+ الرد على الموضوع
النتائج 1 إلى 3 من 3
  1. #1
    ابو مالك has a reputation beyond repute ابو مالك has a reputation beyond repute ابو مالك has a reputation beyond repute ابو مالك has a reputation beyond repute ابو مالك has a reputation beyond repute ابو مالك has a reputation beyond repute ابو مالك has a reputation beyond repute ابو مالك has a reputation beyond repute ابو مالك has a reputation beyond repute ابو مالك has a reputation beyond repute ابو مالك has a reputation beyond repute الصورة الرمزية ابو مالك
    تاريخ التسجيل
    20 / 03 / 2007
    الدولة
    الأردن
    العمر
    50
    المشاركات
    6,574
    معدل تقييم المستوى
    7060

    افتراضي أضواء على نظام الحكم في الإسلام

    الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هديه. أما بعد:

    1- لابد للناس من حاكم وتشريع:

    فمن المعلوم لدى الجميع أن الإنسان اجتاعي بطبعه، ويكاد يكون من المستحيل أن يعيش وحده، فإن له حاجات لا يمكن أن يقوم بها منفرداً، فهو لا يستطيع أن يكون نجاراً وحداداً وخبازاً، ومزارعاً، ومعمارياً، وطبيباً إلى آخره، في آن واحد، هذا إضافة إلى حاجته النفسية والعاطفية إلى الأُنس بالصاحب والرفيق، حتى قيل في المثل الشعبي: "الجنة من غير ناس لا تداس"، ولما خلق الله آدم وأسكنه الجنة شعر بالفراغ والوَحدة، واستوحش فاستلقى وألقى الله عليه النوم، وحينئذ أخذ الله - تعالى - ضِلَعاً من أضلاعه وخلق منها حواء، فلما أفاق آدم رآها أمامه ففرح واستأنس، وعاش مسروراً إلى أن حدث ما حدث.

    واجتماع أناس في مجتمع يؤدي حتما إلى أن تنشأ بينهم عَلاقات ومعاملات، ومن ثَم نزاعات وخصومات، ذلك أن لهم إرادات مختلفة ومتعارضة، فكان من مقتضى ذلك أن يكون لهم تشريع ينظم هذه العَلاقات، ويحل تلك الخلافات، على قواعد الحق والعدل والخير، ويلتزم الجميع به.

    ولما كان هذا التشريع لا يمكن أن يطبق إلا إذا قام عليه إنسان له قوة وسلطان، ومساعدون وأعوان، يسهرون على تنفيذه، وإلزام الناس به، فلذا كان من البدهي أن يكون لكلِّ مجتمع رئيس أو حاكم، يحقق الأمن، ويمنع الظلم، ويقضي على الفوضى، وينظم الأمور، ويحكم في الخصومات، ويعاقب المذنب، ويوفر الحاجات التي لا يستطيع الفرد توفيرها بنفسه، وخاصة في الحياة المعاصرة المعقدة، ويدافع عن البلاد ضد الأعداء والغزاة.

    والخلاصة أن كل مجتمع بشري لابد له من قوانين وتشريعات تنظم أحواله المختلفة، كما أنه لابد له من حاكم وسلطان ينفذ هذه التشريعات، ويدبر الأمور ويسوس الناس على هديها، وهذا الذي أدركه الشاعر الجاهلي القديم وعبَّر عنه بفطرته السليمة فقال:




    [frame="13 80"]
    لا يَصْلُحُ النّاسُ فَوْضَى لا سَراةَ[1] لَهُمْ
    وَلا سَراةَ إذا جُهّالُهُمْ سادُوا
    [/frame]



    وعبَّر علماء الاجتماع المعاصِرون كالمفكر الفرنسي جان جاك روسو عن وجود الحكومة بأنه: عقد اجتماعي قام بين الناس وحاكمهم، تعاقدوا فيه معه على أن يقوم بتدبير أمورهم وَفق طريقة معيَّنة، ونظام تعارفوا عليه، مقابل تنازلهم عن صلاحيات يعطُونها له من الطاعة والمال وحرية التصرف وَفق النظام الذي حددوه له، واتفقوا معه عليه.


    2- التشريع الوحيد الصالح لكلِّ زمان ومكان هو التشريع الإسلامي المستند إلى العقيدة الإسلامية:

    إنه لابد لأي تشريع حتى يتقبله الناس وينفذوه من أن يكون الذي وضعه لهم موضع ثقة عندهم واحترام وقدسية، فلابد أن يكون واسع العلم بحاجاتهم وواقعهم ونفوسهم، وأن يكون على قدر كبير من الكفاءة والكمال، والعدالة والنزاهة، غير منحاز لفريق منهم على فريق آخر.

    وهذه الصفات لا تحقق ولا تتوفر إلا في التشريع الإسلامي، ذلك لأن واضعه ومشرعه هو الله - جل شأنه وتقدست أسماؤه - ولأنه - سبحانه - -:
    أ- العالِم الذي ينتهي العلم كله إليه، والذي أحاط بكل شيء علماً، عالم الغيب والشهادة، علام الغيوب، العليم بما في الصدور، العالم بما كان وما يكون، وبالصغير من الأمور والجليل، هو خالق الأشياء جميعاً، وبارئ البشر كافة، بأجناسهم وأنواعهم وأصقاعهم، المطلع على سرائرهم وخفاياهم؛ {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}؛ [الملك: 14].

