الحلقة السادسة عشرة
أخرج الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه عليه السلام قال " لويعلم الناس مافي النداء والصف الاول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا ولو يعلمون مافي التهجير لاستبقوا إليه ولو يعلمون مافي العتمة والصبح لاتوهما ولو حبوا".
ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــ
موضوعه:عماد الدين الصلاة والجماعة والتنافس على الخير وتزكية النفس : من أسباب تأخرنا أن الصلاة عندنا أضحت حركات بدنية لا روح فيها ولا نبتغي منها تحرير أنفسنا من سائر ضروب الرق وصنوف الاستعباد حتى تلك التي تختفي فينا ولا بتكريمها بسائر مظافر العلا ومراقي العز وهذا عند المقيمين للصلاة والمحافظين عليها ولك أن تتصور كم من مؤمن اليوم هو كذلك ظاهرا ثم تصور كم من هؤلاء تنهاه صلاته عن الفحشاء والمنكر وتحرره وتكرمه . ولو لم يكن الامر كذلك لما إشتمل الاسلام على أمرين أولهما أنه جعل الصلاة في الدنيا أول فريضة على المؤمنين لا تغفل عنهم يوما واحدا فهي تعاودهم مرة كل أربع ساعات ونيف علىمدار العمر لا تفارق منهم مريضا ولا عاملا ولا غنيا ولا فقيرا ولا حاكما ولا محكوما ولا سليما ولا مقعدا لابد للقلب منها من حظ لو عجز المصلي عن تحريك عينه بها أو يده أو القيام أو القعود ولا تفرط في مسافر ولا مقيم إلا غافلا أو فاقد عقل حتى يفيق ويعقل وإن شئت زدت على ذلك أن تاركها كافر ربما قتل حدا عند هذا وكفرا عند ذاك أو أستتيب وربما فرق بينه وبين زوجه وآل ماله الى بيت المال وربماحبس وعزر عند آخر ينظر إليه نظرة المعافى إلى الاجرب الاجذم يتوجس من العدوى أما الشاطر فيها فهو إمام للناس فيها وفي غيرها يؤمهم ويعلمهم ويشير عليهم أما ثاني الامرين اللذين إشتمل عليهما الاسلام تقديرا لاول فروضه وزينة أهله في الدنيا فهو أن الانسان يوم القيامة يحاسب أول ما يحاسب على صلاته فإن صلحت بت في ملفه وعد من أهل الجنة وإن عسر حسابه وإن فسدت فلا ينظر في بقية ملفه القضائي كائنا ما كانت أعماله فضلا وتقدما ونفعا للناس بل هي بوار بائر وهباء منثور فالصلاة عماد الحياة إذا كان الدين عماد الحياة تماما كما أن العمود الفقري في جسم الانسان هو عماده وإلا أضحى كتلة من اللحم سرعان ما يسرع إليها الفساد وتنهشها الذئاب وما بقي للذباب .
مخ الصلاة التي هي مخ الحياة اربع : النداء والصف الاول والتهجير والبردين : من مظاهر العجب فينا أنك لا تجد في كتب فقه الصلاة سوى ما يقيم أودها الظاهري المادي وذلك هو مبلغ الفقه يوم تتخلف الامة فكتب الفقه لا تصنع المصلين إذن ولكن يجد فيها المصلي الحريص بعض ما يفيده لو أخطأ في صلاته أما فقه الصلاة كما يريدها الله سبحانه فيصعنه القرآن الكريم والسنة الصحيحة وسائر الكتب التي إستلهم أصحابها حقا فقه الصلاة فهم يبينون معانيها ومكارمها ومحاسنها ومقاصدها ومنافعها وأجزيتها في الدنيا والاخرة لذلك لم يزد عليه السلام في أول وأكبر فريضة على قوله " صلوا كما رأيتموني أصلي " كما أنك لاتجد صحابيا واحدا سأله يوما عليه السلام سؤالاواحدا عن الصلاة سؤالا بليدا شبيها بأسئلتنا نحن اليوم فيها وهم من هم لها حسن إقامة ولو سألتني لم لم أتردد بقولي بأن الصلاة فرضت عليهم وهم مشغولون بحسن إدارة الحياة إقامة للعدل والقسط جهادا واجتهادا واستشهادا وتكافلا وتضامنا فظلوا بذلك مشغولين ولم تزدهم الصلاة سوى إضافة على ذات الدرب أما نحن فلقد فرضت علينا الصلاة ونحن نتسكع على أزقة الحياة بعد ما اضحت الرسالة باهتة مترددة هل هي تعمير الدنيا وتخريب الاخرة أم العكس ولم يهتد سوى قليل منا إلى أن الامرين واحد فنحن إذن فارغون والفارغ يشغله كل ما يفرض عليه فيعكف عليه عكوف الطفل الصغير اللاهي بكومة تراب لا يلوي على من حوله . النداء الذي يرغب فيه هنا عليه السلام هو الاذان وهو يعني أمرين أولهما ممارسة الاذان فالمؤذنون أطول الناس أعناقا يوم القيامة أي أعلى الناس فلا يوطؤون كما يوطؤ النمل وثانيهما تلبية نداء الاذان حال سماعه ويتفاوت الناس في ذلك فراغ وقت وقوة يقين وليس لسوى إعلان شعائر الله وإكتساب الشجاعة اللازمة للاصداع بالدعوة إلى الله سبحانه ندبنا عليه السلام لسرعة تلبية نداء الاذان . أما الصف الاول فيعني أن المصلي حريص على صلاته في جماعة حريص على حسن إستعداده لها بالتفرغ النفسي وإصابة شئ من الذكر أو التلاوة وإسباغ الوضوء والقرب من موقع الامامة يتعلم ويحسن الاستماع ويحسن الاصلاح لو وقع الخطأ والاسلام دوما يحض على الامامة ومراتبها في كل خير لا على مجرد الاتباع إذ يخشى من يجد نفسه دوما في الصف الاخير أن يستبد به التقليد فلا يصيب خيرا ثم تأكله الامعية كشاة توشك أن تتخلف فيتهددها الذئب وذئب الانسان الشيطان وفي أيامنا ربما لا يجد من هو في الصفوف الخلفية وربما خلف الجدر والحواجز حسن إستماع من خطيب الجمعة ولا من الواعظ وربما فاته خير كثير كثيرا ما لا تفي به المصادح المبثوثة .