الحلقة السادسة والثلاثــــــــــــــــــ ـون
أخرج البخاري أنه عليه السلام أمرزيدا بن ثابت بتعلم السريانية لغة يهود .
ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ
موضوعه : الفريضة الغائبة اليوم هي فريضة الترجمة فهي قنطرة العبور بيننا وبين الناس : ثمة أمر أساسي لايجوز لنا الاختلاف عليه مطلقا وهو أن كلمة الله الاخيرة للبشرية التي جاء بها الاسلام في القرآن الكريم والسنة النبوية ليست خاصة بالمؤمنين بها سوى خصوصية مسؤوليتهم على تبليغها للناس كافة ويحسب بعض الناس أن القرآن بما إحتوى من نداءات تقرب من مائة تخص الذين آمنوا هو كتاب المؤمنين وقبل ذلك ينسى كل واحد فينا نفسه قبل إسلامه أو التزامه بالاسلام كأن لم ينصب الناس من حولك يرجون فيئك إلى الله سبحانه فلما فئت أغلقت باب الهداية ولم تحسن سوى رمي الناس بالكفر والضلال والسفاهة والظلم والفسق والشبهة والاعراض والناظر في القرآن الكريم
يلفى أنه يخاطب الناس لفظا ومعنى بقدر مخاطبته للمؤمنين سيما في جانبه المكي المعول عليه في إنشاء الايمان وتحرير العقل ولو رجعت مثلا إلى سورتي يونس والحج فحسب لالفيت عجبا فيونس نبي عربي والحج عبادة إسلامية فما هو السر ؟ والامر ذاته ينسحب على أهل الكتاب خاصة في سورة آل عمران التي كادت تتمحض لهم أي النصارى بالكلية فمن يبلغ كل تلك النداءات للناس ولاهل الكتاب ؟ ألسنا نحن مكلفون بذلك ؟
حركة الترجمة في الاتجاهين سفير بيننا وبين الناس تدير الحوار وتزيل سوء الفهم : سوء الفهم اليوم بيننا وبين الناس أجمعين طبق الافاق بفعل تحول العالم بأسره إلى غرفة نوم واحدة صغيرة تجمع ستة مليارات من البشر ويخطئ المسلمون حين يظنون أن العيب في غيرهم الذي لا يجهد نفسه لحسن فهمهم أذ هم أنفسهم لم يفعلوا شيئا كثيرا لفهم غيرهم وحسبك أن تعلم أن أغلب الشعوب الاروبية اليوم مثلا وفق إحصاء أخير تظن أن الفلسطينيين هم من قام بالاعتداء على أرض الاسرائيليين وذلك لا يناقض ما قالته ذات تلك الشعوب في ذات الفترة الزمنية تقريبا من أن شارون هو سبب حالة الطوارئ السائدة في العالم وليس من سبيل لازالة سوء الفهم بيننا وبين الناس سوى القيام على حركة ترجمة واسعة النطاق تتبناها مؤسسات رسمية وشعبية كبيرة ويدعمها أهل الخير بأموالهم ويتفرغ لها المختصون إختيارا للمادة وترتيبا لاولوياتها وتكون في الاتجاهين من المؤلفات الباسطة لمفاهيم الاسلام بأي لغة كتبت إلى اللغات العالمية السائدة ومن هذه إلى اللغات الاكثر إستخداما كالعربية والتركية والفارسية والفرنسية أما البكاء على فقدان الحوار بيننا وبين الناس وعزوف السياسيين منا ومنهم عنه وتهرب رجال الدين منهم عنه وما إلى ذلك فلا يجدي لسبب واحد بسيط وهو أننا بحاجة إلى حوار الناس في كل الاديان وبكل اللغات وفي كل الاصقاع ومهما كان قربهم أو بعدهم عنا فنحن المنتدبون من الاسلام كلمة الله الاخيرة إلى الناس إلى حوار الناس وهدايتهم وتقديم بضاعتنا إليهم وكل حوار لا يستفيد منه سوانا فوق هذه البسيطة كائنا ما كان رد فعل طرف الحوار .