    ب - وهو - سبحانه - المنزه وحده عن الهوى، والميل لبعض خلقه دون بعض وعن المداهنة والمحاباة، فكل البشر عبادُه، هو خلقهم، ومن مادة واحدة أنشأهم، ولا تربطه بأي واحد منهم أو بأي طبقة أو جنس أو عِرق صِلة خاصة، أو قرابة معينة، أو رغبة أو رهبة، أو منفعة أو أي عَلاقة تدفع للخروج بالحكم عما يقتضيه الحق والعدل والصواب، فهو حين يشرع لهم تشريعاً فإنه يراعي فيه مصلحتهم جميعاً، ويراعي الحِكْمة العليا التي تتصف بها أفعاله كلها، ويعدل بينهم جميعاً دون تمييز أو تفريق بينهم.

    والمصلحة التي يراعيها في سياسته مع عباده لا تنحصر في حدود الدنيا فقط، بل تشمل المصلحة الدنيوية والأخروية معاً، ولا شك أن المصلحة الأخروية أهم وأعظم، ولذلك فقد يرى الإنسانُ بنظره القاصر أن فيما شرعه الله تفويتاً لبعض منافعه ورغباته الدنيوية، ولكنه لو أمعن النظر لرأى أن ذلك خير له وأنفع بما لا يقاس ذلك أن الأمر كما قال – - سبحانه - -: {وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى}؛ [الأعلى: 17].

    ومن أهم الأسباب التي تجعل التشريع الوضعي غير صالح، أن من يقوم بوضعه من البشر لا يمكن أن يخلو من الهوى، والميل لبعض الناس أو الطبقات أو الشرائح الاجتماعية، فتلك طبيعة البشر، مهما سمت منزلتهم، وعلت مكانتهم، فإن كان المشرع غنياً فإنه يراعي مصلحة الأغنياء، وإن كان فقيراً فإنه سيراعي في تشريعه مصلحة الفقراء، وإن كان عاملاً راعى مصلحة العمال، أو فلاحاً راعى مصلحة الفلاحين، أو عسكرياً راعى مصلحة العسكر، وإن كان رجلاً راعى مصلحة الرجال، وإن كانت امرأة راعت مصلحة النساء، وقُلْ مثل ذلك في الشعوب والأمم، فإن كان المشرِّع عربياً فإنه سيميل بتشريعه نحو مصلحة العرب، وهكذا إذا كان تركياً أو فارسياً أو كردياً إلى آخره.

    أما الله - سبحانه - فهو بريء من الهوى، والميل إلى بعضهم، وهو منزه عن الحيف على أحد منهم، لأنهم كلهم - كما سبق – عباده، ولا تربطه بأحد منهم أي رابطة.

    وقد يظن بعض الناس أن للدين تأثيراً في ذلك، وأن الله يحابي المسلمين على حساب غيرهم، وينحاز في تشريعه إليهم. وهذا خطأ، فإن الله - عز وجل - هو الحق، ودينه الحق، والحق هو العدل، وهو القائل في كتابه الكريم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى}؛ [المائدة: 8]، فهو ينهى المؤمنين عن الظلم، والحيد عن الحق، ولو كان الذي عليه الحق كافراً أو عدواً، ويأمرهم بأن يحكموا بالعدل ويشهدوا بالحق دون أن يتأثروا في ذلك بأي عَلاقة ولو كانت عَلاقة الدين نفسه؛ يقول - سبحانه - في الحديث القدسي: ((يا عبادي إن حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً، فلا تظالموا))؛ رواه مسلم عن أبي ذر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ربه - تبارك وتعالى.

    فالعدل هو شرع الله في الدنيا والآخرة، أما في الدنيا فواضح في نصوص الكتاب والسنة، كما هو واضح في تاريخ الإسلام حينما كان الإسلام الحاكم في حياة المسلمين، وأخبار العدالة المثالية في عهود السلف الصالح تعطر صفحات التاريخ، وقد اعترف بها العدو والصديق، وضربت بعدالة العمرَين: عمر الفاروق، وعمر بن عبد العزيز وأمثالهما الأمثال، وكان ذلك مما دفع الشعوب المختلِفة إلى الدخول في دين الله أفواجاً.

    وأما العدالة في الآخرة فتتمثل في مجازاة كل إنسان بعمله {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ}؛ [الزلزلة: 7، 8].

    ويلاقي كل إنسان المصير الذي يستحقه فيدخل المؤمنون جنات النعيم، ويصلى الكافرون نار الجحيم، ويحاسب الجميع على أعمالهم، ولا يكون لأحد حجة عند الله، وهو - سبحانه - لا يظلم أحداً مثقال ذرة، بل إنه يقول له: {اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً }؛ [الإسراء: 14]، وأي عدل أسمى من أن يقال للمتهم الذي يحاكم: احكم أنت بنفسك على نفسك، فإنا راضون بذلك؟! وفي ختام: الحديث القدسي السابق يقول الله – تعالى -: ((يا عبادي إنما هي أعمالكم، أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيراً فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومنَّ إلا نفسه)).