أما التهجير فهو في صلاتي الظهر والعصر وربما برد الناس لصلاتهم وربما هجروا وعلام تواضعوا فلا يحسن بالمؤمن سوى تلبية النداء والمتخلف عن التهجير الى الصلاة يخشى على نفسه أن يكون من المخلفين يوم العسرة الذين لم يتخلفوا عن نفاق ولكن عن تسويف وتكاسل ورغبة في يوم آخر في ظل شجر المدينة وثمرها وليس أثقل على النفس بعد التجافي عن المضاجع من الليل سوى هجرانا للظلال الوارفة وتعرضا لفيح نار القيظ اللاهب ولامر ما كان الجزاء من جنس العمل فالمشاؤون في الهجير إلى المساجد آمنون من هجير الاخرة وفي المناطق الحارة ليس ألذ من القيلولة التي تطلق البدن من عقال الضحى وكده وعليه يقاس الحبو إلى الصلاة أي صلاة البردين الصبح والعشاء سيما في المناطق التي تشتعل بردا وتكسوها الثلوج حتى أنه بشر عليه السلام من صلاهما في جماعة كان في ذمة الله وفي حمايته سائر يومه وكان كمن قام الليل بأسره. ولامر ما ذكر عليه السلام الاستهام أي القرعة لكل تلك المطالب من نداء وتهجير وصف أول والحبو لادراك البردين في جماعة ولو ذكر العبد قوله يوم القيامة " و يدعون الى السجود فلا يستطيعون خاشعة ابصارهم ترهقهم ذلة وقد كانوا يدعون الى السجود وهم سالمون " لسارع الى كل ذلك قبل فوات الاوان ولقد كان عليه السلام لا يجد عذرا لابن أم مكتوم وهو أعمى في عدم إجابة النداء إلى مسجد يبعد عنه أميالا لا مئات من الامتار وراجلا بدون عينين في ظلام الليل الدامس لا بصيرا في سيارة لا يعرف الظلام الى المدينة المضيئة ليل نهار سبيلا وفي طرق معبدة وأمن من الزواحف والهوام والدواب حل محلها جميعا رقيب السلطان يحصي المصلين من الشباب وهو يرجو أن يعمروا المواخير والحانات والشطآن الفاضحة والمراقص والعلب الليلية لعله يستريح من معارضتهم ورب حاب الى المساجد اليوم منطلق فوق الصراط كالبرق ورب معربد اليوم متبرج بقوته مستعل بسلطته مستغن بسحته حاب غدا كنمل صغير حقير تطأه ارجل المؤذنين.
ماهو السر في كل هذه القيمة لصلاة الجماعة ؟: مكارم الصلاة لاتحصى فهي نهر يطهر المؤمن كل يوم وليلة خمس مرات فلايبقىمن درنه عليه شئ فالصلاة إذن حمام دافئ للبدن يجعله دائم النظافة والطهارة متناسبا مع الفطرة في الشعر والاظافر والبراجم والرائحة والثوب والبيت وفنائه وهي بعد ذلك زكاة للنفس إذ تطرد عنها الكسل والاثرة وتعلمها القيام والسعي والتضحية وهي بعد ذلك ترسم للعامل النشيط برنامجا يوميا للحياة يبدأ منذ الصباح الباكر ويمتد حتى الليل وله فيه وجبات راحة وله يوم راحة اسبوعية هو يوم الجمعة وهي بعد ذلك تعلم الاسرة سيما الابناء الاسلام في ابجدياته الاولى تأسيا بالابوين العابدين وهي بعد ذلك ترص صفوف الجماعة رصا وما ينبجس كأثر عن صلاة الجماعة من خير للجماعة ماديا ومعنويا لا يحصى وليس أولها التعارف أساس الوجود الانساني بأسره وليس آخرها التكافل والاهتمام بالشأن العام والاصلاح وصلاة الجماعة تعلم الوحدة والنظام وحسن المظهر ورص الصف والتعاون والاصلاح حال خطأ الامام أو غيابه وهي تعلم فن التعامل مع الناس ومراعاة الذوق العام بما فيه من طيب وحسن مظهر وتجمع الرجال والنساء والاطفال وتعلم عبر الخطب وسائرمناشط المسجد الدين والدنيا معا وتؤاخي بين الناس وتقضي حوائجهم الدنيوية وتعلم فن المعمار وفنون الزينة وزركشة المسجد والعناية به وهي بعد ذلك محطة للدعوة من خلال الاذان وصلاة الجمعة والاعياد وسائر الصلوات غير القارة كالاستسقاء والخسوف والكسوف فالصلاة تعلم الانسان فن الحياة في البيت والشارع والمسجد وفن الاجتماع والتكافل والتعاون والدعوة والتحضر والترقي وطلب الكمالات في الدين والدنيا فمقيم الصلاة في الجماعة في المسجد حي أبدا وسواه حي بقدر فعل ذلك وميت بقدر تخليه عنه فاختر بين الحياة وبين الموت ولا تختر سوى الحياة تكن غدا حيا
مواقع النشر (المفضلة)