لا نجاح لدعوة تهمل لغة الدنيا اليوم وخاصة الانقليزية : الدنيا اليوم تتكلم إنجليزي لا عربي أحببنا أم كرهنا ولم يأت ذلك صدفة بل جزاء وفاقا فالمنتصر ولو بقانون الغلبة والقوة والقهر يفرض دوما لغته ولا يجدينا التغني بلغة القرآن وإبراز محاسنها لان ذلك ليس محل خلاف بيننا ولكن يجدينا تعلم الانجليزية تعليما يمكننا من نشر الدعوة بلسانها ترجمة في الاتجاهين وحوارا ولا يجدينا ذلك لو إقتصر على مئات أو آلاف من الدعاة بل يجب علينا رفع شعار نعمل على تحقيقه وهو أن الداعية الجاهل بالانجليزية يشكو نقصا حادا لا بد له من تلافيه وأن الاندماج بدعوتنا بين الناس لا يتم سوىعبر الانجليزية وبعدها لا بدلنا من الفرنسية التي يتكلم بها نصف سكان القارة الافريقية وهي لغة التنصير الذي يبتلع المسلمين هناك وبعدها لا بد لنا من الاسبانية لغة القارة الاميريكية الجنوبية بأسرها سيما أننا نشترك معهم وهم ملايين مملينة في لعنة العالم الثالث والحقيقة أن قائمة اللغات التي لابد لدعوتنا منها طويلة فمنها التركية التي يرطن بها سائر المسلمين في الجمهوريات السوفياتية المستقلة وعين تركيا عليهم صباح مساء خاصة أن إستعادة التركية للحروف العربية ليس مستحيلا بعد قرون أخرى تتغير فيها المعطيات الاستراتيجية وبالمناسبة فإن عنايتنا بما نسميه تجوزا لتيسير الفهم ليس إلا اللغات الاسلامية كالفارسية التي تستخدم الحروف العربية والاردية وأهلها يعدون بمئات الملايين متواضعة جدا وليست اللغات الاروبية الاخرى سوى الانجليزية والفرنسية والاسبانية بحكم سيطرتها الدولية ببعيدة عن إحتضان دعوتنا . وللاتراك مثل جميل جدا يقول بأن صاحب اللسان الواحد أي اللغة الواحدة هو رجل واحد وصاحب اللسانين هو رجلان ولا نعدم لو إجتهدنا وخططنا وصبرنا أن يكون منا ألف داعية في العقد القادم كل واحد منهم ثلاثة رجال أم تظنون أنه عليه السلام لو كان بيننا اليوم هل تراه يأمرنا بالسريانية أي العبرية أم بالانجليزية أم بأكثر من ذلك ؟
حذق اللغة يخدم الحوار والترجمة والدعوة والاهم من ذلك كله معرفة الناس حضارات وثقافات: يظن بعض الناس أن حذق لغة ما يكفي لاتقاء شر أهلها وينسبون المعنى إليه عليه السلام ولست مطلعا بما فيه الكفاية على صحة الرواية غير أن المؤكد حال صحتها أن أكثر الناس اليوم يغرس فيهم ذلك تصورا سلبيا متشائما مغلوطا عن الناس فلا يندفع من إندفع منهم بمحض الصدفة دون تخطيط دعوي إلى تعلم اللغة سوى لابطال مؤامرات أهلها ضدنا وأنت ترى معي الحيز الضيق الذي حشر هؤلاء أنفسهم فيه والاسلام أوسع من ذلك بكثير حتى لو ضم إليه هذا المعنى الذي لايتفق معه كثيرا . والحقيقة أن حذق أي لغة يمكن من أمر آخر مهم جدا لا يجده سوى من عالجه وعاشه وهو أن اللغة هي لون تفكير أهلها ووعاء حضارتهم والمعبر عن ثقافتهم وبنك تقاليدهم وعاداتهم وليس ذلك في جانب الامثال منها فحسب ولكن كذلك في طريقة بناء جملتها