    ولبيان الحق نقول: إن في الشريعة الإسلامية بعض الأحكام التي يتميز بها المسلمون على الكافرين في المعاملات الدنيوية، مثل منع غير المسلمين من تولي رئاسة الدولة الإسلامية، أو بعض الإدارات المهمة، ومثل عدم قتل المسلم بالكافر، وجعل دية الكافر على النصف من دية المسلم، ومثل تحريم زواج الكافر بالمسلمة، وغيرها مما هو مذكور في مَحَله، فهذه الأمور إنما هي استثناءات قليلة، ولها حِكَم وأسباب؛ منها: أن الدولة المسلمة وظيفتها تطبيق أحكام الإسلام ونشر عقيدته، وحمايته ودعوة الناس إليه، والجهاد في سبيله، فمن غير المقبول ولا المناسب أن يُعهَد إلى من لا يؤمن بالإسلام القيام بذلك. إن هذا ضد طباع الأشياء، ومناقض للنظر السليم.

    ومن الحِكَم الأخرى أن تولية غير المسلم المناصب الكبرى في الدولة المسلمة يؤدي إلى فتنة الناس عن دينهم، ذلك أن الناس مولعون بالتشبه كبرائهم ووجهائهم، وتقليدهم في أخلاقهم وأعمالهم ومظاهرهم، فإذا تولى غير المسلمين تلك المناصب فإن ذلك يؤدي إلى محبتهم والاقتداء بهم، وهذا مناقض للرسالة التي جاء بها الإسلام، إذ يَعُدُّ الأديان الأخرى باطلة، وإنما جاء الإسلام بالهدى والحق وحده. ومطلوب من المسلم أن يكون قدوة للناس وأسوة برشدهم ويهديهم إلى السبيل القويم، لا أن يكون ذيلاً لهم ومقلداً، ومن غير المقبول أن يكون المبصر السميع متبعاً للأعمى الأصم.

    وللأحكام الاستثنائية الأخرى في معاملة غير المسلمين أسباب وجيهة، وحِكَم مهمة، ومصالح كبرى، ليس هذا مجال تفصيلها، وقد يعلم الإنسان بعضها ويجهل بعضها الآخر، ولكن علينا أن نؤمن بما قرره ربنا - سبحانه - وهو القائل: {وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ}؛ [البقرة: 216].

    ج - وهو - سبحانه - الكامل المبرأ من كل نقص وعيب، والمعصوم من كل خطأ، فما حكَم به فهو الحق، وما قاله فهو الصدق، وما شرعه فهو العدل والخير والهدى، ولهذا فإن التشريع الإلهي المحفوظ من التغيير والتحريف والتبديل الذي أنزله على عبده ورسوله محمد - صلى الله عليه وسلم - هو الكامل وحده، وما سواه إما تشريع إلهي أنزل على بعض الرسل السابقين ولكنه ضاع ولم يحفظ، ولم يسلم من التحريف والتبديل، فلا يوثق به، وإما تشريع بشري، واضعه مهما سما وعلا ففيه كل صفات البشر من الجهل والنقص والخطأ والهوى، فلا يصلح؛ والدليل على ذلك أنه ما إن يوضع تشريع ما: دستور أو قانون في بلد ما وفي زمن ما إلا ويجد الناس عند تطبيقه ثغرات وأخطاء ومفاسد، فيحاولون علاجه بتفسير غريب، أو تأويل متكلَّف، أو تعديل أشبه بالترقيع، وأحياناً كثيرة بالإلغاء والإبطال، ولو فرض أنه وجد صالحاً لمجتمع ما أو زمن ما، فإنه لا يكون صالحاً لكل المجتمعات ولكل الأزمنة، هذا مع العلم أنه لا يتوصل الناس إلى صلاح تشريع ما إذا توصلوا إلا بعد تجارب طويلة وتضحيات جسيمة، وأزمان مديدة، ويكلفهم ذلك من الجهود المضنية والشقاء الطويل، والحياة البائسة التعيسة ما لا يمكن وصفه ولا إدراكه، ولذلك كان أعظم نعم الله على العباد هذا القرآن العظيم وهذه السنة النبوية الشريفة اللذَين أخرج الله بهما الناس من الظلمات إلى النور، ووفر عليهم بهما كل ذلك الشقاء والتجارب والتضحيات.

    وما نقوله ليس كلاماً نظرياً وفرضيات خيالية، بل هو واقع ملموس وأمر مجرب، فهذا التاريخ يشهد أن المسلمين حينما آمنوا بهذا الدين العظيم وطبقوه واهتدوا بهداه، وتأدبوا بآدابه، كانوا خير أمة أخرجت للناس، وعاشوا سعداء، أعزاء سادة قادة منعمون في رضا من الله، وطمأنينة في النفس وراحة في الضمير، وبحبوحة في العيش، وأمن وسلام، هذا إضافة إلى ما ينتظرهم في الآخرة من النعيم المقيم، والسعادة العظمى، التي لا توصف في جنات الخلود.

    وأما حين أعرضوا عن هدي الله وشرعه فإنهم كما نراهم اليوم في تعاسة وشقاء، وفرقة وشقاق، وتسلط من الأعداء، يستبيحون بلادهم، ويحتلون أوطانهم، وينتهكون أعراضهم، ويغتصبون ثرواتهم - وضعف وهوان، وتأخر وانحطاط، وفقر شديد للكثرة الكاثرة منهم، وغنى مطغى للقلة القليلة جداً منهم، وخلاف في الآراء، وصراع في الاتجاهات، وصدق الله القائل: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى}؛ [طه: 123-124].

