الحلقة الواحدة والثلاثون
أخرج الشيخان عن إبن عمر أنه عليه السلام قال " أيما رجل قال لاخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما ".
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــ
من شواهده " إجتنبوا كثيرا من الظن " و " ... وأن تقولوا على الله ما لاتعلمون ". وغيرها كثير.
موضوعه : التكفير أشد الزلازل حصدا لاول ثابت بعد التوحيد وهي الاخوة وهو سلاح البله : لو إتفقنا بداية على بديهية معلومة من الحياة بالضرورة لاغنتنا عن تحبير المجلدات في هذا الموضوع وليست تلك سوى أن هذا الحديث الصحيح صريح في إعتبار أن كل رجل أو إمرأة قال بلسانه لرجل آخر أو إمرأة عرف عنه الايمان ولو مع إتيان كل الموبقات التي لا يحيط بها عقل يا كافر فهو بين أمرين لا ثالث لهما : إما أن يكون المعني كذلك حقا عند الله سبحانه وإما أن يكون غير ذلك أي فاسقا ألف مرة ومرة وعاص ومنافق سلوك وباغ وعاد ومحارب وظالم حتى النخاع لكل من خلق الله فوق الارض وفي كل هذه الحالات فالقائل نقل نفسه ببساطة لا يفعلها غير البله والمجانين من الايمان الكفيل بفوزه بالجنة في الاخرة لبث ما لبث في النار لتخليصه من كبائره وموبقاته ومن حقوق الناس عليه إلى الكفر الكفيل بخلوده في النار كائنا ما كانت أعماله برا وإنفاقا وإحسانا ومعروفا وعبادة وبكاء وطوافا ونفعا للناس . إني أظن أن كل عاقل يطلع على هذا الحديث يرعوي وينزجر ويتصور نفسه أنه كان يقف على شفا جرف هار يكاد ينهار به في نار جهنم وهو لا يشعر أو هو يلعب ويلهو بجانب تمساح ضخم جائع يهم بإبتلاعه في كل آن ولحظة إني والذي نفسي بيده كلما قلبت هذا النص الصحيح الصريح في حياتنا اليوم المليئة بتبادل التكفير أقف مشدوها حائرا لدقائق طويلة متسائلا بيني وبين نفسي كيف يبيح عاقل لنفسه إتهام كائنا من كان بالكفر وهو يعلم علم اليقين أن كل تهمة بالكفر لا تصيب صاحبها المناسب بالتحديد ووفق علم الله وليس علم البشر مرتدة عليه هو مباشرة ودون أدنى تمحل أو تأويل أو كذب .
تحرير القول في الكفر المقصود هنا : صحيح أن بعض العلماء قالوا بأن الكفر المرتد هنا على صاحبه القاذف للمؤمن بالكفر وما هو كذلك هو كفر دون الكفر الاكبر المخرج من الملة وليس ذلك بمسلم ولا بعيد عن المعارضة فهو تأويل لئن إتسعت له اللغة والشرع معا فإن من شأن التهوين من جرم هذه الفرية القاضية بقذف مؤمن بما هو منه فار وهو الكفر أن يجرئ ضعاف الايمان والنفوس المعقدة غير السوية على خلخلة أركان الاخوة الانسانية وخاصة في دائرة أهل الايمان ولا شك أن مآل تأويل مماثل حتى لو كان له مساغ لغة وشرعا ليس هو سوى توهين النفوس القاذفة وإستمرائها لبث الفتنة في الصفوف وتفريق الجماعات وإذهاب الريح وشغل النفوس المقذوفة بالدفاع عن نفسها ومن يتوانى في الدفاع عن إيمانه أغلى كسبه في هذه الدنيا ومن صبر عن ذلك من النفوس المقذوفة ظلما وزورا فإن قذفا شبيها يشغل النفوس العاملة لخير البشرية وفتح دروب الحرية والحق والعدل وتوطيد أركان الاخوة والتعاون والتعمير والاحسان بأولويات ثانوية وبذا تتأخر الجماعة وتنحل الامة ويجد العدو المتربص فرصة للاغراء والاغواء. وبعد ذلك من أدرانا أن هذا التأويل مقبول عند الله سبحانه فلو حكم بيننا يوم القيامة فيما كنا فيه نختلف وقالت محكمته العليا