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في خطبه : " خير الحديث كتاب الله ، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة " ورواه البيهقي وفيه زيادة " وكل ضلالة في النار " .
2- الأعمال المردودة : والحديث نص صريح في رد كل عمل ليس عليه أمر الشارع ؛ ومنطوقه يدل على تقييد الأعمال بأحكام الشريعة ، واحتكامها كأفعال للمكلفين بما ورد في كتاب الله أو سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم من أوامر ونواهٍ ، والضلال كل الضلال أن تخرج العمال عن نطاق أحكام الشريعة فلا تتقيد بها ، وأن تصبح الأعمال حاكمة على الشريعة لا محكومة لها ، ومن واجب كل مسلم حينئذٍ أن يحكم عليها بأنها أعمال باطلة ومردودة ، وهي قسمان : عبادات ومعاملات .
أ- أما العبادات : فما كان منها خارجاً عن حكم الله ورسوله بالكلية فهو مردود على صاحبه ، وهو داخل تحت قوله تعالى : ( أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله ) [ الشورى : 21 ] ومثال ذلك أن يتقرب إلى الله تعالى بسماع الأغاني ، أو بالرقص ، أو بالنظر إلى وجوه النساء ، أو يكشف الرأس في غير الإحرام . أو بما أشبه ذلك من محدثات البشر وجنون العصر ، وهؤلاء وغيرهم ممن أعمى الله بصيرته عن اتباع سبيل الحق ، واتبع سبل الشيطان ، يدّعون أنهم يتقربون إلى الله بما أحدثوه من أفكار وضلالات ، وهم في باطلهم كالعرب المشركين الذين ابتدعوا عبادات وقربات ما أنزل الله بها من سلطان ، وقال الله عز وجل عنهم : ( وما كان صلاتهم عند البيت إلا مُكاءً وتصديةً ) [ الأنفال : 35 ] .
وقد يظن بعضهم أن ما كان قربة في عبادة يكون قربة في غيرها مطلقاً ، ومثال ذلك الرجل الذي نذر في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقوم في الشمس ولا يقعد ولا يستظل وأن يصوم ، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يقعد وأن يستظل وأن يتم صومه " .
وفي كتب الفقه تفصيل أحكام العبادات في الإسلام وما يرد منها ويبطل عند إحداث زيادة أو نقص عما ثبت عن المشرع الحكيم .
ب- وأما المعاملات : كالعقود والفسوخ ، فما كان منافياً للشرع بالكلية فهو باطل مردود ، دليل ذلك ما حدث في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، فقد جاءه سائل يريد أن يغير حد الزنا المعهود إلى فداء من المال والمتاع ، فرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم في الحال وأبطل ما جاء به ، روى البخاري ومسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءه سائل فقال : " إن ابني كان عسيفاً على فلان فزنى بامرأته ، فافتديت منه بمائة شاة وخادم ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : المائة الشاة والخادم رد عليك ، وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام " .
وكذلك كل عقد نهى عنه الشرع ، أو أخل المتعاقدين بركن من أركانه أو شرط من شروطه ؛ فهو عقد باطل ومردود ، وتفصيل ذلك في كتب الفقه .
3- الأعمال المقبولة : وهناك أعمال وأمور مستحدثة ، لا تنافي أحكام الشريعة ، بل يوجد في أدلة الشرع وقواعده ما يؤيدها ، فهذه لا ترد على فاعلها بل هي مقبولة ومحمودة ، وقد فعل الصحابة رضوان الله عليهم كثيراً من ذلك واستجازوه ، وأجمعوا على قبوله ، وأوضح مثال على ذلك جمع القرآن في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه في مصحف واحد ، وكتابة نسخ منه وإرسالها إلى الأمصار مع القراء في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه .. ومثله الكتابة في علوم النحو والفرائض والحساب ، والتفسير ، والكلام على الأسانيد ومتون الحديث ... وغير ذلك من العلوم النظرية التي تخدم مصادر التشريع الأساسية ، أو العلوم التجريبية النافعة التي تخدم الناس في معيشتهم ، وتصل بهم إلى إعداد القوة وإعمار الأرض ، والتمكين لشرع الله ، والحكم بما أنزل الله .
4- البدعة المذمومة والبدعة المحمودة : ونصل بعد الكلام على الأعمال المردودة والأعمال المقبولة إلى نتيجة واضحة وحاسمة ، وهي أن بعض الأعمال المبتدعة المخالفة لشرع الله هي بدع سيئة وضالة ، وبعض الأعمال المستحدثة لا تخالف الشرع ، بل هي موافقة له مقبولة فيه ، فهذه أعمال مقبولة ومحمودة ، ومنها ما هو مندوب ، ومنها ما هو فرض كفاية ، ومن هنا قال الشافعي رحمه الله تعالى : " ما أحدث وخالف كتاباً أو سنة أو إجماعا ًأو أثراً فهو البدعة الضالة ، وما أحدث من الخير ولم يخالف شيئاً من ذلك فهو البدعة المحمودة " .
والبدعة السيئة قد تكون مكروهة وقد تكون حراماً لضررها وفسادها ومخالفتها مقاصد الإسلام وضروراته ؛ وقد تصل بالإنسان إلى الكفر والزيغ والضلال كالانتماء إلى الهيئات والجماعات التي تنكر الوحي أو تتنكر لشرع الله ، أو تنادي بتحكيم القوانين الوضعية ، وترى في تحكيم شرع الله تخلفاً وضعفاً . وكالانتماء إلى جماعة يدعون التصوف ، ويستحلون التهاون في التكاليف الشرعية ، ولا يقفون عند حدود ما أحله الله وما حرمه ، أو يقولون بوحدة الوجود والحلول . وغيرها من الأحوال والأقوال الضالة الكافرة ... ومن البدع السيئة عند عامة الناس تعظيم بعض الأشياء والتبرك بها واعتقاد النفع فيها، كتعظيم نحو عين وشجرة وضريح ، وقد صح أن الصحابة رضي الله عنهم مروا بشجرة سدر قبل حنين ، كان المشركون يعظمونها وينوطون بها أسلحتهم ، فقالوا يارسول الله ، اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط ، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الله أكبر ، هذا كما قال قوم موسى : اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة . ثم قال : إنكم قوم تجهلون ، لتركبن سنن من كان قبلكم " .
5- فائدة رواية مسلم " من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد " أن بعض المعاندين ببدعة سُبق إليها ، يرد على احتجاجنا عليه بالرواية الأولى فيقول : أنا ما أحدثت في الدين شيئاً . فنروي له رواية مسلم " من عمل عملاً ..... " فتفهمه .
6- وفي الحديث أن من ابتدع في الدين بدعة لا توافق الشرع فإثمها عليه ، وعمله مردود عليه ، وأنه يستحق الوعيد .
7- وفيه أن النهي يقتضي الفساد .
8- الدين الإسلامي كامل لا نقص فيه .[/align]
مواقع النشر (المفضلة)