    والخلاصة أنهم لم يجنوا ولن يجنوا من الإعراض عن دين الله إلا شقاء ونكداً وتعاسة في الدنيا، وعذاباً أليماً مهيناً دائماً في الآخرة.

    وأما غير المسلمين ممن يتخذ التشريع الوضعي، ويغتصب حق الله في التشريع، ويجعل نفسه إلهاً من دون الله، فحالهم أشد وأنكى، إنهم في حَيرة وضياع، ولا يزالون يجربون ويجربون، ويعانون من ذلك الوَيلات، ويجرُّون على أنفسهم وبلادهم ألوان العذاب والشقاء، وأصناف البؤس والأذى والأخطار.

    والأدلة والشواهد على ذلك تملأ صفحات التاريخ البعيد والقريب، فمن يجهل ما حصدته أُوروبا والعالم أجمع خلال ربع قرن من الزمان من حربين عالميتين، أتت على الأخضر واليابس، وأهلكت الملايين، بل عشرات الملايين من البشر، دمرت الحرث والنسل، والحيوان والنبات، والبنيان، ومختلف المنشآت التي صرفت فيها مليارات الدولارات، وكله من كد الشعوب المسكينة وعرقها ودمها، وما هو السبب؟ إنه تلك النظريات العرقية عن فضل بعض الشعوب وتفوقها على الشعوب الأخرى، وطمع بعضها في ثروات غيرها، وتنافسهم جميعاً على ما في البلاد الأخرى من الخيرات والمنافع والمطامع.

    ومن لم يشهد تلكم الحربين الفظيعتين، فمن يجهل تَجرِبة الحكم الشيوعي في الاتحاد السوفيتي، ودول المعسكر التابع له، الذي يضم عشرات الدول، وما قاساه الناس الذين خضعوا له خلال القرن الماضي من التعذيب والشقاء والتشريد والخوف والقتل والسجن، والقمع، والحكم البوليسي الاستعبادي الرهيب، هذا إضافة إلى الفقر الشديد والحرمان القاسي من أنواع الرفاهيه التي كان يتمتع بها المعسكر الآخر والبلاد الأخرى، فضلاً عن حرمان الناس من الحرية الدينية، ومن إجبارهم على الإلحاد، وفرضه عليهم تعليماً وتثقيفاً ودعاية.

    والسبب في ذلك كله نظريات ونظم وشرائع وضعية تبدت لبعض من يدعَون مفكرين، روَّجوها لدى العامة والغوغاء، وزخرفوها وزوقوها بمختلف المساحيق والزينات، وأججوا بها حرباً طبقية ضروساً، فأثاروا الأحقاد والأضغان، والإحن والعداوات بين أهل البلد الواحد؛ بين الفقراء والأغنياء، ثم بينهم وبين البلاد الأخرى بغية تصدير الثورة إليها، ونشر الشيعوعية فيها، وبذلت الجهود الهائلة والطاقات، وصرفت الأموال والثروات، خلال عشرات السنين لأجل الصناعة الحربية، والصراع على امتلاك أحدث الأسلحة وأفتكها، وكم أدى التسابق الحربي للسيطرة على الفضاء إلى خسائر وأضرار وويلات، ثم ماذا!

    لقد تبين لقادة النظام الشيوعي أنفسهم قبل غيرهم أن نظريتهم كانت خاطئة، وأن نظامهم كان فاسداً ومخالفاً للفطرة والعلم والواقع، فانقلبوا عليه، وهدموه بأنفسهم وبأيديهم، وذهبت تلك التضحيات والجهود والطاقات هباء منثوراً.

    تنبيه:
    وليس بياننا لفساد النظام الشيوعي تزكية للنظام الرأسمالي، أو أن معناه أن النظام الآخر صالح وجيد وأنه هو الحل المنشود، كلا فما قام النظام الشيوعي أصلاً إلا لعلاج الفساد الواقع في النظام الرأسمالي، فكان ردة فعل له، ولكنه كبقية ردود الأفعال ذهب بعيداً جداً في العلاج، فكان بقاء ذلك الفساد خيراً أو أخف شراً من ذلك البديل الذي جُعل له، ولله در الشاعر العبقري أحمد شوقي رحمه الله إذ قال مقارناً بين النظام الذي جاء به محمد بن عبدالله - صلى الله عليه وسلم - من لدن ربه، وبين النظام الاشتراكي أو الشيوعي الذي أريد أن يكون علاجاً للنظام الغربي الرأسمالي فقال مخاطباً النبي الأمين - صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله -:



    [frame="13 70"]
    الاشْتِراكِيُّونَ أَنْتَ إِمامُهُمْ
    لَوْلا دَعاوَي القَوْمِ والغُلَواءُ
    داوَيْتَ مُتَّئِداً، وداوَوْا ظَفْرَةً
    وأَخَفُّ مِنْ بَعْضِ الدَّواءِ الدَّاءُ
    [/frame]


    ومن الغريب أن الشيخ تقي الدين النبهاني - رحمه الله - هاجم في بعض كتبه أو نشراته هذه الآبيات، وفهم منها أن الشاعر يمدح الاشتراكية وينسب النبي - صلى الله عليه وسلم - إليها، وأنه إمامها، وغفل - رحمه الله وعفا عنه - عن الغرض من وجود أداة (لولا) التي تفيد امتناع الجواب لوجود الفعل، كما غفل عن البيت الثاني الذي يبين فيه أن بقاء المرض أخف وأهون وأفضل من ذلك الدواء الذي جاءت به الاشتراكية، فأين في البيتين ما يعاب وما يؤاخذ عليه؟!