والاخيرة وهي منتصبة بين الجنة والنار أن من رمى مؤمنا بالكفر يوما فقد كتبته في لوحي كافرا مذ قالها ومصيره معلوم طبعا فهل نمنح يومها فرصة للترجيح بين القولين هل الكفر المرتد في هذا الحديث الصحيح هو كفر أكبر أم كفرنعمة لا بل هب أنه كفر أصغر أو كفر نعمة أليس إشتراك الالفاظ والمعاني مؤذن بإشتراك المصائر والمآلات وما هو الفرق يوم القيامة بين كافر أصغر وآخر أكبر . إني لا أرى أن تأويلا مماثلا خادما لحالنا وأرنو إلى دهاقنة العلم وأساطين الفقه في حياتنا اليوم أن يؤول إجتهادهم في هذا الامر إلى ما يوطد عرى مفككة ووشائج مهزوزة فإعتبار مآلات الفتاوى والاقوال والاجتهادات وما يليها من أعمال مرعي عند هؤلاء وهو ما جعل الفاروق عليه الرضوان يختار في التطليق بالثلاث عدم الامضاء رعاية لحال الناس مخالفا ما كان سابقا والحاصل أن رعاية حال الناس مرعي دوما كلما كان الامر يحتمل التأويل قولا وعملا .
المنهج القرآني يحارب الظلم أكثر من حربه على الكفر : إن تعجب فإن عجبك لا ينقضي من الناس الذين يبنون سائر أنظمتهم الكبيرة والصغيرة خارج المنهج القرآني ويحسب هؤلاء وغيرهم كثير أن القرآن إنجيل يجمع حزمة من الاوامر والنواهي وماعدا ذلك فلا مكان له في الحياة أو هو زائد عليها وعلى كل حال لا مجال للانتفاع به كأنه لغو وهذر وهذا منهج في الفهم سقيم لئن غرس إيمانا فإنه سرعان ما يفرغه من كل مضمون حياتي إيجابي عبر عنه القرآن بقوله " أو كسبت في إيمانها خيرا " وكثير من المؤمنين اليوم لا يكسبون من إيمانهم الصحيح صوريا وميكانيكيا خيرا لا لانفسهم ومن باب أولى لغيرهم . ولو قلبت القرآن عدا ومعنى لالفيت خلاف ما يعتقده أغلب المسلمين اليوم وهوأن حملة الاسلام على الكفر ليس أشد منها والحقيقة أن حملة الاسلام الاشد هي على الظلم وفيه تفصيل لا يتسع له الان مجالنا رغم أهميته بل إنه يتسع لظلم المؤمنين وفي المقابل فإن الحملة على الكفر بسائر أنواعه أقل من ذلك بكثير وهي حملة تستهدف النظرية التي يصدر عنها الكفر يعرضها القرآن ثم يحاورها ثم ينصر حجته مقنعا كل من يقرأه بخلاف الحملة على الظلم فإنه لا يعرض لهم حجة ولا يناقشها بل يهجم عليها مباشرة مبررا ذلك بأن الظلم لا يستند إلى حجة من عقل أو منطق أو تجربة أو تاريخ ولكن يصدر عن نفس مريضة ولك أن تحصي بنفسك ذلك جامعا بين المعنى والمبنى وليس أعز علي وعليك من الحكمة التي نطق بها الفقيه المجاهد المرحوم إبن تيميه وهي أن كل ما ورد عن الكفر والكافرين في القرآن الكريم أو جله على الاقل بحسب السياق إنما يقصد به الظلم وليس مجرد الكفر . فلو وقفنا بأنفسنا على هذه الحقيقة في المنهج القرآني وتمييزه بين الظلم وبين الكفر وإعتباره أن الظلم أشد عليه من الكفر لان الاول محارب متحرك والثاني عادة مسالم مهادن فإنه علينا أن نصوغ عقولنا وفق هذا المنهج فندمغ بالظلم كل ظالم حتى لو كان في منتهى الطاعة والخشوع وكفى به دامغا لاحدا ونفر من القذف بالكفر فرارنا من المجذوم ومن كل مرض معد وآفة قاتلة وهل ثمة من شر في هذه الدنيا أشد عليك من أن ترمي من تكره بالكفر فيرتد إليك قذفك فيكتبك الله كائنا من كنت عبادة وحبا وكذبا في سجل الكفرة فلا يقبل منك صرفا ولا عدلا وأنت في نفسك وبين الناس أمير المصلحين وسيد الناس ورائد القوم تتزين بك المجالس .