وتوالدها والتعبير عن سائر المواقف والمشاهد والحاذق لها بإختصار يصبح أكثر إدراكا لطريقة تفكير أهلها يما يناسبه من التفكير عند حوارهم والتفاعل معهم بذات الطريقة فلا يصبح غريبا بينهم وهذا أمر أول من يدركه من عاش بينهم عقدين من الزمان فما فوق من أهل التفكير والاهتمام بقضايا الانسان لا مجرد من يعيش بينهم لجمع المال أو التلذذ بالطيبات أو الخبائث ولك أن ترصد هذا في الحوارات الكبيرة أو الموسعة وهذا الشرط لابد منه لحسن فهم الناس فحذق اللغة وحده لا يقوم على ذلك ولك أن تتعرف على ذلك مثلا في مناهج تفسير القرآن الكريم فالناس مثلا لا يفهمون من قوله " ولاتجعل يدك مغلولة إلىعنقك ولا تبسطها كل البسط " لو ترجمت حرفيا شيئا لذلك يجب ترجمتها معنويا ذلك أن الاية تتحدث عن معنى بلغة قوم مخصوصين وهذا كثير في سائر اللغات فبالخلاصة فإن على المثقفين المسلمين في أروبا والغرب معرفة الناس من حولهم حضارات وثقافات وتقاليد وعوائد وتاريخا ومكونات نفسية وطرائق في التفكير والسلوك فإن ذلك يساعد على حسن الفهم ومن ثم حسن الحوار وكسر حواجز سوء الفهم فإذا قمنا بذلك فإنه آن لنا أن نقول " إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء " أما قبل ذلك فلا .
ترجمة القرآن الكريم لا تعفينا من ترجمة معانيه وتفاسيره وسائر شروحه وخاصة الموضوعية : يظن بعض الناس أن ترجمة القرآن الكريم سواء ترجمة معاني أو حرفيا يعفي المسلمين من ترجمة ما سواه وهو خطأ ليس لتلافي نقائص تلك الترجمات فحسب بل لان القرآن الكريم لا يتناول موضوعا ما فيوفيه في سورة أو موضع فضلا عن آية أو سياق وإنما يقوم على ما يسمى التثنية أي عرض أفكاره مثنى مثنى في مواضع متعددة ومتباعدة لذلك كان التفسير الموضوعي اليوم خادما لتقديم الصورة القرآنية المتكاملة في موضوع ما عند العرب وذات الامر يجب أن يقدم لغيرهم ولا يتم ذلك سوىعبر ترجمة الكتب التي تتناول قضية ما من خلال القرآن ولك في كتاب تحرير المرأة في عصر الرسالة خير مثال سيما أنه إلتزم الصحيح من السنة والامثلة كثيرة لا تحصى وهو من شأنه مساعدة غير العربي على رسم صورة واضحة صحيحة عن موضوع ما إنطلاقا من القرآن وصحيح السنة .
الخلاصة هي إذن أن الدعوة الاسلامية فريضة وضرورة وهي معيار خيريتنا وما لايتم الواجب إلا به فهو واجب وعليه فإن القيام من أهل الاختصاص اللغوي والشرعي والفكري والشعبي والرسمي والمالي على حركة ترجمة واسعة منظمة طويلة المدى في الاتجاهين وخاصة للغات العالم اليوم كالانجليزية والفرنسية والاسبانية فضلا عن اللغات المسماة إسلامية واللغات الاروبية ... واجب مفروض يحقق أكثر ما نحن اليوم بأشد الحاجة إليه وهو : إزالة سوء الفهم بيننا وبين الناس دعما للحوار الحضاري بين الناس وجهل الناس بنا لا يساويه أو يفوقه سوى جهلنا نحن بهم والترجمة خير مفاتيح الحوار وحسن الفهم وإزالة أسباب التوتر
مواقع النشر (المفضلة)