    د - وإضافة إلى ما سبق فإن الله - سبحانه – له وحده القدسية والهيبة والخوف والمحبة في نفوس كل البشر، وإن اختلفت تصوراتهم عن الإله وعن دينه، ما عدا قلة قليلة جداً من الملحدين الذين لا يؤمنون بإله، وهؤلاء لا وزن لهم فالحكم إنما هو للغالبية العظمى للبشر.

    ولا شك أن التشريع الذي يراد تطبيقه على أي مجتمع يجب أن يكون محترماً ومقبولاً من الناس، ولا يكون كذلك إلا إذا كان واضعه محترماً عندهم وموضع ثقة وتعظيم، وإلا استهانوا به وسهل عليهم مخالفته والتحايل عليه، وخاصة إذا خالف أهواءهم ومصالحهم، وهذا في الحقيقة من أهم مشاكل المجتمعات البشرية، فقد توفق هذه المجتمعات إلى وضع قانون صالح لأمر من أمور الحياة، ولكنها تخفق في تطبيقه، ونفاجأ بالمخالفات الكثيرة له، ذلك أنها لا تستطيع أن تضع لكل فرد فيها شرطياً يراقب تصرفاته وأعماله، وما أكثر الحيل التي يخترعها البشر للفرار من العقوبة، والسبب في ذلك أنه ليس لهذه القوانين ولا لواضعيها قداسة عندهم، ومكانة واحترام تدفعهم لتنفيذها، أما التشريعات التي وضعها لله - سبحانه - فإنها لها المكانة العظمى والقدسية الكبرى، وكامل الثقة والاحترام مما يدفع الناس إلى تطبيقها، بوازع من داخل نفوسهم، سواء وجد الرقيب أم لم يوجد.

    وسواء هددوا بالعقاب إذا خالفوها أو لم يهددوا، نعم قد يوجد ناس يكون ذلك الوازع ضعيفاً في أنفسهم، ولكن الغالبية العظمى من الناس يخشون إذا خالفوها عقاب الله وانتقامه وهو القوي القادر الذي لا راد لأمره، والمطلع على أحوالهم مهما تخفَّوا ومهما استتروا، وهو شديد العقاب، ومالك الملك، له الأمر وله الحكم، لا إله إلا هو، وشتان بين قانون يضعه الله - عز وجل - وآخر يضعه بشر فيه من عيوب البشر ما فيه، ولذلك ترى الناس إذا أراد أحدهم أن يؤكد أمراً أقسم بالله - عز وجل - ليصدق الناس، وفي الخصومات تشترط دور القضاء والمحاكم حتى تأخذ بشهادة إنسان أن يقسم بالله على قوله، لأنهم يعلمون جلال الله في نفوسهم وعظمته، وأنه لا يتجرأ أحد أن يقسم به إذا كان كاذباً؛ خوفاً من بطشه وانتقامه في الدنيا والآخرة، وأما إذا أقسم بغيره فما أسهل أن يتجرأ على الكذب؛ لأنه يكون غالباً في مأمن من العقاب، ولذلك فلا يُعتَد بقسمه عند الناس وفي المحاكم وغيرها، ويؤكد ذلك في واقع الناس أنك إذا عاتبت إنساناً مثقفاً أو عامياً، على مخالفته بعض القوانين الوضعية أجابك: هل هو قرآن منزل حتى لا نخالفه؟! فهذا أكبر دليل على أن للقانون الإلهي مكانة كبرى في نفوس الناس، تدفع إلى تنفيذه وعدم مخالفته؛ لأنهم إن أمنوا أن تطَّلع أجهزة الدولة على فعلهم فإنهم يعلمون أن الله مطلع عليها، وأنهم سيقفون بين يديه في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون ولا جاه ولا سلطان، ولا شافع ولا نصير إلا الإيمان والعمل الصالح.

    ويتبين مما سبق أن التشريع الإسلامي لا ينجح، ولا يؤتي ثمراته اليانعة ونتائجه الباهرة إلا إذا كان مصحوباً بالعقيدة الإسلامية، فهو مبني عليها، ومستند إليها، وصدق من قال: "خذوا الإسلام كله أو فدعوه". وقبل ذلك قول الله - عز وجل - في محكم التنزيل منكراً على من يؤمن ببعض الدين ويكفر ببعض: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [البقرة: 85]. ومثل ذلك: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيْنَ اللّهِ وَرُسُلِهِ وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً * أُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقّاً وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُّهِيناً }؛ [النساء: 150، 151].