الحكمة في هذا الجزاء المهين لقاذف أخيه بالكفر : هل تحسب أن الله سبحانه لما أجرى هذا القول على لسان نبيه عليه السلام لاعبا حاشاه سبحانه بل في ذلك ما يعلم من الحكم وأولها أن نعمة الايمان ونقمة الكفر مصدرها الاول هو سبحانه فهو يهدي من يشاء ويضل من يشاء ولئن نازعه عبده في ذلك فلن يبقى له أمر آخر غير قابل للمنازعة فيه ولذلك لم يكن جزاء أجدر بالمتألي عليه سبحانه بكتبه في سجل الكافرين وملاقاة مصيرهم لان العبد وإيمانه ملك له سبحانه فكأن المكفر لغيره يعز بالايمان من يشاء ويذل بالكفر من يشاء ونصب نفسه إلها في الارض وثاني تلك الحكم أن أكبر إعتداء على الانسان هو أن تنزع عنه أعز ما يملك وهو خياره الشخصي الحر في كونه كافرا أو مؤمنا فهو إعتداء على الارادة والحرية وسائر مظاهر كرامة الانسان وهل ثمة رساميل في الدنيا توازي حبة خردل من رساميل الايمان حتى ينزعها متهور بجرة قلم عن مؤمن يقتل نفسه في سبيل إيمانه وثالث تلك الحكم هي أن القذف بالكفر خاصة في مجتمع المؤمنين مؤذن ولا ريب بنشوب حرائق الفتنة بين الناس ومن يملك نفسه وقد قذف بالكفر ومن يلجم غضبه وقد رمي في أعز ما يملك ولو تكاثرت النفوس المكفرة فإن ذهاب الريح على الابواب تفتح فيلج هو ويتبعه العدو المتربص ويذهب الوطن ثم الايمان ويصول الظلم والكفر ويصبح الاحرار عبيدا والسبب الاول في كل ذلك قذف بالكفر من غلام بالكاد إحتلم لم يعلم عن كتاب الله ولا سنة رسوله عليه السلام بالكاد شيئا سوى ظاهرا من القول لا يغني ولا يسمن من جوع والحكم في الحقيقة كثيرة وكلها كفيلة بترتيب مثل هذا الجزاء على ذلك التكفير . وأكرر القول بأن الله علمنا في كتابه أن لنا أن نقذف بما سوى ذلك من فسق وشبهة وظلم وسائر ما يعن لك فإن أصبنا فبها ونعمت وإن أخطأنا فالخطب أدنى جلالة .
الخلاصة : أناشد كل مسلم ومسلمة يؤمن بالله واليوم الاخر الابتعاد عن قذف غيره بالكفر إبتعاده عن النار لئلا يقع في النار وهو لا يعلم وله في ما دون ذلك من ظلم وفسق مسرحا رحبا والاولى من ذلك كله كما أرشد عليه السلام حتى حيال الشيطان فما بالك بمن دونه البسملة بدل اللعن تلك هي الايجابية الاسلامية وصدق من قال " بدل لعن الظلام أشعل شمعة ".
مواقع النشر (المفضلة)