    ملحوظة:
    نظراً لأن الموضوع واسع وله شعب كثيرة، ولا يمكن في هذه العجالة تفصيله وعرضه كما سبق، فإنني أكتفي بعرض رؤوس أقلام لأهم المسائل التي لم تعرض، أو عرضت عرضاً غير واف أو فيه ثغرات، فأقول:

    3- المسلم ملزم منذ نطقه بالشهادتين، وإقراره بهما عند سن التكليف بكل ما ورد في الكتاب والسنة، فلا يجوز له أن يعمل عملاً مخالفاً لما أمر الله به، فإذا فعل ذلك وهو معترف بخطئه فهو مسلم، وأما من استحل المعصية وأنكر الأوامر أو الأخبار الثابتة في الوحيين أو أحدهما أو بعضاً منها وأقيمت عليه الحجة فإنه يخرج من دائرة الإسلام.

    ولذلك فمن يقول بفصل الدين عن الدولة أو عن الحياة ومن يدعو إلى نظام أو عقيدة أو فكرة تخالف الإسلام فإنه يعد كافراً خارجاً عن الملة بشرط أن يبلغ ذلك، ويبين له وتقام عليه الحجة، فإن السياسة جزء من الإسلام، وكذلك الاقتصاد وبقية شؤون الحياة؛ قال الله – تعالى -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً}؛ [البقرة: 208]. والسلم هو الإسلام. وتوعد من يؤمن ببعض الدين ويكفر ببعضه {أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض}؛ [البقرة: 85]. وقال: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}؛ [الأنعام: 162]. وقال: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ}؛ [النحل: 89].

    4- تسمى رئاسة الدولة الإسلامية الإمامة أو الخلافة:

    ومهمتها تدبير أمور المسلمين الدينية والدنيوية ورعايتها وتنفيذ حكم الله فيهم، وحمل الدعوة الإسلامية إلى العالم ونشرها وحمايتها، ونصرة المظلومين في كل مكان، وتنفيذ الحدود (العقوبات) وتوفير الأمن والعمل للناس، وتيسير التعليم الأساس لهم جميعاً، وتحصين الثغور وحماية البلاد من العدو، وتوليه الولاة الأكْفاء ومراقبتهم، والإشراف على أمور الأمة عامة.

    5- لنظام الحكم الإسلامي أسس أهمها:

    1 - وجوب قيام الإمام بواجباته في رعاية مصالح الأمة وإقامة حكم الله والعدل فيها.
    2- وجوب طاعة الأمة للإمام في كل شيء إلا في المعصية، لا سمع فيها ولا طاعة.
    3- وجوب الشورى، فعلى الإمام أن يشاور الأمة متمثلة في أهل الحل والعقد والعلم والفقه ولا يستبد بالأمر دونها.
    4- لا تنعقد الإمارة للإمام إلا إذا بايعته الأمة، وأهل الحل والعقد فيها.


    6- النظام الإسلامي نظام خاص فريد متميز:
    فلا يجوز أن يوصف (بالديكتاتوري) ولا الملكي ولا الديموقراطي ولا الديني ولا القومي ولا الوطني ولا الإنساني ولا الاشتراكي ولا الرأسمالي ولا الجمهوري إلى آخره.

    لأن لهذه الأسماء معاني وظلالا خاصة في أذهان الناس، وقد يلتقي الإسلام مع بعضها في بعض الأمور ولكنه يختلف معها في أمور أخرى كثيرة.


    7- وضع الإسلام الأصول والأسس لأنظمته المختلفة:

    وقد ترك التفصيلات وتحديد الآليات والأساليب لأهل الاجتهاد في كل زمان، لأن هذه الأمور تتغير وتتطور، ولا يلزمنا الإسلام بطريقة أو آلية معينته. ويوضح ذلك أن طريقة اختيار الخليفة قد تنوعت في عهد الخلفاء الراشدين المهديين الذين أثنى عليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فالخليفة الأول كانت طريقة اختياره بالانتخاب المباشر من أكثرية أهل الحل والعقد، بينما الخليفة الثاني تم اختياره بمشورة الخليفة للناس وترشيحه وموافقتهم عليه إمامهم القادم، وتم اختيار الخليفة الثالث بتعيين ستة مرشحين ينفقون فيما بينهم على أحدهم، وأما الخليفة الرابع فتم اختياره بلجوء الناس وأهل الحل والعقد إليه، وطلبهم منه تولي الأمر ومبايعتهم له، وهكذا، ويمكن للأمة أن تجتاز طريقا أخرى إذا رأتها مناسبة لظروفها وزمانها.

    8-يدعي ؟؟؟؟؟؟؟؟ أن الله قد عين ؟؟؟؟ وأحد عشر من ذريته أئمة للمسلمين وجعلهم معصومين في دينهم ودنياهم، وأمر بطاعتهم وعد من لم يقر بذلك كافراً، وهذه دعوى باطلة، عمدتها روايات ساقطة، لم يصح منها شيء.

    9-يشترط في الخليفة أن يكون ذكراً[2] عاقلاً حراً مكلفاً عالماً (أي مجتهداً) عدلاً حسن السيرة والأخلاق، حازماً قوي الشخصية، قرشياً، وإذا لم يتوفر أحد يتصف بهذه الشروط كلها يسامح في الشروط الأقل أهميته وتأثيراً على القيام بوظيفته، فيقدم العالم الصالح الشهم ذو الكفاءة على القرشي فاقد العلم أو الصلاح أو الكفاءة، وهكذا، وهذه الصفات تختلف أهميتها حسب الظروف والحاجة، فالحاجة وقت الحرب غير الحاجة وقت السلم وهكذا، ومن فقد أحد الشروط فعليه الاستعانة بأصحاب ذلك الشرط والأخذ برأيهم.

    10-يجوز تحديد مدة ولاية الخليفة بعدد من السنين يتفق عليه، وأفضِّل أن يكون خمساً، كما يجوز إطلاقها حتى الوفاة، ويجوز تجديدها مرة أو مرتين.

    11-طريق اختيار الخليفة يجوز أن يكون بالانتخاب المباشر من الأمة، ويجوز أن يكون بطريق الاختيار غير المباشر بواسطة نواب الأمة وممثليها.

    12-يجوز للخليفة أن يستقيل من منصبه، كما يجوز أو يجب أن يقال أو يعزل بطريقة سلمية عن طريق أهل الحل والعقد إذا أخل بواجباته، كأن يرتد عن الإسلام، أو يغير شيئاً من قواعده وأصوله، أو يضيع أموره وشرائعه، كأن يبتدع بدعة كبيرة تخالف الوحيين والإجماع، أو يترك الحكم بالشريعة الإسلامية، ويحكم بغيرها من غير إكراه، أو يقوم بأعمال أو قوانين تفسد مصالح المسلمين ودنياهم وتضيعها، أو يصبح في حال لا يتمكن فيه من القيام بأعباء الخلافة كأن يصاب بالجنون أو يفقد بعض حواسه المهمة أو يصاب بمرض عضال.

    13-إذا لم يمكن عزله بطريقة سلمية في الحالات السابقة فهل يجوز أن يتوصل إلي ذلك بالقوة، والثورة عليه، في ذلك خلاف، فالجمهور على منع ذلك، ومن السلف من رأي جوازه إذا لم يؤد ذلك إلى ضرر أكبر من بقائه، ودليله خروج كثير من الصحابة والتابعين على أئمة الجور؛ كخروج الحسين بن على، وعبد الله بن الزبير، وزيد بن علي بن الحسين، وأهل المدينة، والقراء من أهل البصرة، وغيرهم على يزيد بن معاوية ومروان بن الحكم وعبد الملك بن مروان، وهشام بن عبد الملك، والحجاج بن يوسف وغيرهم.

    14- لا يعد الخارج على إمام الجور الذي فحش ظلمه، وعظمت المفسدة منه، وتعطلت الحقوق بوجوده باغياً عند هؤلاء.

    15- يجب طاعة الخليفة ولا يجوز الخروج عليه إذا كان عادلاً صالحاً أو إذا أتي بعض المعاصي والمظالم مادام يقوم بمقاصد الولاية ويحكم بالشرع، ومن خرج عليه فهو باغ يجب قتاله حتى يرجع أو تنكسر شوكته.

    16- توهم بعضهم أن الإسلام أوجب السمع والطاعة للإمام وتحمل ظلمه، وحرم الخروج عليه إلا إذا أظهر الكفر البواح، أو ترك إقام الصلاة في المسلمين كما ورد في بعض الأحاديث، وهذا فهم سطحي ظاهري لها، والحق أن المراد من هذه الأحاديث أنه لا يجوز الخروج على الإمام بسبب أمور صغيرة وقليلة يعود ضررها على شخص الإمام أو عدد قليل من الناس، ما دام يقوم بوظائف الإمامة، ويحكم بالشرع، لأن الخروج عليه في هذه الأحوال يعرض حياة الناس إلى الفتن والاضطراب وعدم الاستقرار.

    أما إذا ضيع المقصود من الإمامة كأن يغير الشرع، أو يفسد شؤون المسلمين، أو يعظم ظلمة وضرره على الرعية، فيجوز، وقد يجب الخروج عليه إذا لم يؤد ذلك إلى مفسدة أكبر، والأصل في ذلك كله إعمال القاعدة الشرعية باختيار أو تحمل أخف الضررين لدفع أكبر المفسدتين.

    وفي كل الأحوال يجب أداء النصح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومحاولة الإصلاح بالحسنى - قبل أي عمل، فذلك من أهم واجبات الدين، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((الدين النصيحة))[3].

    17- إذا استولى رجل على الحكم بالقوة، وملك زمام الأمور فيجب طاعته إذا كان يقيم شرع الله ويرعى مصالح المسلمين، ويجوز تولية المفضول مع وجود الفاضل عند الضرورة كأن يتوقع حدوث فتن وأضرار إذا تولى الفاضل، وذلك من باب تحمل أخف الضررين أيضا.

    18- لا يجوز نصب خليفتين للمسلمين جميعاً ما دام نصب واحد ممكنا، والخليفة الشرعي المطاع هو الذي بويع أولاً، ويجب انسحاب الثاني فإن أبى فيعزل، وإلا فيقتل، ويجب أن يكون للمسلمين في شتى أقطارهم خليفة واحد، وحكومة مركزية واحدة، ولكل قطر والٍ معين من قبل الخليفة، يتمتع بحكم شبه ذاتي فيه نوع من الاستقلالية تحدد تفصيلاتها ولكن يجوز تولية أمير أو أكثر في بعض الأحوال للضرورة، كأن يخلو الزمان من خليفة، فلا يجوز بقاء المسلمين من دون وال، فيختار المسلمون لهم أميراً في كل بلد يصل حكمه إليه، أو تتسع الخلافة الإسلامية ويكون قطر منها بعيداً جدا لا يصل سلطان الخليفة إليه فيعين أمير لهم ولا يكون خليفة.

    19- يجب أن تقوم الدولة الإسلامية على مؤسَّسات وأجهزة تضمن عدم الانحراف والبغي، ووقوع الفساد؛ وأهم هذه المؤسسات، القضاء، والمجلس التشريعي، الذي يضم العلماء والفقهاء لمراقبة شرعية القوانين ومجلس الشورى الذي يضم أهل الحل والعقد من ممثلي الأمة، إضافة إلى المؤسسة التنفيذية، التي تتمثل في الحكومة والوزراء والولاة.

    ويجب فصل هذه المؤسسات بعضها عن بعض، وتوفير الاستقلال لها، لسلامة قيامها بوظائفها وتوفير الحرية لها لمحاسبة السلطة التنفيذية ونقدها، ويرجع إلى السلطة القضائية في الخلافات التي تنشأ بين هذه المؤسَّسات.

    20 - يُسمح للشعب بإصدار الصحف ووسائل الإعلام المختلفة، وإنشاء الجمعيات، والنوادي، والمدارس، والأحزاب ضمن دائرة الإسلام، وبضوابطَ معينة مثل عدم التعصب لإنسان أو فئة، وألا يكون همها الوصول إلى الحكم بأي طريق، وأن تتأدب بآداب الإسلام من عدم تفرقة المسلمين، ونشر العداوات والخصومات بينهم، ويمنع ما يخالف الإسلام من ذلك كله.

    21- لا يجوز أن يطلب أحد تولي الإمارة خلافة كانت أو ولاية، ولا يجاب إليها إذا وجد أكْفاء غيره لهذا المنصب؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((إنا والله لا نولي على هذا العمل أحداً سأله، ولا أحداً حرص عليه))؛ رواه بنحوه أحمد والشيخان (البخاري 8/107، ومسلم ص 1456، واللفظ له). أبو داود والنسائي عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - وأما إذا لم يوجد أكْفاء لها غيره فيجوز له، بل يجب أن يطلبها؛ لأن في تولية غير الكفء لها ضرراً كبيراً على المسلمين، وتفويتاً لكثير من مصالحهم، ويدل على ذلك ما فعله يوسف - عليه السلام - فقال للملك: {اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ}؛ [يوسف: 55]. وما فعله سيف الله خالد بن الوليد في سرية مؤتة، بعد استشهاد امرائها الثلاثة الذين ولاهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رواه البخاري وبوب عليه بعنوان "من تأمر في الحرب بغير إمرة إذا خاف العدو".
    ـــــــــــــــــــــ
    [1] بفتح السين جمع سري وهو الشريف، والمراد الحكام والأمراء.
    [2] لقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ((لن يفح قوم ولوا أمرهم امرأة)) رواه البخاري والترمذي والنسائي واللفظ للبخاري.
    [3] رواه مسلم عن تميم بن أوس الداري.



    محمد عيد العباسي

    بتصرف يسير

     
  2. #2
    صناع الحياة has a reputation beyond repute صناع الحياة has a reputation beyond repute صناع الحياة has a reputation beyond repute صناع الحياة has a reputation beyond repute صناع الحياة has a reputation beyond repute صناع الحياة has a reputation beyond repute صناع الحياة has a reputation beyond repute صناع الحياة has a reputation beyond repute صناع الحياة has a reputation beyond repute صناع الحياة has a reputation beyond repute صناع الحياة has a reputation beyond repute الصورة الرمزية صناع الحياة
    تاريخ التسجيل
    09 / 06 / 2005
    الدولة
    مصر
    العمر
    51
    المشاركات
    21,349
    معدل تقييم المستوى
    26549

    افتراضي رد: أضواء على نظام الحكم في الإسلام

    موضوع رائع
    بارك الله فيك وجزاك كل الخير
    مع الشكر والتقدير

     
  3. #3
    ابو مالك has a reputation beyond repute ابو مالك has a reputation beyond repute ابو مالك has a reputation beyond repute ابو مالك has a reputation beyond repute ابو مالك has a reputation beyond repute ابو مالك has a reputation beyond repute ابو مالك has a reputation beyond repute ابو مالك has a reputation beyond repute ابو مالك has a reputation beyond repute ابو مالك has a reputation beyond repute ابو مالك has a reputation beyond repute الصورة الرمزية ابو مالك
    تاريخ التسجيل
    20 / 03 / 2007
    الدولة
    الأردن
    العمر
    50
    المشاركات
    6,574
    معدل تقييم المستوى
    7060

    افتراضي رد: أضواء على نظام الحكم في الإسلام

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة صناع الحياة مشاهدة المشاركة
    موضوع رائع
    بارك الله فيك وجزاك كل الخير
    مع الشكر والتقدير
    الأروع تواصلك الدائم أخي صناع الحياة

     

 
+ الرد على الموضوع

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

     

مواقع النشر (المفضلة)

مواقع النشر (المفضلة)

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك